المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صفة الصلاة] - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ١

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌[باب صفة الصلاة]

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

[باب صفة الصلاة]

هذا الباب من كتاب الزاد هو أهم باب على الإطلاق لأنه يتعلق بالصلاة والصلاة هي أهم مباحث كتاب الزاد واهم مباحث الفقهاء وإنما اعتبرنا هذا الباب هو أهم الأبواب لمزيد عناية الشارع بالصلاة والتأكيد عليها وفزع النبي صلى الله عليه وسلم إليها وكونها فرضت في السماء وأهمية الصلاة لا تخفى على مسلم.

فإن قيل: الأبواب السابقة أيضاً في الصلاة فهي في شروط الصلاة؟

فالجواب: أن هذا صحيح لكن الباب الذي يتحدث عن ماهية الصلاة والأعمال داخلها أهم من الأبواب التي تتحدث عن الشروط التي تسبق الصلاة.

فمن هذه الجهة صار باب صفة الصلاة أهم من الأبواب السابقة له وإن كانت تتعلق بالصلاة أيضاً.

ومما يؤسف له أن عامة المسلمين اليوم لا يؤدون الصلاة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤديها.

ونظرة سريعة إلى المصلين في المساجد تنبئك عن حال الناس اليوم في معرفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والإخلال بها من قبل عامة الناس.

ويزيد الأمر سوءاً أن يقع هذا الإخلال من طلبة العلم الذين يفترض فيهم وبهم أن يفقهوا صفة الصلاة تماماً وأن يدرسوها ويقرؤوا الأحاديث التي تعتني ببيان كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك لو نظر الإنسان إلى صلاة طلبة العلم لوجد أنها صلاة فيها كثير من الأخطاء والتجاوز السرعة الإخلال بالسنن.

ص: 342

وقد نظرت أنا إلى كثير من إخواننا في مناسبات مختلفة وهم يصلون فراعني وأحزنني جداً كيفية الصلاة التي يصلون عليها لا سيما بالذات ما يتعلق بالطمأنينة. فإنك تجد بعض الناس يصلي ولا تدري هل هو يصلي أو لا يصلي من كثرت الحركة.

وأنا ذكرت مثالاً - لكثير من الإخوان - لأنه يحزنني جداً وهو أن الفقهاء ذكروا أن من ضوابط الطمأنينة والخشوع أن من يصلي إذا رأيته وحسبت أنه لا يصلي فقد أخل بشرط الطمأنينة وهو ركن من أركان الصلاة وكنت إذا مرَّ عليَّ هذا الكلام أو هذا الضابط عند الفقهاء أستغرب أن يوجد إلى هذه الدرجة أن لا يميز الإنسان هل هو يصلي؟ أو لا يصلي؟ من كثرت حركته حتى نظرت مرَّةً من المرَّات في أحد المساجد إلى شخص يصلي وقد والله ظننت أنه لا يصلي إلى أن ركع فعلمت أنه يصلي وقبل كنت لا أشك أنه لم يبدأ بالصلاة من كثرت حركته وعدم إقباله على الله إلى آخره

وهذه الهيئة لا شك أنها تخالف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتعلمون كلكم يعلم القصص الكثيرة عن صلاة الصحابة لا سيما صلاة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه وكثير من السلف الذين كانوا يصلون صلاة تشبه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكثر هذه القصص لفتاً للانتباه ما روي أن رجلاً دخل البصرة لزيارة الحسن البصري رضي الله عنه ورحمه وكان لا يعرف وجهه فقال لرجل في الشارع كيف لي بالحسن؟ أين أجد الحسن؟ فقال أدخل هذا الجامع يقصد جامع البصرة وابحث عن أحسنهم صلاة وأكثرهم طمأنينة فسيكون هو الحسن البصري.

فسيستدل عليه لا بشكله وإنما بهيئته في الصلاة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الخشوع والطمأنينة كما نسأله أن يعيننا فقه هذا الباب وأن يوفقنا فيه لإصابة الحق مما اختلف فيه أهل العلم.

• قال رحمه الله تعالى

((باب صفة الصلاة))

الصفة هي: الهيئة صفة الشيء أي هيئة الشيء ومقصود الفقهاء بصفة الصلاة أي الكيفية التي تصلَّى بها الصلاة على جهة التفصيل لا الإجمال.

والعمدة في معرفة صفة الصلاة قول النبي صلى الله عليه وسلم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأمر أمراً عامَّاً بالاقتداء به اقتداء خاصاً.

ص: 343

وباب صفة الصلاة ذكره المؤلف بعد باب شروط الصلاة لأن هذا هو الترتيب المنطقي والطبعي وهو أن يذكر الشرط قبل ذكر المشروط وهذا الترتيب شرعي وعقلي ومنطقي.

قال رحمه الله:

يسن القيام عند: ((قَدْ)) من إقامتها

المؤلف رحمه الله سيذكر في هذا الباب السنن والواجبات والأركان والمكروهات وكل ما يتعلق بالصلاة على جهة التفصيل ثم يعقد باباً خاصَّاً للأركان والواجبات والمكروهات إلى آخره تفصيلاً.

لكنه في هذا الباب سيذكر كل ما يفعله المصلي سواء كان واجباً أو مسنوناً أو ركناً أو غير ذلك.

• يقول رحمه الله:

((يسن القيام عند: قَدْ من إقامتها)) أي عند قول المقيم: قد قامت الصلاة.

والمؤلف يريد بهذه العبارة بيان الوقت الذي يستحب فيه أن يقوم المصلي.

وفي هذه المسألة تفصيل فهي تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يقيم المؤذن الصلاة والإمام لا يرى في المسجد – ليس موجوداً في المسجد.

ففي هذا القسم لا يقوم المصلي إلا إذا رأى الإمام لما في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)).

القسم الثاني: أن يكون الإمام موجوداً يرى وفي هذا القسم اختلف الفقهاء على أقوال:

القول الأول: وهو المذهب أن المصلي يقوم إذا قال المقيم قد قامت.

والقول الثاني: أن المصلي يقوم إذا بدأ المقيم بالإقامة وهذا مذهب الأحناف.

والقول الثالث: أن المصلي ليس لقيامه حدَّاً محدوداً شرعياً وإنما يختلف ذلك بالمصلي فإن كان ضعيفاً شرع له أن يقوم مبكراً ليتمكن من تحصيل تكبيرة الإحرام وإن كان قويَّاً فلا بأس بتأخره لأنه يستطيع أن يقوم ويدرك تكبيرة الإحرام.

والخلاصة أنه ليس لهذا القيام حدٌّ معروفٌ شرعاً.

وهذا مذهب الإمام مالك.

وهذا القول الثالث هو أعدل الأقوال.

وأنتم الآن عرفتم أن هذا الخلاف والتفصيل متى؟ إذا كان الإمام يرى إذا كان الإمام لا يرى فالأمر محسوم بالحديث الذي أخرجه الشيخان.

قال رحمه الله:

وتسوية الصف

أي ويسن أن يسوي الإمام الصف الصفوف وتسوية الصفوف سنة بإجماع الفقهاء.

ولكن اختلفوا هل هي واجبة؟ أو ليست بواجبة؟

فالجمهور على أنها سنَّة وهو القول الأول وهو المذهب.

ص: 344

والقول الثاني: أن تسوية الصفوف واجبة.

وهو مذهب الإمام البخاري رحمه الله وغفر له – واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

واستدل هؤلاء بالنصوص الآمرة كقوله صلى الله عليه وسلم ((سووا صفوفكم))

وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).

وهذه النصوص صريحة بالأمر والإيجاب.

وهذا القول هو المتوافق مع ظواهر النصوص.

وعلى القول بالوجوب هل تبطل صلاة من ترك التسوية؟ أو لا تبطل.

أيضاً اختلف فيه الفقهاء ونكتفي فيه بالقول الراجح وهو أن الصلاة لا تبطل بترك التسوية.

وهي مسألة مهمة جدا لكثرة من يترك تسوية الصفوف من الأئمة.

إذا القول الراجح: أنها واجبة ولكن تركها لا يبطل الصلاة.

الدليل الأول أن أنس بن مالك رضي الله عنه دخل المدينة بعد غياب طويل ووجد الناس لا يعتنون بتسوية الصفوف فأنكر عليهم ولم يحكم ببطلان الصلاة.

الدليل الثاني: أن تسوية الصفوف واجبة للصلاة وليست واجبة في الصلاة.

فتركها لا يؤدي إلى بطلان الصلاة.

ومع كون هذا القول هو الراجح وهو عدم البطلان إلا أن طالب العلم يعرف من خلال هذا الخلاف خطورة ترك تسوية الصفوف.

المقدار الواجب:

بماذا يحصل تسوية الصفوف؟

تحصل بتطبيق ضابطين ذكرهما الفقهاء – وهي المسألة الثالثة من مسائل تسوية الصفوف.

الضابط الأول:

اعتدال الصف على سمت واحد.

الضابط الثاني: تراص الصف بحيث لا يبقى فيه فرجة.

هذا ضابطان إذا تحققا تحققت التسوية وإذا اختل أي منهما اختلت التسوية.

• قال رحمه الله:

ويقول: ((اللَّه أَكْبَرُ)).

أيضاً تتعلق بهذا اللفظ عدة مباحث.

المبحث الأول: أن الصلاة لا تنعقد إلا بهذا اللفظ وهو قول المصلي: الله أكبر.

وعلى هذا جماهير العلماء من السلف والخلف أن الصلاة لا تنعقد إلا بهذا اللفظ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفتتح الصلاة إلا به ولم يحفظ عنه قط افتتاح الصلاة بغير هذا اللفظ فدلَّ ذلك على تعين هذا اللفظ.

فإذا قال: الله الأكبر أو الله الأعز أو الله الجليل فإن صلاته لم تنعقد.

المسألة الثانية:

الدليل على ركنية التكبير:

له أدله نأخذ دليلاً من القرآن ودليلاً من السنة.

فدليله من القرآن قوله تعالى ((وربك فكبر)).

ص: 345

وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية في الصلاة.

الدليل الثاني وهو من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء لصلاته استقبل القبلة ثم كبِّر.

مسألة ثالثة: معنى الله أكبر.

اختلفوا في معناها على قولين:

القول الأول: أن الله أكبر تفسر بتقدير محذوف وهو الله أكبر أي من كل شيء.

وإلى هذا ذهب العلامة سيبويه.

القول الثاني: أن معنى الله أكبر أي من أن يذكر بغير التحميد والتمجيد والتعظيم.

والصواب أن التكبير يشمل المعنيين.

المبحث الثالث:

أن التكبير لا ينعقد في الفريضة إلا من قائم فإن قال التكبير أو قال بعضه قبل أن يستتم قائماً انقلبت الفريضة إلى نافلة إن اتسع الوقت وإن لم يتسع لزمه قطع الأولى واستئناف الفريضة.

قال رحمه الله:

رافعاً يديه

أي أنه يسن لمن أراد أن يكبر تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه وهذه السنة وهي رفع اليدين لتكبيرة الإحرام ثابتة بإجماع الفقهاء ورواها عدد كبير من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم.

بل قال الشافعي: لم يرو سنة عدد من الصحابة كما رويت هذه السنة.

فهي سنة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بقينا في مسألة وهي: متى يرفع اليدين بالنسبة للتكبير؟

فمذهب الحنابلة– كما ترون –ويفهم من عبارة المؤلف أن التكبير يقترن برفع اليدين.

فيرفع ويكبر في وقت واحد واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبَّرَ ورفع يديه.

ففهموا من هذا المقارنة.

والقول الثاني: أن الرفع يكون قبل التكبير فيرفع يديه ثم يكبر.

واستدل أصحاب هذا القول برواية لحديث ابن عمر وفيه: رفع يديه ثم كبَّر.

والقول الثالث: أن التكبير يسبق الرفع لما جاء في حديث مالك بن الحويرث في مسلم أنه كبر ثم رفع.

إذاً إذا أردنا أن نلخص الأقوال:

كبر ورفع في وقت واحد.

رفع ثم كبر وهو في حديث ابن عمر.

كبر ثم رفع وهو في حديث مالك بن الحويرث.

أغرب هذه الصفات الصفة التي جاءت في حديث مالك بن الحويرث ولذلك لا تكاد تجد أحداً من الفقهاء يقول بهذه الصفة.

لكن هذه الصفة ثابتة في حديث مسلم وإذا كانت ثابتة في حديث مسلم فإن الإنسان في سعة من أمره أن يأخذ بها إن شاء الله.

ص: 346

وعمل عامة الناس إما على حديث ابن عمر الذي يوافق مذهب الحنابلة أو على رواية ابن عمر الأخرى وهي التي توافق القول الثاني.

أما أن يقول الإنسان الله أكبر ثم بعد قليل يرفع قليل من الناس من يعمل هذه الصفة ففي الحقيقة فيها غرابة لكن مادام أنها ثابتة في حديث مالك بن الحويرث فالإنسان كما قلت في سعة أن يعتمدها.

والقول الرابع: أن السنة التنويع واختار هذا القول من العلماء المحققين الشيخ ابن مفلح في الفروع وقوله هو الأقرب: أن الإنسان يفعل هذا تارة وهذا تارة.

• قال رحمه الله:

مضمومتي الأصابع

يعني أنه يسن لمن أراد أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أن يضم أصابعه هكذا.

الدليل قالوا الدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر رافعاً يديه مدَّاً.

وجه الاستدلال في هذا الحديث أن المصلي إذا مدَّ يديه فإن هذا يؤدي في الغالب إلى ضم الأصابع.

والقول الثاني في هذه المسألة وهو مذهب الشافعية أن السنة نشر الأصابع لا الضم.

واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبَّر نشر أصابعه وهذا الحديث ضعيف.

ولو قيل أن مسألة ضم أو تفريق الأصابع الأمر فيها فيه سعة وليس في هذا تحديد لكان قولاً حسناً جداً لأنه ليس في السنة ما يثبت الضم أو التفريق لكن هذا القول الثالث لم أجد من قال به ولو قيل به لكان قولاً متجهاً جداً فإن كان قيل بهذا القول فهو الراجح وإن كان العلماء اختلفوا على قولين فقط الضم والتفريق فالضم هو الصواب.

• ثم قال رحمه الله:

ممدودة حذو منكبيه

إذاً مع الضم السنة المد ودليل المد هو الحديث السابق كما هو ظاهر وهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه ممدودة.

ففي هذا دليل على أن الأصابع أثناء التكبير تضم وتمد.

واستدلوا على بأن هذه الصفة الضم والمد أقرب للخشوع من النشر والطوي وهذا صحيح ولذلك تجد غالب من يكبر بدون مد وبدون ضم ينسب إلى نوع من الاستهانة بالتكبير لأن صفته وهيئته لا تدل على الخشوع والعناية بالصلاة فهذا المعنى يؤيد مذهب الحنابلة.

• ثم قال رحمه الله:

((ممدودة حذو منكبيه))

ص: 347

يعني أن السنة أن يكون الرفع بحيث تكون اليد حذو المنكب وهذه الهيئة جاءت في حديثين صحيحين.

الحديث الأول: حديث أبي حميد الساعدي.

والحديث الثاني حديث ابن عمر.

ففي كل من الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع إلى أن يحاذي بيديه منكبيه صلى الله عليه وسلم.

والقول الثاني أن الرفع إلى محاذاة الأذنين.

لما في حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إلى أذنيه صلى الله عليه وسلم.

والقول الثالث: أن المصلي مخير فأحياناً يرفع إلى المنكبين وأحياناً إلى الأذنين.

فائدة: كان الإمام أحمد رحمه الله يقول بالتخيير بين الرفع إلى الأذنين أو إلى المنكبين ولكنه يميل ويحب الرفع إلى المنكبين وعلل ذلك بقوله أن أحاديث الرفع إلى المنكبين أكثر وأصح وأشهر مع صحة حديث الرفع إلى الأذنين.

إذاً هو يرى التخيير ولكنه يحب ويقدم الرفع إلى المنكبين ولذلك نقول المستحب للإنسان أن ينوع تارة إلى الأذنين وتارة إلى المنكبين ولكن يكون الأغلب عليه إلى المنكبين لكثرة أحاديثه وشهرتها وصحتها.

كالسجود

أي كما يفعل في السجود فإنه في السجود يضع يديه حذو منكبيه – سيأتينا التفصيل في هيئة السجود لأن المؤلف سينص عليها.

• ثم قال رحمه الله:

ويسمع الإمام من خلفه

أي أنه يسن أن يسمع الإمام المأمومين التكبير فهذا عند الحنابلة بل عند الجمهور بل الجماهير كما سيأتينا سنة.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كبر فكبروا.

والقول الثاني أن الجهر بالتكبير واجب والتعليل أن اقتداء المأموم بالإمام لا يتم إلا بذلك.

وهذا القول اختاره شيخنا رحمه الله وغفر له الشيخ محمد العثيمين.

ولكن يشكل على هذا القول مسألة واحدة وهي أن الفقهاء يحكون الإجماع على الاستحباب وممن حكى الإجماع الشيخ النووي في كتابه المجموع.

فإذا لم يثبت الإجماع وصار في المسألة خلافاً فإن الراجح ما قاله شيخنا من أن هذا واجب وليس سنة فقط.

ص: 348

لأنه في الحقيقة لا يحصل الاقتداء والإئتمام على الوجه المطلوب إلا بالجهر بالتكبير وأسماع المصلين واستدل شيخنا على الوجوب بدليل آخر وهو أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يبلغ المأمومين تكبيرات النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن تبليغ المأمومين واجباً لما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

في الحقيقة الأدلة التي ذكرها قوية جداً وواضحة لكن فقط يشكل عليها هذه المسألة وهي حكاية الإجماع.

• ثم قال رحمه الله:

كقراءَته في أولتي غير الظهرين.

أي كما يسن أن يسمع من خلفه بالتكبير كذلك يسن أن يسمعهم القراءة في صلاة العشاء والمغرب والفجر.

والجهر بهذه الصلوات بالقراءة سنة لدليلين.

الأول: الإجماع فقد أجمع الفقهاء أن الجهر فيها سنة.

الثاني: فعله صلى الله عليه وسلم فقد كان يجهر بالقراءة في هذه الصلوات.

انتهى الدرس

ص: 349

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

• قال رحمه الله

وغيره نفسه

يعني ويسمع غير الإمام نفسه - وهو المنفرد والمأموم فالمنفرد والمأموم يجب عليهما أن يسمعا أنفسهما

والدليل على هذا الحكم أنه لا يسمى الكلام كلاماً إلا إذا كان مع الصوت والصوت حده ما يتأتى سماعه بلا عذر

بناء على هذا إذا لم يسمع المنفرد والمأموم نفسه أثناء القراءة فإنه لم يقرأ فإذا كان منفرداً وقرأ الفاتحة بلا صوت بطلت الصلاة

والقول الثاني أنه لا يشترط أن يسمع نفسه بل يكتفى بالنطق بالحرف لأن الصوت أمر زائد على النطق ولا دليل على إيجابه

وهذا هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهذا هو الصواب

فائدة مهمة هذا البحث يتعلق بكل ما يشترط له النطق كالطلاق والأذكار وغيرها مما يشترط له النطق فالخلاف فيه كالخلاف في هذه المسألة فإذاً هي مسألة مهمة

ص: 350

ومذهب الحنابلة مع كونه مرجوحاً من حيث الدليل فهو مع ذلك يسبب التشويش على الناس فإن المأموم إذا صار يقرأ بصوت يسمع نفسه شوَّش على من بجانبه كما هو مشاهد من بعض الناس الذين يرفعون أصواتهم إذا أرادوا أن يقرؤوا

• ثم قال رحمه الله

ثم يقبض كوع يسراه

ذهب الجماهير من السلف والخلف إلى أن السنة للمصلي أن يقبض فإن أرسل يديه فقد خالف السنة

واستدلوا على هذا الحكم بنصوص كثيرة أصحها ما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال كان الناسي يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة

واستدلوا بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة

وهذه أحاديث صحيحة ثابتة في البخاري ومسلم

والقول الثاني أن السنة الارسال لا القبض وإلى هذا ذهب الإمام مالك بن أنس والإمام الليث بن سعد رحمهما الله

واستدلوا على هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء صلاته بالقبض

والجواب على دليلهم من وجهين

الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في هذا الحديث إلا الواجبات فقط ونأخذ السنن الكثيرة من الأحاديث الأخرى

والوجه الثاني قاعدة تقدمت معنى كثيراً وهي من القواعد التي تساعد في الترجيح ومعرفة الحق من الأقوال أن الخاص مقدَّم على العام

فأحاديث الجمهور خاصة بالقبض وحديث المسيء عام في صفة الصلاة

والراجح كما لا يخفى الذي ينبغي المصير إليه أن السنة القبض لا الإرسال

وقد يخلط بعض إخواننا بين هذه المسألة وبين مسألة القبض بعد الرفع من الركوع وهذه مسألة أخرى إذا وصل المؤلف إلى الكلام عليها تكلمنا عنها

الآن عرفنا أن القبض هو السنة وأن الإرسال خلاف السنة

المسألة الثانية كيفية هذه السنة؟

عن الإمام أحمد في هذه المسألة روايتان صحيحتان عنه

الرواية الأولى أن السنة أن يقبض باليمنى على اليسرى على الرسغ والرسغ هو العظم الذي يفصل الكف عن الذراع

ص: 351

وهذه الرواية هي المذهب وقول المؤلف يقبض على كوعه لا يختلف مع ما ذكرته من القبض على الرسغ وإنما عبَّرت بالرسغ لأنه هو المروي عن الإمام أحمد ولأنه أدق ولكن هذا لا يختلف عما ذكره المؤلف لأن الكوع هو العظم الذي يلي الإبهام فهو والرسغ واحد فمن قبض على الرسغ فقد قبض على الكوع

دليل هذه الرواية حديث وائل بن حجر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى وفي رواية أخرجها الدارقطني في سننه قبض بيمينه على شماله

الرواية الثانية أن السنة أن يضع يده اليمنى على الكف والرسغ والذراع لا على الكف ولا على الذراع وإنما هكذا

ودليل هذه الرواية أيضاً لفظ في حديث وائل بن حجر أنه قال ووضع يده اليمنى على ظهر كفه والرسغ والساعد

ودليل هذه الرواية ايضاً اللفظ الذي في مسلم وهو أنه وضع يده اليمنى على اليسرى

وليس عن الإمام أحمد فيما أعلم رواية سوى هاتين الروايتين

وذهب بعض الفقهاء إلى أن للقبض صفة ثالثة وهي أن يضع يده اليمنى على الذراع

واستدل على هذا باللفظ الذي أخرجه مسلم عن سهل الساعدي رضي الله عنه أنه قال ووضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى

ولكن في النفس من ثبوت هذه الصفة شيء بل الأقرب عدم ثبوتها أولاً لأنه لم يذكر أحد من متقدمي العلماء هذه الصفة – فيما أعلم – ثانياً لما أراد الحافظ بن حجر أن يشرح حديث سهل في البخاري ووصل إلى هذه اللفظة وهي وضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى قال وأبهم الراوي موضع القبض وفصلته الأحاديث الأخرى

فهو لا يرى أن هذه الصفة مقصوده أو هذا الفظ مراد للراوي فلذلك يعتبر أن الصحابي الجليل سهل في هذه الرواية أبهم

وإن تمسك أحد بظاهر النص وعمل به واعتبر هذه الصفة صفة ثالثة فلا حرج عليه إن شاء الله

• ثم قال رحمه الله

تحت سرته

لما بين المؤلف أن السنة القبض وبين كيف يقبض بيده اليمنى على يده اليسرى أراد أن يبين الموضع الذي يضع عليه يديه فقال تحت سرته

وهذا مذهب الحنابلة المذهب الاصطلاحي والأحناف أن الإنسان يقبض تحت السرة

والقول الثاني أن القبض يكون فوق السرة وتحت الصدر وهو مذهب الشافعية

ص: 352

القول الثالث أنه يضع حيث شاء وأن المصلي مخير وهذا رواية عن الإمام احمد واختارها الحافظ الكبير الترمذي واختارها أيضاً الشيخ الفقيه المجد ابن تيمية واستدلوا بأنه ليس في السنة الصحيحة ما يدل على موضع وضع اليدين

وهذا القول الاخير هو القول الصحيح وفهم من حكاية الخلاف انه لا يوجد من يقول بسنية وضع اليدين على الصدر وهذا صحيح بل الامام ابو داود صاحب السنن سئل الامام أحمد عن وضع اليدين على الصدر فكرهه

فوضه اليدين على الصدر عند الإمام أحمد حكمه مكروه

لأنه لم يرد ولما فيه من التشدد الغير وارد في الشرع

فإذاً لا يشرع أن يضع الإنسان يديه على صدره ولا قائل بذلك بل قيل بالكراهة

فإن قيل أليس في هذا الباب حديث صحيح يدل على موضع وضع اليدين من الصدر أو مما تحت الصدر؟

الجواب لا ليس في الباب أي حديث صحيح أي حديث يمرُّ بك يحدد موضع وضع اليدين فهو حديث ضعيف

فإن قلت في حديث وائل بن حجر أنه قال وضع يده اليمنى على اليسرى على صدره

فالجواب هذا صحيح وهو مروي في السنن وهو أقوى ما يستدل به على وضعها على الصدر ولكن مع ذلك هذه اللفظة شاذة منكرة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث وائل رواه الإمام مسلم بدون هذه الزيادة

الخلاصة أنه لا يثبت في هذه المسألة حديث صحيح فيضع الإنسان يده حيث شاء

ولكن من المعلوم أن وضع اليدين تحت الصدر وفي المنطقة التي بين الصدر والبطن أنه والله أعلم أقرب للخشوع

• ثم قال رحمه الله

وينظر مسجده

كما تلاحظ عناية المؤلف العناية الشديدة بتفصيل كل مرحلة من مراحل الصلاة اهتماماً وتعظيماً لأمرها

ينظر إلى مسجده أي أن السنة أن ينظر المصلي إلى مكان السجود فإن رفع بصره في قيامه عن مكان السجود فقد خالف السنة

وإن رفع بصره إلى السماء فقد ارتكب محرَّماً

الدليل على سنية النظر إلى موضع السجود مارواه سعيد بن منصور بإسناده عن ابن سير ين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء فلما نزل قوله تعالى والذين هم في صلاتهم خاشعون طأطأ رأسه صلى الله عليه وسلم -

ص: 353

وهذا الاسناد صحيح ثابت إلى ابن سيرين ومعلوم ان ابن سيرين من التابعين فهو حديث منقطع لكنه ثابت إلى ابن سيرين أي أنا نجزم أن ابن سيرين نسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وتقدم معنى أن الحديث المرسل الثابت من طريقة الإمام أحمد أن يأخذ به وأنه أولى من أقوال الرجال لا سيما وأنه يجزم هذا التابعي الجليل بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا المذهب هو اختيار الجمهور

