الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب صلاة التطوع]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال رحمه الله:
باب صلاة التطوع.
لما أنهى المؤلف الكلام على الفرائض - على صلاة الفريضة انتقل للحديث عن صلاة التطوع.
والعلة في هذا الترتيب: أن الحكمة من صلاة التطوع أن تكمل بها الفرائض نص على أن هذه هي الحكمة من التطوع شيخ الاسلام وغيره من المحققين استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن كانت ناقصة قال الرب سبحانه وتعالى: انظروا هل لعبدي من نافلة؟)
فعرفنا الآن لماذا يذكر الفقهاء باب صلاة التطوع بعد صفة الصلاة وعرفنا الحكمة من ذلك.
والتطوع: لغة: التبرع بالشيء.
واصطلاحاً: اسم لما شرع زائداً عن الفرائض.
• ثم قال رحمه الله:
آكدها: كسوف.
اختلف الفقهاء في ترتيب أفضل النوافل:
وقبل الحديث عن مسألة أي النوافل أفضل؟ اعتاد الفقهاء أن يتحدثوا في هذا الباب عن أفضل الطاعات عموماً لا ما يتعلق بصلاة التطوع فقط ولا نريد الدخول المفصل في هذه المسألة لكن نشير إلى أهم الأقوال فيها:
= فالحنابلة يرون أن الجهاد في سبيل الله هو أفضل التطوعات وقد نص على هذا الإمام أحمد رحمه الله جاء ذلك عنه في رواية صحيحة.
= وذهب الشافعي إلى أن أفضل التطوعات الصلاة.
= وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن أفضل التطوعات طلب العلم. وهو رواية عن أحمد.
لذا نستطيع أن نقول أن القول بأن طلب العلم هو أفضل التطوعات - أنه مذهب الجمهور.
ولكل قول من هذه الأقوال أدلة كثيرة ومناقشات كثيرة جداً - وكما قلت لن ندخل في تفاصيلها لأن الكلام فيها خارج عن باب صلاة التطوع لكن نذكر الراجح في هذه المسألة:
وهو: أن أفضلية العمل تختلف باختلاف شيئين:
= باختلاف الأشخاص.
= وباختلاف الأزمان.
فربما صار الفاضل بالنسبة لشخص مفضول بالنسبة لشخص آخر بحسب حال هذا الشخص ومقدرته على العلم تارة وعلى الجهاد تارة وعلى نوافل العبادات: كالصلاة والصيام تارة.
وأيضاً يختلف بحسب الأزمان فإذا عمَّ الجهل وكثر بين الناس واحتاج الناس إلى العلم فإن العلم في هذه الحالة أفضل.
وإذا ضعف المسلمون وهجم عليهم الأعداء وقَتَّلُوا فيهم وشرَّدُوا فإن الجهاد في مثل هذه الحالة أفضل.
= فالخلاصة: أن التفضيل يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان وهذا اختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.
= ومن الفقهاء من قال: بل أفضل الأعمال دائماً وأبداً مهما اختلفت الأزمان والأشخاص: ذكر الله. ومال إليه الحافظ بن حجر في الفتح.
هذه رؤوس الأقوال في هذه المسألة المتشعبة التي تخرج عن موضوع الدرس.
نأتي إلى صلاة التطوع:
اختلف العلماء في أفضل النوافل: وسنأخذ الضوابط التي تضبط هذه الخلافات.
= فالقول الأول: وهو مذهب الحنابلة: أن مناط الأفضلية ما كان فيه اجتماع فالصلاة التي شرعت مع الاجتماع أفضل من الصلاة التي تؤدى بدون اجتماع.
بناء على هذا الضابط: التفضيل والترتيب يكون كما ذكره المؤلف رحمه الله: الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر.
= القول الثاني: أن المناط هو الوجوب: فما اختلف في وجوبه فهو أفضل مما اتفق على أنه مندوب.
بناء على هذا المناط: فإن الترتيب يكون: الكسوف ثم الوتر ثم الاستسقاء ثم التراويح.
والسبب في اعتبار المناطين عند الفقهاء القائلين بالقول الأول. والقائلين بالقول الثاني. هو: التشبه بالفرائض. فهم يتفقون على أنه كلما كانت النافلة تشبه الفريضة أكثر فتكون أفضل لكن يختلفون في مناط التشبيه.
فبعضهم يقول: الإجتماع.
وبعضهم يقول: الوجوب.
بهذا نكون أخذنا قولين في مسألة أي النوافل أفضل.
= القول الثالث: أن سنة الفجر أفضل مطلقاً بدون نظر للمناط:
- لمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم عليها في السفر والحضر.
- ولأنه ذكر رحمه الله أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها.
= القول الرابع: أن صلاة الوتر هي أفضل النوافل.
- كم صارت الأقوال؟ - أربعة.
والراجح - والله أعلم - أن أفضل النوافل هي صلاة الليل. لقول النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه مسلم - (أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل).
فهذا نص صريح في التفضيل.
والقول بأن الأفضلية مناطها الوجوب هو اختيار شيخ الاسلام رحمه الله.
وإذا أردنا أن نجمع بين ما اختاره شيخ الاسلام وما ذكرت أنه هو الراجح: فنقول: أن الترتيب كالتالي: صلاة الليل - ثم الكسوف - ثم الوتر - ثم الاستسقاء - ثم التراويح.
هذا القول يجمع بين القولين.
• قال رحمه الله:
آكدها: كسوف.
أخذنا ما يتعلق به.
•
ثم قال رحمه الله:
ثم استسقاء.
ذكر المؤلف أن الكسوف آكد من الاستسقاء.
والتعليل عند الحنابلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل بصلاة الكسوف عند وجود سببها. بخلاف الاستسقاء فقد يوجد سببه ولا يصليه. فإنه رحمه الله يصلي تارة ويدع تارة فمن هذه الجهة صارت صلاة الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء.
• قال رحمه الله:
ثم تراويح.
صلاة التراويح: تأتي في المرتبة الثالثة: لأنه يشرع لها أن تصلى جماعة.
• ثم قال رحمه الله:
ثم وتر.
الوتر في المرتبة الرابعة: عند الحنابلة لأنه لا يشرع لها أن تصلى جماعة إلا إذا كانت مع صلاة التراويح فقط.
صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح سيخصص المؤلف في الكلام عليها من حيث الحكم والصفة وكل ما يتعلق بهذه الصلاة وسيأتي الحديث عن ذلك عند ذكر المؤلف له. بينما الوتر فنلاحظ أن المؤلف رحمه الله شرع في تفصيل أحكامه هنا لأنه لن يأت الكلام هليه فيما بعد.
فنقول الوتر: اسم للركعة المنفصلة عما قبلها وللثلاث وللخمس وللسبع وللتسع إذا صليت متصلة وإذا فصلت صارت الوتر الركعة الأخيرة.
هذا التعريف مذهب لبعض الفقهاء واختاره ابن القيم رحمه الله.
= القول الثاني: أن الوتر هو اسم لمجموع صلاة الليل. وهذا القول اختاره إسحاق بن راهويه رحمه الله - وهو كما تعلمون من أئمة فقهاء الحديث ومعاصر للإمام أحمد رحمه الله.
واستدل:
1 -
بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ماصلى) فأخبر رحمه الله أن الركعة الأخيرة أصبحت مع ما قبلها وتر.
