المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الكهف (18) : الآيات 79 الى 82] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٧

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 49]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 50 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 29]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 41]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 64]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 65 الى 89]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 50]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 112]

- ‌سورة الحج

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 79 الى 82]

غَيْرِ هَمْزٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ قَوْلُ مُوسَى فِي السَّفِينَةِ وَفِي الْغُلَامِ لِلَّهِ، وَكَانَ قَوْلُهُ فِي الْجِدَارِ لِنَفْسِهِ لِطَلَبِ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَكَانَ سَبَبَ الْفِرَاقِ. وَقَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِي: هَذِهِ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِمُوسَى مَعَ الْخَضِرِ حُجَّةٌ عَلَى مُوسَى وَإِعْجَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ خَرْقَ السَّفِينَةِ نُودِيَ: يَا مُوسَى أَيْنَ كَانَ تَدْبِيرُكَ هَذَا وَأَنْتَ فِي التَّابُوتِ مَطْرُوحًا فِي الْيَمِّ؟ فَلَمَّا أَنْكَرَ قَتْلَ الْغُلَامِ قِيلَ لَهُ: أَيْنَ إِنْكَارُكَ هَذَا مِنْ وَكْزِ الْقِبْطِيِّ وَقَضَائِكَ عَلَيْهِ؟ فَلَمَّا أَنْكَرَ إِقَامَةَ الْجِدَارِ نُودِيَ أَيْنَ هَذَا مِنْ رَفْعِكَ الْحَجَرَ لِبَنَاتِ شُعَيْبٍ دُونَ أُجْرَةٍ؟ سَأُنَبِّئُكَ فِي مَعَانِي هَذَا مَعَكَ وَلَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أُوَضِّحَ لَكَ ما استبهم عليك.

[سورة الكهف (18) : الآيات 79 الى 82]

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)

رُوِيَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا عَزَمَ الْخَضِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ أَخَذَ بِثِيَابِهِ، وَقَالَ: لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي بم أَبَاحَ لَكَ فِعْلَ مَا فَعَلْتَ، فَلَمَّا الْتَمَسَ ذَلِكَ مِنْهُ أَخَذَ فِي الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ، فَقَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ

فَبَدَأَ بِقِصَّةِ مَا وَقَعَ لَهُ أَوَّلًا. قِيلَ: كَانَتْ لِعَشَرَةِ إِخْوَةٍ، خَمْسَةٌ زَمْنَى وَخَمْسَةٌ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ. وَقِيلَ: كَانُوا أُجَرَاءَ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِمْ لِلِاخْتِصَاصِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَسَاكِينَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ جَمْعُ مِسْكِينٍ.

وَقَرَأَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ جَمْعُ مَسَّاكٍ جَمْعُ تَصْحِيحٍ.

فَقِيلَ: الْمَعْنَى مَلَّاحِينَ، وَالْمَسَّاكُ الَّذِي يُمْسِكُ رَجُلَ السَّفِينَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمَسَّاكُونَ دَبَغَةُ الْمُسُوكِ وَهِيَ الْجُلُودُ وَاحِدُهَا مَسْكٌ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ كَانَتْ لِقَوْمٍ ضُعَفَاءَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَاحْتُجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ مِنَ الْعَيْشِ كَالسَّفِينَةِ لِهَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُ أَصْلَحُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ. وَقَوْلُهُ فَأَرَدْتُ فِيهِ إِسْنَادُ إِرَادَةِ الْعَيْبِ إِلَيْهِ. وَفِي قَوْلِهِ: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا لِمَا فِي ذِكْرِ الْعَيْبِ مَا فِيهِ فَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى اللَّهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرِ أَسْنَدَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 212

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها مُسَبَّبٌ عَنْ خَوْفِ الْغَصْبِ عَلَيْهَا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ السَّبَبِ فَلِمَ قُدِّمَ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: النِّيَّةُ بِهِ التَّأْخِيرُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِلْعِنَايَةِ وَلِأَنَّ خَوْفَ الْغَصْبِ لَيْسَ هُوَ السَّبَبَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ مَعَ كَوْنِهَا لِمَساكِينَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ظَنِّي مُقِيمٌ.

وَقِيلَ فِي قراءة أبي وعبد الله كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ انْتَهَى. وَمَعْنَى أَنْ أَعِيبَها بِخَرْقِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَراءَهُمْ وَهُوَ لَفْظٌ يُطْلَقُ عَلَى الْخَلْفِ وَعَلَى الْأَمَامِ، وَمَعْنَاهُ هُنَا أَمَامَهُمْ.

