الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال له بعضهم: أيها الملك إن قلج قد مات، فأمر بقتله فَقُتِلَ، فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: قَبِلَهُ وَهُوَ يُقَبِّلُ الْأَرْضَ، وَيَقُولُ هُوَ الْآنَ أَصْلَحُ مِمَّا كَانَ- يَعْنِي أَنَّهُ مَرِيضٌ وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ- فَيَجِدُ الملك بذلك راحة من قلة عقله ودينه قبحه الله. فَلَمَّا جَاءَتِ التَّتَارُ اشْتَغَلَ بِهِمْ وَأَمَرَ بِدَفْنِ قِلْجٍ وَهَرَبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ خوفا منهم، وكان كلما سار من قُطْرٍ لَحِقُوهُ إِلَيْهِ وَخَرَّبُوا مَا اجْتَازُوا بِهِ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْجَزِيرَةِ وَجَاوَزُوهَا إِلَى سِنْجَارَ وَمَارِدِينَ وَآمِدَ، يُفْسِدُونَ مَا قدروا عليه قتلا ونهبا وأسرا، وَتَمَزَّقَ شَمْلُ جَلَالِ الدِّينِ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ جَيْشُهُ، فَصَارُوا شَذَرَ مَذَرَ، وَبُدِّلُوا بِالْأَمْنِ خَوْفًا، وَبِالْعِزِّ ذلا، وبالاجتماع تفريقا، فسبحان من بيده الملك لا إله إلا هو. وَانْقَطَعَ خَبَرُ جَلَالِ الدِّينِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ سَلَكَ، وَلَا أَيْنَ ذَهَبَ، وَتَمَكَّنَتِ التَّتَارُ مِنَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَمْنَعُهُمْ وَلَا مَنْ يَرْدَعُهُمْ، وَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْوَهْنَ وَالضَّعْفَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِنْهُمْ، كَانُوا كثيرا يَقْتُلُونَ النَّاسَ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُ: لَا باللَّه، لَا باللَّه، فَكَانُوا يَلْعَبُونَ عَلَى الْخَيْلِ وَيُغَنُّونَ وَيُحَاكُونَ النَّاسَ لَا باللَّه لَا باللَّه، وَهَذِهِ طَامَّةٌ عظمي وداهية كبرى، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَحَجَّ النَّاسُ فِي هذه السنة من الشام وكان ممن حج فيها الشيخ تقى الدين أبو عمر بْنُ الصَّلَاحِ، ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ النَّاسُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا لِكَثْرَةِ الْحُرُوبِ وَالْخَوْفِ مِنَ التتار والفرنج، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَفِيهَا تَكَامَلَ بِنَاءُ المدرسة التي بسوق العجم ببغداد الْمَنْسُوبَةُ إِلَى إِقْبَالٍ الشَّرَابِيِّ، وَحَضَرَ الدَّرْسَ بِهَا، وكان يوما مشهودا، اجتمع فِيهِ جَمِيعُ الْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ بِبَغْدَادَ، وَعَمِلَ بِصَحْنِهَا قِبَابَ الْحَلْوَى فَحُمِلَ مِنْهَا إِلَى جَمِيعِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ، وَرَتَّبَ فِيهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَقِيهًا لَهُمُ الجوامك الدارة في كل يوم، والحلوى فِي أَوْقَاتِ الْمَوَاسِمِ، وَالْفَوَاكِهُ فِي زَمَانِهَا، وَخَلَعَ على المدرس والمعيدين والفقهاء في ذلك اليوم، وَكَانَ وَقْتًا حَسَنًا تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. وَفِيهَا سَارَ الْأَشْرَفُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ فِي الرَّسْلِيَّةِ عَنِ الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صاحب مصر إلى الخليفة المستنصر باللَّه، فَأُكْرِمَ وَأُعِيدَ مُعَظَّمًا.
وَفِيهَا دَخَلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ إِلَى بَغْدَادَ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا قَطُّ، فَتَلَقَّاهُ الْمَوْكِبُ وَشَافَهَهُ الْخَلِيفَةُ بِالسَّلَامِ مَرَّتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ شَرَفًا لَهُ غَبَطَهُ بِهِ سَائِرُ مُلُوكِ الْآفَاقِ وَسَأَلُوا أَنْ يُهَاجِرُوا لِيَحْصُلَ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُمَكَّنُوا لِحِفْظِ الثُّغُورِ، ورجع إلى مملكته معظما مكرما.
وممن توفى فيها من الأعيان
يَحْيَى بْنُ مُعْطِي بْنُ عَبْدِ النُّورِ
النَّحْوِيُّ صَاحِبُ الْأَلْفِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ النَّحْوِيَّةِ الْمُفِيدَةِ، ويلقب زين الدِّينِ، أَخَذَ عَنِ الْكِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى مِصْرَ فَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْقَاهِرَةِ فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَشَهِدَ جَنَازَتَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ، وَكَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَحُكِيَ أَنَّ الْمَلِكَ الْكَامِلَ شَهِدَ جَنَازَتَهُ أَيْضًا، وَأَنَّهُ دُفِنَ قَرِيبًا مِنْ قَبْرِ الْمُزَنِيِّ بِالْقَرَافَةِ فِي طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يَسْرَةِ الْمَارِّ رحمه الله.