المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة صفة التلبية] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الحج - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب الحج والعمرة مرة في العمر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تفسير الاستطاعة في الحج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب المحرم في سفر المرأة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب الحج على من فرط فيه حتى مات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَجُّ الكَافِرٍ واَلمَجْنُونٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حج العبد والصبي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حج غير المستطيع وَالْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ]

- ‌[باب الْمَوَاقِيتِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ مواقيت أهل الأمصار]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المواقيت لأهلها ولمن مر عليها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميقات من دون المواقيت للحج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميقات من لم يكن طريقه على ميقات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم مجاوزة الميقات دون إحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الإحرام قبل الميقات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أشهر الحج]

- ‌[باب الْإِحْرَامِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ ما يستحب للمحرم عند الإحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب الإحرام بعد الصلاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ من أراد النسك فهو مخير بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة التلبية]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استحباب الإكثار من التلبية ورفع الصوت بها لغير النساء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مواطن استحباب التلبية]

الفصل: ‌[مسألة صفة التلبية]

[مَسْأَلَةٌ صفة التلبية]

مَسْأَلَةٌ:

(وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ لَبَّى، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ).

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ التَّلْبِيَةِ.

وَأَمَّا صِفَتُهَا: فَكَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رحمه الله نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَحَنْبَلٍ.

قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ -: إِذَا لَبَّى يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» " وَفِي لَفْظٍ: إِنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. . . . إِلَى آخِرِهِ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ مَعَ هَذَا: " لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ص: 575

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّيًا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» " لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَقُولُ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، الْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ».

وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ: " «أَرْبَعًا تَلَقَّنْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ - ثَلَاثًا إِلَى آخِرِهِ ". رَوَاهُ. . . .

ص: 576

«وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ».

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ. .» مِثْلَهُ سَوَاءً ".

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ: " أَنَّهُ كَانَ يُلَبِّي كَذَلِكَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.

«وَعَنْ جَابِرٍ فِي ذِكْرِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ

ص: 577

لَكَ. وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَلَفْظُهُمَا: " وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ " ذَا الْمَعَارِجِ " وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا ".

وَعَنِ الضَّاحِكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَدَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو.

وَسَبَبُ التَّلْبِيَةِ وَمَعْنَاهَا: عَلَى مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمُ اتَّخَذَ بَيْتًا وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ أَكَمَةٍ، أَوْ

ص: 578

تُرَابٍ، أَوْ شَيْءٍ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " رَوَاهُ آدَمُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْهُ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27] قَالَ: نَادَى إِبْرَاهِيمُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ بِالْحَجِّ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، قَالُوا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَقَدْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ. رَوَاهُمَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنْهُ - أَيْضًا - قَالَ: " أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَقَامَ عَلَى

ص: 579

الْمَقَامِ، فَتَطَاوَلَ حَتَّى صَارَ كَطُولِ الْجَبَلِ، فَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ مَرَّتَيْنِ، فَأَجَابُوهُ مِنْ تَحْتِ التُّخُومِ السَّبْعِ: لَبَّيْكَ أَجَبْنَا، لَبَّيْكَ أَطَعْنَا، فَمَنْ يَحُجُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، فَوَقَرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ " رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْهُ.

وَعَنْهُ - أَيْضًا - قَالَ: " لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ "، وَفِي رِوَايَةٍ:" لَمَّا أَذَّنَ إِبْرَاهِيمُ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، قَالَ: فَلَبَّى كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ".

وَقِيلَ لِعَطَاءٍ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27] إِبْرَاهِيمُ أَوْ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ:

لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يُؤْذِّنَ فِي النَّاسِ عَلَى الْمَقَامِ، فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ مَنْ بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، قَالَ: فَأَجَابُوهُ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، فَإِنَّمَا يَحُجُّ الْيَوْمَ مَنْ أَجَابَ يَوْمَئِذٍ " رَوَاهُنَّ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ.

ص: 580

وَأَمَّا اشْتِقَاقُهَا: فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَلَزِمَهُ، وَلَبَّ - أَيْضًا - لُغَةٌ فِيهِ حَكَاهَا الْخَلِيلُ، وَالْمَعْنَى: وَأَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَلَازِمُهَا، لَا أَبْرَحُ عَنْهَا وَلَا أُفَارِقُهَا، أَوْ أَنَا لَازِمٌ لَكَ، وَمُتَعَلِّقٌ بِكَ لُزُومَ الْمُلِبِّ بِالْمَكَانِ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِالْفِعْلِ اللَّازِمِ إِضْمَارُهُ، كَمَا قَالُوا: حَنَانَيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَدَوَالَيْكَ، وَالْيَاءُ فِيهِ لِلتَّثْنِيَةِ.