2 -
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتروا يا أهل القرآن).
وقال: إن المقصود بالحديث صلاة الليل وليس المقصود الركعة الأخيرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يحث على صلاة الليل لا على ركعة واحدة.
ففي هذا الحديث تسمية صلاة الليل وتراً.
وهذا القول في الحقيقة جيد وقوي: أن الوتر اسم لمجموع صلاة الليل.
•
ثم قال رحمه الله: - مبيناً وقت صلاة الوتر -.
ويفعل بين العشاء والفجر.
الوتر له وقت محدود كالفرائض يبدأ من بعد صلاة العشاء وينتهي بطلوع الفجر وهذا مذهب الحنابلة بل مذهب الجمهور.
واستدلوا: - بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله رحمه الله يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى طلوع الفجر إحدى عشرة ركعة).
- واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتروت قبل أن تصبحوا).
فإن صلى الوتر قبل أن يصلي العشاء ولو نسياناً أعاد.
وإن جمع صلاة العشاء إلى صلاة المغرب جمع تقديم جاز له أن يوتر قبل دخول وقت العشاء على الصحيح. أن الحديث علق جواز صلاة الوتر بصلاة العشاء والجامع قد صلى صلاة العشاء.
= والقول الثاني: وهو مذهب المالكية أن الوتر له وقت جواز ووقت ضرورة:
- فوقت الجواز ينتهي: بطلوع الفجر.
- ووقت الضرورة ينتهي: بأداء صلاة الفجر.
أي أن الوقت ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر يعتبر وقت ضرورة والصلاة فيه أداء وليست قضاء.
واستدلوا: - بأنه روي عن عدد كبير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم صلوا وأفتوا من يصلي بعد طلوع الفجر مالم يصل صلاة الفجر.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وأفتى به.
= والقول الثالث: أن ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر وقت للقضاء. ثم إذا صلى الفجر فلا يمكن أن يقضى الوتر.
واستدلوا بأمرين:
- الأول: الآثار المروية عن الصحابة - التي استدل بها أصحاب القول الثاني.
- الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاته الوتر صلاه من النهار اثنى عشرة ركعة. قال شيخ الاسلام: وكونه يصلي اثنتي عشرة ركعة دليل على أنه لا يصليها قضاء ولو كانت قضاء لصلاها على صفتها.
الراجح هو: القول الثالث. وممن اختاره من المحققين ابن قدامة رحمه الله.
بناء على هذا نقول: أن صلاة الوتر يستمر وقتها إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فالوقت ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر يعتبر وقت قضاء فإذا صلى الفجر فلا يمكن أن يقضي صلاة الوتر.
هذا القول في الحقيقة تجتمع به الأدلة مع أني أقول أن القول الثاني قول قوي وأنها أداء لكنها ضرورة ويشعر الإنسان إذا قرأ الآثار أن هذا القول قوي وفي الباب أحاديث كثيرة نحو سبعة أحاديث لكن في أسانيدها ضعف وإلا فهي أيضاً تقوي القول الثاني.
لكن نقول: القول الثالث وسط بين القولين فيكون هو الراجح إن شاء الله.
بقينا في مسألة: وهي: حكم صلاة الوتر:
= ذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم واختاره ابن حزم وابن عبد البر وغيرهما من المحققين إلى أن صلاة الوتر سنة مؤكدة وليست من الواجبات.
أما أنها سنة: أي أنها مشروعة. محل إجماع والأحاديث فيه كثيرة.
وأما أنها ليست واجبة فلدليلين:
- الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يوتر على راحلته والفرائض لا تؤدى على الراحلة.
- الثاني: أن الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يجب عليه أخبره بوجوب الخمس صوات في اليوم والليلة فقال هل عليَّ شيء غيرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. إلا أن تطوع. فهذا نص على أن الصلوات اليومية ليس فيها شيء واجب إلا الخمس.
= والقول الثاني: للأحناف أن الوتر واجب - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خاف أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) واللام للأمر.
= والقول الثالث: أن صلاة الوتر واجبة في حق من يتهجد من الليل فقط. فإذا قام الإنسان يصلي صلاة الليل فإنه يجب عليه وجوباً على هذا القول أن يوتر فإن لم يوتر فهو آثم.
وهذا اختيار شيخ الاسلام.
ودليله: أن في هذا القول جمع بين الأدلة. فإن قوله رحمه الله: (إذا خاف أحدكم الصبح) موجه لمن قام الليل. فنستعمل الحديث فيمن قام ويبقى من نام فلا تجب عليه الوتر.
ومع ترجيح القول الثالث إلا يبقى أن صلاة الوتر متأكدة جداً وأن الإمام أحمد يقول: من تركها فهو رجل سوء لا تقبل شهادته.
تبين الآن تعريف الوتر وحكم الوتر ووقت الوتر. ثم انتقل رحمه الله إلى العدد.
•
فقال رحمه الله:
وأقله ركعة.
يعني أقل الوتر ركعة ويجوز أن يوتر بركعة بلا كراهة.
= وهذا مذهب الإمام أحمد. - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الوتر ركعة آخر الليل).
- ولأنه ثبت عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر
وعمر وعثمان أنهم صلوا الوتر ركعة واحدة.
فبناءً على هذه الأدلة نقول: أن الوتر بركعة واحدة جائز بلا كراهة.
= والقول الثاني: أن الوتر بركعة مكروه إذا لم يكن بعذر. وهو رواية عن أحمد.
= والقول الثالث: أنه محرم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يوتر الرجل بركعة واحدة).
والصواب القول الأول وهذا الحديث ضعيف وممن ضعفه ابن حزم والحافظ العراقي والحافظ ابن القطان رحمهم الله فهؤلاء ثلاثة من الأئمة ضعفوا هذا الحديث ولا شك أنه حديث منكر مخالف للأحاديث الصحيحة ومخالف لعمل أئمة الصحابة.
إذاً قوله: وأقله ركعة دل على جواز الإيتار بركعة وأنه لا يكره. وأخذنا الخلاف فيه.
• قال رحمه الله:
وأكثره إحدى عشرة، مثنى مثنى، ويوتر بواحدة.
هذه ثلاثة أمور:
- أكثره إحدى عشرة.
- ويصلى مثنى مثنى.
- ويوتر بواحدة.
أي أن السنة أن لا يزيد الإنسان على إحدى عشرة ركعة وأن يسلم بين كل ركعتين وإن يوتر بواحدة منفصلة. فهذه هي السنة وهي متركبة من هذه الثلاثة أمور.
الدليل على هذه الأحكام جميعاً: - حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة) هذا لفظ مسلم.
وتلاحظ أن هذا اللفظ يتوافق تماماً مع مذهب الحنابلة.
- مسألة: ثبت عن ابن عباس وعن عائشة بأحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاثة عشرة ركعة.
والفقهاء اختلفوا في التوفيق بين حديث عائشة. وبين حديث ابن عباس وحديثها رضي الله عنها الثاني على عدة أقوال: وهذه الأقوال الغرض منها التوفيق بين الحديثين.
= القول الأول: وهو مذهب لبعض الفقهاء ونصره ابن القيم. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وأن الركعتين هما ركعتي الفجر.
واستدل بما ثبت عن ابن عباس - أنه جعل ركعتي الفجر من جملة الثلاثة عشرة ركعة.
