الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ من أراد النسك فهو مخير بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]
مَسْأَلَةٌ: (وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَفْرَغَ مِنْهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الْحَجِّ فِي عَامِهِ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ الْقِرَانُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ.)
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: (أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَمُرُّ فِيهَا عَلَى الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَالْأَفْضَلُ: التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَ لَهُ الْمُتْعَةَ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ -: التَّمَتُّعُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَخْتَارُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَجْمَعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ جَمِيعًا، وَيَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا، وَقَالَ:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ» " وَهَذَا بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مَكَّةَ - وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْقِرَانِ، وَالْإِفْرَادِ؟ قَالَ: التَّمَتُّعُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم: يَعْنِي أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: وَالْمُتْعَةُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَجْمَعُ اللَّهُ فِيهَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَاخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا إِذْ قَالَ:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ» " فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ.
وَسُئِلَ عَنِ الْقِرَانِ؟ قَالَ: التَّمَتُّعُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «اجْعَلُوا حِجَّكُمْ عُمْرَةً» " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي الْحَجَّ، وَالْأَمْرَانِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَالْحَجُّ وَالْمُتْعَةُ عَلَى هَذَا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: .. ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً فَأَمَرَهُمْ بِالْعُمْرَةِ، وَهِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَهَذَا بَيِّنٌ إِلَّا مَنْ ضَاقَ عِلْمُهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَأَحْلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ. فَقَالُوا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، قَالُوا: نُخْرِجُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: أَحِلُّوا. وَغَضِبَ، فَحَلُّوا، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» ".
وَأَمَّا إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْقِرَانُ أَفْضَلُ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ
فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْ فَالتَّمَتُّعُ نَقَلَهَا أَبُو حَفْصٍ.
وَالثَّانِيَةُ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَنَا أَخْتَارُ فِي الْحَجِّ التَّمَتُّعَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ وَاجِبَةٌ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى مَا تَخْتَارُ فِي الْحَجِّ؟ قَالَ: أَنَا أَخْتَارُ التَّمَتُّعَ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَحِلُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ قَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ] فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ هَذَا مَذْهَبُهُ؛ وَذَلِكَ لِمَا اعْتَمَدَهُ أَحْمَدُ وَبَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَحْرَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ:" مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ " فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ: أَمَرَهُمْ كُلَّهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَتَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّحَلُّلِ».
وَكَانَ دُخُولُهُمْ مَكَّةَ يَوْمَ الْأَحَدِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَمَرَهُمْ
أَنْ يُهِلُّوا بِالْحَجِّ، فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِهِ مُتَمَتِّعِينَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلَ بِهَا الدِّينَ وَأَتَمَّ بِهَا النِّعْمَةَ، وَقَدْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُهُمْ بِالْمُتْعَةِ، وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَيَقُولُ:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَوْلَا الْهَدْيُ لَأَحْلَلْتُ» " لِعِلْمِهِ بِفَضْلِ الْإِحْلَالِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتْعَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، وَمِنَ الْقِرَانِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِهَا عَيْنًا بَعْدَ أَنْ خَيَّرَهُمْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَوَّلًا فَضْلَ الْمُتْعَةِ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَا وَحَضَّهُ عَلَيْهَا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِهَا وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ أَوَّلًا مِنْ فَضْلِ الْمُتْعَةِ مَا عَلِمَهُ بَعْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ لَكَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِهْلَالِ بِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لِيَسْتَرِيحَ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِفَسْخِ الْحَجِّ وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا،
[وَلِهَذَا قَالَ: " «مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» "].
الثَّانِي: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَجُّوا مَعَهُ مُتَمَتِّعِينَ جَمِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَكَانُوا قَلِيلًا، وَذَلِكَ بِأَمْرِهِ، وَأَمْرُهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ مِنْ فِعْلِهِ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ مُعَارِضًا لَهُ:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْحَجَّةَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَفِيهَا أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، وَأُحْيِيَتْ مَشَاعِرُ إِبْرَاهِيمَ، وَأُمِيتَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى يَخْتَارُ لِرَسُولِهِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّبُلِ إِلَّا أَقْوَمَهَا، وَمِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا أَفْضَلَهَا، وَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ لَهُمُ الْمُتْعَةَ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُتْعَةِ: مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَثَرِ، وَاسْتَفَاضَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاشْتَهَرَ حَتَّى لَعَلَّهُ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنَ الْأَخْبَارِ بَعْضَ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ:
فَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ وَلْيَهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ أَهْلَهُ ".
وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءِ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ».
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَتَمَتُّعِ النَّاسِ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«وَعَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا - مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: " هِيَ حَلَالٌ، قَالَ الشَّامِيُّ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ:" «الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَامَّةٌ قَدْ عَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ» ".
وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَهْدَى فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ، قُلْنَ مَا لَكَ أَنْتَ لَا تَحِلُّ؟ قَالَ: " إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ حَجَّتِي وَأَحْلِقَ رَأْسِي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: («قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟! قَالَ: نَعَمْ، وَسَطَعَتِ الْمَجَامِرُ، وَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَإِنَّ لَكَ مَعَنَا هَدْيًا»، قَالَ حُمَيْدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ طَاوُسًا فَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ الْقَوْمُ) وَفِي رِوَايَةٍ: " «اجْعَلْهَا عُمْرَةً» ".
وَفِي رِوَايَةٍ («خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَبَّى بِالْحَجِّ وَلَبَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» " رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا.
وَعَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ: فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ، قَالَ: أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكُ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ صَفِيَّةُ:
مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ، قَالَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكِ انْفِرِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا» ".
وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً» " وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا كُنَّا
بِسَرِفَ حِضْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا، فَقَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ»، قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ ".
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمَثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ [فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ، فَقَالَ: مَا لَكِ؟] لَعَلَّكِ نَفِسْتِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى
تَطْهُرِي، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَذِي الْيَسَارَةِ، ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهُرْتُ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ، قَالَتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ، قَالَتْ: فَإِنِّي لَا أَذْكُرُ وَأَنَا حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَتُصِيبُ وَجْهِيَ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ، حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمَرِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا» ".
وَعَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحَرَمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا، قَالَتْ: فَالْآخِذُ بِهَا
وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا هَنْتَاهُ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: فَلَا يَضُرُّكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ، وَفِي لَفْظٍ:" فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي " حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهُرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي النَّفَرِ الْآخَرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ، وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ، فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِي لَفْظٍ: " فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ قَبْلَ
صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا.
وَعَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، قَالَ: أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ، فَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أُحِلُّ كَمَا حَلُّوا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبِيِّنٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَلُّوا إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ صَدَرُوا عَنْ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِي لَيَالِيَ مِنًى، وَلَمْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ بَعْدَ لَيَالِي مِنًى شَيْئًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا، حَتَّى أَخُوهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي كَانَ مَعَهَا لَمْ يَعْتَمِرْ مِنَ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اعْتَمَرُوا قَبْلَ الْحَجِّ.
وَقَوْلُهَا: " لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ "؛ تَعْنِي: مَنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا، وَرُبَّمَا كَانُوا أَكْثَرَ الْوَفْدِ. تَرَى أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ عَلَى حَجِّهِمْ وَلَا يَتَحَلَّلُونَ مِنْهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، وَهِيَ لَمْ تَتَطَوَّفْ، فَكَانَتِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْحَاجِّ فِي الْجُمْلَةِ.
وَقَوْلُهَا: لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً: تَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَيَّنَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ هِيَ مُتَمَتِّعَةً، وَقَوْلُهَا: فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، هَذَا كَانَ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذْنًا وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا، فَلَمَّا قَدِمُوا جَزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَمْرِ، وَتَرَدَّدَ بَعْضُ النَّاسِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ، فَأَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَمَتَّعُوا، وَتَوَجَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُوَافَقَتَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ أَجْلِ هَدْيِهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ، وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ، قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ
حَتَّى قَضَيْتُ حَجَّتِي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ»، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» .
وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:" «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» ".
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «عَنْ عَائِشَةَ - قَالَتْ:" خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحَبَّ
أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكْتُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا». قَالَ هِشَامٌ: فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ ". مُتَّفَقٌ
عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ هَذِهِ ذِكْرُ الْفَسْخِ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُنْكِرُهُ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مَا جَرَى. فَأَمَّا قَوْلُهُ:" «وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» ": فَيَتَحَمَّلُ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَنِ اسْتَمَرَّ إِهْلَالُهُ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يُحَوِّلْهُ إِلَى عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:" وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ". إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ وَكَانَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ دَامَ إِهْلَالُهُ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاسْتَمَرُّوا: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَحِلُّوا لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخْبَرَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ إِلَّا الْحَجَّ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، أَوْ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْفَسْخِ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَا مِنْ مَكَّةَ فِي أَوَائِلِ الْإِحْرَامِ .. . .
وَأَمَّا قَوْلُهَا: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ .. . .
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَسْلَمَ قَالَ: " «حَجَجْتُ مَعَ مَوَالِيَّ، فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ فَاعْتَمِرْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنْ شِئْتَ فَبَعْدَ أَنْ تَحُجَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ كَانَ ضَرُورَةً فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، قَالَ: فَسَأَلْتُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا، فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِنَّ، قَالَ: فَقَالَتْ: نَعَمْ وَأَشْفِيكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْجَرُ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا
الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ، قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيٌّ الْحِلِّ؟، قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ» " [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، وَقَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ].
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَهُ شَأْنٌ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبْتُ مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ - وَهَذَا لَفْظُهُ - وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ.
وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" «قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ:" «لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنَ الْعَشْرِ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» " وَفِي لَفْظٍ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِذِي طُوًى، وَقِدَمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحِلُّوا إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» " وَفِي لَفْظٍ لَهُ: " «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، وَقَالَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» " وَفِي لَفْظٍ: "«فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ» ".
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلِ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يُقَصِّرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ الْهَدْيِ، وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَطُوفَ وَأَنْ يَسْعَى وَيُقَصِّرَ، أَوْ يَحْلِقَ ثُمَّ يَحِلَّ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ.
وَعَنْ. . . ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا فَأَمَرَهُمْ فَجَعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلُوا، لَكِنْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَنْشَبَ أَصَابِعَهُ
بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ عليه السلام مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهْلَلْتَ بِهِ، قَالَ: فَهَلْ مَعَكَ هَدْيٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَقِمْ كَمَا أَنْتَ وَلَكَ ثُلُثُ هَدْيِي، قَالَ: وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةُ بَدَنَةٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنِ النَّهَّاسِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ، وَهِيَ عُمْرَةٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: " أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ
قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] " إِلَى أَمْصَارِكُمُ الشَّاةُ تُجْزِئُ، فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]» وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ. . وَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: " تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ. .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَوَّلَهُ.
وَعَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا - قَالَ: " «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِيهَا، فَادْخُلُوا عَلَيْهَا، فَاسْأَلُوهَا، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ «عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ، فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يُحِلَّ، قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي، فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثْبُتَ عَلَيْكَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:" قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: " «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " «أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطْئِنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ [قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ]، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، وَيُقَصِّرُوا، وَيَحِلُّوا، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ قَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ،
فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: "«قَدِمْتُ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الْأَنَ حَجَّتُكَ حَجَّةً مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: " أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَفَعَلُوا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَانِ .... الْبُخَارِيُّ.
عَبَّاسٌ، فَقَالَ: سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلُ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَقَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَ "، وَفِي لَفْظٍ: "«سَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْمُنَادِيَ يُنَادِي، حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» - ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " «أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ، فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ، وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ» ،
وَلِمُسْلِمٍ، فَقُلْنَا:" «لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ، قَالَ جَابِرٌ بِيَدِهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِينَا، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، فَحِلُّوا، فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» " وَلِمُسْلِمٍ قَالَ: " «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِأَبَدٍ» ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِيهِ: " «ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُرِيتَ مُتَمَتِّعًا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَلْ هِيَ أَبَدٌ» ".
