الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب سجود السهو]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي بداية الفصل الثاني من الدورة المكثفة أرحب بجميع إخواني وأسأل الله لي ولهم الإخلاص والقبول وأن يرزقنا العلم الذي ننتفع به في الدنيا والآخرة.
وفي نهاية الفصل السابق يكون انتهى الربع الأول من الدورة وبدءنا بالربع الثاني وبنهايته ينتهي نصف الدورة.
وتوقفنا كما تعلمون عند باب سجود السهو.
ولكن قد تقدم معنا في باب صفة الصلاة الكلام على الفاتحة وكنت قد قلت للإخوان سنتحدث إن شاء الله عن حكم قراءة الفاتحة للمأموم إذا جاء موضعها.
وجاء الموضع ولكن نسينا أن نتحدث عن هذه المسألة ولذلك سنذكر الآن قبل الشروع في باب سجود السهو حكم قراءة الفاتحة للمأموم وما سنذكره الآن من شرح هذه المسألة يلحق بموضعه عند قول الماتن ((ثم يقرأ الفاتحة فإن قطعها بذكر أو سكوت
…
الخ)).
فأقول مستعيناً بالله:
اختلف أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة للمأموم على قولين:
القول الأول: أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة.
وإلى هذا القول ذهب الشافعي في الجديد والأوزاعي وأبو ثور واختاره من المحققين المتأخرين الشوكاني رحمه الله.
واستدلوا بعدة أدلة:
= (الدليل الأول) منها: استدلوا بقوله سبحانه وتعالى:} فاقرؤوا ما تيسر منه {.
وقرروا دليلهم:
- بأن قوله: ما تيسر. يقصد به: الفاتحة.
- وأن الآية عامة تشمل الإمام والمأموم والمنفرد.
والجواب على هذا الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يدل على أن المراد بهذه الآية الفاتحة.
والوجه الثاني: أنه على فرض أن المقصود بها الفاتحة فهي مخصوصة بالأدلة التي تخرج الصلاة الجهرية.
= والدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) قالها ثلاثاً.
قال أبو السائب لأبي هريرة فإني أكون خلف الإمام. فقال أبو هريرة رضي الله عنه اقرأ بها في نفسك يا فارسي فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) .. الحديث.
والجواب على هذا الدليل:
- أن المرفوع منه لا دليل فيه.
- وأما الموقوف فهو فتوى لأبي هريرة رضي الله عنه خالفه فيها عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
= الدليل الثالث: استدلوا: بحديث عبادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً صلاة الفجر فلما انتهى قال: (مالكم تقرأون خلف إمامكم) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
هذا الحديث هو أقوى دليل لأصحاب هذا القول وهو في الحقيقة مشكل جداً لأنه نص في المسألة.
والجواب عليه: أن هذا الحديث ضعيف وممن ضعفه من الأئمة أحمد وعلي بن المديني رحمهما الله.
وفي إسناده ابن إسحاق وفي إسناده اضطراب واختلاف كثير جداً مما يدل على عدم ضبط الرواة لهذا الحديث.
وظاهر صنيع الإمام البخاري في جزء القراءة تصحيح هذا الحديث - ليس نصاً.
لكن مع ذلك نقول: أن الأقرب ما ذهب إليه الإمام أحمد وابن المديني.
= الدليل الرابع - والأخير -: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
قالوا: هذا حديث عام يتناول المأموم والإمام والمنفرد.
والجواب عليه: أن هذا الحديث تخصصه الأدلة الأخرى التي ذكرها أصحاب القول الثاني.
القول الثاني: أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في السرية ولا يجب عليه أن يقرأ في الجهرية.
وهذا مذهب مالك والشافعي في القديم وأحمد ومحمد بن الحسن - من أصحاب الإمام أبي حنيفة -.
قال شيخ الاسلام رحمه الله: بل هو مذهب أكثر السلف.
واستدلوا بأدلة:
=الدليل الأول: قوله تعالى:} وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا {قال الإمام أحمد: هي في الصلاة إجماعاً.
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى أمر المصلي أن يستمع إلى قراءة الإمام فهو سينشغل بالاستماع ولن يستطيع أن يقرأ.
=الدليل الثاني: ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا).
وفي قوله: وإذا قرأ فأنصتوا خلاف طويل ومتشعب:
- فمن الحفاظ من يرى أن هذه اللفظة وإن كانت في مسلم أنها غير محفوظة.
- ومنهم من يصححها وعلى رأسهم الإمام مسلم.
=الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة).
فإن قيل: أن الإمام البخاري أعل هذا الحديث بالإرسال.
فالجواب: أن حكم البخاري على الحديث بالإرسال حكم صحيح فهو حديث مرسل ضعيف لكن الاحتجاج به صحيح.
وجه ذلك: أن هذا المرسل عضد بأشياء:
الأول منها: أنه يتوافق مع ظاهر القرآن.
والثاني: أن مرسله من كبار التابعين.
الثالث: أنه أفتى به جمهور السلف.
والحديث المرسل إذا عضد بهذه الأشياء صار حجة باتفاق الأئمة الأربعة وهذا الحديث من هذا الباب.
=الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهرية فما انتهى قال: (هل قرأ أحد منكم معي) قالوا: نعم يارسول الله. قال: (فإني أقول مالي أنازع القرآن) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر به.
وهذا الحديث نص في المسألة لأنه يقول انتهى الناس عن القراءة معه صلى الله عليه وسلم فيما جهر به.
فإن قيل: إن الإمام البخاري أعل هذا الحديث بأن قوله في آخر الناس: (فانتهى الناس) من كلام الزهري وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: أن ما أعل به البخاري هذا الحديث صحيح فهذه اللفظة موقوفة على الزهري لكن مع ذلك هو حجة.
السبب: أن هذا الكلام على فرض أنه صدر عن الزهري فإن الزهري أحفظ السلف وأعلمهم بالسنة فإذا كان يجزم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهوا عن القراءة فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو يجزم بعلم علمه وذلك باعتبار أنه أعلم الناس بالسنة.
=الدليل الخامس: أن قراءة الفاتحة لو كانت واجبة على المأموم - في الجهرية - للزم من ذلك أحد أمرين:
- إما أن يقرأ المأموم مع الإمام في وقت واحد.
- أو يجب على الإمام أن يسكت ليقرأ المأموم.
وهذا كله غير صحيح فقد أجمع أهل العلم على أن الإمام لا يجب عليه أن يسكت ليقرأ المأموم.
وأيضاً استفاضة السنة بالنهي عن أن يقرأ المأموم أثناء قراءة الإمام.
= الدليل السادس - الأخير -: أن الله سبحانه وتعالى إنما شرع أن يجهر الإمام بالقراءة ليستمع إليه المأموم فلو أمرنا المأموم بأن يقرأ لكان الشارع أمر الإمام أن يجهر لمن لا يستمع إليه.
وهذا - كما قال شيخ الاسلام - سفه تنزه عنه الشريعة.
الراجح: والأقرب فيما يظهر لي في هذه المسألة والله أعلم بالصواب القول الثاني بل أنا مطمأن جداً لقوة القول الثاني.
وفي ختام الكلام على هذه المسألة يجب أن يعلم أخواني جميعاً أنها مسألة مهمة جداً وأنها مسألة يترتب عليها صحة أو بطلان صلاة المأموم.
ولأهمية المسألة أفردت بكتب من المعاصرين ومن السلف حتى إن الإمام البخاري أفرد هذه المسألة بكتاب وكذلك الإمام البيهقي وأما المتأخرون فأفردوها بكتب كثيرة.
ولأهميتها وشدة الحاجة إليها ذكرت فيها نوع تفصيل ولأن كثيراً من المأمومين يبتلى بهذه المسألة حيث أن عامة المسلمين هم مأمومون وليسوا أئمة.
فالراجح فيها: أن المأموم لا يجب عليه في الجهرية أن يقرأ.
ونحن نلاحظ أن المأمومين الذين يقرأون خلف الإمام إذا قرأ الإمام سورة قصيرة صار يقرأ هو والإمام في وقت واحد ولا يستمع لما يقرأ الإمام مطلقاً ويشوش على من بجانبه لأنه لا يستطيع أن يقرأ سراً بسبب جهر الإمام فيرفع صوته حتى يستطيع أن يقرأ فيحصل تشويش.
وهذه هي المنازعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك ننتقل إلى باب سجود السهو.
• قال رحمه الله:
باب سجود السهو.
السهو في لغة العرب: هو الذهول وغفلة القلب. أي: الذهول عن شيء معلوم مسبقاً ولا يسمى المجهول من الأصل منسياً وإنما النسيان يتعلق بشيء معلوم سابق.
وأما - السهو - في الاصطلاح: فهو النسيان في الصلاة خاصة.
والسهو في الصلاة ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: سهو مذموم. وهو: السهو عن الصلاة لقوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} فقال: عن صلاتهم.
القسم الثاني: سهو غير مذموم. وهو: السهو في الصلاة فهذا لا يذم. وهذا القسم وقع من النبي صلى الله عليه وسلم.
والسهو الذي يقع في الصلاة لا يذم من المسلمين وأما من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من القسم المحمود لأنه إذا سهى صلى الله عليه وسلم صار ذلك سبباً في بيان الشريعة وأحكام الصلاة.
• قال رحمه الله تعالى.
يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد.
قوله: ((يشرع)). سجود السهو مشروع بإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يخالف أحد من العلماء في أن سجود السهو مشروع.
وتقدم معنا أن قول الفقهاء مشروع يحتمل أن يكون الشيء مشروعاً على سبيل الوجوب أو الاستحباب ولا يتعين أحد الحكمين.
وفي باب سجود السهو خمسة أحاديث. يقول الإمام أحمد: نحفظ فيه خمسة أشياء. يعني خمسة أحاديث.
