الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ وَشَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ وَقُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ أَنَّهُ أَصَابَ النَّاسَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِالشَّامِ وَبَاءٌ شَدِيدٌ، وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَالْجَوِّ، فَسَدَ مِنْ كَثْرَةِ الْقَتْلَى بِبِلَادِ الْعِرَاقِ وَانْتَشَرَ حَتَّى تَعَدَّى إِلَى بِلَادِ الشَّامِ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اقْتَتَلَ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ صَاحِبِ الكرك الملك المغيث عمر بن العادل الكبير، وكان في حبسه جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْبَحْرِيَّةِ، مِنْهُمْ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ، فَكَسَرَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ وَنَهَبُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَثْقَالِ وَالْأَمْوَالِ، وَأَسَرُوا جَمَاعَةً مِنْ رُءُوسِ الْأُمَرَاءِ فَقُتِلُوا صَبْرًا، وَعَادُوا إِلَى الْكَرَكِ في أسوإ حال وأشنعه، وَجَعَلُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَعِيثُونَ فِي الْبِلَادِ، فأرسل الله الناصر صاحب دمشق فبعث جَيْشًا لِيَكُفَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَكَسَرَهُمُ الْبَحْرِيَّةُ وَاسْتَنْصَرُوا فَبَرَزَ إِلَيْهِمُ النَّاصِرُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَقَطَعُوا أَطْنَابَ خَيْمَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِإِشَارَةِ رُكْنِ الدِّينِ بِيبَرْسَ الْمَذْكُورِ، وَجَرَتْ حُرُوبٌ وَخُطُوبٌ يطول بسطها وباللَّه المستعان.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ
.
خَلِيفَةُ الْوَقْتِ الْمُسْتَعْصِمُ باللَّه
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ آخِرُ خلفاء بنى العباس بالعراق رحمه الله، وهو أبو أحمد عبد الله بن الْمُسْتَنْصِرِ باللَّه أَبِي جَعْفَرٍ مَنْصُورِ بْنِ الظَّاهِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسْتَنْجِدِ باللَّه أَبِي الْمُظَفَّرِ يُوسُفَ بْنِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ باللَّه أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِي باللَّه أبى القاسم عبد الله بن الذَّخِيرَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ الله عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَادِرِ باللَّه أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَمِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ باللَّه أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ باللَّه أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَمِيرِ الْمُوَفَّقِ أَبِي أَحْمَدَ طَلْحَةَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ باللَّه أَبِي إِسْحَاقَ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّشِيدِ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ الْمَهْدِيِّ أبى عبد الله محمد ابن الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيِّ الْعَبَّاسِيِّ، مَوْلِدُهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَكَانَ مَقْتَلُهُ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَيَكُونُ عُمْرُهُ يَوْمَ قُتِلَ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً رَحِمَهُ الله تعالى. وقد كان حسن الصورة جيد السَّرِيرَةِ، صَحِيحَ الْعَقِيدَةِ مُقْتَدِيًا بِأَبِيهِ الْمُسْتَنْصِرِ فِي الْمَعْدَلَةِ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَإِكْرَامِ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ، وَقَدِ استجاز له الحافظ ابن النجار من جماعة مِنْ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ مِنْهُمُ الْمُؤَيَّدُ الطُّوسِيُّ، وَأَبُو روح عبد العزيز بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّفَّارِ وَغَيْرُهُمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُؤَدِّبُهُ شَيْخُ الشُّيُوخِ صَدَرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّيَّارِ، وأجاز هو للإمام محيي الدين ابن الجوزي، وللشيخ نجم الدين البادرائي، وَحَدَّثَا عَنْهُ بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ. وَقَدْ كَانَ رحمه الله سُنِّيًّا عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ وَاعْتِقَادِ
الْجَمَاعَةِ كَمَا كَانَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ لِينٌ وَعَدَمُ تَيَقُّظٍ وَمَحَبَّةٌ لِلْمَالِ وَجَمْعِهِ، ومن جملة ذلك أنه استحل الْوَدِيعَةَ الَّتِي اسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا النَّاصِرُ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَاسْتُقْبِحَ هَذَا مِنْ مِثْلِ الْخَلِيفَةِ، وَهُوَ مُسْتَقْبَحٌ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ بِكَثِيرٍ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً 3:75.
