المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب السواك وسنن الوضوء - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ١

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب السواك وسنن الوضوء

((تابع الدرس الخامس))

لما أنهى المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالاستنجاء والاستجمار وآداب التخلي انتقل إلى ما يأتي بعده عادة وهو السواك وسنن الوضوء لأن الإنسان يقضي حاجته ثم يستنجي أو يستجمر ثم يتوضأ وهذا الترتيب المنطقي هو الذي سار عليه المؤلف.

‌باب السواك وسنن الوضوء

السواك: من أعظم سنن الإسلام واعتنى به الشارع عناية خاصة كثيرة حتى أنه صلى الله عليه وسلم إستاك وهو يموت - وهو في النزع - من شدة عنايته ومحبته للسواك.

ولما رأى العلماء اهتمام الشارع واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالسواك جعلوا له بحثاً خاصاً بل إن كثيراًَ من أهل العلم أفرده بمؤلف.

- السواك هو: دلك الفم لإزالة التغير ونحوه.

• والمقصود الأول من الاستياك: التننظيف.

• والمقصود الثاني: إزالة الرائحة.

• والمقصود الثالث: إزالة التغير باللون.

• قال رحمه الله:

التسوك: بعود لين منق غير مضر لا يتفتت، لا بإصبعه وخرقة مسنون كل وقت، لغير صائم بعد الزوال

بدء المؤلف يبين أحكام السواك فبين:

أولاً: أنه مسنون لأنه قال: التسوك بعود لين ...... مسنون.

إذاً حكمه: أنه سنة.

• لحديث أبي هريرة - - (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

• ولحديث عائشة رضي الله عنها - الصحيح أيضاً - (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).

ص: 64

وحديث عائشة هذا مهم. ولماذا هو مهم؟

الجواب: لأن كثيراً من الأحكام التي يذكرها المؤلف تستنبط من هذا الحديث.

• يقول رحمه الله:

التسوك: بعود لين

يسن أن يكون العود ليناً ولا يكون يابساً.

= ما الدليل على أنه يكون ليناً؟

- قالوا: الدليل لأن العود اللين أنقى من العود اليابس.

= ما الدليل على أن العود الأنقى أحب إلى الله من العود الأقل نقاوة؟

- الجواب: حديث عائشة لأنها تقول مطهرة للفم فإذاً كل ما يكون فيه تطهير أشد فهو أكثر محبة للشارع.

• ثم قال رحمه الله:

لين منق.

= ما الدليل على أنه كلما كان العود منقياً فهو أفضل؟

- الجواب: أن المقصود هو الإنقاء بدليل حديث عائشة.

• ثم قال رحمه الله:

غير مضر.

هذا الحكم لا يرجع إلى حديث عائشة.

ويعني أنه: يكره للإنسان أن يستعمل عوداً مضراً وإن شئت أن تقول يستحب للإنسان أن يستعمل عوداً لا يضر.

ومن العلماء من قال: بل يحرم. أن استعمال العود المضر يحرم.

والصواب أنه بحسب المضرة:

- فإن كانت المضرة شديدة فهو: محرم.

- وإن كانت المضرة يسيرة فهو: مكروه.

والحنابلة عندهم قاعدة: وهي: أن كل عود له رائحة طيبة فهو مضر.

والظاهر أنهم أخذوا هذا الحكم من التجارب.

• ثم قال رحمه الله:

لا يتفتت.

ما العلة في كونه لا يتفتت؟ - من فهم الكلام السابق فيستطيع أن يذكر التعليل -.

الجواب أن العلة هي: أن التفتت يناقض الإنقاء من وجهين:

- الوجه الأول: أن الأجزاء المتفتتة ستبقى في الفم.

- والوجه الثاني: أن العود إذا تفتت لم ينق.

إذاً تستطيع أن تقول: تعليل مختصر: أن العود الذي يتفتت لا يستحب لأنه ينافي الغرض من التسوك.