والقول الثاني وهو مذهب المالكية أن الإنسان ينظر إلى الأمام وهو مذهب ضعيف جدا إذ لا يعتمد على أثر ثم إن فيه تشتيتاً وإشغالاً للمصلي وإبعاداً له عن الخشوع الطمأنينة ولوضح ضعف هذا القول نجد أن محققي المالكية ضعفه واختار مذهب الجمهور وهو الحافظ ابن عبد البر مع كونه مالكياً إلا أنه يرى أن هذا القول ضعيف وأن الصواب مع الجمهور في أن السنة النظر إلى موضع السجود

واستثنى العلماء من هذا الحكم العام بعض الصور العارضة

فمثلاً في صلاة الخوف إذا كان العدو تجاه القبلة فالمشروع أن ينظر إلى العدو لا إلى موضع سجوده

أيضاً إذا كان الإنسان يخشى على ماله وولده وهم في تجاه القبلة يخشى عليهم من الهلاك أو الضرر فإنه ينظر إليهم ولا ينظر إلى موضع سجوده

وذكروا عدة مسائل مستثناة

ولكن الأصل الثابت الواضح أن السنة في حق المصلي أن ينظر إلى مصلاه

مسألة هل ينظر المصلي إلى مصلاه وإن كان في الجلوس بين السجدتين أو للتشهد الجواب أن هذا موضع خلاف بين الفقهاء

فمنهم من يرى أن المصلي ينظر إلى إصبعه في الجلوس لحديث رواه أبو داوه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع هكذا

والقول الثاني أن الانسان ينظر في جميع أجزاء الصلاة إلى موضع السجود

والأقرب النظر إلى اليد إن صح الحديث الذي في سنن أبي داود

• ثم قال رحمه الله

ثم يقول سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ

السنة بعد أن يقبض الإنسان يديه ويلقي ببصره إلى موضع سجوده أن يبدأ بالاستفتاح

ص: 354

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنواع عديدة من الاستفتاحات اختار الإمام أحمد منها هذا الاستفتاح المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

مع تجويزه رحمه الله قول غير هذا النوع من أنواع الاستفتاحات

فيتعلق بهذا عدة مباحث أولاً هذا الحديث المروي عن عمر في الاستفتاح روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه

والصواب الذي رجحه الإمام مسلم أن هذا الحديث موقوف على عمر رضي الله عنه

ولكني لا أشك أنه مرفوع حكماً لأنه لا يعقل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحدث ذكراً في الصلاة ويعلمه الناس ولم يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم

إذا هو من جهة الاسناد موقوف على عمر لكن له حكم الرفع

المسألة الثانية لماذا رجح الامام أحمد هذا النوع من الاستفتاحات على غيره؟

مع أن البخاري ومسلم أخرجا في صحيحيهما حديث أبي هريرة المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح صلاته بقوله اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث

لماذا اختار الإمام أحمد هذا الحديث على ذاك مع تجويزه قول الامرين

اختاره لسببين

السبب الاول مافيه من تمجيد وتعظيم لله

السسبب الثاني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهر بهذا الاستفتاح يعلمه الناس مما يدل على أهميته واعتناء الصحابة به

مسألة هل المشروع في دعاء الاستفتاح الجهر أو الاسرار؟

الجواب المشروع فيه إجماعاً الاسرار

السؤال لماذا إذا جهر به عمر بن الخطاب الجواب ليعلمه للناس

وباعتبار أنا نتكلم عن الجهر والاسرار فينأخذ قاعدة في هذه المسألة وهي أن كل ما يشرع أن يجهر به وكل مايشرع أن يسر به فهو على سبيل السنية

فمثلاً المشروع في قراءة الركعة الأولى والثانية من صلاة المغرب الجهر أو الاسرار؟ الجهر فهذا الجهر هو مشروع على سبيل السنية والاستحباب لا الوجوب

وما حكم الاسرار بقراءة الركعة الثالثة من المغرب؟ سنة

فالاسرار به يسن على سبيل الاستحباب لا الوجوب لدليلين

الأول إجماع الفقهاء على ذلك

ص: 355

الثاني أنه هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر فيما جهر به وأسر فيما أسر به

فإن قرأ سراً في الركعة الأولى من المغرب فقد خالف السنة ولا حرج عليه

وإن جهر في الركعة الثالثة فقد خالف السنة ولا حرج عليه

ومن المعلوم أن هذا وإن قرر علماً وفقها ودليلاً إلى أنه لا ينبغي أن يعمل به بين الناس

اولاً لأنه مخالفة صريحة للسنة ثانياً لما يسببه من تشوش وإشكال بالنسبة لعوام الذين لا يعرفون الأحكام الفقهية

ثم قال رحمه الله

ثم يستعيذ

الاستعاذة سنة عند جماهير الفقهاء عند أحمد والشافعي وأبي حنيفة

واستدلوا على سنية الاستعاذة بقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله

والآية عامة في القراءة داخل الصلاة وخارجها

واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث لا يخلو شيء منها منن ضعف ولكن هذه الأحاديث باعتبار أن ضعفها يسير مع ما تدل عليه الآية يكفي لإثبات سنية الاستعاذة

والقول الثاني للأمام مالك أن المصلي لا يستعيذ وإنما يشرع بالقراءة واستدل على ذلك بحديث أنس أنه قال كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العاملين والجواب عن الاستدلال بالحديث أن مقصوده يفتتحون القراءة – قراءة القرآن – بالحمد لله رب العالمين وهذا صحيح ولا يمنع ذلك أن يسر بالاستعاذة

والراجح من القولين القول باستحباب الاستعاذة والعمدة في الحقيقة على الآية

ثم لما ذكر الاستعاذة انتقل إلى البسملة فقال

ثم يبسمل سراً وليست من الفاتحة

ذكر عدة مسائل في البسملة نأخذ هذه المسائل على ترتيب المؤلف ثم يبسمل

أي أن المشروع للمصلي بعد أن يستعيذ وقبل أن يبدأ بالفاتحة أن يبسمل فيقول بسم الله الرحمن الرحيم

وإلى هذا أيضاً ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة أنه رضي الله عنه صلى وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم

ففي هذا الحديث إثبات البسملة وأنه إنما قالها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 356

والقول الثاني للمالكية وهو أن المصلي لا يذكر بسم الله الرحمن الرحيم قبل القراءة واستدل الإمام مالك رحمه الله على ذلك بحديث أنس قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا يفتتحون القراءة بالحمدلله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها

وهذا نص صريح في نفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب أن مقصوده رضي الله عنه أنهم كانوا لا يجهرون ببسم الله ويدل على أن هذا مراده الرواية الأخرى عنه وفيها كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وبهذه الرواية يزول الاشكال وإلا بلى هذه الرواية فإن الحديث مشكل فهو ينفي البسملة صراحة لكن لما جاءات هذه لاالرواية زال معها الاشكال واستطعناأن نجمع بين أقوال الصاحبي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه

والصواب أن المصلي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم

المسألة الثانية هل يسر بها أويجهر؟

فالحنابلة والجمهور كما ترون يذهبون إلى أن المصلي لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم واستدلوا بدليلين الأول حديث أنس السابق حيث تقدم معنا أن المنفي فيه هو الجهر

والدليل الثاني وهو قوي جداً ومن أسباب الترجيح في المسألة أنه لا يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل يوم بسم الله الرحمن الرحيم جهراً في ثلاث صلوات ولا ينقل هذا نقلاً متواتراً ولا يعرفه الخلفاء الراشدون

قال ابن القيم هذا من أمحل المحال – وصدق رحمه الله فلا يمكن أي يقع هذا مطلقاً

وذهب الشافعية كمل هو المشهور وكما ترون بعض إخواننا الشافعية إلى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

واستدلوا على هذا بأحاديث كثرة ثبت فيها الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم عن النبي صلى الله عليه وسلم والجواب عن هذه الأحاديث التي ذكروها إجمالاً من وجهين

الجواب الأول أن الإمام الحافظ الناقد الدارقطني قال لايصح في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث قط

الجواب الثاني عن أحاديثهم ماذكره ابن القيم فقال أحاديبثهم صريحة غير صحيحة أو صحيحة غير صريحة

إما أن تكون صريحة في المقصود لكنها ضعيفة غير صحيحة

ص: 357

أو تكون ثابتة من جهة الإسناد لكنها غير صريحة يعني لايفهم منها الجهر

والراجح من القولين الاسرار

وإنما ينتفع طالب العلم إذا سمع هذا الخلاف أنه إذا سمع من يجهر عرف أن هذا قول معتبر وأن من ذهب إليه إمام أهل الحديث وهو الشافعي فلا إنكار وإنما الإنسان مقصوده معرفة الحق

ثم قال رحمه الله وهو المبحث الثالث

وليست من الفاتحة

بسم الله الرحمن الرحيم الصواب فيها أنها آية من كتاب الله ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما أتي بها للفصل بين السور وتذكر قبل كل سورة إلا التوبة

هذا خلاصة الراجح في بسم الله الرحمن الرحيم إذاً هي آية في كتاب الله لكنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور أتي بها للفصل بين السور عدا سورة التوبة

الدليل على هذه الأجزاء الثلاثة

أولاًَ الدليل على أنها آية في كتاب الله استدل الفقهاء على ذلك بأن بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة في المصاحف وقد جرد الصحابة في المصاحف القرآن أي لم يذكروا فيه إلا القرآن

فإذا وجدنا أن الصحابة كتبوا في المصحف بسم الله الرحمن الرحيم وهم لم يكتبوا فيه إلا القرآن علمنا أنها من القرآن آية يعني أن جبريل نزل بها من عند الله وأن الله تكلم بها كما تكلم بغيرها من السور والآيات وتأخذ جميع أحكام المصحف في اليمين والمس وفي كل شيء والقراءة

ثانياً الدليل على أنها ليست من الفاتحة ما أخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإاذا قال الحمدلله رب العالمين قال حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي الحديث ولم يذكر في أوله بسم الله الرحمن الرحيم ولو كانت من الفاتحة لذكرها

فهذا الدليل على أنها ليست من الفاتحة وهو مذهب الجمهور واختاره ابن تيمية وغيره من المحققين

ص: 358

وهذه المسألة وهي - هل بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة أو لا - ينبني عليها أحياناً صحة الصلاة وبطلانها لأن الإنسان قد يبدأ في قراءة الفاتحة بقوله الحمد لله رب العالمين فإذا كانت البسملة منها فإن صلاته باطله باعتبار أنه لم يقرأ الفاتحة كاملة

فإذاً هي مسألة مهمة ويحتاج طالب العلم أن يعرف الحق فيها فالأقرب - والله أعلم - أنها ليست من الفاتحة

بناء على هذا كيف نقسم الآيات؟ فإنك إذا فتحت المصحف ستجد أن بسم الله الرحمن الرحيم تأخذ رقم واحد ونحن نعتبر أن الفاتحة سبع آيات بالإجماع فإذا أخرجنا بسم الله الرحمن الرحيم كيف سيكون تقسيم الفاتحة؟

التقسيم سهل وهو أن نقول أن الحمد لله رب العالمين آية ثم تستمر كما التقسيم في المصحف إلى قوله صراط الذين أنعمت عليهم بعد عليهم انتهت الآية السادسة وبدأت الآية السابعة وتبدأ من قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين

هذا ليتصور الإنسان عدد الآيات وإلا لا إشكال أنه إذا قرأ من الحمدلله إلى آخرها فقد قرأ الفاتحة كاملة وصلاته صحيحة وإن لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم

ثم بدأ رحمه الله تعالى بمسألة الفاتحة كما ستلاحظ سيذكر عدة مباحث كما تلاحظ في المتن كلها يتعلق بالفاتحة

• ثم قال رحمه الله

ثم يقرأ الفاتحة

الفاتحة كما أشرت يتعلق بها أحكام كثيرة سيذكرها المؤلف رحمه الله

الحكم الأول الفاتحة ركن من أركان الصلاة بالنسبة للإمام والمنفرد أما بالنسبة للمأموم فسيأتي بحث هذه المسألة مطولاً عند موضعها إن شاء الله

وهذا مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها واستدلوا رحمهم الله على هذا الحكم بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ الثابت الصحيح لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب

انتهى الدرس

ص: 359

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

• قال رحمه الله:

ثم يقرأ الفاتحة

التعليق على هذه المسألة من الدرس الثالث:

بدأنا بالأمس بالمسألة الأولى وهي حكم قراءة الفاتحة:

فنعيد هذه المسألة:

نقول الجمهور يرون من الأئمة من الصحابة ومن بعدهم أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة فإن تركها عمداً أو سهواًَ بطلت الصلاة.

واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم "" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "" وهو حديث صحيح ومعناه صريح.

واستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج "" قال ثلاثاً.

وهذه الأدلة صريحة في المقصود وهي صحيحة ثابتة من حيث الإسناد.

القول الثاني: للأحناف أن قراءة الفاتحة سنة فإن تركها وقرأ غيرها من كتاب الله صحت صلاته.

واستدلوا على ذلك بدليلين:

الأول: قوله تعالى ((فاقرأوا ما تيسر منه)) وجعلووا الآية عامة في الصلاة وخارج الصلاة.

والدليل الثاني: استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي ثم اقرأ ماتيسر معك أي في الصلاة.

وهذا الخلاف خاص بالمنفرد والإمام وأن حكم قراءة الفاتحة للمأموم سيأتي في موضعه وهي مسألة مهمة سنتحدث عنها إذا جاء موضعها من الكتاب.

والراجح من القولين السابقين مذهب الجماهير لصحة وقوة وصراحة ما ستدلوا به فهي أحاديث صريحة في المقصود وصحيحة من حيث الثبوت.

كما أن في هذه الأحاديث زيادة علم وهو تخصيص الفاتحة بالقراءة وزيادة العلم يجب المصير إليها.

ويشترط في قراءة الفاتحة أن تكون متوالية مرتبة والمؤلف رحمه الله سيذكر هذين الشرطين وسيبدأ بشرط التوالي:

• فيقول رحمه الله:

فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال

لزمه أن يعيد قراءة الفاتحة من الأول فيستأنف القراءة ووجوب الإعادة في موضعين:

إما أن يسكت سكوتاً طويلاً أو يذكر ذكراً طويلاً ويشترط في السكوت وفي الذكر أن لا يكونا مشروعين.

التعليل: لأن في هذا السكوت والذكر الذي قطع به قراءة الفاتحة إخلال بنظم الفاتحة فإذا قرأها على هذا الوجه لم يقرأها كما كان صلى الله عليه وسلم يقرأها.

ص: 360

وفهم من كلام المؤلف أنه إن قطع القراءة بسكوت قصير أو بذكر قصير فإن القراءة صحيحة ولا يحتاج إلى الإعادة والاستئناف لان هذا السكوت القصير والذكر القصير لا يخل بنظم السورة.

وفهم من كلام المؤلف أيضاً إن قطع الفاتحة بذكر وسكوت طويلين لكنهما مشروعين فإن قراءة الفاتحة أيضاً صحيحة لأنه ذكر وسكوت مشروعين.

من أمثلة الذكر المشروع قول المصلي آمين ومن أمثلة الذكر المشروع تسبيح المصلي لتنبيه الإمام.

ومن أمثلة السكوت المشروع أن يسكت استماعا لقراءة الامام.

فهذه أمثلة للذكر والسكوت المشروعين.

إذاً تبين أن معنا ثلاث صور وجوب الاعادة في صورة واحدة وهي: إذ قطعها بذكر وسكوت طويل وأيضا غير مشروع وهذا هو شرط التوالي لانه في الحقيقة اذا قطعها في ذكر وسكوت طويلين قطع الموالاة.

• ثم قال رحمه الله:

أو ترك منها تشديدة

في الفاتحة إحدى عشرة تشديدة إن ترك منها واحدة لم تصح قراءة الفاتحة.

التعليل: أن التشديدة بمنزلة الحرف فإذا ترك تشديدة فكأنه ترك حرفاً.

• ثم قال رحمه الله:

أو حرفاً

أي أو ترك حرفاً فإذا ترك حرفاً واحداً من الفاتحة وجب عليه أن يعيد.

السبب: أنه إذا ترك حرفاً من الفاتحة فهو في الحقيقة لم يقرأ الفاتحة وإنما قرأ بعض الفاتحة والواجب قراءة الفاتحة بأكملها.

إذا هذا هو تعليل وجوب الإعادة على من ترك حرفاً من الفاتحة.

ثم قال رحمه الله:

أو ترتيباً:

إذا ترك ترتيب الفاتحة فإنه يجب عليه أن يعيد والإخلال بالترتيب يحصل في صورتين:

الأول: تقديم كلمة على كلمة.

والثاني: قراءة الفاتحة منكسة.

فإن فعل وجبل عليه أن يعيد قراءة الفاتحة لأن من شروط صحة القراءة أن نقرأ كما نزل من الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

• ثم قال رحمه الله:

لزم غير مأموم إعادتها

إذا أخل الإنسان بالموالاة فإنه يجب عليه أن يعيد السورة من أولها لأن شرط الموالاة اختل ولا يمكن الاتيان به على وجهه إلا بإعادة قراءة الفاتحة من أولها.

وإن أخل بالفاتحة بترك تشديدة أو حرفاً أو ترتيباً ففي وجوب الإعادة عليه تفصيل:

إن كان ترك ذلك عمدً فيجب عليه أن يعيد القراءة من أول الفاتحة.

وإن ترك ذلك بلا تعمد وجب عليه أن يعيد قراءة الكلمة.

ص: 361

فإذا قرأ كلمة من الفاتحة بلا تشديدة كأن يقرأ الرحمن بلا تشديدة أو الرحيم بلا تشديدة بلا قصد وجب عليه أن يعيد قراءة الكلمة فقط ولا يجب عليه أن يستأنف قراءة الفاتحة من أولها.

وإن ترك ذلك متعمداً وجب عليه أن يبدأ قراءة الفاتحة من أولها.

هذا إذا لم تبطل صلاته بتعمده ترك حرف من الفاتحة لأنه متلاعب ولكن قد يتصور هذا بسبب التساهل لا بسبب التلاعب كأن يتساهل في النطق ويستعجل عامداً ويترك حرفاً حينئذ نقول له أعد السورة ولا تعد الكلمة.

أما إذا اجتهد ونطق بالكلمة ناقصة حرفاً بلا تعمد فنقول أعد الكلمة فقط.

الخلاصة إذا ترك هذه الثلاثة أشياء التشديدة أو الحرف أو الترتيب متعمدا وجب أن يعيد قراءة الفاتحة من أولها.

وإذاتركها بلا تعمد وجب أن يعيد الكلمة فقط.

ثم قال رحمه الله:

ويجهر الكل

يقصد بالكل: المأموم والإمام والمنفرد فكلهم يجهرون بآمين والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الإمام غفر له وفي رواية غفر له ما تقدم من ذنبه.

وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمن ارتج المسجد تأميناً.

ولكن الذي يظهر أن في إسناد هذا الحديث ضعف.

مسألة: متى يؤمن المأموم؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن المأموم يؤمن مع الإمام فإذا قال الإمام ولا الضالين قال الإمام والمأموم: آمين.

والقول الثاني: أن المأموم يؤمن إذا انتهى الإمام من قوله آمين.

وعلى هذا إذا قال الإمام ولا الضالين يسكت المأموم وينتظر إلى أن يقول الإمام آمين ثم يقول هو بعد ذلك آمين.

واستدل هؤلاء بظاهر حديث أبي هريرة لأنه يقول إذا أمن الإمام فأمنوا.

والصواب القول الأول لأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه جاء مفسراً في صحيح البخاري حيث قال: فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين.

ص: 362

وهذه الرواية وهي - فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين - موجودة في صحيح البخاري لكن المجد في المنتقى نسبها إلى سنن النسائي ومسند الإمام أحمد فوهم بذلك وهي موجودة في صحيح البخاري وهي مرجح قوي للقول الأول وهو دليل على أن عمل الناس اليوم هو الموافق للسنة أنهم يقولون آمين هم والإمام في وقت واحد.

ثم إن في القول الثاني: وهو انتظار قول الإمام آمين إرباك للمصلين كما يشاهد ممن يفعل هذه السنة فإنا لا ندري متى سيقول آمين ولاندري هل سيجهر الإمام بآمين أو لن يجهر إلى آخره فيحصل إرباك بسبب هذا القول.

فالراجح والله أعلم دليلاً ونظراً مع القول الأول.

قال رحمه الله:

ويجهر الكل ((بِآمِيْنَ)) في الجهرية

عندكم في نسخة في الجهريات هذه النسخة أصح لوجهين:

أولاً أنها أوضح في المقصود.

ثانياً هي أرجح من حيث النسخة الخطية لأن النسخة الخطية التي أخذت منها لفظة الجهريات هي النسخة المنقولة عن نسخة الشيخ عبد الله بن با بطين التي صححها هو بنفسه ومعلوم أن الشيخ رحمه الله أولاً بارع في الفقه ثانياً له عناية جداً بهذا المتن وهذه الأمور ترجح النسخة التي أشرف عليها.

فاجتمعت في هذه الكلمة المرجحات من حيث النسخ الخطية ومن حيث المعنى والأمر سهل لكن على كل حال في الجهريات أحسن.

• ثم قال رحمه الله:

ثم يقرأ بعدها سورة:

يسن بعد قراءة الفاتحة أن يقرأ الإنسان سورة في الركعتين الأولتين فقط والدليل على قراءة هذه السورة السنة المستفيضة المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يفعل ذلك أي يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية فقط دون الثالثة.

مسألة والسنة أن يقرأ الإنسان سورة كاملة ولا يقرأ بعض سورة والدليل أن هذا هو الغالب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ سورة كاملة ولا يقرأ بعض سورة وهذا سنة ويجوز أن يقرأ الإنسان بعض السورة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في صلاة المغرب ومن المعلوم أن قرأ بعضها في الركعة الأولى وبعضها في الركعة الثانية فقرأ في ركعة بعض سورة.

• ثم قال رحمه الله:

تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه.

ص: 363

طوال المفصل من القرآن يبدأ من ق إلى عم.

وأوساط المفصل: من عم إلى والضحى.

وقصار المفصل من والضحى إلى الناس.

فالسنة أن يقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي الفجر بطواله وفي الباقي وهي العشاء والظهر والعصر اوساط المفصل.

والدليل على هذا حديث أبي هريرة أنه قال رضي الله عنه ماصليت خلف رجل أشبه صلاة برسول الله رضي الله عنه من فلان قال وكان يقرأ في الفجر بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بأوساط المفصل.

قال الحافظ بن حجر إسناده صحيح.

ويدل على ذلك أيضاً أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى كتابا وقال فيه واقرأ في الظهر من أوساط المفصل.

فهذان دليلان على هذا التفصيل الذي ذكره المؤلف.

• ثم قال رحمه الله:

ولا تصح بقراءَة خارجة عن مصحف عثمان 0

مصحف عثمان هو المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وله رسم معين معروف وهو الرسم الموجود بين أيدينا اليوم وتناقلته الأمة بالتواتر العظيم سلفاً عن خلف إلى أن وصل إلينا محفوظاً بحفظ الله كاملاً برسمه الذي رسمه الصحابة.

فإذا رويت قراءة خارجة عن رسم المصحف العثماني فإنه لا يجوز أن نقرأ بها في الصلاة ولو صح إسنادها.

التعليل: لأن هذه القراءة ليست متواترة ولا يصح أن نقرأ في الصلاة بغير المتواتر.

والقول الثاني: أن القراءة إذا صح إسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم جازت القراءة بها في الصلاة والاستدلال بها على الأحكام.

وهذا القول اختاره ابن الجوزي واختاره أيضاًَ شيخ الإسلام بن تيمية رحمهم الله.

الدليل: قال شيخ الإسلام: اتفق أئمة السلف على أن مافي مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المصحف لم يستوعب جميع الحروف وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأون في عصره وبعد عصره بالقراءات السبع بالأحرف السبع وكانت صلاتهم صحيحة بلا شك فدل ذلك على أن القراءة بهذه القراءات تصح معها الصلاة.

وهذا القول الثاني: هو القول الراجح بل يظهر لي أنه لا ينبغي القول بخلافه لأننا نجزم أن صلاة الصحابة بالقراءات الخارجة عن مصحف عثمان كانت صحيحة.

ص: 364

مسألة: فإن رويت قراءة بإسناد صحيح متوافقة مع الرسم العثماني صحت الصلاة بها ولو كانت خارج القراءات العشر المعروفة.

بهذين الشرطين صحة الإسناد وأن توافق الرسم العثماني حينئذ تصح حتى عند الحنابلة.

انتهى المؤلف من الكلام على القراءة وانتقل إلى الركوع.

• قال رحمه الله:

ثم يركع

يعني بعد فراغه من القراءة يركع.

وفات المؤلف رحمه الله سنة وهي السكتة اليسيرة التي تكون بين القراءة والركوع فإن الإمام أحمد كره أن يصل المصلي القراءة بالتكبير وذلك لما ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت قليلاً قبل أن يركع.

وليس في السنة تحديد لمقدار هذه السكتة.

وذهب ابن القيم إلى أنها بقدر ما يرجع النفس للقارئ.

ومن هنا نعلم أن ما يفعله بعض الأئمة من أنهم يصلون القراءة بالتكبير مباشرة أنه خلاف السنة بل كرهه الإمام أحمد.

ثم بعد هذه السكتة كما قال المؤلف: يركع:

والركوع ركن من أركان الصلاة فإن تركه جاهلاً أو ناسياً بطلت صلاته إلا أن يذكر وهو في الصلاة فإنه يأتي به على تفصيل سيأتينا في باب سجود السهو.

الدليل على ركنيته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء ثم اركع حتى تطمأن راكعاً والله سبحانه وتعالى يقول: ((اركعوا واسجدوا)).

• ثم قال رحمه الله:

مكبراً

يعني أن السنة أن يكبر للانتقال والدليل على تكبير المصلي إذا أراد أن ينتقل من القيامإلى الركوع حديث أبي هريرة الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر وإذا أراد أن يركع كبر فنص رضي الله عنه على أن المصلي إذا أراد أن ينتقل يكبر تكبيرة الانتقال.

مسألة: واختلف الفقهاء في موضع هذه التكبيرة.