وعلى هذه الخمسة مدار أحكام باب سجود السهو.
الحديث الأول والثاني لابن مسعود والثالث لأبي هريرة والرابع لأبي سعيد الخدري والخامس لابن بحينة رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الباب أحاديث أخرى لكن كما قال الإمام أحمد أن العمدة في هذا الباب على هذه الأحاديث.
وإذا عرفنا أن سجود السهو مشروع في الجملة فبقي أن نعرف حكمه بالتفصيل:
اختلف فيه الفقهاء على أقوال:
القول الأول: أن سجود السهو واجب. سواء كان قبل السلام أو بعده. وهو مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن سجود السهو واجب إذا كان موقعه قبل السلام. والدليل أنه إذا كان قبل السلام صار من الصلاة فهو واجب.
والقول الثالث: أن سجود السهو سنة دائماً. وهو ما ذهب إليه الأمام الشافعي.
والأقرب للصواب والله أعلم القول الأول - أنه واجب - لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين).
والأصل في الأمر أنه للوجوب.
وسجود السهو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله رحمه الله: يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد.
أي: أن سجود السهو يشرع إذا زاد الإنسان في صلاته أو نقص منها أو شك فيها بشرط أن يقع ذلك على وجه السهو. وهذا معنى قوله: لافي عمد.
أما إذا وقعت هذه الزيادة أو النقص أو الشك على سبيل العمد فإنه لا يشرع له أن يسجد للسهو ولا يقبل منه أن يسجد للسهو.
إذاً قوله: يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد عرفنا منه أن سجود السهو إنما يشرع في ثلاث مواضع في الزيادة والنقص والشك بشرط أن يقع ذلك على سبيل السهو.
الدليل على تقييده بالسهو:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) فعلق وجوب السجود بالنسيان.
الدليل الثاني: أن المتعمد متلاعب ولا ينفعه سجوده للسهو في شيء.
وعرفنا من هذه العبارة - يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد - متى يشرع سجود السهو على وجه الإجمال.
• قال رحمه الله:
في الفرض والنافلة.
يعني: أن سجود السهو مشروع في الفرض والنافلة.
والدليل على ذلك: أن نصوص السهو عامة لم تخصص الفريضة ولا النافلة وإنما عمت جميع أنواع الصلوات.
لما قرر المؤلف رحمه الله أن سجود السهو يشرع في هذه الأحوال بدأ بتفصيل هذه الأحوال
- أي التفصيل في الزيادة والنقص والشك - وذلك في قوله: فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة.
وسيبدأ بالزيادة.
والزيادة تنقسم إلى قسمين: - وهذا التقسيم تقسيم كلي ليتصور الإنسان الأحكام وستأتي في ثنايا كلام المؤلف مفصلة.
القسم الأول: زيادة في الأفعال.
القسم الثاني: زيادة في الأقوال.
وأيضاً الزيادة في الأفعال تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الزيادة التي هي من جنس الصلاة.
القسم الثاني: الزيادة من غير جنس الصلاة.
مثال الزيادة في الأفعال التي من جنس الصلاة: أن يزيد ركعة. أو سجدة.
مثال الزيادة في الأفعال التي ليست من جنس الصلاة: أن يأكل أو يشرب أو يعبث بثيابه أو يحمل صبياًَ أو يفتح باباً.
بدأ المؤلف رحمه الله بالقسم الأول: الزيادة التي من جنس الصلاة.
• فقال رحمه الله تعالى:
فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة، قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً: بطلت، وسهواً: يسجد له.
إذا زاد المصلي في صلاته أفعالاً هي من جنس الصلاة عمداً بطلت الصلاة عند الحنابلة. بل بطلت بإجماع الفقهاء. لدليلين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
الثاني: أن هذا المصلي متلاعب. ومن تلاعب بأحكام الله بطل عمله. بل إن الاستهزاء بآيات الله لا يبطل العمل الخاص وإنما يبطل أصل الإسلام وهذا يدلنا على خطورة التلاعب بآيات وأحكام الله.
قوله رحمه الله: وسهواً. يسجد له.
أي إذا زاد فعلاً من جنس الصلاة سهواً فإنه يسجد له.
الدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فسجد سجدتين بعدما سلم.
ففي هذا الحديث الصحيح والمتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما زاد عملاً من جنس الصلاة سجد له ولم يبطل صلاته أو يستأنفها.
• ثم قال رحمه الله: - والحديث ما زال في الزيادة المتعلقة بالأفعال.
وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها: سجد.
مثال زيادة الركعة: كأن يصلي خامسة في رباعية أو رابعة في ثلاثية أو ثالثة في ثنائية ولا يوجد مثال آخر لزيادة ركعة. فهذه الأمثلة لا مزيد عليها.
- فإذا زاد الإنسان ركعة ولم يعلم أنه زاد هذه الركعة ولم ينبه المأمومون حتى انتهى من هذه الركعة فإنه يسجد بعد السلام سجدتين لأنه زاد في الصلاة عملاً فوجب عليه سجود السهو.
• ثم قال رحمه الله:
وإن علم فيها: جلس في الحال.
المقصود بقوله: فيها. أي في الركعة.
جلس في الحال: لكن يجب أن نعلم أن لهذا الجلوس حكمان:
الأول: يجلس بلا تكبير. ونص الإمام أحمد على هذا فقال رحمه الله: يجلس بلا تكبير.
الثاني: أن هذا الجلوس على سبيل الوجوب. ودليله: أنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمداً ومن زاد في الصلاة عمداًُ فقد تقدم معنا أن صلاته باطله. والعمل الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة محرم.
فإذاً عرفنا الآنة أنه إذا زاد ركعة ثم علم في أثناء هذه الزيادة فحكمه أنه يجلس بلا تكبير وهذا الجلوس على سبيل الوجوب.
أما أنه على سبيل الوجوب فعرفنا دليله.
أما أنه يجلس بلا تكبير فلأن هذا رجوع للصواب ولو كبر لزاد تكبيرة في الصلاة. وهذا يخالف ما عليه عامة المصلين اليوم فإنه إذا نبه وهو قائم جلس مع التكبير وهذا خطأ. لكن إذا فعله جهلاً فلا شيء عليه.
• قال رحمه الله:
فتشهد إن لم يكن تشهد.
إذا علم بزيادة الركعة وجلس في الحال فهو على قسمين:
1 -
إما أن يكون تشهد فيما سبق. فإن كان تشهد فإنه لا يعيد التشهد. لماذا؟ لأن هذا التشهد وقع في مكانه الصحيح فاعتد به فلا حاجة لإعادته. فمثلاً: لو جلس الإمام في الرابعة في صلاة العصر وقرأ التشهد ثم نسي وقام ثم نبه فماذا يصنع في هذه الحالة؟
الجواب: أن يجلس بلا تكبير وهذا واجب ولا يعيد التشهد لأن التشهد الذي ذكره صحيح وقد وقع موقعه.
2 -
وإن لم يكن تشهد. فإنه يتشهد.
والغالب في الزيادات أن لا يكون المصلي تشهد لأنه ينسى ويظن أنه في الثالثة فيقوم بلا تشهد.
وعلى كل حال إن كان تشهد فإنه لا يعيد وإن كان لم يتشهد فإنه يتشهد.
وعليه أمر آخر وهو أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن صلى لأنه تقدم معنا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة.
• ثم قال رحمه الله تعالى:
وسجد وسلم.
أفاد المؤلف أن السجود للزيادة يكون قبل السلام.
وهذا مذهب الحنابلة. بل الحنابلة يرون أن جميع سجود السهو بكل أنواعه يكون قبل السلام إلا في صورة واحدة وهي: إذا سلم قبل إتمام الصلاة. وأما في جميع الصور فإن السجود يكون قبل السلام.
وتنبه إلى أن الحديث الآن عن الزيادة فيجب أن تستحضر هذا حتى ننتهي من الكلام على مسائل الزيادة.
القول الثاني: أن السجود في هذه الصورة يكون بعد السلام. وهذا القول اختاره من المحققين شيخ الاسلام بن تيمية. ودليله ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (لما زاد خامسة في الظهر سجد بعدما سلم).
ففي هذه الصورة صار سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام لما كان السهو على سبيل الزيادة.
فما ذكره المؤلف مرجوح ومخالف للحديث الصحيح.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه: بطلت صلاته.
قوله: وإن سبح به: تقدم معنا أن الشارع الحكيم شرع طرقاً لتنبيه الإمام:
فبالنسبة للرجال: التسبيح.
وبالنسبة للنساء: التصفيق.
فقوله: وإن سبح به. يعني لتنبيهه. والمؤلف هنا ذكر التسبيح وغيره كما في الفروع لابن مفلح قال: وإن نبهه. والتعبير بالتنبيه أحسن من التعبير بالتسبيح. لماذا؟ ليشمل الجميع.
قال: ثقتان. الثقة هو العدل الضابط.
وفهمنا من قول المؤلف رحمه الله: وإن سبح به ثقتان. عدة مسائل:
المسألة الأولى: أنه إذا سبح به فاسقان فلا يلزمه الرجوع.
المسألة الثانية: أنه إذا سبح به ثقة واحد فلا يلزمه الرجوع أيضاً.
والدليل على هذه المسائل:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سهى وذطره ذو اليدين لم يرجع إلى كلامه حتى نبهه أبو بكر وعمر فرجع إلى كلام ثقتين. فدل هذا على أنه لا يجب على الإمام أن يرجع إذا كان المسبح واحداً أو فاسقاً.
لكن مع ذلك يجوز للإمام أن يرجع إلى قول الثقة الواحد - نحن نقول يجوز ولانقول يجب عليه - إذا غلب على ظنه أنه صادق.
واختار هذا القول - وهو جواز الرجوع إلى تنبيه الرجل الواحد - ابن الجوزي رحمه الله.