= القول الثاني: وهو أيضاً لبعض الفقهاء ومال إليه الحافظ ابن حجر أن الركعتين هما الركعتان الخفيفتان اللتان كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم أول صلاة الليل. فإنه جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين.
فالحافظ ابن حجر يقول: هاتان الركعتان هما زائدتان على إحدى عشرة ركعة.
واستدل على هذا بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي رحمه الله كان يصلي ثلاثة عشرة ركعة ثم يصلي ركعتي الفجر فدل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاثة عشرة ركعة كاملة سوى ركعتي الفجر.
= القول الثالث: للتوفيق بينها: أن هذا:
- يحمل على الجواز وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي تارة إحدى عشرة ركعة وتارة ثلاثة عشرة ركعة.
- ويحمل أيضاً على النشاط فإذا كان الإنسان يصلي نشيطاً زاد وإذا لم يكن نشيطاً فلا يزيد.
وهذا ما مال إليه الحافظ بن نصر في كتابه قيام الليل.
والأقرب والله أعلم. أن الأعم الأغلب من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي إحدى عشرة ركعة وعلى هذا تدل النصوص عن عائشة التي كانت في بيته رحمه الله وتعرف صلاته وأن كان يصلي أحياناً ثلاثة عشرة ركعة.
فالأقرب القول الثالث. أن هذا فقط لبيان الجواز. ولكن يضاف لكلمة بيان الجواز: أن الأغلب من حاله رحمه الله أنه يصلي إحدى عشرة ركعة.
وبهذا عرفنا مسألة أن أكثره أحدى عشرة وأنه مثنى مثنى وأنه يوتر بواحدة.
ثم انتقل المؤلف إلى صفة ثانية من صفات قيام الليل الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
•
فقال رحمه الله:
وإن أوتر بخمس أو سبع: لم يجلس إلاّ في آخرها.
= نأخذ أولاً: الإيتار بخمس: - صفته: أن يصلي الخمس سرداً ولا يجلس في شيء منها إلا في الأخيرة ثن يتشهد ويسلم.
وهذه الصفة للإيتار بخمس من مفردات مذهب الحنابلة فإنه لم يوافقهم عليها أحد.
واستدلوا:
- بحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس وسبع لا يجلس إلا في آخرهن.
- وبحديث عائشة رضي الله عنها وهو نحو حديث أن سلمة إلا أنها نصت على أنه لا يجلس في شيء من الركعات.
وهذه الصفة وإن كانت من المفردات فهي صفة صحيحة ثابتة في النصوص ولا يضير الحنابلة أنهم تفردوا بها.
ثم هذه الصفة - وهي الإيتار بخمس - ثابتة عن عدد من الصحابة.
فدلت عليها الآثار المرفوعة والموقوفة - ولله الحمد. فإذاً هي من مناقب الإمام أحمد.
= ثانياً: الإيتار بسبع: عند الحنابلة له صفتان:
- الصفة الأولى: وهي المذهب أن يوتر كما في الخمس: بأن يصلي السبع سرداً لا يجلس إلا في آخر ركعة ثم يتشهد ويسلم.
ودليلها: حديث أم سلمة السابق وهو حديث صحيح.
- الصفة الثانية: وهي قول للحنابلة: بل إن ابن القيم لم يذكر إلا هذه الصفة - الثانية - فلم يذكر الصفة التي هي المذهب:
وهي: أن يصلي ستاً ثم يجلس السادسة ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم ويصلي السابعة ثم يجلس ويتشهد ويسلم.
فالفرق بين الصفة الثانية والصفة الأولى هو: الجلوس في الركعة السادسة.
الدليل: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع جلس فيها في السادسة ولم يسلم ثم جلس في السابعة تشهد وسلم.
فعرفنا الآن التفصيل في كيفية صلاة الخمس وفي كيفية صلاة السبع.
•
ثم قال رحمه الله:
وبتسع: يجلس عقب الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم.
الإيتار بتسع على هذه الصفة من مفردات الحنابلة أيضاً.
وصفة الإيتار بتسع: كصفة الإيتار بسبع تماماً: فيصلي ثمان ركعات يجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم ثم يجلس في التاسعو ويتشهد ويسلم.
الدليل: على هذه الصفة أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بتسع جلس في الثامنة منهن ولم يسلم ونهض ثم جلس في التاسعة وتشهد وسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع والسبع على هذه الصفة التي فيها الجلوس في السادسة لما كبر وأخذه اللحم رحمه الله فقد صرحت عائشة رضي الله عنها أنه كان يوتر بسبع مع الجلوس في السادسة لما كبر وأخذه اللحم ولما صار يتعب رحمه الله فصار يوتر بهذه الصفة.
الصفة الثانية للإيتار بتسع: أن يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة. ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة. هذه الصفة ذكرها الحنابلة.
الدليل: ليس لهذه الصفة دليل خاص بالنسبة للتسع لكن لها دليل عام وهو: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم من الصبح فليوتر بواحدة).
قإذا أخذنا بهذا الحديث وأراد الإنسان أن يصلي بتسع على هذه الصفة فهو أمر جائز لكن ينبغي أن يعلم الإنسان أن صلاة التسع بهذه الصفة لم تأت بالسنة فليس لها دليل خاص إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الإحدى عشرة بهذه الصفة.
فعرفنا الآن الخمس والسبع والتسع وبهذا نتهى الكلام عن صفات صلاة الليل.
• ثم قال رحمه الله:
وأدنى الكمال: ثلاث ركعات بسلامين.
هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: أن أدنى الكمال. أن يصلي الإنسان ثلاث ركعات. والدليل على هذا قوله رحمه الله في حديث أبي أيوب -: (من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل).
فتبين من هذا الحديث أن أقل الكمال ثلاث ولا نقول واحدة لأن الواحدة هي المجزئة سواء قلنا الوتر سنة أون واجب لكن نقول أقل الكمال ثلاث.
هذا الحديث الإشكال فيه أن الحافظ النسائي والحافظ أبو حاتم والحافظ الدارقطني وغيرهم حكموا عليه بالوقف وأنه لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وحكمهم رحمهم الله على الحديث أنه موقوف حكم صحيح. فإن هذا الحديث موقوف على أبي أيوب - لكن مع ذلك هو يصلح للإستشهاد وغاية ما هنالك أنه فتوى وإذا كان ليس في الباب ما يدل على أدنى الكمال إلا فتوى عن الصحابي الجليل أبي أيوب - فكفى بها ونأخذ بها ولا تتعارض من أصل ولا مع نص آخر ولا مع فتوى أخرى لغيرة من الصحابة.
المسألة الثانية: قوله: بسلامين.
= يعني: أن أدنى الكمال أن يوتر الإنسان بثلاث يفصل بينهما بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعة ويسلم أي أن السنة في الثلاث الفصل لا الوصل.
والدليل على هذا حديث عائشة رضي الله عنها: أنه يسلم بين كل ركعتين ثم يوتر بواحدة.
= والقول الثاني: أن الأفضل الوصل بأن لا يجلس إلا في الثالثة وهذا مذهب الأحناف.
والدليل عندهم: حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل فيصلي أربعاً لا تسألة عن حسنهن وطولهن ثم أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يوتر بثلاث.
فقال أبو حنيفة: ظاهر هذا النص أن الثلاث بتسليمة واحدة.
