المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إنكاره القول بعدالة الصحابة والرد عليه: - الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌زعمه قَصْر الهجرة على المهاجرين قبل الحُديبية، وقَصْر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية، والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآية {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآية: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} ، والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآيات سورة الحشر والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الحديد والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الأنفال والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الفتح والرد عليه:

- ‌استدلالُه بحديث: ((المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض)) والرد عليه:

- ‌استدلالُه بحديث: ((الناسُ حيِّز وأنا وأصحابي حيِّز)) والرد عليه:

- ‌تشكيكه في أفضلية أبي بكر رضي الله عنه على غيرِه والرد عليه:

- ‌تشكيكه في أَحقِّية أبي بكر بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ العبَّاس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسَا من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ خالد بن الوليد رضي الله عنه ليسَ من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ معاويةَ رضي الله عنه ليسَ من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما ليسَا من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ صُحبةَ الكثيرين من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لغوية لا شرعية والرد عليه:

- ‌فهمه الخاطئ للصُّحبة الشرعيَّة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ الإجماعَ لا بدَّ فيه من اتِّفاق أمَّة الإجابة بفِرَقِها المختلفة والرد عليه:

- ‌إنكاره القول بعدالة الصحابة والرد عليه:

- ‌آثارٌ في توقير الصحابة وبيان خطرِ النَّيل من أحدٍ منهم:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبوجعفر الطحاوي (322هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام ابن ابن أبي زيد القيرواني (386هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبوعثمان الصابوني (449هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبو المظفَّر السمعاني (489هـ) رحمه الله:

- ‌الحافظ ابن كثير (774هـ) رحمه الله:

- ‌الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) رحمه الله:

- ‌الشيخ يحيى بن أبي بكر العامري (893هـ) رحمه الله:

- ‌آياتٌ وأحاديث في حفظ اللسان من الكلام إلَاّ في خير:

الفصل: ‌إنكاره القول بعدالة الصحابة والرد عليه:

وقال في مجموع الفتاوى (28/491) : ((وكذلك أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجبُ مَحبَّتُهم وموالاتُهم ورعايةُ حقِّهم)) .

وقال في منهاج السنة (6/18) : ((وأمَّا عليٌّ رضي الله عنه، فأهل السُّنَّة يُحبُّونَه ويتولَّونه، ويشهدون بأنَّه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديِّين)) .

وقول المالكي في كلامه الأخير عن النواصب: ((والغريب في أمرنا سكوتنا عن هذه الطائفة التي كان منها من يذم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نفسَه!!!)) ، أقول: تقدَّمت الإشارة إلى مذهب أهل السنَّة وبراءتهم من النَّصب، ونحن لَم نسكت عمَّن ذمَّ علماء أهل السنَّة على مختلف العصور، وذمَّ قبلهم الكثيرين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف نسكت عمَّن يهجو الرسول صلى الله عليه وسلم أو يذمُّه؟!

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب مفيد اسمه: ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) .

* * *

‌إنكاره القول بعدالة الصحابة والرد عليه:

وقال في (ص:61 ـ 63) : ((4 ـ قد يقول قائل: كيف تناقش مسألة عدالة الصحابة وهي مسألة إجماع؟! ثمَّ مَن نحن حتى نعرف هل الصحابة عدول أم لا؟! ثمَّ ماذا تفعل بتعديل الله لهم في كتابه؟

هل لك اعتراض على ذلك؟

أقول: أولاً: هذه أسئلة مُكابر وليست أسئلة باحث عن الحقيقة، وللأسف أنَّ هذا النمط من الأسئلة هي المنتشرة اليوم، وهي ممقوتة عند