فذهب الحنابلة إلى أنه يجب أن يبدأ التكبير مع بداية الانتقال وينتهي من التكبير مع انتهاء الانتقال. فإن خرج شيء من التكبير عن ذلك لم يصح.

التعليل: قالوا: أن خروجه عن ذلك تكبير في غير محله والتكبير في غير محله لا يصح.

ص: 365

الوجه الثاني: أن الأمر في هذه المسألة واسع فيجوز أن يبدأ بالتكبير قبل أن يبدأ بالانحناء ويجوز أن يتم بعض التكبير بعد انتهاء الركوع وهذا القول وجه عند الحنابلة واختاره منهم ابن تميم من الحنابلة وعللوا ذلك بأن مراعاة هذا الأمر شاق جداً وعسر على الناس ولا يكاد يلتزم به مصلي.

وهذا القول الثاني هو القول الصواب لأنه كما قالوا يكاد يتعذر على المصلي أن يراعي هذا دائماً وأبداً فمن الصعب أن يلتزم الإنسان أن يبدأ بالتكبير إذا بدأ بالانتقال وينتهي من التكبير إذا انتهى من الانتقال الالتزام بهذا لاشك أنه متعذر أو أشبه ما يكون بالمتعذر.

ثم قال رحمه الله:

رافعاً يديه:

يعني أن السنة لمن أراد أن يركع أن يرفع يديه إذا كبر.

ذهب الجمهور إلى أنه يسن للمصلي إذا راد أن يكبر للركوع أن يرفع يديه واستدلوا على ذلك بأحاديث صريحة صحيحة كثيرة منها حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا استفتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع من الركوع.

ومنها حديث الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع في هذه المواضع.

والرفع عند الركوع سنة ثابتة.

والقول الثاني أنه لا يشرع للإنسان إذا أراد أن يركع لأنه لم يذكر في حديث المسيء.

وتقدم معنا مراراً أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر في حديث المسيء الواجبات فقط.

• قال رحمه الله مبيناً ماذا يفعل المصلي بعد الركوع:

ويضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع

السنة للمصلي ....

انتهى الدرس

ص: 366

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

• قال رحمه الله

ويقول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ

يجب عند الحنابلة أن يدعو المصلي إذا ركع بهذا الدعاء سبحان ربي العظيم وهو واجب من واجبات الصلاة كما سيأتينا عند تعداد واجبات الصلاة

والدليل على هذا الحك

حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم قال وكان إذا ركع أي النبي صلى الله عليه وسلم يقول سبحان ربي العظيم

والدليل الآخر

حديث عقبة أنه لما نزل قوله تعالى {فسبح باسم ربك العظيم} قال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم وفي إسناد هذا الحديث ضعف

مسألة والواجب في قول سبحان ربي العظيم مرة

وأدنى الكمال ثلاث

وأقصى الكمال عشر

وقيل لا حد لأكثره

وقيل أن الأمر في عدد التسبيح واسع ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وليس في السنة ما يحدد الكمال وأدنى الكمال

وهذا القول الأخير هو الصواب

مسألة هل يتعين على المصلي أن يسبح بهذا اللفظ؟ فإن سبح بغيره فإنه لا يجزئ

فيه خلاف على قولين

القول الأول أن هذا اللفظ يتعين

لقوله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم

ويصدق هذا عمله صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول في الركوع سبحان ربي العظيم

والقول الثاني أن هذا اللفظ لا يتعين فإن سبح الله بأي صيغة كأن يقول سبحانك أجزأ وهذا مذهب المالكية

واستدلوا

بأنه ثبت في الصحيحين وفي غيرهما أذكار متعددة للركوع كما في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي

فدل ذلك على أنه لا يتعين قول المصلي سبحان ربي العظيم

والقول الثاني هو الراجح

والأحوط أن لا يترك المصلي في ركوعه سبحان ربي العظيم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخروجاً من الخلاف

مسألة هل يشرع أن يزيد المصلي في ركوعه وسجوده على قوله سبحان ربي العظيم؟

في هذا أيضاً خلاف

فذهب الحنابلة إلى أنه في صلاة الفريضة لا يزيد على هذا اللفظ ويجوز أن يزيد في النافلة

وذهب الشافعي إلى أنه يجوز أن يزيد على سبحان ربي العظيم في الفريضة والنافلة

لأن الأحاديث التي فيها زيادات على هذا الذكر لم تخصص النافلة بهذا الحكم

من أمثلته قول المصلي سبوح قدوس رب الملائكة والروح فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله وما ثبت في النفل ثبت مثله في الفريضة

وهذا كما قلت لكم مذهب الشافعي

ص: 367

ومذهب الشافعي في هذه المسألة أصح من مذهب الحنابلة

مسألة هل يشرع أن يقول المصلي سبحان الله العظيم وبحمده؟ فيزيد كلمة وبحمده

أيضاً اختلفوا فيه على قولين

القول الأول أنه لا يزيد هذه اللفظة

قال الإمام أحمد رحمه الله أما أنا فلا أقول وبحمده

والقول الثاني أن هذه الزيادة مشروعة

لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول سبحان الله العظيم وبحمده في ركوعه

والراجح القول الأول وزيادة وبحمده ضعيفه وممن أشار إلى ضعفها الحافظ أبي داود وقد نقول أن إعراض الإمام أحمد عن العمل بها أيضاً يدل على تضعيفها

وعلى كل حال هي زيادة ضعيفة

هذه بعض المسائل التي تتعلق بالتسبيح في الركوع وينبغي أن تعلم أن مثل هذه المسائل ستتكرر معنا في تسبيح السجود فمن المفيد لطالب العلم أن يتقنها

• ثم قال رحمه الله

ثم يرفع رأْسه ويديه

المشروع للمصلي إذا رفع من الركوع أن يرفع يديه مع التكبير

والدليل على سنية الرفع في هذا الموضع

حديث ابن عمر السابق

ولكن اختلف الفقهاء متى يرفع يديه؟

على قولين هما روايتان عن الإمام أحمد

القول الأول أنه يرفع يديه مع التكبير

لحديث أبي حميد الساعدي وفيه ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه

ولحديث ابن عمر ثم رفع رأسه ورفع يديه كذلك

والرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو القول الثاني أنه لا يرفع يديه حتى يستتم قائماً فيقول سمع الله لمن حمده فإذا استتم قائماً رفع يديه

واستدلوا

برواية في حديث ابن عمر وفيها ثم رفع يديه بعدما رفع رأسه

ولما ذكر الإمام أحمد هذه الرواية في المسند ذكر أن راوي الحديث وهو سفيان كان يتردد في هذه اللفظة كأنه لم يضبطها قال الإمام أحمد كان أحياناً يقول فرفع يديه وأحياناً يقول ثم بعد ذلك رفع يديه ثم ثبت على ثم بعد ذلك رفع يديه

فإشارة الإمام أحمد في المسند إلى تردد الإمام سفيان وهو يقصد ابن عيينة لأن الإمام أحمد لا يروي عن الثوري يضعف هذا القول لا سيما وأن اللفظ الذي في الصحيحين ليس فيه كلمة بعد ذلك

ص: 368

الخلاصة أن الراجح القول الأول وهو أن الرفع يكون مع سمع الله لمن حمده ولا ينتظر إلى أن يستتم وإنما يرفع مع الرفع وهذا هو المذهب الرواية الأولى القول الأول هي المذهب وهذا يفهم من عبارة المؤلف رحمه الله

• ثم قال رحمه الله

قائلاً إمام ومنفرد

أي دون المأموم فلا يقول هذا الذكر وسيأتي الكلام في الذكر المشروع للمأموم في هذا الموضع ونبقى الآن مع ذكر الخاص بالإمام والمنفرد

يقول رحمه الله

قائلاً إمام ومنفرد سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ

المشروع للإمام إذا رفع رأسه وكذا المنفرد فقط

عند الحنابلة أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً ملء السموات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد

وهذا الذكر بطرفيه سمع الله لمن حمده وملء السموات وملء الأرض

جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه

كذلك جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

وكذلك جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه

وكذلك جاء بعضه من حديث أنس رضي الله عنه

فالذين رووا تسميعه صلى الله عليه وسلم وذكره عدد من الصحابة نحو أربعة أو خمسة وهم كما ذكرت لكم ابن عباس وأبي هريرة وابن أبي أوفى وبعضه أنس

كلهم أثبت أنه يقول سمع الله لمن حمده

• ثم قال رحمه الله

وبعد قيامهما

أي الإمام والمنفرد

رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ

هذا الذكر وهو المكمل لذكر الإمام بعد قوله سمع الله لمن حمده جاء كما قلت لكم في عدة أحاديث

ملخص هذه الأحاديث أنه على أربع صيغ

أن يقول ربنا لك الحمد هذه الأولى

الصيغة الثانية أن يقول ربنا ولك الحمد بزيادة الواو

الثالثة أن يقول اللهم ربنا لك الحمد

والرابعة والأخيرة أن يقول اللهم ربنا ولك الحمد

هذه الصيغ في الأحاديث التي ذكرت لك ابن عباس وأيضاً أضف إليهم علي وابن أبي أوفى وأبي هريرة

وعلى المذهب الأفضل والمستحب أن يقول ربنا ولك الحمد أي يختار التي بزيادة الواو

ص: 369

لسببين

الأول لأن هذه الرواية أصح فهي في الصحيحين

والثاني ولأن فيها زيادة وهي الواو والزيادة أولى بالقبول

وأما بالنسبة ل اللهم ربنا لك الحمد والتي معها اللهم ربنا ولك الحمد فالأفضل عند الحنابلة التي بدون الواو

وأيضاً لنفس السبب لأنها أصح وأشهر وأكثر رواة

مع العلم أنهم يجوزون أن يقول الإنسان الصيغ الأربع ولكن يقولون بالنسبة ل ربنا ولك الحمد الأفضل بالواو وبالنسبة ل اللهم الأفضل بدون الواو ويرجعون في هذا إلى صحة الأسانيد وكثرة الطرق وعدد الرواة

مسألة قال ابن القيم لم يثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم ربنا ولك الحمد فلم يأت في السنة اللهم مع الواو

ووهم رحمه الله فإنه ثبت في صحيح البخاري حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم ربنا ولك الحمد

فالصيغ الأربع ثابتة في السنة

والأولى للمصلي أن ينوع بين الأربع ويكثر من اللهم ربنا لك الحمد أو يكثر من ربنا ولك الحمد

• ثم قال رحمه الله

ومأموم في رفعه رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فقط

أي أن المشروع للمأموم أن يقول ربنا ولك الحمد فلا يشرع له أن يقول سمع الله لمن حمده ولا يشرع له أن يقول أيضاً ربنا ولك الحمد ولا اللهم ربنا ولك الحمد

الدليل

قالوا الدليل على هذا

حديث أنس في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد

فبين الحديث أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده ولا يقول أيضاً ملء السماء وملء الأرض

ونحن نريد تسهيلاً أن نفصل الخلاف فنتكلم أولاً في حكم قول المأموم ملء السماء ومل الأرض ثم نذكر الخلاف في حكم قول المأموم سمع الله لمن حمده

إذاً

الحنابلة يرون أن المأموم لا يقول ملء السماء وملء الأرض ولا يقول سمع الله لمن حمده

نأخذ الخلاف في المسألة الأولى

أخذتم مذهب الحنابلة ودليلهم وهو حديث أنس رضي الله عنه

القول الثاني أن المأموم يقول ملء السماء وملء الأرض وهو اختيار المجد بن تيمية وأبو الخطاب

ص: 370

لحديث مالك بن الحويرث صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا الحديث عام يشمل قول المأموم ملء السماء وملء الأرض وهذا القول هو الصحيح

ثانياً مسألة سمع الله لمن حمده

فالقول الأول وهو المذهب أنه لا يشرع للمأموم أن يقولها لحديث أنس السابق

القول الثاني للمالكية والشافعية وإسحاق ورواية لأحمد أنه يقول سمع الله لمن حمده

الدليل

قالوا النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يودع مالك بن الحويرث قال له ائت قومك صل بهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول سمع الله لمن حمده

وقوله صلوا كما رأيتموني أصلي عام يشمل المأموم والإمام والمنفرد

الجواب على حديث أنس من وجهين

الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ولم ينص على قول سمع الله لمن حمده لأن المأمومين كانوا يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمع الله لمن حمده فكانوا يقتدون به بلا قول

وبهذا أجاب النووي رحمه الله

أي أنه لم يؤمر المأموم بقول سمع الله لمن حمده لأنه يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم جهراً فسيقتدي به

شرح آخر لوجود إشكال إذا قيل للشافعية كيف تقولون يقول المأموم سمع الله لمن حمده والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا أيها المأمومين ربنا ولك الحمد فجعل ذكر الإمام سمع الله لمن حمده وذكر المأمومين ربنا ولك الحمد

الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بقول سمع الله لمن حمده لأنهم يسمعونه يجهر بها ويعرفونها فلم يحتاجوا إلى الأمر بها

الجواب الثاني أن حديث أنس لو أفاد منع المأموم من سمع الله لمن حمده لأفاد منع الإمام من قوله ربنا ولك الحمد

والتزم بهذا أبو حنيفة فأبو حنيفة يقول الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد

ص: 371

مرة أخرى أن حديث أنس لو أفاد منع المأموم من قول سمع الله لمن حمده لأفاد منع الإمام من قوله ربنا ولك الحمد لأنه جعل الإمام يقول سمع الله لمن حمده والمأموم يقول ربنا ولك الحمد

وهذا لا يلتزم به الحنابلة بل يجعلون الإمام يقول ربنا ولك الحمد فهو إيراد عليهم

والذي يظهر لي في هذه المسألة أن المأموم يقول سمع الله لمن حمده

وهذا هو الراجح

انتهينا من هذه المسألة

المسألة الثانية

الحنابلة يرون أن المأموم لا يقول ملء السموات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد وإنما يقول فقط ربنا ولك الحمد كما في حديث أنس بلا زيادة ملء السماء وملء الأرض إلخ

استدلوا

بحديث أنس رضي الله عنه

والقول الثاني أنه يشرع لمأموم أن يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد

لأن حديث أنس ليس فيه المنع من الزيادة على هذا الذكر والأصل أن ماثبت في حق الإمام ثبت في حق المأموم إلا بدليل

والراجح أيضاً أن المأموم يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلو كما رأيتموني أصلي

تنبيه الخلاف في حكم قول المأموم سمع الله لمن حمده أقوى من الخلاف في حكم قول المأموم ملء السماء وملء الأرض

ويجب أن يعرف طالب العلم قوة الخلاف وضعفه فيعرف أن هذه المسألة الخلاف فيها قوي فيحتاط ويجتهد في معرفة الحق ويعرف أن الخلاف في هذه المسألة ضعيف فيكون اجتهاده في غيرها أكثر لأن بعض الناس لا يهمه إلا الراجح ولا يهتم بمسألة قوة الخلاف وضعف الخلاف

إذاً قول المؤلف رحمه الله هنا ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط كلمة فقط تخرج قول المأموم سمع الله لمن حمده وأيضاً قول المأموم ملء السماء وملء الأرض

والآن عرفنا أن الراجح فيهما والله سبحانه وتعالى أعلم أن المأموم يقولهما

قال رحمه الله

ثم يخر مكبراً

لم يبين المؤلف رحمه الله إذا رفع المصلي من الركوع هل يقبض أو يرسل وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين

ص: 372

القول الأول وهو مذهب الإمام أحمد وليس له في هذه المسألة إلا رواية واحدة جزم بها وليس له روايات أخرى أن المصلي بالخيار إن شاء قبض وإن شاء أرسل

دليل الإمام أحمد

أنه ليس في السنة نص صريح يدل على سنية القبض أو الإرسال

ويجب أن تقف عند العبارة وهي قوله وهذا ليس لفظ الإمام أحمد لكن هذا معنى كلامه ليس في السنة لفظ صريح فيوجد نصوص ولكنها ليست صريحة في المقصود

إذاً ليس في السنة شيء صريح ولذا قال الأمر فيه سعة إن شاء قبض وإن شاء أرسل

والقول الثاني وهو قول عند الحنابلة وليس رواية عند الإمام أحمد أن السنة القبض فإن أرسل يديه فقد خالف السنة

واستدلوا

بعموم حديث أبي حميد الساعدي السابق كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة

وجه الاستدلال قوله في الحديث في الصلاة عام يشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع فأخذوا بعموم اللفظ

والذين قالوا لا يقبض قالوا العام يحمل على المخصص فالسنة نصت بصراحة على القبض في القرءاة في قيام الصلاة ولم تذكر القبض صراحة بعد الرفع من الركوع

وهو قول ثالث لكن لا نريد أن نذكر هذا

المهم الآن المسألة على قولين

بالخيار إما القبض والإرسال

وأن السنة القبض

هذا القول الثالث وهو أن السنة الإرسال في ساعتي هذه لا أذكر من المتقدمين لا أقول ما قال به أحد لكن الآن ما أذكر هل قال به أحد من الأئمة المتقدمين أو أن أصحاب الأقوال في القرون الأربعة اختلفوا فقط على قولين الخيار أنه مخير أو أنه يقبض فربما يوجد قول ثالث لا أذكره أو لم أقف عليه كما يغلب على ظني لكن لا أنفي الآن فلم أراجع هل من الفقهاء من قال بأن السنة الإرسال وإن كان يعرف في المعاصرين من يتبنى هذا القول

لكن أريد قبل أن أقرر أنه قولاً ثالثاً أن أتأكد من وجوده في القرون الأربعة لأن هذه مسألة في الصلاة وفي الحقيقة الآن لا أذكر هل قيل به من الأئمة المتقدمين أو لا؟

الخلاصة أنهم اختلفوا على قولين

التخيير والقبض

والأقرب القبض أولاً لأن هذا أقرب للخشوع

ص: 373

ثانياً أن إدخاله في العموم مقبول ولا يعتبر بعيد في الاستدلال

• قال رحمه الله

ثم يخر مكبراً

السنة أن يخر الإنسان مكبراً بلا رفع لليدين

أي أن السنة أن لا يرفع يديه إذا أراد أن يسجد

والدليل على هذا

ما جاء في حديث ابن عمر أنه رضي الله عنه قال وكان لا يرفع في السجود

والقول الثاني أن السنة أن يرفع أيضاً إذا أراد أن يسجد

واستدلوا

بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع في كل خفض ورفع وهذا من الخفض

والجواب على هذا الاستدلال أن لفظ كان يرفع وهم

والصواب وكان يكبر في كل خفض ورفع أما لفظ وكان يرفع فهو وهم لا يثبت

وكل زيادة فيها الرفع للسجود فهي شاذة

والأحاديث الصحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما ليس فيها الرفع للسجود بل فيهما نفي الرفع كما سمعت عن ابين عمر رضي الله عنه

فلا شك أن رفع اليدين فيما يظهر والله أعلم ليس من السنة

ثم قال رحمه الله

ساجداً على سبعة أعضاء

يجب على المصلي بل هو من أركان الصلاة أن يسجد على سبعة أعضاء

لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال أمرنا بالسجود على سبعة أعضاء اليدين والركبتين والقدمين والجبهة هذه سبعة

فإن أخل بالسجود على أحد هذه الأعضاء السبعة بطل سجوده

لأنه أخل بركن من أركان الصلاة

القول الثاني أن الواجب السجود على الجبهة وباقي الأعضاء تبع للجبهة فإن سجد على الجبهة صحت الصلاة ولو لم يسجد على باقي الأعضاء السبعة

إذاً العمدة عند هؤلاء ماهو؟ الجبهة

استدلوا بدليلين

الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء السجود سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحديث

فقال سجد وجهي: فأضاف السجود إلى الوجه

الثاني قالوا أن من سجد على وجهه فهو المسمى ساجداً فصدق عليه الإتيان بالركن

والراجح القول الأول وهو مذهب الجمهور لصراحة وصحة ووضوح دليل ابن عباس

وإن الإنسان ليعجب ممن يخالف حديث ابن عباس مع وضوحه وصراحته أمرنا بالسجود على سبعة أعضاء

مسألة هل يجب السجود على الأنف؟

اختلفوا على قولين

ص: 374

الأول أنه يجب أن يسجد على الجبة والأنف معها فإن لم يسجد عليه لم يتم سجوده

واستدلوا

بحديث ابن عباس السابق وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والجبهة وأشار إلى أنفه

والقول الثاني أن الواجب السجود على الجبهة مع باقي الأعضاء ولا يجب أن يمكن ولا أن يسجد على أنفه

دليلهم

قالوا لو أوجبنا السجود على الأنف لكان الواجب السجود على ثمانية أعضاء لا سبعة والحديث نص على أن أعضاء السجود سبعة

الجواب على هذا الاستدلال

أن الأنف والجبهة بحكم العضو الواحد ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبهة وأشار إلى الأنف ليبين أنهما كالعضو الواحد

وبهذا لا يكون ثامناً وإنما هو السابع لأنه مع الجبهة كالعضو الواحد

والراجح القول الأول أيضاًلأن حديث ابن عباس نص فيه على وجوب السجود على الجبهة مع الأنف

• قال رحمه الله

ساجداً على سبعة أعضاء رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه

أفاد المؤلف رحمه الله أن الواجب عند الهوي إلى الأرض إذا خر ساجداً لله أن يقدم ركبتيه

وهذا مذهب الجمهور وأكثر الصحابة واختاره ابن المنذر وشيخ الا سلام ابن تيمية وعدد من المحققين

استدلوا بدليلين

الأول حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قدم ركبتيه على يديه

وهذا الحديث فيه ضعف

الثاني صح إن شاء الله عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقدم ركبتيه على يديه

القول الثاني في هذه المسألة أن السنة تقديم اليدين على الركبتين

استدلوا بدليلين

الأول صح في البخاري معلقاً أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقدم يديه

الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه

وهذا الحديث خاض الناس في تأويله وفي الأجوبة عنه وفي بيان معناه مع العلم أن الراجح أنه حديث ضعيف

وهذه من فوائد إتقان طالب العلم لعلم الحديث ودراسة العلل ومعرفة ما يثبن عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لا يثبت حتى لا يشتغل فيما لا يثبت

فهذا الحديث لا يثبت

ص: 375

وممن ضعفه الإمام البخاري والترمذي والدارقطني وابن المنذر وعدد من الأئمة لولم يكن معهم إلا البخاري لكفى كيف ومعه الترمذي كيف ومعه الدارقطني

إذاً هذا الحديث لا يثبت

والراجح القول الأول وهو المذهب وهو أن المشروع تقديم الركبتين على اليدين

سبب الترجيح

سبب الترجيح في الحقيقة الدرجة الأولى أنه مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو رضي الله عنه له سنة متبعة فضلاً عن أنه يغلب على الظن أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم

ومن المرجحات أن حديث وائل بن حجر أقل ضعفاً من حديث أبي هريرة

إذاً الراجح هو ما سمعتم أنه يقدم ركبتيه

• قال رحمه الله

ثم جبهته مع أنفه

دليل على أن الحنابلة يرون أن السجود على الأنف يجب كما يجب السجود على الجبهة

الأذان

بعد صلاة العشاء

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

• قال رحمه الله

ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده

أفاد المؤلف رحمه الله بهذه العبارة أنه يجوز أن يسجد الإنسان بأعضائه السبعة على الأرض ولو وجد حائل بينهن وبين الأرض

ولإيضاح هذا الحكم نقول تنقسم الأعضاء إلى أقسام

- القسم الأول

الركبتان والقدمان

فهذه أجمع الفقهاء على عدم وجوب كشفهما وأنه لا يجب أن يباشرا الأرض

لدليلين

الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه صح بالنعال وإذا صلى بالنعال فلم تباشر القدم الأرض

الثاني أن الركبتين يجب أن يسترا لأنهما من العورة التي يجب أن تستر في الصلاة

- القسم الثاني

اليدان

على المذهب لا يجب أن يباشر المصلي الأرض بيديه

واستدلوا على هذا

بما أخرجه البخاري عن الحسن البصري أنه قال كان القوم يصلون بالعمائم والقلانس ويده في كمه هكذا قال رحمه الله

قال الحافظ ابن حجر مراده بالقوم الصحابة

وقوله ويده في كمه أراد أن ينص على كل صحابي أن كل واحد منهم كان يفعل ذلك

وكل هذا من كلام ابن حجر رحمه الله -

ص: 376

ولكن يشترط في اليدين أن لا يكون الساتر لهما أحد أعضاء السجود فلو وضع يداً فوق يد لم يصح السجود

- القسم الثالث

الجبهة

تنقسم إلى أنواع

النوع الأول أنه يكون الحائل بينها وبين الأرض أحد أعضاء السجود كأن يسجد على يده

فهنا لا يصح السجود

لئلا تتداخل أعضاء السجود

النوع الثاني أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود وليس متصلاً بالمصلي

فهذا يصح بلا إشكال

لأنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحصير

وأيضاً ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على خمرة

والحصير والخمرة كلاهما مصنوع من سعف النخيل لكن الفرق بينهما أن الحصير أكبر من الخمرة

النوع الثالث أن يسجد مع حائل من غير أعضاء السجود ولكنه متصل بالمصلي كأن يسجد على طرف ثوبه

فهذا ينقسم إلى قسمين

الأول - أن يكون مع الحاجة فهو جائز بلا كراهة لما ثبت أن الصحابة كانوا يضعون حائلاً من شدة الحر فكان أحدهم يسجد على كمه من شدة الحر

والثاني - أن يكون بلا حاجة فهو جائز مع الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد بلا حائل

فإن قيل ما هو الجواب على الحديث الذي مر معنا وهو قولهم شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الحر فلم يشكنا؟ ولو كان السجود على حائل يجوز لسجدوا على حائل

فالجواب أن معنا لم يشكنا أي لم يزل شكوانا بتأخير الصلاة تأخيراً زائداً ولا علاقة له بمسألة السجود على حائل

مسألة هل يشترط في الحائل بين المصلي والأرض في الحائل المنفصل أن يكون من جنس الأرض كما مثلنا بالحصير؟ أو يجوز ولو لم يكن من جنس الأرض كالفرش؟

الجواب يجوز أن يسجد الإنسان على حائل سواء كان من جنس الأرض أو مما صنع بيد الإنسان بدليل

ماثبت في البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد أحياناً على طرف الفراش

فهذا دليل على أن الحائل سواء كان من جنس الأرض أو مما صنعه الآدمي فإنه يجوز للمصلي أن يسجد عليه

وبهذا التقسيم كملت عند الإنسان الصورة

فإذا قيل لك ما حكم السجود على طرق الشماغ فماذا تقول؟

ص: 377

فإذا قيل لك ما حكم ما يفعله بعض الصبيان إذا أراد أن يسجد وضع يديه مجتمعتين ثم سجد عليهما لا سيما إذا كان في التراب؟