الراجح: مذهب الحنابلة أن الأفضل الفصل مع جواز الوصل. قال الإمام أحمد رحمه الله: هو - يعني الفصل أكثر وأقوى في حديث رسول الله رحمه الله. يعني أن الأحاديث التي فيها الفصل أكثر وأصح وأشهر من الأحاديث التي فيها الوصل.
مسألة: فإذا أراد الإنسان أن يوتر بثلاث متصلة فإنه ينهى عن أن يجلس في الثانية ويتشهد ثم يقوم إلى الثالثة لأنه النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نشبه الوتر بصلاة المغرب.
فإذاً الأفضل: الفصل بأن يسلم من الثانية فإن أراد أن يصلي أحياناً بالوصل فإنه لا يجلس في الثانية.
انتهى الدرس،،،
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال رحمه الله:
يقرأ في الأُولى: ((بِسَبِّحِ))، وفي الثانية:((بِقُلْ يَا أَيُّهَا))، وفي الثالثة:((بِالإِخْلَاصْ)).
أي أن السنة لمن أراد أن يصلي الثلاث ركعات الأخيرة أن يقرأ هذه السور في هذه الثلاث ركعات.
والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السور الثلاث: حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقرأ هذه السور في الركعات الثلاث الأخيرة).
وهذه سنة ثابتة ولا إشكال فيها.
ثم بدأ المؤلف بذكر أحكام القنوت:
• فقال رحمه الله:
ويقنت فيها بعد الركوع.
القنوت فيه أحكام كثيرة ومسائل عديدة:
- المسألة الأولى: تعريفه: القنوت هو: الدعاء في الصلاة في مكان مخصوص من القيام.
- المسألة الثانية: قوله رحمه الله: (ويقنت) ظاهره أن القنوت يكون في كل السنة وفي كل ليلة.
= وهذا هو مذهب الحنابلة فإنهم يرون أن المشروع للإنسان أن يقنت كل السنة في كل ليلة.
واستدلوا:
- بحيث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت قبل الركوع). وظاهر هذا الحديث أنه كان في كل السنة.
- وبحديث دعاء القنوت الذي ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنه الذي كان يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن. وأيضاً: ظاهره أنه كان في كل السنة.
وهذان الحديثان ضعيفان.
= القول الثاني: أن المشروع في القنوت أن يكون في النصف الأخير من رمضان فقط.
استدلوا على هذا القول بعدة أدلة - نأخذ بعضها:
- الدليل الأول: ـ أنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لم يكن يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان.
- الدليل الثاني: ـ قال الحسن البصري رحمه الله: كانوا لا يقنتون إلا في النصف الأخير من رمضان. ومراده بكانوا: أي الصحابة رضي الله عنهم.
- الدليل الثالث: ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس أن يقنت في النصف الأخير من رمضان.
الدليل الأول والثاني ثابتان. أما الدليل الثالث فضعيف.
= القول الثالث: أنه لا يشرع أن يقنت الإنسان أبداً.
استدلوا على هذا القول: - بأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد أنه قنت.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لا قبل الركوع ولا بعد الركوع ".
القول الراجح: أن هذا الأمر واسع: فمن أراد أن يقنت أحياناً ويدع أحياناً أو أراد أن يقنت في كل رمضان أو أراد أن يقنت في كل السنة أو أراد أن يدع القنوت وأن القنوت وعدمه كالقول في عدد الركعات - كما سيأتينا - أن الأمر فيه واسع.
فهذا هو القول الراجح.
ويليه في القوة: القول بأنه لا يشرع القنوت أبداً إلا في النصف الأخير من رمضان. فهو في اتلحقيقة قول قوي جداً والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم فيه ثابتة وهي ذات دلالة قوية.
واختار هذا القول من المحققين الأعلام الحفاظ: الأثرم رحمه الله: وهو: من كبار تلاميذ الإمام أحمد فهو حافظ وعالم كبير وكان رحمه الله يحب الإمام أحمد حبَّاً عظيماً وكان يعظم الإمام ولذلك ذكر في ترجمته أنه جلس في مجلس الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام فتذاكروا مسألة فقال الأثرم: القول فيها كذا وكذا فقال رجل من الجالسين: قول من هذا؟ فالتفت إليه الأثرم وقال: هذا قول من ليس في المشرق ولا في المغرب أكبر منه هذا قول الإمام أحمد. فالتفتوا إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فقال أبو عبيد: صدق. يعني أنه بهذا الشأن.
نقول: الأثرم رحمه الله اختار أنه لا يشرع القنوت إلا في النصف الأخير من رمضان.
مع القول أن الأمر في القنوت واسع إلا أني أجزم أنه:
- لا ينبغي أبداً المداومة على القنوت في السنة.
- وأنه لا ينبغي المداومة على القنوت في رمضان.
فإن هذا خلاف السنة فقد تقدم معنا الآن أنه لم يأت حديث صحيح مطلقاً في أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت. لكن صح عن ابن عباس وعمر وابن مسعود أنهم رضي الله عنهم قنتوا.
ولذلك نقول: أن القنوت في الجملة مشروع. لكن من الخطأ أن يداوم عليه سواء في أثناء السنة أو في رمضان فإنه خلاف السنة.
فعرفنا الآن تعريف القنوت ومشروعيته.
- المسألة الثالثة: = ذهب الحنابلة إلى أن القنوت يكون بعد الركوع.
واستدلوا على هذا: - بحديث أنس وبحديث أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت بعد الركوع) في قنوت النوازل وإلا فقد تقدم معنا أنه لم يثبت شيء في قنوت الوتر. وهذين الحديثين في الصحيح.
= القول الثاني: أن المشروع أن يقنت الإنسان قبل الركوع.
واستدلوا على هذا: - بحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت قبل الركوع). وتقدم معنا أن هذا الحديث ضعيف.
والراجح: أن الأولى أن يقنت الإنسان بعد الركوع وإن قنت قبله فجائز لأنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قنت قبل الركوع.
وهذا القول - الثالث - تجتمع به الأدلة والآثار.
• قال رحمه الله:
فيقول:.
قوله: (فيقول). أيضاً تتعلق به عدة مسائل:
- المسألة الأولى: أنه يقول ذلك جهراً بالإجماع إن كان: إماماً. ويؤمن المأموم بلا دعاء.
ـ وأما المنفرد: = فعند الحنابلة: أن المشروع في حقه أن يجهر بدعاء القنوت.
= والقول الثاني: أن المشروع في حق المنفرد أن لا يجهر بالدعاء.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
فتحصل من هذا أن الإمام يجهر والمأموم يؤمن بلا دعاء وأن المنفرد يدعو بلا جهر.
- المسألة الثانية: أن المشروع في الدعاء أن يرفع يديه وهذا داخل في قوله: (اللهم اهدني فيمن هديت).
ورفع اليدين سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء النوازل لأنه لم يثبن أنه صلى الله عليه وسلم دعا دعاء القنوت.
وأما دعاء القنوت فقد ثبت عن ابن عباس وابن مسعود أنهما رضي الله عنهما كانا يرفعان الأيدي في قنوت الوتر.
إذاً رفع اليدين:
- ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.
- ثابت عن الصحابة في قنوت الوتر.
فهو سنة ثابتة ولله الحمد.