قَتَلَتْهُ التَّتَارُ مَظْلُومًا مُضْطَهَدًا فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وكانت مدة خلافته خمسة عشر سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مثواه، وبل بالرأفة ثَرَاهُ. وَقَدْ قُتِلَ بَعْدَهُ وَلَدَاهُ وَأُسِرَ الثَّالِثُ مَعَ بَنَاتٍ ثَلَاثٍ مِنْ صُلْبِهِ، وَشَغَرَ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَبْقَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ مَنْ سَدَّ مَسَدَّهُ، فَكَانَ آخَرَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ الْحَاكِمِينَ بِالْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ يرتجى منهم النوال ويخشى الباس، وختموا بعبد الله المستعصم كما فتحوا بعبد اللَّهِ السَّفَّاحُ، بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ وَظَهَرَ مُلْكُهُ وَأَمْرُهُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، بَعْدَ انْقِضَاءِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْتَعْصِمُ وَقَدْ زَالَ مُلْكُهُ وَانْقَضَتْ خِلَافَتُهُ فِي هَذَا الْعَامِ، فَجُمْلَةُ أَيَّامِهِمْ خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة، وزال ملكهم عَنِ الْعِرَاقِ وَالْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ مُدَّةَ سَنَةٍ وَشُهُورٍ فِي أَيَّامِ الْبَسَاسِيرِيِّ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثُمَّ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ. وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ فِي أَيَّامِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ وللَّه الْحَمْدُ.
وَلَمْ تَكُنْ أَيْدِي بَنِي الْعَبَّاسِ حَاكِمَةً عَلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ كَمَا كَانَتْ بَنُو أُمِّيَّةَ قاهرة لجميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه خَرَجَ عَنْ بَنِي الْعَبَّاسِ بِلَادُ الْمَغْرِبِ، مَلَكَهَا فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ بَعْضُ بَنِي أُمِّيَّةَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ الْمُلُوكُ بَعْدَ دُهُورٍ مُتَطَاوِلَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَارَنَ بَنِي الْعَبَّاسِ دَوْلَةُ الْمُدَّعِينَ أَنَّهُمْ مِنَ الْفَاطِمِيِّينَ بِبِلَادِ مِصْرَ وَبَعْضِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَمَا هُنَالِكَ، وَبِلَادِ الشَّامِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ والحرمين في أزمان طويلة [وكذلك أخذت من أيديهم بلاد خراسان وما وراء النهر، وتداولتها الملوك دولا بعد دول، حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلا بغداد وبعض بلاد العراق، وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات، كما ذكر ذلك مبسوطا في الحوادث والوفيات][1] وَاسْتَمَرَّتْ دَوْلَةُ الْفَاطِمِيِّينَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى كَانَ آخِرُهُمُ الْعَاضِدُ الَّذِي مَاتَ بَعْدَ الستين وخمسمائة في الدولة الصلاحية الناصرية القدسية، وَكَانَتْ عِدَّةُ مُلُوكِ الْفَاطِمِيِّينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا مُتَخَلِّفًا، وَمُدَّةُ مُلْكِهِمْ تَحْرِيرًا مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْعَاضِدُ سَنَةَ بِضْعٍ وسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْعَجَبُ أَنَّ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ التَّالِيَةِ لِزَمَانِ رَسُولِ اللِّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً كَمَا نَطَقَ بِهَا
[1] زيادة من نسخة أخرى بالآستانة.
الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، فَكَانَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ ابْنُهُ الحسن بن على ستة شهور حتى كملت الثَّلَاثُونَ كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ كَانَتْ مُلْكًا فَكَانَ أَوَّلَ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ مِنْ بَنِي أَبِي سُفْيَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمِّيَّةَ، ثُمَّ ابنه يزيد، ثم ابن ابنه معاوية ابن يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَانْقَرَضَ هَذَا الْبَطْنُ الْمُفْتَتَحُ بِمُعَاوِيَةَ الْمُخْتَتَمُ بِمُعَاوِيَةَ، ثُمَّ مَلَكَ مَرْوَانُ بْنُ الحكم ابن أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، ثُمَّ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ ثُمَّ ابْنُ عَمِّهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثُمَّ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ النَّاقِصُ وَهُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ أيضا، ثم مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْمُلَقَّبِ بِالْحِمَارِ، وَكَانَ آخِرَهُمْ، فَكَانَ أَوَّلُهُمُ اسْمُهُ مروان وآخرهم اسمه مروان، ثم انقرضوا من أولهم إلى خاتمهم. وكان أول خلفاء بنى العباس عبد الله السفاح، وآخرهم عبد الله المستعصم. وكذلك أول خلفاء الفاطميين فالأول اسمه عبد الله العاضد، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ الْعَاضِدُ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا قَلَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لَهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم. وهذه أرجوزة لبعض الفضلاء ذكر فيها جَمِيعِ الْخُلَفَاءِ:
الْحَمْدُ للَّه الْعَظِيمِ عُرْشُهُ
…
الْقَاهِرِ الْفَرْدِ الْقَوِيِّ بَطْشُهُ
مُقَلِّبِ الْأَيَّامِ وَالدُّهُورِ
…
وَجَامِعِ الْأَنَامِ لِلنُّشُورِ
ثُمَّ الصَّلَاةُ بِدَوَامِ الْأَبَدِ
…
عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدِ
وَآَلِهِ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ
…
السَّادَةِ الأئمة الأعلام
وبعد فان هَذِهِ أُرْجُوزَهْ
…
نَظَمْتُهَا لَطِيفَةٌ وَجِيزَهْ
نَظَمْتُ فِيهَا الراشدين الخلفا
…
من قام بَعْدِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى
وَمَنْ تَلَاهُمْ وَهَلُمَّ جَرَّا
…
جَعَلْتُهَا تَبْصِرَةً وَذِكْرَى
لِيَعْلَمَ الْعَاقِلُ ذُو التَّصْوِيرِ
…
كَيْفَ جَرَتْ حَوَادِثُ الْأُمُورِ
وَكُلُّ ذِي مَقْدِرَةٍ وَمُلْكِ
…
مُعَرَّضُونَ لِلْفَنَا وَالْهُلْكِ
وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ والنهار
…
تبصرة لكل ذي اعتبار