فإذا كان الإنسان يصلي خلفه رجل يعلم أنه يضبط صلاته ولا يسهى كثيراً ونبهه وغلب على ظنه صدق هذا المنبه فجاز له الرجوع ولا حرج عليه.
• يقول رحمه الله:
أصر ولم يجزم بصواب نفسه: بطلت صلاته.
إذا سبح به ثقتان ولم يجزم بصواب نفسه ولم يرجع فإن صلاته باطله لأمرين:
الأول: أنه ترك واجباً من واجبات الصلاة عمداً وهذا الواجب هو وجوب الرجوع إلى تسبيح الثقتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى تسبيح الثقتين وإن كان في باديء الأمر يظن أنه لم يسه.
الثاني: أنه زاد في الصلاة عمداً.
ويجب أن تستحضر وأنت تسمع حكم هذه المسألة أن هذا الإمام لم يبرجع إلى تنبيه الثقتين مع أنه لم يجزم بصواب نفسه. فإذا كنت لم تجزم بصواب نفسك فلماذا لم ترجع إلى تنبيه الثقتين.
وهذه المسألة: مسألة التنبيه والرجوع لها أربع صور:
الصورة الأولى: أن يجزم بصواب الثقتين أو يغلب على ظنه ذلك ..
الصورة الثانية: أن يغلب على ظنه خطأ الثقتين.
الصورة الثالثة: أن يستوي الأمران.
الصورة الرابعة: أن يجزم بصواب نفسه ،
ففي الصور الثلاث الأولى فيجب عليه أن يرجع إلى قولب الثقتين وجوباً. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وفي الصورة الرابعة. فإنه لا يجب على الرجوع إلى قول الثقتين بل لا يجوز أن يرجع إلى قول الثقتين وهو يجزم بصواب نفسه.
الدليل: الأول: أن اليقين مقدم على الظن وهة الآن متيقن لصحة نفسه ويظن صحة قول الثقتين.
الثاني: أنه لو رجع لرجع إلى ما يجزم أنه خطأ. .
إذاً هذه الصور الأربع تشمل جميع أنواع تبيهات المأمومين للإمام.
ولما انتهى رحمه الله من الكلام عن الإمام رجع إلى المأمومين:
• قال رحمه الله:
وصلاة من تبعه عالماً.
أي أن المأمومين إذا علموا أن الإمام زاد في صلاته فإنهم إن تابعوه في هذه الزيادة مع علمهم بأنها زيادة فتبطل صلاتهم أيضاً. لأنهم زادوا في صلاتهم عمداً وتقدم معنا أن الزيادة في الصلاة عمداً تبطل الصلاة. فالواجب على المأمومين أن لا يتابعوه.
وإذا لم يتابعوه فليس لهم إلا أحد أمرين:
- إما الانفصال الكامل. فينفصل المأموم ويتم تشهده ويسلم.
- أن لا يتابعوه بالقيام ولكن أيضاً لا يسلموا ويتركوا الصلاة وإنما ينتظروه إلى أن يرجع ثم يسلموا معه. واختلف الفقهاء: هل انتظارهم للإمام واجب أو مستحب؟
على قولين في مذهب الإمام أحمد:
فبعضهم قال: واجب.
وبعضهم قال: مستحب.
والصواب في هذا الخلاف أنه يستحب فقط استحباباً أن ينتظروا الإمام ليسلموا معه ولو أكملوا التشهد وسلموا لجاز لهم ذلك لكن المستحب أن ينتظروا الإمام ليحصل الإجتماع والألفة.
والقول بالاستحباب هو اختيار شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله.
وبهذا عرفنا حكم المأمومين إذا عرفوا أن الإمام زاد وتركوه أو تابعوه إذا كان ذلك على سبيل العلم.
ثم انتقل المؤلف إلى ما إذا كان على سبيل الجهل.
• فقال رحمه الله:
لا جاهلاً وناسياً ولا من فارقه.
إذا تابعوه نسياناً أو جهلاً فإن صلاتهم صحيحة ولا أظن في هذا خلاف لم أقف على أحد حكى إجماعا لكن لا أظن أن في هذا خلاف لماذا؟ لأن الصحابة تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة حين زاد وحين نقص ولم تبطل صلاتهم. لماذا؟ لأنهم في حكم الجاهل.
قوله: ولا من فارقه. لو قيل لك الآن: ما حكم المفارقة؟
فالجواب: أن الفقهاء يقصدون بالمفارقة عدم متابعة الإمام على الزيادة ولا يقصد بالمفارقة هنا أن يسلم قبله أو ينتظره.
إن كان المأموم عالماًَ بالزيادة فالمفارقة: واجبة.
وإن كان المأموم جاهلاً أو ناسياً فالمفارقة: لا تجب.
إذاً في ثلاثة أحوال لا تبطل صلاة المأموم إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو إذا فارقه. سواء فارقه وسلم أو فارقه وانتظر إلى أن يسلم مع إمامه في الصورتين صلاته صحيحه.
الخلاصة: أن المأموم إذا علم بزيادة الإمام فإن تابعه بطلت صلاته.
وأما إن علم بزيادة الإمام ولكن جهل الحكم أو نسي أو فارقه فصلاته صحيحة.
ثم انتقل المؤلف إلى شيء آخر. وانتهى الكلام عن الزيادة الموجبة للسجود.
• قال رحمه الله:
وعمل مستكثر عادة. من غير جنس الصلاة: يبطلها عمده وسهوه
بدأ المؤلف بالقسم الثاني من أقسام زيادة الأفعال وهو: الأهمال التي تكون من غير جنس الصلاة.
قوله: وعمل مستكثر: في باب ما يكره عمله في الصلاة - باب مكروهات الصلاة ذكر المؤلف كثيراً من الأحكام التي أعادها هنا فمن ذلك:
العمل: فقد تقدم معنا أن العمل إما أن يكون كثيراً أو يكون قليلاً. وأن التفريق بين العمل الكثير والعمل القليل محل إجماع وأن الخلاف في تعريف الكثير أو في حد الكثير.
ففيه أقوال: القول الذي ذهب إليه الحنابلة - ومشى عليه المؤلف ورجحته في باب مكروهات الصلاة أن الضابط في هذا: العرف وأن هناك ضابطاً يسهل معرفة الكثير والقليل وهو: فعل النبي صلى الله عليه وسلم فكونه صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامه ويضعها. وكونه يصلي على المنبر. ويفتح الباب ويخلع النعال. فهذه الأعمال جنسها يعتبر قليل. وما هو أكثر من هذه الأعمال فيعتبر كثيراً.
وقوله: يبطلها عمده: إذا عمل المصلي عملاً كثيراً من غير جنس الصلاة عمداً بطلت صلاته.
الدليل:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ثانياً: أن من يعمل عملاً كثيراً عمداً من غير جنس الصلاة فهو متلاعب في الصلاة ومن تلاعب في صلاته فتبطل إذا كان عمداً.
عرفنا من هذا أن العمل إذا كان قليلاً ولو عمداً فإنه لا يبطل الصلاة.
وأما إذا كان العمل كثيراً وسهواً فهو يبطل الصلاة: ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: وسهوه.
فحتى لو عمل عملاً كثيراً على سبيل السهو فإن صلاته تبطل عند الحنابلة. وهذا خطير لكثرة وقوعه بين الناس.
دليل الحنابلة: قالوا: أن هذا العمل الكثير ولو كان سهواً فإنه يمنع الموالاة بين الأركان. فهو بهذا شبيه بالعمد فيقاس عليه.
انتهى الدرس،،،
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بقي لنا مسألتان من درس الأمس:
المسألة الأولى: حكم المسبوق إذا أدرك الإمام في الزائدة:
اختلف الفقهاء في حكمه على أقوال:
= القول الأول: أنه لا يعتد بهذه الركعة: - لأنه لو علم الحال لوجب عليه أن لا يتابع.
ولأنها ركعة زائدة ليس عليها أمر الله ولا رسوله.
= والقول الثاني: أنه يعتد بهذه الركعة - الزائدة -. وهو قول عند الحنابلة.
واستدلوا على ذلك: بأنه لو لم يعتد بهذه الركعة لصلى خمساً عمداً.
= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد. التوقف في هذه المسألة. رواها عنه أبو الحارث.
وتقدم معنا أن توقف الإمام أحمد علامة على وجود إشكال في المسألة ولتعارض الأدلة.
والأقرب - والأحوط في نفس الوقت - أن لا يعتد بهذه الركعة. لأنها ركعة زائدة ليست على وفق الشرع.
المسألة الثانية: تتعلق بقول الماتن: (وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه).
فقد تقدم معنا أن العمل الكثير يبطل الصلاة إذا كان عمداً بالإجماع. ثم ذكرنا أيضاً أنه يبطل الصلاة عند الحنابلة وإن كان سهواً وهذا هو معنى قول الماتن: (وسهوه).
وذكرت أن دليلهم هو: أن هذا العمل يقطع الموالاة بين الأركان.
= والقول الثاني: في هذه المسألة حيث لم نذكره بالأمس - أن الصلاة لا تبطل بالسهو ولو كثر العمل. اختار هذه القول من المحققين المجد بن تيمية.
واستدلوا:
1 -
بقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} .
2 -
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه لما نسي قام ثم جلس وشبك أصابعه ودخل منزله وهذه أعمال كثيره ومع ذلك لم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.
فدل هذا على أن العمل الكثير إذا وقع سهواً ولو اتصل فإنه .... وهذا القول الذي اختاره المجد هو الصواب.
• ثم قال رحمه الله:
ولا يشرع ليسيره سجود.
يعني لا يشرع ليسير العمل الذي من غير جنس الصلاة سجود سهو ولو وقع سهواً. لدليلين:
الأول: أنه لم يرد في الشرع سجود سهو للأفعال الزائدة من غير جنس الصلاة.