• قال رحمه الله:
((اللَّهمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ
…
هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي ولو كان ثابتاً لكان في موضوع قنوت الوتر سنة قولية دون السنة الفعلية لكن تقدم معنا أن حديث الحسن بن علي رضي الله عنه وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الوتر أنه ضعيف.
فلم يثبت في السنة العملية ولا القولية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الوتر.
وظاهر قوله: (فيقول: اللهم اهدني) أن المشروع في حق المصلي إذا أراد أن يقنتن في الوتر أن يبدأ بهذه العبارة فيقول اللهم اهدني فيمن هديت.
= وهذا هو مذهب الحنابلة: أن المروع أن يبدأ بقول: اللهم اهدني فيمن هديت.
= والقول الثاني: أن المشروع أن يبدأ بقوله: (اللهم إنا نستعينك نستغفرك ونستهديك).
واستدلوا على ذلك بأن البيهقي أخرج أثراً صحيحاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يبدأ دعاء قنوت الوتر بهذا. وهذا الأثر صحيح. وقد ذكره البيهقي في سننه وصححه رحمه الله.
والقول الثاني: أقرب باعتبار أنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء.
• قال رحمه الله:
فيقول: (اللهم اهدني فيمن هديت).
الهداية: هي الإرشاد والدلالة. وتنقسم إلى قسمين:
1 -
هداية خاصة بالله. وهي: هداية التوفيق.
2 -
هداية عامة. تكون من الله وتكون من الرسل وتكون من عامة الخلق. وهي: هداية الإرشاد.
قال: (وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ).
طلب العافية من الله يشمل:
- العافية في الدين.
- والعافية في الدنيا.
- والعافية في الآخرة.
ويشمل أيضاً:
- العافية من أمراض القلوب. وهي المقصود الأساس في هذا الحديث.
- والعافية من أمراض البدن. وهي أيضاً مقصودة في هذا الحديث.
فجميع هذه الأنواع داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: (وعافني فيمن عافيت).
ثم قال: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ).
الولاية يقصد بها أحد أمرين:
- إما أن يقصد بها الولي وهو: القرب. فالرجل الذي يليك فهو قريب منك.
- أو يقصد بها التولي فتكون بمعنى: النصرة والإعانة والرعاية.
والولاية الشرعية تنقسم إلى قسمين:
- ولاية عامة. تشمل جميع الخلق.
- ولاية خاصة. تشمل المؤمنين فقط. كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا} .
ويمكن أن نقول بقسم ثالث وهي:
- ولاية خاصة الخاصة. وهي التي تشمل أولياء الله الخاصين القريبين منه بأعمالهم والبعيدين عن الذنوب.
قال: (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ).
البركة: - في التعريف المشهور - هي: النماء والزيادة.
وعرفت بتعريف آخر جميل - فيما أرى -: وهو قولهم: البركة هي: حلول الخير الإلاهي في الشيء. فإذا بارك الله في الشيء عَمَّ نفعه وزاد ونما.
ويلاحظ من قوله (وبارك لي فيما أعطيت) أن الحديث عام لم يقيد العطاء بشيء: فيشمل ما أعطى الله من الإيمان ومن المال ومن الولد ومن العلم ومن العمل الصالح ومن كل خير يعطيه الله سبحانه وتعالى للعبد.
قال: (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ).
يقصد بشر ما قضى الله: أي باعتبار المخلوق. أي شر مقضيك. فالشر في قضاء الله يكون باعتبار الخلق.
أما قضاء الله الذي هو فعل الله فهو كله خير. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك).
فما يصيب الإنسان من مرض وفقر وآلام فهي شر بالنسبة للإنسان ولكنها خير في حكمة الله وشرعه وأفعاله لأنها شرعت لحكم أرادها الله سبحانه ىوتعالى.
قال: (إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ).
يعني: أن القضاء والتدبير إلى الله سبحانه وتعالى وحده كما قال تعالى: {والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير} .
ثم قال: (إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ).
المقصود بقوله: (لا يذل): أي لا يغلب ولا يقهر وإنما يبقى عزيزاً منتصراً من والاه الله.
والمقصود بقوله: (من واليت): أي: الولاية الخاصة وليست الولاية العامة.
قال: (وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ).
يعني: أنه يذل ويقهر ويغلب من عادى الله سبحانه وتعالى.
قال: (تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ).
البركة: تقدم الكلام عليها.
وتعاليت: العلو بالنسبة لله ينقسم إلى قسمين:
- علو ذات. وهو عال فوق عرشه فوق سماواته سبحانه وتعالى.
- علو صفات. أي أن له الكمال المطلق في صفاته سبحانه وتعالى.
هذا فيما يتعلق بشرح الحديث الي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي وهو دعاء قنوت الوتر.
وهذه التعليقات اليسيرة تناسب متناً من متون الفقه وقد تكلم عليها الفقهاء والشراح كلاماً كثيراً وممن تكلم عليها ابن القيم رحمه الله بكلام سديد وواسع وجيد يحسن بطالب العلم الرجوع إليه.
ولكن كما تقدم معنا مراراً أن لكل مقام مقال وأنه في كتب الفقه تتناول القضية بما يتناسب مع متن من متون الفقه حتى لا نخرج من الفقه إلى شرح الأحاديث.
ثم انتقل المؤلف إلى الدعاء الآخر.
• فقال رحمه الله:
(اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ).
هذا الدعاء جاء عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء.
وهذا الحديث صححه المتأخرون. وظاهر تصرف الإمام الدارقطني والإمام أبو حاتم أيضاً تصحيح هذا الحديث فقد ذكروه في العلل ولم يُعِلُّوهُ بشيء.
قال: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك). الرضا والسخط صفتان من صفات الله سبحانه وتعالى ثابتتان في النصوص الصحيحة ويجب الإيمان بهما.
وهذا الدعاء من التوسل بأسماء الله وصفاته وهو باب من أعظم أبواب الدعاء.
قال: (وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ).العفو هو: محو الذنب وعدم المؤاخذة عليه.
والعقوبة هي: المؤاخذة على الذنب.
قال: (وَبِكَ مِنْكَ).هذا من الاستعاذة بالله منه فهو نوع من اللجوء إلى الله والإعلان بالعجز.
قوله: (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ َأنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ). في هذه العبارة رداً للعلم إلى الله سبحانه وتعالى وأن من الثناء على الله مالا يعلمه الخلق وأن الثناء على الله محبوب إليه سبحانه وتعالى.
قال: (اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ). أي أنه يشرع في دعاء قنوت الوتر أن يختم الإنسان دعاءه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
والدليل على ذلك:
1 -
أنه جاء في بعض ألفاظ حديث الحسن بن علي رضي الله عنه الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم لكن ذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن رضي الله عنه لو سلمنا حسنه فهي ضعيفة فلفظ الصلاة أضعف من أصل الحديث فلا يثبت أبداً ذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة في دعاء القنوت سواء في ذلك الأحاديث الضعيفة أو الأحاديث التي حسنها بعض المتأخرين فإنها على الصواب ضعيفة كحديث الحسن رضي الله عنه.
2 -
العمومات. قالوا: أنه جاءت العمومات بالدلالة على أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يختم بها الدعاء ودعاء القنوت لا يخرج عن أن يكون دعاء وإن كان في الصلاة.
والراجح: أن الأمر في هذا واسع. لأنه جاء في بعض الآثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلو دعا الإنسان ثم ختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا فعل مشروع ولا بأس به على أن العز بن عبد السلام يرى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت فعل غير مشروع لكن الأقرب أنه لو فعله الإنسان فلا بأس وإن تركه فلا بأس.