وَأَصْلُ الْمَعْنَى: لَبَّيْتُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَبًّا بَعْدَ لَبٍّ، ثُمَّ صِيغَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ التَّكْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ كَقَوْلِهِ:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] وَكَقَوْلِ حُذَيْفَةَ: وَجَعَلَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ -: " رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي " وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ: " لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ " يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُكَرِّرُ هَذَا اللَّفْظَ. هَذَا

ص: 581

قَوْلُ الْخَلِيلِ وَأَكْثَرِ النُّحَاةِ.

وَزَعَمَ يُونُسُ أَنَّهَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَتْ مُثَنَّاةً، وَأَنَّ الْيَاءَ فِيهَا أَصْلِيَّةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَبَّى يُلَبِّي.

وَالْأَجْوَدُ فِي اشْتِقَاقِهَا: أَنَّ جِمَاعَ هَذِهِ الْمَادَّةِ: هُوَ الْعَطْفُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْإِقْبَالُ إِلَيْهِ وَالتَّوَجُّهُ نَحْوَهُ، وَمِنْهُ اللَّبْلَابُ، وَهُوَ نَبْتٌ يَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ، وَاللَّبْلَبَةُ: الرِّقَّةُ عَلَى الْوَلَدِ، وَلَبْلَبَتِ الشَّاةُ عَلَى وَلَدِهَا: إِذَا لَحِسَتْهُ وَأَسْلَبَتْ عَلَيْهِ حِينَ تَضَعُهُ، وَمِنْهُ لَبَّ بِالْمَكَانِ، وَأَلَبَّ بِهِ إِذَا لَزِمَهُ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ لَبٌّ وَلَبِيبٌ أَيْ لَازِمٌ لِلْأَمْرِ، وَيُقَالُ: رَجُلٌ لَبٌّ طَبٌّ. قَالَ:

لُبَابًا بِأَعْجَازِ الْمَطِيِّ لَاحِقًا

قَالَ:

فَقُلْتُ لَهَا فَيْئِي إِلَيْكِ فَإِنَّنِي

حَرَامٌ وَإِنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ

ص: 582

وَامْرَأَةٌ لَبَّةٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ قَرِيبَةٌ مِنَ النَّاسِ لَطِيفَةٌ، وَمِنْهُ اللَّبَّةُ وَهِيَ الْمَنْحَرُ، وَاللَّبَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ مَا يُشَدُّ - أَيْضًا - عَلَى صَدْرِ النَّاقَةِ أَوِ الدَّابَّةِ يَمْنَعُ الرَّحْلَ مِنَ الِاسْتِئْجَارِ. سُمِّي مُقَدَّمُ الْحَيَوَانِ لَبَبًا وَلَبَّةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُقْبِلُ بِهِ وَيَتَوَجَّهُ. ثُمَّ قِيلَ: لَبَّبْتُ الرَّجُلَ تَلْبِيبًا إِذَا جَمَعْتَ ثِيَابَهُ عِنْدَ صَدْرِهِ وَنَحْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ ثُمَّ جَرَرْتَهُ؛ لِأَنَّ انْقِيَادَهُ وَاسْتِجَابَتَهُ تَكُونُ بِهَذَا الْفِعْلِ، وَقَدْ تَلَبَّبَ إِذَا انْقَادَ.

وَسُمِّيَ الْعَقْلُ لُبًّا: لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلَمُ الْحَقَّ فَيَتْبَعُهُ، فَلَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ لُبٌّ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لِلْحَقِّ وَيَتَّبِعَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ عَرَفَهُ وَعَصَاهُ لَمْ يَكُنْ ذَا لُبٍّ، وَصَاحِبُهُ لَبِيبٌ.

وَيُقَالُ: بَنَاتُ أَلْبُبٍ: عُرُوقٌ فِي الْقَلْبِ تَكُونُ مِنْهَا الرِّقَّةُ.

وَقِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ تُعَاقِبُ ابْنًا لَهَا: مَا لَكِ لَا تَدْعِينَ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: تَأْبَى لَهُ ذَلِكَ بَنَاتُ أَلْبُبِي.

وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ الْكُمَيْتِ:

إِلَيْكُمْ ذَوِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَتْ

نَوَازِعُ مِنْ قَلْبٍ ظِمَاءٌ وَأَلْبُبُ

ص: 583

إِنَّهُ مِنْ هَذَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ جَمْعُ لُبٍّ، وَإِنَّمَا فُكَّ الْإِدْغَامُ لِلضَّرُورَةِ، فَالدَّاعِي إِلَى الشَّيْءِ يَطْلُبُ اسْتِجَابَةَ الْمَدْعُوِّ وَانْقِيَادَهُ، وَإِقْبَالَهُ إِلَيْهِ، وَتَوَجُّهَهُ نَحْوَهُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ: أَيْ قَدْ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ وَتَوَجَّهْتُ نَحْوَكَ، وَانْقَدْتُ لَكَ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِقَامَةِ فَلَيْسَتْ مَلْحُوظَةً.

