الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَلَبَ مِنْ أَيْدِي الْمَغُولِ مُدَّةَ شَهْرٍ، ثُمَّ تسلمها بعد محاصرة شديدة صلحا. كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَدُفِنَ بِدِهْلِيزِ دَارِهِ. وَفِيهَا قُتِلَ:
الْمَلِكُ السَّعِيدُ حَسَنُ بْنُ عبد العزيز
ابن الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، كَانَ صَاحِبَ الصُّبَيْبَةِ وَبَانِيَاسَ بَعْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ أُخِذَتَا مِنْهُ وحبس بقلعة المنيرة، فَلَمَّا جَاءَتِ التَّتَارُ كَانَ مَعَهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِ بِلَادَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ عَيْنِ جَالُوتَ أُتِيَ به أسيرا إلى بين يدي الْمُظَفَّرِ قُطُزَ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ لبس سرقوج التتار وناصحهم على المسلمين.
عبد الرحمن بن عبد الرحيم بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَاهِرِ
ابن محمد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الْعَجَمِيِّ الْحَلَبِيُّ الشَّافِعِي، مِنْ بَيْتِ الْعِلْمِ وَالرِّئَاسَةِ بِحَلَبَ، دَرَّسَ بِالظَّاهِرِيَّةِ وَوَقَفَ مدرسة بها ودفن بها، توفى حِينَ دَخَلَتِ التَّتَارُ حَلَبَ فِي صَفَرٍ، فَعَذَّبُوهُ وصبوا عَلَيْهِ مَاءً بَارِدًا فِي الشِّتَاءِ فَتَشَنَّجَ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ قُطُزُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
سَيْفُ الدِّينِ التُّرْكِيُّ، أَخَصُّ مماليك المعز التركماني، أحد مماليك الصالح أيوب بن الكامل.
لَمَّا قُتِلَ أُسْتَاذُهُ الْمُعِزُّ قَامَ فِي تَوْلِيَةِ ولده نور الدين المنصور عَلِيٍّ، فَلَمَّا سَمِعَ بِأَمْرِ التَّتَارِ خَافَ أَنْ تختلف الكلمة لصغر ابْنِ أُسْتَاذِهِ فَعَزَلَهُ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَبُويِعَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ كما تقدم، ثم سار إلى التتار فَجَعَلَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ نُصْرَةَ الْإِسْلَامِ كَمَا ذكرنا، وقد كان شجاعا بطلا كثير الخير ناصحا للإسلام وأهله، وكان الناس يحبونه ويدعون له كثيرا. ذكر عنه أنه لما كان يوم المعركة بعين جَالُوتَ قُتِلَ جَوَادُهُ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ مِنَ الْوَشَاقِيَّةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ الْجَنَائِبُ، فترجل وبقي واقفا على الأرض ثابتا، والقتال عمال في المعركة، وهو في موضع السلطان مِنَ الْقَلْبِ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ تَرَجَّلَ عن فرسه وحلف على السلطان ليركبنها فامتنع وقال لذلك الأمير:
مَا كُنْتُ لِأَحْرِمَ الْمُسْلِمِينَ نَفْعَكَ. وَلَمْ يَزَلْ كذلك حتى جاءته الوشاقية بالخيل فَرَكِبَ، فَلَامَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَقَالَ: يَا خُونْدُ لم لا ركبت فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لَقَتَلَكَ وَهَلَكَ الْإِسْلَامُ بِسَبَبِكَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَرُوحُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَهُ رَبٌّ لَا يُضَيِّعُهُ، قَدْ قُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وفلان حتى عد خلقا من الملوك، فأقام للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الإسلام. رحمه الله وكان حين سار من مصر فِي خِدْمَتِهِ خَلْقٌ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ الْبَحْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَهُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ. فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ حَمَاةَ يَقُولُ له لا تتعنى في مد سِمَاطٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلْيَكُنْ مَعَ الْجُنْدِيِّ لحمة يَأْكُلُهَا، وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ مَعَ عَدُوِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ يوم الجمعة، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ وَقْعَةَ بَدْرٍ كَانَتْ يوم الجمعة في رمضان، وكان
فيها نصر الإسلام. وَلَمَّا قَدِمَ دِمَشْقَ فِي شَوَّالٍ أَقَامَ بِهَا العدل ورتب الأمور، وأرسل بيبرس خَلْفَ التَّتَارِ لِيُخْرِجَهُمْ وَيَطْرُدَهُمْ عَنْ حَلْبَ، وَوَعْدَهُ بنيابتها فلم يف له لما رآه من المصلحة، فَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا عَادَ إلى مصر تمالأ عليه الأمراء مع بيبرس فقتلوه بين القرابى وَالصَّالِحِيَّةِ وَدُفِنَ بِالْقَصْرِ، وَكَانَ قَبْرُهُ يُزَارُ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الظَّاهِرُ مِنِ الْمُلْكِ بَعَثَ إِلَى قَبْرِهِ فغيبه عن الناس، وكان لا يعرف بعد ذلك، قتل يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ رحمه الله.
