المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة ما يستحب للمحرم عند الإحرام] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الحج - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب الحج والعمرة مرة في العمر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تفسير الاستطاعة في الحج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب المحرم في سفر المرأة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وجوب الحج على من فرط فيه حتى مات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَجُّ الكَافِرٍ واَلمَجْنُونٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حج العبد والصبي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حج غير المستطيع وَالْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ]

- ‌[باب الْمَوَاقِيتِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ مواقيت أهل الأمصار]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المواقيت لأهلها ولمن مر عليها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميقات من دون المواقيت للحج]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ميقات من لم يكن طريقه على ميقات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم مجاوزة الميقات دون إحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الإحرام قبل الميقات]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أشهر الحج]

- ‌[باب الْإِحْرَامِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ ما يستحب للمحرم عند الإحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب الإحرام بعد الصلاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ من أراد النسك فهو مخير بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة التلبية]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استحباب الإكثار من التلبية ورفع الصوت بها لغير النساء]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مواطن استحباب التلبية]

الفصل: ‌مسألة ما يستحب للمحرم عند الإحرام]

[باب الْإِحْرَامِ] [

‌مَسْأَلَةٌ ما يستحب للمحرم عند الإحرام]

مَسْأَلَةٌ: (مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ).

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ -: وَيَغْتَسِلُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إِذَا أَرَادَا أَنْ يُهِلَّا وَيَغْتَسِلَانِ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَدْخُلَا الْحَرَمَ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَلَا بَأْسَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَالْحَائِضُ إِذَا بَلَغَتِ الْمِيقَاتَ فَتَغْتَسِلُ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلَا بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَعْجَبُ إِلَيَّ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

ص: 401

ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «أَنَّ النُّفَسَاءَ أَوِ الْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» " وَفِي لَفْظٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَيَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ

ص: 403

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ:«أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، «وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ:" أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لْتُهِلَّ» " رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 404

وَإِذَا رَجَتِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَنْ تَطْهُرَ أَقَامَتْ حَتَّى إِذَا طَهُرَتِ اغْتَسَلَتْ إِذَا اتَّسَعَ الزَّمَانُ هَكَذَا، ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَلَيْسَ هَذَا الْغُسْلُ وَاجِبًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ الِاغْتِسَالَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَسْمَاءَ وَهِيَ نُفَسَاءُ: " اغْتَسِلِي " فَكَيْفَ الطَّاهِرُ؟! فَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ أَحْيَانًا وَيَتَوَضَّأُ أَحْيَانًا وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً فِي عُمْرَةٍ اعْتَمَرَهَا وَلَمْ يَغْتَسِلْ، وَكَانَ فِي عُمْرَةٍ إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ تَجَرَّدَ وَاغْتَسَلَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُقَالُ: رِوَايَتَيْنِ.

ص: 405

إِحْدَاهُمَا: يَتَيَمَّمُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ

.

ص: 406

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا التَّنْظِيفُ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجُزَّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَنْتِفَ إِبْطَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُزِيلُ شَعَثَهُ، وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ.

قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحْرِمَ فَخُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَأَظْفَارِكَ وَاسْتَحِدَّ وَانْتِفْ مَا تَحْتَ يَدِكَ وَتَنَظَّفْ وَاغْتَسِلْ إِنْ أَمْكَنَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ وَافَقَتْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّيْتَ، وَإِلَّا فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْمُتْعَةَ فَإِنَّهَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ:(«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً») فَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَخْتَارُهَا، فَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَأَعِنِّي عَلَيْهَا، تُسِرُّ ذَلِكَ فِي نَفْسِكَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَتَشْتَرِطُ عِنْدَ إِحْرَامِكَ تَقُولُ: إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، وَإِنْ شِئْتَ أَهْلَلْتَ عَلَى رَاحِلَتِكَ.

وَذَكَرَ فِي الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ نَحْوَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَّبَلْهُمَا مِنِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً وَحَجًّا، فَقُلْ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ

ص: 407

فِي الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَفْظَهُ فِي التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ شَاءَ تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ إِنْ شَاءَ قَبْلَ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنَظَافَةٍ كَغَيْرِهَا، لَا سِيَّمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ بِالْجَزِّ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يُكْرَهُ؟ رَخَّصَ فِيهِ عُمَرُ وَالْحِجَازِيُّونَ وَكَرِهَهُ

.