فإذا قيل لك ما حكم السجود على الحصير؟ مسائل ناقش فيها شيخنا الطلاب تقريراً لما سبق لم تتبين إجاباتها من التسجيل

• ثم قال رحمه الله

ويجافي عضديه عن جنبيه

أي أن السنة لمن سجد أن يجافي أثناء السجود بين يديه وجنبيه

وسبق معنا أن معنى المجافاه هي: المباعدة

والدليل على هذا

حديث عبد الله بن بحينه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد باعد بين يديه حتى نرى بياض إبطيه وهذا في البخاري

وبياض الإبطين إنما يرى مع شدة المجافاة لأنه لو كان يجافي مجافاة يسيرة لم ير الصحابة بياض إبطي النبي صلى الله عليه وسلم

فإذاً السنة أن يباعد الإنسان بين جنبيه ويديه ولا يجعل يده ملتصقه كما يفعل كثير من الناس بأن ينضم إذا سجد سيأتينا أن هذا ليس من سنن الرجال وإنما هو من سنن النساء وعلى قول فإنه سيأتينا الكلام حول هذا الموضوع

• ثم قال رحمه الله

وبطنه عن فخذيه

أيضاً السنة أن يباعد بين فخذيه وبطنه

لما ثبت في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباعد بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه

فالحديث أفاد أنه يباعد بين فخذيه ولا يحمل بطنه على شيء من الفخذين بل يباعد بين الفخذين والبطن

إذاً هذا الحديث سيتكرر معنا لأنه دليل على عدة سنن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباعد بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه

فيباعد بين الفخذين الاثنين وأيضاً يباعد بين البطن والفخذ وهذا أيضاً يدل على ما دل عليه الحديث الأول أن المصلي لا يشرع له أن يكون كهيئة المنضم عند إرادة السجود وإنما يجافي أعضائه ويبعدها لأن الهيئة الأولى تنافي الخشوع وتنافي استحضار أن الإنسان بين يدي الرب

بل هي تفيد نوعاً من الكسل والتثاقل في أداء مثل هذا الركن العظيم وهو السجود

• ثم قال رحمه الله

وبطنه عن فخذيه

ص: 378

تقدم معنا الآن في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجعل بطنه ملتصقاً بشيء من فخذيه

فإذاً السنة المباعدة بين الفخذين وبينهما وبين البطن كما ذكرت

مسألة لم يبين المؤلف رحمه الله السنة في هيئة القدمين

والسنة في هيئة القدمين أن يجعل الأصابع أثناء السجود متجهة إلى القبلة

واختلفوا هل يلصق القدمين أثناء السجود أو يباعد بين القدمين؟

القول الأول أنه يباعد بين القدمين وهو المذهب

لحديث أبي حميد السابق قالوا لن تفريق الفخذين يؤدي إلى التفريق بين القدمين

والقول الثاني أن السنة أثناء السجود أن يلصق القدمين

واستدلوا على هذا

بحديث عائشة أنها بحثت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل فوقعت يدها على قدميه وهو ساجد

وجه الاستدلال أنه لو لم يكن ملصق لقدميه لم تقع اليد على القدمين مجتمعتين

وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة قوي لأن حديث أبي حميد فيه دلالة على إبعاد القدمين لأنه إذا أبعد الفخذين فسيبعد القدمين

وحديث عائشة أيضاً فيه دلالة لأنه يصعب على الإنسان أن يضع يداً واحدة على قدمين في وقت واحد وهما بعيدان عن بعضيهما لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بأنه كبير الأعضاء فهو صلى الله عليه وسلم كبير اليدين والقدمين والمنكبين

بالإضافة إلى أن عائشة لا توصف إلا بأنها صغيرة

وهذه الأمور مجتمعة تقوي القول الثاني

وإن كانت المسألة فيها إشكال والخلاف فيها قوي ولكن الأظهر والله أعلم هو أن يلصق

كما أن الإلصاق يعين على الطمأنينة والخشوع ويعين على طول السجود

فهذه الأشياء مجتمعة تجعل الإنسان يرجح القول الثاني الذي يأخذ بحديث عائشة

وإن كان مذهب الحنابلة هو القول الأول

• ثم قال رحمه الله

ويقول سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى

إذا سجد المصلي فالمشروع له أن يقول سبحان ربي الأعلى

لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قال سبحان ربي الأعلى

ولما جاء في حديث عقبة أنه لما نزل فسبح باسم ربك الأعلى قال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم

ص: 379

فهذه الأحاديث تدل على مشروعية التسبيح في السجود

ومسألة هل التسبيح وباقي الأذكار واجبة أو سنة ستأتينا في واجبات الصلاة

• قال رحمه الله

ثم يرفع رأسه مكبراً

السنة أنه إذا رفع من السجدة الأولى ليجلس الجلسة بين السجدتين أن يكبر

لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع

وتقدم معنا أن هذا هو اللفظ الصحيح لهذا الحديث وأن لفظ كان يرفع وهم من أحد الرواة

فإذاً هذا الحديث أنه يكبر فيث كل خفض ورفع ودليل على أنه يكبر إذا رفع من السجدة الأولى

• ثم قال رحمه الله

ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه

أولاً قوله ويجلس الدليل عليه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته ثم اجلس حتى تطمأن جالساً

وهو نص في ركنية هذه الجلسة بين السجدتين

ثانياً قوله أنه يفترش اليسرى وينصب اليمنى

ثبت هذا في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس افترش اليسرى ونصب اليمنى وهو في الصحيح

وفي حديث أبي حميد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك

فحديث عائشة وحديث أبي حميد يدلان على الحكم نفسه

وحديث عائشة وحديث أبي حميد السياق فيهما في التشهد وليس في الجلوس بين السجدتين لكن الفقهاء يقيسون الجلسة التي بين السجدتين على الجلسة التي في التشهد ويقولون أن صفة الجلوس في الجلسة بين السجدتين كصفة الجلوس في التشهد الأخير

ويستدلون بأحاديث الجلوس للتشهد كما في حديث عائشة وأبي حميد وغيرهما على هذا الجلوس

كذلك السنة أن الإنسان يبسط يده اليسرى ويضع يده اليمنى على فخذه كما يصنع في التشهد الأخير والتشهد الأول

أيضاً قياساً على التشهد الأخير

وأضافوا تعليلاً آخر لمشروعية هذا الجلوس ووضع اليدين وهو قولهم

وأن هذا عمل المسلمين سلفاً عن خلف أي أن كل المسلمين إذا جلسوا بين السجدتين توارثوا هذا العمل أنهم يضعون أيديهم على أفخاذهم ويفترشون اليسرى وينصبون اليمنى

ففي الحقيقة لا يوجد دليل صريح لكن قياساً على التشهد الأخير وهو قياس صحيح ولا أظن في المسألة خلاف

ص: 380

مسألة هي التي فيها خلاف هل يشرع لمن جلس بين السجدتين أن يشير بالسبابة؟

في هذه المسألة خلاف

القول الأول وهو الظاهر من كلام الحنابلة أنه لا يشرع

واستدلوا على ذلك

بأن الأحاديث الصحيحة ليس فيها رفع السبابة في الجلوس بين السجدتين ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك لنقل لنا لشدة عناية الصحابة بصفة الصلاة

والقول الثاني أنه يسن أن يشير بالسبابة

واستدلوا بدليلين

الدليل الأول أن الجلوس بين السجدتين داخل في عموم الأحاديث التي فيها الإشارة

الدليل الثاني أنه في حديث وائل بن حجر قال ثم أشار بسبابته ثم سجد فهو دليل على أن الإشارة كانت بين السجدتين

والراجح والله أعلم في هذه المسألة أنه لا يشرع للإنسان أن يشير بسبابته بل يبسط كفه اليمنى على فخذه اليمنى واليسرى معلوم أنها مبسوطة

أولاً الجواب على الاستدلال بالعمومات أن هذه العمومات تبينها وتفصلها الأحاديث الأخرى التي فيها أن رفع السبابة إنما هو في التشهدين

والمجمل يفهم من المفصل

ثانياً أن قوله ثم سجد لفظة شاذة لا تثبت في الحديث ولو ثبتت لكانت فيصلاً في المسألة لكنها لا تثبت

لذلك الأقرب والله أعلم أن الإنسان بين السجدتين لا يشير

هذا الذي يظهر لي من السنة وإن كانت المسألة كما ترون لكل فريق من الفقهاء مستند قوي في الحقيقة لكن مثل الصلاة مع عنية الصحابة بها واهتمامهم بصفتها إذا لم ينقل لنا فالأقرب أنه لم يقع

• ثم قال رحمه الله

ويقول رَبِّ اغْفِرْ لِي

السنة أن الإنسان بين السجدتين يقول رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي ثلاثاً أو يزيد

وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي

وهو حديث ثابت صححه الإمام أحمد وغيره

وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذكراً آخر وهو رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني

لكن هذا الحديث أشار بعض الحفاظ إلى ضعفه كابن عدي في الكامل أشار إلى أنه من منكرات أحد الرواة

ص: 381

وأشار الإمام أحمد إلى أنه يستحب أن يقول الإنسان رب اغفر لي وأنه مقدم على حديث ابن عباس رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني إشارة إلى ضعف حديث ابن عباس

فنحن نقول من الخطأ البين أن يقتصر الإنسان على مافي حديث ابن عباس ويترك حديث رب اغفر لي، رب اغفر لي لأنه أصح كما قال الإمام أحمد

بل كان الإمام أحمد يقول رب اغفر لي رب اغفر لي

وإن أراد الإنسان أن يجمع بين رب اغفر لي وحديث ابن عباس رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني فإن هذا لا بأس به لكن الخطأ أن يقتصر الإنسان على ما في حديث ابن عباس لأن الحديث الآخر أصح وأثبت منه عن النبي صلى الله عليه وسلم

ثم نختم بـ

• قوله رحمه الله

ويسجد الثانية كالأولى

أي أن الثانية من حيث الهيئة ومن حيث الأذكار تكون كالأولى تماماً

لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها

فهذا دليل على أن السجدة الثانية كالسجدة الأولى

في كل شيء تماماً من غير فرق

ولذلك قال المؤلف رحمه الله كالأولى

نكتفي بهذا ونبقى على مسألة الرفع وما يتبعه من أحكام

انتهى الدرس

ص: 382

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بالأمس وفي موضعه من الدرس لم نتكلم عن أين يضع الساجد يديه أثناء السجود؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

=القول الأول: أنه يضع يديه بحذاء منكبيه.

واستدلوا:

- بحديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم (هكذا كان يصنع إذا سجد).

= والقول الثاني: أنه يضع يديه حذو إذنيه.

- وهذا في حديث وائل.

= والقول الثالث: أن المصلي مخير إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل هذا ويكون من السنة التي جاءت على أنواع متعددة.

وهذا الثالث هو الصواب جمعاً بين الأدلة وإعمالاً للنصوص.

وهذه الجملة تناسب أن تقال عند قوله (عضديه عن جنبيه) فكان ينبغي أن تقال في هذا الموضع.

ونرجع إلى موضع الدرس.

ص: 383

انتهى المؤلف رحمه الله من الكلام عن السجدة الأولى كاملة والركعة الاولى بسجدتيها ثم انتقل إلى الكلام عن الركعة الثانية بداية من الرفع.

• فقال رحمه الله:

ثم يرفع مكبراً.

تقدم معنا مراراً أن السنة على تكبيرات الانتقال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع.

وليس في الصلاة من الأعمال إلا ماهو إما خفض أو رفع. إما ركوع أو سجود أو رفع منهما.

ثم قال رحمه الله:

ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إن سهل.

إذا أراد المصلي أن يقوم من السجود:

= فإنه عند الحنابلة: كما ترون ينهض على صدور قدميه معتمداً أثناء ذلك على ركبتيه إن سهل.

وهذا هوخلاصة مذهب الحنابلة: أن السنة أن يقوم على صدور قدميه ويعتمد على ركبتيه إن سهل.

فإن شق اعتمد على يديه.

إذاً السنة للقوي المستطيع أن لا يعتمد على يديه وهذا مراد المؤلف رحمه الله وإنما يعتمد على صدور قدميه وعلى ركبتيه إلا في حالة واحدة إذا شق عليه أن يقوم بهذه الصفة كالمريض وكبير السن والعاجز عموماً فإنه حينئذ لا بأس أن يعتمد على يديه.

الآن تصورنا مذهب الحنابلة.

الأدلة:

استدلوا على هذا التفصيل:

- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم على صدور قدميه.

وهذا الحديث إسناده ضعيف.

- ولكن صح عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو من فقهاء الصحابة انه كان يصنع ذلك.

- واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يقوم اعتمد على فخذيه ونهض على ركبتيه.

وهذا الحديث إيضاً في إسناده ضعف.

= القول الثاني: أن الإنسان يعتمد على يديه ثم يقوم.

أي يقوم معتمداً على يديه.

واستدلوا على هذه الصفة:

- بحديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الثانية جلس ثم قام معتمداً على الأرض.

فهؤلاء معهم حديث صريح وهو حديث مالك بن الحويرث.

= القول الثالث:

أن المصلي إذا أراد أن يقوم إن جلس للاستراحة قام معتمداً على يديه.

وإن لم يجلس جلسة الاستراحة وقام مباشرة فإنه يقوم معتمداً على صدور قدميه وعلى ركبتيه.

ص: 384

هذا القول نصره الحافظ الفقيه الشيخ ابن رجب وقال رحمه الله: إنه يفهم من كلام الإمام أحمد. هذا التفصيل يفهم من كلام الإمام أحمد.

وإذا نظر الإنسان في هذا التفصيل وجد أن النصوص تجتمع بهذا التفصيل. وأنه يؤلف بينها وهذا القول الثالث هو الصواب.

وهذا يدعونا إلى الحديث عن مسألة أخرى لصيقه بهذا البحث وهو:

حكم جلسة الاستراحة؟

وجلسة الاستراحة اختلف الفقهاء أيضاً فيها على ثلاثة أقوال:

=القول الأول:: أنها لا تستحب.

وإلى هذا ذهب الجماهير وهو منقول عن أغلب الصحابة وجمهور الأئمة.

واستدلوا بدليلين:

- الدليل الأول: أن أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين يأخذون عنه ويقتدون به لم يكونوا يجلسون جلسة الاستراحة.

- الدليل الثاني: أن النصوص الصريحة الصحيحة المتكاثرة التي وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها أنه كان يجلس جلسة الاستراحة إلا في حديث واحد فقط وهو حديث مالك بن الحويرث.

= القول الثاني: أنه يشرع ويسن للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة إذا قام إلى الثانية وإذا قام إلى الرابعة.

واستدلوا:

- بحديث مالك بن الحويرث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس جلسة ثم يقوم معتمداً على الأرض.

وقال أصحاب هذا القول: إذا ثبت الحديث وجب أن نأخذ به وهو حديث في البخاري.

فائدة / قال الإمام أحمد: ليس لهذا الحديث ثان.

أي أن أي حديث يروى في جلسة الاستراحة عدا حديث مالك بن الحويرث فاعلم أنه حديث غير محفوظ وأنه ضعيف هذا مراد الإمام أحمد.

وهذا الذي يسمونه الاستقراء وهو أهل للاستقراء رحمه الله.

= القول الثالث: وهو قول للحنابلة واختاره الموفق واختاره ابن القيم وغيره من المحققين: أن جلسة الاستراحة تشرع لكبير السن أو للمريض ونحوهما ولا تشرع في جميع الأحوال.

واستدلوا على ذلك:

- بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جلس هذه الجلسة في آخر عمره لما جاءه الوفد الذي فيهم مالك بن الحويرث بعد ما ثقل صلى الله عليه وسلم وكبرت سنه صار يجلس هذه الجلسة.

ص: 385

وفهم أكابر الصحابة من هذه الجلسة أنه إنما جلسها صلى الله عليه وسلم لهذا السبب ولذلك لم يقتدوا به فيها مع حرصهم على الصلاة وما فيها من سنن.

وإذا قال الإنسان بهذا القول يعتبر لم يضيع أي شيء من الأدلة وإنما أخذ بأدلة القول الأول وأخذ بأدلة القول الثاني ولكن جمع بينها ووفق.

وهذا القول هو الراجح وهو الذي يرتاح إليه الإنسان ويرى أنه أن شاء الله متوافق مع السنة.

بناء على هذا: نرجع للمسألة السابقة: عرف الإنسان بالنسبة للتفصيل في القول الثالث: أنه إن جلس اتكأ على يده وإن لم يجلس اتكأ على

عرف متى يجلس ومتى لا يجلس في هذا التفصيل.

• ثم قال رحمه الله:

ويصلي الثانية كذلك.

تقدم معنا أن الثانية تصلى كالأولى.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها.

فهذا دليل على أن الإنسان يصلي الركعة الثانية كما يصلي الركعة الأولى عدا ما سيستثنيه المؤلف رحمه الله وإلا ما لم يستثنى فالأصل أن تتساوى فيه الركعة الأولى مع الركعة الثانية. لحديث المسيء.

• يقول رحمه الله:

ما عدا التحريمة. التحريمة: شرعت لافتتاح الصلاة ولذلك فهي لا تكون إلا في الركعة الأولى ولا يشرع في الركعة الثانية.

بل لو كبر تكبيرة ينوي بها التحريمة في الركعة الثانية فكأنه أبطل صلاته لأنه لا يدخل في صلاة ثانية إلا وقد أبطل الأولى.

وعلى كل حال المؤلف رحمه الله ذكر هذا القيد احترازاً وإلا من المعلوم أن أحداً لن يكبر في الثانية بنية التحريمة.

ثم قال رحمه الله:

والاستفتاح.

لا يشرع للمصلي أن يقول دعاء الاستفتاح في الركعة الثانية ولو كان نسيه في الركعة الأولى أو تركه عمداً.

التعليل:

- أن هذه السنة محلها في الركعة الأولى وإذا فات محلها فاتت فلا يشرع أن يذكر هذا الاستفتاح في الركعة الثانية.

• ثم قال رحمه الله:

والتعوذ.

= ذهب الحنابلة واختاره ابن القيم أن المصلي إذا قام إلى الثانية فإنه لا يشرع له أن يستعيذ.

واستدلوا على هذا الحكم:

- بحديث أبي هريرة الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى الثانية استفتح بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت. هكذا قال أبو هريرة رضي الله عنه.

ص: 386

فدل ذلك على أن الاستعاذة خاصة بالركعة الأولى.

واستدلوا على هذا الحكم بدليل آخر معنوي وهو:

- أن الصلاة كلها دعاء وذكر والفصل بين القراءتين بالدعاء والذكر لا يعتبر فصل حقيقي ولذلك يكتفي المصلي بالاستعاذة التي وقعت في الركعة الأولى لأنه في الحقيقة لم يفصل القراءة كأنه لم يفصل لأنه لم يفصل إلا بذكر ودعاء ولا يعتبر هذا من الفصل.

= والقول الثاني: أنه يشرع أن يستعيذ في كل ركعة.

وهو مذهب الظاهرية واختاره من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

واستدل على ذلك:

- بالآية. وقال: الآية عامة في كل بداية قراءة. فالله أمرنا أن نستعيذ في كل مرة نريد أن نقرأ.

والراجح القول الثاني: - لأن دليلهم نص في المسالة. ودليل أصحاب القول الأول مفهوم.

إذاً أبو هريرة رضي الله عنه لم ينص على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الاستعاذة وإنما فهم من كلامه أنه لم يستعذ.

فالأقرب والله أعلم أن المصلي يستعيذ في كل ركعة.

إذاً قول المؤلف رحمه الله: والتعوذ. الأقرب أنه لا يستثنى.

• ثم قال رحمه الله:

وتجديد النية.

أي: أنه لا يشرع للإنسان أن يجدد نيته في الركعة الثانية اكتفاء باستصحاب النية.

وقال بعض الفقهاء أن ذكر النية مع المستثنيات خطأ من أصله لأن النية ليست من صلب الصلاة وإنما من شروط الصلاة التي تتقدم على الصلاة فلا حاجة لاستثنائها من الركعة الثانية أصلاً.

وهذا القول قريب جداً أنه لا ينبغي أن لا تذكر أصلاً لأنها من الشروط وليست من أركان الصلاة.

• ثم قال رحمه الله:

ثم يجلس مفترشاً.

هذا الجلوس هو الجلوس للتشهد الأول.

تقدم معنا أدلة صفة الافتراش.

وأن الذين رووا هذه الصفة عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان من الصحابة: أبو حميد وعائشة. هم الذين ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى.

فإذاً أدلة الافتراش في التشهد سبقت.

• ثم قال رحمه الله:

ويداه على فخذيه.

يريد المؤلف أن يبين كيف يضع الإنسان يديه في التشهد الأول.

= فالحنابلة يرون: أن الإنسان يضع يديه على فخذيه.

واستدلوا على هذا:

ص: 387

- بحديث عبد الله بن الزبير أن صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر وألقم يده اليسرى ركبته. هذا اللفظ ثابت في مسلم.

فقوله: (وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر) دليل على أن المصلي إذا جلس للتشهد الأول هكذا يصنع. يضع يده اليمنى باسطها على فخذيه.

الصفة الثانية: أن يضع المصلي يديه على ركبتيه.

واستدلوا على هذه الصفة:

- بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس وضع يديه على ركبتيه. وهذا حديث صحيح.

هناك صفة ثالثة جاءت في الآثار والأحاديث لكني لم أقف على قائل بها وهي أن يضع الإنسان يده على الفخذ والركبة.

والصفة هذه جاءت مصرحاً بها في حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس للتشهد وضع يده على فخذه وركبته. هكذا.

ولعل الذين قالوا يضع يده على ركبته يقصدون هذا المعنى: يعني: مع فخذه.

لأن الإنسان قد لا يتمكن من وضع كل اليد على الركبة إلا بالتلقيم والتلقيم سيأتينا أنه سنة في اليسار فقط هكذا في الأحاديث. أما في اليمين فكيف سيصنع فلا يستطيع.

فلعل مقصودهم أن يضع الإنسان يده على فخذه وركبته.

الخلاصة أن السنة أن يضع أحياناً يده على فخذه وأحياناً يضع يده على ركبته.

ومن الطبيعي أنه إذا وضعها على ركبته سيكون بعضها على فخذه.

ويقصد الإنسان في الصلاة أن ينوع لتحصل له السنة في التنويع ويثاب ولا يضع يده كيفما تيسر وإنما يقصد أحياناً إن يضعها على الفخذ وأحياناً يضعها على الركبة.

مسألة / هل يسن أن يلقم يده اليسرى لركبته اليسرى؟

= الحنابلة يرون: أنه لا يسن.

= والقول الثاني: وهو قول للحنابلة واختاره ابن مفلح وقبله ابن قدامة - رحمهما الله - أنه يسن أن يضع الإنسان يده على ركبته اليسرى كالمقلم لها أحياناً.

والقول الثاني هو الصواب أن هذا يسن أحياناً للحديث الصريح وهو حديث بن الزبير وهو في مسلم فالأخذ به متعين لصحته وصراحته.

والذي يظهر لي - مع أن الحديث عام - أن هذه السنة الأنسب أن تفعل أثناء التورك ومن جرب هذه السنة سيجد أن الأنسب أن تكون أثناء التورك.

ص: 388

وإن كان الإنسان يستطيع أن يفعلها من غير تورك لكن قد يكون في هذا شيء من الصعوبة لكن أثناء التورك سهل جداً ولعلها كانت تفعل هكذا وإلا فإن الحديث عام أنه كان يلقم يده اليسرى ركبته اليسرى ولم يعين هل هو في التشهد الأول أو في الأخير وإنما هو عام.

بعدما انتهى المؤلف رحمه الله من بيان أين يضع يده من رجله بالنسبة للفخذ والركبة انتقل إلى كيفية وضع اليد من حيث هي

فقال رحمه الله:

يقبض خنصر اليمنى وبنصرها ويحلق إبهامه مع الوسطى ويشير بسباحته.

هذه إحدى صفات وضع اليد وهو أن يقبض الخنصر وهو الاصبع الصغير والبنصر وهو الذي يليه ويحلق بالوسطى - كحلقة الحديدة - مع الإبهام ويشير بالسبابة.

وهذه الصفة جاءت في حديث وائل بن حجر وهي صحيحة.

الصفة الثانية: وجاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويجعل الإبهام عند أصل السبابة ويشير بالسبابة.

هذا في حديث ابن عمر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض على يده ثلاثة وخمسين وهذا العدد .. وبين الشارح حفظه الله ذلك عملياً

الصفة الثالثة والأخيرة: أن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام يعني يقبض جميع الأصابع إلا السبابة ويشير بها كما سيأتينا وهذه الصفة أيضاً في صحيح مسلم عن ابن عمر صراخة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض أصابعه كلها وأشار بالسبابة.

صارت الصفات ثلاثة.

واختلف الفقهاء هل هذه الصفات صفات متنوعة يشرع أن يأتي بكل واحد منها مرة؟ أو أنها صفات لفعل واحد؟

= فالقول الأول: أنها صفات متنوعة ولذلك جاء عن الإمام حمد ثلاث راويات في هذه الصفات فيشرع للإنسان أن ينوع أحياناً بالصفة الأولى وأحياناً بالثانية وأحياناً الثالثة.

= والقول الثاني: أن هذه الصفات عبارة عن صفة واحدة ولكن كل من الرواة عبر حسب ما شاهد وليس هناك اختلاف وإنما صفة القبض واحدة.

وذهب إلى هذا القول الحافظ ابن القيم. وقال: أن هذه الصفات لا تختلف وإنما كل يعبر بما رأى والصفة واحدة.

ص: 389

والراجح القول الأول واختيار ابن القيم في هذه المسألة فيه ضعف: - لأن النصوص صريحة في التفريق وصريحة في الوصف ولا يمكن أن نجعل صفة التحليق الواضحة في الحديث الأول كصفة ضم الأصابع الواضحة في حديث ابن عمر الأخير فلا يمكن التوفيق بينها إلا بشيء من التكلف.

فما ذهب إليه رحمه الله ضعيف والصواب أن هذه الصفات مختلفة جاءت بها أحاديث مختلفة وأن السنة أن ينوع المصلي بين هذه الصفات.

ثم لما أنهى المؤلف رحمه الله بيان صفة اليد اليمنى بين كيف يكون وضع اليسرى.

فقال رحمه الله:

ويبسط اليسرى.

أن المصلي إذا جلس للتشهد الأول يبسط اليسرى من غير ضم مطلقاً.

