الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاهتمام بالسيرة النبوية في الموسوعات والمعاجم الفرنسية:
عرفت الثقافة الغربية منذ زمن بعيد إنتاج ما يعرف بالموسوعات العالمية والمعاجم الكبرى وهي تؤرخ لمعظم جوانب الثقافة العالمية في شتى فروعها وأجناسها وأنماطها، وفي سياق اهتمام هذه الموسوعات والمعاجم بمختلف الأديان اهتمت بالإسلام دينا وثقافة وتاريخا وحضارة، فأرَّخَتْ له وقدمت مواد متنوعة تتعلق بتاريخ الإسلام ونبيه وعلوم الشريعة وعلمائها وغير ذلك.
وتتفاوت هذه الكتب الموسوعية من حيث الاهتمام بما يرتبط بالإسلام سواء من حيث حجم المواد المخصصة له أو على مستوى العرض والتحليل والموضوعية. وقد تفنن الغربيون منذ قرون من الزمن في إنضاج هذا النوع من الكتب الضخمة، وتعد الموسوعات والمعاجم الفرنسية واحدة من أشهر ما كتب في الموضوع نظرا لكون الثقافة الفرنسية قد عرفت شخصيات موسوعية اشتهرت في التاريخ المعاصر اشتهارا واسعا أمثال لاروس Larousse وروبير Robert وإلياد Eliade وغيرهم، واهتم بالإسلام أيضا نوع طريف من المعاجم يعد أكثر تخصصا وهو ما يعرف بمعاجم تاريخ الأديان، وفيها اهتمام أوسع بالمواد المرتبطة بالإسلام.
من جهة أخرى ظهرت ابتداء من أوائل القرن العشرين موسوعات ضخمة خاصة بالإسلام وحضارته، وهي تعد أكثر إحاطة بمختلف المواد العلمية التي يمكن أن تعترض سبيل الباحث في مجال الإسلاميات، ولعل أبرزها دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت في طبعتين.
وفيما يلي سرد لأبرز المعاجم والموسوعات الفرنسية التي تضمنت
الحديث عن مادة السيرة النبوية (1) مع عرض وتحليل ما جاء في لاروس الكبير نموذجاً للمعاجم، وعرض وتحليل ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الثانية كنموذج للموسوعات.
- المكتبة الشرقية Bibliothèque orientale وهي دائرة معارف في بضعة مجلدات تبحث في علوم وثقافات الشرقيين وأديانهم وعاداتهم مرتبة على حروف المعجم من تأليف بارتلمي ديربيلو Bartélemy d'Herbelot "مستشرق فرنسي عاش في القرن السابع عشر". جاءت صورة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعجم سلبية إلى أقصى درجة، ففي الباب الذي تحدث فيه عن "محمد" نجد ما يبعث على الأسى، مثل قوله:" هذا هو المنتحل المشهور ماهومت Mahomet المؤلف والمؤسس لهرطقة اتخذت لها اسم الدين، نسميها نحن الماهومتية......."(2) .
- معجم الأديان (3) Dictionnaire des religions ويقع في مجلد واحد متوسط الحجم، تضمن استعراض مادة "محمد" في عمودين فقط وهو استعراض خاطف لمعطيات السيرة النبوية مع بث بعض الشكوك والطعون "مثل دعوى تلقيه صلى الله عليه وسلم الثقافة الدينية عن بحيرى أثناء سفره إلى الشام، والزعم بأنه عليه السلام تزوج أربع عشرة امرأة تم سبيها".
- معجم الأديان: إلياد – كوليانو (4) ، يقع في مجلد واحد ضخم جاء
(1) قد يتم التعرض للمادة تحت هذا المصطلح: سيرة SIRA أو تحت مادة: "محمد" صلى الله عليه وسلم Muhammed وقد يبحث المصطلحان معا كما في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتيها الأولى والثانية.
(2)
انظر إدوارد سعيد: الاستشراق ص 94.
(3)
من تأليف: Marguerite Marie et Hiollier، Paris
(4)
Eliade / Gouliano: Dictionnaire des religions، Plon –Paris،.
الحديث فيه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ضمن مادة "إسلام Islam "(ص203-223) وضمن مادة "محمد" صلى الله عليه وسلم وتقع في صفحة واحدة فقط تم من خلالها التركيز على الجوانب التي يروق للغربيين التشكيك في الإسلام من خلالها، ويبدو من خلال هذا المعجم وهو حديث الصدور (1990) مقارنة بغيره أن الحرص قائم على أن يتم تضليل القارئ بطرق ملتوية فيها الكثير من التمويه والتحايل، تقول المادة مثلا:"لقد اعتذر محمد كثيرا للملك جبريل بأنه لا يستطيع القراءة "إشارة إلى واقعة بدء نزول الوحي"، لكن جبريل ألح كثيرا فأصبح محمد يقرأ بسهولة فائقة"، وبعد هذا مباشرة تم الانتقال إلى قصة الغرانيق، وبذلك يتأكد أن الهدف هو تقديم مادة مشوهة عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ملؤها التحريف والتشويه والتضليل.
