الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَوْصَى بَنِيهِ إذَا مَاتَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ، ثُمَّ يَسْحَقُوهُ ، ثُمَّ يَذْرُوهُ فِي الرِّيحِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي غُفْرَانِ اللهِ لَهُ مَعَ ذَلِكَ
556 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالِانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا مِنْ حَدِيثِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ شَفَاعَةَ الشُّهَدَاءِ قَالَ:" ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَمَرْتُ وَلَدِي إذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حَتَّى إذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِي إلَى الْبَحْرِ، فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا فَيُعَاقِبَنِي إذْ عَاقَبْتُ نَفْسِي فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ، فَيَقُولُ: انْظُرْ مُلْكًا بِأَعْظَمِ مُلْكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ "
⦗ص: 28⦘
فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَصِيَّةِ هَذَا الْمُوصِي بَنِيهِ بِإِحْرَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالنَّارِ، وَبِطَحْنِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْكُحْلِ وَبِتَذْرِيهِمْ إيَّاهُ فِي الْبَحْرِ فِي الرِّيحِ، وَمِنْ قَوْلِهِ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:" فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ ذَلِكَ الْقَرْنِ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الْمُوصِي مِنْهُ الْقُرْبَةُ بِمِثْلِ هَذَا إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ؛ خَوْفَ عَذَابِهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ وَرَجَاءَ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ فِيهَا بِتَعْجِيلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَفْعَلُ مِنْ أُمَّتِنَا مَنْ يُوصِي مِنْهُمْ بِوَضْعِ خَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ فِي لَحْدِهِ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ عز وجل إيَّاهُ بِذَلِكَ،
⦗ص: 29⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ جَازَ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؟ مِنْ وَصِيَّةِ ذَلِكَ الْمُوصِي مَا يَنْفِي عَنْهُ الْإِيمَانَ بِاللهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " ، وَمَنْ نَفَى عَنَ اللهِ تَعَالَى الْقُدْرَةَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمُوصِي مِنْ قَوْلِهِ لِبَنِيهِ:" فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ " لَيْسَ عَلَى نَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ كَافِرًا وَلَمَا جَازَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ، وَلَا أَنْ يُدْخِلَهُ جَنَّتَهُ ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ:" فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " هُوَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى التَّضْيِيقِ أَيْ لَا يُضَيِّقُ اللهُ عَلَيَّ أَبَدًا فَيُعَذِّبَنِي بِتَضْيِيقِهِ عَلَيَّ لِمَا قَدْ قَدَّمْتُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِي نَفْسِي الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ} [الفجر: 15] إلَى قَوْلِهِ: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] أَيْ فَضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَقَوْلُهُ فِي نَبِيِّهِ ذِي النُّونِ وَهُوَ يُونُسُ عليه السلام:{وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} [الأنبياء: 87] عَلَيْهِ فِي مَعْنَى أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62] فَكَانَ الْبَسْطُ هُوَ التَّوْسِعَةَ ، وَكَانَ قَوْلُهُ:{وَيَقْدِرُ} [العنكبوت: 62] هُوَ التَّضْيِيقُ ، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُوصِي:" فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " أَيْ: لَا يُضَيِّقُ عَلَيَّ أَبَدًا؛ لِمَا قَدْ فَعَلْتُهُ بِنَفْسِي رَجَاءَ رَحْمَتِهِ وَطَلَبَ غُفْرَانِهِ ، ثِقَةً مِنْهُ بِهِ ، وَمَعْرِفَةً مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَصَفْحِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ،
⦗ص: 30⦘
وَهَذَا حَدِيثٌ ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ ، مِمَّا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي رُوِيَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَا
557 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عُمَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، قَالَ: أَتَانِي أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ، وَحُذَيْفَةُ وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ نَمْشِي لَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لِحُذَيْفَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، هَلْ سَمِعْتَهُ يَعْنِي: رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَنْبُشُ الْقُبُورَ؟ ، قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " كَانَ رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَنْبُشُ الْقُبُورَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، دَعَا بَنِيهِ فَقَالَ: أَيْ بَنِيَّ، أَيُّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ ، قَالَ: فَإِنِّي سَائِلُكُمْ سُؤَالًا ، قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: إذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ، ثُمَّ اطْحَنُونِي أَشَدَّ طَحْنٍ طَحَنْتُمُوهُ شَيْئًا قَطُّ ، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَائِحًا ، فَأَذْرُونِي فِيهِ ، فَإِنِ اللهُ يَقْدِرْ عَلَيَّ يُعَذِّبْنِي ، فَبَعَثَهُ اللهُ ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ " فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ
558 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سَيِّئَ الظَّنِّ بِعَمَلِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ لِأَهْلِهِ: إذَا أَنَا مُتُّ ، فَأَحْرِقُونِي ، ثُمَّ اطْحَنُونِي ، ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الْبَحْرِ ، فَإِنِ اللهُ يَقْدِرْ عَلَيَّ لَمْ يَغْفِرْ لِي ، قَالَ: فَأَمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ ، فَتَلَقَّتْ رُوحَهُ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ ، مَا فَعَلْتُ إلَّا مِنْ مَخَافَتِكَ يَا اللهُ ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ " وَكَانَ الَّذِي فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ: " فَإِنِ اللهُ يَقْدِرْ عَلَيَّ لَمْ يَغْفِرْ لِي " فَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ فَإِنِ اللهُ يُضَيِّقْ عَلَيَّ لَمْ يَغْفِرْ لِي
559 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ
⦗ص: 32⦘
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ، أَوْ قَالَ: فِيمَنْ كَانَ، ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا هَذَا:" أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، قَالَ لِبَنِيهِ: أَيُّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ ، قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا قَطُّ " قَالَ: فَسَّرَهَا قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا ، وَإِنْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ ، قَالَ:" فَإِذَا أَنَا مِتُّ ، فَأَحْرِقُونِي ، حَتَّى إذَا صِرْتُ فَحْمًا ، فَاسْحَقُونِي "، أَوْ قَالَ:" فَاسْهَكُونِي ، ثُمَّ إذَا كَانَتْ رِيحٌ عَاصِفٌ ، فَذُرُّونِي فِيهَا "، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ اللهُ لَهُ: " كُنْ " فَكَانَ ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ ، قَالَ اللهُ: " أَيْ عَبْدِي ، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ ، قَالَ: أَيْ رَبِّ مَخَافَتُكَ ، أَوْ فَرَقًا مِنْكَ " قَالَ:" فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ " قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: " فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرَهَا أَنْ رَحِمَهُ " قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَا أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ ، فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: " قَالَ: ثُمَّ اذْرُونِي فِي الْبَحْرِ " أَوْ كَمَا حَدَّثَ
⦗ص: 33⦘
فَكَانَ مَعْنَى مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا كَمَعْنَى مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا فِي هَذَا الْبَابِ
560 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: " أَلْقُوا نِصْفِي فِي الْبَرِّ ، وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ ، فَدُعِيَ الْبَرُّ بِمَا فِيهِ ، وَالْبَحْرُ بِمَا فِيهِ ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
⦗ص: 34⦘
مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: أَيْ رَبِّ ، خَشْيَتُكَ ، قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا " قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحَدٍ غَيْرِ الْحَجَبِيِّ
561 -
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " أَسْرَفَ عَبْدٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إذَا أَنَا مِتُّ ، فَأَحْرِقُونِي ، ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ ذَرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ ، قَالَ: فَفَعَلَ بِهِ أَهْلُهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا: أَدِّ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ ، فَقَالَ اللهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ. قَالَ: فَغَفَرَ لَهُ "
562 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزَّبِيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي
⦗ص: 35⦘
هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ عليه السلام ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
563 -
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَمَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ عليه السلام قَالَ:" قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ لِأَهْلِهِ ، إذَا مَا مَاتَ ، فَأَحْرِقُوهُ ، فَذَرُّوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ ، وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا ، فَأَمَرَ اللهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ لَهُ "
564 -
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
565 -