ص: 121

العقلاء الذين يحترمون البحث العلمي، ويمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة المكابرة بأسئلة مثلها، فيقال: كيف تخصُّون الصحابة بالعدالة مع أنَّ هذا التخصيص لَم يَرد عليه دليل لا من كتاب ولا من سنة؟! وهذه مسألة إجماع؛ فحكم الصحابة هو حكم غيرهم في الشهادة، لقوله تعالى:{وليشهد به ذوا عدل منكم} (كذا) ، فلو كان للصحابة خصوصية لكفى شاهد واحد عدل، ولو كان للصحابة خصوصية لاكتفى منهم بشاهد واحد في الزنا والقذف وغيرها، وهذا خلاف الإجماع؛ فإنَّ النصوص القرآنية والحديثية لا تفرق في الشهادة بين صحابي وتابعي، فلماذا تفرقون أنتم في الرواية بين الصحابي وغير الصحابي، فلا تبحثون عن عدالة الصحابي وتبحثون عن عدالة التابعي؟!

بأيِّ دليل من شرع أو عقل يُبيح لكم هذا التفريق؟! إذا كنتم تحتجُّون بأنَّ الله أثنى على الصحابة في كتابه، فهذا الثناء العام معارَض بذمٍّ عامٍّ في القرآن أيضاً)) .

ثمَّ ذكر آيات عديدة فيها الذم العام بزعمه، وذكر بعدها حديثاً واحداً وأشار إليه وإلى كثير من الآيات التي ذكرها، فقال:((ومن الأحاديث في الذمِّ العام قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواج من أصحابه إلى النار، فيقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أصحابي! أصحابي! فيُقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري:(فلا أرى ينجو منكم إلَاّ مثل همل النعم) .

فيأتي المعارِض للثناء العام بهذا الذَّمِّ العام، ويقول: كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو منهم إلَاّ القليل، وأنَّ البقيَّة يؤخذون إلى النار؟!

ص: 122

وكيف أنَّهم استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، وقد تحبط أعمالهم كما حبطت أعمال الأمم الماضية، وأنَّهم يقولون ما لايفعلون، وأنَّ هذا يعقبه مقتٌ كبير عند الله، وأنَّهم يتثاقلون كلَّما دُعوا إلى الجهاد مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّهم يتَّكلون على كثرتهم وتعجبهم، وينسون أنَّ أمر النَّصر والهزيمة بيد الله، وأنَّهم يتنازعون ويعصون الرسول، وبعضهم يريد الدنيا، وأنَّهم يظنون بالله الظنون، ويُسِرُّون بالمودَّة إلى الكفار، وهذا خلاف ما أُمروا به من الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين، وحَكم على بعضهم بالكذب، وحَكَم على آخرين بأنَّهم يقولون المنكر والزور، وهدَّد بعضَهم بإبطال الأعمال عندما لا يتأدَّبون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفعون أصواتهم فوق صوته، وإذا كان هذا التهديد نزل في حقِّ أبي بكر وعمر فكيف بالباقين؟!

وحَكَم على بعضِهم بأنَّهم لايعقلون، وعلى آخرين بالفسق، وحذر الله النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم من طاعتهم في كثيرمن الأمور، فكيف يكون عدلاً مَن تكون طاعته مضرة وإثماً؟!

وأخبر الله عن إخلاف بعضهم للوعد، فيُعاهد الله ثمَّ لا يفي ويتحوَّل إلى منافق، وأخبر بأنَّ من منهم منافقون (كذا) لا يعلمهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، كما أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلَاّ القليل (مثل همل النعم) ، كما ثبت في صحيح البخاري ـ كتاب الرقاق.

أقول: يستطيع المحتجُّ على إبطال عدالة الصحابة جملة بمثل هذه الآيات والأحاديث الصحيحة، وحجته لن تكون أضعف من حجَّة القائل بتعديل كلِّ من رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم من المسلمين!!

فما الحلُّ إذاً؟! هل القرآن متناقض؛ فيُثنِي على أناسٍ ثمَّ يجرحهم

ص: 123

ويذمُّهم؟ اللهمَّ لا! نعوذ ?الله أن نضرب القرآن الكريم بعضه ببعض، لكن نقول: آيات الثناء تنزل على من يستحقها من المهاجرين والأنصار، وآيات الذَّمِّ بين أمرين: إمَّا عتاب لا ذنب فيه إن شاء الله، مثل الأمر بعدم رفع الصوت فوق صوت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وإمَّا ذمٌّ عام وأريد به الخصوص، يعني أريد به طائفة منهم، وتُعرف هذه الطائفة إمَّا بسبب نزول أو بمعرفة صفتها في آيات أخرى جاء ذكرهم صريحاً، أو على المتأخرين في الإسلام الذين لَم يصدر منهم في عهد النبوة ما يطمئن إلى صحَّة إسلامهم من قوة جهاد وقوة إنفاق!!!)) .