ثم قال: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ). آل محمد: لم يرد ذكر الآل في الأحاديث مطلقاً لا الصحيحة ولا الضعيفة ولا في أي رواية مطلقاً لكن استدلوا على ذلك بالعمومات أيضاً أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلي عليه فإنه يذكر معه غالباً الآل. والصلاة على الآل ذكرها المؤلف وهي مذهب الحنابلة ومروعة عندهم.
= والقول الثاني: أن ذكر الآل لا يشرع لأنه لم يرد لا في حديث صحيح ولا ضعيف.
• ثم قال رحمه الله:
ويمسح وجهه بيديه.
= ذهب الحنابلة إلى أن المصلي إذا انتهى من دعاء الوتر فإنه يشرع له أن يمسح وجهه بيديه. ويرون أن مسح الوجه بعد الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها.
واستدلوا على هذا بعدة آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم ورد فيها مسح الوجه بعد الدعاء.
= والقول الثاني: أن مسح الوجه مشروع خارج الصلاة ولا يشرع داخلها. لأن الآثار التي فيها مسح الوجه ليس فيها تقييد ذلك بالصلاة.
= والقول الثالث: أن مسح الوجه لا يشرع لا في الصلاة ولا خارجها. وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الاسلام.
وهذا القول الثالث هو القول الصحيح. لأن الأحاديث كلها ضعيفة. وعليه مسح الوجه لا يشرع لافي الصلاة ولا خارجها.
تنبيه:
أولاً: أشار البيهقي إلى أن القول بمسح الوجه داخل الصلاة أضعف من القول بمسح الوجه خارج الصلاة. فهذا ينبغي أن يعلم.
ثانياً: أحاديث مسح الوجه ذكرت أنها ضعيفة وبناء عليه لا يشرع أن يمسح الوجه لا داخل الصلاة ولا خارجها لكن يجب أن تعلم أن هذه الأحاديث صححت من قبل طائفة من أهل العلم على رأسهم الحافظ بن حجر رحمه الله فإنه يرى أن مجموع الأحاديث حسن. بناء على ذلك التشديد في هذه المسألة فيما أرى ليس بوارد.
فباعتبار أن أحاديث مسح الوجه قابلة للتحسين وممن حسنها إمام من الأئمة المتأخرين هو الحافظ رحمه الله وبعض الناس قد يمسح وجهه بعد الدعاء آخذاً بقول الفقهاء فلا يشدد في هذا لقوة الخلاف وإنما يرشد من يمسح إلى أن السنة أن لا يمسح.
• ثم قال رحمه الله:
ويكره: قنوته في غير الوتر.
ينقسم القنوت إلى ثلاثة أقسام: - ولا رابع لها.
- القسم الأول: قنوت الوتر.
- القسم الثاني: قنوت النوازل.
- القسم الثالث: قنوت الفجر.
فمقصود المؤلف بقوله: ويكره: قنوته في غير الوتر: هو قنوت الفجر. أي أنه يريد أن يبين أنه لا يشرع أن يقنت الإنسان في الفجر.
= وهذا هو مذهب الحنابلة وهو أيضاً مذهب الأحناف.
واستدلوا على هذا:
1 -
بالحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم ترك القنوت.
2 -
وأنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده يقنتون في صلاة الفجر دائماً وفي كل يوم لكان هذا مما يخفى وينقل نقلاً متواتراً.
= والقول الثاني: وهو المشهور عند الشافعية وهو قول للمالكية أنه يشرع أن يقنت الإنسان في صلاة الفجر في كل يوم.
واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله عنه أنه قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى قبض. وهذا الحديث نص في المسألة. إذ لا يمكن أن المقصود في هذا الحديث قنوت النوازل لأنه من المعلوم أنه لم تنزل بالنبي صلى الله عليه وسلم نوازل طيلة حياته. والراجح أن قنوت الفجر ليس بمشروع. وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.
وأما حديث أنس رضي الله عنه فحديث ضعيف وممن ضعفه من الأئمة ابن التركماني رحمه الله الذي وضع حاشية نفيسة على سنن البيهقي - وأيضاً ابن الجوزي. فهو حديث ضعيف.
وكل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت وهو صحيح فإن المقصود به قنوت النوازل كما سيأتينا.
أما المداومة على قنوت الفجر الذي ليس بسبب النازلة فليس بمشروع.
وكما رأينا هي مسألة خلافية والشافعية والمالكية يرون أن هذا مشروع ويفعلونه في صلاتهم فينبغي أن يعلم طالب العلم أن المسائل التي فيها خلاف أن الأمر فيها واسعه مع وجوب بيان الحق لكن إذا كان ثَمَّ إمام من الأئمة يرى أن هذا هو الحق وأن مذهب الشافعية هو الصواب وقنت فلا تثريب عليه ولا يمنع هذا أن تبين له السنة ولذلك قال شيخ الاسلام يجب على المأموم أن يتابع الإمام في كل ما هو من مسائل الخلاف التي تقبل. ومثله: قنوت الفجر.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ أن ينزل بالمسلمين نازلة.
بدأ المؤلف في الكلام على قنوت النوازل.
وقنوت النوازل فيه عدة مسائل:
- المسألة الأولى: تعريف النازلة: النوازل هي: الشدائد التي تنزل بالمسلمين.
- المسألة الثانية: = ذهب الجماهير والخلفاء الأربعة ورجحه شيخ الاسلام وابن القيم أن قنوت النوازل مشروع إذا نزلت بالمسلين نازلة.
واستدلوا على هذا: بأحاديث كثيرة ثابتة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم منها:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب قتلوا جماعة من قراء الصحابة. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جماعة من القراء في مهمة ثم مروا بهذا الحي من أحياء العرب فاستعدوا لقتالهم فقالوا: إنما بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فقاموا إليهم وقتلوهم. رضي الله عنهم وأرضاهم. وكان من شأنهم في الدعاء في هذه السفرة التي قتلوا فيها أنهم كانوا يحتطبون في النهار ويبيعون ويأكلون ويقومون الليل فكانوا سادة في العلم والعمل وحفظ القرآن ولذلك شَقَّ على النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم فصار يدعو على من قتلهم لمدة شهر كامل.
= القول الثاني: أن دعاء النوازل لا يشرع. واعتبروا ما جاء في الأحاديث من قنوت الفجر.
والصواب أن قنوت النوازل مشروع والنبي صلى الله عليه وسلم قنت كما جاء في الأحاديث الصحيحة وصح أيضاً عن أبي بكر رضي الله عنه قنت في قتال مسيلمة الكذاب وصح أيضاً أن عمر رضي الله عنه قنت قنوتاً مشهوراً بين العلماء والفقهاء في قتال النصارى. وثبت كذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قنت في ليلة صفين وفي قتال الخوارج. وثبت أن عثمان رضي الله عنه أيضاً قنت في بعض النوازل.
فلا شك مطلقاً في أن قنوت النوازل مشروع ومستحب بلا إشكال.
- المسألة الثالثة: أن قنوت النوازل غير واجب بإجماع الفقهاء.
•
ثم قال رحمه الله:
غير الطاعون.
أي أنه:= لا يشرع عند الحنابلة أن يقنت إذا كانت النازلة هي الطاعون.