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ جَابِرٌ: " «لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَذَكَرَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً] فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لَا، بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ بِالْعِرَاقِ:
فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ، ثَنَا خَصِيفٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «لَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ سَأَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَيِّ شَيْءٍ أَهْلَلْتُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: بِالْحَجِّ، وَقَالَ بَعْضُنَا: بِالْعُمْرَةِ، وَقَالَ بَعْضُنَا: بِالَّذِي أَهْلَلْتَ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَحِلُّوا أَجْمَعِينَ إِلَّا إِنْسَانٌ مَعَهُ الْهَدْيُ قَلَّدَهُ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ حَتَّى أَكُونَ مَعَكُمْ حَلَالًا، فَرَأَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِحْلَالِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لِأَبَدِ الْآبِدِينَ» ".
وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ قَالَ: إِنِ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ، فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَاتَّقُوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ، فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: "«وَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَحْمَدَ: قَالَ جَابِرٌ: "«تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الرَّسُولُ، وَإِنَّهَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ، وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ النِّسَاءِ» ".
وَعَنْ سَعِيدٍ قَالَ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إِلَى مِنًى، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: " «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ] فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، قَالَ النَّاسُ: قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ كَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً قَالَ: انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا
أُتَّبَعُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ وَابْنِ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " «لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَجَدْتُ فَاطِمَةَ قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صِبْغِيًّا، وَقَدْ نَضَحَتِ الظَّهْرَ لِلْبَيْتِ
بِنَضُوحٍ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا، قُلْتُ لَهَا: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: انْحَرْ مِنَ الْبُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَأَمْسِكْ لِنَفْسِكَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَأَمْسِكْ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْهَا بَضْعَةً» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحَلِيفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَقَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إِنِ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ، فَقُلْنَا: أَلَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، أَلِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَفِي لَفْظٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ
الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي، فَقَدِمَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] "، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، [ثُمَّ حِلَّ، قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ] ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي، وَغَسَلَتْ رَأْسِي، فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَائْتَمُّوا، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الَّذِي أُحْدِثَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ: "{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]" وَأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» ".
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ: " «أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ:
رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ، فَلَقِيَهُ بَعْدُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: " هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْمُتْعَةَ - وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ يُعَرِّسُوا بِهِنَّ تَحْتَ الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُوا بِهِنَّ حُجَّاجًا».
«وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: " سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، قَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعَرْشِ - يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ إِنَّمَا عَنَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنَى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُسْلِمًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ.
«وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: " أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ،
وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ الضَّحَّاكُ: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:" «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحِرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: " «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» "، وَلَهُ:" «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجَّ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ «عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ
حُصَيْنٍ: أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمْهُ قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ، وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَحْمَدَ: " «اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ يَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ» ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: " «أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُثْمَانُ: أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: " «شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا
بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ وَأَنْتَ تَفْعَلُهُ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: "«وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا» " رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: " «اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ:" «اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ، فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَنْهَى عَنْهُ. فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: " «خَرَجَ عُثْمَانُ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قِيلَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: إِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا ارْتَحَلَ فَارْتَحِلُوا، فَأَهَلَّ
عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمْ يُكَلِّمْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ التَّمَتُّعِ؟ قَالَ: فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى» ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " «وَاللَّهِ إِنَّا لَمَعَ عُثْمَانَ بِالْجُحْفَةِ، وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ إِذْ قَالَ عُثْمَانُ - وَذَكَرَ لَهُ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ -: إِنْ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَلَّا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبَطْنِ الْوَادِي يَعْلِفُ بَعِيرًا لَهُ، فَبَلَغَهُ الَّذِي قَالَ عُثْمَانُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: أَعَمِدْتَ إِلَى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُخْصَةٍ رَخَّصَ اللَّهُ بِهَا لِلْعِبَادِ فِي كِتَابِهِ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَتَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ كَانَتْ لِذِي الْحَاجَةِ وَلِنَائِي الدَّارِ؟! ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا، إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه: إِنَّا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّا كُنَّا مَشْغُولِينَ بِالْجِهَادِ عَنْ إِنْشَاءِ سَفْرَةٍ أُخْرَى لِلْعُمْرَةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الْأَرْضِ
كَانُوا كُفَّارًا، فَأَمَّا الْيَوْمُ: فَالنَّاسُ قَدْ أَمَنُوا، فَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النُّسُكَيْنِ بِسَفْرَةٍ هُوَ الْأَفْضَلُ.
وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سَلَامِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَهُمَا يُفْتِيَانِ فُتْيَا شَتَّى؛ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَمَّنَكُمْ، أَلَا إِنَّ الْحَجَّ التَّامَّ مِنْ أَهْلِيكُمْ، وَالْعُمْرَةَ التَّامَّةَ مِنْ أَهْلِيكُمْ " وَمِثْلُ هَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: " إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِذْ كَانَ النَّاسُ يَشْغَلُهُمُ الْجِهَادُ عَنِ الْحَجِّ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ أَمَّنَ اللَّهُ السَّاحَةَ وَنَفَى الْعَدُوَّ فَجَرِّدُوا " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عز وجل فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ:" «وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» " قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ.
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقِرَانُ كَمَا فَسَّرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّمَتُّعُ، كَمَا جَاءَ:" «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " يَعْنِي بِهَا الْمُتْعَةَ.
وَكَذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَتِ الرَّجُلَ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، وَاحْتَجَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» ". فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ: قَدْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ، وَفِي حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ:" «أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» " وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِنَّمَا يُرِيدُ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ، وَلَهُ يُسَافِرُ، وَإِلَيْهِ يَقْصِدُ، وَيُدْخِلُ فِي ضِمْنِ حَجِّهِ عُمْرَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ:" «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» ". فَعُلِمَ أَنَّهَا عُمْرَةٌ تُفْعَلُ فِي أَثْنَاءِ حَجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقِرَانُ لَقَالَ: حَجَّةٌ فِيهَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ تَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ:" «عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» " لَا تُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ أَتَى بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مِنَ الْقَارِنِ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَلَى عَمَلِ الْحَاجِّ.
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْبَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِالْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُمْ تَمَتَّعُوا مَعَهُ، وَأَنَّهَا كَانَتْ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَخْبَرُوا - أَيْضًا -: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ، لَكِنْ هَلْ كَانَتْ مُتْعَةَ عُمْرَةٍ أَوْ مُتْعَةَ قِرَانٍ؟ هَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ هَلِ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِعُمْرَةٍ، أَوْ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَهُمَا؟ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا، وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاحْتَجَّ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَتُّعَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ".
وَيُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّهُ قَدْ رَوَى أَنَّهُ قَرَنَ مُفَسِّرًا، فَرَوَى بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:" «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَا إِلَّا صِبْيَانًا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحَمِيدٍ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا قَالَ:" «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
«وَعَنْ أَبِي قُدَامَةَ قَالَ: " قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ مِرَارًا: بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْبَرَاءِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَعَلِيٍّ: أَوَ
قَرَنْتَ؟ " وَهَذَا - أَيْضًا - صَرِيحٌ لَا يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا أَخْبَرَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ، وَكَذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَفَسَّرُوا التَّمَتُّعَ بِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
«وَعَنِ الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: " كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمْتُ، فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَسَمِعَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا
جَمِيعًا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَا: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَكَأَنَّمَا حُمِلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ، فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
«وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ.
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: " «إِنَّمَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاجٍّ بَعْدَهَا» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَكُلُّ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ، فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ لِأَجْلِ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ.
وَالْمُتْعَةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَمَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ حَجَّتِهِ أَوْ مَعَ حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الدَّمُ عَلَيْهِمَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ عَلَى تَمَتُّعِ الْقِرَانِ، فَإِنَّ كُلَّ قَارِنٍ مُتَمَتِّعٌ.
وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا قَارِنٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِإِحْلَالٍ وَإِحْرَامٍ، لَكِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَوَّلًا وَسَعَى، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَأَكْثَرُ
أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَ هَذَا مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَوْ سُمِّيَ الْمُتَمَتِّعُ قَارِنًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لَكِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَطُوفُ أَوَّلًا وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ، وَالْقَارِنُ يَطُوفُ أَوَّلًا لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ:. . .
فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ
وَالْمُتْعَةِ فَهَذَا حَقٌّ، لَكِنَّ هَذَا هُوَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَهَذَا الْفَسْخُ كَانَ خَاصًّا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَإِذَا كَانَ الْفَسْخُ خَاصًّا لَهُمْ، وَالْمُتْعَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِالْفَسْخِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْمُتْعَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي حَقِّهِمْ خَاصَّةً لَهُمْ، فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ خَاصٌّ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ:" {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] " وَمِنْ فَسَخَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ رضي الله عنه حَيْثُ قَالَ:" إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ " وَهَذَا الْخِطَابُ عَامٌّ، خَرَجُوا هُمْ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ، فَيَبْقَى بَاقِي النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ.
وَأَيْضًا: مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةٌ، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةٌ؟ قَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ:" «أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟» " وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
وَأَيْضًا: فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُتْعَةُ الْفَسْخِ خَاصَّةً بِهِمْ، بَلْ كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا: لَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَغَضِبَ إِذْ لَمْ يُطِيعُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْفَسْخُ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِمْ.
وَأَيْضًا: فَمَا رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:" كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ سَلِيمِ بْنِ الْأَسْوَدِ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: " حَدَّثَنِي الْمُرَقَّعُ الْأَسَدِيُّ - وَكَانَ رَجُلًا مَرْضِيًّا - أَنَّ أَبَا ذَرٍّ صَاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَنَا، قَالَ يَحْيَى: وَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَنْقُضُوا حَجًّا لِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُرَخِّصُوا لِأَحَدٍ، وَكَانُوا هُمْ أَعْلَمَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا فَعَلَ فِي حَجِّهِ ذَلِكَ مِمَّنْ سَهُلَ نَقْضُهُ " رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ -: الْمُرَقَّعُ شَاعِرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ يَلْقَ أَبَا ذَرٍّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ» " وَقَوْلُ عُثْمَانَ لَعَلِيٍّ - لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الْمُتْعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " كُنَّا خَائِفِينَ ".
وَعَنْ عُثْمَانَ - أَيْضًا - أَنْ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: " كَانَتْ لَنَا وَلَيْسَتْ لَكُمْ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَهْيُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - النَّهْيُ عَنِ الْمُتْعَةِ وَكَرَاهَتُهُمْ لَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " نَهَى عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَمُتْعَةِ النِّسَاءِ ".
وَعَنْ أَبِي قُلَابَةَ قَالَ: " قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، مُتْعَةُ النِّسَاءِ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ لَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ
نَهْيُهُمْ عَلَى مُتْعَةِ الْفَسْخِ، وَالرُّخْصَةُ عَلَى الْمُتْعَةِ الْمُبْتَدَأَةِ؛ تَوْفِيقًا بَيْنَ أَقَاوِيلِهِمْ، وَلَوْلَا عِلْمُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يُطَاوِعْهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِهِمْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانُوا قَدْ نَهَوْا عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُتْعَةِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ، أَوْ نَهْيَ اخْتِيَارٍ لِلْأُولَى. فَيُعْلَمُ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ وَلِهَذَا إِنَّمَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي جَوَازِ التَّمَتُّعِ لَا فِي فَضْلِهِ، وَيَجْعَلُونَهَا رُخْصَةً لِلْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ؛ لِيُبَيِّنَ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ حَصَلَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ وَعُلِمَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ عَقْدٍ لَازِمٍ، أَوْ أَنَّهُ إِذْنٌ لَهُمْ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَوَّلًا جَوَازَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ.
وَالَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ مُتْعَتَيِ الْقِرَانِ وَالْعُمْرَةِ الْمُبْتَدَأَةِ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى. . . الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَنَّ نَاسًا أَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ، وَنَاسًا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» ".
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ مُفْرَدًا» "، وَفِي لَفْظٍ:" «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَفْرَدَ الْحَجَّ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْلَمْتُكَ عَامَ أَوَّلَ أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ؟ قَالَ: أَتَانَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَنَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَتَوَلَّجُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُنْكَشِفَاتٌ لَا يَسْتَتِرْنَ؛ لِصِغَرِهِ، وَكُنْتُ أَنَا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيلُ عَلَيَّ لُعَابُهَا» " رَوَاهُ. . .
وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. . .، وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَصَلَّى الصُّبْحَ، وَقَالَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ» ". وَجَابِرٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ سِيَاقًا لِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ". وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَيَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى
أَنَّهُ تَمَتَّعَ: عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ وَهُوَ لَمْ يَفْسَخْ، وَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا فَعَلَهُ غَيْرُهُ، لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ؛ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُؤْثِرَ نَبِيَّهُ إِلَّا بِأَفْضَلِ السُّبُلِ وَالشَّرَائِعِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا مُتْعَةً» " إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ: لَمَّا رَآهُمْ قَدْ كَرِهُوا الْمُتْعَةَ، فَأُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَا مَعَهُ أَفْضَلُ، وَقَدْ يُؤْثِرُ الْمَفْضُولَ إِذَا كَانَ فِيهِ اتِّفَاقُ الْقُلُوبِ كَمَا قَالَ:" «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ. . .» ". الْحَدِيثَ. فَتَرَكَ مَا كَانَ يُحِبُّهُ تَسْكِينًا لِلْقُلُوبِ، وَقَدْ كَانَ يَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، فَعُلِمَ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رَوَى. . .
وَيُقَرِّرُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ أَفْرَدُوا الْحَجَّ.
وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَظَرْنَا إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ؛ فَرَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: «قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، [ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً] ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً، وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلَا يَسْأَلُونَهُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدُمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مَنِ الْبَيْتَ يَطُوفَانِ بِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّانِ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا، وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى دَمٍ، فَإِنْ كَانَ دَمُ جُبْرَانٍ فَالنُّسُكُ التَّامُّ الَّذِي
لَا يَفْتَقِرُ إِلَى جَبْرٍ أَفْضَلُ مِمَّا يُجْبَرُ بِدَلِيلِ: حَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ، قَدْ جَبَرَ إِحْدَاهُمَا بِدَمٍ، وَتَمَّ الْآخَرُ بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ دَمُ نُسُكٍ: فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ لَمَّا سَقَطَ عَنِ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ أَحَدِ السِّفْرَيْنِ وَهُوَ نُسُكٌ، وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ نُسُكِ الْفِعْلِ وَنُسُكِ الذَّبْحِ، كَانَ نُسُكُ الْفِعْلِ أَفْضَلَ، فَإِنَّ فِيهِ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً وَمَالِيَّةً؛ وَلِهَذَا عَامَّةُ الدِّمَاءِ لَا تُشْرَعُ إِلَّا عِنْدَ عَوَزِ الْأَعْمَالِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُفْرِدَ يَأْتِي بِالْإِحْرَامِ تَامًّا كَامِلًا مِنْ حِينِ يُهِلُّ مِنَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْعُمْرَةِ كَامِلَةً، فَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَتِّعُ وَزِيَادَةً، وَيَسْتَوْعِبُ الزَّمَانَ بِالْإِحْرَامِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُتْعَةَ فِي الْأَصْلِ رُخْصَةٌ، وَالْعَزَائِمَ أَفْضَلُ مِنَ الرُّخَصِ.
قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: فَسْخُ الْحَجِّ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِمْ، وَالتَّمَتُّعُ إِنَّمَا كَانَ بِالْفَسْخِ، فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ: -
أَحَدُهَا: أَنَّ الْفَسْخَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأُمَّةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَمُتْعَتُهُ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ، وَأَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا، أَوْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ: أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَيَتَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَاعَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ السُّنَّةِ كَلَامٌ، وَلَا يُشْرَعُ الِاحْتِرَازُ مِنَ اخْتِلَافٍ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ مَا نُدِبَتْ إِلَيْهِ السُّنَّةُ؛ كَمَا
اسْتَحْبَبْنَا التَّطَيُّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَبَعْدَ الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَفِي جَوَازِهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا قَدْ عُلِمَ، وَكَمَا اسْتَحْبَبْنَا التَّلْبِيَةَ إِلَى أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَفِي كَرَاهَتِهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا قَدْ عُلِمَ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
الثَّانِي: أَنَّ أَمْرَهُمْ بِالْمُتْعَةِ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: جَوَازُ الْفَسْخِ.
وَالثَّانِي: اسْتِحْبَابُ التَّمَتُّعِ وَاخْتِيَارُهُ، فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْطُلِ الْآخَرُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُتْعَةُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدِ اخْتَارَ لِأَصْحَابِهِ مَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَحَضَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَالْتَزَمَ لِأَجْلِهِ فَسْخَ الْحَجِّ، وَبَيَّنَ
أَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ مَعَهُمْ سَوْقُ هَدْيِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْتَارُ لَهُمْ مَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» ". وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِهْلَالَ بِالْعُمْرَةِ لِغَيْرِ الْمَهْدِي أَفْضَلُ، وَقَالَ أَيْضًا. . .
الرَّابِعُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» " وَفِي لَفْظٍ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» ". فَبَيَّنَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مُسْتَقْبِلًا لِلْإِحْرَامِ الَّذِي اسْتَدْبَرَهُ: لَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَهُوَ لَا يَتَأَسَّفُ إِلَّا عَلَى فَوَاتِ الْأَفْضَلِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ الْعُمْرَةُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّمَا تَأَسَّفَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ:
قُلْنَا: فِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ:" فَرَأَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِحْلَالِ ". هَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ ذَلِكَ فِي سَوْقِ الْهَدْيِ، أَيْ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مُوَافَقَةً لَكُمْ، وَإِنْ كَانَ سَوْقُ الْهَدْيِ أَفْضَلَ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى هَذَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا مَفْضُولًا مَعَ تَرْكِ سَوْقِ الْهَدْيِ، لَكَانَ قَدِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَلِأَصْحَابِهِ مَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ جَائِزٌ، وَأَنَّهُ هُوَ الْأَفْضَلُ مِنَ الْمَقَامِ عَلَى الْحَجِّ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الصِّرَاحُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي - رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ -: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَخْتَارُ الْمُتْعَةَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَ أَنَّهُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: " {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] " وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى أَنَّ الشَّعَائِرَ: اسْمٌ يَجْمَعُ مَوَاضِعَ النُّسُكِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] "، وَقَالَ:" {الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] "، وَيَعُمُّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسِكُ، وَيَعُمُّ الْهَدَايَا الَّتِي تُهْدَى إِلَى الْبَيْتِ. وَبَيَّنَ أَنَّ مَحِلَّ. . .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِذَلِكَ الْوَفْدِ خَاصَّةً، فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوهٍ: -
أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَحَيْثُ مَا خُصَّ الْوَاحِدُ بِحُكْمٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لِعِلَّةٍ اخْتُصَّ بِهَا، لَوْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِهِ لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى التَّخْصِيصِ كَمَا قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ فِي الْأُضْحِيَةِ:" «تُجْزِئُكَ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» "؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ
يُسَنَّ وَقْتُ الْأُضْحِيَةِ، وَكَمَا خَصَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بِأَنْ يَرْضَعَ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُبُنِّيَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ سُبْحَانَهُ - أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ لِغَيْرِ أَبِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ التَّخْصِيصَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ، وَهُنَا أَمَرَ جَمِيعَ مَنْ حَجَّ مَعَهُ بِالتَّحَلُّلِ، وَقَدْ أَمَرَ مَنْ بَعْدَهُمْ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُهُ وَإِظْهَارُ ذَلِكَ وَإِشَاعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَوْ سَاغَ دَعْوَى مِثْلِ هَذَا؛ لَسَاغَ أَنْ يُدَّعَى اخْتِصَاصُهُمْ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَحِينَئِذٍ يَنْقَطِعُ اتِّبَاعُ غَيْرِهِمْ لَهُ وَإِلْحَاقُهُمْ بِهِ، وَفِي هَذَا تَعْطِيلٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مُسْتَنَدِ التَّخْصِيصِ سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَيَّنَ بَيَانًا شَافِيًا أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ - الْمُتَمَتِّعَ بِهَا الَّتِي فَسَخَ الْحَجَّ إِلَيْهَا - حُكْمٌ مُؤَبَّدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ سَيَكُونُ قَوْمٌ يَدَّعُونَ أَنَّ هَذِهِ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِمْ.
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: " «حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى
الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ:" «أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ» ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَأَمَرَهُمْ فَجَعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلُوا، لَكِنْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَنْشَبَتْ أَصَابِعُهُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ» ".
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلُوهُ لَيْسَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْأَبَدِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ فَبَيَّنَ أَنَّ التَّمَتُّعَ جَائِزٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْفَسْخَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ فِي مَسْأَلَةٍ أَفْرَدَهَا فِي الْفَسْخِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ " «سَأَلَ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ مِنَ الْمُتْعَةِ وَإِحْلَالِنَا، لَنَا خَاصَّةً أَوْ هُوَ شَيْءٌ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ لِلْأَبَدِ» "، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: "«قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» ". وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ، وَأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ بَاقٍ إِلَى الْأَبَدِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: " «عَلِيٌّ هُوَ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَفْسَخُ لِمُدَّتِنَا هَذِهِ، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لِلْأَبَدِ» ".
وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: " «مِنْ سَنَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ» "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ إِلَى الَّذِي فَعَلُوهُ، وَالَّذِي فَعَلُوهُ أَنَّهُمْ قَدِمُوا يَنْوُونَ الْحَجَّ لَا يَعْرِفُونَ الْعُمْرَةَ، [فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا طُفْتُمْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ وَاجْعَلُوهَا عُمْرَةً] إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ ". وَسِيَاقُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ، وَالتَّمَتُّعُ الْمَحْضُ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا فَعَلَهُ عَامَّتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: "«أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لِلْأَبَدِ» ". وَقَوْلُهُ: عُمْرَتَنَا هَذِهِ صَرِيحٌ فِي الْعُمْرَةِ الَّتِي تَحَلَّلُوا بِهَا مِنْ حَجِّهِمْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودَ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَلَمْ يُطْلِقِ الْجَوَابَ إِطْلَاقًا، بَلْ قَالَ: أَمَّا الْمُتْعَةُ فَجَائِزَةٌ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَخَاصٌّ لَنَا؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَمَّا فَعَلُوهُ، فَلَوْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا هُوَ لِذَلِكَ الْعَامِ وَلِلْأَبَدِ، لَوَجَبَ تَفْصِيلُ الْجَوَابِ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ " نَصٌّ فِي أَنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُ
فِيهِ الْعُمْرَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَعُمُّ الِاعْتِمَارَ قَبْلَ الْحَجِّ، سَوَاءٌ كَانَ نَوَى الْعُمْرَةَ أَوَّلًا، أَوْ نَوَى الْحَجَّ، أَمْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَسَبَبُ اللَّفْظِ الْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهِ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ حَجٍّ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ عُمْرَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا ابْتِدَاءً، أَوْ حَلَّ مِنَ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ جَوَازَ فِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، سَوَاءٌ حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَجِّ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ شَبَّكَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَالْيَدَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأُخْرَى، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّاخِلُ مِنْ جِنْسِ الْمَدْخُولِ فِيهِ.