وَالْمُسْتَحَبُّ فِي تَقْطِيعِهَا. . . .

فَظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا ثَلَاثًا، يَقُولُ فِي الثَّانِيَةِ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، ثُمَّ يَبْتَدِي: لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُلَبِّي ثَلَاثًا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّهُنَّ أَرْبَعٌ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُلَبِّي بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ [لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ]» " رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو.

وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْهُ. . . .

ص: 584

وَالْمُسْتَحَبُّ كَسْرٌ إِنْ نُصَّ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، فَإِذَا فُتِحَ كَانَ الْمَعْنَى: لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ، أَوْ: بِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُوصَلَ أَنَّ بِالتَّلْبِيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا تَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ بِفَاعِلِهِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ فِيهَا خُصُوصًا أَيْ لَبَّيْنَاكَ بِالْحَمْدِ لَكَ، أَوْ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْدَ لَكَ أَوْ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ. وَأَمَّا الْحَمْدُ فَلَا خُصُوصَ فِيهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.

وَأَمَّا إِذَا كُسِرَ فَإِنَّهَا تَكُونُ جُمْلَةً مُبْتَدَأَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، فَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقَةً عَامَّةً، وَالْحَمْدُ مُطْلَقٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَفِي قَوْلِهِ:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغابن: 1].

ص: 585

(فَصْلٌ)

وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ; لِأَنَّ أَصْحَابَهُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهَا.

وَإِنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهَا شَيْئًا فَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ ; لِأَنَّ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ هُوَ الْأَفْضَلُ.

فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِثْلَ قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، أَوْ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَلَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا.

قَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، فَذَكَرَهَا، فَقِيلَ لَهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: وَمَا بَأْسُ أَنْ يَزِيدَ؟

وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لَهُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَزِيدُهَا النَّاسُ فِي التَّلْبِيَةِ؟ فَقَالَ شَيْئًا مَعْنَاهُ الرُّخْصَةُ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ - فِي الرَّجُلِ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ كَلَامًا أَوْ دُعَاءً، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: كَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ " فَتَرَكَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ. . . .

ص: 586

وَعَنْ لَيْثٍ «عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ " زَادَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْمَرُّوذِيِّ فَيَنْظُرُ.

وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُغَيِّرْهُ كَمَا ذَكَرَهُ جَابِرٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ: " لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ أَحْيَانًا عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَشْهُورَةِ. وَقَدْ زَادَ ابْنُ عُمَرَ الزِّيَادَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَهُوَ مِنْ أَتْبَعِ النَّاسِ لِلسُّنَّةِ.

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ زَادَ: " لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا وَمَرْغُوبًا إِلَيْكَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

ص: 587

وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ: " لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا ".

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ ".

وَعَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.

وَأَمَّا مَا «رَوَى سَعْدٌ " أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَقُولُ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ: فَقَدْ حَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ فِي أَنَّهُ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ، وَلَعَلَّهُ فَهِمَ مِنْ حَالِ الْمُلَبِّي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ التَّلْبِيَةُ الْمَشْرُوعَةُ.

وَقَدْ قِيلَ: لَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَتَرَكَ تَمَامَ التَّلْبِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ.

وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّلْبِيَةِ، سَوَاءٌ جَعَلَ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةً بِالتَّلْبِيَةِ مِنْهَا أَمْ لَا، بَلْ

ص: 588

تَكُونُ الزِّيَادَةُ مِنْ جُمْلَةِ التَّلْبِيَةِ.

وَقَالَ الْقَاضِي - فِي خِلَافِهِ -: لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَوْرَدَهَا عَلَى وَجْهِ الذِّكْرِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ، لَا عَلَى أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ.

لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنِ الشَّرْعِ مَنْصُوصًا مُؤَقَّتًا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ.

فَأَمَّا إِنْ نَقَّصَ مِنَ التَّلْبِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ. . .

وَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ الْقَاضِي: إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ.

وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: " كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

ص: 589

وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَةٍ سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ» " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَلِأَنَّ الْمُلَبِّيَ قَدْ أَجَابَ اللَّهَ فِي دُعَائِهِ إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ لَهُ دُعَاءَهُ جَزَاءً لَهُ.

وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ كُلِّ دُعَاءٍ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي

ص: 590

وَأَصْحَابُهُ: إِنَّ ذِكْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُشْرَعُ عِنْدَ الْأَفْعَالِ، كَالذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَالْإِحْرَامِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَنَّ زِيَادَةَ الدُّعَاءِ مِنْ جِنْسِ زِيَادَةِ الْكَلَامِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ.

ص: 591