الثاني: أن الأعمال التي ليست من جنس الصلاة لاتكاد تخلوا منها الصلاة ويصعب أو يتعذر التحرز منها ولو وجب فيها سجود سهو لأوشك الإنسان أن يسجد للسهو في كل صلاة.
• ثم قال رحمه الله:
ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً.
أفاد المؤلف أن الإنسان لو أكل أو شرب سهواً وكان هذا الأكل والشرب يسير فإن الصلاة صحيحة مادام هذا الأكل والشرب سهواً.
والدليل على هذا: العمومات التي ترفع الحرج عن الناسي.
مسألة: هل يشرع أن يسجد للسهو إذا أكل أوشرب ناسياً؟
الجواب: فيه خلاف:
= القول الأول: المذهب: أنه لا يشرع. لأنه هذا الأكل أو الشرب من جنس الأعمال التي من غير جنس الصلاة وتقدم معنا أنه لا يشرع لها سجود سهواً إذا كانت قد وقعت سهواً.
= القول الثاني: ذكره ابن قدامة في كتابه الكافي أنه: يسجد للسهو.
والأقرب أن سجود سهو فيه.
وقوله: ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً: دل على أن:
1 -
الأكل والشرب عمداً يبطل الصلاة.
2 -
ودل على مسألة أخرى وهي أهم - أن الأكل والشرب الكثير إذا كان نسياناً أو عمداً فإنه يبطل الصلاة. وهذا مذهب الحنابلة.
= والقول الثاني: أن الأكل والشرب ولو كان كثيراً فمادام أنه وقع سهواً ونسياناً فإنه لا يبطل الصلاة. أخذاً بعمومات رفع الحرج.
• ثم قال رحمه الله:
ولا نفل بيسير شرب عمداً.
= عند الحنابلة: أن المصلي إذا شرب شيئاً يسيراً من الماء في النفل عمداً فإن صلاته صحيحة.
بهذه الضوابط: الأول: أن يكون في النفل.
والثاني: أن يكون شرب.
والثالث: أن يكون يسيراً.
استدلوا على هذا بأمرين:
الأول: أنه روي عن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير أنهما كانا يشربان شرباً يسيراً في النفل.
الثاني: أن الشارع متشوف ويحب تطويل النفل. وإذا أطال الإنسان الفنل احتاج مع ذلك إلى ما يسد رمقه من العطش بشربة يسيرة.
والنفل يتساهل فيه بدليل: جواز الصلاة قاعداً وعلى الراحلة في النافلة.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يشرب الإنسان في النفل ولو يسيراً مادام عمداً.
- لأن الأصل أن الأكل والشرب عمداً في الصلاة يبطلها.
- وليس في النصوص الشرعية الثابتة ما يدل على الاستثناء.
- وأما الآثار التي وردت عن ابن الزبير وسعيد بن جبير مع جلالة قدرهما وعلى صحتها فإنها لا تكفي.
وهذا هو الصواب: أنه لا يجوز أن يشرب ولو يسيراً في النفل.
ونأخذ من قول المؤلف: ولا نفل بيسير شرب عمداً: عدة مسائل:
المسألة الأولى: أنه لا يجوز يسير الأكل. لأنه خص الشرب. وفي مسألة: يسير الأكل خلاف: وإذا كان الراجح في الشرب عدم الجواز مع أنه أهون من الأكل فمن باب أولى عدم جواز الأكل.
المسألة الثانية: أنه لا يجوز يسير الأكل والشرب في الفريضة.
المسألة الثالثة: أن الأكل والشرب عمداً ولو كان يسيراً فإنه يبطل الصلاة الفريضة.
بهذا القدر انتهى المؤلف من الكلام على زيادة الأعمال وانتقل إلى زيادة الأقوال.
وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءَة في سجود وقعود، وتشهد في قيام، وقراءَة سورة في الأخيرتين: لم تبطل.
• قال رحمه الله:
وإن أتى بقول مشروع.
هذا هو القسم الثاني من الزيادات وهي زيادة الأقوال. وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: زيادة أقوال تبطل الصلاة بعمدها. ككلام الآدميين. أو السلام.
القسم الثاني: زيادة أقوال لا تبطل الصلاة بعمدها. وهي المقصودة في قوله: وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه.
واستفدنا من قوله: بقول مشروع:
- أنه إذا أتى بقول غير مشروع فله حكم آخر.
- وأن التفصيل الآتي يتعلق بالقول المشروع وسيأتي الكلام عنه.
لكن نبين هنا حكم القول الغير مشروع: إذا أتى المصلي بذكر غير مشروع. يعني: لم يأت منصوصاً في السنة. فإن صلاته صحيحة ولا يجب عليه سجود سهو. لما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: الحمد لله حمداً كثيرً طيباً مباركاً. فأقره ولم يأمره بسجود السهو.
وهذا الحديث في البخاري وزاد أبو داود كما يحب ربنا ويرضى. وهذه الزيادة لا تؤثر في الحكم.
المقصود: أن هذا المصلي الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بذكر غير مشروع يعني ليس وارداً في السنة لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد للسهو ولم يبطل صلاته بذلك.
• قال رحمه الله:
وإن أتى بقول مشروع. في غير موضعه كقراءَة في سجود وقعود، وتشهد في قيام، وقراءَة سورة في الأخيرتين: لم تبطل.
هذا هو الحكم.
الحكم الأول: أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه كما مثل المؤلف: كأن يقرأ في السجود أو يتشهد في القيام فإنه صلاته صحيحة. وهذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على هذا: بأنه قول مشروع في الجملة فلم يبطل الصلاة.
= والقول الثاني: وهو قول عند الحنابلة. أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه فإن الصلاة تبطل مطلقاً.
ويجب أن تتنبه إلى أمر مهم جداً وهو أننا نتكلم عمن أتى بقول مشروع في غير موضعه عمداً أما سهواً فلا إشكال في عدم بطلان الصلاة.
= والقول الثالث: أن الصلاة تبطل في صورة واحدة: هي إذا كان هذا القول المشروع قراءة في سجود أو في ركوع لأنه منهي عنه بذاته فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن الرجل راكعاً أو ساجداً. واختاره ابن الجوزي وابن حامد من فقهاء الحنابلة.
ينبني على هذه المسألة - هل تبطل صلاته أو لا تبطل - مسألة أخرى سيذكرها المؤلف وهي: هل يسجد للسهو أو لا يسجد؟ نترك هذه المسألة إلى أن يذكرها المؤلف.
ونبقى الآن في الراجح: فما هو الراجح؟
عامة الحنابلة على أن صلاته لا تبطل. لكن فيما يظهر لي أن الإنسان إذا قرأ التشهد قائماً متعمداً أن صلاته تبطل. لأن هذا لايخلو من شيء من التلاعب وإن كان عامة أهل العلم على عدم البطلان. بخلاف من قرأ القرآن ساجداً فقد يقرأ الإنسان القرآن ساجداً ليتأمل في آية أو لأي غرض من الأغراض. أي: أنه يتصور من غير المتلاعب.
الخلاصة: أن الراجح: أنه إذا فعله مع العلم عمداً فتبطل صلاته.
• قال رحمه الله:
ولم يجب له سجود بل يشرع.
لو أن المؤلف قال لم يجب لسهوه سجود لكان أفضل لأن هذا هو المقصود فالمقصود: لم يجب لسهوه سجود بل يشرع.
ذكر المؤلف فيمن ذكر قولاً مشروعاً في غير موضعه حكمين:
الأول: أنه لا يجب أن يسجد للسهو. لماذا؟ لأن قاعدة الحنابلة: أن كل عمل عمده لا يبطل الصلاة فلا يجب في سهوه سجود.
الثاني: أنه مشروع. لا يجب ولكنه مع ذلك مشروع. والدليل على مشروعيته عموم حديث ابن عباس السابق: (من نسي في صلاته فليسجد سجدتين).
والراجح: أنه يجب فيه سجود السهو. لماذا؟ لأنا رجحنا في المسألة السابقة أن عمد هذه المسألة يبطل الصلاة.
فإذا رجحت أن من أتى بذكر مشروع في غير موضعه عمداً تبطل صلاته انبنا على هذا وجوب سجود السهو.
وإذا رجحت أن هذا العمل لا يبطل الصلاة انبنا على هذا أن سجود السهو مشروع وليس بواجب.
• قال رحمه الله:
وإن سلم قبل إتمامها عمداً: بطلت.
وهذا بإجماع الفقهاء. لأمرين:
أولاً: لأنه تكلم في الصلاة بكلام أجنبي عمداً. وهو السلام.
ثانياً: أنه بسلامه من الصلاة قبل إتمامها ترك ركناً أو واجباً عمداً وتقدم معنا أن ترك الأركان والواجبات عمداً يبطل الاصلاة.
ولا إشكال أن من سلم قبل إتمام صلاته عمداً عالماً أن صلاته باطلة لهذين الدليلين ولإجماع الفقهاء.
• قال رحمه الله:
وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً: أتمها وسجد.
إذا سلم قبل إتمام الصلاة وذكر قريباً - وسيأتينا الكلام عن مسألة قريباً - فإنه يجب عليه أن يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام. بالإجماع.
والدليل على هذا الحكم: ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر أو العصر - والصواب أن الشك في هذا الحديث من أبي هريرة لا من ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة - فسلم من اثنتين ثم قام فاتكأ على خشبة في المسجد وشبك أصابعه صلى الله عليه وسلم. وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه رضي الله عنهما وقام ذو اليدين فقال: يارسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أنس ولم تقصر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكما يقول ذو اليدين قالوا: نعم يارسول الله. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته وسجد بعد السلام.
هذا الحديث صحيح وله ألفاظ كثيرة جداً في الصحيحين وخارجهما. وهو نص في أن من سلم قبل إتمام الصلاة نسياناً ثم ذكر فإن الواجب عليه أن يتم صلاته ثم يسجد بعد السلام.