ص: 408

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا التَّطَيُّبُ فَقَدْ قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: وَإِنْ شَاءَ تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْمُحْرِمِ: الطِّيبُ أَحَبُّ إِلَيْكَ لَهُ أَمْ تَرْكُ الطِّيبِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَنَذْهَبُ فِيهِ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَكِّدْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَفِي مُرَاعَاتِهِ نَوْعُ مَشَقَّةٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِحَيْثُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّنْظِيفِ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا شَاءَ مِنْ طِيبِ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ أَوْ لَا يَبْقَى؛ لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: " كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ] مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُحْرِمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ:«كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:

ص: 409

«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا: " كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهًا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَانَا» رَوَاهُ

وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ

ص: 410

رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ دُرَّةَ قَالَتْ: [كُنْتُ أُغَلِّفُ رَأْسَ عَائِشَةَ بِالْمِسْكِ وَالصَّبِرِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَعَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ] قَالَتْ: " كُنْتُ أَسْحَقُ لَهُ الْمِسْكَ - يَعْنِي سَعْدًا - بِالْبَانِ الْجَيِّدِ فَأُضَمِّخُ مِنْهُ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَأُجَمِّرُ حُلَّتَهُ، فَيَرُوحُ فِيهَا مُهِلًّا ".

وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: " رَأَيْتُ فِي رَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَلِحْيَتِهِ مِنَ الطِّيبِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ لَاتَّخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ ".

ص: 411

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: " قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: ادَّهِنْ بِأَيِّ دُهْنٍ شِئْتَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " ادَّهِنْ بِالزَّيْتِ ".

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأُصَعْصِعُهُ فِي رَأْسِي، ثُمَّ أُحِبُّ بَقَاءَهُ ".

«وَعَنِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ: " سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مَا تَقُولُ فِي الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا يَنْضَحُ مِنِّي الطِّيبُ، وَفِي لَفْظٍ: لَأَنْ أُصْبِحَ مَطْلِيًّا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَاكَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَنَا أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ» ". رَوَاهُنَّ

ص: 412

أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ.

قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ دُونَ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا طَيَّبَ الثَّوْبَ فَرُبَّمَا خَلَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الطِّيبَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِحْيَتِهِ.

قَالُوا: وَإِنْ طَيَّبَهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، فَلَوْ كَانَ تَطْيِيبُ الثَّوْبِ مَشْرُوعًا لَمَا نَهَى عَنْ لُبْسِهِ.

قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَطَيَّبَ كَالرَّجُلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهَا لَا تَقْرُبُ مِنَ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الطِّيبِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، فَإِنَّهُنَّ يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ فَكُرِهَ ذَلِكَ.

ص: 413

قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْتَضِبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَيِّمًا أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ

.

فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ فَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْخِضَابُ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَتْ أَيِّمًا.

ص: 414

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا التَّجَرُّدُ عَنِ الْمَخِيطِ وَلِبَاسُ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ نَظِيفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ: فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ لَهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا فِي الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ وَالنِّعَالِ، وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَالْمَنْكِبَيْنِ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَسَتْرَهُمَا بِالْمَخِيطِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ بِإِزَارٍ، وَمَنْكِبَيْهِ بِرِدَاءٍ.

وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ وَالْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمُ الْأَمْرَ بِالْإِحْرَامِ فِي نَعْلَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْشِيَ وَيَنْتَعِلَ، وَمَنْ أَرَادَ الرُّكُوبَ أَوِ الْمَشْيَ حَافِيًا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَنْتَعِلَ بِخِلَافِ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِكُلِّ حَالٍ.

وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا الْبَيَاضَ

.

ص: 415

وَسَوَاءٌ كَانَا جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ

.

وَإِنْ أَحْرَمَ فِي مُلَوَّنٍ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ: فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا أَنْ يَكُونَا نَظِيفَيْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَمِنَ الْوَسَخِ

.

ص: 416