المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا: - الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية (عرض وتحليل)

[حسن بن إدريس عزوزي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا:

‌الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا:

إذا كان معظم المستشرقين الذين اطلعوا بعمق على حقائق الإسلام ومبادئه المثلى وقيمه السامية لم يهتدوا إلى طريق الحق، فإن بعضا منهم، وهم قلة قليلة، قد دخلوا في الإسلام واعتنقوه باقتناع وصدق بعد بحث طويل وتأمل عميق، بيد أن هؤلاء لم يؤلفوا في السيرة النبوية وإنما ألفوا في جوانب مختلفة ترتبط بالإسلام دينا وتاريخا وحضارة (1) ، وقد تحدث بعض منهم عن حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في صفحات معدودة كما فعل Vinvent Mansour Monteil في كتابه L’Islam. والشيخ عبد الواحد يحيى "اللورد هدلي" الكاثوليكي الذي عاش في القاهرة وتوفي بها وكرستيان شرفيس أحد الأدباء الفرنسيين المشهورين. أما مارتن لينغز الإنجليزي الأصل الذي أسلم فيمكن عدُّ ترجمة كتابه "النبي محمد"(2) إلى اللغة الفرنسية نموذجا للاهتمام الفرنسي بكتب السيرة، وقد اعتمد في كتابه المصادر الأولى للسيرة مثل كتب ابن إسحاق وابن سعد والواقدي والطبري والسهيلي، وقد ضمن كتابه خمسة وثمانين فصلا تحمل عناوين تؤلف محطات رئيسة في حقل السيرة النبوية.

(1) من الذين ألفوا بالفرنسية في موضوعات عامة حول الإسلام الفرنسي Vincent Mansour Monteil "منصور مونتاي" والسويسري لوي ميشون، وقد راسلني بتوقيع: علي عبد الخالق، وافادو فيتراي مايروفيتش المستشرقة الفرنسية التي توفيت منذ بضعة سنين وصديقي الفرنسي المسلم ميشال باربو Michel Barbot (أمين عبد الكريم) وغيرهم.

(2)

Martin Lings: Le prophète Muhammed، sa vie d’après les sources les plus anciennes، Seuil- Paris

ص: 36

ويعتبر ناصر الدين دينيه Etienne Dinet (1) المستشرق الفرنسي المسلم الوحيد –حسب علمنا- الذي ألف كتابا مستقلا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب الذي ساعده على إخراجه صديقُه الجزائريُّ سليمان بن إبراهيم، ولما كان دينيه رساما بارعا فقد زين الكتاب بالصور الملونة البديعة مثل فيها المناظر الأثرية الإسلامية في بلاد الجزائر ومعالم الدين فيها وقدمه لأرواح الجنود المسلمين الذين استشهدوا في الحرب العالمية الأولى وهم يحاربون في صفوف الفرنسيين.

يقول ناصر الدين دينيه في مقدمة كتابه: "إن حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم جميع التفاصيل وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم إلى هذا الحد كما هو الشأن في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا نجد لزاما علينا أن نتخير لعرض أهم الحوادث لكي نعطيها العناية التي نراها ضرورية، وإذن فعملنا هذا إنما هو سلسلة من اللوحات التصويرية، وليس تاريخا كاملا نقدمه للقراء. وقد اعتمدنا في استمداد عناصرها على أقدم المؤلفين كابن هشام وابن سعد وسواهما ثم على مؤرخ من المحدثين وهو علي بن برهان الدين الحلبي الذي حشد في كتابه "السيرة الحلبية" مختلف الروايات لأشهر المؤرخين (2) ، وحينما ألف ناصر الدين دينيه كتابه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ثارت ثورة النقاد من المستشرقين متجهة على الخصوص إلى الشكل لا إلى الجوهر، لقد زعموا أن

(1) أبرز المستشرقين المسلمين (1861-1928) رد على المستشرقين المتعصبين وكتب كتبا مفيدة في الحج والسيرة وعرض مبادئ الإسلام بصورة مقنعة ومشرقة.

انظر ما كتبته عنه في مجلة الوعي الإسلامي، العدد 409 (رمضان1420) ص 64-66.

(2)

E. Dinet: La vie de Mohammed: Préface.

ص: 37

الأبحاث العلمية الحديثة قد وضحت جوانب من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن المستشرقين في مختلف الأقطار قد كتبوا عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم كتابة تعتمد على الأبحاث العلمية الدقيقة ورأوا أن الأستاذ ناصر الدين دينيه الذي لم يعبأ بشيء من ذلك وأخذوا عليه أنه لم يقم وزنا لإنتاج المستشرقين في السيرة النبوية، وأن اعتماده إنما كان على السير القديمة كسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد.

ولا يخفى أن ناصر الدين دينيه قد ألف كتابه في أوائل القرن العشرين عندما كان حقل الإسلاميات في أوروبا يهيمن عليه المستشرقون بمناهجهم وطرقهم وأساليبهم المغرضة، ولذلك لم يخفوا استغرابهم من إقدام من كان معدودا منهم فأسلم ثم كتب في السيرة النبوية بمنهج مغاير لمناهجهم.

والواقع أن دينيه عندما تجاوز الاعتماد على كتب المستشرقين إنما فعل ذلك متعمدا، فبعد أن قرأ ما كتبه القوم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد أنه لا يستحق التقدير. لقد رأى أنه من المستحيل أن يتجرد المستشرقون من عواطفهم ونزعاتهم وميولهم إلى تحريف وقائع السيرة وتشويه معطياتها الحقيقية.

وميزة الكتاب كما في باقي كتب المؤلف أن أسلوب التعريض بشبهات المستشرقين وتفنيدها حاضر كلما دعت الضرورة لذلك، فهو الذي عاش بين ظهراني الاستشراق الفرنسي أيام ذروة تعصبه وتحامله على الإسلام، فقد كان عارفا ومحيطا بافتراءات القوم وطعونهم، ولذلك كان يتصدى لبعض من ذلك كلما سنحت الفرصة لذلك في كتابه، يقول على سبيل المثال: "كيف نقول إن عقيدة القضاء والقدر تشل كل عمل عند المسلمين؟ والرسول صلى الله عليه وسلم كان

ص: 38

أنشط الناس وأكثرهم مثابرة وجهادا، والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء عقب نشأته بالفتوح الواسعة العجيبة والحضارة السامية العظيمة؟ إن كلمة "إسلام" تعني الرضا بأوامر الله أي بما لا يمكن لأي قوة إنسانية أن تحول دونه

فهذه العقيدة إذن بعيدة كل البعد عن أن تكون مصدر ضعف، إنها على العكس من ذلك مصدر قوة نفسية لا تضارع بالنسبة إلى المسلم، تعينه على احتمال المحن والشدائد" (1) .

لم ينهج ناصر الدين دينيه في كتابه الموجز "300 صفحة من القطع الصغير" نهج التأليف المعهود في السيرة النبوية وإنما سار في ذلك على النهج التاريخي منتقيا محطات مهمة في السيرة وقف عندها متأملا ومحللا وضمنها في عشرة فصول، وكان يقف من حين لآخر عبر مباحث محددة لكي يبرز الوجه المشرق للإسلام من خلال رده على الشبهات والطعون بطريقة غير مباشرة وذلك مثل المباحث التالية:

محمد والراهب "في الفصل الثاني".

محمد عليه السلام لم يؤلف القرآن "في الفصل الثالث".

السبب في إنكار الغرب أثر الإسلام في الحضارة الغربية "في الفصل العاشر".

(1) La vie de Mohammed، p.

ص: 39