المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى - الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية (عرض وتحليل)

[حسن بن إدريس عزوزي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ثانيا: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى

القرآن الكريم والتي وضع لها عنوان "مختصر لسيرة محمد صلى الله عليه وسلم"(1) وتقع في 112 صفحة. وقد شحن سفاري هذه المقدمة بوافر من الاتهامات والافتراءات بحق رسول الله عليه الصلاة والسلام (2) ، لكن بالمقابل يمكن القول بأنه تجنب الوقوع في كثير من الأخطاء التي وقع فيها غيره أثناء الحديث عن السيرة النبوية، مثل الحديث عن أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ولقائه ببحيرى الراهب بالشام وهو صغير، وحديثه عن زواجه بأمهات المؤمنين وغير ذلك من القضايا التي أثارها بصورة محمودة نادرة في القرن الثامن عشر الذي عاش المترجم خلاله (3) .

ومن المستشرقين الفرنسيين الذين قدموا لترجماتهم القرآنية بما يتضمن الإشارة إلى السيرة النبوية ادوارد مونتيه ودنيس ماصون Denise Masson الذي قدم لترجمتها فرنسي آخر له بدوره ترجمة لمعاني القرآن الكريم وهو جان كروجيين Jean Grojean.

(1) Le Coran précédé d’un abrégé de la vie de Mahomet، par M Savary Paris،.

(2)

لعل أبشعها وضع عنوان الغلاف هكذا "محمد: القرآن مترجما من العربية" موهما بذلك أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.

(3)

انظر على سبل المثال الصفحات 5-8، 42-65.

ص: 52

‌ثانياً: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى

يعد هذا الجانب من جوانب الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية أحد أبرز مجالات الاهتمام الكبرى، وذلك لأن الكتاب لا يترجم إلى لغة أخرى إلا إذا كان هناك باعث قوي ودافع رئيس يرتبطان بأهمية الموضوع وقيمته، ولقد اهتم الاستشراق الفرنسي بنقل بعض أهم الكتب التي وضعت في السيرة

ص: 52

النبوية في اللغات الأوروبية الأخرى نظرا لمكانتها وقيمتها في مجال بحث ودراية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولعل أقدم ما ترجم إلى اللغة الفرنسية في مجال السيرة النبوية هو كتاب هادريان ريلاند Hadrian Reland "الديانة المحمدية"، وكان المؤلف قد سعى في مؤلفه هذا إلى تقديم عرض منصف للإسلام، وقد نشر الكتاب عام 1721م (1) . وفي عام 1943م أصدر الفينلدي هولمان H. Holma كتابه "محمد نبي الإسلام" وقد ترجم إلى اللغة الفرنسية عام 1947م (2) .

أما في القرن العشرين فقد ترجمت كثير من الكتب الموضوعة في السيرة النبوية من لغات أجنبية أخرى إلى اللغة الفرنسية وسنقتصر هنا على اثنين من أبرز المتخصصين في هذا المجال وهما تورأندريه السويدي ومنتغمري واط الإنجليزي وكلاهما خلف كتابين مهمين في الموضوع.

1) تور أندريه Tor Andrae:

برع هذا المستشرق في الحديث عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبر كتاباه "شخصية محمد في تعليم أمته ومعتقداتها" وكتاب "محمد: حياته وعقيدته" نقطة انطلاق المستشرقين الفرنسيين المعاصرين في دراسة السيرة النبوية.

وقد ترجم كتابه الثاني "محمد حياته وعقيدته"(3) إلى اللغة الفرنسية ليصبح عمدة كل الدارسين الفرنسيين للسيرة النبوية، وبالرغم من إشادة كثير

(1) دكاتارينا مومزن: جوته والعالم العربي سلسلة عالم المعرفة ع 194 (1995) ص 180.

(2)

H. Holma: Mahomet، prophète de l'Islam، Paris – Flamarion.

(3)

Mahomet، Sa vie et sa doctrine – Paris،.

ص: 53

من الباحثين (1) بهذا الكتاب إلا أن المتصفح له سرعان ما يفطن إلى منهج المؤلف الملتوي الذي يطبعه كثير من التحايل والمراوغة واستعمال الأسلوب التمويهي من أجل التشكيك في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومهما ادعى المؤلف نهج طريقة الحياد والموضوعية في دراسة السيرة النبوية إلا أنه لم يستطع التجرد من الهوى والتعصب، فهو يتصيد الأدلة التي تخدم أغراضه ويفسر الوقائع على غير حقيقتها ثم إنه يتهجم على كثير من معطيات السيرة الثابتة بلباقة وتمويه بالغَين. ففي معرض حديثه عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن زهده وورعه فقال وبنبرة يلفها الشك والتهوين:"فبعض هذه الصفات تبدو لنا جد حقيقية، وفيها بصمات الصحة، لكن لا ندري أبدا بماذا نثق، إذ هناك أحاديث أخرى تصور النبي في هيئة مختلفة تماما عن هذه، تنفي أن يكون زهد فعلا في حياته .......ثم يستطرد قائلا: ومن المؤكد أن الروايات المتحدثة عن فقر النبي وحرمانه فيها مبالغات كثيرة، فإذا كان باستطاعته أن يهب لعائشة عقد لؤلؤ ثمين، فهو قطعا ليس في حاجة لرهن درعه

" (2) .