والطاعون: مرض معروف فتاك يصيب بطن الإنسان وهو معد عداء شديداً وإذا وقع انتشر بين الناس وسبب موتاً كثيراً. استدل الحنابلة على أنه لايشرع دعاء النوازل إذا وقع الطاعون بين المسلمين بأمرين:
- الأول: أنه لما وقع طاعون عمواس في الشام ومات بسببه خيار وسادات الصحابة لم يقنت عمر رضي الله عنه ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
- الثاني: أنه ثبت في صحيح البخاري أن من مات بالطاعةن فهو شهيد. فكيف نسأل الله أن يرفع ما هو سبب في الشهادة.
= القول الثاني: أن القنوت إذا نزل الطاعون بين المسلمين مشروع.
استدلوا على هذا: بأن الطاعون من جملة النوازل التي تنزل بالمسلمين فيشرع له الدعاء والقنوت والابتهال إلى الله بأن يرفعه كما يشرع في باقي النوازل والشدائد التي تنزل بالمسلمين.
وفي الحقيقة المسألة فيها قوة وإشكال. لكن الذي يظهر لي بوضوح بعد التأمل أنه لا يشرع والعمدة في هذا فقط هو أن عمر رضي الله عنه مع أنه حزن جداً على الصحابة الذين في الشام وعلى رأسهم أبو عبيدة بن الجراح بل إنه بذل مساعي وحاولات كثيرة في إخراج هذا الصحابي الجليل من الشام مع ذلك كله لم يقنت رضي الله عنه أبداً مع أن هذا الطاعون أضر بجيش المسلمين الذين في الشام.
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه سادات الصحابة رضي الله عنهم وكبارهم لم يقنتوا مع وجود الطاعون فمن وجهة نظري بلا إشكال أنه لايشرع أن يقنت الإنسان إذا نزل الطاعون.
ننتقل من هذه المسألة إلى مسألة أخرى مهمة:
هل يشرع قنوت النوازل إذا أصيب الناس بمصائب كونية بتقدير الله؟ كالزلازل والبراكين والفيضانات. أو لا يشرع؟
أيضاً فيه خلاف: لكن على ضوء الكلام عن مسألة الطاعون فالأقرب أنه لا يشرع.
إذا ماهو الذي يشرع؟ الجواب: أن الذي يشرع ما كام بيد الإنسان مثل: الحروب. فإنها تقع بسبب الإنسان أما ما كان من الله فإنه لايشرع له قنوت النوازل ولذلك جميع الآثار عن الصحابة فيها القنوت في حال واحدة وهي الحرب والقتال فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قتل أصحابه وأبو بكر وعمر وعلي كلهم قنتوا في نوازل الحرب فقط.
• قال رحمه الله:
فيقنت الإمام في الفرائض.
هاتان مسألتان:
- المسألة الأولى: = عند الحنابلة: أنه لا يشرع أن يقنت إلا الإمام الأعظم فقط دون غيره إلا إن أذن للناس وأمرهم به. - ونحن نتكلم عن قنوت النوازل.
واستدلوا على هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت بالمسلمين نازلة وهي قتل القراء قنت هو صلى الله عليه وسلم وقد كان هو صلى الله عليه وسلم الإمام الأعظم.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يقنت الإمام الأعظم وإمام الجماعة فقط أي دون المنفرد.
= القول الثالث: وهو الرواية الثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله واختارها شيخ الاسلام أنه يقنت كل مصلي - لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
- ولأن النصوص في قنوت النوازل عامة لم تذكر هذا الشرط أنه لا يقنت إلا إمام المسلمين.
والراجح القول الثالث. وهو أنه يقنت كل مصلي على أني أقول: ينبغي أن لايقنت الإنسان إلا في جماعة لأننا لم نجد في النصوص والآثار قنوتاً للمنفردين إنما وجدنا فقط القنوت الجماعي فنقول: يحسن أن لا يقنت إلا إمام الجماعة. لكن لو قنت منفرد في بيته ففي منع ذلك نظر ظاهر لعدم وجود دليل على المنع.
- المسألة الثانية: في كل الفرائض:
أي أن المشروع أن يقنت الإنسان في جميع الفرائض. والدليل أنه ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر وفي الظهر وفي المغرب وفي العشاء. ماذا بقي؟ القنوت في العصر لكنه ثبت بإسناد صحيح في مسند الإمام أحمد فلم يبق شيء من الفروض الخمسة.
- المسألة الثالثة: لا يشرع القنوت في صلاة الجمعة. وقد جاءت آثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تذم القنوت في الجمعة. التعليل: قالوا: اكتفاءً بالخطبة. فإذا أراد أن يدعو فيدعو في أثناء الخطبة.
- المسألة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في كل الفرائض ولكن كان الأغلب والأعم والأكثر على حاله صلى الله عليه وسلم أنه يقنت في صلاة الفجر. ذكر ذلك شيخ الاسلام وابن القيم. فالآثار فيها أن الغالب على حاله صلى الله عليه وسلم أن يقنت في صلاة الفجر مع جواز القنوت في باقي الفرائض.
وأقول - ينبغي إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأراد الإنسان أن يقنت أن يقنت أحياناً في الصلوات السرية حتى يعلم الناس أن القنوت في الظهر والعصر أمر مشروع لاحرج فيه لأن كثيراً من الناس يظن أنه لايشرع القنوت إلا في المغرب والفجر فقط أو في الفجر فقط. نعم. الغالب على حاله صلى الله عليه وسلم الفجر لكن نقول السنة ثبتت في جميع الفروض فينبغي على الإنسان إحياء للسنة أن يقنت أحياناً في الظهر والعصر.
انتهى الدرس،،،
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال رحمه الله:
والتراويح
أي تشرع وتستحب صلاة التراويح.
وصلاة التراويح هي: قيام رمضان.
والتراويح وقيام رمضان وصلاة الليل والتهجد أسماء لشيء واحد.
لكن إن:
وقعت في أول الليل سميت تراويح.
وإن وقعت في آخر الليل سميت تهجد.
وصلاة التراويح مشروعة مستحبة لأحاديث كثيرة نذكر منها:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ليالي معدودة في رمضان وصلى بهم التراويح.
3 -
أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح.
فبعد هذه النصوص لا شك ولا إشكال في مشروعية صلاة التراويح.
وبدء المؤلف في بيان أحكام صلاة التراويح.
• فقال رحمه الله:
عشرون ركعة.
وبدأ بذكر عدد صلاة التراويح.
= فالمستحب عند الحنابلة والشافعية ..... أن صلاة التراويح تكون عشرين ركعة.
استدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس عشرين ركعة.
- الثاني: أن عمر رضي الله عنه أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس عشرين ركعة.
فهذا القول هو مذهب الجمهور - الأئمة الثلاثة: أحمد والشافعي وأبو حنيفة.
وهذان الحديثان - اللذان استدل بهما الجمهور - ضعيفان. بل إن الأول ضعيف جداً. أما حديث أبي بن كعب فهو ضعيف.
= القول الثاني: أن المشروع في صلاة التراويح أن تكون ستة وثلاثون ركعة. وهذا مذهب المالكية.،
استدل الإمام مالك: - بأن هذا هو عمل أهل المدينة القديم.
= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الاسلام وغيره من المحققين:
أن كل ذلك حسن فإن صلى عشرين أو ستة وثلاثين أو إحدى عشر أو ثلاثة عشر فكل ذلك حسن. لأن هذا كله جاء عن السلف.