ودليل هذه الصفة:

- حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس باسطاً يده اليسرى على فخذه.

فهذا دليل كيفية وضع اليد اليسرى.

وتقدم معنا أن لها سنة أخرى وهي: الإلقام. وإنما لم يكرها المؤلف رحمه الله لأن الحنابلة يرون أن هذا لا يسن.

مسألة / هل يحرك المصلي أصبع يده اليمنى؟

قبل ذلك يخلط بعض إخواننا بين الإشارة والتحريك يظن أن الخلاف في الإشارة كالخلاف في التحريك.

والواقع أن الإشارة هي أن يشير بإصبعه هكذا من غير تحريك.

والتحريك (هكذا) ويعتبر أشار وحرك.

فالآن الإشارة لا شك في سنيتها كما سمعتم في أحاديث ثلاثة. إنما الخلاف في التحريك.

فاختلفوا على قولين:

= القول الأول: أنه يحرك.

- لما في حديث وائل بن حجر في آخره ((وانه أشار بالسبابة ثم قال يحركها يدعو بها)). وهذا لفظ صريح في التحريك.

= والقول الثاني: أن السنة الإشارة بلا تحريك.

- لأنه ليس في الأحاديث الصحيحة تحريك ولفظ يحركها شاذ وممن أشار إلى شذوذه الحافظ ابن خزيمة رحمه الله.

وأي إنسان عنده ملكة الحديث ويعرف نفس الأئمة المتقدمين يطالع الأسانيد التي رويت بحديث وائل بن حجر وينظر في أيها جاءت هذه الزيادة لا يشك إذا طالع أنها زيادة خطأ وأن راويها أخطأ فيها وشذ.

هذا لمن كان يحسن كيف يتعامل مع الأسانيد على طريقة الأئمة المتقدمين.

فلو رأيت الأسانيد لم تشك أنها زيادة شاذة.

ص: 390

وعلى كل حال نقول: أن هذه الزيادة شاذة وإذا كانت هذه الزيادة شاذة فليس في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك ولذلك سن أن يقول الإنسان (هكذا).

ومن الأدلة على ضعف التحريك اضطراب القائلين به في موضعه فإنهم لا يدرون متى يحرك هل يحرك من أول التشهد إلى آخره؟ أو يحرك إذا أراد أن يتشهد الشهادتين؟ أو يحرك في أشهد أن لا إله إلا الله دون أشهد أن محمداً رسول الله؟ أو يحرك إذا دعا؟ أو يحرك في الجميع؟ أقوال متضاربة ليس لها دليل مما يدل على إن هذه السنة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• ثم قال رحمه الله:

ويقول التحيات لله والصلوات والطيبات .... إلخ.

هذا المقدار هو التشهد الأول.

وهذا التشهد مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين وهو أصح أحاديث التشهد ولذلك اختاره الإمام أحمد رحمه الله.

وروي في التشهد أحاديث أخرى فروي فيه:

- حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه واختاره من الأئمة الإمام مالك بن أنس: (التحيات لله الزاكيات لله الصلوات الطيبات لله). وباقيه كحديث ابن مسعود رضي الله عنه.

- وروي أيضاً في التشهد: حديث ابن عباس رضي الله عنه واختاره من الأئمة الإمام الشافعي ولفظه: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله). ثم باقيه كحديث ابن مسعود.

صارت أنواع التشهدات المذكورة الآن: ثلاثة.

حديث ابن مسعود واختاره الإمام أحمد.

وحديث عمر واختاره الإمام مالك.

وحديث ابن عباس واختاره الإمام الشافعي.

والصواب أن الإنسان ينوع بين هذه التشهدات ليأتي بالسنة على أوجهها المختلفة.

ونحن نرى أن ما اختاره الإمام أحمد هو الأقرب يعني أن الإنسان يقدم تشهد ابن مسعود وإن كان يذكر أحياناً تشهد ابن عباس وتشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لأن أصح التشهدات وأصح حديث روي في الباب كما قال الترمذي هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

• قال رحمه الله:

ويقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ص: 391

ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يشرع للمصلي ............ (((الأذان))).

انتهى الدرس

ص: 392

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

ذكرنا بالأمس أن المؤلف رحمه الله ذكر التشهد الأول واختار الحنابلة تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وذكرت اختيار مالك والشافعي ومازال البحث في التشهد الأول

• فقول المؤلف رحمه الله هنا

ويقول

يعني في التشهد الأول ولذلك ختمه بقوله هذا التشهد الأول

ظاهر عبارة المؤلف رحمه الله أن المصلي إذا قرأ التشهد الأول فإنه لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا مذهب الحنابلة واختاره ابن القيم

واستدلوا على هذا بدليلين

الدليل الأول أن الأحاديث الصحيحة الصريحة لم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على النبي في التشهد الأول

والدليل الثاني أن المشروع في التشهد الأول أن يخفف وهذا التخفيف يناسبه ألا يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

والدليل على مشروعية تخفيف التشهد الأول

أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه إذا قعد في التشهد الأول كأنه جالس على الرضف

وهو الحجارة المحماة أي يبادر بقراءة التشهد وينهض وهذا الحديث صحيح

القول الثاني أن المشروع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى في التشهد الأول

لما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟

وجه الاستدلال أنهم ذكروا السلام والسلام يكون في التشهد الأول

والراجح القول الأول وهو أنه لا يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اللفظ العام الذي استدلوا به يحمل على النصوص التي وضحت أن الصلاة الإبراهيمية تكون في التشهد الثاني

• يقول المؤلف رحمه الله

ثم يقول

يقصد أي في التشهد الأخير مع ما سبق في التشهد الأول

ص: 393

وتلاحظ أن المؤلف رحمه الله لم يختم جملة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا التشهد الثاني اكتفاء بقوله في الاول هذا التشهد الاول

إذاَ ثم يقول يعني في التشهد الثاني مع ماسبق

• ثم قال رحمه الله

اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ الخ

ظاهر كلام المؤلف

أن الصفة الأفضل هي أن يقول صلي على آل إبراهيم ولا يقول صلي على إبراهيم وآل إبراهيم

هذا هو المذهب

والقول الثاني أن المصلي مخير إن شاء قال على إبراهيم وآل إبراهيم وإن شاء اكتفى بعلى آل إبراهيم

والقول الثالث أن الأفضل التنويع لأن قوله كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ثابت كما أن قوله كما صليت على آل إبراهيم ثابت

يعني ذكر إبراهيم ثابت وعدم ذكره ثابت

وذكر شيخ الاسلام أنه لا يوجد في الأحاديث الصحيحة اللهم صل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم

والصواب أن هذا الحديث ثابت قي صحيح البخاري بهذا اللفظ كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم أي بزيادة ذكر ابراهيم

إذاً الحنابلة يرون أن الصيغة الفاضلة المقدمة هي الصيغة التي ذكرها المؤلف بدون كما صليت على إبراهيم

والصواب أن المصلي يسن له أن ينوع أحياناً يذكر هذا وأحياناً يذكر هذا لأن الجميع ثابت في السنة الصحيحة

ثم قال رحمه الله

ويستعيذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال

الدليل على استحباب هذا الدعاء والاستعاذة

حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا انتهى أحدكم من تشهده فليستعذ من أربع وذكرها

والاستعاذة من هذه الأربع

عند الحنابلة سنة

والقول الثاني ان الاستعذاة من هذه الأربع واجبة إن تركها عمداً بطلت صلاته وإلى هذا ذهب طاووس وبعض الظاهرية

والأقرب والله أعلم أنها واجبة ولا تبطل الصلاة بتركها يعني الجمع بين القولين

ص: 394

والقول بأنها سنة أيضاً قول قوي باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ابن مسعود التشهد وكذلك ابن عباس وكذلك عمر بن الخطاب ولم يذكر لهم وجوب الاستعاذة فالقول بأنه سنة قول قوي جداً ووجيه وهو كما ترون هو المذهب

لكن لما كان عندنا حديث صريح صحيح يصرح بالأمر فليقل أو فليستعذ فهذا يؤدي بالإنسان إلى أن يميل إلى الوجوب

لكن الإبطال صعب ويحتاج إلى أصول قوية لكن نقول هو واجب ولا تبطل الصلاة بتركه

• وقوله رحمه الله

فتنة المسيح الدجال

في بعض الألفاظ التي في مسلم ومن شر فتنة

أي أن مسلماً رواها أحياناً كما قال المؤلف رحمه الله وفتنة المسيح الدجال وأحياناً قال ومن شر فتنة لفظان ثابتان في صحيح مسلم

بناء على هذا الأفضل أن ينوع كذلك الإنسان أحياناً يقول فتنة المسيح الدجال وأحياناً يقول من شر فتنة المسيح الدجال

ثم قال رحمه الله

ويدعو بما ورد

أي أن السنة بعد أن ينهي المصلي التشهد والاستعاذة من أربع يسن له أن يدعو وينبغي له أن يدعو

لما ثبت في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له التشهد قال ثم ليتخير من الدعاء أحبه إليه أو ثم ليتخير من الدعاء ما يريد

فالسنة أن يتخير من الدعاء ما يريد ويحرص على ما ورد في السنة من الأدعية الوارة في السنة

مسألة

ذهب الحنابلة إلى أنه في هذا الدعاء لا يجوز له أن يدعوا بشهوات الدنيا فإن دعا بشهوات الدنيا بطلت صلاته

والواجب أن يقتصر على ما يخص الآخرة

واستدلوا على هذا الحكم

بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة إن صلاتنا هذه لا يصلح أن يكون فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله وقراءة القرآن والدعاء بشهوات الدنيا من كلام الناس

القول الثاني وهو قول عند الحنابلة أنه يجوز أن يدعو بما شاء مما يتعلق بالآخرة أو بالدنيا

واستدلوا على هذا

بعموم حديث ابن مسعود السابق حيث لم يخصص دعاء من دعاء

ص: 395

والراجح القول الثاني لعموم النص على أن عدداً من السلف كره جداً أن يدعو الإنسان في آخر صلاته بما يتعلق بالدنيا ورأوا أن يخصه بأمور الآخرة فمن الأدب في الصلاة أن يفعل ذلك في الفريضة والنافلة

• ثم قال رحمه الله

ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله

التسليم ثابت في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال ثم سلم عن يمينه وعن شماله حتى رؤي بياض خده السلام عليكم ورحمة الله

فالسنة في السلام أن يسلم عن يمينه وأن يسلم عن شماله وأن يلتفت بحيث يُرَى بياض خده

والسنة في السلام

أن لا يُمَد

ولا يُطَوَّل

وتسكن الهاء فيه

والدليل على ذلك

ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حذف السلام سنة

وفسر الإمام أحمد والإمام الكبير ابن المبارك فسرا حذف السلام بهذا الشيء

وهذا الحديث الصواب أنه موقوف لكنه يصلح للاستدلال جداً في هذا الموضع لأنه يبعد أن يأتي الصحابي بهذه السنة الخاصة والكيفية المعينة من قبل نفسه بل الظاهر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يسلم

إذاً مَدَّ السلام الذي يصنعه بعض إخواننا الآن من خلال هذا البحث يعتبر خلاف السنة

مسألة فإن قال المصلي السلام عليكم ولم يقل ورحمة الله

فالمذهب أن هذا السلام لا يجزئ

والدليل

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلي وكان يسلم هكذا صلى الله عليه وسلم

القول الثاني أنه لو قال السلام عليكم فقط ولم يقل ورحمة الله صح سلامه وأجزأ

لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم والتسليم يصدق بقول المصلي السلام عليكم

والصواب مع الحنابلة لأن التسليم ركن يجب الرجوع في كيفيته كاملة إلى السنة المفصلة والأركان اهتم بها الشارع فلا نكتفي فيها ببعضها

مسألة هل يشرع أن يقول المصلي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أو لا؟

فيه خلاف

فمن الفقهاء من يرى أنه لا يزاد في السلام على الصيغة التي جاءت في حديث ابن مسعود

لأنها الثابتة الصحيحة التي عملها النبي صلى الله عليه وسلم مراراً

والقول الثاني أنه يشرع أن يزيد أحياناً وبركاته

ص: 396

لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثم سلم وقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وهذا الحديث إسناده حسن وهو مقبول ولا أعلم له علة ثم زيادة وبركاته جاءت عن بعض الصحابة

فالأقرب والله أعلم باعتبار هذا الحديث والآثار أنه لا باس أن يزيد المصلي أحياناً وبركاته

في الشمال واليمين

وبعضهم قال في الشمال فقط لأن الحديث هكذا فيه لكن آثار الصحابة عامة

ثم قال رحمه الله

وعن يساره كذلك

أي أن البحوث والمسائل التي ذكرت في تسليمة اليمين تنطبق على تسليمة اليسار

• قال رحمه الله

وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض

النهوض من التشهد الأول حكمه حكم النهوض من الركعة الأولى والثالثة

فالخلاف الذي ذكرناه في كيفية النهوض من الركعة الأولى والثالثة ينطبق على النهوض من التشهد الأول تماماً وقد صرح الفقهاء بذلك أيضاً أنهما يتساويان فمن رأى مشروعية الاعتماد على الأرض هناك فيراه هنا والعكس صحيح

• ثم قال رحمه الله

نهض مكبراً بعد التشهد الأول

إذا انتهى من التشهد الأول فإنه ينهض مكبراً

لما تقدم معنا مراراً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع

وظاهر كلام المؤلف أنه ينهض مكبراً بلا رفع لليدين

وهذا هو المذهب بل هذا مذهب الأئمة الأربعة حكي عن الأئمة الأربعة أنهم يرون أن لا يرفع يديه إذا نهض من التشهد الأول

والقول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد أنه إذا نهض من التشهد الأول يرفع يديه

واستدلوا على ذلك

بحديث ابن عمر الثابت في الصحيح أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع في أربعة مواضع التكبير والركوع والرفع من الركوع قال وإذا قام من الركعتين

والصواب مع القول الثاني لصحة ما استدل به من حديث ابن عمر والمُثْبِتُ مقدم على النافي لا سيما والإسناد صحيح بل ثابت في الصحيح

ولم أر للفقهاء رحمهم الله كلاماً في متى يرفع يديه؟

ولكن السنة أن يرفع يديه مع التكبير كما قلنا في الرفع من الركوع وأن لا يؤخر رفع اليدين إلى أن يستتم قائماً لأنه إذا استتم قائماً سيشتغل بالواجبات وسنن وأركان الركعة الثالثة

ص: 397

ثم قال رحمه الله

وصلى ما بقي كالثانية

يصلي باقي صلاته أي الركعة الثالثة كما صلى الثانية والأولى تماماً

لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها

• قال رحمه الله

بالحمد فقط

أي أن المشروع للمصلي إذا نهض إلى الثلاثة أن يقتصر في الثالثة والرابعة على قراءة الحمد فقط دون سورة أخرى

والدليل على هذا

حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقرأ في الركعتين الأولتين الفاتحة وسورة وقرأ في الأخيرتين بالفاتحة فقط

وهذا الحديث في البخاري

والقول الثاني أن المصلي يشرع له أن يقرأ سورةً مع الفاتحة حتى في الركعتين الأخيرتين

لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخيرتين على النصف من قراءته للأولتين

والأقرب والله أعلم أن المصلي يشرع له أن يقرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة في أحيان قليلة ويكون الغالب عليه أن قراءة الفاتحة فقط

وبهذا تجتمع نصوص السنة

• ثم قال رحمه الله

ثم يجلس في تشهده الأخير متوركاً

يريد المؤلف رحمه الله أن يبين أن هناك فرقاً في الجلوس بين التشهد الأول والتشهد الثاني وأنه يسن في التشهد الثاني أن يتورك

واستدلوا على هذا الحكم

بحديث أبي حميد الساعدي الثابت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في التشهد الأخير أخرج رجله اليسرى ونصب اليمنى وأفضى بمقعدته إلى الأرض وهذا هو التورك

مسألة هل يشرع التورك في التشهد الذي يعقبه السلام أو يشرع في التشهد الثاني في كل صلاة فيها تشهدان؟

فيه خلاف

والصواب أنه لا يشرع التورك إلا في الصلاة التي لها تشهدان فقط

أما الصلاة التي فيها تشهد واحد فإنه لا يتورك

مسألة ولجلوس التشهد الأخير صفة أخرى جاءت في حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وهي صفة ثابتة وسنة صحيحة فقد أخبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في التشهد الثاني أخرج قدمه اليسرى من بين فخذه وساقه وفرش اليمنى

هذه هي السنة

ص: 398

وقد لا يستطيع الإنسان أن يطبق أصلاً هذه السنة إلا مع فرش اليمنى وهو ثابت في الحديث الصحيح فيكون لهيئة الجلوس في التشهد الأخير صفتان

الصفة الأولى التورك

والصفة الثانية هذه الصفة التي ذكرت لك وهي فرش اليمنى وإخراج اليسرى من بين الفخذ والساق

• ثم قال رحمه الله

والمرأة مثله لكن تضم نفسها

قوله رحمه الله والمرأة مثله أي أن المرأة كالرجل في جميع ما سبق من

أذكار

وقراءة قرآن

وصفات للصلاة

وهيئات

وكل ما تقدم

تستوي فيه المرأة مع الرجل تماماً في السنن السابقة والواجبات والأركان

إلا ما سيستثنيه المؤلف رحمه الله

وقد بين رحمه الله ما يستثنى

• فقال رحمه الله

لكن تضم نفسها

أي أن السنة بالنسبة للمرأة أن تنضام وتضم بعضها إلى بعض في كل ما يتجافى فيه الرجل

فكل موضع نقول للرجل السنة أن يجافي فالسنة للمرأة ألا تجافي وإنما تضم بعضها إلى بعض

واستدلوا على هذا بأمرين

الأمر الأول أن هذا مروي عن أم سلمة وحفصة رضي الله عنهما وغيرهما

والأمر الثاني أن هذه الصفة أستر للمرأة

ولما ذكر الحافظ ابن رجب هذا القول وهو مسألة أن السنة للمرأة أن لا تجافي وإنما تضم بعضها إلى بعض قال رحمه الله وهذا قول أهل العلم ولم يذكر خلافاً

وإذا بحث الإنسان في كتب المذاهب يجد أنهم يذكرون هذا القول ولا يذكرون قولاً آخر في مسألة التضام وأنه لا يسن لها المجافاة

ولم أجد الآن بعد البحث من قال بأن المرأة تكون كالرجل في المجافاة بل كما تسمعون مروي عن الصحابيات الفقيهات منهن كأم سلمة وهي فقيهه وحفصة أيضاً نسبت للفقه أنهن ينضممن ولا يجافين

فلم أجد من قال بسنية المجافاة بالنسبة للمرأة

المسائل الأخرى فيها خلاف بالنسبة للمرأة لكن هذه المسألة كما قلت لكم ظاهر كلام ابن رجب أنه لا يوجد خلاف بدليل أنه نسب هذا القول لكل أهل العلم وقال هذا قول أهل العلم ومع ذلك لم يذكر خلافاً

• ثم قال رحمه الله

وتسدل رجليها في جانب يمينها

يعني ولا تفترش أي ولا تجلس كصفة الرجل في الافتراش

ص: 399

وصفة إخراج الرجلين من جهة اليمين بالنسبة للمرأة مروي عن عائشة رضي الله عنها

واستدلوا أيضاً

بأن هذه الصفة أستر للمرأة وأبعد عن الانكشاف

والقول الثاني في هذه المسألة وهي هيئة الجلوس أن المرأة كالرجل

وهذا قول أم الدرداء ذكره البخاري قولها ثم قال وكانت فقيهة فكأنه هو رحمه الله يميل إلى هذا القول يشعر تبويبه بأنه أيضاً هو يميل إلى أنه في الجلوس المرأة كالرجل

وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال أما أنا فلا أذهب لما فعلت أم الدرداء

والراجح والله أعلم أن المرأة كالرجل ما دام أنه مروي عن فقيهة وثابت عنها وعلقه البخاري بصيغة الجزم فالقول به متوجه

والأصل في الحقيقة أن المرأة كالرجل

في المسألة السابقة وهي: مسألة أن السنة للمرأة أن تضم بعضها إلى بعض وأن لا تتجافى ذكرت لكم أن من الأدلة أنه مروي عن بعض الصحابيات

وفي الباب حديث مرسل صحيح إلى مرسله

ومرسله هو التابعي الجليل يزيد بن أبي حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تضم اللحم إلى اللحم

وفي الباب آثار عن الصحابة

فصارت الأدلة على أن السنة بالنسبة للمرأة أن لا تجافي وأن تضم بعضها إلى بعض

أولاً مروي عن الصحابيات

ثانياً في الباب حديث مرسل صحيح إلى مرسله

ثالثاً مروي عن بعض الصحابة

رابعاً هو قول عامة أهل العلم الجماهير إن لم يكن إجماعاً

ولا شك أن هذه الأدلة قوية في هذا الباب متضافرة يقوي بعضها بعضاً ويؤيد أن السنة للمرأة أن تضم بعضها إلى بعض وأن لا تجافي عضديها

مسألة هل هذا الحكم خاص بالمرأة إذا صلت بحضرة الرجال أو الحكم عام للمرأة ولو صلت في بيتها؟

بعد التتبع لم أجد الآثار والأقوال المروية عن من ذكرت تفرق بين كون المرأة تصلي بحضرة رجال أو تصلي في بيتها فالنصوص جاءت هكذا مطلقة

ومن المعلوم أن الغالب على الصحابيات الصلاة في المنزل إأتماراً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث حث المرأة على الصلاة في بيتها

فهو والله اعلم سنة مطلقاً

• ثم قال رحمه الله

فصل

ص: 400

ولعلنا نقف على هذا الفصل باعتبار أن تركنا عدداً من الأسئلة وباقي الآن خمس دقائق على الآذان فنريد أن نجيب عليها

انتهى الدرس

ص: 401

فصل

[فيما يكره في الصلاة ويباح ويستحب]

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

• قال رحمه الله:

فصل:

عقد المؤلف هذا الفصل ليبين ثلاثة أشياء ما يكره ما يباح وما يستحب، وبدأ بما يكره ثم سيأتينا ما يباح عند قوله ((وله

)) فما بعدها ثم ما يستحب.

• قال رحمه الله:

ويكره في الصلاة التفاته

الالتفات في الصلاة عند الحنابلة مكروه فإن فعل صحت الصلاة مع الكراهة والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن التفات الرجل في الصلاة فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))

وذهب بعض الفقهاء إلى أن الالتفات في الصلاة لغير حاجة محرم.

مسألة: وهذه الكراهة ترتفع ويكون الالتفات مباحاً إذا كان لحاجة لدليلين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح ودخل في الصلاة ((جعل يلتفت إلى الشعب)) وكان أرسل في الليل فارساً ليحرس فجعل يلتفت ينظر إلى مجيء هذا الفارس.

هذا الحديث صحيح وهو دليل على أن الالتفات إذا كان لحاجة فإنه يكره.

ص: 402

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ((خرج ليصلح بين فئتين متنازعتين فتأخر بلال لأبي بكر رضي الله عنه: أتصلي قال: نعم)) فلما دخل في الصلاة وأم الناس وهو في أثناء ذلك حضر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يصفقون لينبهوا أبا بكر وكان رضي الله عنه لا يلتفت في الصلاة مطلقاً حتى لما كان الالتفات مباحا في أول التشريع كان لا يلتفت مطلقا فلما اكثروا التصفيق التفت رضي الله عنه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فأشار له النبي أن ابقى في مكانك فرفع أبو بكر يديه إلى السماء وقال الحمد لله ثم رجع فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ثم لما انتهى من الصلاة قال مالك لم تبق كما أمرتك قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجه الاستدلال: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه التفت لما أكثروا التصفيق ففي هذا دليل على أن الكراهة تزول إذا كان الالفات لحاجة.

• ثم قال رحمه الله:

ورفع بصره إلى السماء

رفع البصر إلى السماء مكروه عند الحنابلة فإن فعل ورفع بصره لم تبطل الصلاة والدليل على أن رفع البصر مكروه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما بال أقوام يرفعون رؤوسهم إلى السماء)) فاستدلوا بهذا الحديث على أنه يكره للإنسان أن يرفع بصره إلى السماء في الصلاة.

القول الثاني أن رفع البصر إلى السماء محرم وتبطل به الصلاة ومذهب الظاهرية.

والقول الثالث: أن رفع البصر إلى السماء محرم ولكن لا تبطل الصلاة به وهذا اختيار الشوكاني وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية يدل على أنه أيضاً يميل إلى هذا القول وإن كان لم يصرح بعدم البطلان صرح بالتحريم ولم يذكر بطلان الصلاة.

وهذا القول هو الصواب أنه محرم ولكن لا تبطل به الصلاة.

وكثير نت المصلين إذا رفع من الركوع رفع رأسه مع رفعه من الركوع أثناء الحمد وهذا خطأ وهو محرم وقد تبطل به الصلاة كما سمعتم في اخلاف:

• ثم قال رحمه الله:

وإقعاؤه

الاقعاء سيأتي تفسيره وهو مكروه باتفاق الأئمة لكن الاختلاف في تفسيره.

والدليل على أنه مكروه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن عقبة الشيطان)) وهو في مسلم.

ص: 403

قال الحافظ بن حجر وليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا هذا.

بقينا في تفسير الإقعاء: والإقعاء له صور:

الصورة الأولى: أن يفضي يمقعدته إلى الأرض وينصب فخذيه كهيئة جلوس الكلب. أي قدميه وقد عبر أبو عبيد – وهو من أئمة اللغة – بقوله: " ينصب فخذيه " وهذا صحيح فإن الذي يرفع الفخذين.

وأما التفسير الذي في الروض قدمين فهو خلاف الدقيق والصواب كما قال أبو عبيد.

الصورة الثانية: أن يفرش بظاهر قدميه على الأرض ويجلس بمقعدته على عقبيه.

وهذا التفسير اختاره الإمام أحمد.

الصورة الثالثة: أن ينصب قدميه ويجلس بمعقدته بين عقبيه يعني بين الرجلين.

وهذه يفعلها بعض الناس.

كما قلنا في الفتراش أنه ينصب اليمنى فهنا ينصب اليمنى وينصب أيضاً اليسرى ويجلس بينهما.

فهذه ثلاث صور (للإقعاء) والصواب أن هذه الصور جميعاً مقصوده بالحديث وداخلة في النهي فكل صورة من هذه الصور منهي عنها.

مسألة: سنقسم الإقعاء إلى قسمين:

قسم منهي عنه: وهو يشمل الصور الثلاث السابقة.