وَكَذَا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ. وَكَوْنُ وَراءَهُمْ بِمَعْنَى أَمَامَهُمْ قَوْلُ قَتَادَةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَالزَّجَّاجِ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ وَرَاءَ يَجُوزُ بِمَعْنَى قُدَّامَ، وَجَاءَ فِي التَّنْزِيلِ وَالشِّعْرِ قَالَ تَعَالَى مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ «1» وَقَالَ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ «2» وَقَالَ وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ «3» . وَقَالَ لَبِيدٌ:

أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي

لُزُومُ الْعَصَا يُحْنَى عَلَيْهَا الْأَصَابِعُ

وَقَالَ سَوَّارُ بْنُ الْمُضَرِّبِ السَّعْدِيُّ:

أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي

وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا

وَقَالَ آخَرُ:

أَلَيْسَ وَرَائِي أَنْ أَدُبَّ عَلَى الْعَصَا

فَتَأْمَنَ أَعْدَاءٌ وَتَسْأَمُنِي أَهْلِي

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ وَراءَهُمْ عِنْدِي هُوَ عَلَى بَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إِنَّمَا تَجِيءُ يُرَاعَى بِهَا الزَّمَنُ، وَالَّذِي يَأْتِي بَعْدُ هُوَ الْوَرَاءُ وَهُوَ مَا خُلِّفَ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يَظْهَرُ بَادِيَ الرَّأْيِ، وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي مَوَاضِعِهَا حَيْثُ وَرَدَتْ تَجِدُهَا تَطَّرِدُ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ وَعَمَلَهُمْ وَسَعْيَهُمْ يَأْتِي بَعْدَهُ فِي الزَّمَنِ غَصْبُ هَذَا الْمَلِكِ، وَمَنْ قَرَأَ أَمَامَهُمْ أَرَادَ فِي الْمَكَانِ أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ إِلَى بَلَدِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. إِنَّهَا بَيْنَ يَدَيِ الْقُرْآنِ، مُطَّرِدٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي الزَّمَنِ. وَقَوْلُهُ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ «4» مُطَّرِدٌ كَمَا قُلْنَا مِنْ مُرَاعَاةِ الزَّمَنِ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ»

يُرِيدُ فِي الْمَكَانِ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ أَمَامَ الصَّلَاةِ فِي الزَّمَنِ. وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَإِنَّهَا مُرِيحَةٌ من شغب هذه الْأَلْفَاظِ وَوَقَعَ لِقَتَادَةَ فِي كُتُبِ الطَّبَرِيِّ وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ. قَالَ قَتَادَةُ: أَمَامَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ

(1) سورة إبراهيم: 14/ 16.

(2)

سورة إبراهيم: 14/ 17.

(3)

سورة المؤمنون: 23/ 100.

(4)

سورة الجاثية: 45/ 10.

ص: 213

مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَهِيَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَهَذِهِ هي العجة الَّتِي كَانَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ يَضِجُّ مِنْهَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَيَجُوزُ إِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَ وَرَاءَهُمْ حَقِيقَةً انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ وَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْكَ هُوَ وَرَاءَكَ، إِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَالدَّهْرِ تَقُولُ: وَرَاءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ جَازَ الْوَجْهَانِ لِأَنَّ الْبَرْدَ إِذَا لَحِقَكَ صَارَ مِنْ وَرَائِكَ، وَكَأَنَّكَ إِذَا بَلَغْتَهُ صَارَ بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: إِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي اللُّغَةِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَمَا قُدَّامَكَ إِذَا تَوَارَى عَنْكَ فَقَدْ صَارَ وَرَاءَكَ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُ وَرَاءَ بِمَعْنَى أَمَامَ عَلَى الِاتِّسَاعِ لِأَنَّهَا جِهَةٌ مُقَابِلَةٌ لِجِهَةٍ فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ وَرَاءَ الْأُخْرَى إِذَا لَمْ يَرِدْ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَجْرَامِ الَّتِي لَا وَجْهَ لَهَا مِثْلُ حَجَرَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ وَرَاءَ مِنَ الْأَضْدَادِ انْتَهَى.

قِيلَ: وَاسْمُ هَذَا الْمَلِكِ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ وَكَانَ كَافِرًا. وَقِيلَ: الْجُلَنْدَى مَلِكُ غَسَّانَ، وَقَوْلُهُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فِي هَذَا حَذْفٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى وَكَانَ كَافِرًا وَكَذَا وُجِدَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ وَنَصَّ

فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مَطْبُوعًا عَلَى الْكُفْرِ

، وَيُرَادُ بِأَبَوَيْهِ أَبُوهُ وَأُمُّهُ ثُنِّيَ تَغْلِيبًا مِنْ بَابِ الْقَمَرَيْنِ فِي الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَهِيَ تَثْنِيَةٌ لَا تَنْقَاسُ. وَقَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ: فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، فَخَرَّجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ عَلِيٍّ إِنَّ فِي كَانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لِكَانَ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ عَلِيٍّ إِنَّ فِي كَانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لِكَانَ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنَانِ عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فَيَكُونَ مَنْصُوبًا، وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي كَانَ ضَمِيرُ الْغُلَامِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ.