• ثم قال رحمه الله:

لا بأصبع وخرقة.

الحنابلة يرون أن استخدام الإصبع أو الخرقة لا يحقق السنة.

= ما معنى أنه: لا يحقق السنة؟

- الجواب: أنه يعني: لو أن الإنسان استخدم إصبعه أو خرقة لا يؤجر الأجر المترتب على السواك لأنه لا يحقق السنة.

وقيل: بل يحقق السنة بحسب ما ينقي.

= وعلى هذا القول أيهما أفضل الأصبع أو الخرقة؟

- الجواب: الخرقة أفضل ولماذا؟: لأنها أنقى.

والقول الثالث: أنهما يحققان السنة عند عدم العود.

وهذا القول اختاره المرداوي في كتابه - الحافل المفيد لطالب العلم - الإنصاف.

ص: 65

= فكم قول في هذه المسألة؟ - ثلاثة أقوال.

وهذا يدل على عناية أهل العلم بمسائل السواك.

والصواب ما اختاره المرداوي رحمه الله: أنهما يحققان السنة بشرط عدم وجود العود لأن الأصل في السواك العود.

• ثم قال رحمه الله:

مسنون كل وقت.

يعني أنه يسن للمسلم في جميع الأوقات أن يستاك.

والدليل واضح جداً من الأحاديث السابقة - حديث أبي هريرة وحديث عائشة رضي الله عنها فهي تدل على أن السواك سنة في كل وقت.

• ثم قال رحمه الله:

لغير صائم بعد الزوال.

يعني أنه يسن أن يستاك الإنسان في جميع الأوقات:

o إلا في وقت واحد وهو: بعد الزوال.

o لشخص واحد وهو: الصائم.

فالصائم إذا زالت الشمس - أي دخل وقت الظهر - فيكره له أن يستاك.

فا نقلب الحكم من غاية ما يحبه الشارع إلى أن يكون مكروهاً - عند الحنابلة.

- الدليل:

- قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).

فقالوا: إن والاستياك في هذا الوقت يذهب هذه الرائحة المحبوبة للشارع ولذا فهو مكروه.

والقول الثاني: أن الاستياك مستحب في جميع الأوقات لعموم الأدلة.

والجواب عن هذا الحديث من وجهين:

- الأول: أن هذه الرائحة تخرج من المعدة وليست تخرج من الفم.

- الثاني: أن مثل هذا الأمر والذي اعتنى به الشارع عناية خاصة لا يجوز أن نخصصه بدليل عام بل لابد من دليل خاص.

• ثم قال رحمه الله:

متأكد: عند: صلاة وانتباه وتغير فم

بين المؤلف رحمه الله بماذا نستاك؟ ثم بين متى نستاك؟ ثم بين متى يكره أن نستاك؟ ثم ختم بمسألة الأوقات المستحبة - بشكل خاص للشارع ليستاك المسلم فيها.

فقال: متأكد عند صلاة.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

فلا شك أن هذا تخصيص من الشارع بوقت الصلاة.

• ثم قال رحمه الله:

وانتباه: يعني من نوم.

فيستحب للإنسان إذا انتبه من النوم أن يستاك لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا استيقظ من النوم يشوص فاه بالسواك).

ومعنى قوله يشوص يعني يدلك ويغسل.

فإذاً يستحب للإنسان - بشكل خاص - إذا استيقظ من النوم أن يستاك.

• ثم قال رحمه الله:

وتغير فم.

إذا تغيرت رائحة الفم فحينئذ يتأكد السواك.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مطهرة للفم). وتطهير الفم يتأكد عند التغير.

ص: 66

ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى موضوع جديد وهو كيفية الاستياك فقسم لنا رحمه الله أحكام السواك تقسيماً مبسطاً وجيداً.

• فقال رحمه الله:

ويستاك عرضاً مبتدئاً بجانب فمه الأيمن.

يستاك عرضاً: وذلك بأن يمرر السواك من ثناياه إلى أضراسه.