وَأَيْضًا: فَقَدْ قَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ هَذَا وَهُوَ بِعُسْفَانَ: " «اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» " فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ الَّذِي حَجُّوهُ قَدْ أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ عُمْرَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِأَنْ يَحِلُّوا مِنَ الْحَجِّ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ لَا خَفَاءَ بِهِ: أَنَّ كُلَّ حَاجٍّ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي حَجِّهِ عُمْرَةً، سَوَاءٌ كَانَ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَمَّ هَذَا الْبَيْتَ يُرِيدُ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَهُوَ حَاجٌّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَإِنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ، فَإِذَا اعْتَمَرَ فِي هَذَا الْحَجِّ فَقَدْ أَدْخَلَ فِي حَجَّتِهِ عُمْرَةً، فَلَا مَعْدِلَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ، فَقَدْ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ فِي الْحَجِّ، وَإِنْ
لَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ فَلَمْ يَدْخُلْهَا.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكَانَ هَذَا قَدْ عَلِمُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، حَيْثُ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثَلَاثَ عُمُرَاتٍ، وَأَيْضًا. . .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا خَارِجًا عَنِ الْقِيَاسِ، وَتَغَيَّظَ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَقَدِ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا يَعْتَرِضُ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ نَفْثَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ.
قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ لَهُمْ: " «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَفَعَلُوا» " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " فَقُلْنَا «: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أُمِرْنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ» " قَالَ جَابِرٌ: فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَقَالَ: " «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ، وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيٌ لَأَحْلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، فَحِلُّوا. فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» ". وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ حَسَنٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ تَوَقُّفَ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ وَلِذَلِكَ تَغَيَّظَ عَلَيْهِ كَمَا تَغَيَّظَ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ عَنِ الْإِحْلَالِ فِي عُمْرَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَمَا تَغَيَّظَ عَلَى مَنْ تَحَرَّجَ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ:" «يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ» " وَكَمَا تَغَيَّظَ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا وَهُوَ جُنُبٌ، وَكَمَا يُرَخِّصُ فِي أَشْيَاءَ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا تَحَرَّجُوا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ:" «إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي» " فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُتَّقَى وَيُجْتَنَبُ وَلَمْ أَفْعَلْهُ لِخُصُوصٍ فِيَّ. فَلَوْ كَانَ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ هُوَ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الرُّخْصَةُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ - لَمْ يَتَغَيَّظْ مِثْلَ هَذَا التَّغَيُّظِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي هَذِهِ الْحَجَّةِ: " «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَهَا لِيَقْتَدُوا
بِهِ فِيهَا، وَيَهْتَدُوا بِهَدْيِهِ، وَيَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَجَّةُ خَارِجَةً عَنِ الْقِيَاسِ، وَمُخْتَصَّةً بِأُولَئِكَ الرَّكْبِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ:" «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "[بَلْ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ] إِلَّا فِي التَّحَلُّلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْتَوْا بِالْفَسْخِ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ الرَّكْبِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا بِاعْتِمَارِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ، فَهُوَ لَمْ يَعْتَمِرْ قَطُّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ فَهَذَا حَصَلَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَبِفِعْلِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمُ الَّذِينَ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مِثْلُ عَائِشَةَ، وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لَهُمْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ:" «مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ فَلْيَفْعَلْ» ". فَأَيُّ بَيَانٍ لِجَوَازِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا، وَقَدْ أَحْرَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ بِإِذْنِهِ؟
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالتَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا كُلُّهُمْ بِالْعُمْرَةِ، وَيَتْرُكَ هُوَ سَوْقَ الْهَدْيِ كَمَا قَدْ أَسِفَ عَلَيْهِ، وَيُرِيحَهُمْ
مِنْ مُؤْنَةِ الْفَسْخِ الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَى زَعْمِ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ؟ وَإِنْ كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الطُّرُقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَدَا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَبْدُ لَهُ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي بَدَا لَهُ: جَوَازُ الْإِحْلَالِ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِعُمْرَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ، وَأَنَّ الْفَضْلَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ طَاوُسٌ: " «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فِي حَجَّتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحِلَّ، قَالَ: فَدَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» " وَفِي لَفْظٍ: " «أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ أَمْرَ رَبِّهِ، فَلَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ أُمِرَ بِالْأَمْرِ» " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ هَلْ يُتِمُّونَ مَا أَحْرَمُوا بِهِ أَوْ يُغَيِّرُونَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ بِالرِّوَايَاتِ الْمُسْتَفِيضَةِ
أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا إِمَّا بِعُمْرَةٍ، أَوْ بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: لَوْ كَانَ الْفَسْخُ خَارِجًا عَنْ مُقْتَضَى الْكِتَابِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ لَمْ يُفَرِّقِ الْحَالُ بَيْنَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَمَنْ لَمْ يَسُقْهُ، حَتَّى يَنْشَأَ مِنْ ذَلِكَ تَرَدُّدُهُمْ وَتَأَسُّفُهُ عَلَى سَوْقِ الْهَدْيِ، وَمُوَافَقَتُهُمْ. وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ سَائِقَ الْهَدْيِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ:" {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] " فَهَلَّا أَمَرَ الْجَمِيعَ بِالْإِتْمَامِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] " أَيْضًا، أَوْ جَوَّزَ تَخْصِيصَ ذَلِكَ الرَّكْبِ مِنْ حُكْمِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لِقَصْدِ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْآيَتَيْنِ عَلَى الْحُكْمِ عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. فَلَمَّا أَمَرَ بِالْفَسْخِ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ، وَبَيَّنَ أَنَّ السَّوْقَ يَمْنَعُ الْفَسْخَ - عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ أَمْرٌ جَائِزٌ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنْ لَا مَانِعَ مِنْهُ غَيْرُ سَوْقِ الْهَدْيِ. وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَنْصَفَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ تَرْكًا لِإِتْمَامِ الْحَجِّ لِلَّهِ، فَلَا يَكُونُ أُولَئِكَ الصَّحَابَةُ مُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا دَاخِلِينَ فِي حُكْمِهَا، وَهُمُ الْمُوَاجَهُونَ بِالْخِطَابِ، الْمَقْصُودُونَ بِهِ قَبْلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ثُمَّ كَيْفَ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُمْ لَمْ يُتِمُّوا الْحَجَّ لِلَّهِ؟! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْفَاسِخُ تَارِكًا لِإِتْمَامِ الْحَجِّ لِلَّهِ، بَلْ هُوَ مُتِمٌّ لَهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، فَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ نَاسٍ، وَنَاسٍ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْخَصَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ بِقَوْلِهِ: " {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] " وَقَدْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَقَدْ أَحْرَمَ مِنْهُمْ نَفَرٌ بِالْعُمْرَةِ كَمَا
فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟! نَعَمْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، سَوَاءٌ حَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، أَوْ لَمْ يَحُجَّ، وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّ تَوَقُّفَهُمْ وَتَرَدُّدَهُمْ إِنَّمَا كَانَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَالْإِحْلَالِ مِنَ الْإِحْرَامِ لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ لَا لِبَيَانِ جَوَازِهِ.
الْعَاشِرُ: أَنَّ. . .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] " فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مُتِمٌّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوَّلًا، فَإِنَّمَا يَفْسَخُهُ إِلَى عُمْرَةٍ مُتَمَتِّعٍ بِهَا إِلَى الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهُ إِذَا قَصَدَ التَّمَتُّعَ، فَيَكُونُ قَدْ قَصَدَ الْحَجَّ وَحْدَهُ، فَيَكُونُ مُدْخِلًا لِلْعُمْرَةِ فِي حَجِّهِ، وَفَاعِلًا لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ دَخَلَ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ غَيْرِ مُتَمَتِّعٍ بِهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: قِيلَ لِأَبِي: حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ بِهِ وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ بِلَالٍ عِنْدِي لَيْسَ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ» " فَحَلَّ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ - أَيْضًا -: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ لَنَا خَاصَّةً - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ.
وَقَالَ - أَيْضًا - فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ وَابْنِ هَانِئٍ: مَنِ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ وَمَنْ رَوَى عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فَلَا.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ -: أَرَأَيْتَ لَوْ عَرَفَ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ إِلَّا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ يَقَعُ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْهُمْ؟!
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَهَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ؛ لِجَهْلِ الرَّاوِي، وَأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحَارِثَ بْنَ بِلَالٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ مِثْلُ مَالِكٍ وَنَحْوِهِ.
وَتَخْصِيصُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَرْكٌ لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَهُوَ مِثْلُ النَّسْخِ لَهَا. وَمِثْلُ هَذَا الْإِسْنَادِ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْأَحَادِيثِ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُخَالِفُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ وَيُعَارِضُهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ شَاذٌّ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الشَّاذَّ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ خِلَافَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ.
فَلَوْ كَانَ رَاوِيهِ مَعْرُوفًا لَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ» " فَعَمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِهِمْ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِهِمْ لَوَجَبَ بَيَانُهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ. وَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ عَامَّةً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَدَلَالَةُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ عَلَى عُمُومِ حُكْمِ الْفَسْخِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ رَاوِيهِ مَعْرُوفًا بِالْعَدْلِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِمَضْبُوطٍ وَلَا مَحْفُوظٍ. وَلَوْ كَانَ هَذَا
صَحِيحًا لَكَانَ لَهُ مِنَ الظُّهُورِ وَالشِّيَاعِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَيَّنَهُ بَيَانًا عَامًّا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ:" «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " فَلَوْ كَانُوا مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، كَمَا بَيَّنَ حُكْمَ الْأُضْحِيَةِ لَمَّا سَأَلَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ عَنِ الْأُضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ، فَقَالَ:" «يُجْزِئُ عَنْكَ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» " فَلَوْ كَانَ الْفَسْخُ خَاصًّا لَهُمْ لَقَالَ: " «إِذَا طُفْتُمْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَحِلُّوا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِكُمْ» " وَلَمْ يُؤَخِّرْ بَيَانَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ؛ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ بِلَالٌ كَانَ التَّلْبِيسُ وَاقِعًا. وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِسُرَاقَةَ لَمَّا سَأَلَهُ: " «أَعُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» ". فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ مَعْلُومًا بِنَفْسِ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ السَّائِلَ تَوْكِيدًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُقْتَضِيَةً لِعُمُومِ الْحُكْمِ وَثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ عَارَضَ أَحْمَدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ، وَحَكَمَ بِشُذُوذِهِ لَمَّا انْفَرَدَ بِمَا يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الْمَشَاهِيرَ، وَالَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ حَدَّثُوا بِتِلْكَ إِنَّمَا ذَكَرُوهَا لِتَعْلِيمِ السُّنَّةِ، وَبَيَانِهَا، وَاتِّبَاعِهَا، وَالْأَخْذِ بِهَا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ مُجَرَّدَ الْقِصَصِ. وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْوُوهَا رِوَايَةً مُرْسَلَةً حَتَّى يُبَيِّنُوا اخْتِصَاصَهُمْ بِهَا، فَكَيْفَ إِذَا ذَكَرُوهَا لِتَعْلِيمِ السُّنَّةِ؟! وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ مَاضِيَةٌ فِيهِمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَا يُرَدُّ هَذَا بِحَدِيثِ مَنْ لَمْ يُخْبِرْ قُوَّةَ ضَبْطِهِ وَتَيَقُّظِهِ،
وَيَدْفَعْ هَذِهِ السُّنَنَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ بِرَاوِيَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ.
وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ: عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ لَنَا خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ، إِلَّا لِنَفَرٍ مَخْصُوصٍ.
وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ سَائِقَ الْهَدْيِ لَمْ يَحِلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنْ كَانَ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ وَهُوَ مَحْفُوظٌ وَلَمْ يَنْقَلِبْ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَاصَّةً، وَهُوَ يَقُولُ:" لَنَا خَاصَّةً " فَإِنْ كَانَ قَدْ حَفِظَ ذَلِكَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ مُتَحَتِّمًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ بِهِ، وَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُوهُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ سَبَبُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا:" «مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ جَعَلَهَا عُمْرَةً» " وَنَدَبَهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَرَأَى أُنَاسًا قَدْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَاسْتَهْجَنُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْهَدُونَ الْحِلَّ قَبْلَ عَرَفَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَعَزَمَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الشَّيْطَانِ، وَإِزَالَةً لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ، كَمَا أَمَرَهُمْ أَوَّلًا بِالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ أَمْرَ رُخْصَةٍ،
ثُمَّ لَمَّا دَنَوْا مِنَ الْعَدُوِّ أَمَرَهُمْ بِهِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ، وَكَمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْلَالِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ لَمَّا رَآهُمْ قَدْ كَرِهُوا الصُّلْحَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْهُمْ، وَمَضَى فِي عُمْرَتِهِ لَكَانَ جَائِزًا. عَلَى أَنَّ بِلَالًا لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: لَنَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى ذَلِكَ الْوَفْدِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِلَالٌ مِمَّنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَقَالَ: هُوَ لَنَا: مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً، فَقَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَهَلَّا وَجَبَ الْفَسْخُ عَلَى كُلِّ حَاجٍّ، وَصَارَ كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ حَلَالًا، سَوَاءٌ قَصَدَ التَّحَلُّلَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَامْتَنَعَ الْإِفْرَادُ وَالْقِرَانُ لِكَوْنِهِمَا مَفْسُوخَيْنِ.
قُلْنَا: لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِهِ حَجُّوا مُفْرِدِينَ، [وَقَارِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ] وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا وُجُوبَ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا مَخْصُوصِينَ بِالْمُتْعَةِ - فَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَبَنُو هَاشِمٍ، وَهُمْ أَهْلُ
بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّتِهِ، وَقَوْلُ الْمَكِّيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَهُمْ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ كَانُوا - بِالْمَنَاسِكِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: " قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مُتَمَتِّعِينَ قَالَ: وَقَالَ لِي مُجَاهِدٌ: لَوْ خَرَجْتَ مِنْ بَلَدِكَ الَّذِي تَحُجُّ مِنْهُ أَرْبَعِينَ عَامًا مَا قَدِمْتَ إِلَّا مُتَمَتِّعًا، هُوَ أَحْدَثُ عَهْدٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي فَارَقَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْغَبَ عَنْ مَا ثَبَتَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لِاتِّبَاعِ بَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.
قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَوِيَتْ قُلُوبُ الرَّوَافِضِ حِينَ أَفْتَيْتَ أَهْلَ خُرَسَانَ بِمُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ كُنْتَ تُوصَفُ بِالْحُمْقِ، فَكُنْتُ أَدْفَعُ عَنْكَ، وَأَرَاكَ كَمَا قَالُوا.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَيُّوبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ: - وَسُئِلَ عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ فَقَالَ -: " قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ غَيْرَ خَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ بِفَسْخِ الْحَجِّ، قَالَ أَحْمَدُ: كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلًا، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؟!
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّبَّانِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ، وَذُكِرَ لَهُ أَحْمَدُ رحمه الله فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنَا أَحَدًا أَشَدَّ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَالْآثَارِ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ يَزَالُهُ عَقْلٌ. ثُمَّ قَالَ: جَاءَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ إِلَى أَحْمَدَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تُفْتِي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَحْمَقُ إِلَى الْيَوْمِ، ثَمَانِيَةُ عَشَرَ حَدِيثًا أَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أُفْتِي بِهِ، فَلِمَ كَتَبْتُ الْحَدِيثَ؟! قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ رحمه الله قَطُّ إِلَّا وَهُوَ يُفْتِي بِهِ.
وَأَمَّا نَهْيُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْمُتْعَةِ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ عَلَى كَوْنِهَا مَرْجُوحَةً: فَاعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمَا نَهَوْا عَنِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَأَنَّ نَهْيَهُمْ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْأَحَادِيثِ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حَصِينٍ:" «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَفِي لَفْظٍ:" «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَحِمَ اللَّهُ عَمْرًا، إِنَّمَا ذَاكَ رَأْيٌ» "، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ " لَمَّا نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَهَلَّ عَلِيٌّ بِهِمَا، فَقَالَ: تَسْمَعُنِي أَنْهَى النَّاسَ عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ ".
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهُ، أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُهِلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ عُثْمَانَ.
وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ: - " اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْعُمْرَةِ فِي شَوَّالٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنْ [نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ: " أَنَّ عُثْمَانَ سَمِعَ رَجُلًا يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْمُهِلِّ، فَضَرَبَهُ، وَحَلَقَهُ، قَالَ] نُبَيْهٌ: فَمَا نَبَتَ فِي رَأْسِهِ شَعْرَةٌ، وَقَالَ نُبَيْهٌ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَمَتَّعُونَ بِالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ، ثُمَّ أَمَرَ نَوْفًا فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ. فَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَقَدْ مَلِلْتُمُ الْحَجَّ دَفَرَهُ؟ أَقَدْ مَلِلْتُمْ شَعَثَهُ؟ أَقَدْ مَلِلْتُمْ وَسخَهُ؟! وَاللَّهِ لَئِنْ مَلِلْتُمْ لَيَأْتِينَّ اللَّهُ عز وجل بِقَوْمٍ لَا يَمَلُّونَهُ وَلَا يَسْتَعْجِلُونَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَذِنَّا لَكُمْ فِي هَذَا لَأَخَذْتُمْ بِخَلَاخِيلِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ - يُرِيدُ أَرَاكَ عَرَفَةَ - ثُمَّ رَجَعْتُمْ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا الْمُتْعَةُ قَوْلًا وَفِعْلًا؛ فَهَذَا عُمَرُ يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ فَعَلَ الْمُتْعَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَيَقُولُ لِلصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ - لَمَّا أَهَلَّ جَمِيعًا -: هُدِيتَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ. وَيَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: " «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: قُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» ".
وَعَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " هَذَا الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي عُمَرَ - سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوِ اعْتَمَرْتُ ثُمَّ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ "، وَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ:" أَلَا تُبَيِّنُ لِلنَّاسِ أَمْرَ مُتْعَتِهِمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَا يَعْلَمُهَا؟! ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَمَا تَمَّتْ حَجَّةُ رَجُلٍ قَطُّ إِلَّا بِمُتْعَةٍ، إِلَّا رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ:" لَوْ حَجَجْتُ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ حَجَجْتُ، لَمْ أَحُجَّ إِلَّا بِمُتْعَةٍ ". رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي
عَبِيدٍ: " لَوِ اعْتَمَرْتُ ثُمَّ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ ". وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: " لَوِ اعْتَمَرْتُ وَسَطَ السَّنَةِ لَتَمَتَّعْتُ، وَلَوْ حَجَجْتُ خَمْسِينَ حَجَّةً لَتَمَتَّعْتُ "، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ عُمَرُ:" وَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا عَلِمَهَا؟ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهَا ".
وَعَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " مَا حَجَّ عُمَرُ قَطُّ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَّا تَمَتَّعَ فِيهَا ".
وَإِنَّمَا وَجْهُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا بِالْمُتْعَةِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَزُورُونَ الْكَعْبَةَ إِلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلُونَ تِلْكَ السَّفْرَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى الْبَيْتُ مَهْجُورًا عَامَّةَ السَّنَةِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ لِيَبْقَى الْبَيْتُ مَعْمُورًا مَزُورًا كُلَّ وَقْتٍ بِعُمْرَةٍ يَنْشَأُ لَهَا سَفَرٌ مُفْرَدٌ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، حَيْثُ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجَّةِ ثَلَاثَ عُمَرٍ مُفْرَدَاتٍ.
وَعَلِمَ أَنَّ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَنْشَأَ لَهُمَا سَفَرٌ مِنَ الْوَطَنِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَرَ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ لِرَغْبَتِهِ طَرِيقًا إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ الِاعْتِمَارِ مَعَ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، فَقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.
قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: " إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ رضي الله عنه عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِيَكُونَ مَوْسِمَيْنِ فِي عَامٍ، فَيُصِيبُ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا ".
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: " إِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ إِرَادَةَ أَلَّا يُعَطَّلَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ". رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَأَيْضًا: فَخَافَ إِذَا تَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أَنْ يَبْقُوا حَلَالًا حَتَّى يَقِفُوا بِعَرَفَةَ مُحِلِّينَ، ثُمَّ يَرْجِعُوا مُحْرِمِينَ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ:" كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ - يَعْنِي أَرَاكَ عَرَفَةَ - ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ ".
وَنَحْنُ نَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَنْشَأَ لِلْعُمْرَةِ سَفَرًا مِنْ مَصْرِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ.
فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ:" افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ " رَوَاهُ مَالِكٌ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ:" سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُخَالِفُ أَبَاكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَقُلِ الَّذِي تَقُولُونَ: إِنَّمَا قَالَ: أَفْرِدُوا الْعُمْرَةَ مِنَ الْحَجِّ. أَيْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي شُهُورِ الْحَجِّ إِلَّا بِهَدْيٍ، وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ شُهُورِ الْحَجِّ، فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا، وَعَاقَبْتُمُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ عز وجل، وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَوَكِتَابَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَبَّعُوا أَمْ عُمَرَ؟! ".
وَعَنْ أَبِي يَعْفُورَ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ
الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَقَالَ:" هِيَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَحَبُّ إِلَيَّ ".
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: " مَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَشُكُّ أَنَّ عُمْرَةً فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ".
وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، إِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ سَفْرَةٍ أُخْرَى؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ عَنْ سَفْرَةٍ أُخْرَى بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنَ الْحَجِّ مِنْ جِهَادٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَصْدُ مَكَّةَ إِلَّا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لِعَدَمِ الْقَوَافِلِ، أَوْ خَوْفِ الطَّرِيقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَإِنَّ اعْتِمَارَهُ قَبْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ فِي بَقِيَّةِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُمْ فَعَلُوا كَذَلِكَ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ الْحَجَّةِ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ إِلَّا عَائِشَةُ خَاصَّةً، وَلَمْ يُقِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ لَيْلَةِ الْحَصْبَةِ وَلَا يَوْمًا وَاحِدًا، بَلْ قَضَى حَجَّهُ وَرَجَعَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ كَانَ. . . وَكَانُوا يَنْهَوْنَ عَنِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ كَمَا يَنْهَوْنَ عَنْهَا قَبْلَهُ.
قَالَ أَبُو بِشْرٍ: " حَجَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ، قَالَ صَاحِبِي: إِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ كُلَّمَا أَرَدْتُ، أَفَأَعْتَمِرُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ لَهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَسَأَلْنَاهُ، فَكَأَنَّهُ هَابَنَا، ثُمَّ إِنَّهُ اطْمَأَنَّ بَعْدُ فَقَالَ: أَمَّا أُمَرَاؤُكُمَا فَيَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَعْمَرَ عَائِشَةَ - رَحِمَهَا اللَّهُ - لَيْلَةَ الصَّدَرِ مِنَ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ مِنْ سَنَنِ وَجْهِهِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُحْرِمُ ".
وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ رُخْصَةً بَعْدَ أَنْ يَسْتَفْتِيَ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَوِ اعْتَمَرُوا قَبْلَ الْحَجِّ كَانَ أَفْضَلَ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" «وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْوَبَرُ، وَبَرَأَ الدَّبَرُ، وَدَخَلَ صَفَرُ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " عُمْرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عُمْرَةٍ فِي الْعِشْرِينَ الْأَوَاخِرِ، قَالَ صَدَقَةُ: فَحَدَّثْتُ نَافِعًا، فَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: لَأَنْ أَعْتَمِرَ عُمْرَةً يَكُونُ عَلَيَّ فِيهَا هَدْيٌ، أَوْ صِيَامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ أَعْتَمِرَ عُمْرَةً لَيْسَ عَلَيَّ فِيهَا هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ، قَالَ: " وَاللَّهِ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأَهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ ".