أقول: إنَّ مَن وفقَّه الله لاتِّباع السُّنَّة والسلامة من البدعة، عندما يرى أو يسمع مثل هذا الكلام المُظلِم في حقِّ الصحابة رضي الله عنهم يتألَّم قلبُه ويقشعرُّ جِلدُه، ويحمد الله على العافية مِمَّا ابتلي به قائله، ويسأل الله الهدايةَ لهذا المُبتَلَى.

ويُجاب عن كلامه بما يلي:

الأول: ما ذكره عن الأسئلة التي تُورَد على من لا يقول بتعديل الصحابة أنَّها ((أسئلة مُكابر وليست أسئلة باحث عن الحقيقة، وللأسف أنَّ هذا النمط من الأسئلة هي المنتشرة اليوم، وهي ممقوتة عند العقلاء الذين يحترمون البحث العلمي)) ، أقول: التعويل على البحث العلمي بدون قيود وضوابط هي طريقة المستشرقين الذين لا يلتزمون بدين، وهي طريقة أيضاً مَن أُعجب بهم، وأمَّا البحث العلمي في الإسلام، فيكون في حدود النصوص الشرعية وعلى وفق فهم السلف لها.

الثاني: مسألة عدالة الصحابة اتَّفق عليها السلف، قال ابن عبد البر في

ص: 124

التمهيد (22/47) : ((ولا فرق بين أن يُسمِّي التابعُ الصاحبَ الذي حدَّثه أو لا يُسميه في وجوب العمل بحديثه؛ لأنَّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ مرضيُّون ثقاتٌ أثباتٌ، وهذا أمر مجتمعٌ عليه عند أهل العلم بالحديث)) .

وقال القرطبي في تفسيره (16/299) : ((فالصحابة كلُّهم عدولٌ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخِيرتُه من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنَّة والذي عليه الجماعة من أئمَّة هذه الأمَّة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أنَّ حالَ الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم!!)) .

وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/17) : ((واتَّفق أهلُ السنَّة على أنَّ الجميعَ عدولٌ، ولَم يخالف في ذلك إلَاّ شذوذ من المبتدعة)) .

وقد أشار السيوطي في تدريب الراوي (ص:400) إلى هؤلاء الشذوذ من المبتدعة، فقال:((وقالت المعتزلة: عدول إلَاّ من قاتل عليًّا)) ، وبهذا يتبيَّن سلفُ المالكي!

وقال أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث (ص:264) : ((للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنَّه لا يُسأل عن عدالة أحدٍ منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدَّلين بنصوص الكتاب والسنَّة وإجماع مَن يُعتدُّ به في الإجماع من الأمَّة

)) إلى أن قال: (ص:265) :

((ثمَّ إنَّ الأمَّةَ مجمعةٌ على تعديلِ جميع الصحابة، ومَن لابس الفتنَ منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتدُّ بهم في الإجماع؛ إحساناً للظَّنِّ بهم، ونظراً إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماعَ على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم)) .

ص: 125

وقال النووي في شرحه على مسلم (15/149) : ((ولهذا اتَّفق أهلُ الحقِّ ومن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم، رضي الله عنهم أجمعين)) .

الثالث: ما جاء من نصوص في أهل بدر وأهل بيعة الرضوان والمهاجرين والأنصار فهي دالَّةٌ على فضل هؤلاء وتعديلهم، وما جاء من نصوص عامَّة في الصحابة فهي تدلُّ على فضل جميع الصحابة وتعديلهم، وماجاء من نصوص في فضل هذه الأمَّة فأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلون فيها دخولاً أوَّلياًّ، هذه طريقةُ أهل السنَّة والجماعة، بخلاف غيرهم من أهل الأهواء والبدع، الذين ابتُلوا بعدم سلامة القلوب والألسنة في حقِّ كثيرٍ من الصحابة رضي الله عنهم.

الرابع: ما ذكره من الاعتراض على أهل السنة من تعديلهم للصحابة على العموم والبحث في عدالة غيرهم، وقوله: إنَّهم لو كانوا كذلك لاكتفى بشاهدٍ واحدٍ منهم في الزنا وغيره.

أقول: هذا الذي ذكره مكابرةٌ كما وصفه هو نفسه بذلك، وأهلُ السنة يقولون: إنَّ التشريعَ عامٌّ للصحابة وغيرهم، لكن الصحابةُ لا يحتاجون إلى تعديل المعَدِّلين، بعد ثناء الله عز وجل وثناء رسولِه صلى الله عليه وسلم عليهم، بخلاف غيرهم، وليس في القرآن آيةٌ باللفظ الذي ذكره، وهو قولُه:(وليشهد به ذوا عدل منكم) .

الخامس: ما ذكره من إنكار التفريق بين الصحابة وغيرهم في الرواية، في قوله:((لماذا تُفرِّقون أنتم في الرواية بين الصحابيِّ وغير الصحابيِّ فلا تبحثون عن عدالة الصحابيِّ، تبحثون عن عدالة التابعي؟! بأيِّ دليلٍ من شرعٍ أو عقلٍ يبيح لكم هذا التفريق؟!)) ، يجاب عنه بوجهين:

ص: 126

الأول: أنَّ المعَوَّل على كلامهم في هذا التفريق بين الصحابة وغيرهم هم أهل السنة والجماعة المتَّبعون لنصوص الكتاب والسنَّة، وليس أهل البدع والأهواء، وقال الخطيب البغدادي في الكفاية (ص: 46) : ((كلُّ حديثٍ اتَّصل إسنادُه بين من رواه وبين النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَم يلزم العمل به إلَاّ بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظرُ في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ عدالَةَ الصحابة ثابتةٌ معلومةٌ بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن)) ثمَّ ذكر الآيات والأحاديث في ذلك.

ونقل الخطيب في (ص: 415) عن أبي بكر الأثرم قال: قلتُ لأبي

عبد الله يعني أحمد بن حنبل: ((إذا قال رجلٌ من التابعين: حدَّثني رجلٌ من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فالحديثُ صحيحٌ؟ قال: نعم!)) .

ونقل أيضاً عن الحسين بن إدريس قال: ((وسألتُه يعني محمد بن عبد الله بن عمار: إذا كان الحديثُ عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيكون ذلك حجَّة؟ قال: نعم! وإن لَم يسمِّه؛ فإنَّ جميعَ أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كلّهم حجّة)) .

الثاني: أنَّ دواوينَ السنَّة صحاحها وجوامعها وسننها ومسانيدها ومعاجمها وغير ذلك مشتملةٌ على الرواية عن الصحابة على الإبهام، وما ثبت بالإسناد إليهم فهو حجَّةٌ عند أهل السنَّة، ولا تؤثِّر جهالتُهم؛ لأنَّ المجهول منهم في حكم المعلوم.

وما كان في كتب أصحاب الكتب الستة من ذلك أورده المزي في تحفة الأشراف (11/123 ـ 240)، وقال في أوَّله: ((فصل: ومن مسند جماعةٍ من الصحابة روي عنهم فلم يُسمَّوْا، رتَّبنا أحاديثهم على ترتيب أسماء

ص: 127

الرواة عنهم)) ، وفيهم مَن روايتُه في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكذا ذكر المزّي المبهمات من الصحابيات مرتِّباً أحاديثهنَّ على ترتيب أسماء الرواة عنهنَّ في (13/111 ـ 129) .