وإذا أردت أن تفهم العرض افهم الطول فالطول هو أن يبدأ من أصول - منابت - الأسنان إلى أسفلها.

إذاً العرض: من الثنايا إلى آخر الفم ذهاباً وعوداً.

فيقول رحمه الله أن هذا مستحب بأن يستاك عرضاً لا طولاً.

= ما الدليل؟

- قالوا أنه روي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استكتم فا ستاكوا عرضاً) وهذا الحديث مرسل.

ومن المعلوم أن المرسل من أنواع الحديث الضعيف فالحديث ضعيف.

والتعليل: أن هذا أنقى وأبعد عن الأذى.

فالفقهاء يرون أننا نستخدم المسواك بعكس ما يقول الأطباء في استخدام الفرشاة.

وفي الحقيقة ينبغي أن يرجع في كيفية الاستياك إلى الأطباء إذا كان حقيقة أن استخدام العود عرضاً أنفع وأقل ضرراً على اللثة أخذنا به وإذا كان الإستخدام الذي يرشدون إليه في الفرشاة أنفع أخذنا به.

ويمكن أن يقال أنه يخنلف العود عن الفرشاة فيمكن أن يكون لكل واحد منهما طريقة تخصه.

• ثم قال رحمه الله:

مبتدأً بجانب فمه الأيمن.

هذا القول يبين مدى دقة الفقهاء رحمهم الله فإذا أردت أن تستاك وقبل أن تبدأ فأين تضع المسواك؟ فيرشدون رحمهم الله أنك تضعه في جانب الفم الأيمن.

= ما الدليل؟

- حديث عائشة كان يعجبة التيمن في شأنه كله - وهذا من شأنه.

ثم نحن أخذنا قاعدة: أنه إذا أراد الإنسان أن يُنَظِّفْ فَالمُنَظَّفْ يبدأ به من اليمين ويستخدم في التنظيف الشمال.

(((هنالك مسألتين سبق الكلام عليهما في باب المياه نريد أن ننبه عليهما:

المسألة الأولى:

إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة:

الحكم: أنه إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة ولم يعلم عدد النجسة فإنه يصلي بعدد الثياب بلا زيادة.

ولعلي ذكرت أنه بزيادة صلاة واحدة - أظن أني ذكرت هذا - وهذا ليس بصحيح إنما يصلي بعدد الثياب فقط.

يعني أنه إذا كان عنده عشرة ثياب فيها ثياب نجسة لا يعرف عددها فبكم يصلي؟

يصلي بعدد العشرة الثياب.

وإنما يصلي بعدد النجس ويزيد إذا كان عدد الثياب النجسة معلوماً.

ص: 67

المسألة الثانية:

في أقسام المياه ذكر المؤلف قسم الطهور المكروه وذكر أنه إذا اختلط بممازج وذكر قطع الكافور والدهن والملح المائي:

ففهم بعض الإخوة أن الملح المائي لا يمازج. ونقول الصواب أن الملح المائي يمازج ولكن لماذا يبقى طهور؟

لأن أصله الماء وقد ذكرت أن هذا هو العلة لكن عدداً من إخواننا اشتبه عليهم الأمر.

المسألة الثالثة:

أن المؤلف رحمه الله ذكر القسم الثالث فقال: والنجَس. بفتح الجيم. والذي في القاموس بالكسر النجِس.

(((انقطع التسجيل))).

((انتهى الدرس الخامس))

ص: 68

• يقول رحمه الله:

ويدهن غِبَّاً.

يعني أنه يسن للإنسان أن يدهن غِبَّاً يعني: يدهن يوماً ويترك يوماً.

والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غِبَّاً.

= فإذا قيل ما هي العلاقة بين الترجل والإدهان الذي ذكره المؤلف؟

- فالجواب: أن الترجل هو تسريح الشعر مع دهنه.

أما التمشيط بلا دهن فليس بترجل.

وهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غِبَّاً. حديث قابل للتحسين.

فمن السنن عند الحنابلة أن يدهن غِبَّاً. فجمعوا بين وجود الإدهان وأن لا يكثر، فلا إفراط ولا تفريط يدهن ولكن لا يكثر.

• قال رحمه الله:

ويكتحل وتراً.

من السنن عند الحنابلة أن يكتحل الإنسان وأن يكون هذا الاكتحال وتراً.

الدليل: - قول النبي صلى الله عليه وسلم من اكتحل فليوتر.

وهذا الحديث أيضاً قابل للتحسين بمجموع طرقه.

= وهنا مسألة: هل الإيتار يكون بالنسبة لمجموع العينين؟ أم يكون بالنسبة لكل عين على حدة؟.

- إذا كان لمجموع العينين: فهذا يعني أن يكتحل مثلاً: ثلاث مرات في اليمنى ومرتين في اليسرى فيكون المجموع خمساً. فهذا إيتار بالنسبة لمجموع العينين.

- والإيتار بالنسبة لكل عين أن يكتحل في كل عين ثلاث مرات.

الذي ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله ورجحه وعمل به القول الأول: أن الإيتار إنما هو لمجموع العينين

وما مال إليه الإمام أحمد هو الصحيح لأن في الباب أحاديث وآثار تدل عليه وإن كانت الأحاديث ضعيفه ولكن من طريقة الإمام أحمد أنه إذا لم يكن في الباب إلا حديثاً ضعيفاً أخذ به.

إذاً عرفنا حكم الاكتحال وتراً وكيفية هذا الإيتار.

ص: 69

الباب معقود لسنن الوضوء ومع ذلك يقول تجب التسمية ولا إشكال في هذا لأنه أراد أن يبين السنن جملة وينص على ما يراه هو واجباً وإن كان غيره يراه سنة.

• قال رحمه الله:

وتجب التسمية: في الوضوء مع الذكر.

فالحنابلة يرون أن التسمية في الوضوء واجبة فإن تركها عمداً بطل الوضوء ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه).

هذا الحديث بالنسبة للمتأخرين محل بحث طويل فكُتِبَتْ فيه بحوث طويلة ورسائل مفردة وغرض الكاتبين إثبات صحة هذا الحديث.

فلا يخلوا أي طريق من طرق هذا الحديث من ضعف ولكنهم يصححونه بمجموع الطرق.

فإذاً عرفنا الآن:

- أن: مذهب المتأخرين من المحدثين تصحيح هذا الحديث بمجموع طرقه.

- وذهب الإمام أحمد وأبو حاتم إلا أنه لا يصح في هذا الباب حديث.

وما ذهب إليه الإمامان هو الصواب عندي بلا إشكال وبدون تردد لسببين:

• السبب الأول: أن طرق هذا الحديث ضعيفة وفي بعضها ضعف شديد.

• السبب الثاني: أن كل علم تحتاج إليه الأمة لا سيما في ركن من أركان الإسلام كالصلاة ولا سيما في أهم واجباتها وهو الضوء فلا بد أن يأتي بطرق قوية ثابتة لا يتردد فيها النقاد وهذا الأم غير متوفر في أحاديث البسملة.

ثم الذين نقلوا إلينا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم نحو عشرة من الصحابة أو أكثر ذكرهم ابن الأثير في جامع الأصول لم يذكر أحد منهم في الأحاديث الصحيحة البسملة مما يدل لم تكن موجودة أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يبسمل.

إذاً النتيجة أن هذا الحديث ضعيف وإذا كان ضعيفاً فالصواب في هذه المسألة هو القول الثاني:

وهو أن البسملة سنة.

بل من العلماء من قال إن البسملة غير مشروعة قالوا: لا يشترط لكل عبادة أن نبدأها ببسم الله فمثلاً:

الآذان من أعظم العبادات لا يبدأ فيه ببسم الله.