وَرَوَى أَبُو عَبِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" لَأَنْ أَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ، أَوْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فِي شَهْرٍ يَجِبُ عَلَيَّ فِيهِ الْهَدْيُ [أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ فِي شَهْرٍ لَا يَجِبُ عَلَيَّ فِيهِ الْهَدْيُ] ".
عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ الَّذِي قَدْ رَآهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَمَنْ بَعْدَهُمَا قَدْ خَالَفَهُمْ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ؛ مِثْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
فَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا خَافُوا مِنَ النَّهْيِ؛ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، فَخَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ، أَوْ رَأَوْا أَنَّ تَرْكَ النَّاسِ آخِذِينَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَعِمْرَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: " أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَضْرَبَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ ".
وَعَنْ عَمْرٍو قَالَ: " سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الْمُتْعَةِ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: انْظُرُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا فِيهِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوهَا فَقَدْ صَدَقَ ".
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُعَرِّضُ بِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " إِنَّ هَاهُنَا قَوْمًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ فِي الْمُتْعَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا لِي فَلْيَسْأَلْ أُمَّهُ، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَ نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ وُلِدُوا مِنْهَا لَفَعَلْتُ " رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَاهُمْ سَيَهْلَكُونَ، أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ". رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ.
وَأَمَّا كَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي أَشْهُرِهِ، فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، كُلُّ هَؤُلَاءِ يَرْوُونَ التَّمَتُّعَ، إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَمَّا قَضَاهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا.
فَإِنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَرَنَ لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ جَمَعَهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ شَهْرِ الْحَجِّ، وَهَذَا لَا يُشَكُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ.
فَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ؛ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، وَأَقَرَّتْهُ عَائِشَةُ عَلَى ذَلِكَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «اعْتَمَرْتُ وَلَمْ أَعْتَمِرْ، قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «تَذْهَبُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَذْهَبُ أَنَا بِحَجَّةٍ» ".
وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَهُوَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ قَدِ اعْتَمَرُوا مَعَ حَجِّهِمْ قَبْلَ لَيْلَةِ الْحَصْبَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ أَوْ قَارِنِينِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ مِنْ قَابِلٍ، وَالثَّالِثَةُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ» " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
وَعَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ، حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ
يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَمَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَةٌ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ.
وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِرْ عَقِيبَ الْحَجَّةِ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ سِوَى عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لَيْلَةَ الصَّدَرِ.
وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ النَّاسُ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، إِمَّا قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ مَعَهُ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى قَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَلْفَاظٌ صَرِيحَةٌ مِنْ قَوْلِهِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ: " «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» "، وَقَوْلِهِ:" إِنِّي قَرَنْتُ "، وَقَوْلِهِ:" قُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ "، وَمِثْلُ مَا رَوَتْ حَفْصَةُ قَالَتْ:" «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكِ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ اعْتِقَادِهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ رُوَاةَ التَّمَتُّعَ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَرِوَايَتُهُمْ أَصَحُّ سَنَدًا وَأَشْهَرُ نَقْلًا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، بَلْ طُرُقُ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِأَنَّهُ تَمَتَّعَ أَصَحُّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْإِفْرَادُ إِنَّمَا ذَكَرُوهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ. . .
وَأَيْضًا فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: أَفْرَدَ الْحَجَّ؛ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافًا يَتَمَيَّزُ بِهِ، فَصُورَتُهُ صُورَةُ الْمُفْرِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكَلَامِهِمْ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِ الْخَطَأِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ مُثْبِتٌ لِزِيَادَةٍ نَفَاهَا غَيْرُهُ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنَ النَّافِي.
وَقَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ -: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَيُسَمَّى مُفْرِدًا لِذَلِكَ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا وَكَوْنِهِ لَمْ يَفْسَخِ الْحَجَّ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ مِمَّنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا. وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَحَلَّلْ فِي حَجَّتِهِ، وَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوهُ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَحِلَّ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ، وَلَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَفْسَخْ، كَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا تَمَتَّعَ وَلَمْ يُفْرِدْ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا.
الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَ فَهُوَ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ حَجَّتِهِ مِنَ التَّنْعِيمِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ هُوَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرُ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَدِ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْإِفْرَادُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَمِنِ الْقِرَانِ عِنْدَنَا، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي سَفْرَتِهِ تِلْكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَحُجُّونَ وَيَرْجِعُونَ، وَيَعْتَمِرُونَ فِي وَقْتٍ آخَرَ أَوْ لَا يَعْتَمِرُونَ، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتْعَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ كَانَ التَّأَسُّفَ عَلَى الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْإِحْلَالَ أَفْضَلَ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَشُكُّ فِي جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ أَنَّهُمْ فَسَخُوا؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَكُونُوا يُجَوِّزُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُتْعَةِ تَفْتَقِرُ إِلَى دَمٍ، فَذَلِكَ الدَّمُ دَمُ نُسُكٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَتُّعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَدِمَاءُ الْجُبْرَانِ لَا يَجُوزُ الْتِزَامُهَا إِلَّا لِعُذْرٍ، وَبِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهُ، كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ نَقُولُ: وَإِنْ كَانَ دَمُ جُبْرَانٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ بِلَا جُبْرَانٍ، وَبَيْنَ الْإِحْلَالِ وَالْجُبْرَانِ. وَهَذَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِطَايِلٍ.
فَالْإِحْلَالُ وَالدَّمُ وَالْعُمْرَةُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهَا. وَهَذَا هُوَ
الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: الْمُفْرِدُ يَأْتِي بِنُسُكَيْنِ تَامَّيْنِ، فَإِنَّهُ مَتَى أَتَمَّ الْعُمْرَةَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ. . . فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ. وَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَيْسَتْ بِتِلْكَ التَّامَّةِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُتْعَةِ رُخْصَةً: فَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ رُخْصَةٌ، ثُمَّ الرُّخَصُ فِي الْعِبَادَاتِ أَفْضَلُ مِنَ الشَّدَائِدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجَّةِ: لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حَلْقِ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ سُنَّةٌ عَظِيمَةٌ: فَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ يَأْتِي فِيهَا بِالْحَلْقِ: أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ تَخْلُوَ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِ النُّسُكِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَا تُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ عُمْرَةُ الْقَارِنِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الِاعْتِيَاضَ عَنْهَا بِالطَّوَافِ أَفْضَلُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَى إِجْزَائِهِ، وَيَتَّسِعُ الْوَقْتُ بَعْدَهُ لِلطَّوَافِ أَفْضَلَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ أَحْوَطَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَخَّرَهَا، فَإِنَّهُ تَغْرِيرٌ بِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ وَتَأْخِيرِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: هُوَ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَجْمَعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ جَمِيعًا، وَيَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيُحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا إِذَا قَضَى حَجَّهُ، وَلَهُ فَضِيلَةٌ عَلَى الْقَارِنِ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ مُخَالَفَةٌ لِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ وَدَلِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، وَكُلَّمَا كَانَ مِنَ الْمَنَاسِكِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ، مِثْلُ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ، وَتَرْكِ الْوُقُوفَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالطَّوَافِ بِالثِّيَابِ، وَدُخُولِ الْبَيْتِ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَالطَّوَافِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَأَيْضًا: فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إِذَا دَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ عُمْرَةً وَحَجَّةً وَدَمًا؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ عَلَى حِدَةٍ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَجْمَعَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِإِحْلَالَيْنِ، وَإِحْرَامَيْنِ، وَتَلْبِيَتَيْنِ، وَطَوَافَيْنِ، وَسَعْيَيْنِ، فَهُوَ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَارِنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعُمْرَتُهُ تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا، وَلَيْسَ الْقَارِنُ بِأَعْجَلَ مِنَ الْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَفْرُغُ مِنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا، وَيَزِيدُ الْمُتَمَتِّعُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَفْرُغُ مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْلَهُ، فَيَكُونُ أَسْبَقَ مِنْهُ إِلَى أَدَاءِ النُّسُكِ.
وَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْمُفْرِدِ: بِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَنُسُكَانِ أَفْضَلُ مِنْ نُسُكٍ، وَأَنَّهُ يَأْتِي مَعَ ذَلِكَ بِدَمِ الْمُتَمَتِّعِ، وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَيَكُونُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى زِيَادَةٍ أَفْضَلَ كَمَا فُضِّلَ الْمُفْرِدُ عَلَى الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى مَرَّتَيْنِ. وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ وَهَدْيٌ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ لَا عُمْرَةَ فِيهَا وَلَا هَدْيَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ: " لَأَنْ أَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الْحَجِّ وَلَا أُهْدِيَ ".
وَيَتَّسِعُ الْوَقْتُ لِلْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الصَّدَرِ مِنْ مِنًى إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً، لَا سِيَّمَا إِنْ خِيفَ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ لِخَوْفٍ، أَوْ غَلَاءٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَتَحْصِيلُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْثَقُ. وَإِنْ كَانَ الْحَاجُّ امْرَأَةً خِيفَ عَلَيْهَا أَنْ تَحِيضَ بَعْدَ الصَّدَرِ، وَيَسْتَمِرُّ بِهَا الْحَيْضُ حَتَّى لَا تَتَمَكَّنَ مِنْ الِاعْتِمَارِ، فَإِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً وَحَاضَتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها.
فَأَمَّا إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْإِفْرَادِ بِلَا تَرَدُّدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا شَكَّ أَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَكَانَ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، فَكَيْفَ يُفَضَّلُ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِهِ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِفْرَادِ أَفْضَلَ مِنَ الْقِرَانِ، فَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا بِذَلِكَ، قَالُوا: لِأَنَّ فِي عَمَلِ الْمُفْرِدِ زِيَارَةً عَلَى الْقَارِنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْتِي بِإِحْرَامَيْنِ، وَإِحْلَالَيْنِ، وَتَلْبِيَتَيْنِ، وَطَوَافَيْنِ، وَسَعْيَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ. . .
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُتْعَةَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، أَوْ بِالْحَجِّ، أَوْ بِهِمَا، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى وُجُوبَهَا؛ فَعَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ:" أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ ".
وَعَنْ أَبِي هِشَامٍ " أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ حَاجًّا، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً، ثُمَّ لَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: اثْبُتْ عَلَى إِحْرَامِكَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّ طَوَافَكَ بِالْبَيْتِ يَنْقُضُ حُرْمَكَ، كُلَّمَا طُفْتَ فَجَدِّدْ إِهْلَالًا "، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:" أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنَا أَطُوفُ وَأُلَبِّي، فَقَالَ: أَبِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ؟ قُلْتُ: حَجَّةٍ، قَالَ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً، قُلْتُ: كَيْفَ أَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَهَذَا أَوَّلُ مَا حَجَجْتُ؟ قَالَ: فَأَكْثِرْ مِنَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّ التَّلْبِيَةَ تَشُدُّ الْإِحْرَامَ، وَإِنَّ الْبَيْتَ يُنْقَضُ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ تُنْقَضُ ".
وَعَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ قَالَ: " سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: يَحِلُّ الْحَجُّ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي قَدِمْتُ حَاجًّا وَلَمْ أَذْكُرْ عُمْرَةً، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اعْتَمَرْتَ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: إِنَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ، فَعَادَ فَقَالَ: إِنِّي قَدِمْتُ حَاجًّا، قَالَ: فَصَنَعْتَ مَاذَا؟ قَالَ: طُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ: اعْتَمَرْتَ. فَقَالُوا لَهُ: عُدْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدِمْتُ حَاجًّا وَلَمْ أَذْكُرْ عُمْرَةً، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ؟ هِيَ ثَلَاثًا فَإِنْ أَنْتَ فَأَرْبَعٌ، وَلَمْ يَقُلْ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّكَ قَصَرْتَ " وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " وَاللَّهِ مَا تَمَّتْ حَجَّةُ
رَجُلٍ إِلَّا بِمُتْعَةٍ، إِلَّا رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ "، وَقَدْ تَأَوَّلَ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: " قُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْخُذُ أَنَّهُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُسْتَحَبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ، فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِنِيَّةِ الْمُضِيِّ فِيهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ رَغْبَةً فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ - فِي قَلْبِهِ - جَازَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ الْمُتْعَةِ كَمَا حَكَيْتُمْ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ:" أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ ".
وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ - مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ -: " «أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كَذَا وَكَذَا، وَرُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَقَالُوا: أَمَّا هَذَا فَلَا، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَهَا وَلَكِنْ نَسِيتُمْ» " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا النَّهْيُ
إِمَّا أَنْ يُفِيدَ الْكَرَاهَةَ، أَوْ يَكُونَ مَعْنَاهُ النَّهْيَ عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
قُلْنَا: قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُكْرَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى مَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ كَانَ بَعْضُ أُمَرَاءِ بَنِي مَرْوَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ، وَيُعَاقِبُ عَلَى الْمُتْعَةِ. وَهَذَا قَدْ يَكُونُ رَأَى ذَلِكَ لِنَوْعِ مَصْلَحَةٍ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا.
وَقَدْ أَنْكَرَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ عَلِمُوا مَعْنَى كَلَامِ عُمَرَ - مِثْلَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ - ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ أَحَدٌ بِكَرَاهَةِ الْمُتْعَةِ لَكَانَ مَخْصُومًا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا: فَإِنَّهُ أَوْجَهُ حُجَّةً، وَأَحْسَنُ انْتِزَاعًا؛ إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا، وَتَغَيَّظَ عَلَى مَنِ امْتَنَعَ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَشَاذَّانِ مُنْكَرَانِ، مُخَالِفَانِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ النَّاطِقَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُنْسَخُ حَيْثُ قَالَ:" «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: قَدْ يَكُونُ مِنَ الْحَافِظِ الْوَهْمُ أَحْيَانًا. وَالْأَحَادِيثُ إِذَا تَظَاهَرَتْ وَكَثُرَتْ كَانَتْ أَثْبَتَ مِنَ الْوَاحِدِ الشَّاذِّ، كَمَا قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: وَإِيَّاكَ وَالشَّاذَّ مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ آدَمَ: إِنَّكَ إِنْ حَمَلْتَ شَاذًّا مِنَ الْعِلْمِ حَمَلْتَ شَرًّا كَثِيرًا. قَالَ: وَالشَّاذُّ - عِنْدَنَا - هُوَ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ الشَّاذُّ الَّذِي يَجِيءُ وَحْدَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجِئْ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ.
وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يَعْتَمِرَ الرَّجُلُ قَبْلَ الْحَجِّ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مِصْرِهِ، وَيُؤَخِّرَ الْحَجَّ عَنْ ذَلِكَ الْعَامِ، فَيَكُونُ هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِكَوْنِ الْحَجِّ أَوْجَبَ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ مَشَقَّةَ السَّفَرِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ بِغَيْرِ حَجٍّ، وَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ.
وَأَمَّا الْآخَرُ ..... .
(فَصْلٌ)
وَإِذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأَثْرَمِ -: هِيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ وَهِيَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ وَسَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَتَقُولُ: الْعُمْرَةُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا سُئِلْتُ عَنْ أَتَمِّ الْعُمْرَةِ، فَالْمُتْعَةُ تُجْزِؤُهُ مِنْ عُمْرَتِهِ، فَأَمَّا أَتَمُّ الْعُمْرَةِ: فَأَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
فَإِذَا اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ، أَوْ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ - فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتْعَةِ ; لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الْحَجِّ إِلَى الْمُحَرَّمِ حَتَّى يَعْتَمِرَ فَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ؟
وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْحَجِّ إِلَى مِصْرِهِ ثُمَّ عَادَ لِلْعُمْرَةِ.
وَإِنِ اعْتَمَرَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ ثُمَّ عَادَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَمَتَّعَ أَوْ يُفْرِدَ، وَمَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَهَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَحُجَّ، أَوْ يَحُجَّ فَقَطْ، أَوْ يَحُجَّ ..
وَأَمَّا إِذَا حَجَّ، ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ: فَالْمُتْعَةُ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَسَعْدَانَ بْنِ يَزِيدَ ..
فَإِنْ عَادَ فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوِ الْمُحَرَّمِ إِلَى الْمِيقَاتِ فَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتْعَةِ. . .
(فَصْلٌ)
وَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ مِنْ عُمْرَةٍ، أَوْ حَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ عُمْرَةَ تَمَتُّعٍ، أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ عُمْرَةً أَوْ حَجَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا أَحْرَمَ بِهِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:" «قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ:" «فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ - وَمَعَهُ هَدْيٌ - فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» " وَفِي لَفْظٍ: «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ» ". وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لِلْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ: " «مَا قُلْتَ حِينَ
فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تُحِلَّ» "، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " «قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ - فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» "، وَفِي لَفْظٍ:" «فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَذَكَرَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِنْ عَلِمَ مَا أَحْرَمَ فُلَانٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ فُلَانٍ.
فَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ. . .
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ. . .، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْمُطْلَقِ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ إِلَى أَحَدِ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ كَالْمُنْشِئِ يَصْرِفُهُ إِلَى مَا شَاءَ. وَهَذَا أَصَحُّ.
وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ إِلَى تَمَتُّعٍ، أَوْ إِفْرَادٍ، أَوْ قِرَانٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى الْمُتْعَةِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً حَتَّى مَضَتْ أَيَّامٌ - فَقَالَ: يَقْدَمُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُ وَيُقَصِّرُ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ.
وَحَمَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّا نَسْتَحِبُّ التَّمَتُّعَ لِمَنْ عَيَّنَ الْحَجَّ وَالْقِرَانَ، فَأَنْ نَسْتَحِبَّهُ لِمَنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا قَدْ أَحْرَمَ بَعْضُهُمْ شَبِيهًا بِهَذَا الْإِحْرَامِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ: انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ فِيمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرٍ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ جَازَ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا.
فَإِنْ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " -: وَا. . . وَغَيْرُهُمَا. لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ ; لِأَنَّهُ طَافَ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي عُمْرَةٍ. وَقَالَ:. . .: يَتَعَيَّنُ طَوَافُهُ لِلْعُمْرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَيَصِيرَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ " «وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عَمَلِ الْعُمْرَةِ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» " وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: " «أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّتِ الْحَرُورِيَّةُ فِي عَهْدِ ابْنِ
الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إِذًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: كَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَرَّةً قَبْلَ التَّعْرِيفِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ جَمَعَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْدَ النَّحْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ طَافَ بَعْدَ
التَّعْرِيفِ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ هُوَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ نَافِعٌ أَنَّهُ اكْتَفَى لِلْقِرَانِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لَمْ يَطُفْ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَ سَعْيَيْنَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ الْحَجَّ، فَقُلْتُ: أَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَأَلْقَى عَلِيًّا، فَأَقْتَدِي بِهِ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا عَلِيٌّ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا، فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَأَدْرَكْتُ عَلِيًّا فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ لِأَقْتَدِيَ بِكَ، وَقَدْ سَبَقْتَنِي فَأَهْلَلْتَ بِالْحَجِّ، أَفَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ؟
فَقَالَ: لَا؛ إِنَّمَا ذَاكَ لَوْ كُنْتَ أَهْلَلْتَ بِعُمْرَةٍ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ] لِحَجَّتِهِ، ثُمَّ أَقَامَ حَرَامًا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ.
وَيَجُوزُ إِضَافَةُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِكُلِّ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ إِنْ أَضَافَهُ إِلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَعَ الطَّوَافُ عَنِ الْقِرَانِ، وَكَانَ قَارِنًا، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْإِفَاضَةُ تَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ فَخَشِيَ فَوْتَهُ، إِمَّا بِأَنْ تَكُونَ امْرَأَةً وَقَدْ حَاضَتْ فَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَتُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَتَصِيرُ قَارِنَةً، وَتَتْرُكُ طَوَافَ الْقُدُومِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُفْرِدَةً، أَوْ بِأَنْ يُوَافِيَ مَكَّةَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ إِتْمَامِ الْعُمْرَةِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْعُمْرَةِ وَيُفَوِّتَ الْحَجَّ. . .، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الْحَجِّ وَهُوَ قَارِنٌ إِذَا وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ - فَهُوَ بَاقٍ عَلَى قِرَانِهِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَا يَنْقُضُ الْعُمْرَةَ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ، فَخَشِيَ الْفَوْتَ - لَمْ
يَطُفْ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَمْسَكَ عَنِ الْعُمْرَةِ كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ.
قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: قَدْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَصَارَ حَجًّا فَقَالَ: مَا قَالَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ، إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَمَا رَفَضَتِ الْعُمْرَةَ، فَلَمَّا قَالَتْ: أَيَرْجِعُ أَزْوَاجُكِ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ؟ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، أَرَادَ أَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْقَضَاءِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ كَيْفَ يَصْنَعُ مِثْلُهَا؟ قَالَ: لَمَّا دَخَلَتْ بِعُمْرَةٍ حَاضَتْ بَعْدَمَا أَهَلَّتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَهَذِهِ شُبِّهَتْ بِالْقَارِنِ، فَتَذْهَبُ فَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ جَاءَتْ مَكَّةَ، فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، وَسَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قِيلَ لَهُ: طَوَافٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، طَوَافٌ وَاحِدٌ يُجْزِئِ الْقَارِنَ، وَهَذِهِ يُجْزِؤُهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ - وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ يَرْوِيهِ: " «انْقُضِي عُمْرَتَكِ» " فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ يَرْوِيهِ: " «أَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» " أَيْشِ مَعْنَى انْقُضِي؟ هُوَ شَيْءٌ يَنْقُضُهُ، هُوَ ثَوْبٌ تُلْقِيهِ، وَعَجِبَ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَهَذَا يَسْتَقِيمُ
عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ لَيْسَ فِي عَمَلِ الْقَارِنِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرَدِ.
فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْقَارِنَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى أَوَّلًا لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْعَى لِلْحَجِّ، فَإِنَّ عُمْرَتَهُ تَنْقَضِي قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ.
فَعَلَى هَذَا: إِذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَسْعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ - فَإِنَّ عُمْرَتَهُ تَنْتَقِضُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَيَكُونُ مُفْرِدًا وَعَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. فَعَلَى هَذَا إِذَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَدْ فَسَخَ الْعُمْرَةَ إِلَى الْحَجِّ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا قَدِمَتْ مَكَّةَ - وَهِيَ مُتَمَتِّعَةٌ - فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ وَتَتْرُكَ الْعُمْرَةَ.
[فَمَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي قَالَ: أَمَرَهَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ] وَأَنْ تَصِيرَ مُفْرِدَةً لِلْحَجِّ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا دَمَ قِرَانٍ، بَلْ ذَبَحَ عَنْهَا يَوْمَ النَّحْرِ دَمَ جُبْرَانٍ؛ لِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءَ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الَّتِي رَفَضَتْهَا، قَالُوا: لِأَنَّ فِي حَدِيثِهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ - وَأَنَا حَائِضٌ - فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ - بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى - لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» " وَفِي لَفْظٍ:
قَالَتْ: " «فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهِلَّ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالْحَجِّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ» " وَفِي لَفْظٍ: " «أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ -لَيْلَةُ عَرَفَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ، قَالَ: أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ» " وَفِي لَفْظٍ: " «حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا» " وَفِي لَفْظٍ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُصْدِرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأُصْدِرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ، قَالَ: انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي مِنْهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ، أَوْ نَصَبِكِ» "، وَفِي لَفْظٍ:" «فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمَنَعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: فَلَا يَضُرُّكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجِّكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ» "، وَفِي لَفْظٍ:" «فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى، فَطَهُرْتُ» "، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: أَنَّهَا قَالَتْ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ؟ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهَا قَالَتْ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ:
يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَنَّهَا قَالَتْ: "«يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ» ".