- فإذا كثرت الصلاة وتعددت الركعات قصر في القراءة.
- وإذا أطال في القراءة قلل الركعات.
والأقرب أن الأمر واسع والأحسن أن يصلي إحدى عشرة ركعة لأنه هو المعروف والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القول بأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد على إحدى عشرة ركعة فيكاد يكون قولاً شاذاً. قال شيخ الاسلام: ومن ظن أن في السنة تحديد لصلاة التراويح بحيث لا يجوز أن يزيد على هذا العدد ولا ينقص عنه فقد أخطأ أ. هـ.
وإن الإنسان ليعجب من القول بأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد على إحدى عشرة ركعة وقد كان خيار القرن الثالث والثاني يصلون ستة وثلاثون ركعة.
لأن الإمام مالك يقول: هو عمل أهل المدينة القديم أي: كأن هذا العمل من قبل أن يأتي هو نفسه رحمه الله فكيف نقول عن عمل يعمله كبار التابعين والأئمة أنه عمل محرم وأنه لا يجوز أو أنه لا يشرع وقد خالف صاحبه السنة.
النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة وأقل وأكثر إذا أثبتنا الثلاثة عشرة ركعة ولم يأت عنه حرف واحد يدل على تحريم الزيادة على هذا العدد.
فالخلاصة: أن هذه الرواية التي رجحها شيخ الاسلام هي الرواية الأقرب مع العلم أن الأحسن أن يصلي الإنسان إحدى عشرة ركعة موافقة للسنة الصحيحة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ثم قال رحمه الله:
تفعل في جماعة مع الوتر: بعد العشاء في رمضان.
ذكر المؤلف رحمه الله عدة مسائل في التراويح:
- المسألة الأولى: أن السنة في التراويح أن تفعل جماعة في المساجد.
= وهذا مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم.
استدلوا على هذا الحكم:
1 -
بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي في المسجد بأصحابه.
2 -
وأن عمر جمع الناس عليها.
3 -
ما قاله المرداوي في الإنصاف: وعلى هذا عمل الناس في كل عصر ومصر. ونحن لا نستدل بعمل الناس ولكن نستأنس بهذه العبارة.
= والقول الثاني: أن من قوي على صلاة التراويح في بيته فهو أفضل وإن كان في رمضان. وهذا مذهب الإمام مالك.
واستدل على ذلك: - بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ليالي بأصحابه ثم امتنع عن الخروج صلى الله عليه وسلم.
والراجح - بلا إشكال - القول الأول - مذهب الجماهير.
والجواب على استدلال مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح التعليل لعدم خروجه وهو أنه خشي أن تفرض على الناس.
وهذا القول - قول الجمهور - هو مذهب الحنابلة وهو مذهب الإمام أحمد فقد صح عنه رحمه الله أنه كان يصلي مع الناس ويوتر مع الإمام ولا يقوم حتى يقوم الإمام.
ومن أدلة قوة هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى مع الإمام العشاء حتى ينصرف كتب له قيام ليله).
وهذا الحديث هو الذي جعل الإمام أحمد رحمه الله يبقى في مكانه حتى يقوم الإمام لأنه فهم من الحديث أن الإنصراف يكون بقيام الإمام.
- المسألة الثانية: - في رمضان - يعني أن صلاة التراويح تشرع في رمضان فقط ولا تشرع خارج رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في رمضان وكذلك عمر رضي الله عنه.
- المسألة الثالثة: أن المشروع للإنسان أن يوتر مع الإمام. وهذا هو مذهب الحنابلة إلا في صورة واحدة فيمن أراد أن يتهجد وسينص عليها المؤلف رحمه الله.
ثم قال رحمه الله:
ويوتر المتهجد بعده، فإن تبع إمامه: شفعه بركعة.
معنى هذه العبارة: أن المشروع للمأموم إذا صلى مع الإمام وفي نيته أن يتهجد من الليل أن المشروع في حقه أن لا يوتر مع الإمام بل يوتر إذا قام.
فإن أراد أن يوتر مع الإمام فإنه بعد الوتر يأتي بركعة تشفع وتره ليجعل الوتر بعد تهجده.
= إذاً عند الحنابلة: أن المشروع للمأموم إذا صلى مع الإمام التراويح وفي نيته أن يتهجد أن لا يوتر مع الإمام فإن أراد أن يوتر فإنه إذا أوتر مع الإمام شفع وتره بركعة.
واستدلوا على ذلك: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).
= والقول الثاني: أن المشروع للمأموم أن يوتر مع الإمام وأن لايشفع وتره ولو أراد أن يتهجد.
أولاً: لأن هذا فيه مخالفة للإمام.
ثانياً: أن في هذا مخالفة لظواهر الآثار. فإنه لم ينقل أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أوتروا مع إمامهم شفعوا الوتر وقطعاً فإنه سيكون منهم من سيتهجد.
ثالثاً: أن هذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله).
رابعاً: أنه صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام ثم يقوم فيصلي بالليل ولا يعيد الوتر.
خامساً: أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أوتر صلى ركعتين.
فهذه خمسة أدلة تدل على ضعف ما ذهب إليه الحنابلة في هذه المسألة. وأن الصواب أن الإنسان يوتر مع الإمام ولو أراد أن يتهجد.
بناء على هذا نقول: ما يفعله بعض الناس من أنه إذا سلم الإمام من الوتر قام ليأتي بركعة فإنه غير مشروع ومخالف لظواهر الآثار ومخالف لظواهر النصوص.
لكن مع ذلك عرفنا الآن أن هذا هو مذهب الحنابلة وهذا خاص فيمن أراد أن يتهجد.
• ثم قال رحمه الله:
ويكره: التنفل بينهما.
أي يكره للإنسان أن يتنفل بين تسليمات التراويح وقد كره هذا الإمام أحمد رحمه الله ونص على كراهته.
ويدل على كراهة هذا الفعل ثلاثة أدلة:
- الأول: أنه ثبت عن ثلاثة من الصحابة أنهم كرهوا هذا العمل.
- الثاني: أن في التنفل بين التراويح مخالفة لظاهر الآثار عن الصحابة. فإنه لم ينقل أنهم كانوا يقومون للتنفل بين التسليمتين مع أنه ثبت في الحديث الصحيح أنهم يجلسون للإستراحة.
- الثالث: أن في هذا مخالفة للإمام.
فإذاً نقول كون الإنسان يتنفل بين التسليمات في التراويح فإنه مكروه. فإن فعل صحت صلاته مع الكراهة.
•
ثم قال رحمه الله:
لا التعقيب بعدها في جماعة.
أي أنه لا يكره التعقيب بعد صلاة التراويح في جماعة.
والتعقيب هو:
- أن يرجع المصلون إلى المسجد مرة أخرى ليصلوا.
- أو أن يذهب شخص أو جماعة ليصلوا في مسجد آخر مع إمام آخر بعد انتهاء صلاتهم مع إمامهم.
فالتعقيب له هاتان الصورتان.
حكمه عند الحنابلة: أنه لا يكره.
والصواب أن نقول: أن التعقيب ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: إما أن يكون رجوعهم بعد نوم. فهذا لا يكره. وهو رواية واحدة عن الإمام أحمد رحمه الله. فلم ينقل عنه خلاف.