الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه لما ضاق على أهل البلد من أقواتهم، وإن امتنعوا من إيوائهم عندهم قاتلهم بأولئك المقاتلة الذين هم أهل البلد الّذي فتحه قبل ذلك، فان حَصَلَ الْفَتْحُ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَضْعَفَ أُولَئِكَ بهؤلاء حتى يفنى تلك المقاتلة، فان حصل الفتح وإلا قاتلهم بجنده وأصحابه مع راحة أصحابه وتعب أهل البلد وضعفهم حتى يفتحهم سريعا. وكان يبعث إلى الحصن يقول: إن ماءكم قد قل فنخشى أن نأخذكم عنوة فنقتلكم عن آخركم ونسبي نساءكم وأولادكم فما بقاؤكم بعد ذهاب مائكم، فَافْتَحُوا صُلْحًا قَبْلَ أَنْ نَأْخُذَكُمْ قَسْرًا فَيَقُولُونَ له: إِنَّ الْمَاءَ عِنْدَنَا كَثِيرٌ فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى مَاءٍ. فَيَقُولُ لَا أُصَدِّقُ حَتَّى أَبْعَثَ مِنْ عِنْدِي مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا انصرفت عنكم، فيقولون: ابعث من يشرف عليه، فَيُرْسِلُ رِجَالًا مِنْ جَيْشِهِ مَعَهُمْ رِمَاحٌ مُجَوَّفَةٌ محشوة سما، فإذا دخلوا الحصن الّذي قد أعياه ساطوا ذلك الماء بتلك الرماح على أنهم يفتشونه ويعرفون قدره، فينفتح ذلك السم ويستقر في ذلك الْمَاءِ فَيَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ لعنه الله لعنة تدخل معه قَبْرِهِ. وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَسَنَّ وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى دِينِ النَّصَارَى وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الخروج من حكم جنكيزخان فِي الْيَاسَاقِ.
قَالَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُهُ بِبَعْلَبَكَّ حِينَ حَاصَرَ قَلْعَتَهَا، وَكَانَ شيخا حسنا له لحية طويلة مسترسلة قد ضفرها مثل الدبوقة، وتارة يعلقها من خلفه بِأُذُنِهِ، وَكَانَ مَهِيبًا شَدِيدَ السَّطْوَةِ، قَالَ وَقَدْ دَخَلَ الْجَامِعَ فَصَعِدَ الْمَنَارَةَ لِيَتَأَمَّلَ الْقَلْعَةَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْغَرْبِيِّ فَدَخَلَ دُكَّانًا خَرَابًا فَقَضَى حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ مكشوف العورة، فلما فرغ من حاجته مَسَحَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقُطْنٍ مُلَبَّدٍ مَسْحَةً وَاحِدَةً. قال ولما بلغه خروج المظفر بالعساكر من مصر تلوم في أمره وحار ماذا يفعل، ثم حملته نفسه الأبية على لقائه، وظن أنه منصور على جاري عَادَتُهُ، فَحَمَلَ يَوْمئِذٍ عَلَى الْمَيْسَرَةِ فَكَسَرَهَا ثُمَّ أيد الله المسلمين وثبتهم في المعركة فَحَمَلُوا حَمْلَةً صَادِقَةً عَلَى التَّتَارِ فَهَزَمُوهُمْ هَزِيمَةً لا تجبر أبدا، وقتل أميرهم كتبغانوين فِي الْمَعْرَكَةِ وَأُسِرَ ابْنُهُ، وَكَانَ شَابًّا حَسَنًا، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدِيِ الْمُظَفَّرِ قُطُزَ فَقَالَ لَهُ أَهَرَبَ أَبُوكَ؟ قَالَ إِنَّهُ لَا يَهْرُبُ، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُهُ صَرَخَ وبكى، فلما تحققه المظفر سجد للَّه تعالى ثم قال: أنام طَيِّبًا. كَانَ هَذَا سَعَادَةُ التَّتَارِ وَبِقَتْلِهِ ذَهَبَ سَعْدُهُمْ، وَهَكَذَا كَانَ كَمَا قَالَ وَلَمْ يُفْلِحُوا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْخَامِسَ والعشرين من رمضان، وكان الّذي قتله الأمير آقوش الشمسى رحمه الله.
الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْفَقِيهُ الْيُونِينِيُّ
الْحَنْبَلِيُّ الْبَعْلَبَكّيُّ الْحَافِظُ، هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ أَبِي الرِّجَالِ أَحْمَدَ بْنِ على ابن مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقُ، كَذَا نَقَلَ هذه النسبة الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ مِنْ خَطِّ أَخِيهِ الْأَكْبَرِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَلِيٍّ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ وَالِدَهُ قَالَ لَهُ نَحْنُ مِنْ سُلَالَةِ
جعفر الصادق، قال وإنما قال له هذا عند الموت ليتخرج من قبول الصدقات.
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيُّ الْحَنْبَلِيُّ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ الْحَافِظُ الْمُفِيدُ الْبَارِعُ الْعَابِدُ النَّاسِكُ، وُلِدَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْخُشُوعِيَّ وَحَنْبَلًا وَالْكِنْدِيَّ وَالْحَافِظَ عَبْدَ الغنى وكان يثنى عليه، وتفقه على الموفق، ولزم الشيخ عبد الله اليونينى فانتفع بِهِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ يُثْنِي عَلَيْهِ ويقدمه ويقتدى به في الفتاوى، وقد لبس الخرقة من شيخ شيخه عَبْدِ اللَّهِ الْبَطَائِحِيِّ، وَبَرَعَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَحِفِظَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ بِالْفَاءِ وَالْوَاوِ، وَحِفِظَ قطعة صالحة من مسند أحمد، وكان يعرف العربية أخذها عَنِ التَّاجِ الْكِنْدِيِّ، وَكَتَبَ مَلِيحًا حَسَنًا، وَكَانَ الناس ينتفعون بفنونه الكثيرة، ويأخذون عنه الطرق الحسنة، وقد حصلت له وجاهة عظيمة عند الملوك، توضأ مرة عند الملك الأشرف بِالْقَلْعَةِ حَالَ سَمَاعِ الْبُخَارِيِّ عَلَى الزَّبِيدِيِّ، فَلَمَّا فرع من الوضوء نفض السلطان تخفيفته وَبَسَطَهَا عَلَى الْأَرْضِ لِيَطَأَ عَلَيْهَا، وَحَلَفَ السُّلْطَانُ له إنها طاهرة ولا بد أن يطأ برجليه عليها ففعل ذلك. وقدم الكامل على أخيه الأشرف دمشق فأنزله الْقَلْعَةَ وَتَحَوَّلَ الْأَشْرَفُ لِدَارِ السَّعَادَةِ وَجَعَلَ يَذْكُرُ للكامل محاسن الشيخ الفقيه، فقال الكامل: أحب أَنْ أَرَاهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ إِلَى بَعْلَبَكَّ بِطَاقَةً واستحضره فَوَصَلَ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، فَنَزَلَ الْكَامِلُ إِلَيْهِ وتحادثا وتذاكرا شيئا من العلم، فجرت مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقِّلِ، وَجَرَى ذِكْرُ حَدِيثِ الْجَارِيَةِ الَّتِي قَتَلَهَا الْيَهُودِيُّ فَرَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْكَامِلُ: إِنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ. فَقَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَاعْتَرَفَ» ، فَقَالَ الْكَامِلُ أَنَا اخْتَصَرْتُ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وَلَمْ أَجِدْ هذا فيه، فَأَرْسَلَ الْكَامِلُ فَأَحْضَرَ خَمْسَ مُجَلَّدَاتِ اخْتِصَارِهِ لِمُسْلِمٍ، فأخذ الكامل مجلدا والأشرف آخر وعماد الدين بن موسك آخر وَأَخَذَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ مُجَلَّدًا فَأَوَّلَ مَا فَتَحَهُ وَجَدَ الْحَدِيثَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ، فَتَعَجَّبَ الْكَامِلُ مِنَ اسْتِحْضَارِهِ وَسُرْعَةِ كَشْفِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَرْسَلَهُ الْأَشْرَفُ سَرِيعًا إِلَى بَعْلَبَكَّ، وَقَالَ لِلْكَامِلِ: إِنَّهُ لَا يُؤْثِرُ بِبَعْلَبَكَّ شَيْئًا، فَأَرْسَلَ لَهُ الْكَامِلُ ذَهَبًا كَثِيرًا، قَالَ وَلَدُهُ قُطْبُ الدِّينِ: كَانَ وَالِدِي يَقْبَلُ بِرَّ الْمُلُوكِ وَيَقُولُ أَنَا لِي فِي بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَلَا مِنَ الْوُزَرَاءِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَدِيَّةَ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَقْبَلُونَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَالِاسْتِشْفَاءِ.
وَذُكِرَ أَنَّهُ كَثُرَ مَالُهُ وَأَثْرَى، وَصَارَ لَهُ سَعَةٌ مِنَ الْمَالِ كَثِيرَةٌ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ الْأَشْرَفَ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا بِقَرْيَةِ يُونِيَنَ وَأَعْطَاهُ لِمُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْجَوْزِيِّ لِيَأْخُذَ عَلَيْهِ خَطَّ الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا شَعَرَ وَالِدِي بِذَلِكَ أَخَذَ الْكِتَابَ وَمَزَّقَهُ وَقَالَ: أَنَا فِي غُنْيَةٍ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ وَكَانَ وَالِدِي لَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنَ الصدقة ويزعم أنه من ذرية على بن أبى طالب من جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