الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
تتضمن مباحث ثلاثة:
أ- لماذا الاهتمام بالسيرة النبوية باللغات الأجنبية؟
لم يعد هناك مجال للشك في أن معظم الناس في البلاد غير الإسلامية والبلاد الإسلامية غير العربية يجهلون الشيء الكثير عن حقائق الإسلام ومبادئه وقيمه، ولعل مصدر هذا الجهل يعود بالمقام الأول إلى كون عملية التعريف بالإسلام وحضارته وعلومه لا تراعي التعددية اللسانية لدى المخاطَبين الذين لا يستطيعون استيعاب حقائق الإسلام بغير لغاتهم الأصلية.
إن خطاب الدعوة الإسلامية خطاب بشارة ونذارة للعالمين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس ِبَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} [سبأ28] .
وإذا كان المسلم داعية إلى الدين الحنيف بحكم العقيدة التي ينتمي إليها والشريعة التي يلتزم بأحكامها، فإن من قصور النظر وضيق الأفق الاعتقاد بأن التعريف بأصول الإسلام وتاريخه وحضارته ودعوته ينبغي أن تكون موجهة إلى الناطقين بالعربية لأنها لغة التنزيل العزيز، وأن كل توجُّه آخر بلغات غير العربية إلى أقوام لا يحسنون لغة القرآن الكريم يعد توجها خاطئا ومشبوها.
ويعد مبدأ عالمية الرسالة الإسلامية الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الثقافات والأديان الأخرى، ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام في توجيه الدعوة نحو غير المسلمين الذين يتوقون إلى استكمال معرفتهم بدينهم ومعطيات ثقافتهم الإسلامية باللسان الذي يتحدثون به ثم توجيه
الدعوة أيضا نحو غير المسلمين الذين يفرض واجب الدعوة تعريفهم بحقائق الإسلام وتعاليمه بلغاتهم الأجنبية.
وإذا كان هؤلاء وأولئك في حاجة إلى معرفة أصول الشريعة الإسلامية وما تنبني عليه من علوم للقرآن والسنة والفقه والأصول فإنهم أيضا في حاجة إلى معرفة معطيات السيرة النبوية ووقائعها وأحداثها باللغات التي يتحدثون بها.
من هنا دعت الضرورة إلى الكتابة في حقل السيرة النبوية بمختلف اللغات الأجنبية تحقيقا لهذه الحاجة الملحة، بيد أنه بالرغم من أن الدعوة الإسلامية في امتداداتها خارج الوطن الإسلامي تتطلب –بقوة- توفير الأبحاث والدراسات حول السيرة النبوية، فإن نسبة الأبحاث العلمية التي وضعها باحثون مسلمون (1) هي أقل بكثير مما وضعه الأجانب من مستشرقين وغيرهم.
ب- موقع اللغة الفرنسية بين باقي اللغات الأجنبية.
تأتي اللغة الفرنسية بعد اللغة الإنجليزية من حيث الانتشار وعدد المتحدثين بها في العالم، كما أنها تأتي في الترتيب نفسه ضمن لغات منظمة الأمم المتحدة، ولذلك فإن اختيار هذه اللغة لبحث مدى ومستوى التأليف بها في مجال السيرة النبوية له أهميته وجدواه، فاللغة تتمركز – فضلا عن فرنسا معقل اللغة الفرنسية- في كل من بلجيكا واللوكسمبورغ وفي المنطقة الفرنكوفونية من كندا "كبيك Quebec" وكذا في كثير من الدول الإفريقية المستعمرة سابقا من طرف فرنسا "دول المغرب العربي وكثير من دول إفريقيا السوداء".
(1) يقصد الباحث "باللغة الفرنسية".
من جهة أخرى فإن ثمة علاقة وصلة متميزة تربط بين فرنسا والعالم العربي إذ أقدم الفرنسيون منذ قرون على تعلم اللغة العربية وتعليمها استجابة لظروف الاحتكاك بين فرنسا والمنطقة العربية وكذلك تلبية للحاجيات والمصالح والمطامع الاستعمارية، ومنذ القرن الثامن الميلادي كانت أبواب الأندلس العربية قريبة من فرنسا فكان التواصل عن طريق معاهد الترجمة متناميا، وكان بعض المستشرقين القدامى "ابتداء من ق 15 م" عارفين باللغة العربية، فتطور تعليمها وتعلمها مع الزمن، ودعت الحاجة إلى اكتشاف أغوار المشرق الساحر إلى تعلم العربية مما دفع قدما بمستوى الاهتمام بالثقافة العربية وبخاصة في العصر الحديث حيث أسهم وجود نسبة كبيرة من المهاجرين العرب في فرنسا وبلجيكا وغيرهما إلى تفعيل الكتابة في العالم العربي باللغة الفرنسية. ومع تزايد المصالح الفرنسية في المنطقة العربية كان من المتوقع أن توجه فرنسا اهتمامها المعرفي لكشف أسرار الحضارة والفكر الإسلاميين.
وفي العقود الأخيرة بدا أن التعاون الفرنكوفوني مع الدول العربية الناطقة بالفرنسية "المغرب –الجزائر-تونس-لبنان-سوريا
…
" قد ساعد بقوة على دعم الكتابة باللغة الفرنسية والترجمة منها وإليها، كما أن استقرار نخبة من العلماء والمفكرين والكتاب بالدول الفرنكوفونية ممن اتخذوا اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير قد أسهموا في الكتابة عن الثقافة العربية والإسلامية باللغة الفرنسية، وهذه الاعتبارات كلها تؤكد أهمية بحث موضوع: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية.
ج- بدايات الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية:
من الصعب جدًّا تحديد تاريخ معين لبداية الاهتمام بوقائع السيرة النبوية
باللغة الفرنسية، ولاشك أن الانتشار السريع للإسلام مشرقا ومغربا قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاهوت الكنسيين إلى هذا الدين خلال القرون الوسطى، ومن هنا بدأ الاهتمام بالإسلام من كل جوانبه ومن بينها محاولة البحث في تاريخ وسيرة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام (1) .
ومع البدايات الأولى لظهور الاستشراق كانت الكتابات الاستشراقية المهتمة بالإسلام تصدر باللغة اللاتينية، ولم يظهر مفهوم "مستشرق" في فرنسا إلا في عام 1799م، كما لم يدرج مفهوم "الاستشراق" في قاموس الأكاديمية الفرنسية إلا عام 1838م (2) .
لقد نشط اللاهوتيون النصارى الفرنسيون كغيرهم خلال القرون الوسطى ضد الإسلام وراحوا ينشرون الافتراءات والأكاذيب حول النبي صلى الله عليه وسلم، وغزت الأساطير الشعبية والخرافات خيال الكتاب الفرنسيين، ولم يكن الهدف عرض صورة موضوعية عن السيرة النبوية، فقد كان هذا أبعد ما يكون عن الأذهان وقتئذ، ولم يكن الاعتماد قائما على أية مصادر مكتوبة، بل يتم الرجوع فقط إلى آراء العامة والشائعات والأراجيف التي يتناقلها الناس
(1) أشار المؤرخ الفرنسي آلان دوسلييه إلى أن الراهب ثيوفان الواعظ Théophane le confesseur أول مؤلف قدم لنا أوائل القرن التاسع الميلادي نظرة عامة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمجتمع العربي وأسس لشبهة أخذ الإسلام عن التراث اليهودي المسيحي والتأثيرات المسيحية على دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في مكة.
Alain Ducellier: chrétiens d'oriens et Islam au Moyen Age -Armand Colin-Paris
وراجع عن ثيوفان الواعظ هذا كتاب: أليكسي جوراسكي: الإسلام والمسيحية سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد 173 ص 73.
(2)
تراث الإسلام تصنيف جوزيف شاخت وبوزورث، ترجمة د. محمد زهير السمهودي 1/78 بسلسلة عالم المعرفة بالكويت 1978م.
عن الإسلام ونبيه (1) .
ولم يكن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته آنئذ بداية للحديث عن السيرة النبوية، بل كان ذلك يتم في سياق مواجهة الدين الجديد ومحاولة تشويه صورته وحقيقته، فجاءت صورته صلى الله عليه وسلم في كتاباتهم صورة النبي المزيف والكذاب الذي أراد القضاء على النصرانية، أما اللغات الشرقية ومنها العربية فلم تكن معروفة لدى الفرنسيين أثناء الحروب الصليبية وقبلها، ولم تعرف إلا مع ظهور حركات التنصير ومصادقة مجمع فيينا الكنسي عام 1312م على ضرورة تعليم اللغة العربية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وسلمنكا، وفي عام 1539م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في كلية (دي فرانس) Collège de France بباريس وكان أول من شغله هو المستشرق الفرنسي الشهير Guillaume Postel (ت 1581م) الذي يعد أول المستشرقين الفرنسيين الذين أسهموا في إثراء دراسة اللغة العربية، ونقل بعض التراث العربي إلى اللغة الفرنسية.
وعلى الرغم من ذلك فقد تطور الأمر مع مرور الزمن حيث شهدت نهاية القرن السابع عشر اتجاها آخر مختلفا عما كان عليه خلال القرون الوسطى، فقد بدأت تبرز نظرات استشراقية موضوعية إلى حد ما، فيها القليل من التعاطف مع الإسلام وقد أسهم في تعزيز ذلك ظهور النزعة العقلية الجديدة التي بدأت تنتشر في أوروبا متحدية الكنيسة النصرانية التي تعارضها.
(1) سوذرن: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة د. علي فهمي خشيم ود. صلاح الدين حسني مكتبة دار الفكر بليبيا 1975م ص 17.
وقد كان من أبرز هؤلاء الفرنسي بيير بايل Pierre Bayle الذي عرض لحياة محمد صلى الله عليه وسلم في قاموسه التاريخي والنقدي الذي ظهرت طبعته الأولى في روتردام عام 1697م (1) .
وفي الوقت الذي أشاد فيه فولتير Voltaire بالنبي عليه السلام في مقالة مشهورة (2) ، أبدى رأيا مخالفا ومتهجما في مسرحيته الشهيرة Mahomet ou le fanatisme "محمد أوالتعصب".
كما ألف بودي Body كتابه "حياة محمد" La vie de Mahomed عام 1671م ولم يصدر منقحا إلا عام 1730م، ويعد هذا الكتاب أول كتاب وقف به الفرنسيون على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه كان بعيدا عن الإنصاف والموضوعية، كما أنه لم يخلص فيه مؤلفه الحديث عن السيرة النبوية كما قد يتوهم من عنوان الكتاب. وألف هنري دي بولنفيليي كتابه عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعادات المسلمين عام 1731م (3) .
ولم يكن الوقت قد حان للحديث عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب مستقلة، فذلك لم يظهر إلا ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، ولكن بالمقابل كانت هناك بدايات للحديث عن السيرة النبوية في المعاجم الكبرى
(1) اشتهر المعجم في طبعته الخامسة عام 1740م متضمنة تعليقات وملاحظات كبار الكتاب الفرنسيين، أما آخر طبعة من الكتاب فقد ظهرت عام 1995م بجنيف وتقع في أكثر من 3000 صفحة.
) 2 (Voltaire: Essai sur l’histoire générale et sur les meurs Paris.
) 3 (Henri de Boulainvilliers، Le Conte de la vie de Mahomet avec des réflexions sur la vie mahommtane et les coutumes des musulmans –Amsterdam.
وقد وصفه مكسيم رودنسون بأنه كتاب دفاعي – انظر: تراث الإسلام ن سلسلة عالم المعرفة 1/66.
من جهة وفي مقدمات ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية من جهة أخرى.
وبعد ظهور هذه البدايات الأولى للحديث عن السيرة النبوية كان لابد من انتظار القرن العشرين لكي يمكن الحديث عن اهتمام حقيقي بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية من طرف المسلمين والمستشرقين على السواء، وإذا كانت الكتابة الفرنسية في حقل السيرة النبوية تتم من قبل انطلاقا من الشائعات والحكايات المتداولة وبعض الإشارات الواردة في كتب من هنا وهناك، فإنه بعد ترجمة بعض المصادر الأولى للسيرة النبوية إلى اللغة الفرنسية (1) والانفتاح على اللغة العربية مباشرة أضحى من السهل إنجاز دراسات خالصة وجادة.
(1) أحصى فكتور شوفان الفرنسي Victor chauvin عددا لا بأس به في عمله الموسوعي (مرجعية الكتب العربية أو المتعلقة بالعرب المنشورة في أوروبا المسيحية من سنة 1810م إلى 1885م)"المجلد 11المتعلق بالسيرة النبوية".
Bibliographie des ouvrages arabes ou relatifs aux arabes publiés dans l’Europe chrétienne de à –Liège.
ومن ذلك ترجمة Noel de vergers للسيرة النبوية من تاريخ أبي الفداء عام 1873م وترجمة Perron لقصة المعراج عام 1854م ونشر هنري ماسيه H Masséلكتاب الاكتفاء للكلاعي (ت634/عام1933م وغير ذلك.