مسألة: ويجب عليه إذا أراد أن يتم الصلاة عند الحنابلة أن يجلس أولاً ثم يقوم. لأن هذا القيام من واجبات أو من أركان الصلاة. ولايبدأ بالإتمام قائماً. - لأن القيام من التشهد ركن من أركان الصلاة -.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن له أن يبدأ بالاتمام قائماً ولا يجب عليه أن يجلس ليقوم لدليلين:
الأول: - وهو أقوى الدليلين - أنه لم ينقل في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ثم قام.
الثاني: أن القيام من التشهد الأول مقصود لغيره لا لنفسه فإن المقصود القيام والنهوض إنما هو وسيلة إلى القيام. بدليل: أن الإنسان يصلي أحياناً جالساً. ونصر هذا القول - شيخ مشائخنا رحمه الله الشيخ عبد الرحمن السعدي فقد انتصر له وبين أنه لا يجب على من نسي ركعتين أن يجلس ليقوم وإنما يتم ما فاته قائماً.
والأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة. وهو الأحوط أيضاً. لأنه هذا وإن لم يذكر في الحديث فمن المعلوم أن القيام من التشهد الأول ركن من أركان الصلاة وإن كان وسيلة للقيام ولكنه أيضاً مقصود شرعاً ولو تركه عمداً لبطلت صلاته.
ومع ذلك لو أن رجلاً قال أنه نسي ركعتين ثم أتم الأخيرتين قائماً بدون أن يجلس ففي إبطال صلاته صعوبة لقوة أدلة القول الثاني. فمن فعل هذا فلا نأمره بالإعادة لكن نقول أن الأرجح أن يجلس فهو أحوط لصلاته.
• ثم قال رحمه الله:
فإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحتها: بطلت ككلامه في صلبها.
إذا طال الفصل فإنه لا يتمكن من أمرين:
1 -
لا البناء.
2 -
ولا السجود.
أي لا يمكن أن يبني مافاته على ما أداه ولا يسجد للسهو. فإذا فرضنا أنه صلى ركعتين ثم قام ناسياً ثم تذكر بعد ساعتين أو بعد ثلاث أو بعد أربع. فنقول له: طال الفصل فلا يمكن أن ترتبط الأركان بعضها مع بعض فيجب أن تستأنف الصلاة.
والضابط في الطول والقصر: العرف الذي يضبط بحال النبي صلى الله عليه وسلم حين قام وجلس وشبك.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أنه يبني على صلاته ويسجد ولو طال الفصل. لأنه ليس في الشرع تحديد لهذا الوقت. وهو إنما ترك الموالاة نسياناً. وتقدم معنا أن الموالاة القاعدة فيها: أنها تسقط بالنسيان. ونصر هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا القول في الحقيقة قول قوي وليس على التحديد دليل واضح.
بناء عليه إذا صلى الإنسان العشاء ثلاث ركعات ثم خرج ومضى ساعة أو ساعتين أو ثلاث رجع إلى بيته وجلس فإنه يبني على صلاته مالم يحدث لأن الحدث يبطل الصلاة سواء كان سهواً أو عمداً.
والإمام أحمد ذهب إلى قول ثالث فضبطه بالمكان لا بالزمان فقال: يبني مالم يخرج من المسجد.
والصواب ما ذهب إليه شيخه الاسلام وليس هناك دليل على التحديد الزماني ولا المكاني.
• قال رحمه الله:
أو تكلم لغير مصلحتها: بطلت.
إذا تكلم لغير مصلحة الصلاة كأن يقول أعطوني سترة أو أعطوني أداة أو قلماً أو ورقة فإنه تكلم لغير مصلحتها فتبطل الصلاة. والكلام الآن في الرجل الذي ترك ركعتين ثم تذكر فإذا تكلم قبل أن يتذكر فإن صلاته تبطل لأنه تكلم لغير مصلحتها.
واستدل الحنابلة على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
= والقول الثاني: أنه إذا تكلم لغير مصلحة الصلاة فإن صلاته لا تبطل لأنه معذور بالنسيان والجهل فإنه لا يعتبر نفسه في الصلاة الآن.
• ثم قال رحمه الله:
ككلامه في صلبها.
الكلام في صلب الصلاة عمداً يبطل الصلاة بالإجماع. والعامد هو من يعلم أنه في صلاة وأن الكلام محرم. والكلام في صلب الصلاة يبطلها عند الحنابلة عمداً وسهواً.
عمداً: قلنا أنه بالإجماع.
وسهواً: عند الحنابلة. واستدلوا بعموم الحديث السابق: أن هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
= والقول الثاني: في مسألة الكلام في صلب الصلاة سهواً: أن الصلاة لا تبطل إذا تكلم نسياناً أو جهلاً.
- لما ثبت في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي شمت العاطس وهو يصلي جهلاً ولم تبطل صلاته.
- ولأنه في قصة ذي اليدين تكلم الناس في المسجد وخرج السُّرْعَانُ أو السَّرَعَان - مضبوطة بكلا الأمرين. وهو من يخرج سريعاً من الناس وأصحاب الأعمال - خرجوا من المسجد وتكلموا ومع ذلك لم تبطل صلاة هؤلاء الناس.
- ولعموم قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة/286].
• ثم قال رحمه الله:
ولمصلحتها إن كان يسيراً: لم تبطل.
أي إذا تكلم الإنسان لمصلحة الصلاة فإن الصلاة لا تبطل بشرط أن يكون هذا يسيراً.
الدليل: - على أن الصلاة لاتبطل إذا تكلم لمصلحتها - ما تقدم معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم وكذلك أبو بكر وعمر وذو اليدين كلهم تكلموا ومع ذلك لم تبطل الصلاة لأنه لمصلحة الصلاة ولأنه يسير.
واشتراط أن يكون الكلام يسيراً دليله عند الحنابلة أن العمومات دلت على إبطال الصلاة بالكلام واستثناء اليسير حصل بحديث أبي هريرة فيبقى ما عداه - وهو الكثير - على مقتضى العموم.
= والقول الثاني: أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها سواء كان قليلاً أو كثيراً. والدليل على هذا قاعدة مفيدة لطالب العلم: وهي أنه ما عذر فيه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالصائم يأكل ناسياً.
هل هناك فرق بين أن يأكل أكلاً كثيراً أو قليلاً؟
الجواب: لا. لا يوجد فرق. لماذا؟ لأنه معذور بالنسيان فاستوى القليل والكثير في حقه.
كذلك هنا نقول ما دام أنه معذور بالنسيان فيستوي في حقه الكلام الكثير والقليل.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
•
ثم قال رحمه الله:
وقهقهة ككلام.
القهقهة نوع من الضحك معروف لا يحتاج إلى تعريف.
والقهقهة عند الحنابلة حكمها حكم الكلام. والكلام يبطل الصلاة إذا بان منه حرفان لأنه في لغة العرب: يكون الكلام بحرفين كما تقول: أب. أو أم.
فالتفصيل السابق في الكلام كله ينطبق على القهقهة. إذا تكلم لمصلحتها أو لغير مصلحتها وإذا تكلم في صلبها فكل هذا التفصيل ينطبق على القهقهة.
= والقول الثاني: في هذه المسألة. أن القهقهة تبطل الصلاة مطلقاً بان حرفان أو لم يبن.
وهذا القول للجماهير بل حكي إجماعاً - حكاه ابن المنذر وشيخ الاسلام.
الدليل: أن الإبطال بالقهقهة ليس لكونها كلاماً أو ليست بكلام وإنما لما فيها من منافاة لحال الصلاة والخضوع بين الرب ولما فيها من الاستهزاء والسخرية فهي تبطل الصلاة لذلك لا لكونها من الكلام.
وهذا بلا شك هو الصواب بل مذهب الحنابلة غريب في هذه المسألة. كيف أنهم يلحقون القهقهة بالكلام. فإن القهقهة أشد وأبعد عن روح الصلاة بكثير من الكلام. وفيها ما لا يخفى من الاستهزاء. فإبطال الصلاة فيها أمر واضح وجلي.
عرفنا الخلاف في هذه المسألة - قوله: قهقهة ككلام - والصواب أن القهقهة دائماً تبطل الصلاة.
• قال رحمه الله:
وإن نفخ أو انتحب من غير خشية اللَّه تعالى، أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان: بطلت.
نفصل هذه المسائل:
المسألة الأولى: عند الحنابلة إذا نفخ أو انتحب أو تنحنح فبان حرفان: بطلت.
الدليل: قالوا: أنه روي عن ابن عباس وعن أبي هريرة أنهما قالا: من نفخ في الصلاة فقد بطلت صلاته. وهذا لا يثبت عنهما رضي الله عنهما. قال ابن المنذر رحمه الله: لا يحفظ عنهما. فعرفنا مذهب الحمنابلة وأن دليلهم ضعيف.
= القول الثاني: أن النفخ والانتحاب والتنحنح لا يبطل الصلاة لأن هذه الأشياء ليست من كلام العرب ولا تدخل في مسماه: أي في مسمى كلام العرب. فهي كالتنفس تماماً إلا أن معها صوت. وإبطال الصلاة بمجرد الصوت لا أصل له في الشرع.
رجح هذا القول - الثاني - ابن تيمية وهو الصواب. أن هذه الأشياء لا تبطل الصلاة ويقوي ما ذهب إليه شيخ الاسلام حديث المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الكسوف أخذ ينفخ فلما قضى صلاته سألوه فقال: قرب مني النار حتى نفخت حرها عن وجهي. ومع ذلك لم تبطل الصلاة.
إذاً عرفنا الآن حكم النفخ والانتحاب والتنحنح في المذهب ودليلهم والقول الثاني والراجح.