قسم مسنون ولا ينهى عنه: وهو المروي عن ابن عباس – وصح أيضاً عن ابن عمر – فإنه رضي الله عنه (أي ابن عباس) جلس على صفة الإقعاء المسنون – وسيأتي بيانها – فلما سأل عن هذا الجلوس قال: ((سنة نبيكم)).

وهذه الصفة هي: أن ينصب قدنه اليمنى واليسرى ثم يجلس على عقبيه.

(فهنا) المصلي إذا نصب اليمنى واليسرى: إن جلس بينهما فهو الإقعاء المكروه.

وإن جلس على عقبيه فهو الإقعاء المسنون.

وذهب بعض الفقهاء كالخطابي إلى أن ما روي عن ابن عباس منسوخ بالأحاديث الصحيحة الدالة على الافتراش. الصواب خلاف ما ذهب إليه الخطابي وأن هذه سنة محفوظة (ليست منسوخة لصراحة حديث ابن عباس وابن عمر المروي عنهما في إثبات سنية الإقعاء على الصفة الثالثة) وأن هذا من باب التنويع.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن الاقعاء كأنه يناسب أحياناً كبير السن كأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كبر وثقل صار يجلس أحياناً هذه الجلسة وإلا أنه في الغالب أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش.

ص: 404

والتفسير الذي ذكرته بينه البيهقي في السنن (قال الشارح حفظه الله -: وكتاب حافل مفيد ينبغي لطالب العلم أن يعتني به لمسألتين أولاً: أنه أحياناً يشير إلى التعليلات واختلاف الأسانيد. الثانية: ما جمعه من السنن والآثار الكثير التي لا توجد في غيره من الكتب).

• ثم قال رحمه الله:

وافتراشه ذراعيه ساجدا

افتراش الذراعين هو: أن يلصق المصلي ذراعيه بالأرض.

وهو منهي عنه لأمرين.

الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اعتدلوا في سجودكم ولا ينبسط أحدكم انبساط الكلب))

الثانية: أن هذه الهيئة توحي بالكسل والتثاقل عن الصلاة وهو مما ينافي الأدب مع الرب سبحانه وتعالى.

(وهذا الفعل) مكروه ودليله واضح.

ثم قال رحمه الله:

وعبثه

العبث تعريفه: هو عمل مالا فائدة فيه.

وهو مكروه باتفاق الأئمة إلا أن أبا حنيفة يرى أنه محرم.

والدليل على أنه مكروه حديث معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن المسح في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم ((إن كنت لابد فاعلاً فواحدة))

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يمسح مع حاجته أحياناً عند السجود إلى المسح فلأن يكره للمصلي أن يعبث من باب أولى.

مسألة: حكم المسح:

المسح إن كان مرة جاز بالإجماع لهذا الحديث الصحيح.

وإن أكثر من مرة فالجمهور على أنه مكروه والظاهرية يرون أنه محرم.

ومن أكثر ما يقع من المصلين اليوم – بلا شك – العبث فغالب ما يخل بصلاة المسلمين اليوم العبث تجد الإنسان كثير العبث جدا بحاجة وبلا حاجة بساعته وبثيابه وبما يلبس على رأسه وبما يحمل في جيبه – وإلى آخره) فتجد أن العبث كثير جداً.

وأما مسألة هل تبطل الصلاة به أو لا؟ فسيأتينا – الآن – ضابط العمل الذي تبطل به الصلاة والذي لا تبطل به الصلاة.

• ثم قال رحمه الله:

وتخصره

يكره للمصلي التخصر وتعريفه: هو أن يضع المصلي يده على خاصرته أثناء الصلاة.

ودليل الكراهة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن التخصر في الصلاة))

والدليل الثاني: أنها صفة تهاون وأحيانا تكون صفة تكبر وكلا الصفتين مذمومتان في الصلاة، والتكبر مذموم في الصلاة وخارجها.

ص: 405

والقول الثاني: أن التخصر محرم لأن النهي صريح ولا صارف له والأصل في النهي التحريم.

والصواب: التحريم لأنه بالإضافة إلى النهي فإنه يشعر بنوع من التكبر.

((سأل الشيخ عن شيء في هذه المسألة فقال: لكنه لا يثبت – لم يتبين أثناء سماعي للتسجيل)).

ثم قال رحمه الله:

وتروحه

التروح: هو تحريك الهواء بالمروحة ونحوها طلباً لإزالة الغم ونحوه.

والتروح مكروه في الصلاة أولا: لأنه من العبث وتقدم معنا أن العبث مكروه.

ثانياً: لأنه يشغل عن الخشوع.

واستثنى بعض الفقهاء إذا كان التروح لحاجة عرضت للمصلي كشدة الحر أو قلة الهواء أو نحو ذلك.

أما المراوحة – المراوحة بين القدمين – فهذه عند الإمام أحمد: سنة.

والمراوحة بين القدمين: هي أن يتكئ أحياناً في الصلاة على اليمنى وإذا تعب اتكأ على اليسرى – فيراوح بين القدمين.

الدليل على سنية هذا الفعل أن ابن مسعود رضي الله عنه رأى رجلاً يصلي لا يراوح بين قدميه فقال ((أخطأ السنة لو رواح لكان أحب إلَّي)).

وهذب بعض الفقهاء إلى أن المراوحة مباحة ليست سنة.

والصواب مع الحنابلة لأن حديث ابن مسعود واضح وهو يقول أخطأ السنة – مع فقهه وجلالة قدره رضي الله عنه وأرضاه.

وخص بعض الفقهاء المراوحة بطول القيام وهذا مناسب – يعني أن المراوحة إنما تستحب وتطلب مع طول القيام أما إذا كانت الصلاة قصيرة فإنه يستحب له أن يبقى معتدلاً متكأ على القدمين.

وذكر بعض الفقهاء أنه يراوح بين قدميه ولكن لا يقدم قدماً على أخرى وإنما يراوح مع تساوي القدمين، ولعل مقصود هؤلاء الفقهاء عدم التقديم الزائد أما التقديم اليسير فلا بد منه – لأنه المراوحة لا يمكن أن يستفاد منها إلا بتقديم الرجل التي لا يتكأ عليها.

فكما قلت لعل مقصودهم أن لا يمدها كثيراً وإنما يمدها شيئاً يسيراً بمقدار ما يحصل الراحة للقدم الأخرى.

والصحابة والفقهاء والأئمة يبحثون في هذه المسائل لأنهم كانوا يطيلون الصلاة – إطالة شديدة جداً – فيحتاجون إلى – بحث – هذه المسائل التي نحن في وقتنا هذا لا نحتاج إليها بسبب قصر صلاة الناس فما يحتاج إلى المراوحة بسببها.

ثم قال رحمه الله:

وفرقعة أصابعه وتشبيكها

ص: 406

فرقعة الأصابع وتشبيكها جاء في النهي عنه عدة أحاديث – نحو أربعة أحاديث في كل منها النهي عن تشبيك الأصابع لكن لا يخلو طريق من طرق هذه الأحاديث من ضعف ولذلك قال ابن بطال في شرح البخاري: جاءت من طرق لا تخلو من ضعف.

فالحنابلة بناء على هذه الأحاديث المتكاثرة يرون أن فرقعة الأصابع والتشبيك مكروهان اعتماداً على مجموع هذه الأحاديث.

والقول الثاني: أن الفرقعة والتشبيك جائزان لعدم ورود حديث صريح في النهي عنهما بل جاءت الأحاديث الصحيحة بالتشبيك فالنبي صلى الله عليه وسلم يحدث في المسجد ويقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان)) وشبك بين أصابعه.

ولما سهى النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الرباعية وقام من الصلاة يظن أنها صلى كامل الصلاة جلس ((واتكأ وشبك بين أصابعه)) فهذه الأحاديث الصحيحة فيها التشبيك.

فقالوا: لم يأتي حديث صريح صحيح في النهي عنها وفي المقابل جاء أحاديث صحيحة تدل على جوازها فقالوا: تجوز بلا كراهة.

وتوسط آخرون فقالوا: أنه يكره التشبيك والفرقعة قبل الصلاة – وهو ينتظرها – أو في الصلاة وتجوز بعد الصلاة.

والأقرب والله سبحانه وتعالى أعلم أنها مكروهة والدليل: أولاً أنها تدخل في مفهوم العبث وتقدم معنا أن العبث يوجد له من الأدلة ما يدل على كراهته.

ثانياً: أن هذه الأحاديث ضعيفه ولكن بمجموعها مع أحاديث الكراهة للعبث يقوي بعضها بعضاً للنهي عن الفرقعة والتشبيك.

كما أن في الفرقعة عبث زائد على التشبيك وفيه محذور آخر وهو التشويش على المصلين بخلاف التشبيك فهو عائد إلى نفس المصلي فقط.

إذاً عرفنا الآن البحث في الفرقعة والتشبيك وأنهما مكروهان قبل الصلاة أو فيها وأما بعدها فتجوز بلا كراهة.

ثم قال رحمه الله:

وأن يكون حاقنا

يعني أن يصلي الإنسان وهو حاقن. والحاقن هو: حابس البول.

فإذا كان الإنسان يحبس البول عن الخروج فإنه يكره له والحالة هذه أن يصلي ويقاس على الحاقن كل ما يزعج ويشوش على المصلي – الكوع وشدة البرد والغضب وغيرها – أثناء الصلاة.

ص: 407

فإن صلى وهو على هذه الحالة صحت صلاته عند الجماهير واستدلوا بدليل فقالوا تصح صلاة الحاقن قياساً على من يصلي وهو منشغل بأحداث الدنيا انشغالاً تاماً فإن هذا الذي يصلي من غير خشوع ومنشغل بأعراض الدنيا يشبه الحاقن لأن كلاً منهما منصرف عن الصلاة.

والقول الثاني: للظاهرية وهو إن صلى الحاقن وإن كان في أول مراحل الحاجة إلى التبول فإن صلاته باطلة.

واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا صلاة بحضر طعام ولا وهو يدافعه الاخبثان)).

والقول الثالث: أن الصلاة صحيحة إلا إن كانت المدافعة شديدة مزعجة جداً للمصلي تمنعه من تصور صلاته وتشغله عن الصلاة فحينئذ تكون باطلة.

وهذا القول – الثالث – هو الصواب ولا يخفى أنه في هذا القول جمع بين القولين – الثاني والأول.

• ثم قال رحمه الله:

أو بحضرة طعام يشتهيه

يكره للمصلي أن يصلي وهو بحضرة طعام لكن يشترط أن يكون هذا الطعام مما يشتهيه المصلي.

فإذا حضر الطعام وهو يشتهيه فإن الصلاة مكروهة وله أن يؤخر ولو فاتت صلاة الجماعة.

ونفس الحكم – (يحكم به) – في مسألة مدافعة الأخبثان.

فمدافعة الأخبثين وحضور الطعام يقدمان على الصلاة ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة.

الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا حضرت العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء)) ولأن ابن عمر رضي الله عنه إذا وضع الطعام أكمل طعامه ولو صلى الناس.

فإن صلى بحضرة طعام يشتهيه فالخلاف المذكور في مسألة مدافعة الأخبثين ينطبق تماماً على هذه المسألة – ثلاثة أقوال كالأقوال السابقة.

مسألة: المؤلف يقول: بحضرة طعام يشتهيه، والحديث يقول: إذا حضر الطعام ولم يقيد هذا الأمر بكونه يشتهيه إذا ما الدليل على هذا التقييد الخارج عن الحديث؟ الدليل: أن العلة من تأخير الصلاة إذا حضر الطعام أن هذا الطعام يشوش على المصلي صلاته ويمنعه من الخشوع والطعام إنما يمنع من الخشوع إذا كان المصلي يشتهيه أما إذا كان المصلي لا يشتهيه فإنه لا يقدم ولا يؤخر حضور الطعام شيئاً بالنسبة للمصلي.

وهذا المعنى الذي ذكره بعض الفقهاء قوي جداً وهو دليل يكفي للتخصيص.

ص: 408

فقوله: (أو بحضرة طعام يشتهيه) صحيح فلا بد أن يكون الطعام حاضراً ولابد أن يكون المصلي يشتهيه حينئذ له أن يترك صلاة الجماعة مقدماً للطعام الذي يشتهيه.

(إذا تقصد إحضار الطعام فإنه يحرم عليه أن يأكل إذا كان الأكل يفوت عليه صلاة الجماعة لأن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه وشيخ الإسلام عنده قاعدة مفيدة لطالب العلم أي حيلة يقصد منها تحليل المحرم أو إباحة الواجب فهي باطلة ولا تؤثر شيئاً.

فإذا كان يحتال لإسقاط صلاة الجماعة بإحضار الطعام أثناء الأذان فإنه يحرم عليه أن يأكل الطعام وعليه أن يصلي لكن هذه المسألة قليلة الوقوع أو لا تكاد توجد لأن من أراد أن يترك صلاة الجماعة لن يبلغ به الدين أن يحتال بإحضار الطعام حتى يصدق " لا صلاة بحضرة طعام " إذا وصل به الدين إلى هذه المرحلة سيصلي صلاة الجماعة.

وعلى كل حال لكن لو فرضنا أن أحداً فعل هذا الفعل فإنه يعاقب بأن يُلْزَمَ بالصلاة).

(هل يشترط حضور الطعام؟ قال الشيخ: نحن كنا لا نريد الدخول في هذه المسالة -.

(نعم) يشترط حضور الطعام كما قال المؤلف فلابد أن يكون الطعام حاضراً وإلا لم يجز له تأخير صلاة الجماعة لأن إذا لم يحضر الطعام فإنه لا فائدة من تركه الصلاة – أي فائدة حتى لو كان ينتظر.

إلا إذا كان ذهابه إلى الصلاة في هذه الحالة يؤدي إلى انشغاله بالطعام المعد بالبيت بحيث لا يشتحضر صلاة ولا خشوعاً حينئذ له أن يبقى وليس سبب بقائه في هذه الصورة حضور الطعام ولكن سبب بقائه انشغاله وهذا سبب سيأتينا في الأعذار المجيزة لترك صلاة الجماعة وهي انشغال الذهن بالمال أو بالولد أو بمريض أو بنحوه فيدخل هذا ضمناً لكن بالنسبة للطعام فلابد أن يكون حاضراً).

ثم قال رحمه الله:

وتكرار الفاتحة

أي أنه يكره للإنسان أن يكرر الفاتحة ودليل الكراهة أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكرر الفاتحة فهذه صفة جديدة لا أصل لها في الشرع.

وكذلك لم ينقل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

والدليل الثالث أن بعض الفقهاء يرى بطلان الصلاة بتكرار الفاتحة فمراعاة لهذا الخلاف نقول تكرار الفاتحة مكروه.

• ثم قال رحمه الله:

لا جمع سور في فرض كنفل

ص: 409

بدأ الشيخ الآن بالمباحات – وإن كانت البداية الحقيقية من قوله: وله – ولكن هذا العمل أيضاً جائز فهو مباحة.

يجوز للإنسان أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة.

أما الدليل على جواز قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة في الفريضة فهي ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه ويختم القراءة ب ((قل هو الله أحد)). فهو قد قرأ في الركعة الواحدة أكثر من سورة. ولما أخير النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه صنيعه هذا فدل على جوازه.

وأما الدليل على جواز أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة في النفل هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في قيام الليل في ركعة واحدة البقرة وآل عمران والنساء.

كذلك لا يكره أن يقرأ سورة واحدة في أكثر من ركعة – عكس هذه الصورة – لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً الفجر فقرأ في الركعة الأولى والثانية (إذا زلزلت الأرض) وهذا الحديث ليس في طرقه ولا في ألفاظه ما يدل على أن هذه الصلاة كانت في سفر – كما يقع في أذهان عدد من إخواننا من طلاب العلم وأظن أن بعض الشراح ذكروه أيضاً – لكن بتتبع طرق هذا الحديث وألفاظه لم أجد أي إشارة إلى أن هذه الصلاة كانت في السفر لكن بعض الفقهاء يقول: لعل هذه الصلاة كانت في السفر وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين (إذا زلزلت) تسهيلاً على أصحابه باعتبار أنهم في السفر.

لكن الحديث – كما قلنا – ليس فيه تخصيص أو ما يدل على أن هذه الصلاة كانت في السفر.

ثم بدأ المؤلف بالمباحات.

• فقال رحمه الله:

وله رد المار بين يديه

قوله: وله: هذه العبارة تفيد الإباحة بينما مذهب الحنابلة الاصطلاحي أن رد المار سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح – عن أبي سعيد – ((إذا اتخذ أحدكم ما يستره في صلاته فإذا أحد أن يمر بينه سترته فليرده فإن أبي فليقاتله فإنه شيطان)).

فهذا الحديث صريح في سنية رد المار.

وهذب بعض الفقهاء إلى أن رد المار واجب للأمر به في هذا الحديث.

ص: 410

مسألة: ذكر النووي والشوكاني وغيرهما استنباطاً من حديث أبي سعيد أن رد المار والمقاتلة إنما تجوز لمن اتخذ سترة واحتاط لصلاته.

أما من لم يتخذ سترة ولم يحتط لصلاته فإنه لا يجوز له أن يقاتل ولا أن يرد رداً شديداً.

واستنبطوا هذا الحكم من قول النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الحديث ((إذا صلى أحدكم إلى ما يستره)).

فإذا: في الحديث - شرطية فكأنه أجاز المقاتلة إذا احتاط الإنسان لصلاته واتخذ سترة تمنع مرور الناس بينه وبين مصلاه.

وفي الحقيقة كلام النووي والشوكاني وجيه جداً وهو متوافق مع لفظ الحديث كما أن من لم يصلي إلى سترة ينسب إلى التفريط فلا يناسب أن يفرط ثم يقول يقاتل الناس على المرور بينه وبين مكان سجوده.

مسألة: هل رد المار يستوي فيه من يكون في مكة ومن لا يكون؟

في هذه المسألة المهم عن الإمام أحمد روايتان:

الرواية الأولى: أن مكة تستثنى من هذا الحكم ولا يرد المار بين يدي المصلي فيها واختار هذه الرواية الموفق وشيخ الإسلام ابن تيمية.

واستدلوا بدليلين: الأول: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ثم صلى والناس بين يديه ليس له سترة.

لكن هذا الحديث فال عنه الحافظ ابن حجر: حديث معلول.

الدليل الثاني أن في رد المار بين يدي المصلي في مكة مشقة وحرج شديدين لكثرة المارين والطائفين وكثرة الناس بوجه عام في مكة.

الرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يسن أن يرد المار في مكة وفي غيرها وأن مكة تستوي مع باقي البلدان في هذا الحكم.

واستدلوا أيضاً بدليلين: الدليل الأول: المعلومات قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر لم يستثني مكة ولا غير مكة.

الدليل الثاني: أنه صح عن ابن عمر وأنس أنهما اتخذا سترة عند الكعبة.

ص: 411

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

• قال رحمه الله في بيان المباحات

وله رد المار بين يديه

تقدم معنى عدة مسائل تتعلق بهذه العبارة وباقي أيضاً مسائل أخرى تتعلق أيضاً بهذه العبارة منها

مسألة وهي

اتفق الأئمة الأربعة كلهم على أنه لا يرد المار إذا كان مروره لحاجة أي أن رد المار يسن إذا لم تكن هناك حاجة فإن كانت هناك حاجة فلا يرد المار

ومن أمثلة الحاجة أن يصلي في طريق ضيق يحتاج الناس إلى المرور من أمام المصلي فهذه الحاجة اتفق الأئمة الأربعة أنها ترفع الكراهة

مسألة ثانية تلحق بلالمسائل السابقة وهي:

أن المؤلف بين حكم رد المار ولم يبين حكم المرور فالمرور بين يدي المصلي محرم والدليل على هذه قوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه

وفي لفظ لو يعلم المار ما عليه من الإثم وهذا اللفظ ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من الإثم

فرد المار سنة ولكن المرور محرم ففرق بين المرور ورد المار

مسألة لم يبين المؤلف الحكم إذا لم يتخذ المصلي سترة أي هل يمر الإنسان من أمامه أو لا؟

وحكمها أنه يجوز أن يمر إذا كان بعيداً من المصلي ويحرم إذا كان قريباًَ من المصلي

لكن اختلفوا في تحديد القريب والبعيد على عدة أقوال نأخذ أقوى هذا الأقوال وهو

أن حد ذلك ثلاثة أذرع والتحديد بهذا المقدار اختاره المجد وابن حزم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة جعل بينته وبين الجدار ثلاثة أذرع

ويقصد بهذا أن يتم اعتبار هذه المسافة من قدم المصلي لا كما يظن بعض إخواننا من مكان السجود

القول الثاني لأن حد القريب هو موضع السجود والبعيد ما عدا ذلك

والأقرب القول الأول لأنه يستأنس فيه بالحديث الذي ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابتعد عن الجدار بمقدار ثلاثة أذرع

ص: 412

وإذا تأمل الإنسان سيجد أن الفرق بين القولين يسير لأن موضع السجود يقرب أن يكون ثلاثة أذرع من قدم المصلي فالفرق بين القولين يسير لكن نحن نقول نلتزم بثلاثة أذرع لوروده في الحديث

هذه جملة من المسائل تتعلق بقوله له رد المار بين يديه

• ثم قال رحمه الله

وعد الآي

يعني يجوز للمصلي وهو يقرأ أن يعد الآي ولا حرج عليه في هذا العمل فهو جائز بلا كراهة والدليل على جواز عد الآي أثناء الصلاة أنه روي عن التابعين بلا خلاف فلم ينقل عنهم رضي الله عنهم خلاف في جواز عد الآي ولذلك اعتبره ابن قدامة كالإجماع بينهم

ومعنى عد الآي أي أن يحسب الإنسان الآيات في قلبه في ضميره ولا يجوز أن يعد الآي لفظاً فإن فعل عالماً بطلت الصلاة لأن هذا كلام أجنبي يبطل الصلاة

إذا معنى عد الآي هو أن يكون هذا العد في قلب الإنسان وضميره لا بصريح نطقه ولفظه

وذهب بعض الفقهاء كالإمام أبي حنيفة إلى أن عد الآي مكروه لأنه يشغل في الصلاة

والصواب القول الأول لكونه مروياً عن التابعين رضي الله عنهم وأرضاهم

• ثم قال رحمه الله

والفتح على إمامه

الفتح على الإمام هو الرد على الإمام إذا أخطأ وتلقينه إذا توقف فالفتح على الإمام عند الحنابلة مباح

والأقرب أن في الفتح على الإمام تفصيل وأنه ينقسم إلى نوعين

النوع الأول أن يكون الفتح على الإمام في الفاتحة فهذا واجب فإن تركه المأمومون جميعاً أثموا لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة فيجب أن تقرأ على الوجه الصحيح

النوع الثاني الفتح على الإمام في غير الفاتحة فهذا جائز بالإجماع وليس من الواجبات

إذا يختلف الأمر بالنسبة للمقروء بين الفاتحة وغيرها من السور

• ثم قال رحمه الله

ولبس الثوب والعمامة

لبس الثوب والعمامة جائز بلا كراهة والقاعدة التي تجمع الأفعال التي تجوز بلا كراهة هي أن

كل فعل يسير لحاجة فهو جائز بلا كراهة هذه قاعدة تريح الإنسان في أنواع الأعمال

والدليل على جواز مثل هذه الأفعال أن النبي صلى الله عليه وسلم تناول رداءه في الصلاة ولبسه صلى الله عليه وسلم وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامه في الصلاة فكان يضعها إذا سجد ويأخذها إذا قام وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً بالناس على المنبر ليعلمهم كيفية الصلاة وكان يصعد وينزل مراراً

ص: 413

وأيضاُ وهو الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لعائشة لما جاءت إلى المنزل وهو يصلي وهذا الحديث فيه ضعف لكن له شواهد كثيرة وتعضده النصوص السابقة

فهذه أربعة أدلة تدل على أن العمل إذا كان يسيراً لحاجة جاز بلا كراهة

فإن كان يسيراً لغير حاجة جاز مع الكراهة أما الكثير فسيذكر المؤلف تفصيله قريباً

• ثم قال رحمه الله

وقتل حية وعقرب وقمل

قتل الحية والعقرب في الصلاة جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب ولأن هذا العمل يحتاج إليه الإنسان

فإذا عرض للإنسان حية أو عقرب في أثناء الصلاة فإنه يقتل الحية أو العقرب ولو كان في ذلك عمل كثير

والدليل هو ما سبق للدليل وللحاجة إلى مثل هذا العمل ويقاس على الحية والعقرب كل ما يؤذي الإنسان ويشكل خطراً عليه فإنه كذلك يقتل

ثم قال والقمل القمل أيضاً يجوز للإنسان أن يقتله أثناء الصلاة لأنه مروي عن بعض الصحابة ولأنه مؤذي

والقول الثاني أنه يكره قتل القمل في الصلاة

وهذا الثاني في الحقيقة أقرب إذ الاشتغال بمثل هذا الأمر أثناء الصلاة قد ينافي الخشوع

ويستثنى من هذا حالة واحدة إذا كان هذا القمل مؤذي جداً وأشغله عن الصلاة فحينئذ يقتله في الصلاة

أما إذا كان لا يؤثر على صلاته فالأولى له أن يؤخر مثل هذا العمل إلى ما بعد الصلاة

وإنما قلنا الأولى ولم نقل يحرم لأنه مروي عن الصحابة أنهم فعلوا هذا في الصلاة أي قتل القمل

ثم قال مبيناً أحكام الفعل الكثير فإن أطال الفعل عرفا من غير ضرورة وبلا تفريق بطلت

أفاد المؤلف أن هناك فرقاً بين الفعل الكثير والفعل القليل والتفريق بين الفعل القليل والكثير محل إجماع

لكن اختلفوا في القدر الذي يعتبر به العمل كثيراً أو قليلاً إذاً اختلفوا في تحديد الكثير لكنهم لم يختلفوا في التفريق بين القليل والكثير

واختلفوا على أقوال

القول الأول أنه يرجع في تحديد الفرق بين القليل والكثير إلى العرف

وهذا مذهب الحنابلة والشافعية

القول الثاني أن ضابط الكثير هو أنه إذا رؤي الرجل ظن أنه ليس في صلاة

وهذا الضابط للمالكية والأحناف

ص: 414

والقول الثالث أن اليسير ما يشبه أعمال النبي صلى الله عليه وسلم التي قام بها في الأحاديث السابقة وما عداه فهو كثير

وهذا هو الراجح أنه يقاس القليل والكثير بأعماله صلى الله عليه وسلم وأيضاً إذا تأملت الأقوال السابقة ستجد أنها متقاربة فالإنسان إذا صلى وظن من رآه أنه لا يصلي قريبة من العرف العام عند الناس أن هذا عمل عملاً كثيراً يخل بالصلاة وهو أيضاً قريب من الضابط الأخير فإن هذا لا يشبه أبداً عمل النبي صلى الله عليه وسلم