ولعل القول الوسط أن البسملة سنة - فيكون أقرب الأقوال - وإن كان القول بعدم مشروعية البسملة قول قوي.

• قوله رحمه الله:

ويجب الختان ما لم يخف على نفسه.

الختان:

• بالنسبة للذكر: هو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة.

• وبالنسبة للأنثى: هو قطعالجلدة أعلى الفرج وذكر الفقهاء أنها تشبه عرف الديك.

ص: 70

فالحنابلة - كما ترون - يرون وجوب الختان للذكر وللأنثى ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألق عنك شعر الكفر واختتن).

فأمر من دخل بالإسلام أن يختتن وهذا الحديث حديث ضعيف.

والقول الثاني في مسألة الأختتان: أنه سنة.

وهذا مذهب الحسن البصري واشتهر بهذا القول واستدل بأن عدداً كبيراً من الناس أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنهم أمروا بالإختتان.

والقول الثالث: أنه واجب بالنسبة للرجل سنة بالنسبة للأنثى.

- وجه هذا القول:

• أن الإختتان بالنسبة للذكر يتعلق بكمال الطهارة وتمامها لأنه إذا لم يقطع هذه الجلدة التي تغطي الحشفة تجمع تحتها بقايا البول فلم تحصل الطهارة على الوجه المطلوب.

• ووجه الوجوب هذا بالنسبة للذكر لا يوجد بالنسبة للأنثى فإن الختان بالنسبة إليها أمر كمالي تحسيني.

وهذا القول يشعر به كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه يقول في الاختيارات ويجب الختان إذا وجبت الصلاة - فربط الختان بالصلاة.

إذاً صارت الأقوال ثلاثة وهذه الثلاثة الأقوال هي أيضاً روايات عن الإمام أحمد فعنه في هذه المسألة ثلاث روايات.

والقول بالوجوب على الذكر دون الأنثى اختيار ابن قدامة رحمه الله.

إذا قيل لك متى تكثر الروايات عن الإمام أحمد فالجواب أن تقول تكثر الروايات عن الإمام أحمد في كل مسألة تعارضت فيها الأدلة الصحيحة أو لم يوجد فيها أدلة فإذا لم يجد الإمام أحمد نصوصاً واضحةً تجد أنه مع ورعه يكون له في المسألة أكثر من قول يعني أكثر من رواية.

فعرفنا بالتفصيل القول في مسألة الختان بالنسبة للحنابلة وغيرهم.

• قوله رحمه الله:

ويكره القزع.

يكره القزع عند الحنابلة لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن القزع).

وروى هذا الحديث عن ابن عمر نافع وذكر البخاري ومسلم في الصحيحين تفسير نافع للقزع حيث قال: أن القزع هو: حلق بعض الرأس وترك بعضه.

إذاً هذا التفسير المشهور هو تفسير لنافع وهو أيضاً في الصحيحين.

= فما حكم القزع؟

- مكروه عند الحنابلة.

= فإن قيل: أن الأصل في النهي التحريم فما وجه أن يكون مكروهاً؟

ص: 71

- فالجواب: أني لم أجد قائلاً من الفقهاء المتقدمين بالتحريم - حسب اطلاعي فإذا كان أحد وجد من السلف أو ممن جاء بعدهم قال بالتحريم فنقول إن التحريم متوافق مع النص لأن الأصل في النهي التحريم.

وقد يكون بعض العلماء الأجلاء المعاصرين قالوا بالتحريم ولكن حسب بحثي لم أجد قائلاً بالتحريم.

ومن سنن الوضوء: السواك، وغسل الكفين ثلاثاً ويجب من نوم ليل ناقض لوضوء، والبداءَة بمضمضة ثم استنشاق، والمبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل اللحية الكثيفة والأصابع، والتيامن، وأخذ ماء جديد للأُذنين، والغسلة الثانية والثالثة.