نأتي إلى المستثنيات يقول: أو انتحب من غير خشية الله.
يستثنى من الإبطال بالانتحاب أن يكون هذا الانتحاب من خشية الله. والانتحاب هو: رفع الصوت بالبكاء. فإذا انتحب من خشية الله فإن الصلاة لا تبطل حتى عند الحنابلة ولو بان حرفان.
والدليل: أن الانتحاب من خشية الله من جملة ذكر الله وتعظيمه. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على إبراهيم بأنه أواه والأواه هو: من يتأوه من خشية الله. فهو صفة مدح لا تبطل الصلاة بها.
فهذا الاستثناء الأول.
الاستثناء الثاني: أو تنحنح من غير حاجة. دل هذا على أنه تنحنح للحاجة فإن صلاته صحيحة ولو بان حرفان.
الدليل: أنه يتعذر دفع التنحنح الذي للحاجة ويشق على المصلي فناسب التخفيف وعدم الابطال.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
انتهى الدرس،،،
= من الأسئلة:
- مسألة التبسم: إذا تبسم الإنسان فقد ذهب الجماهير والجم الغفير وحكي إجماعاً أن الصلاة لا تبطل. بل قال ابن المنذر: أجمع الفقهاء إلا ابن سيرين. وهذا القول الأول.
القول الثاني: أن الصلاة تبطل وهو مذهب ابن سيرين. واستدل بقوله تعالى: {فتبسم ضاحكا من قولها} [النمل/19] وقال رحمه الله: لا أعلم التبسم إلا ضحكاً. والضحك يبطل الصلاة.
والصواب مع الجماهير. ولا شك أن هذا مكروه ومنافي للخشوع لكن الكلام عن إبطال الصلاة.
- مقصود المؤلف في قوله: في صلبها: يعني إذا كان الانسان يصلي الآن وتكلم ومقصوده بالمسائل التي قبل هذه العبارة وبعدها: إذا نسي الإنسان فصلى ركعتين من أربع ثم تذكر فكلامه ما بين كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فيه الأحكام التي ذكر: إذا تكلم في مصلحتها أو في غير مصلحتها.
انتهى الدرس،،،
فصل
[في الكلام على السجود للنقص أو الشك]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال المؤلف رحمه الله:
فصل
عقد المؤلف هذا الفصل للكلام عن النقص وعلم بهذا أن الكلام عن الزيادة قد انتهى وسيبين في هذا الفصل أجكام نقص المصلي من صلاته ثم بعد الكلام عن النقص سيتكلم عن الشك وبالكلام عليه ينتهي باب سجود السهو.
• قال رحمه الله:
ومن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءَة ركعة أُخرى: بطلت التي تركه منها.
إذا ترك الإنسان ركناً فتركه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون المتروك تكبيرة الإحرام. فإن الصلاة لا تنعقد سواء كان تركها سهواً أو عمداً.
القسم الثاني: أن يكوت المتروك غير تكبيرة الإحرام.
وهذا القسم هو الذي ذكره المؤلف بقوله: فذكره بعد شروعه في قراءَة ركعة أُخرى: بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوباً فيأتي به وبما بعده.
وهذا يعني: لو ترك الإنسان ركناً من الركعة ثم قام ولنفرض أنه ترك السجود:
- فإن ذكره قبل أن يشرع في القراءة: وجب عليه أن ينحط ويأتي بهذا الركن وبما بعده. وقد نص على هذا الإمام أحمد.
- وإن ذكره بعد أن شرع في القراءة: قامت الثانية مقام التي ترك ركنها. فإذا فرضنا أنه نسي السجود من الركعة الأولى ثم قام وشرع في القراءة فصارت الركعة الثانية بالنسبة لهذا المصلي هي الركعة الأولى وبطلت وألغيت الأولى التي ترك ركنها.
هذا مذهب الحنابلة.
دليلهم: قالوا: أنه لما شرع بعبادة مشروعة وهي القراءة حرم عليه الرجوع.
وفهم من هذا التفصيل: أن الركعات التي تسبق الركعة المتروك ركنها تبقى صحيحة ولا علاقة لها بهذا الخلل.
الركعات التي السابقة للركعة التي حصل فيها الخلل تبقى صحيحة وليس لها علاقة بهذا الخلل.
مثال ذلك: إذا نسي السجود من الركعة الثالثة وقام للرابعة وبدأ بالقراءة فتكون الرابعة هي الثالثة وأما الأولى والثانية فتبقى صحيحة على وضعها.
القول الثاني: أن المصلي إذا ترك ركناً من ركعة ثم ذكره:
- وجب عليه أن يعود إلى هذا الركن مباشرة ولو شرع في القراءة.
- فإن وصل إلى الركن الذي تركه من الركعة التالية قامت الثانية مقام الأولى.
الدليل: قالوا: أن هذا المصلي لما ذكر الركن المتروك وجب عليه أن يرجع فيأتي به وبما بعده لينتظم ترتيب الصلاة.
وهذا القول - الثاني - اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله واختيار غيره من المحققين وهو القول الصواب. وأما التفصيل الذي ذكره المؤلف ففيه ضعف إذ أن الشروع في القراءة لا يمنع الرجوع إلى الركن المتروك بل الرجوع إلى الركن المتروك واجب.
• ثم قال رحمه الله:
وإن علم بعد السلام: فكترك ركعة كاملة.
يعني: إذا علم بعد السلام أنه ترك ركناً من ركعة فحكمه حكم ترك ركعة كاملة. أي: كأنه ترك ركعة كاملة. وتقدم معنا الكلام على حكم ترك ركعة كاملة عند قول المؤلف: (وإن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت وإن كان سهواً
…
الخ فعرفنا ماذا يصنع الإنسان إذا ترك ركعة كاملة وهنا يقول: من ترك ركناً ولم يذكره إلا بعد السلام فحكمه حكم من ترك ركعة كاملة.
واستثنى الفقهاء من هذا الحكم مسألتين:
المسألة الأولى: إذا كان الركن المتروك التشهد الأخير أو السلام. فحكمه: أن يأتي بالتشهد أو السلام فقط.
المسألة الثانية: إذا كان المتروك ركناً في الركعة الأخيرة. مثل: أن يترك السجود الأول من الركعة الرابعة في صلاة الظهر: أذا كان المتروك ركناً من الركعة الأخيرة كأن يترك السجود الأول من الركعة الرابعة في صلاة الظهر مثلاً. فحكمه عند الحنابلة: أن يأتي بركعة كاملة. والصواب أن يأتي بالمتروك وبما بعده فقط.
فهذه المسألة تعتبر مستثناة على القول الراجح أما على قول الحنابلة فلا تعتبر مستثناة.
إذا ً عرفنا الحكم العام وعرفنا ما يستثنى منه وعرفنا أن المسألة الثانية تعتبر مستثناة على القول الصحيح ولا تعتبر مستثناة على قول الحنابلة.
• ثم قال رحمه الله:
وإن نسي التشهد الأول ونهض: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً، فإن استتم قائماً: كره رجوعه، وإن لم ينتصب قائماً: لزمه الرجوع.
إذا نسي التشهد الأول فله ثلاثة أحوال سيذكرها المؤلف تباعاً ولكل حال حكم.
الحال الأولى: قال: وإن نسي التشهد الأول ونهض: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً:
هذه هي الحال الأولى: إذا نسي التشهد الأول وهَمَّ بالقيام وقام ولكن قبل أن يستتم قائماً ذكر أنه نسي التشهد الأول.
حكمها: أنه يجب وجوباً أن يرجع ما دام أنه لم يستتم قائماً.
الدليل: قوله رحمه الله: (إذا نسي أحكم وقام من الركعتين فإن استتم قائماً فليمض وإن ذكر قبل فليرجع وليسجد سجدتين).
هذا الحديث صححه المتأخرون بمجموع طرقه والحقيقة هو له شواهد قوية جداً وأيضاً طرقه متعددة وقابل للتصحيح أو التحسين وهو نص في المسألة.
وهذه الحال الأولى: تشمل من حين أن يرتفع الإنسان من الأرض أدنى ارتفاع إلى أن يصبح أقرب ما يكون إلى القيام.
ولم أقف على خلاف في هذه المسألة لوضوح الحديث.
الحال الثانية: قال: فإن استتم قائماً: كره رجوعه.
قوله: إن استتم قائماً: أي ولم يشرع بالقراءة.
فلو أن المؤلف رحمه الله أضاف هذه العبارة لكان أوضح.
حكمها: أنه يكره له أن يرجع. فإن رجع جاز وصحت صلاته.
الدليل: الدليل مركَّب: - أما أنه يكره له أن يرجع: فلأنه قام ولم يشرع بركن مقصود وهو: القراءة. فهذا دليل الكراهة.
- وأما الجواز فدليله عموم الحديث.
والقول الثاني: أن المصلي إذا ترك التشهد الأول واستتم قائماً فيحرم عليه الرجوع ولو لم يشرع بالقراءة.
والدليل: عموم الحديث ولا مخصص.
الحال الثالثة: وإن لم ينتصب: لزمه الرجوع.
قوله: وإن لم ينتصب: لزمه الرجوع كأنه وهم من المؤلف: وجهه: أن هذا مكرر تماماً لقوله: وإن نهض لزمه الرجوع مالم ينتصب قائماً. فكأنه قد تبادر إلى ذهن المؤلف إعادة ما سبق أن ذكره.
• قال رحمه الله:
وإن شَرَع في القراءة: حرم الرجوع.
وإن شَرَع في القراءة: حرم الرجوع لأنه شرع بركن مقصود وهو القراءة.
وتحريم الرجوع لا أعلم فيه خلافاً.
فإن رجع متعمداً عالماً: بطلت صلاته. لأنه ترك الواجب عمداً.
وإن رجع سهواً ونسياناً: صحت صلاته.