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:" إنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ حَتَّى أَصِيرَ رَمَادًا ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الرِّيحِ نِصْفِي فِي الْبَرِّ، وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، فَأَمَرَ اللهُ بِهِ فَجُمِعَ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: فَرَقًا مِنْكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَكَ " فَكَانَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي رَوَيْنَاهُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ
566 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " كَانَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللهِ أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَكَانَ لَا يُقِيمُ بِدِينِ اللهِ دِينًا فَلَبِثَ حَتَّى إذَا ذَهَبَ مِنْهُ عُمْرٌ وَبَقِيَ عُمْرٌ تَذَكَّرَ فَعَلِمَ أَنْ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا
⦗ص: 37⦘
دَعَا بَنِيهِ، فَقَالَ: أَيُّ أَبٍ تَعْلَمُونَ؟ قَالُوا: خَيْرَهُ يَا أَبَانَا، قَالَ: فَوَاللهِ لَا أَدَعُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَالًا هُوَ مِنِّي إلَّا أَخَذْتُهُ، أَوْ لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثَاقًا وَرَبِّي قَالَ: إمَّا لَا فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَخُذُونِي فَأَلْقُونِي فِي النَّارِ حَتَّى إذَا كُنْتُ حُمَمًا فَدُقُّونِي ، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ لَعَلِّي أُضِلُّ اللهَ، قَالَ: فَفَعَلُوا بِهِ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ حِينَ مَاتَ فَجِيءَ بِهِ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَقَدِمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى النَّارِ قَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبَّاهُ، قَالَ: أَسْمَعُكَ رَاهِبًا فَتِيبَ عَلَيْهِ " فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَكَانَ الَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ الْمُوصِي: " فَإِنْ يَقْدِرِ اللهُ عَلَيَّ ": " لَعَلِّي أُضِلُّ اللهَ " وَلَمْ نَجِدْ هَذَا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ جَدُّ بَهْزٍ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عَنَ رَسُولِ اللهِ عليه السلام أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَحُذَيْفَةُ، وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَسَلْمَانُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا مَا رَوَى حُذَيْفَةُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ وَالِانُ هُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنَ النَّبِيِّ عليه السلام ; لِأَنَّ حُذَيْفَةَ فِي حَدِيثِ رِبْعِيٍّ قَدْ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَلَّنَا ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ مَعَ سَمَاعِهِ إيَّاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمَاعُهُ إيَّاهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ
⦗ص: 38⦘
اللهِ عليه السلام إنَّمَا كَانَ لِمَعْنًى زَادَهُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَهُ عَنْهُ لِزِيَادَتِهِ الَّتِي فِيهِ عَلَيْهِ، وَسِتَّةٌ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا أَخْرَجُوا لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ مَعْنًى ، وَهُوَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَهُ:" لَعَلِّي أُضِلُّ اللهَ " جَهْلًا مِنْهُ بِلَطِيفِ قُدْرَةِ اللهِ مَعَ إيمَانِهِ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ فَجَعَلُوهُ بِخَشْيَتِهِ عُقُوبَتَهُ مُؤْمِنًا وَبِطَمَعِهِ أَنْ يُضِلَّهُ جَاهِلًا فَكَانَ الْغُفْرَانُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِإِيمَانِهِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِجَهْلِهِ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ إلَى الْكُفْرِ بِهِ تَعَالَى، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سَمِعَهُ السِّتَّةُ الْأَوَّلُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ السِّتَّةُ الْأَوَّلُونَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ حَدَّثُوا بِهِ عَنْهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُؤْتَلِفَةٍ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِحِفْظِهِمْ إيَّاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ عليه السلام بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَسَمِعَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ مِنْهُ كَذَلِكَ فَوَقَعَ بِقَلْبِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:" إنْ يَقْدِرِ اللهُ عَلَيَّ " أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ، فَكَانَ ضِدُّهَا عِنْدَهُ أَنْ يُضِلَّهُ ، وَهُوَ أَنْ يَفُوتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَقْدِرَةِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّضْيِيقُ وَكَانَ الَّذِي أَتَى فِيهِ مُعَاوِيَةُ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى، وَكَانَ مَا حَدَّثَ بِهِ السِّتَّةُ الْأَوَّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا وَمِنْهُمُ الصِّدِّيقُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ عليه السلام بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا بَعْدَهُ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