فَخَشِينا أَيْ خِفْنَا أَنْ يُغْشِي الْوَالِدَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ طُغْياناً عَلَيْهِمَا وَكُفْراً لِنِعْمَتِهِمَا بِعُقُوقِهِ وَسُوءِ صَنِيعِهِ، وَيُلْحِقَ بِهِمَا شَرًّا وَبَلَاءً، أَوْ يُقْرَنَ بِإِيمَانِهِمَا طُغْيَانُهُ وَكُفْرُهُ، فَيَجْتَمِعَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُؤْمِنَانِ، وَطَاغٍ كَافِرٌ أَوْ يُعْدِيَهُمَا بِدَائِهِ وَيَضِلَّهُمَا بِضَلَالِهِ فَيَرْتَدَّا بِسَبَبِهِ وَيَطْغَيَا وَيَكْفُرَا بَعْدَ الْإِيمَانِ. وَإِنَّمَا خَشِيَ الْخَضِرُ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَعَلَا أَعْلَمَهُ بِحَالِهِ وَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ كَاخْتِرَامِهِ لِمَفْسَدَةٍ عَرَفَهَا فِي حَيَاتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَخَافَ رَبُّكَ، وَالْمَعْنَى فَكَرِهَ رَبُّكَ كَرَاهَةَ مَنْ خَافَ سُوءَ عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَغَيَّرَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ

ص: 214

فَخَشِينا حِكَايَةً لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل بِمَعْنَى فَكَرِهْنَا كَقَوْلِهِ لِأَهَبَ لَكِ

«1» قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَفِي قَوْلِهِ كَاخْتِرَامِهِ لِمَفْسَدَةٍ عَرَفَهَا فِي حَيَاتِهِ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَجَلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ إِسْنَادُ فِعْلِ الْخَشْيَةِ فِي خَشِينَا إِلَى ضَمِيرِ الْخَضِرِ وَأَصْحَابِهِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ أَهَمَّهُمُ الْأَمْرُ وَتَكَلَّمُوا. وَقِيلَ: هُوَ فِي جِهَةِ اللَّهِ وَعَنْهُ عَبَّرَ الْخَضِرُ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ. قَالَ الطبري: ومعناه وقال: معناه فكر هُنَا.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَوْجِيهِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يُدَافِعُهُ أَنَّهَا اسْتِعَارَةٌ أَيْ عَلَى ظَنِّ الْمَخْلُوقِينَ، وَالْمُخَاطَبُ لَوْ عَلِمُوا حَالَهُ لَوَقَعَتْ مِنْهُمْ خَشْيَةُ الرَّهَقِ لِلْوَالِدَيْنِ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَخَافَ رَبُّكَ، وَهَذَا بَيِّنُ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ لَعَلَّ وَعَسَى فَإِنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ تَرَجٍّ وَتَوَقُّعٍ وَخَوْفٍ وَخَشْيَةٍ إِنَّمَا هُوَ بِحَسْبِكُمْ أَيُّهَا المخاطبون. ويُرْهِقَهُما مَعْنَاهُ يُجَشِّمُهُمَا وَيُكَلِّفُهُمَا بِشِدَّةٍ، وَالْمَعْنَى أَنْ يُلْقِيَهُمَا حُبُّهُ فِي اتِّبَاعِهِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جَرِيرٍ أَنْ يُبْدِلَهُما بِالتَّشْدِيدِ هُنَا وَفِي التَّحْرِيمِ وَالْقَلَمِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالتَّخْفِيفِ، وَالزَّكَاةُ هُنَا الطَّهَارَةُ وَالنَّقَاءُ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ شَرَفِ الْخُلُقِ وَالسَّكِينَةِ، وَالرُّحْمُ وَالرَّحْمَةُ الْعَطْفُ مَصْدَرَانِ كَالْكُثْرِ وَالْكَثْرَةِ، وَأَفْعَلُ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغُلَامَ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا رَحْمَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَقْرَبَ رُحْماً أَيْ رَحْمَةَ وَالِدَيْهِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:

يَرْحَمَانِهِ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:

يَا مُنْزِلَ الرُّحْمِ عَلَى إِدْرِيسَا

وَمُنْزِلَ اللَّعْنِ عَلَى إِبْلِيسَا

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو حَاتِمٍ رُحْماً بِضَمِّ الْحَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رُحْماً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ. وَقِيلَ الرُّحْمُ مِنَ الرَّحِمِ والقرابة أي أو صل لِلرَّحِمِ. قِيلَ: وَلَدَتْ غُلَامًا مُسْلِمًا. وَقِيلَ: جَارِيَةً تَزَوَّجَهَا نَبِيٌّ فَوَلَدَتْ نَبِيًّا هَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ. وَقِيلَ: وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيًّا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا تُعْرَفُ كَثْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمُ انْتَهَى.

وَوَصْفُ الْغُلَامَيْنِ بِالْيُتْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا صَغِيرَيْنِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغٍ»

أَيْ كَانَا يَتِيمَيْنِ عَلَى مَعْنَى الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا. قِيلَ: وَاسْمُهُمَا أَصْرَمُ وَصُرَيْمٌ، وَاسْمُ أَبِيهِمَا كَاشِحٌ وَاسْمُ أُمِّهِمَا دَهْنَا، وَالظَّاهِرُ فِي الْكَنْزِ أَنَّهُ مَالٌ مَدْفُونٌ جَسِيمٌ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ عِلْمًا في مصحف مَدْفُونَةٍ: وَقِيلَ: لَوْحٌ مِنْ ذهب

(1) سورة مريم: 19/ 19. [.....]

ص: 215