فإن ذكر الحكم وهو جالس: وجب عليه أن ينهض ويترك التشهد الأول.
فإن استمر بعد تذكره وعلمه: بطلت صلاته.
ودليل هذا الحكم كما هو وضح وظاهر: الحديث السابق إذ نص فيه رحمه الله على أنه متى قام فإنه لا يرجع.
• قال رحمه الله:
وعليه السجود للكل.
قوله: للكل: يقصد به كل الأحوال السابقة. فقد مر معنا ثلاثة أحوال. أما في الحال الثانية والثالثة فلا إشكال في مشروعية سجود السهو بل قال المرداوي في الإنصاف: لا أعلم في هذا خلافاً. إنما الخلاف في الحال الأولى.
وسبب الخلاف: أنه في هذه الصورة لم يترك التشهد الأول ولذلك صار بين الفقهاء خلاف فيها:
فالقول الأول: وهو مذهب الحنابلة: أنه يسجد في هذه الحالة سجود السهو.
واستدلوا: بحديث أنس - أن النبي رحمه الله تحرك ليقوم فسبَّحُوا به فجلس فتشهد وسجد للسهو سجدتين رحمه الله.
قوله: تحرك ليقوم: أي ولم يقم - ولم ينتصب قائماً.
وهذا الحديث نص في المسألة ولكن الإشكال أن الدارقطني أخرج هذا الحديث موقوفاً على أنس - فلم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك فإن في بعض طرق هذا الحديث أن أنس بعد أن أفتى هذه الفتوى قال: وهذه هي السنة.
وبكل حال فحديث أنس - إن صح رفعه فهو حاسم. وإن كان موقوفاًَ ففيه أن هذه هي السنة. وإن لم تصح لفظة: (هذه هي السنة) فغاية ما هنالك أنها فتوى لأنس - فهي خير من رأي الرجال في مسألة ليس فيها نصوص فلأن نأخذ بفتواه - خير من أن نأخذ برأي مجرد.
القول الثاني: ينسب إلى الجمهور أنه في الحالة الأولى لايشرع أن يسجد للسهو لأنه لم يترك النشهد الأول.
والقول الثالث: أنه إن قام قياماً كثيراً فإنه يسجد وإلا فلا وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
والصواب: مذهب الحنابلة. أنه إذا تحرك ليقوم ولو ذكر قريباً فإنه يسجد.
مسألة: إذا جلس المصلي للتشهد الأول ثم خطر بباله أن يقوم - ناسياً - وقبل أن يتحرك أدنى تحركاً - ذكر - فاستمر جالساً وقرأ التشهد.
الصواب في هذه الصورة: أن لاسجود سهو فيها. لأنه لم يصدر منه أي عمل لا قليل ولا كثير وإنما خطر بباله أن يقوم فقط ثم ذكر سريعاً وجلس فالأقرب في مثل هذه الصورة أنه لا يلزمه سجود سهو.
بهذا انتهى الكلام عن النقص. وبدأ المؤلف رحمه الله بالكلام على الشك.
• فيقول رحمه الله:
ومن شك في عدد الركعات: أخذ بالأقل.
من شك في عدد الركعات فالواجب عليه عند الحنابلة دائماً أن يأخذ بالأقل.
صورة هذه المسألة: إذا شك في الثالثة من العشاء هل هي الثالثة أو الثانية؟ فتكون في حقه الثانية. لأنه يأخذ بالأقل.
وإذا شك: هل هي الثانية أو الأولى؟ صارت بالنسبة له الأولى.
الدليل على هذا عند الحنابلة: نص صحيح أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيماً للشيطان).
قوله: شفعن له صلاته: أي إن كان صلى خمساً فصارت السجدتين تشفعان له الصلاة. وهذا القول الأول هو مذهب الحنابلة وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: أن المصلي إذا شك في صلاته يتحرى ويعمل بما ترجح عنده.
واستدلوا بحديث صحيح أيضاً بل متفق عليه: وهو حديث ابن مسعود - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه وليسجد سجدتين بعد السلام)
في حديث ابن مسعود بعد السلام وف حديث أبي سعيد الخدري قبل السلام.
والراجح والله أعلم القول الثاني وهو أنه لا يأخذ بالأقل دائماً وإنما يتحرى الصواب.
نحتاج إلى جواب عن حديث أبي سعيد الخدري لأنه نص. أجابوا عنه بجواب سديد وهو أن حديث أبي سعيد الخدري يحمل على مصل لم يترجح له شيء حين شك.
ومن المعلوم أن الإنسان إذا شك ولم يترجح عنده شيء فإنه يأخذ بالأقل.
وإذا حملنا حديث أبي سعيد الخدري على هذا المحمل اتحدت الأدلة وتوافقت ولم تختلف.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن شك في ترك ركن: فكتركه.
يعني إذا شك الإنسان هل ترك الركن أو لم يتركه؟ فحكمه حكم من ترك الركن.
ومن ترك الركن: هل بين المؤلف حكمه؟
: نعم. وهو عند قوله: ومن ترك ركناً. فقد تقدم بيان حكم من ترك ركناً.
• ثم قال رحمه الله:
ولا يسجد: لشكه في ترك واجب أو زيادة.
إذا صلى المصلي ثم أثناء الصلاة شك في ترك واجب سبق فإنه والحالة هذه لا يسجد له عند الحنابلة.
التعليل: قالا: أنه شك في سبب الوجوب والأصل براءة الذمة.
ما هو سبب الوجوب؟
هو: ترك الواجب. وهو شك في سبب الوجوب. فإذا شك في سبب الوجوب فالأصل براءة الذمة.
القول الثاني: أنه يسجد للسهو لأنه إذا شك في واجب فالأصل عدمه.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب ولكن نأخذ بالقول الراجح في هذه المسألة وهو أنه يتحرى فإذا غلب ظنه أن الواجب هو المشكوك في تركه فيعمل بغلبة الظن ويعتبر نفسه قد أتى به.
إذاً إذا شك الإنسان في ترك واجب فالحنابلة يرون أنه لا يجب عليه سجود سهو لأنه شك في سبب والأصل البراءة.
والقول الثاني: أنه إذا شك في ترك واجب فعليه أن يسجد للسهو لأن الأصل أن المشكوك فيه لم يؤتى به. وأن هذا هو الراجح ولكن ينزل على القول الراجح السابق. وهو التحري.
قوله: أو زيادة: يعني إذا شك في زيادة فلنفرض أنه يصلي الظهر وفي الركعة الثانية وهو ساجد السجدة الثانية شك هل هي الثانية أو الثالثة؟ يعني أنها زائدة.
فإذا شك بالزيادة بعد أدائها فإنه لا يسجد عند الحنابلة.
ويستثنى من هذا إذا شك في الزيادة أثناء أدائها. أي إذا شك في زيادة السجدة وهو ساجد فحينئذ يجب عليه أن يسجد للسهو.
التعليل: قالوا: لأنه أدى جزأ من العبادة وهو متردد فيها. وهذا التردد والتشكك في أداء العبادة يوجب سجود السهو جبراً لهذا النقص. والنقص جاء من تردده لأنه يجب على المصلي أن يأتي بأبعاض العبادة جازماً بها.
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى أحكام المأموم.
•
فقال رحمه الله:
ولا سجود على مأموم: إلاّ تبعاً لإمامه.
المسألة الأولى: أنه لا سجود على مأموم. فإذا سهى المأموم في صلاته دون الإمام فإنه لا يجب عليه أن يسجد للسهو. وقد أجمع على هذا الفقهاء إلا مكحول رحمه الله فإنه رأى أن عليه أن يسجد وتابع مكحول على القول بالوجوب من المتأخرين ابن حزم - أقصد بالمتأخرين: بالنسبة للسلف.
استدل مكحول وابن حزم بالعمومات قالوا: العمومات التي تأمر بسجود السهو لم تفرق بين الإمام والمأموم فإذا سلم الإمام أتى المأموم بسجود السهو.
وقول الجماهير الذي اعتبر إجماعاً هو الصواب.
والدليل: أنه يصعب أو يتعذر أن لا يكون أحد من الصحابة سهى خلف النبي رحمه الله ومع لك لم ينقل قط أن أحداً سجد للسهو خلفه رحمه الله.
وهذه منأخطاء ابن حزم أنه يأخذ بظاهر النص مجرداً عن النصوص العامة التي تبين كيفية العمل بظواهر النصوص ولو كان سجود السهو واجباً على المأموم لنقل وعرف ولنقل عن بعض الصحابة أنهم يسجدون فلما عدم كل ذلك عرفنا أنه لا سجود على المأموم وأن إجماع الفقهاء جميعاً عدا مكحول هو الصواب إن شاء الله.
هذه هي المسألة الأولى وهي قوله: ولا سجود على مأموم.
المسألة الثانية: قوله: إلا تبعاً لإمامه.
معنى هذه العبارة: أنه يجب على المأموم أن يسجد إذا سجد أمامه للسهو سواء سهى معه أولا.
وهذا أيضاً محل إجماع وممن حكاه إسحاق وشيخ الاسلام بن تيمية.
والدليل على هذا قوله رحمه الله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به .. إلى أن قال: فإذا سجد فاسجدوا) فقوله رحمه الله فاسجدوا: يشمل السجود الذي هو من أركان الصلاة والسجود الذي هو لأجل السهو.
مسألة: لم يتكلم المؤلف عن المسبوق. هل يجب عليه أن يسجد أو لا يجب؟
نقول: المسبوق فيه تفصيل:
بالنسبو للمسبوق نفسه إذا سهى في صلاته فهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون السهو مع الإمام - يعني فيما أدرك فيه الإمام - فلو دخل المسبوق مع إمام يصلي الظهر وقد فاته ركعتين فدخل معه في الركعتين الأخيرتين وسهى في هاتين الركعتين.