لما انتهى المؤلف من السنن العامة: السواك وما يتعلق به والاكتحال والاختتان انتقل إلى سنن الوضوء لأن الباب معقود للسواك وسنن الوضوء.

• قال رحمه الله:

ومن سنن الوضوء: السواك

بدأ به لأنه من أهم سنن الوضوء والدليل على سنيته حديث أبي هريرة السابق - (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) - بدل عند كل صلاة.

الحديث الذي في الصحيح فيه الصلاة وفي الرواية التي خارج الصحيح الوضوء.

= وعليه أيهما أصح وأثبت؟ رواية عند الصلاة أو رواية عند الوضوء؟

- الجواب: عند الصلاة. ومع ذلك فهو سنة عند الوضوء.

• ثم قال رحمه الله:

وغسل الكفين ثلاثاً.

يعني أنه يسن لمن أراد أن يتوضأ أن يغسل كفيه ثلاثاً قبل أن يبدأ بالوضوء.

وما أكثر الذين يتركون هذه السنة أما من جهة العوام فغالبهم يترك هذه السنة وأيضاً الخواص - وهم طلاب العلم وأهله - قد ينسى بعضهم هذه السنة.

والدليل على ثبوت هذه السنة:

1 -

حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2 - وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

ففي كل منهما أنه رحمه الله: - بدأ بغسل يديه ثلاثاً قبل أن يشرع في الوضوء - فهي سنة ثابتة.

• ثم قال رحمه الله:

ويجب من نوم ليل ناقض لوضوء.

هذه المسألة من مفردات الحنابلة.

وهو أنه يجب على الإنسان إذا قام من النوم قبل أن يدخل يديه في الإناء أن يغسلهما ثلاثاً.

والدليل تقدم معنا: وهو قو النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً).

- الجمهور يرون أن هذا الغسل: سنة.

- والحنابلة يرون أن هذا الغسل: واجب.

= فأي القولين أحظُّ بالدليل؟

ص: 72

- الجواب: قول الحنابلة. لأن الأصل في الأمر الوجوب.

المؤلف ’ يقول: ويجب من نوم ليل ناقض لوضوء.

= فهل يجب عليه أن يغسل يديه إذا أراد أن يتوضأ أو إذا أراد أن يدخلهما في الإناء؟

- الجواب: إذا أراد أن يدخلهما في الإناء - يعني: ولو لم يرد الوضوء.

= إذاً إذا استيقظ الإنسان من النوم وأراد أن يتوضأ ولم يحتج أن يدخل يديه في الإناء فهل يجب عليه أن يغسل ثلاثاً؟

- لا. لا يجب.

إذاً لا يوجد ارتباط بين غسل الكفين ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء بعد النوم وبين غسل الكفين ثلاثاً في الوضوء.

الخلاصة: يجب على الإنسان إذا استيقظ من النوم وأراد أن يغمس يديه في الإناء أن يغسلهما ثلاثاً ولو لم يرد الضوء لا كما يتصور كثير من الناس أن هذا الوجوب إنما هو إذا أراد الوضوء.

• ثم قال ’:

والبداءَة بمضمضة ثم استنشاق.

البداءة بالمضمضة والاستنشاق سنة والدليل أيضاً حديث عثمان وحديث عبد الله بن زيد حيث بدأ النبي ‘ بالمضمضمة.

وفهم من كلام المؤلف ’: أنه يجوز للإنسان أن يبدأ بغسل الوجه قبل المضمضمة والاستنشاق أليس كذلك؟ بلى.

لأن البدأ بالمضمضة والاستنشاق سنة. إذاً يجوز للإنسان أن يغسل وجهه ثم يتمضمض ويستنشق فتقديم المضمضة والاستنشاق سنة فقط.

• ثم قال ’:

والمبالغة فيهما لغير صائم.

نحتاج في موضوع المبالغة إلى الكلام في عدة عناصر:

أولاً: ما هي المبالغة؟

ثانياً: وما هو الدليل؟

ثالثاً: ولماذا نستثني الصائم؟

نقول أولاً: المبالغة هي:

• في المضمضة هي إدارة الماء في جميع الفم.

• والمبالغة في الاستنشاق هي جذب الماء إلى أقصى الأنف.

• والمبالغة في ما عداهما - يعني في باقي أعضاء الوضوء - دلك ما ينبو عنه الماء.

= لو سألنا سؤالاً: بعد أن عرفنا ما هي المبالغة بالنسبة للمضمضة فما هي المضمضة التي لم تؤدى على وجه المبالغة؟

- الجواب: أن لا يدار الماء في جميع الفم - بأن يدير الماء في بعض الفم فهذه مضمضة ولكن ليست على سبيل المبالغة.

أما الدليل: فهو حديث لقيط بن صبرة - أن النبي ‘ قال أسبغ الوضوء وخلل الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.

= فإن قيل: الحديث فيه المبالغة في الاستنشاق فما هو دليل المضمضة؟

ص: 73

- فالجواب: الدليل الأول: أن نقول أن المضمضة داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (أسبغ الوضوء).

والدليل الثاني: القياس: نقيس الضمضة على الاستنشاق. وهو قياس صحيح.

وأما استثناء الصائم: فهو من النص فإنه قال: (إلا أن تكون صائماً).

وفي هذا الحديث أيضاً دليل على أنه ينبغي للمسلم أن يحتاط لأن الإنسان إذا بالغ في الاستنشاق فدخول الماء إلى الحلق أمر محتمل ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه احتياطاً.

= إذاً ما حكم المبالغة للصائم؟

- الجواب: مكروهة. وليست محرمة. والكراهة دليل الاحتياط كما تقدم.

• ثم قال رحمه الله.

وتخليل اللحية الكثيفة والأصابع.

تخليل اللحية سنة. بدليل حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لما توضأ خلل لحيته).

والكلام الذي قلناه في حديث البسملة في الوضوء ينطبق تماماً على التخليل لأنه لا يوجد حديث صحيح أبداً يدل على التخليل.

وممن ضعف جميع الأحديث التي فيها التخليل الإمام أحمد ولكن مع ذلك المعاصرون يصححون أحاديث التخليل بمجموع الطرق.

والبحث الذي ذكرناه في مسألة البسملة عند الوضوء ينطبق تماماً على مسألة التخليل لأن الأحاديث الصحيحة المتكاثرة ليس فيها ذكر التخليل بل حديث عثمان بل حديث عثمان في الصحيح ليس فيه التخليل لكن في رواية خارج الصحيح فيه التخليل لكن عرفنا الآن أن التخليل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن مع ذلك الإمام أحمد يرى أنه سنة لأنه ثابت عن بعض الصحابة.

قال: وتخليل الأصابع:

يسن تخليل الأصابع أيضاً لحديث لقيط السابق.

وتخليل الأصابع سنة إذا ظن الإنسان أن الماء وصل إلى ما بين الأصابع. لكن إذا ظن أن الماء لم يصل إلى ما بين الأصابع فإن التخليل حينئذ يكون واجباً لا سنة.

فبعض الناس تكون أصابعه ملتصقة جداً - لأي سبب: فقد يكون لسبب طبيعة عمل الإنسان وصناعته أو بسبب طبيعة خلقته وغيره من الأسباب - فإنه إن ظن عدم وصول الماء فالتخليل في حقة في هذه الحالة واجب.

لكن الأصل في التخليل أنه سنة.

• ثم قال رحمه الله:

والتيامن.

التيامن أدلته كثيرة:

• أحاديث الضوء كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليمين.

• وفي حديث الاغتسال - في رواية صحيحة - أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بشقه الأيمن.

• وتقدم معنا أن قاعدة الشرع تقديم اليمين في التكريم.

• قال رحمه الله:

وأخذ ماء جديد للأُذنين.

ص: 74