فإذاً إذا فصل بهذا الكثير فإن الصلاة تبطل لانتقاء الموالاة بين أعمال الصلاة وللمنافاة بين هذه الأعمال وبين الطمأنينة والطمأنينة ركن من أركان الصلاة

وذكر الشيخ هنا قيود لهذا الشيء فقال فإن أطال الفعل عرفا تقدم معنا أن عرفاً هي أحد الأقوال في ضابط الكثير من غير ضرورة أما إن كان طول الفعل وكثرته للضرورة جاز ولو كثرت جداً فإذا هجم على الإنسان سبع في الصلاة جاز له أن يهرب عنه ولا يقطع صلاته لأن هذا العمل الكثير ألجأت إليه الضرورة ولا فرق بين أن تكون الضرورة خاصة به هو كما في المثال الذي ذكرت أو أن تكون الضرورة متعلقة بغيره كأن يذهب إلى إنقاذ غريق أو إنقاذ حريق أو ليتفادى سقوط طفل أو ما شابه هذه الأعمال التي تتعلق بالغير ولكنها أيضاً توصف بأنها ضرورة ويدل على هذا كله قوله تعالى فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ومن المعلوم أن الإنسان إذا ركب الفرس أو مشى راجلاً هارباً من العدو أنه سيعمل أعمالاً كثيرة ومع ذلك أجاز الله سبحانه وتعالى له أن يصلي وهو في هذه الحالة مع كثرت الأعمال للضرورة

• ثم قال رحمه الله

وبلا تفريق

وهذا شرط مهم أي أنه يشترط في العمل الكثير الذي يبطل الصلاة أن يكون متوالياً فإن وقع متفرقاً فإنه لا يبطل الصلاة حتى لو فرضنا أنه لو جمعت هذه الأعمال لصارت مجتمعة فعلاً كثيرة فإن الصلاة لا تبطل

والدليل على هذا ما تقدم معنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامه وهذا فعل لو جمع وضم بعضه لبعض لصار فعلاً كثيراً حيث يضعها في كل ركعة ويجملها في كل ركعة

ص: 415

كذلك لما صلى للناس معلماً لهم صلى الله عليه وسلم على المنبر كان يصعد المنبر ثم ينزل للسجود ثم يصعد أخرى ليريهم صلاته صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كانت صلاته صحيحة

إذاً يشترط في الفعل الكثير الذي يبطل الصلاة أن يكون لغير ضرورة أو أن يكون متوالياً

• ثم قال رحمه الله

بطلت ولو سهوا

تبطل الصلاة ولو وقع الفعل منه سهواً أولاً لأن هذا الفعل الذي وقع منه سهواً يخل بالموالاة وإن كان ناسياً إلا أ، الإخلال وقع وحصل

الثاني أن الطمأنينة ركن والأركان لا تسقط بالسهو

والقول الثاني أن الإنسان إذا عمل عملاًَ كثيراً سهواً صحت صلاته ولم تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين لما نسي وسلم قبل تمام الصلاة قام ثم جلس ثم شبك يديه وفي رواية ثم دخل المنزل وخرج ومن المعلوم أن هذه الأعمال كثير ومع ذلك بنى صلى الله عليه وسلم على صلاته ولم يستأنف

فدل هذا الحديث على أن الأعمال الكثيرة إذا كانت سهواً فإنها لا تبطل الصلاة

وكذلك يدل عليه عموم قوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

وهذا القول الثاني هو الصواب أن الأعمال الكثيرة إذا كانت سهواً من غير عمد لا تبطل

ثم قال رحمه الله تعالى ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها

هذا التقرير كان من الأنسب أن يضمه المؤلف إلى الكلام على القراءة عند قوله تكرار الفاتحة لا جمع سور في فرض كنفل فإنها أنسب أن تكون في هذا الموضع ليجتمع الكلام عن أحكام القراءة

أو يضمها إلى مسألة قراءة السورة كاملة لما أخذ السنة في القراءة وذكرنا أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الغالبة عليه أنه يقرأ سورة كاملة فلو ذكر هذا هناك لكان أنسب

المهم أنه يجوز للإنسان أن يقرأ من أواخر السور أو من أواسط السور لما صح في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إسماعيل البقرة

وفي الركعة الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء آل عمران

ص: 416

فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ في هذه الصلاة بعض السورة من أوسط السورة فدل هذا على جواز القراءة

فتحصل معنا أنه يجوز للإنسان أن يقرأ من أول أو من وسط أو من آخر السور ولكن السنة أن يقرأ سورة كاملة

• ثم قال رحمه الله

وإذا نابه شئ سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى

قوله وإذا نابه شئ قوله شيء عام يتناول ما إذا نابه شيء يتعلق بمصلحة الصلاة أو نابه شيء لا يتعلق بمصلحة الصلاة كما إذا استأذنه آدمي أو إذا أراد أن ينبه طفلاً فإنه يسبح

إذاً التسبيح لا يتعلق بأعمال الصلاة وإنما يجوز حتى فيما هو خارج أعمال الصلاة

سبح رجل وصفقت امرأة

الدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال ولتصفق النساء وفي لفظ في البخاري إنما التصفيق للنساء باستخدام آلة الحصر إنما

فقوله إذا نابكم شيء في الصلاة دليل على العموم وهو يدل على صحة ما يفهم من كلام المؤلف أنه إذا ناب الإنسان في صلاته شيء سواء كان هذا الشيء يتعلق بمصلحة الصلاة أو خارج مصلحة الصلاة فالحديث عام والسنة أن يسبح الرجل وتصفق المرأة

فإن سبحت المرأة كره لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها التصفيق

مسألة هل يجوز التصفيق للرجال في الصلاة؟

الجواب أنه لا يجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال فجعل حظ الرجال التسبيح ونصيب النساء التصفيق

وهل يجوز التصفيق خارج الصلاة؟

محل خلاف بين الفقهاء

منهم من قال أن النهي عن التصفيق خاص بالصلاة للبعد عن التشبه بعبادات المشركين

ومنهم من قال أن النهي عن التصفيق عام في الصلاة وفي خارج الصلاة

وكما قلت لكم هي مسألة خلاف ولكن الأقرب والله أعلم أن الرجل منهي عن التصفيق داخل الصلاة وخارج الصلاة لأمرين

الأمر الأول أن الشارع الحكيم إذا نهى عن التصفيق في الصلاة مع الحاجة إليه ففي خارج الصلاة من باب أولى

الثاني هذا اللفظ الذي ذكرت لكم وهو في صحيح البخاري وهو قوله إنما التصفيق للنساء فحصر جواز التصفيق في النساء

ص: 417

فالأقرب والله أعلم أن الإنسان يبتعد عن التصفيق داخل الصلاة وخارج الصلاة وإن كانت مسألة خلاف لكن هذا الذي يظهر

وفي هذه المسألة بحوث كثيرة وآثار عن الصحابة تدل على أن النهي عام

• ثم قال رحمه الله

ببطن كفها على ظهر الأخرى

بين المؤلف الصفة التي تصفق المرأة عليها فقال ببطن كفها على ظهر الأخرى

والقول الثاني أنها تصفق ببطن اليمنى على بطن اليسرى

والصواب أن الأمر في هذا واسع تصفق كيفما تيسر لها لأن الحديث الذي في البخاري لم يعين صفة التصفيق فهي تصفق حسبما يتيسر لها

• ثم قال رحمه الله

يبصق في الصلاة عن يساره وفي المسجد في ثوبه

فرق المؤلف في البصاق بين أن يكون الإنسان في المسجد وخارج المسجد ونحن نلخص لكم هذه المسألة

فنقول البصاق ينقسم إلى قسمين

إما أن يكون داخل المسجد

أو أن يكون خارج المسجد

فإن كان في المسجد فإنه يبصق في ثوبه ثم يمسح بعضه ببعض أو يبصق بما تيسر الآن من المناديل ونحوها

والمقصود من قول الفقهاء يبصق بثوبه يعني لا يجوز له أن يبصق في الأرض

الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها

ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أحدكم أن يتنخع فليتنخع على يساره تحت قدمه

فإن لم يمكن فليفعل هكذا ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه وبصق فيه ومسح بعضه ببعض

إذاً الآن وضح معنا كيف يبصق الإنسان في المسجد

القسم الثاني أن يبدر إليه البصاق خارج المسجد فحينئذ يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسار

لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليتنخم عن يساره أو تحت قدمه اليسرى

في الحديث السابق يقول عن يساره تحت وهنا يقول أو تحت

إذاً في الحديث النهي الصريح عن التنخم قبل الوجه وعن اليمين

إذاً إذا كان في المسجد فإنه يتنخم في ثوبه ويمسح بعضه على بعض ليذهب صورة النخامة

أو يتنخم في المناديل ونحوها التي تيسرت في وقتنا هذا

وإذا كان خارج المسجد فإنه يتنخم إما عن يساره أو تحت قدمه اليسرى

والبحث الآن إذا بدر البصاق للإنسان وهو يصلي

ص: 418

مسألة قال الإمام أحمد من فقه الرجل أن لا يبصق عن يمينه ولو خارج الصلاة وكذلك ذهب النووي والشوكاني إلى أن هذا التفصيل في الصلاة وخارج الصلاة أي أنه لا ينبغي للإنسان أن يبصق عن يمينه ولا من قبل وجهه لأن حديث أبي هريرة السابق عام لم يقيد أو لم يحدد أن يكون هذا في صلاة أو يكون في خارج الصلاة

فمن فقه الرجل ومعرفته بالأدلة أن لا يبصق في أي مكان من قبل وجهه أو عن يمينه وإنما يبصق عن يساره

إذاً تم بهذا آداب البصاق فيما يتعلق في المسجد وخارج المسجد وفي الصلاة وخارج الصلاة

ثم قال رحمه الله

مبينا أحكام السترة وتسن صلاته إلى سترة

يعني أنه يسن أن يتخذ الإنسان سترة يصلي إليها والقول بأن اتخاذ السترة سنة وأن الصلاة لا تبطل ولا يأثم من تركه مذهب الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء

واستدلوا على السنية بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليتخذ سترة وليدن إليها

والدليل على أنه لا يجب ما صح عن ابن عباس أنه قال أقبلت على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه في منى إلى غير جدار

والقول الثاني أن اتخاذ السترة واجب

وقالوا أن الأحاديث الكثيرة تأمر بالسترة ولا يوجد في النصوص مخصص وأما حديث ابن عباس فإنه نفى الجدار ولم ينف غيره من أنواع السترة

والراجح أن السترة متأكدة جداً لكن لا تصل إلى الوجوب قال الإمام الشافعي رحمه الله وغفر له إلى غير جدار في الحديث أي إلى غير سترة

فالأقرب أن اتخاذها متأكد جداً لكنه لا يصل إلى الوجوب والإثم

هذا ما يتعلق بحكم اتخاذ السترة

• ثم قال رحمه الله

قائمة

معنى قائمة أي منصوبة يعني أنه إذا اتخذ الإنسان سترة ينبغي أن تكون منصوبة قائمة ولا تكون موضوعة على الأرض

• ثم قال رحمه الله

كآخرة الرحل

يريد المؤلف أن يبين مقدار السترة فذكر أنها تكون كآخر الرحل لما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في عزوة تبوك عن السترة فقال صلى الله عليه وسلم كآخرة الرحل ولفظ مسلم كمؤخرة الرحل

وهذا يقرب من الذراع

ص: 419

فحد طول السترة ة ذراع أو نحواً من الذراع وإنما لم يجزم الإنسان بأنه ذراع بالضبط لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله كمؤخرة الرحل ومؤخرة الرحل تختلف من مؤخرة إلى أخرى فبعضها طويل وبعضها قصير لكن الوسط بينها هو ذراع

ونلاحظ أن المؤلف رحمه الله بين مقدار السترة طولاً ولم يبين مقدار السترة عرضاً وقال الفقهاء أنه لا حد لمقدار السترة فيجوز أن يكون كالسهم ويجوز أن يكون جداراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ الحربة سترة وصلى إلى البعير وإلى الجدار

فإذاً الحد من جهةالعرض ليس له حد معين في الشرع وإنما المحدود شرعاً من جهة الطول

ومع ذلك قال الإمام أحمد كلما كانت السترة أعرض فهو أحب إليَّ

هذا معنى كلامه وليس لفظه واستدل الإمام أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم

وجه الاستدلال في قوله ولو بسهم فهذا أدنى أنواع السترة وكل ما هو أعرض من السهم فهو أفضل من السهم

وهذا صحيح وهذا الحديث إسناده حسن

فإذا تمكن الإنسان من السترة العريضة فهي أولى من السترة السخيفة

• ثم قال رحمه الله

فان لم يجد شاخصا فإلى خط

أي أنه يشرع للإنسان إذا لم يجد شاخصاً قائماً أن يتخذ خطاً وهذا مذهب الحنابلة ومذهب الأوزاعي ومذهب أبي ثور

لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يجد أحدكم عصى فليتخذ خطاً

وهذا الحديث ضعفه عدد من الأئمة منهم الإمام الشافعي ومنهم الإمام ابن عيينة ومنهم الإمام الدارقطني ومنهم الحافظ ابن الصلاح

فهؤلاء رأوا أن حديث الخط مضطرب وضعيف

إذاً عرفنا مذهب الحنابلة وما هو دليلهم ودرجة هذا الدليل

القول الثاني لجماهير العلماء يرون أن اتخاذ الخط لا يشرع ولا يجزئ واستدلوا على هذا أيضاً بدليل قوي فقالوا النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السترة فذكر أنها كمؤخرة الرحل فجاء التحديد من النبي صلى الله عليه وسلم لكيفية السترة فما كان أقل من مؤخرة الرحل فإنه لا يجزئ لأن هذا تحديد من النبي صلى الله عليه وسلم

والأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة

ص: 420

لكن ينتبه إلى أن الذين أجازوا اتخاذ الخط كلهم يشترط أن لا يجد شاخصاً فإن وجد شاخصاً فإنه لا يجزئه الخط

نحن نقول إذا لم يجد الإنسان شاخصاً فإنه يتخذ خطاً وهو أحسن من أن لا يصلي إلى شيء لاسيما وأن الحافظ ابن رجب يقول لعل الإمام أحمد اعتمد في القول بمشروعية الخط على آثار عن الصحابة وإلا فإنه صرح بضعف حديث الخط

السنة للمصلي

انتهى الدرس

ص: 421

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

• قال رحمه الله: -

وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط.

ذهب الحنابلة إلى أن المصلي إذا لم يتخذ سترة ومر بينه وبين سجوده كلب أسود بطلت الصلاة وهذا من مفردات الحنابلة واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإذا لم يضع مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود.

قال الراوي لأبي ذر وهو راوي الحديث: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر فقال أبو ذر: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الكلب الأسود شيطان.

وهذا الحديث نص صريح في القطع لا يحتمل التأويل.

وذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبو حنيفة رحمهم الله وغفر لهم إلى أن الكلب الأسود لا يقطع الصلاة.

واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم)).

وهذا الحديث ضعيف وممن ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والراجح كما لا يخفى مذهب الحنابلة لصراحة الدليل وقوته.

مسألة: جاء في بعض الآثار الصحيحة أن يقطع الصلاة الكلب ولم يقيده بكونه أسوداً وجاء في هذا الحديث - حديث أبي ذر - الذي معنا - تقييد الكلب بكونه أسوداً.

والصواب أن المطلق يحمل على المقيد في مثل هذه الأحاديث فنقول الكلب الأسود هو الذي يقطع الصلاة فقط وغيره لا يقطع الصلاة.

مسألة: علل النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تقطع بالكلب الأسود بأنه شيطان فإذا مر من أمام المصلي شيطان من الجن فهل تنقطع الصلاة؟

ص: 422

الجواب: أن مثل هذا لا تتعلق به الأحكام لأن الإنسان لا يعلم بمرور شيطان الجن فإن علم بطريقة أو أخرى أنه مر وأن المار شيطان من شياطين الجن فاختار شيخ الإسلام أن الصلاة تنقطع.

ولكن هذا قد لا يتأتى العلم به لكن إنما ذكرت لك حكم المسألة.

• وقول الشيخ رحمه الله:

فقط.

أي أن الحمار والمرأة لا يقطعان الصلاة وهذا المذهب بل هو مذهب الأئمة الأربعة واستدلوا بثلاثة أدلة:

الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء فادرؤوا ما استطعتم.

والدليل الثاني: قول عائشة رضي الله عنها ((أني كنت أضطجع أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي)).

والدليل الثالث: أن ابن عباس رضي الله عنه لما جاء على حمار أتان في منى تركه يمر بين الصفوف.

والقول الثاني: وهو رواية للإمام أحمد وأظنها الرواية الثانية - واختيار شيخ الإسلام وابن القيم وعدد من المحققين أن الحمار والمرأة إذا مرا أمام المصلي تنقطع صلاته للحديث السابق الصريح أن المرأة والحمار والكلب الأسود يقطعون الصلاة.

وهذا القول - الثاني - هو الصواب.

وأما الجواب عن أحاديث القول الأول فكما يلي:

أولاً: حديث لا يقطع الصلاة شيء تقدم أنه ضعيف.

ثانياً: كون عائشة تعترض أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الليل لا دليل فيه لأن الذي يقطع هو المرور لا الاعتراض.

ومن كانت معترضة أمام المصلي فإنها لم تمر من أمامه.

الخلاصة أن الذي يقطع هو المرور لا الاعتراض أو الجلوس.

وأما حديث ابن عباس في تركه الحمار يمر بين الصفوف فالجواب عنه: أن المأموم سترته سترة إمامه فإذا مر من أمامه شيء فإن صلاته لا تنقطع لأنه تبع للإمام في السترة ولا يستقل بذلك.

فتبين الآن أن القول الأول وه أن الصلاة تنقطع بالمرأة والحمار هو الصحيح وهو الذي دل عليه الحديث الصحيح الذي لا مدفع له.

((مسألتين - ذكرهما الشيخ حفظه الله في جواب على سؤالين بعد انتهاء الدرس وهي:

ما الحكمة من كون المرأة تقطع الصلاة ولماذا قرنت مع الكلب والحمار؟

ص: 423

الجواب: أن قرن المرأة بالكلب والحمار لا يدل على أي نوع من أنواع الغض من منزلة المرأة أو أنها قرنت مع هذين الشيئين مما يدل على أنها نازلة القدر؟ هذا قط ليس من مقصود الشارع ولا أحد يقول به مطلقاً.

لكن الحكمة من أن المرأة تقطع أحد أمرين:

أولاً: أن نقول الحكمة تعبدية. وأنه لا يعلم لهذا معنى معقولاً.

الثاني: أن تكون الحكمة أن المرأة عادة إذا مرت أمام الرجل أشغلته عن الصلاة وذهبت بلبها يعني بلب الصلاة من الخشوع والإقبال على الله سبحانه وتعالى فناسب أن يحكم بقطعها للصلاة.

مسألة: هل المرأة تقطع الصلاة مطلقاً أو المرأة الحائض فقط؟

جاء في حديث ابن عباس ((يقطع الصلاة المرأة الحائض)).

وأخذ بهذا بعض الفقهاء فقالوا: المرأة إذا كانت حائض تقطع الصلاة وإذا لم تكن حائضاً لم تقطع الصلاة.

والقول الثاني: أن المرأة سواء كانت حائضاً أو غير حائض تقطع الصلاة وأخذوا بعموم حديث أبي ذر.

الراجح – الحقيقة الراجح ينبني على صحة هذه اللفظة وهي محل إشكال كبير من حديث دراسة الأسانيد لأن يحيى بن سعيد القطان والإمام الحافظ أبو داود أشاروا إلى تضعيف زيادة ((المرأة الحائض)) ويحيى بن سعيد القطان فشبه جزم بأنه وهم وأما أبو داود فتشعر من سياقه في السنن أنه يرى عدم صحة هذا اللفظ.

لكن في المقابل أبو حاتم الرازي الحافظ سئل عن هذا الحديث في كتابه العلل فقال: هو عندي صحيح.

وإذا تأمل الإنسان في أسانيد الحديث يحصل له من التردد ما حصل عند الأئمة لأن الذي زادها الإمام الحافظ شعبة وهو رحمه الله إذا زاد مقبولة زيادته لكونه متثبت وحافظ لكن في المقابل الذين لم يزيدوا هذه اللفظة أيضاً عدد من الأئمة.

فلم يتبين لي ثبوت هذه اللفظة من عدم ثبوتها وإذا كان مثل هؤلاء الأئمة صار بينهم اختلاف فهذا يعني أن المسألة فيها نوع من الإشكال

لكن فقه هذه المسألة إن صحت هذه اللفظة فإنا نحمل المطلق على المقيد كما حملنا الكلب والكلب الأسود حملنا المطلق على المقيد هنا أيضاً نقول إن صحت هذه اللفظة فإنه لا يقطع الصلاة إلا المرأة الحائض فقط.))

ثم قال رحمه الله تعالى:

وله التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة ولو في فرض.

ص: 424

أي أنه يشرع للمصلي في صلاة الفريضة والنافلة إذا مرت به آية رحمه يسأل الله وإذا مرت به آية عذاب يستعيذ بالله وإذا مرت به آية تعظيم يسبح الله لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح ويستعيذ ويسأل في صلاته إذا قام من الليل.

والقول الثاني: أن هذا الأمر مشروع في النافلة دون الفريضة.

واستدل أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عدداً كبيراً من الفرائض وقرأ فيها من آيات الوعد والوعيد والتسبيح شيئاً كثيراً ولم ينقل أحد من أصحابه عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل أو يستعيذ أو يسبح في الفريضة.

وهذا الدليل مخصص لعموم القاعدة التي تقول أنه ما ثبت في الفريضة ثبت في النافلة إلا بدليل.

فنحن نقول هنا وجد الدليل وهو أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك في الفريضة.

وهذا القول الثاني هو الأقرب للنصوص أنه لا يشرع مثل هذا الأمر إلا في صلاة النفل لا سيما في صلاة الليل.

وأما الحنابلة فهم يرون أن الأمر مشروع في الفريضة والنافلة.

فصل

[في حصر أفعال الصلاة وأقوالها]

• ثم قال رحمه الله تعالى:

فصل أركانها

المؤلف يريد بهذا الفصل أن يبين أركان وواجبات وسنن الصلاة فإن قيل ما الفائدة من ذكرها وقد ذكرت في صفة الصلاة؟ فالجواب: أنه رحمه الله أراد أن يذكرها على سبيل الحصر والتعداد حتى يسهل على طالب العلم التفريق بين أنواع أعمال وأقوال الصلاة.

والأفعال والأقوال في الصلاة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما لا يسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً. وهو الذي يسمى الركن ويسميه بعض الفقهاء الفرض.

القسم الثاني: ما لا يسقط عمداً ويسقط جهلاً أو نسياناً ويجبر بسجود السهو ويسمى الواجبات اصطلاحاً وإلا الأركان أيضاً من الواجبات لكن اصطلحوا على تسمية هذه الأعمال بالواجبات للتفريق بينها وبين الأركان فهي تسمية اصطلاحية.

القسم الثالث: ما يسقط عمداً وسهواً وجهلاً ولا يوجب سجود السهو وهي السنن والأصل أنه لا يسجد له في السنن وفي الباب الذي يلي هذا الباب - باب سجود السهو - سيأتينا تفصيل فيه هل هو مشروع أو جائز أو مكروه.

• ثم قال:

القيام

ص: 425

القيام ركن في الصلاة بالنص والإجماع.

أما النص فقوله تعالى: ((فقوموا لله قانتين)) فنص على القيام وأمر به.

وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً .... الحديث.

وأيضاً أجمع الفقهاء على أن القيام ركن من أركان الصلاة لا يسقط بحال.

مسألة: والقيام ركن من أركان الصلاة في الفريضة وأما في النافلة فهو جائز أن يأتي به أو أن يتركه لما صح في مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قاعداً.

فالقيام في النافلة إن شاء أتى به وإن شاء تركه ولو بلا عذر.

مسألة: والقيام في الفريضة ركن يسقط عند العجز لقوله تعالى ((فاتقوا الله ما استطعتم)).

وقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).

وفي المسألة نص خاص وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب)) فنص النبي صلى الله عليه وسلم على أن القيام يسقط عند العجز.

مسألة: متى يسمى المصلي غير مستطيع؟

في هذا أقوال للفقهاء أقربها - إن شاء الله - أنه إذا كان القيام يذهب خشوع المصلي بسبب المرض أو نحوه بحيث لا يستطيع أن يخشع كما ينبغي جاز له حينئذ أن يصلي جالساً.

أي لا كما يفهم بعض الناس أنه لا يجوز أن يصلي قاعداً إلا إذا إن صلى قائماً سقط هذا الفهم غير وارد لا يجب على الإنسان أن يبقى قائماً إلى حد السقوط وإنما قوله فإن لم تستطع يحمل على الركن الهام في الصلاة وهو الخشوع.

مسألة: القدر المجزئ من القيام هو أن لا يصل إلى القدر المجزئ من الركوع فإذا انحنى انحناء يسيراً جاز ولا حرج على المصلي في ذلك.

التعليل: عللوا هذا بأن من انحنى انحناء يسيراً لم يخرج عن مسمى القيام فقد أتى بالركن.

وبهذه المسألة انتهت المسائل المتعلقة بقوله: القيام.

• قال رحمه الله:

والتحريمة

تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة عند الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير.

ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء استقبل القبلة ثم كبر.

ص: 426

فدل هذا على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تسقط لا سهواً ولا جهلاً وأما عمداً فمعلوم أنه إذا لم يكبر لم يدخل في الصلاة أصلاً.

ثم قال رحمه الله:

• والفاتحة

الفاتحة تقدم معنا ذكر الخلاف فيها وأن الأقرب للصواب أنها ركن من أركان الصلاة وأن الدليل الدال على هذا حديث عبادة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرا بفاتحة الكتاب.

وحديث أبي هريرة كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج قالها ثلاثاً.

لكن المسألة التي نريد أن ننبه عليها هنا هي هل الفاتحة ركن في كل ركعة أو أنها ركن يقرأ مرة واحدة في الصلاة؟

في هذا خلاف بين الفقهاء:

فذهب الجمهور أنها ركن في كل ركعة واستدلوا على هذا بأدلة قوية.

الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

وقال للمسيء صلاته ثم اصنع هذا في صلاتك كلها.

ومعلوم أن الإنسان يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة فيجب أن يصنع ذلك في صلاته كلها.