القسم الثاني: أن يكون سهو المأموم بعد انفصاله عن الإمام أي فيما يقضي. ففي المثال السابق لو أن هذا المأموم لما سلم الإمام فسيبقى عليه ركعتين فلو سهى فيهما فهذا هو القسم الثاني.
والحكم في الصورتين: وجوب سجود السهو. لأنه المأموم لما انفصل عن إمامه فلم يبق مانع يمنعه من سجود السهو لأن المانع هو مخالفة الإمام وقد زال.
في الصورة الأولى خلاف لكنه يعتبر خلاف ضعيف من وجهة نظري - فيما إذا كان السهو فيما أدرك مع الإمام فبعض الفقهاء يرى أنه لا يسجد لكن أعرضنا عن هذا الخلاف وذكرنا الصواب فقط لقوته ووضوحه.
المسألة الثانية في مسألة المسبوق: متى يسجد المسبوق للسهو؟
فيه تفصيل: إن كان الإمام سجد للسهو قبل السلام فالواجب على المأموم ن يتابعه في السجود سواء كان الإمام سها فيما أدركه المأموم أو سهى فيما لم يدركه المأموم.
الصورة الثانية: إذا كان الإمام سيجد للسهو بعد السلام فعند الحنابلة يجب على هذ المأموم المسبوق أن يتابع الإمام إذا سجد للسهو ولو بعد السلام ولا يقوم ليقضي ما فاته.
والقول الثاني: أنه إذا سلم الإمام قام المأموم ليقضي مافاته ثم إذا سلم سجد للسهو.
والدليل على رجحان هذا القول: أنه لو سجد مع الإمام قبل السلام لكان سجد سجدتي السهو في غير موضعهما لأن الإمام سجد بعد السلام.
وإن تابعه في السلام ليسجد معه بطلت صلاته لأنه سلم قبل أن تنتهي صلاته.
ولذلك فالراجح هو: أن يقوم حتى لو سجد الإمام وسجد الناس ويأتي بما فاته ثم بعد ذلك يسجد للسهو.
• ثم قال رحمه الله:
وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب.
تقدم معنا أن الحنابلة يرون وجوب سجود السهو. وأن الشافعية يرون أن سجود السهو سنة. وأن القول الثالث: التفريق بين السجود الذي قبل السلام والسجود الذي بعد السلام.
إذاً هذه المسألة تقدمت في أول الباب.
•
ثم قال رحمه الله:
وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط.
ذكر المؤلف في هذه العبارة مسألتين:
المسألة الأولى: أن من ترك سجود السهو عمداً بطلت صلاته إذا كان السجود قبل السلام.
وهو آثم وصلاته صحيحه إذا كان السجود بعد السلام.
الدليل: قالوا: أن السجود قبل السلام جزء من أجزاء الصلاة والسجود بعد السلام واجب للصلاة وليس واجباً في الصلاة فهو كالآذان فإنه الآذان واجب من واجبات الصلاة لكن لو تركه المصلي وصلى فصلاته صحيحه.
إذاً الحنابلة يفرقون بين أن يكون السجود قبل السلام فإن تركه عمداً بطلت صلاته. وبين أن يكون بعد السلام فإن تركه عمداً فهو آثم وصلاته صحيحة.
المسألة الثانية: موضع سجود السهو:
يعني هل يكون سجود السهو قبل السلام أو بعد السلام؟
هذه المسألة محل خلاف وهي من المسائل التي تشعبت فيها الأقوال وذكر فيها الحافظ العراقي في شرحه الحافل على الترمذي ذكر فيها ثمانية أقوال - وهذا الشرح شرح مفيد جداً وهو إن شاء الله في صدد أن يطبع قريباً - في هذا الكتاب ذكر في هذه المسألة ثمانية أقوال وذكر لكل قول عدداً من الأدلة والمناقشات حتى يمكن أن تفرد المسألة بمصنف صغير لطول وتشعب الأقوال.
ونحن سنأخذ رؤوس الأقوال:
القول الأول: أن السجود دائماً بعد السلام. وهذا مذهب الأحناف.
القول الثاني: أن السجود دائماً قبل السلام. وهو مذهب الشافعية.
القول الثالث:
- أن السجود يكون قبل السلام إذا كان عن نقص.
- ويكون بعد السلام إذا كان عن زيادة.
وفيه تفصيل في الشك:
- فإذا شك وترجح له أحد الإحتمالين فإن السجود يكون بعد السلام.
- وإن لم يترجح صار السجود قبل السلام.
إذاً السجود إذا لم يترجح أو لنقص يكون قبل السلام وفي باقي الصور يكون بعد السلام.
هذا القول الأخير نصره شيخ الاسلام رحمه الله. وهو قول تتفق به الأدلة. لأن الأدلة فيها السجود قبل السلام وفيها السجود بعد السلام وفيها صور كثيره وفيها ترك التشهد وفيها الزيادةوفيها النقص فالحمع بين هذه النصوص كما مر معنا في حديث أبي سعيد الخدري وفي حديث ابن مسعود أحدهما قبل وأحدهما بعد. المهم. أن هذا القول الثالث تجتمع به الأدلة.
المسألة الثالثة: هل السجود الذي موضعه قبل السلام والسجود الذي موضعه بعد السلام فهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب والندب؟
فمذهب الحنابلة: أنه على سبيل الاستحباب والندب وهذا القول الأول.
وهذا القول ليس مذهباً للحنابلة فقط بل هو مذهب للجماهير بل حكي إجماعاً وممن حكى الإجماع الماوردي رحمه الله وأيضاً حكاه القاضي عياض وغيرهما فقد حكاه عدد من الفقهاء نقلوا الإجماع على أن موضع السجود على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب.
استدل هؤلاء بأن النبي رحمه الله تارة سجد قبل السلام وتارة سجد بعد السلام فدل ذلك على أنه مستحب وممن رجح هذا القول ابن عبد البر.
على أننا نقول أنه شبه إجماع فقد حكي من ثلاثة ومع أن الماوردي والقاضي عياض أشد تثبتاً في نقل الإجماع. والمسألة ليست محل إجماع قطعاً لكن حكاية الإجماع تعطي دلالة على أن هذا مذهب غالب أهل العلم.
القول الثاني: وهو مذهب لبعض الحنابلة. وقال شيخ الاسلام: أنه يفهم من كلام الإمام أحمد. يعني أنه رحمه الله لم يجد نصاً صريحاً عن الإمام أحمد لكن يفهم من كلام الإمام أحمد الوجوب.
أما الرواية المعروفة فهي الندب.
ونصر هذا القول شيخ الاسلام ورأى أنه هو القول الصواب واستدلوا بعموم قول النبي رحمه الله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والنبي رحمه الله تارة سجد قبل السلام وتارة بعد السلام فيجب أن نصلي كصلاته رحمه الله.
والحقيقة الترجيح في هذه المسألة محل إشكال بسبب أن جمهور السلف والخلف من الأئمة من تابعي التابعين والأئمة الأربعة وعامة العلماء كلهم يرون أن هذا على سبيل الندب وبالمقابل ما رجحه شيخ الاسلام قوي من حيث الدليل ويؤيده عموم الحديث الذي أخرجه البخاري (صلوا كما رأيتموني أصلي).
فالأحوط - بدون شك - أن يجعل ما قبل قبل. وما بعد بعد. لكن الوجوب قد يتوقف فيه الإنسان مع تتابع السلف على القول بالندب حتى أن الذين يحكون الخلاف كابن عبد البر لم يذكر القول الثاني أصلاً.
وعلى كل حال في هذه المسألة: الإنسان يقلد الحماهير ونقول أنه مندوب وإن كان الأحوط أن يجعل ما قبل قبل وما بعد بعد.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن نسيه وسلم: سجد إن قرب زمنه.
إذا نسي السجود وسلم فإنه يجب عليه وجوباً أن يسجد إذا كان الزمان قريباً ولا يسجد إذا كان الزمان بعيداً وصلاته صحيحة إذا تركه نسياناً ولذلك هو يقول وإن نسيه.
وأما مسألة: إن قرب. فالقرب والبعد والخلاف في هذه المسألة تقدم معنا في أول الباب وأخذنا الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.
فالأقوال الثلاثة في هذه المسألة تأتي معنا في هذه الصورة تماماً وما رجحناه هناك فنرجحه هنا وهو أن الإنسان إذا ترك سجود السهو وذكره ولو طال الزمان فإنه يسجد.
وعند الإمام أحمد إن خرج من المسجد فلا يسجد وعند الجمهور يقيد هذا بالعرف.
على ما سبق في عند قوله: وأن طال الفصل أو تكلم.
• ثم قال رحمه الله:
ومن سها مراراً: كفاه سجدتان
يعني إذا تكرر السهو من المصلي ولو كان محل سجود السهو يختلف فإنه يكفيه أن يسجد سجدتين فقط.
فإن كان السهو بعضه يوجب السهو قبل. وبعضه يوجب السهو بعد فإنه يسجد قبل على سبيل الوجوب لأنه إذا سلم فقد ترك واجباً.
فعرفنا من هذه العبارة مسألتين:
الأولى: أنه إذا تكرر ولو اختلف محله فإنه يسجد سجدتان فقط.
الثانية: أنه إذا كان بعضه يوجب السجود قبل وبعضه يوجب السجود بعد فإنه يسجد قبل.
والتعليل: أنه لو سجد بعد لكان ترك واجباً عمداً يعني: لكان سلم قبل أن يأتي بالواجب ففي هذه الحال تبطل صلاته لأنه ترك واجباً قبل السلام عمداً.
أما إن سلم عمداً كما يفعل كثير من الناس أو نسياناً فإنه يسجد بعد السلام ولا شيء عليه.
وبهذا انتهى الكلام عن باب سجود السهو ونشرع غداً إن شاء الله بباب صلاة التطوع.
انتهى الدرس،،،