والملك الجبار فِي بِلَادِهِ
…
يُورِثُهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ
وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَلِلْفَنَاءِ
…
وَكُلُّ مُلْكٍ فَإِلَى انْتِهَاءِ
وَلَا يَدُومُ غَيْرُ مُلْكِ الْبَارِي
…
سُبْحَانَهُ مِنْ مَلِكٍ قَهَّارِ
مُنْفَرِدٍ بِالْعِزِّ وَالْبَقَاءِ
…
وَمَا سِوَاهُ فَإِلَى انْقِضَاءِ
أَوَّلُ مَنْ بُويِعَ بِالْخِلَافَهْ
…
بَعْدَ النبي ابن أبى قحافة
أعنى الامام الهادي الصِّدِّيقَا
…
ثُمَّ ارْتَضَى مِنْ بَعْدِهِ الْفَارُوقَا
فَفَتَحَ البلاد والأمصارا
…
وَاسْتَأْصَلَتْ سُيُوفُهُ الْكُفَّارَا
وَقَامَ بِالْعَدْلِ قِيَامًا يُرْضِي
…
بِذَاكَ جَبَّارَ السَّمَا وَالْأَرْضِ
وَرَضِيَ النَّاسُ بِذِي النُّورَيْنِ
…
ثُمَّ عَلِيٍّ وَالِدِ السِّبْطَيْنِ
ثُمَّ أَتَتْ كَتَائِبٌ مَعَ الْحَسَنْ
…
كَادُوا بِأَنْ يُجَدِّدُوا بِهَا الْفِتَنْ
فَأَصْلَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ
…
كَمَا عَزَا نبينا إليه
وجمع النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَهْ
…
وَنَقَلَ الْقِصَّةَ كُلُّ رَاوِيَهْ
فَمَهَّدَ الْمُلْكَ كَمَا يُرِيدُ
…
وَقَامَ فِيهِ بَعْدَهُ يَزِيدُ
ثُمَّ ابْنُهُ وَكَانَ بَرًّا رَاشِدَا
…
أَعْنِي أَبَا لَيْلَى وَكَانَ زَاهِدَا
فَتَرَكَ الْإِمْرَةَ لَا عن غلبه
…
ولم يكن إليها منه طلبه
وابن الزبير بالحجاز يد أب
…
فِي طَلَبِ الْمُلْكِ وَفِيهِ يَنْصَبُ
وَبِالشَّآمِ بَايَعُوا مَرْوَانَا
…
بِحُكْمِ مَنْ يَقُولُ كُنْ فَكَانَا
وَلَمْ يَدُمْ فِي الْمُلْكِ غَيْرَ عَامِ
…
وَعَافَصَتْهُ أَسْهُمُ الحمام
واستوثق الْمُلْكُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ
…
وَنَارَ نَجْمُ سَعْدِهِ فِي الْفَلَكِ
وَكُلُّ مَنْ نَازَعَهُ فِي الْمُلْكِ
…
خَرَّ صريعا بسيوف الهلك
وقتل الْمُصَعَبَ بِالْعِرَاقِ
…
وَسَيَّرَ الْحَجَّاجَ ذَا الشِّقَاقِ
إِلَى الْحِجَازِ بِسُيُوفِ النِّقَمِ
…
وَابْنُ الزُّبَيْرِ لَائِذٌ بِالْحَرَمِ
فجار بَعْدَ قَتْلِهِ بِصَلْبِهِ
…
وَلَمْ يَخَفْ فِي أَمْرِهِ من ربه
وعند ما صفت له الأمور
…
تقلبت بجسمه الدُّهُورُ
ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِهِ الْوَلِيدُ
…
ثُمَّ سُلَيْمَانُ الْفَتَى الرَّشِيدُ
ثُمَّ اسْتَفَاضَ فِي الْوَرَى عَدَلُ عُمَرَ
…
تَابَعَ أَمْرَ رَبِّهِ كَمَا أَمَرْ
وَكَانَ يُدْعَى بِأَشَجِّ الْقَوْمِ
…
وَذِي الصَّلَاةِ وَالتُّقَى وَالصَّوْمِ
فَجَاءَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
…
وَكَفَّ أَهْلَ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ
مُقْتَدِيًا بِسُنَّةِ الرَّسُولِ
…
وَالرَّاشِدِينَ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ
فَجُرِّعَ الْإِسْلَامُ كَأْسَ فَقْدِهِ
…
وَلَمْ يَرَوْا مِثْلًا لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
ثُمَّ يَزِيدُ بَعْدَهُ هِشَامُ
…
ثُمَّ الْوَلِيدُ فُتَّ مِنْهُ الْهَامُ
ثُمَّ يَزِيدُ وَهْوَ يُدْعَى النَّاقِصَا
…
فَجَاءَهُ حِمَامُهُ مُعَافِصَا
وَلَمْ تَطُلْ مُدَّةُ إِبْرَاهِيمَا
…
وَكَانَ كُلُّ أَمْرِهِ سَقِيمَا
وَأَسنَدَ الْمُلْكَ إِلَى مَرْوَانَا
…
فَكَانَ مِنْ أُمُورِهِ مَا كَانَا
وَانْقَرَضَ الْمُلْكُ عَلَى يَدَيْهِ
…
وَحَادِثُ الدَّهْرِ سَطَا عَلَيْهِ
وَقَتْلُهُ قَدْ كَانَ بِالصَّعِيدِ
…
وَلَمْ تُفِدْهُ كَثْرَةُ الْعَدِيدِ
وَكَانَ فِيهِ حَتْفُ آلِ الْحَكَمِ
…
وَاسْتُنْزِعَتْ عَنْهُمْ ضُرُوبُ النِّعَمِ
ثُمَّ أَتَى مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ
…
لَا زَالَ فِينَا ثَابِتَ الْأَسَاسِ
وَجَاءَتِ الْبَيْعَةُ مِنْ أَرْضِ الْعَجَمْ
…
وَقَلَّدَتْ بَيْعَتَهُمْ كُلُّ الْأُمَمْ
وَكُلُّ مَنْ نَازَعَهُمْ مِنْ أُمَمِ
…
خَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَالْفَمِ
وَقَدْ ذَكَرْتُ مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمُ
…
حِينَ تَوَلَّى الْقَائِمُ الْمُسْتَعْصِمُ
أَوَّلُهُمْ يُنْعَتُ بِالسَّفَّاحِ
…
وَبَعْدَهُ الْمَنْصُورُ ذو الجناح
ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِهِ الْمَهْدِيُّ
…
يَتْلُوهُ مُوسَى الْهَادِيَ الصَّفِيُّ
وَجَاءَ هَارُونُ الرَّشِيدُ بَعْدَهُ
…
ثُمَّ الْأَمِينُ حِينَ ذَاقَ فَقْدَهُ
وَقَامَ بَعْدَ قَتْلِهِ الْمَأْمُونُ
…
وَبَعْدَهُ الْمُعْتَصِمُ الْمَكِينُ
وَاسْتُخْلِفَ الْوَاثِقُ بَعْدَ الْمُعْتَصِمْ
…
ثُمَّ أَخُوهُ جَعْفَرٌ مُوفِي الذِّمَمْ
وَأَخْلَصَ النية في المتوكل
…
للَّه ذِي الْعَرْشِ الْقَدِيمِ الْأَوَّلِ
فَأَدْحَضَ الْبِدْعَةَ فِي زَمَانِهِ
…
وَقَامَتِ السُّنَّةُ فِي أَوَانِهِ
وَلَمْ يبق فيها بدعة مضلة
…
وألبس المعتزلي ثوب ذِلَّهْ
فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَبَدَا
…
مَا غَارَ نجم في السماء أو بدا
وَبَعْدَهُ اسْتَوْلَى وَقَامَ الْمُعْتَمِدْ
…
وَمَهَّدَ الْمُلْكَ وَسَاسَ المقتصد
وعند ما اسْتُشْهِدَ قَامَ الْمُنْتَصِرْ
…
وَالْمُسْتَعِينُ بَعْدَهُ كَمَا ذُكِرْ
وجاء بعد موته المعتز
…
والمهتدي الملتزم الأعز
والمكتفي في صحف العلا أسطر
…
وبعده ساس الأمور المقتدر
واستوثق الْمُلْكُ بِعِزِّ الْقَاهِرِ
…
وَبَعْدَهُ الرَّاضِي أَخُو الْمُفَاخِرِ
والمتقى من بعد ذا المستكفي
…
ثُمَّ الْمُطِيعُ مَا بِهِ مِنْ خُلْفِ
وَالطَّائِعُ الطَّائِعُ ثُمَّ الْقَادِرُ
…
وَالْقَائِمُ الزَّاهِدُ وَهْوَ الشَّاكِرُ
وَالْمُقْتَدِي مِنْ بَعْدِهِ الْمُسْتَظْهِرُ
…
ثُمَّ أَتَى الْمُسْتَرْشِدُ الْمُوَقَّرُ
وَبَعْدَهُ الرَّاشِدُ ثُمَّ الْمُقْتَفِي
…
وَحِينَ مَاتَ استنجدوا بيوسف
المستضيء الْعَادِلُ فِي أَفْعَالِهِ
…
الصَّادِقُ الصَّدُوقُ فِي أَقْوَالِهِ
والناضر الشَّهْمُ الشَّدِيدُ الْبَاسِ
…
وَدَامَ طُولُ مُكْثِهِ فِي النَّاسِ
ثُمَّ تَلَاهُ الظَّاهِرُ الْكَرِيمُ
…
وَعَدْلُهُ كُلٌّ بِهِ عَلِيمُ
وَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ فِي الْمَمْلَكَهْ
…
غَيْرَ شُهُورٍ وَاعْتَرَتْهُ الْهَلَكَهْ
وَعَهْدُهُ كَانَ إِلَى الْمُسْتَنْصِرِ
…
الْعَادِلِ الْبَرِّ الْكَرِيمِ الْعُنْصُرِ
دَامَ يَسُوسُ النَّاسَ سَبْعَ عَشَرَهْ
…
وَأَشْهُرًا بِعَزَمَاتٍ بَرَّهْ
ثُمَّ تُوُفِّي عَامَ أَرْبَعِينَا
…
وَفِي جُمَادَى صَادَفَ الْمَنُونَا
وَبَايَعَ الْخَلَائِقُ الْمُسْتَعْصِمَا
…
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَسَلَّمَا
فأرسل الرسل إلى الْآفَاقِ
…
يَقْضُونَ بِالْبَيْعَةِ وَالْوِفَاقِ
وَشَرَّفُوا بِذِكْرِهِ الْمَنَابِرَا
…
ونشروا في جُودِهِ الْمَفَاخِرَا
وَسَارَ فِي الْآفَاقِ حُسْنُ سِيرَتِهْ
…
وَعَدْلُهُ الزَّائِدُ فِي رَعِيَّتِهْ
قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدين ابن كثير رحمه الله تعالى: ثُمَّ قُلْتُ أَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبْيَاتًا:
ثُمَّ ابتلاه الله بالتتار
…
أتباع جنكيزخان الجبار
صحبته ابن ابنه هُولَاكُو
…
فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِهِ فِكَاكُ
فَمَزَّقُوا جُنُودَهُ وَشَمْلَهُ
…
وَقَتَلُوهُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ
وَدَمَّرُوا بَغْدَادَ وَالْبِلَادَا
…
وَقَتَّلُوا الْأَحْفَادَ وَالْأَجْدَادَا
وَانْتَهَبُوا الْمَالَ مَعَ الْحَرِيمِ
…
وَلَمْ يَخَافُوا سَطْوَةَ الْعَظِيمِ
وَغَرَّهُمْ إِنْظَارُهُ وَحِلْمُهُ
…
وَمَا اقْتَضَاهُ عَدْلُهُ وَحُكْمُهُ
وَشَغَرَتْ مِنْ بَعْدِهِ الْخِلَافَهْ
…
وَلَمْ يُؤَرَّخْ مِثْلُهَا مِنْ آفَهْ
ثُمَّ أَقَامَ الْمَلْكُ أَعْنِي الظَّاهِرَا
…
خَلِيفَةً أَعْنِي به المستنصرا
تثم ولى من بعد ذاك الحاكم
…
مسيم بِيبَرْسَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ
ثُمَّ ابْنُهُ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَكْفِي
…
وَبَعْضُ هَذَا لِلَّبِيبِ يَكْفِي
ثُمَّ وَلِي مِنْ بَعْدِهِ جَمَاعَهْ
…
مَا عِنْدَهُمْ عِلْمٌ وَلَا بِضَاعَهْ
ثم تولى وقتنا الْمُعْتَضِدْ
…
وَلَا يَكَادُ الدَّهْرُ مِثْلَهُ يَجِدْ
فِي حُسْنِ خُلْقٍ وَاعْتِقَادٍ وَحِلَى
…
وَكَيْفَ لَا وَهْوَ من السيم الأولى
سادوا البلاد والعباد فضلا
…
وملئوا الْأَقْطَارَ حِكَمًا وَعَدْلًا
أَوْلَادِ عَمِّ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدِ
…
وَأَفْضَلِ الْخَلْقِ بِلَا تَرَدُّدِ