الثاني: روي عن بعض الصحابة النص على أن الفاتحة واجبة في كل ركعة.

الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة لكن هذا الزيادة - قوله في كل ركعة - ضعيفة.

فتحصل معنا الآن العمومات: ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها والآثار وهذا الحديث الضعيف وأخيراً قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وقد داوم بغير انقطاع على قراءة الفاتحة في ركعة هذا الدليل الخامس الدليل السادس حديث قتادة الذي مر معنا أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب. فنص على أنه يقرأ بفاتحة الكتاب في جميع الصلاة صلى الله عليه وسلم.

وإذا رأى الإنسان أن هذه الأدلة مجتمعة علم أن هذا القول فيه قوة وأن الإنسان لا يجزأه مرة واحدة في الصلاة بل يجب أن يقرأ في كل ركعة فإذا تركها في ركعة من الركعات بطلت تلك الركعة إن كان سهواً أو جهلاً.

والقول الثاني: عن الحسن البصري رضي الله عنه أن الفاتحة تقرأ في ركعة واحدة.

ص: 427

والقول الثالث: لبعض الفقهاء أنها تقرأ في الركعتين الأوليين فقط يعني أنها واجبة في الركعتين الأوليين فقط.

والراجح هو قول الجماهير الذي ذكرنا لهم فيه عدة أدلة.

ثم قال رحمه الله:

• والركوع

الركوع ركن من أركان الصلاة. لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا)) ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ((ثم اركع حتى تطمأن راكعاً)).

وتقدم معنا القدر المجزئ من الركوع وهو أن ينحني بحيث أن تصل يديه إلى ركبتيه فإن لم يصل إلى هذا الحد فإن الركوع باطل فيعتبر أنه لم يأت بالقدر الواجب من الركوع.

والركوع ركن باتفاق الفقهاء.

• ثم قال رحمه الله:

والاعتدال عنه

الاعتدال من الركوع ركن من أركان الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ((ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)).

ونحب هنا أن نأخذ قاعدة في مسألة الأركان وهي كيف نستدل بحديث المسيء (الأعرابي) على أركان الصلاة؟

ووجه الاستدلال به عليها أن كل ما في هذا الحديث من الواجبات التي لا تسقط إذا لو كانت تسقط لسقطت عن الأعرابي لجهله.

فتحتاج أن تفهم هذه القاعدة في كل ركن نتكلم عنه من أركان الصلاة.

إذاً إذا قيل لك ما هو الدليل؟ حديث المسيء.

ما وجه الاستدلال؟ أنه لو كان هذا الفعل يسقط لسقط عن الأعرابي لكونه جاهلاً.

إذاً الاعتدال من الركوع يعتبر ركن من الأركان.

ولم يذكر المؤلف: الرفع من الركوع وإنما ذكر: الاعتدال لأن المؤلف يرى أنه لا حاجة لذكر الرفع لأن الرفع داخل في الاعتدال لأنه لا يمكن أن يعتدل إلا بعد أن يرفع وهذا مذهب الحنابلة.

والقول الثاني: أن الرفع ركن والاعتدال ركن فكل منهما ركن مستقل وهذا القول مال إليه الشيخ ابن مفلح في الفروع وهو الصواب أن الرفع ركن وأن الاعتدال بعد الرفع ركن آخر لأن كل منهما جاءت به الأحاديث الصحيحة.

لو قال قائل: ما هي ثمرة الخلاف؟ لأنه لن يعتدل إلا بعد أن يرفع.

ثمرة الخلاف: قالوا لو رفع الراكع لا لأجل الرفع ولكن فزعاً من شيء ينوبه في الصلاة فهو حيئنذ رفع لا بنية الرفع من الركوع ولكن بنية الابتعاد عما أفزعه.

فهذا الشخص هل أتى با الرفع؟ لا.

ص: 428

وهل أتى باعتدال؟ نعم لأنه إذا قام قد ينوي أنه اعتدل فيأتي بالركن.

فإذاً هذا الشخص الذي رفع فزعاً لم يأت بالرفع وهو ركن من أركان الصلاة.

فنقول ارجع إلى الركوع وارفع بنية الركنية أنك ترفع عن الركوع.

فصار هناك ثمرة كبيرة لمسألة هل الرفع ركن وهل الاعتدال ركن آخر أو هما ركن واحد.

فتبين معنا أن الصواب أن كل منهما ركن مستقل.

• ثم قال رحمه الله:

والسجود على الأعضاء السبعة.

السجود على الأعضاء السبعة ركن من أركان الصلاة.

وهو ركن بإجماع المسلمين لقوله ((يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا)).

ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم اسجد حتى تطمأن ساجداً)).

ولقول ابن عباس رضي الله عنه "" أمرنا بالسجود على سبعة أعظم"".

فالنصوص كثيرة في إثبات وجوب وركنية السجود.

والاعتدال عنه.

الاعتدال عن السجود ركن من أركان الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ثم ارفع حتى تطمأن جالساً)).

والخلاف الذي ذكرناه في الاعتدال من الركوع والرفع منه يأتي معنا هنا في الاعتدال بين السجدتين والرفع منه.

والصواب هو أن الرفع من السجود ركن والاعتدال بين السجدتين ركن آخر.

• ثم قال رحمه الله:

والجلوس يبن السجدتين

والجلوس بين السجدتين ركن من أركان الصلاة لقوله في حديث المسيء ((ثم ارفع حتى تطمأن جالساً)).

ولحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع لا يسجد - يعني مرة أخرى - حتى يطمأن قاعداً.

فالجلوس بين السجدتين أيضاً ركن يقابل الاعتدال من الركوع.

ثم قال رحمه الله:

والطمأنينة في الكل.

الطمأنينة في لغة العرب: السكون.

والطمأنينة في الشرع في الصلاة هي أن يسكن بقدر الذكر الواجب.

وقيل: هي أن يسكن أقل سكون.

والراجح هو القول الأول وممن اختاره من الفقهاء المجد – جد شيخ الإسلام ابن تيمية.

والفرق بينهما ظاهر فلو أن إنساناً سجد وسكن في السجود أقل سكون بدون ذكر ثم رفع فالواجب عليه في مثل هذه الصورة عند أصحاب القول الثاني ماذا؟ سجود سهو فقط لأنه ما ترك ركن وإنما ترك الواجب وهو الذكر.

والواجب عليه عند أصحاب القول الأول أن يعيد السجود لأنه أخل بركن من أركانه وهو الطمأنينة.

فصار الفرق بين القولين كبير جداً.

ص: 429

والطمأنينة ركن عند الجماهير من أهل العلم واستدلوا على هذا بأدلة نذكر منها اثنين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد على المسيء قوله (ثم اطمأن أو حتى تطمأن).

وتقدم معنا أن المذكورات في حديث المسيء كلها واجبات أي أركان.

والدليل الثاني: حديث حذيفة أنه رأى رجلاً يصلي ولا يطمأن في صلاته فقال رضي الله عنه له إنك لم تصلي ولو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمد صلى الله عليه وسلم.وهذا الحديث في البخاري.

فحذيفة يرى أنه لم يصلي لأنه لم يطمأن في صلاته.

وخالف في الطمأنينة الأحناف وقالوا ليست بركن لأن من صلى من غير طمأنينة مع الإتيان بباقي الواجبات والأركان فقد أتى بجميع واجبات الصلاة.

وقد شنَّع كثير من أهل العلم على هذا القول وردوه وبينوا خطأه وأنه إذهاب لروح الصلاة.

وقد أطال جداً شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير وجوب الطمأنينة في كتابه القواعد النورانية بكلام لا تجد في غير هذا الكتاب.

ذكر من أوجه الاستدلال والنصوص والشواهد والآثار ما إذا وقف عليه أي منصف عرف أنه الحق إن شاء الله.

انتهى الدرس

ص: 430

قال شيخنا حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

• قال رحمه الله

والتشهد الأخير

التشهد الأخير ركن عند الحنابلة واستدلوا على ركنيته بحديث ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل السلام على ميكائيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا التحيات لله

واستدلوا أيضاً عليه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليه ولم يخل به وقال صلوا كما رأيتموني أصلي

وذهب الشافعية إلى أنه واجب

وذهب المالكية إلى أنه سنة

والصواب - إن شاء الله - مع الحنابلة لصراحة الأدلة التي استدلوا بها

• ثم قال رحمه الله

وجلسته

ص: 431

الجلسة للتشهد الأخير أيضاً ركن عند الحنابلة واستدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله فنص على القعود صلى الله عليه وسلم؟

واستدلوا أيضاً بأن التشهد الأخير ركن والجلوس هو محله فهو تابع له

وذهب المالكية إلى أن اركن هو الجزء الأخير من الجلوس من التشهد الأخير وهو الذي يوافق السلام فقط وما قبله سنة

والصواب أيضاً – إن شاء الله تعالى – ما قاله الحنابلة أن التشهد والجلوس له كلاهما ركن من أركان الصلاة

ثم قال رحمه الله

الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيه

يعني في التشهد الأخير

ذهب الحنابلة كما ترون إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة فلا تسقط سهواً ولا جهلاً وبطبيعة الحال ولا عمداً

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

وجه الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى إذا كان أمر بالصلاة فإن أحرى المواضع بالوجوب أن تكون داخل المروضة

واستدلوا أيضاً بالحديث الذي تقدم معنا من حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة أنهم قالوا للني صلى الله عليه وسلم قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا

وفي لفظ أمرنا بالصلاة عليك فكيف نصلي عليك؟

وذهب الشافعية إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وليست ركناً من أركان الصلاة وحملوا أحاديث الحنابلة على الوجوب لا على الركنية

وذهب المالكية إلى انها سنة واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء صلاته

والجواب على دليل المالكية أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علم المسيء ما أساء فيه فقط ولذلك ليس في الحديث أنه علمه التسليم والتسليم ركن

ويجب أن يُعْلَمَ هذا الجواب لأن المالكية والأحناف يستدلون بحديث المسيء في أشياء كثيرة مما سيأتي معنا في آخر هذا الباب

الخلاف في مسألة حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد قوي والأدلة فيها شيء من التقابل أي من حيث القوة

ص: 432

والأقرب والله أعلم مذهب الشافعية فهو وسط بين القولين ولعل الأحاديث تدل على الوجوب لا على الركنية

مسألة في القدر المجزيء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

على القول بأنها ركن فالقدر المجزيء منها أن يقول اللهم صل على محمد ولا يلزم أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية كاملة

وأيضاً على القول بالوجوب كذلك

والقول الثاني أنه يجب أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية بنصها كاملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمهم كيف يصلون علمهم الصلاة الإبراهيمية وقد سألوا عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم داخل الصلاة والراجح هو القول الأول أن المجزئ هو اللهم صل على محمد لأن هذا الذي يتوافق مع ظاهر القرآن لأنه قال صلوا عليه وسلموا تسليماً فأمر بمطلق الصلاة

ثم قال رحمه الله

والترتيب

أي ترتيب أفعال الصلاة ركن عند الأئمة الأربعة بل حكاه بعض العلماء إجماعاً أنه لم يختلف في أن الترتيب ركن من أركان الصلاة

واستدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم المسيء الصلاة كان يقول له ثم افعل كذا ثم افعل كذا وثم تقدم معنا أنها نص في الترتيب

واستدلوا أيضاً بدليل آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي مرتباً وقال صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يخل بالترتيب أبداً صلى الله عليه وسلم

إذاً لا إشكال من جهة الترتيب أنه ركن

• ثم قال رحمه الله

والتسليم

لم يبين المؤلف رحمه الله هل التسليم يقصد به التسليمتين؟ أو يقصد به تسليمة واحدة؟ وعبر بهذا التعبير العام

فنقول المذهب أن التسليمتين ركن لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم وأل في قوله التسليم للعهد الذهبي ويقصد به تسليمه صلى الله عليه وسلم وتقدم معنا أنه ثبت في حديث ابن مسعود وثبت في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وكان يسلم عن يساره وأنه كان يقول السلام عليكم ورحمة الله

ولذلك يقول الإمام أحمد ثبت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين لوضوح النصوص وكثرتها

والقول الثاني أن التسليمة الأولى ركن والثانية سنة

ص: 433

واستدلوا على هذا بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليمة واحدة

والصواب أنه لا يثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة واحدة إن ذهب بعض المعاصرين من علمائنا الأفاضل إلى تصحيحة لكن أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليمة واحدة

هذا الدليل الأول وعرفتم أنه ضعيف

الدليل الثاني صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسلمون مرة واحدة وهذا صحيح عنهم وجاء عن عدد من الصحابة

الدليل الثالث أنه حكي الإجماع على أن التسليمة الواحدة تجزيء وممن حكاه ابن المنذر رحمه الله

والأقرب والله أعلم القول الثاني وقد نصره ابن قدامة نصراً عظيماً وأكال في تقريره بل إنه مال إلى أنه لا يثبت عن الإمام أحمد إيجاب تسليمتين ولذلك ابن مفلح في الفروع حين كان سيرد الأركان قال والتسليمة الأولى هكذا قال

فالأقرب والله أعلم أن التسليمة الأولى تجزيء وأن الثانية ليست بركن وأنما سنة أولاً لأنه روي عن الصحابة وهذا يجعل الإنسان يتوقف عنده ثانياً أنه حكي الإجماع أن التسليمة الأولى تجزيء إذا انفردت

مسألة الخلاف السابق في الفروض أما النوافل وصلاة الجنازة فقد حكي الإجماع على إجزاء تسليمة واحدة فيها فلو أن الإنسان صلى أي نافلة مطلقة أو مقيدة معينة أو غير معينة وسلم تسليمة واحدة فإن هذه التسليمة تجزيء عنه وصلاته صحيحة

• ثم قال رحمه الله

وواجباتها التكبير غير التحريمة

يقصد بالتكبير هنا تكبيرات الانتقال من ركن إلى ركن فهذه التكبيرات عند الحنابلة واجبة

واستدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر وأمر بالتكبير وداوم عليه وقال صلوا كما رأيتموني أصلي

فمن أحاديث الأمر قوله صلى الله عليه وسلم فإذا كبر فكبروا فأمر بالتكبير صلى الله عليه وسلم

والقول الثاني أن التكبيرات سنة فإذا تركها ولو عمداً فلا شيء عليه

واستدلوا على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المسيء صلاته حين كان يعلمه

ص: 434

وعرفنا كيف نجيب على هذا الاستدلال لأصحاب هذا القول وهو أن نقول إنما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ما أساء فيه وقد ترك من الأركان أشياء كالتسليم

والقول بأن التكبيرات سنة هو مذهب الجمهور

والأقرب والله أعلم أنها واجبة

• ثم قال رحمه الله

والتسمع والتحميد وتسبيحتا الركوع والسجود وسؤال المغفرة مرة مرة

وهذه الخلاف فيها تماماً كالخلاف في تكبيرات الانتقال،

فالحنابلة يرون أنها واجبة لما تقدم من الأدلة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها وداوم عليها وقال صلوا كما رأيتموني أصلي والجمهور يرون أنها سنة لحديث المسيء

فالكلام في الحقيقة في أذكار الصلاة واحد التكبير والتسميع والتحميد والتسبيح وسؤال المغفرة هذه خمسة أذكار الخلاف فيها واحد بين لوجاهة استدل به الحنابلة

والتسميع فيه خلاف خاص بالنسبة للمأموم وهو خلاف خارج عن هنا فالخلاف هنا في الإمام والمنفرد

• ثم قال رحمه الله

ويسن ثلاثا

يعني يسن أن يستغفر ثلاث مرات والدليل أن حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول رب اغفر لي رب اغفر لي إشارة إلى أنه يكرر والمعهود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرر الذكر ثلاث مرات

فقالوا بناء على هذا التقرير أن السنة أن يقول رب اغفر لي ثلاث مرات

وهل يجب أن يستغفر بهذا الذكر بأن يقول رب اغفر لي أو يجوز أن يقول اللهم اغفر لي أو يقول غفرانك أو يستغفر بأي صيغة كانت؟

تقدم معنا الخلاف في هل تتعين صيغة سبحان رب العظيم أو لا تتعين هذه الصيغة؟ الخلاف هو نفسه هنا

ورجحنا هناك وذكرت لكم أنه يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية – أن هذه الصيغة لا تتعين فكذلك هنا نقول هذه الصيغة لا تتعين فإذا سبح أو استغفر بأي صيغة جاز وأتى بالواجب

• ثم قال رحمه الله

والتشهد الأول

وهو واجب عند الحنابلة وكذلك عند إسحاق والليث بن سعد من أئمة فقهاء الحديث واستدلوا على الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم قولوا التحيات لله

ص: 435

واستدلوا على أنها واجبة وليست بركن بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول جبره بسجود السهو ولو كان ركناً لم يجبره بالسجود وإنما لزم أن يأتي به

فصار الدليل على التشهد واجب مركب من هذين الدليلين أنه أمر به ولما تركه سجد له سجود السهو صلى الله عليه وسلم

القول الثاني أنه سنة وهو للجمهور ويستدلون على ذلك أيضاً بحديث المسيء

وتقدم معنا مناقشة الاستدلال بحديث المسيء على ترك الواجبات أو بعض الأركان

والصواب أيضاً إن شاء الله مع فقهاء الحديث أحمد وإسحاق والليث أن التشهد الأول واجب

• ثم قال رحمه الله

وجلسته

الخلاف في جلسة التشهد الأول كالخلاف في التشهد الأول

ثم قال رحمه الله

وما الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة

السنة لها تعريفات بثلاث اعتبارات

باعتبار اللغة وباعتبار الشرع وباعتبار الاصطلاح

فالسنة لغة الطريقة فسنة النبي صلى الله عليه وسلم يعني طريقته

والسنة شرعاً هي ما تلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير القرآن سواء كان على سبيل الإيجاب أو الندب

فيقال مثلاً الأصل الكتاب والسنة ويقصد بمثل هذه العبارة بكلمة والسنة أي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج عن القرآن

والسنة في الاصطلاح – وهو التعريف الثالث هي ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه

أي إن فعله المسلم فقد أحسن وإن تركه فلا يؤنب

• ثم قال رحمه الله

وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة

فكل ما مار معنا في صفة الصلاة مفصلة مما يخرج عما اعتبره المؤلف من الشرائط أو الأركان أو الواجبات فهو سنة

تبين من كلام المؤلف أن الخشوع سنة لأنه لم يذكر مع الشرائط ولا الأركان ولا الواجبات

والخشوع في لغة العرب هو الخضوع والتذلل

فقيل إن الخشوع متعلق بالجوارح والخضوع متعلق بالقلب

والخشوع في الحقيقة اصطلاحاً معروف إذا قيل لك ما هو الخشوع في الصلام فتعرف ما هو الخشوع في الصلاة لكن مع ذلك عرفوه ليقربوا معناه فقالوا هو حالة من سكون النفس تنطبع على الجوارح

وهذا التعريف أصعب من المفهوم المتبادر للذهن لكن هكذا عرفوه

ص: 436

وفهمنا من التعريف أن من زعم أنه خاشع وهو يعبث في الصلاة فإن زعمه ينافيه عبثه الظاهر منه من عمل الأركان

المهم أن الخشوع في الغالب ينطبع وينعكس على الجوارح بحيث لا يتحرك الإنسان في الصلاة إلا لحاجة

فالخشوع عند جميع أهل العلم سنة يعني مقدار أنه مستحب ومسنون هذا متفق على عند جميع الأئمة لقوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون

ولما نقل متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه من العناية الفائقة بالخشوع ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن

إذاً كون الخشوع مستحب وسنة هذا متفق عليه

وقال بعض الفقهاء بل هو واجب فإن تركه بطلت صلاته

والقول الأول عليه الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام وهو الأقرب

فمن صلى صلاة غلبت عليه الوساوس من أولها إلى آخرها صحت وأجزأت عن الفريضة وإن كان نقص ثوابه نقصاناً عظيماً ولا شك أنه خسر خسراناً كبيراً من حيث الأجر والثواب والصلاح ينتظره الإنسان من الصلاة

• ثم قال رحمه الله

فمن ترك شرطا لغير عذر بطلت

إذا ترك الإنسان أحد الشروط من غير عذر من الأعذار بطلت الصلاة

أما إن تركه لعذر فالصلاة صحيحة فإذا ترك الاستقبال لعذر كأن يكون مريضاً لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة أو ترك الطهارة بالماء وتيمم لكونه مريضاً فهنا ترك أحد الشرائط لكن لعذر فصلاته صحيحة

ويفهم من كلام المؤلف أن هذا عام في جميع الشروط أن من تركها بغير عذر بطلت

والصواب أن هذا يحتاج إلى تقسيم فنقوا الشروط تنقسم إلى قسمين

القسم الأول الشروط التي هي من باب المأمورات والمطلوبات كالوضوء فهذه لا تسقط بالجهل ولا بالنسيان

القسم الثاني الشروط التي هي من باب المنهيات والمحذورات كإزالة النجاسة فهذه تسقط جهلاً ونسياناً

وهذا التقسيم للشروط هو الصواب وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أظهر الروايتين عن أحمد

فإذا ترك المصلي شيئاً من الشروط التي هي من المحذورات جهلاً ونسياناً كأن يصلي وعلى ثوبه نجاسة وهو ناس لهذا النجاسة فصلاته صحيحة

ص: 437

أما إن صلى وقد ترك شيئاً من الشروط التي هي من باب المأمورات كأن يصلي وعليه جنابة ناسياً الاغتسال فصلاته غير صحيحة وعليه أن يعيد الصلاة

• ثم قال رحمه الله

غير النية فإنها لا تسقط بحال

النية لا تسقط بحال لا لعذر ولا لغير عذر لأنه لا يُعْجَزُ عنها يعني لا أحد يعجز عن النية حتى لو كان مريضاً أو مسافراً أو لأي عذر من الأعذار فإنه يستطيع أن يأتي بالنية فهي لهذا السبب لا تسقط بحال من الأحوال لا بعذر ولا بغير عذر

• ثم قال رحمه الله

أو تعمد المصلي ترك ركن أو واجب بطلت صلاته

بطلت الصلاة لأنه متلاعب بل يستحق - إذا كان هذا منه على سبيل الاستهزاء أو التلاعب - التعزير كما صرح الفقهاء بأن يؤدب على تركه الأركان والواجبات عمداً

بل صرح الفقهاء أن من صلى على غير طهارة عالماً فإنه يعزر من قبل القاضي لأنه متلاعب

ومعلوم أن هذا العمل ليس له حد معين في الشرع فيرجع فيه إلى التعزير

• ثم قال رحمه الله

بخلاف الباقي

الباقي هي السنن

ومراده بقوله بخلاف الباقي أنه لو ترك السنن عمداً فإنه تبقى صلاته صحيحة لأن الإتيان بالسنة ليس بواجب

• ثم قال رحمه الله

وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال

السنن تنقسم إلى قسمين

سنن أقوال

وسنن أفعال

قال بعض الفقهاء وهناك قسم ثالث وهي سنن الهيئات - هيئة المصلي

والتحقيق أن الهيئات ليس شيئاً مستقلاً برأسه بل سنن الهيئات مندرج في سنن الأفعال لأن الهيئة هي صورة الفعل فقول الفقهاء سنن الأفعال يغني عن إيجاد قسم ثالث وهو سنن الهيئات

ثم قال رحمه الله

ولا يشرع السجود لتركه وإن سجد فلا بأس

السجود لترك السنة عند الحنابلة لا يشرع أي ليس بواجب ولا مستحب بل جائز فيجوز أن يسجد إذا ترك سنة لكن لا يستحب ولا يجب

وعن الإمام أحمد في سجود السهو لترك السنن ثلاث روايات

الأولى أنه جائز ولا يشرع لا استحباباً ولا وجوباً

واستدل على هذا بأن سجود السهو زيادة في الصلاة فلا تشرع إلا بتوقيف

واستدلوا على أنها تجوز بأنها داخلة تحت العمومات كقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة لكل سهو سجدتان فقوله كل من ألفاظ العموم عند العلماء

ص: 438

واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سهوت فاسجد سجدتين

وحديث لكل سهو سجدتان ضعيف

وأما الحديث الثاني إذا سهوت فاسجد سجدتين فيبينه أول الحديث إذ فيه من زاد أو نقص فبين أن السجود يتعلق بالزيادة أو بالنقص

الرواية الثانية عن الإمام أحمد أن السجود لا يشرع أصلاً

واستدلوا بما استدل به الفريق الأول أن هذا عمل زائد في الصلاة ويحتاج إلى توقيف لمعرفة شرعيته وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مشروعية السجود لترك السنن

والرواية الثالثة عن الإمام أحمد أنه مشروع في الأقوال دون الأفعال

والأقرب والله أعلم المذهب أنه جائز

ما السبب؟ السبب في هذا أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه في أثر صحيح مطلقاً أنه سجد للسهو لترك السنن

ومن المعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبعد جداً أنهم لم يتركوا سنة من السنن سهواً ومع ذلك لم ينقل عنهم أبداً أنهم صلوا أو سجدوا لترك السنن

فهذا في الحقيقة دليل قوي للذين يقولون بأنه لا يشرع ولكنه جائز فقط بل هو في الحقيقة دليل قوي للرواية الثانية أنه لا يشرع مطلقاً لمن نقول ما دام فيه نصوص عامة وإن كان في إسنادها ضعف ما نستطيع أن يقول يحرم أن تسجد لسجود السهو وإن كان قولاً قوياً في الحقيقة

لكن نبقى مع المذهب لما تعضده من نصوص عامة

مسألة ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قيداً مهماً فقال إنما يجوز أن يسجد المسلم للسهو إذا ترك سنة لم تخطر على باله فإنه لا يحل له أن يسجد للسهو بتركها

وهذا تنبيه مهم جداً وقيد يبين المسألة ويدل على فقه الشيخ رحمه الله

فإذا كان الإنسان ليس من عادته أن يرفع إذا أراد أن يركع أو يسجد أو إذا قام من التشهد الأول

أو ليس من عادته أن يزيد في التسبيح الواجب إلى السنة

أو ليس من عادته يقيم ظهره الإقامة المسنونة

ثم أراد أن يسجد للسهو لتركه هذه السنن فنقول سجودك للسهو غير مشروع

ص: 439

إنما يشرع لمن كان معتاداً على الإتيان بالسنة ثم تركها نسياناً أو كان عازماً أثناء الدخول في الصلاة على الإتيان بهذه السنة ثم تركها سهواً حينئذٍ نقول السجود الآن لا يستحب ولا يجب ولكنه جائز فقط

انتهى الدرس،،،

ص: 440