قَالُوا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا صَارَتْ مُفْرِدَةً، وَأَنَّهَا رَفَضَتِ الْعُمْرَةَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» ". وَلَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَالِهِ لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِامْتِشَاطِ، وَلِقَوْلِهِ:" «أَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» "، " وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ "، وَفِي لَفْظٍ:" «وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» "، وَهَذَا ظَاهِرُ فِي أَنَّهَا تَرْفُضُ الْعُمْرَةَ.
وَقَدْ رَوَى. . . . لَا سِيَّمَا وَكَانَ هَذَا لَيْلَةَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَهَا، وَالنَّاسُ قَدْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْعُمْرَةِ، فَعُلِمَ: أَنَّهُ أَرَادَ تَرْكَ إِحْرَامِهَا.
وَلِقَوْلِهِ: " هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ " وَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا بِحَالِهَا: لَمْ يَقُلْ: " هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ سَائِرُ مَنْ قَرَنَ مِنْ أَصْحَابِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ عُمْرَةٌ صَحِيحَةٌ.
وَأَيْضًا: فَقَوْلُهَا: " «أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ فَقَالَ: أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ» "، فَأَقَرَّهَا عَلَى قَوْلِهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ بِحَجَّةٍ، وَسَائِرُ النَّاسِ يَرْجِعُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ تِلْكَ اللَّيَالِي يَكُونُ حَالُهُ كَذَلِكَ، يَرْجِعُ بِحَجَّةٍ بِدُونِ عُمْرَةٍ، ثُمَّ أَمَرَهَا بِالْقَضَاءِ - بِحَرْفِ الْفَاءِ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ لَهَا لَمَّا ذَكَرَتْ لَهُ الْحَيْضَ -: " فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا " قَالَتْ: " فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَبْقَ فِي عُمْرَةٍ وَأَنَّهَا تَرْتَجِي ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ بِعَرَفَةَ فِي إِحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ: لَكَانَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْوُقُوفَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةٍ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى؛ وَلِهَذَا إِذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَلَمْ يَقِفْ بِالْمَوَاقِفِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي عُمْرَةٍ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: مَا رَوَى طَاوُسٌ «عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ -: يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ، فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ «عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَطَاءٍ «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: " طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ ثُمَّ وَجَدَهَا تَبْكِي، وَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: اغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ كُلَّهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ - وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي طَافَتْهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَسَعُهَا لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى عُمْرَتِهَا مُقِيمَةٌ عَلَيْهَا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَلَحَّتْ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهَا ابْتِدَاءً بِالْعُمْرَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهَا لَمَا
أَهْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَمْرَ بِهِ حَتَّى تَطْلُبَ هِيَ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ، بَلْ أَعْمَلَهَا بِهِ حِينَ قَالَ لَهَا:" «اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» " بِأَنْ يَقُولَ: فَإِذَا حَلَلْتِ، فَاقْضِي عُمْرَتَكِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى عَنْهَا، وَبَعَثَ إِلَيْهَا مِنْ هَدْيِهَا. فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ دَمَ نُسُكٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَمَ جِنَايَةٍ لَمْ يَجُزِ الْأَكْلُ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ لَهَا: " «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» ": يَعْنِي عَنْ إِتْمَامِهَا مُفْرِدَةً كَمَا كَانَتْ أَوْجَبَتْهُ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَتَصِيرُ الْعُمْرَةُ فِي ضِمْنِ الْحَجِّ وَلَا يَبْقَى لَهَا صُورَةٌ ; فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِبَقَاءِ الْعُمْرَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: أَمْسِكِي عَنْهَا، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهَا لَا يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَرْكَ عَمَلِهَا الَّذِي بِهِ تَتِمُّ وَتَخْرُجُ مِنْهَا، وَأَمَّا نَقْضُ الرَّأْسِ. . . .
وَأَمَّا الْقَضَاءُ: فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ عُمْرَةِ الْقِرَانِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ. وَسَنَتَكَلَّمُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا:" «يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ» ".
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ لَمْ تَنْعَقِدْ هَذِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهَا شَيْءٌ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَجِّهِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - فِيمَنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ مُعْتَمِرًا، فَخَافَ أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ إِنْ طَافَ -: أَدْخِلِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَيَكُونُ قَارِنًا، قِيلَ لَهُ: فَيُدْخِلُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا.
وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: إِذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَضَافَ إِلَيْهَا الْحَجَّ، وَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ لَمْ يُضِفْ إِلَيْهِ عُمْرَةً. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ: إِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا حَجَّةً، فَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ لَمْ يُضِفْ إِلَيْهِ عُمْرَةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ حَرْبٌ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَأَرَادَ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهَا عُمْرَةً فَكَرِهَهُ.
وَنَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ: إِذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَضَافَ إِلَيْهَا الْحَجَّ وَلَا بَأْسَ، إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الَّذِي يُهِلُّ بِالْحَجِّ أَيُضِيفُ إِلَيْهِ عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: عَلِيٌّ يَقُولُ: لَوْ كُنْتَ بَدَأْتَ بِالْعُمْرَةِ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ - قَوْلُهُ: " «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» " يَعْنِي الْعُمْرَةَ فِي
أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِي ضَمِّ الْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَّا شَيْئًا ضَعِيفًا.
وَلَعَلَّ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَا عَلَى بُطْلَانِهِ، فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ: مَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمِ لَمَّا سَأَلَهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ - وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، فَقَالَ: هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ لَوْ كُنْتَ أَهْلَلْتَ بِعُمْرَةٍ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِرَانَ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا، وَيَسْتَطِيعُهُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ: لَا تَسْتَطِيعُهُ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْبَتَّةَ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِإِحْدَاهُمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْآخَرِ ; نُصَّ عَلَيْهِ فِيمِنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا حَجَّةٌ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْنِ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ - إِذَا قَالَ: لَبَّيْكَ الْعَامَ وَعَامَ قَابِلٍ، فَإِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: يَحُجُّ الْعَامَ وَيَعْتَمِرُ قَابِلَ، فَإِنْ قَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّتَيْنِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ الَّتِي لَبَّى بِهَا، وَلَا يَكُونُ إِهْلَالًا بِشَيْئَيْنِ.
وَلَوْ قَالَ: لَبَّيْكَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِائَةُ حَجَّةٍ؟ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَأَصْلُ قَوْلِ عَطَاءٍ التَّسْهِيلُ، يَقُولُ: الْمُشِيءُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَكَفَّارَةٌ، وَذُكِرَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ إِذَا نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَرْبَعٍ. . . . .
(فَصْلٌ)
وَإِذَا نَسِيَ الْمُحْرِمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ فُلَانٍ، وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ - فِي رَجُلٍ لَبَّى فَنَسِيَ لَا يَدْرِي بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، ثُمَّ يُلَبِّي مِنْ مَكَّةَ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ أَهَلَّ لَا يَدْرِي بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْمَعَهُمَا - قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا أَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ [وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، وَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَعَلَ. فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً] فَيَتَمَتَّعُ بِهَا إِلَى الْحَجِّ، وَهَذَا حَسَنٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إِذَا شَرَعَ لِمَنْ يَذْكُرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً، فَلِمَنْ لَا يَذْكُرُ أَوْلَى.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ بَعْضُ هَؤُلَاءِ قَالَ: إِنَّمَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ يَتَمَتَّعُ بِهَا إِلَى الْحَجِّ، فَلَزِمَهُ عُمْرَةٌ وَحَجٌّ، كَمَا بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّ قِيَاسَ هَذَا أَنْ يَلْزَمَهُ الْقِرَانُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ وُجُوبَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِيَقِينٍ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا. وَإِذَا تَمَتَّعَ فَإِنَّهُ قَدْ خَرَجَ بِيَقِينٍ، أَمَّا إِذَا أَفْرَدَ جَازَ أَنْ يَكُونَ [الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ عُمْرَةً أَوْ قِرَانًا، وَإِذَا قَرَنَ جَازَ أَنْ يَكُونَ] قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا، فَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ; كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَةٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ: فَإِنَّهُمْ يُخَيِّرُونَهُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَحَمَلُوا كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَجِبْ إِلْزَامُهُ بِالشَّكِّ. وَزَعَمَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إِحْرَامًا وَنَسِيَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْأَوْلَى، وَكَذَلِكَ هُنَا، وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي التَّعْيِينِ يَجْعَلُ التَّعْيِينَ كَعَدَمِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، فَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ. وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي إِحْرَامِهَا، فَإِذَا صَلَّى صَلَاةً مُطْلَقَةً لَمْ تَصِحَّ. وَالْحَجُّ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ، فَإِذَا شَكَّ فِي عَيْنِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَّقِينُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَالْإِحْرَامُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ.
فَعَلَى هَذَا إِنْ عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ، فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَقَدْ
أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ - أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ - فَيَصِحُّ لَهُ الْحَجُّ بِكُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ قَارِنًا.
وَالثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ - وَهُوَ أَصَحُّ - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ لِصِحَّةِ قِرَانِهِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ قَدْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَسَعَى لَهَا، ثُمَّ طَافَ لِلْحَجِّ وَسَعَى، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَعْمَالِ الْمُفْرِدِ، وَقُلْنَا: بِأَنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ لَا تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ: لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَّا بِطَوَافٍ لِلْعُمْرَةِ. وَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَةِ طَوَافِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ قَدْ شَرَكَ فِي طَوَافِهِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي؟
وَإِنْ قُلْنَا: تَدْخُلُ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ - فَإِنَّهُ قَدْ شَرَكَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ حَجٍّ صَحِيحٍ وَعُمْرَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَذَلِكَ يُجْزِئُهُ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ الْقَاضِي.
ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ النُّسُكَانِ عَنْهُ، لَزِمَهُ الدَّمُ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَجُّ، فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ ظَاهِرًا، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ.
وَإِنِ اخْتَارَ الْإِفْرَادَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ يَقِينًا، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِهِ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ بِهِمَا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَا تَحَقَّقَ وُجُوبُهُ، وَهَلْ يَحْتَاجُ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الْإِحْرَامِ إِلَى طَوَافٍ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
وَإِنْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَيُجْزِئُهُ عَنِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ. قَالَ - بَعْضُ أَصْحَابِنَا -: وَلَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ وَتَمَّمَ أَعْمَالَ الْحَجِّ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْحَجُّ يَقِينًا. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَهُوَ فِيهَا كَالْقَارِنِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ، فَلَا يَصِحُّ فَسْخُهُ إِلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ هُوَ قَدْ طَافَ أَوَّلًا وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ طَافَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَسَعَى لِلْحَجِّ.
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لَا تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ إِذَا كَانَ قَارِنَا، فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِحْرَامِ بِيَقِينٍ، وَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ لَهَا قَبْلَ التَّعْرِيفِ.
وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ لَهَا قَبْلَ التَّعْرِيفِ - فَإِنَّ طَوَافَهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لَمْ يَقَعْ عَنْ عُمْرَةِ الْقِرَانِ، وَهُوَ بَعْدَ الْوُقُوفِ إِنَّمَا طَافَ عَنِ الْحَجِّ خَاصَّةً، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ لَهَا ثَانِيًا بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَى الْقَارِنِ أَنْ يَنْوِيَ عَنْهُمَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الطَّوَافُ لِلْحَجِّ يُجْزِئُ عَنِ النُّسُكَيْنِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ - فَكَذَلِكَ هُنَا.
وَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقَارِنِ، أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُوجِبَهُ، وَهُوَ أَحْوَطُ.
وَالثَّانِي: لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ - فِي الْأَصْلِ - بِحَجَّةٍ وَقَدْ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَصْلِنَا، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ إِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ بِلَا تَرَدُّدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ بِلَا نِيَّةِ تَمَتُّعٍ، وَنَقُولُ: إِنَّ نِيَّةَ التَّمَتُّعِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهِ.