الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ أشهر الحج]
مَسْأَلَةٌ: (وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ).
هَذَا نَصُّهُ وَمَذْهَبُهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ
…
.
وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:" أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو سَعِيدٍ
الْأَشَجُّ وَالنَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
[وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ الْأَشَجُّ وَالنَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ]، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَوْلُهُ:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْحَجِّ، وَسَائِرُ الشُّهُورِ لِلْعُمْرَةِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ " رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْهُ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا قَوْلُ
الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ، وَمُرَادُهُمْ بِعَشْرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ، كَمَا قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى.
وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ: اسْمٌ لِمَجْمُوعِ اللَّيَالِي وَأَيَّامِهَا، فَإِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ») وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] وَيَوْمُ النَّحْرِ دَاخِلٌ فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142]
وَيَوْمُ النَّحْرِ هُوَ آخِرُ الْأَرْبَعِينَ، وَلَفْظُ الْعَشْرِ - وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمًا لِلْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ هَاءٍ -: فَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ الْيَوْمُ لِسَبَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ فِي التَّارِيخِ إِنَّمَا يُؤَرِّخُونَ بِاللَّيَالِي؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ وَتَدْخُلُ الْأَيَّامُ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ يَوْمِ النَّحْرِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ هَذَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّرِ بِغَيْرِ هَاءٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم («مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ») وَقَوْلِهِ: (مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ).
وَأَيْضًا فَإِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ هِيَ الْأَشْهُرُ الَّتِي سَنَّ اللَّهُ فِيهَا الْحَجَّ وَشَرَعَهُ، وَالْحَجُّ لَهُ إِحْرَامٌ وَإِحْلَالٌ، فَأَشْهُرُهُ هِيَ: الْوَقْتُ الَّذِي يُسَنُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِهِ وَالْإِحْلَالُ مِنْهُ.
وَأَوَّلُ وَقْتٍ شُرِعَ الْإِحْرَامُ فِيهِ بِالْحَجِّ شَوَّالٌ وَالْوَقْتُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ الْإِحْلَالُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَمَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يُشْرَعُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهِ، وَلَيْلَةُ النَّحْرِ لَا يُسَنُّ التَّعْجِيلُ فِيهَا كَمَا لَا يُسَنُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَوَّلُهَا عِيدُ الْفِطْرِ وَآخِرُهَا عِيدُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ هُوَ مَوْسِمُ الْمُسْلِمِينَ وَعِيدُهُمْ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ طَرَفَيْ وَقْتِهِ عِيدَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا عُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ، إِذَا جُعِلَتِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَفِدِ الرَّجُلُ إِذَا حَجَّ الْبَيْتَ أَبَدًا ".
وَعَنِ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ "[ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ] رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.
قِيلَ: لَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: قَدْ مَضَى ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَيُقَالُ: لَهُ خَمْسُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَكَثِيرٌ مَا يُعَبَّرُ بِالسِّنِينَ وَالشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ عَنِ التَّامِّ مِنْهَا وَالنَّاقِصِ، فَمَنْ قَالَ: وَذُو الْحِجَّةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَنْ قَالَ: وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ بَيَّنَ مَا يَدْخُلُ مِنْهُ فِي شُهُورِ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ وَالتَّفْصِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
قُلْنَا: الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ تُسَمَّى شُهُورًا، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ بِالْأَهِلَّةِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ فَائِدَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْيَمِينُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَوَّلِ الْأَشْهُرِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَهَا، وَهِيَ عُمْرَةُ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ إِنِ اعْتَمَرَ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَقَبْلَ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ الصِّيَامِ، فَإِذَا انْسَلَخَ دَخَلَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْأَرْكَانِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَطَافَ لِلْقُدُومِ لَمْ يُجْزِهِ سَعْيُ الْحَجِّ عَقِيبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَ الْعِبَادَةِ لَا تُفْعَلُ إِلَّا فِي وَقْتِهَا، وَفَائِدَتُهُ فِي آخِرِ الْأَشْهُرِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَتَقَدَّمَ قَبْلَ
ذَلِكَ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ.
فَصْلٌ
وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ: مَكْرُوهٌ [قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ] قَالَ الْقَاضِي: أَوَدُّ بِهَذَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِيقَاتُ الْمَكَانِ ضَرْبٌ؛ لِئَلَّا يُتَجَاوَزَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ ضَرْبٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، فَإِنْ خَالَفَ وَتَجَاوَزَ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ مَكْرُوهًا، وَكَذَلِكَ إِذَا خَالَفَ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَكْرُوهًا.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ هَلْ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ كَالْإِحْرَامِ قَبْلَ مِيقَاتِ الْمَكَانِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فِيهِمَا.
وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، فَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي الْكَرَاهَةِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] وَمَعْنَاهُ: أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، أَوَّلُهُمَا شَوَّالٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا التَّوْقِيتِ وَالتَّحْدِيدِ فَائِدَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّوْقِيتُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ آخِرَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَالطَّوَافُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَقَّتَ بِأَوَّلِ شَوَّالٍ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ اسْمٌ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَشْهُرُ مَوَاقِيتَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ وَقْتًا لَهَا لَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَشْرُوعًا؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْفَضِيلَةِ بِدَلِيلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي آخِرِهِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ وَقْتَهَا.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: 197] خَصَّ الْفَرْضَ بِهِنَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِنَّ لَا يُشْرَعُ فَرْضُهُ.
وَأَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ " وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ النَّجَّادُ.
وَالصَّحَابِيُّ إِذَا أَطْلَقَ السُّنَّةَ انْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ " أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ: أَيُهِلُّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ النَّجَّادُ، وَلَفْظُهُ: " لَا يُحْرِمِ الْمُحْرِمُ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ".
وَعَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا قَالَا: " إِتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " وَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً لَمْ يُحْرِمْ إِلَّا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
قُلْنَا: قَدْ فَسَّرْنَاهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِنْشَاءُ السَّفَرِ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْسَ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ فَهَذَا لِأَنَّ غَالِبَ دِيَارِ الْإِسْلَامِ يَتَأَتَّى الْإِحْرَامُ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
…
.
فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَسِنْدِيٍّ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَزِمَهُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي: فَقَدْ نَصَّ عَلَى انْعِقَادِهِ وَأَجَازَ لَهُ فَسْخَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي جَوَازِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ.
فَعَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي: إِنْ فَسَخَهُ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمَتُّعٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَإِذَا حَلَّ مِنْهَا أَنْشَأَ الْحَجَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ لَمَا أَهَلَّ بِهِ إِلَى أَنْ أَتَى الْحَجُّ أَجْزَأَهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً.
وَالْأَشْبَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَقْصُودَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَفْسَخُهُ بِعُمْرَةٍ: لَا لِأَجْلِ فَضْلِ التَّمَتُّعِ، بَلْ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ، فَيَتَخَلَّصُ بِفَسْخِهِ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ. رَوَاهَا هِبَةُ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى هَذَا فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلَا بِحَجٍّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالنَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.
وَالثَّانِي - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَفْسَخُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَيَفْرَغَ مِنْهَا، وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا عُمْرَةٌ وَيُتِمَّهَا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ - فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ - قَالَ: " يَجْعَلُهَا عُمْرَةً " وَفِي رِوَايَةٍ: " اجْعَلْهَا عُمْرَةً " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] وَمَذْهَبُهُ: أَنَّ نَفْسَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا قَصَدَ الْأَخْذَ بِقَوْلِ عَطَاءٍ فَتَكُونُ هَذِهِ
الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْضُ الْحَجِّ وَجُزْءٌ مِنْهُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَأَنَّهُ يُلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ لِلشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ لَا الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ السَّعْيُ إِلَى الْحَجِّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُدْرِكُ الْوُقُوفَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُ الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ كَسَائِرِ الْأَبْعَاضِ وَكُنْيَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] فَخَصَّ الْفَرْضَ فِيهِنَّ بِالذِّكْرِ فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»).
وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدِ الْحَجُّ وَلَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى بُطْلَانِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا لَازِمًا مُوجِبًا، انْعَقَدَ مُوجِبًا لِعُمْرَةٍ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ نَفْلًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَوَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ يُوجِبُ إِتْمَامَهُ كَمَا أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ فِعْلَ
الْمَنْذُورِ [فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ، وَكَوْنُهُ مَكْرُوهًا لَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ كَمَا أَنَّ عَقْدَ النَّذْرِ مَكْرُوهًا، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، ثُمَّ النَّذْرُ يُوجِبُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ] وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ فِعْلَ مَا أَحْرَمَ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ لُزُومَهُ وَانْعِقَادَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَقَدَهُ، كَمَا لَوْ عَقَدَهُ وَهُوَ لَابِسٌ عَالِمًا ذَاكِرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَمَعَ هَذَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ صَحِيحًا مُوجِبًا لِلدَّمِ، بَلْ لَوْ عَقَدَهُ وَهُوَ مُجَامِعٌ انْعَقَدَ إِحْرَامًا فَاسِدًا، فَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ لَهُ وَالْهَدْيُ، نَعَمْ، هَؤُلَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ دَمٌ لِمَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَصُوا الْإِحْرَامَ وَهَذَا لَمْ يَنْقُصْهُ وَإِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَزِيدَ كَالْمَعْدُومِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِحْرَامٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ الْمَشْرُوعِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مُحْرِمًا إِلَى حِينِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمَنَاسِكِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فَإِنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ كَمَا لَوْ وَقَفَ بِالْمُعَرَّفِ قَبْلَ وَقْتِهِ أَوْ أَقَامَ بِهِ إِلَى نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ أَوْ طَافَ لَيْلَةَ النَّحْرِ أَوْ طَافَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ رَمَى الْجِمَارَ بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ، أَوْ بَاتَ بِمِنًى بَعْدَ لَيَالِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْإِحْرَامِ الْوَاقِعِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونُ إِحْرَامًا صَحِيحًا قَدِ الْتَزَمَهُ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ، وَإِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ لَزِمَهُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إِلَّا بِصِحَّةِ مَا قَبْلَهُ وَلُزُومِهِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ لَوْ أَدْرَكَا الْوُجُوبَ وَهُمَا بِعَرَفَةَ صَحَّ
إِتْمَامُ الْحَجِّ بِمَا وَجَدَ مِنَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَكَانَ بَعْضُ هَذَا الْإِحْرَامِ مُجْزِئًا عَنِ الْوَاجِبِ، وَبَعْضُهُ لَيْسَ مُجْزِئًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمُجْزِئُ مِنْهُ بِصِحَّةِ غَيْرِ الْمُجْزِئِ؛ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ الْمَشْرُوعَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ جَعْلًا لِمَا وَجَدَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَالْوُجُوبُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ مَا لَمْ يَقَعْ فَاسِدًا.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّهَا إِنَّمَا لَمْ تُجْزِئْ لِكَوْنِ الْجُزْءِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاجِبًا بِكُلِّ حَالٍ، وَفِعْلُ الْوَاجِبِ قَبْلَ وَقْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْوَاجِبِ فِي الْعِبَادَةِ يُبْطِلُهَا، وَهُنَا الْإِحْرَامُ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِذَا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَعَدَمُهُ لَا يُؤَثِّرُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ فَانْعَقَدَ الْإِحْرَامُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ كَالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّ مَخْصُوصٌ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَالْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ أَخَصُّ مَكَانًا وَزَمَانًا [مِنَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ] وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالنُّسُكِ قَبْلَ مَكَانِ الْإِحْرَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ انْعَقَدَ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ زَمَانِهِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ جَمِيعُهُ بِمَنْزِلَةِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُشْرَعُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا، لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا وَإِنْ تَقَدَّمَ انْعَقَدَ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ الْمَكَانِ قَدْ نُهِيَ عَنِ التَّأَخُّرِ عَنْهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ انْعَقَدَ وَلَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ لِبَعْضِ النُّسُكِ، وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ إِذَا أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِ جَوَازِهِ فَاتَ الْحَجُّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ التَّقَدُّمُ فِي الزَّمَانِ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الْوَقْتَ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ بِخِلَافِ الْمَكَانِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدِ الْتَزَمَ الْحَجَّ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ الْتِزَامًا صَحِيحًا وَجَبَ أَنْ يُتِمَّهُ كَمَا الْتَزَمَهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَمْ يَقْصِدْهَا وَلَمْ يَنْوِهَا، وَهِيَ بَعْضُ مَا الْتَزَمَهُ، أَوْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَقُومُ مَقَامَ الْحَجِّ؟!
وَقَدِ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] قَالُوا: وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَهِلَّةِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جَمِيعًا مِيقَاتًا لِلْحَجِّ، وَهَذَا غَلَطٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ إِنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِلشَّيْءِ إِذَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، مِثْلُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ أَوْ يَحِلَّ بِهِ الدَّيْنُ أَوْ يَجِبَ بِهِ الصَّوْمُ أَوِ الْفِطْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ جَمِيعُ الْعَامِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَمْ تَكُنِ الْأَهِلَّةُ مِيقَاتًا لِلْحَجِّ كَمَا لَمْ تَكُنْ مِيقَاتًا لِلنَّذْرِ، وَلَا مِيقَاتًا لِسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مُؤَقَّتٌ بِالْأَهِلَّةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَهِلَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ جِنْسَ الْأَهِلَّةِ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ كَمَا قَالَ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173].
وَالْجِنْسُ يَحْصُلُ بِهِلَالٍ وَاحِدٍ، وَبِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فَأَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْأَهِلَّةَ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ يُعْلَمُ جَوَازُهُ بِوُجُودِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ حَقٌّ فَإِنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَكُونُ لِهِلَالٍ خَاصٍّ، وَهُوَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ أَهِلَّةِ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْحَجِّ فَإِنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بَعْضُهَا مِيقَاتٌ لِلنَّاسِ وَبَعْضُهَا مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ .... .
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ قَبْلَهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: {فِيهِنَّ} [البقرة: 197] مُتَعَلِّقًا بِالْحَجِّ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ خِلَافَ السُّنَّةِ فَصَحِيحٌ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِحْرَامِ رُكْنًا لِلْحَجِّ وَبَعْضًا مِنْهُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ، فَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْحَجِّ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لَهُ، وَالشُّرُوطُ
تُفْعَلُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ كَالطَّهَارَتَيْنِ وَالسِّتَارَةِ قَالُوا: وَلِهَذَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهُ فِي جَمِيعِ الْحَجِّ، وَالرُّكْنُ إِنَّمَا يُفْعَلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الرُّكْنِ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَهُ رُكْنًا، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَوْنُهُ رُكْنًا لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ جَوَازِهِ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَنَقُولُ: رُكْنٌ فِي طَرَفِ الْحَجِّ فَجَازَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَالطَّوَافِ، وَعَكْسُهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّهُ رُكْنٌ فِي وَسَطِ الْحَجِّ، وَقِيَاسُهُ بِالطَّوَافِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ تَأْخِيرٌ وَهَذَا تَقْدِيمٌ.
وَلِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْإِحْرَامُ يَدُومُ وَيَسْتَمِرُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَنَا لِلشَّهْرِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مُخْتَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، نَعَمْ هُوَ يُشْبِهُ النِّيَّةَ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْعَقِدُ الْحَجُّ، وَيَلْزَمُ وَبِهِ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ كَمَا يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ مِنْهَا مَا يَتَقَدَّمُ وَقْتَ الْعِبَادَةِ كَالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَتَقَدَّمُ كَالصَّلَاةِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ
لَهُ شَبَهًا بِالشَّرَائِطِ وَشَبَهًا بِالْأَرْكَانِ، وَالْأُصُولُ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، كَمَا أَنَّ الْحَجَّ لَا يُقَاسُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قُلْتُمْ يَنْعَقِدُ وَلَهُ فَسْخُهُ إِلَى عُمْرَةٍ يَحُجُّ بَعْدَهَا؛ فَهَذَا ظَاهِرٌ، أَمَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَفْسَخُهُ إِلَى عُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ حَجٍّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ تَمَامِ حَجِّهِ فَكَيْفَ هَذَا؟
قُلْنَا: فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، فَلَمَّا كَانَ تَحْصِيلُ عُمْرَةٍ يَتَمَتَّعُ بِهَا وَحَجَّةٍ أَفْضَلَ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ لِذَلِكَ، وَهُنَا إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَأْتِي بِهَا مِنْ غَيْرِ حَجٍّ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ يُحْرِمُ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ مَعَ كَثْرَتِهِ، وَذَاكَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْفَسْخُ إِلَّا إِلَى مُتْعَةٍ.
(فَصْلٌ)
وَمَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْإِحْرَامَ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِحْرَامَ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُوجِبُ فِعْلَ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ، فَإِذَا فَاتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَذَا الْإِحْرَامِ حَجَّةً أُخْرَى.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَيُحْرِمُ بِهَا مَتَى شَاءَ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَخْتَصَّ إِحْرَامُهَا بِوَقْتٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّنَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَلَهُ أَنْ يَبْقَى مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ -: يَعْتَمِرُ الرَّجُلُ مَتَى شَاءَ فِي شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ.
وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إِذَا تَحَلَّلَ مِنَ الْحَجِّ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ
…
.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ فِيمَنْ وَاقَعَ قَبْلَ الزِّيَارَةِ -: يَعْتَمِرُ إِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْعُمْرَةَ فِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ -: الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْحَجِّ لَا بَأْسَ بِهَا عِنْدِي، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَتَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَاجَّ نَفْسَهُ لَا يَعْتَمِرُ إِلَّا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ، وَقَدْ رَوَى النَّجَّادُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ:" الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ " وَفِي لَفْظٍ: " حَلَّتِ الْعُمْرَةُ الدَّهْرَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّلَبُّسِ بِالْحَجِّ.