- الموسوعة العالمية Encyclopèdia Universalis، وهي في اللغات الأوروبية وتقع في 24 مجلدا، وتوجد أيضا في قرص مدمج C D-Rom.
- الموسوعة العامة للإسلام Encyclopédie générale de l.htm'Islam، ترجمت عن اللغة الإنجليزية، ووضعها في ستة مجلدات كل من P.M.Holt -LAMBTON وبرنارد لويس B. Lewis وصدرت الترجمة الفرنسية عام 1985.
مادة"محمد"صلى الله عليه وسلم في معجم لاروس Larousse (1) :
تعتبر مادة "محمد Mahomet" في معجم لاروس من أهم الكتابات الاستشراقية المعجمية التي صدرت باللغة الفرنسية. ومن خلال دراسة المادة يتبين الاعتماد الواضح على مصادر استشراقية محضة تنتمي إلى حقب مختلفة منذ القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع عشر أمثال كوسان دي برسفال وسلفسر دي ساسي ووليام مويير وبارتلمي سان هيلير وبيير بايل الذي استعان بمعجمه التاريخي، ولم يعتمد قطعا على مصادر عربية.
بدأ لاروس كتابة مادة "محمد Mehomet " بتعريف الرسول صلى الله عليه وسلم مؤسساً للديانة الإسلامية"هكذا" مقدما بذلك الانطباع بأن الإسلام دين بشري، ثم انطلق يسرد باختصار أهم الأحداث التي شهدها الرسول عليه الصلاة والسلام منذ طفولته إلى حين زواجه بخديجة "رضي الله عنها" وانتقل إلى الحديث عن البيئة العربية في شبه الجزيرة العربية وكيف كانت مساعدة على تقبل الدعوة الدينية الجديدة. ثم أشار إلى فترة بداية الوحي مركزا بشيء من سوء النية على قدرات محمد صلى الله عليه وسلم الفكرية والمعرفية التي اكتسبها خلال فترة التأمل والتدبر التي أمضاها من قبل، وهي التي جعلته يتوهم –حسب زعمه- أنه أوحي إليه مستغلا كل الظروف المتاحة لصالح دعوته.
ومن خلال استعراضه لمختلف محطات السيرة النبوية أصر لاروس على أن
(1) الاسم الكامل للمعجم هو: "المعجم الكبير الشامل الفرنسي التاريخي والجغرافي والببليوغرافي والأدبي والفني والعلمي للقرن التاسع عشر"، ويقع في 15 مجلدا.
Grand dictionnaire universel francais، historique، géographique، bibliographique، littèraire، artistique، scientifique du siècle.
يجد في كل مرحلة من مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أسبابا تفسر نجاحه.
وبالرغم من محاولة لاروس إظهار نوع من الموضوعية عند معالجة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم واعتماده مناهج العلوم الإسلامية في عصره إلا أنه لم يسلم من الوقوع في كثير من الأخطاء والمزالق وسبب ذلك عدم قدرته على التخلص من أفكاره السابقة عن الإسلام مما كان يعد خلال القرن التاسع عشر شيئا عاديا ومألوفا لدى كل الغربيين. حتى إن بعض تلك الأفكار السابقة قد ساغها في قوالب للطعن والافتئات مثل الزعم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه بنشر الإسلام بالعنف والقوة والسلاح والزعم أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم قد طرد يهود بني قينقاع بسبب رفضهم اعتناق الإسلام والزعم أيضا بأن أهل المدينة إنما استجابوا لدعوة الإسلام، بسبب كرههم وعداوتهم لأهل مكة.
إن مثل هذه الطعون والشبهات الواردة في المعاجم الأجنبية الضخمة لها تأثيرها البالغ في فهم الغربيين للإسلام، إذ مثل هذه المعاجم تعد أداة عمل ومفتاحا من مفاتيح الثقافة الرئيسة في البحث عن المعلومات والأفكار تلجأ إليها كل الشرائح الثقافية من طلبة وأساتذة وعموم المثقفين، ومن الصعب جدا مقاومة هذا الاتجاه في التأليف والتصنيف، فالأمر لا يتعلق بمؤلف بسيط يمكن الرد عليه بمؤلف آخر يفنده ويرد على أباطيله، وإنما الأمر يتعلق بمعاجم عالمية ودولية تتولاها جهات غربية تتبنى من خلالها مواقفها في الفكر والثقافة.