السادس: ما أورده من آياتٍ فيها ذمٌّ عامٌّ للصحابة بزعمه، منها آياتٌ في المنافقين، كآية {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّة

} الآية، كما في تفسير الشوكاني، وكآية {وَمِنْهُم مَنْ عَاهَدَ الله

} الآية، كما في تفسير ابن كثير.

السابع: قوله (ص:63) : ((ومن الأحاديث في الذمِّ العامِّ: قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواجٍ من أصحابه إلى النَّار، فيقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أصحابي! أصحابي! فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) ، الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري:(فلا أرى ينجو منكم إلَاّ مثل همل النعم) .

فيأتي المعارِض للثناء العام بهذا الذمِّ العامِّ، ويقول: كيف تجعلون للصحابة ميزةً وقد أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو منهم إلَاّ القليلُ، وأنَّ البقيَّةَ يؤخذون إلى النَّار؟!)) .

وقال عن هذا الحديث أيضاً (ص:64) : ((كما أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلَاّ القليلُ (مثل همل النعم) ، كما ثبت في صحيح البخاري ـ كتاب الرقاق)) .

ويُجابُ عنه بأنَّ لفظَ الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق (6587) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائمٌ فإذا زمرةٌ، حتى إذا عرفتُهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ،

ص: 128

فقلتُ: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: وماشأنُهم؟ قال: إنَّهم ارتدُّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثمَّ إذا زمرةٌ، حتى إذا عرفتُهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، قلتُ: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: ماشأنُهم؟ قال: إنَّهم ارتدُّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أُراه يخْلُصُ منهم إلَاّ مثل همل النعم)) .

قال الحافظ في شرحه: ((قوله: (بينا أنا نائمٌ) كذا بالنون للأكثر، وللكشميهني (قائم) بالقاف، وهو أوجه، والمراد به قيامُه على الحوض يوم القيامة، وتوجه الأولى بأنَّه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة)) ، وقال أيضاً:((قوله: (فلا أُراه يخْلُصُ منهم إلَاّ مثل همل النعم) يعني من هؤلاء الذين دَنَوْا من الحوض وكادوا يَرِدونه فصُدُّوا عنه)) ، وقال أيضاً:

((والمعنى أنَّه لا يرِدُه منهم إلَاّ القليل؛ لأنَّ الهمل في الإبل قليلٌ بالنسبة لغيره)) .

واللفظُ الذي ورد في الحديث: ((فلا أُراه يخْلُصُ منهم إلَاّ مثل همل النعم)) أي من الزمرتين المذكورتين في الحديث، وهو لا يدلُّ على أنَّ الذين عُرضوا عليه هاتان الزمرتان فقط، والمالكي أورد لفظ الحديث على لفظ خاطئ لَم يرد في الحديث، وبناءً عليه حكم على الصحابة حكماً عاماًّ خاطئاً، فقال فيه:((وفي بعض ألفاظه في البخاري: (فلا أرى ينجو منكم إلَاّ مثل همل النعم) ، فجاء بلفظ ((منكم)) على الخطاب بدل ((منهم)) ، وبناءً عليه قال:((كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو منهم إلَاّ القليل، وأمَّا البقية يُؤخذون إلى النار)) ، وقال:((كما أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلَاّ القليل (مثل همل النعم) ، كما ثبت في صحيح البخاري ـ كتاب الرقاق!!)) ، وهذا كذب على

ص: 129

الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه لَم يُخبر أنَّ أصحابَه لَم يَنْجُ منهم إلَاّ القليل، ولعل هذا الذي وقع من المالكي حصل خطأً لا عمداً.