والمؤلف لا يتردد أحيانا في وصم الروايات المتنوعة في الواقعة الواحدة بالتناقض، ومهما أوهم القارئ أنه يعتمد أمهات الكتب العربية إلا أنه يظهر براعة قوية في التضليل والتمويه وانتقاء ما يخدم أهواءه وأهدافه وإهمال وإغفال الحديث عما لا يستجيب لآرائه.

(1) من هؤلاء نجيب العقيقي في كتابه "المستشرقون 3/33 ومكسيم رودنسون في دراسته السابقة الذكر (Bilan) ص 171.

(2)

Mahomet، sa vie et sa doctrine، p.

ص: 54

إن كتابات تورأندريه في السيرة النبوية بالرغم من شهرتها واعتماد المستشرقين المعاصرين عليها لا ترقى إلى مصاف الكتابة النزيهة والموضوعية إذ إن المؤلف مهما أحاط جيدا بمعطيات السيرة النبوية مع اطلاعه الواسع على أصولها ومرجعياتها العربية إلا أنه آثر سلوك طريق التشويه والطعن والافتئات.

ولعل ذلك هو الذي أتاح لهذا الكتاب الثاني شهرة واسعة جعلته يترجم إلى الإنجليزية (لندن 1936م) والألمانية (جوتنجن 1939م) والفرنسية (باريس 1945م) والإيطالية (باري 1934م) .

2) منتغمري واط Montgomery Watt:

يعد واط من أشهر المستشرقين المعاصرين اعتناء بالسيرة النبوية، حيث خلف في الموضوع كتابين مهمين لقيا اهتماما بالغا من الباحثين الغربيين والعرب على السواء.

أصدر واط كتابه "محمد في مكة" عام 1953م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1958م (1) وهي ترجمة ضعيفة مبتورة ومجردة من الملاحق الواردة في الأصل الإنجليزي وقد قدم للترجمة الفرنسية مكسيم رودنسون.

أما الكتاب الثاني فهو "محمد في المدينة" صدر عام 1956م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1959م (2) وهي أفضل من الأولى.

أشاد رودنسون بهذين الكتابين وقال: "يمتاز المؤلف في كتابيه بأنه استطاع من خلالهما أن يعتمد مختلف المصادر –بما فيها العربية- ويستفيد منها

(1) Mahomet à la Mecque، Payot –Paris،.

(2)

Mahomet à Médine، Payot –Paris،.

ص: 55

ويتوصل إلى نتائج واضحة، وقد انتقد من لدن بعض المستشرقين بأنه بالغ في الوثوق بمصادر السيرة النبوية المعتمدة" (1) .

وبالرغم من أن الكتابين لهما أهميتهما في مجال التأليف في السيرة النبوية في البحث الاستشراقي إلا أن دائرة الموضوعية التي تعهد واط في مقدمة كتابه الأول بأنه سيلتزم بها تبقى مفتوحة للنقاش، ذلك أن الرجل مهما حاول أن يعتمد منهجا مغايرا لما اعتمده زملاؤه يعتبر أقرب إلى الموضوعية، إلا أنه ارتطم واصطدم في كثير من الأحيان بالمسلمات والبدهيات التي نؤمن بها في حقل السيرة النبوية. ومهما بدت منطلقاته في البحث والتحليل سليمة –إلى حد ما- "عدم اعتماد الافتراضات السابقة مثلا" فإن استنتاجاته التي توصل إليها لا تتوافق مع وقائع ومعطيات السيرة الحقيقية.

يقول الدكتور عماد الدين خليل: "يبدو واط على مستوى تقنية البحث متفوقا بمعنى الكلمة، وهو يمتلك أداة البحث ومستلزماته، ويعتمد أسلوبا نقديا مقارنا يثير الإعجاب، وقد تمكن بواسطته من تحقيق عدد من النتائج القيمة على مستوى السيرة، وإن كان يلح أحيانا في نزعته النقدية، الأمر الذي قاده إلى عملية "نفي" واسع النطاق لمساحات من حقائق السيرة المتعارف عليها"(2) .

إن واط وهو يبالغ في نزعته النقدية يميل في كثير من الأحيان إلى الأخذ بمنهج إسقاط الرؤية والمواضعات المعاصرة على أحداث السيرة ونفي المرويات الصحيحة أو إثارة الشكوك حولها، فضلا عن النزوع أحيانا إلى الأخذ بفكرة التأثير النصراني أو اليهودي في صياغة وقائع السيرة النبوية.

(1) Rodinson: Bilan، p.

(2)

مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية الرياض 1985م ج1 ص 147 ونحيل على هذه الدراسة المفيدة للاطلاع على تفاصيل منهج واط في كتابيه.

ص: 56