المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية . ‌ ‌مدخل … الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة - الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية (عرض وتحليل)

[حسن بن إدريس عزوزي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية . ‌ ‌مدخل … الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة

‌الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية

.

‌مدخل

الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية

اهتم الاستشراق الفرنسي بالسيرة أكثر من اهتمام الباحثين المسلمين، فالأعمال التي خلفها هؤلاء في هذا الحقل كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ولعل أهمية هذا الاهتمام تكمن في أنه قديم قدم الاستشراق الفرنسي ذاته، بل يمكن القول بأن الاهتمام بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد سار جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالقرآن الكريم تأليفا وترجمة.

وقد سبق توضيح بعض أسباب الاهتمام المبكر بالاستشراق الفرنسي بالإسلام دينا وثقافة وحضارة في مقدمة هذه الدراسة.

بيد أنه لا بد من التذكير بأن الغرب قد اتخذ بوجه عام طيلة الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والسابع عشر الميلادي أي على مدى ألف عام تقريبا موقفا عدائيا حيال الإسلام، ولم تبدأ علامات التحول التدريجي في الظهور في الأفق إلا مع نهاية القرن السابع عشر. فالصراعات بين الطرفين والمواقف المعادية ضد الإسلام لم تكن تسمح بأي نظرة موضوعية بعيدة عن التحيز.

وإذا كانت قد ظهرت منذ الحروب الصليبية كتابات عن الإسلام وترجمات لمعاني القرآن الكريم في أوروبا فإن هدف ناشريها من ممثلي الكنيسة المسيحية لم يكن هو التعريف بالإسلام ونبيه بل محاربته والطعن فيه والتهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم وتشويه سيرته وشخصيته، وفي نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وفي ذات الوقت الذي ظهر فيه كتاب بايل Bayle (المعجم التاريخي) الذي سبقت الإشارة إليه نشر المستشرق الفرنسي برتملي

ص: 17

ديربيلو Berthélemy d'Herbelot موسوعته الضخمة الشهيرة: "المكتبة الشرقية"(1) وعلى الرغم من غزارة المعلومات والأفكار التي تقدمها هذه الموسوعة عن الإسلام وبلدان الشرق العربي إلا أنها اتسمت بدورها بعدم الإنصاف والموضوعية حيال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.

ولعل أفضل من يقربنا من الصورة المشوهة التي كان ينظر بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو المستشرق الفرنسي إميل درمنغهم في كتابه " حياة محمد" حيث جاء فيه: " لما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية اتسعت هوة سوء الفهم وازدادت حدتها، ويجب أن يعترف الإنسان بأن الغربيين كانوا السباقين إلى أشد الخلاف، ولم يحارب الكتاب والشعراء مسلمي الأندلس إلا بأسخف المثالب، فقد زعموا أن محمدا لص نياق، وزعموه متهالكا على اللهو وزعموه شاعرا، وزعموه رئيس عصابة، بل زعموه قسا رومانيا مغيظا محنقا؛ لأنه لم ينتخب لكرسي البابوية، وحسبه بعضهم إلها زائفا.

وإن جبير دنوجن (ت 1124 م) نفسه –وهو رجل جد- ليفقد توازنه فيذكر أن محمدا مات في نوبة سكر بيِّن، وأن جسده وجد ملقى على كوم من الروث (2) .......

وذهبت أغنية رولان (La chanson de Roland)(3) إلى تصوير فرسان "شارلمان" وهم يحطمون الأوثان الإسلامية ويزعمون أن مسلمي الأندلس

(1) Bibliothéque orientale Paris.

(2)

هنا يعجز القلم عن الاستمرار في سرد تفاهات الغربيين في العصور الوسطى كما ذكرها إميل درمنغهم:

Emile Dermangham: la vie de Mohomet Paris (p)

(3)

قصيدة غنائية فرنسية ظهرت في القرون الوسطى زمن الحروب الصليبية الأولى طورت وعدلت مرات كثيرة، انظر كتاب أليكسي جورافسكي السابق الذكر ص 76.

ص: 18

يعبدون ثالوثا مكونا من: ترفاجان Tervagan وماهوم Mahom وأبولون Appolon.. وقد ظلت الأحقاد والخرافات قوية، فقد وُصِفَ محمدٌ بأنه دجال، والإسلامُ بأنه مجموعة الهرطقات كلها، وأنه من عمل الشيطان، ووصفوا المسلمين بأنهم وحوش، والقرآن بأنه نسيج من السخافات، وقد كانوا يعتذرون عن الحديث الجد في أمر هذا مبلغ سخافته" (1) .

بعد عصر النهضة الفرنسية كانت هناك يقظة فكرية وتنويرية متميزة، وكان هنالك حرص نسبي على تقصي الحقائق وبخاصة من لدن أولئك المستشرقين الذين تحللوا من الأديان وثاروا عليها بعد ما تم فصل الكنيسة عن الدولة، حيث استطاع هؤلاء دراسة الإسلام ونبيه دراسة أقرب إلى الواقع والحقائق التاريخية.

والحاصل أن المستشرقين الفرنسيين ينقسمون في نظرتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام:

-فئة معتدلة تظهر –إلى حد ما- عطفا على الإسلام وتسعى إلى فهم السيرة النبوية من خلال المصادر العربية المعتمدة وتقع أحيانا في أخطاء فتنصف حينا وتسيء أخرى.

- فئة مغالية ومتعصبة ترمي الرسول عليه الصلاة والسلام بأقبح الصفات وأقذع النعوت.

-فئة قليلة ندبت نفسها لقول الحقيقة بموضوعية وتجرد، وقد تخطئ عن سوء فهم.

(1) E، Dermengham; Opcit p.

ص: 19