وأمَّا ما جاء في بعض الأحاديث مِن أنَّه يُذاد عن حوضه أُناسٌ من أصحابه، وأنَّه يقول ((أصحابي!)) وفي بعض الألفاظ ((أُصيْحابي!)) ، فيُقال:((إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) ، فهو محمولٌ على القلَّة التي ارتدَّت منهم بعد وفاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقُتِلوا في ردَّتِهم على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وبعضُ أهل الأهواء والبدع يَحملون هذه الأحاديث على ارتداد الصحابة بعد وفاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَاّ نفراً يسيراً منهم، وكلام المالكي الذي قال فيه: إنَّه لا ينجو منهم إلَاّ القليل وأنَّ البقيَّةَ يُؤخذون إلى النار شبيهٌ بكلامهم، والحقيقة أنَّ هذه الفرقة الضالَّة الحاقدة على الصحابة وهم الرافضة هي الجديرة بالذَّوْد عن الحوض؛ لعدم وجود سِيمَا التحجيلِ فيها التي جاءت في الحديث في الصحيحين، وهو عند البخاري (136) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((إنَّ أمَّتِي يُدعَون يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلين

من آثار الوضوء)) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:((ويلٌ للأعقاب من النار)) أخرجه البخاري (165) ومسلم (242) ، ولم أجد في الصحيحين التعبير بذهاب أفواج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النار، كما زعم المالكي، وقد تقدَّم للمالكي أنَّه أخرج كلَّ مَن أسلم وصحب النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعد الحُديبية إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم، أخرجهم من أن يكونوا صحابة، وأنَّ الصحابةَ عنده وعند قدوته الحكمي هم المهاجرون والأنصار قبل الحديبية فقط، فعلى قوله هنا أنَّه لَم يَنْجُ من الصحابة إلَاّ القليل مثل همل النعم، وأنَّ البقية يؤمر بهم إلى النار، لا ينجو من المهاجرين والأنصار إلَاّ القليل مثل همل النعم!

ص: 130

الثامن: أنَّ قولَ أهل السنَّة والجماعة بعدالة الصحابة لا يعنِي عصمتهم؛ لأنَّ العصمةَ عندهم لا تكون إلَاّ للرُّسُل والأنبياء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية (ص:28) : ((وهم مع ذلك (يعنِي أهل السنة والجماعة) لا يعتقدون أنَّ كلَّ واحدٍ من الصحابة معصومٌ عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السَّوابِق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنَّهم يُغفر لهم من السيِّئات ما لا يُغفر لِمَن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّهم خير القرون، وأنَّ المُدَّ من أحدِهم إذا تصدَّق به كان أفضلَ من جبل أُحُد ذهباً مِمَّن بعدهم، ثمَّ إذا كان قد صدر عن أحدٍ منهم ذنبٌ فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غُفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحقُّ الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفِّر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المُحقَّقة فكيف الأمور التي كانوا فيها مُجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور.

ثمَّ القدر الذي يُنكَر من فِعل بعضِهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنِهم من الإيمان ?الله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنُّصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلمٍ وبصيرةٍ وما منَّ الله عليهم من الفضائل علِمَ يقيناً أنَّهم خيرُ الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنَّهم الصَّفوةُ من قرون هذه الأمَّة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله)) .

التاسع: إنَّ قولَ أهل السنَّة بتعديل الصحابة، كما أنَّه مستندٌ إلى نصوص من الكتاب والسُّنَّة، فهو مَبنِيٌّ على حُسن الظنِّ بهم، ومن أحسن

ص: 131

الظنَّ بهم فهو مأجور، والقول بخلاف ذلك مَبنِيٌّ على إساءة الظنِّ بهم، ومَن أساء الظنَّ بهم فهو آثمٌ، قال بَكر بن عبد الله المُزني، كما في ترجمته في تهذيب التهذيب لابن حجر:((إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمتَ، وهو سوء الظنِّ بأخيك)) .

وإذا كان هذا في آحاد الناس، فإنَّه في حقِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدُّ وأعظم.

وفي ختام هذا الردِّ على المالكي، أقول: إنَّ جُلَّ كلامه المردود عليه من كتابه في الصحابة، وأمَّا كتابُه ((قراءةٌ في كتب العقائد)) المشتمل على تخبُّط وتخليط في العقيدة، فلم أنقل عنه في هذه الرسالة للردِّ عليه إلَاّ في موضعين في تشكيكه في أحقِّيَّة أبي بكر بالخلافة، وفي إشادته بأهل البدع ونيله من علماء أهل السنة وكتبهم على مختلف العصور.

ص: 132