وَحَكَى الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ فِي الذَّيْلِ عَلَى الْمِرْآةِ عَنِ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ غَانِمٍ عَنِ الْمَوْلَى تَاجِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَثِيرِ كَاتِبِ السِّرِّ فِي أَيَّامِ النَّاصِرِ صَاحِبِ دمشق، قال: لما كنا مع الناصر بوطاه برزة جاءت البريدية بخبر أن قطز قد تولى الملك بمصر، فَقَرَأْتُ ذَلِكَ عَلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ:
اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَأَخْبِرْهُمْ بِهَذَا، قَالَ فَلَمَّا خَرَجْتُ عنه لَقِيَنِي بَعْضُ الْأَجْنَادِ فَقَالَ لِي جَاءَكُمُ الْخَبَرُ من مصر بِأَنَّ قُطُزَ قَدْ تَمَلَّكَ؟ فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمٌ وَمَا يُدْرِيكَ أَنْتَ بِهَذَا؟ فقال بلى والله سَيَلِي الْمَمْلَكَةَ وَيَكْسِرُ التَّتَارَ، فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ هَذَا؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ عَلَيْهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ فَكُنْتُ أَفْلِيهِ وَأُهِينُهُ وأذمه، فقال لي يوما: ويلك أيش تريد أُعْطِيَكَ إِذَا مَلَكْتُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ؟
فَقُلْتُ لَهُ أَنْتَ مَجْنُونٌ؟ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ وَقَالَ لِي أَنْتَ تَمْلِكُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَتَكَسِرُ التَّتَارَ، وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ حِينَئِذٍ- وَكَانَ صَادِقًا- أُرِيدُ مِنْكَ إِمْرَةَ خَمْسِينَ فَارِسًا، فقال نعم أبشر. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: فَلَمَّا قَالَ لِي هَذَا قلت له هَذِهِ كُتُبُ الْمِصْرِيِّينَ بِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّى السَّلْطَنَةَ، فقال والله ليكسرن التتار، وكان كذلك، وَلَمَّا رَجَعَ النَّاصِرُ إِلَى نَاحِيَةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَأَرَادَ دُخُولَهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَدَخَلَهَا أَكْثَرُ الْجُيُوشِ الشَّامِيَّةِ كَانَ هَذَا الْأَمِيرُ الْحَاكِي فِي جُمْلَةِ مَنْ دَخَلَهَا، فَأَعْطَاهُ الْمُظَفَّرُ إِمْرَةَ خَمْسِينَ فَارِسًا، ووفى له بالوعد، وهو الأمير جمال الدين التركماني. قال ابن الأثير: فلقيني بمصر بَعْدَ أَنْ تَأَمَّرَ فَذَكَّرَنِي بِمَا كَانَ أَخْبَرَنِي عَنِ الْمُظَفَّرِ، فَذَكَرْتُهُ ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ التَّتَارِ على إثر ذلك فكسرهم وطردهم عن البلاد، وقد روى عنه أنه لما رأى عصائب التتار قال للأمراء والجيوش الذين معه: لا تقاتلوهم حتى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعوا لنا الخطباء والناس في صلاتهم، رحمه الله تعالى.
وفيها هلك كتبغانوين نائب هولاكو على بلاد الشام لعنه اللَّهُ، وَمَعْنَى نُوِينَ يَعْنِي أَمِيرَ عَشَرَةِ آلَافٍ، وكان هذا الخبيث قد فتح لأستاذه هولاكو مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْعَجَمِ إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ أدرك جنكيزخان جد هولاكو، وكان كتبغا هذا يعتمد في حروبه للمسلمين أشياء لم يسبقه أحد إليها، كان إذا فتح بلدا ساق مقاتلة هذا البلد إلى البلد الآخر الّذي يليه، ويطلب من أهل ذلك البلد أن يؤووا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ فَعَلُوا حَصَلَ مَقْصُودُهُ فِي تَضْيِيقِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ عَلَيْهِمْ، فَتَقْصُرُ مُدَّةُ الْحِصَارِ