الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي تَأْخُّرِ جِبْرِيلَ عَنْهُ عليه السلام عَنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ وَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِيهِ فِي مَنْزِلِهِ بِسَبَبِ الْجَرْوِ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ
883 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالتْ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاتِرًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لِي أَرَاكَ فَاتِرًا؟ فَقَالَ: " إنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَنِي فَمَا أَخْلَفَنِي قَطُّ " فَظَلَّ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفِي الْبَيْتِ جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرٍ لَهُمْ فَأَخْرَجَهُ، ثُمَّ أَخَذَ مَاءً بِيَدِهِ فَنَضَحَ مَكَانَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ:" مَا مَنَعَكَ؟ " فَقَالَ: " إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ " فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَإِنْ كَانَ لَيُكَلَّمُ فِي الْكَلْبِ الصَّغِيرِ فَمَا يَأْذَنُ فِيهِ "
884 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ، احْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ:" مَا حَبَسَكَ؟ " قَالَ: " جَرْوٌ فِي بَيْتِكَ " فَنَظَرُوا فَإِذَا جَرْوٌ تَحْتَ السَّرِيرِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام فَأُخْرِجَ "
885 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَذَهَبَتِ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ:" مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْخُلَ الْبَيْتَ؟ " قَالَ: " إنَّ فِي الْبَيْتِ كَلْبًا، وَإِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ " فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَلْبِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِلَابِ أَنْ تُقْتَلَ "
886 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَعَدَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ عليهما السلام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتِ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِي يَدِهِ عُصَيَّةٌ فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ:" مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ " ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ السَّرِيرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مِنْ أَيْنَ هَذَا الْكَلْبُ؟ " قَالَتْ: وَاللهِ مَا دَرَيْتُ بِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ وَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" وَعَدْتَنِي فِي سَاعَةٍ، وَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِنِي " فَقَالَ: " مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ "
887 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ عليه السلام وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:" وَعَدَنِي جِبْرِيلُ يَأْتِينِي وَكَانَ إذَا وَعَدَنِي لَمْ يُخْلِفْنِي " وَذَكَرَهُ
⦗ص: 341⦘
فَفِيمَا رَوَيْنَا أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ عليهما السلام أَنْ يَأْتِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي سَاعَةٍ بِعَيْنِهَا بِلَا اسْتِثْنَاءٍ كَانَ فِي وَعْدِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْ إتْيَانِهِ إيَّاهُ فِيهَا إلَى مَنْزِلِهِ إذْ كَانَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ إيَّاهُ وَهُوَ الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالشَّرِيعَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ وَعْدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ بِلِسَانِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ: الرَّجُلُ يَعِدُ الرَّجُلَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ لَمَّا يَسْأَلُهُ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ فِيهِ فِي وَقْتٍ يَذْكُرُهُ فَيَكُونُ فِي مَنْزِلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ دُخُولِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَهُوَ فِيهِ مِنْ خَمْرٍ يُشْرَبُ فِيهِ أَوْ مِمَّا سِوَاهَا مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ حُضُورِهَا فَيَتَخَلَّفُ مِنْ دُخُولِ مَنْزِلِهِ لِذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُ بِتَخَلُّفِهِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ مَنْ وَعَدَ وَعْدًا فَأَخْلَفَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَعِدَ زَوْجَتَهُ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا فِي وَقْتٍ يَذْكُرُهُ لَهَا
⦗ص: 342⦘
فَيُدْرِكَهَا الْحَيْضُ فِي وَقْتِهَا ذَلِكَ فَلَا يَكُونَ بِتَرْكِهِ وَطْأَهَا فِي حُكْمِ مَنْ وَعَدَ وَعْدًا ثُمَّ أَخْلَفَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ غَدِ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَقْدَمُ فِيهَا فُلَانٌ فَيَقْدَمُ فُلَانٌ فِي لَيْلَةٍ يَكُونُ غَدُهَا النَّحْرَ فَيَتْرُكُ صَوْمَهُ لِحُرْمَةِ صَوْمِهِ فَلَيْسَ بِتَرْكِهِ ذَلِكَ مَذْمُومًا بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ ، وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَنْ وَعَدَ وَعْدًا فَأَخْلَفَهُ إذَا كَانَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ لِمَا قَالَ الشَّرِيعَةُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعِدُ الرَّجُلَ أَنْ يَجْلِسَ لَهُ فِي مَكَانِهِ مُنْتَظِرًا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَتَحْضُرَ الصَّلَاةُ فَيَقُومَ لَهَا وَيَدَعَ انْتِظَارَهُ فَلَيْسَ هُوَ بِذَلِكَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ إذْ كَانَ قِيَامُهُ إلَيْهَا قِيَامًا إلَى مَا دَعَاهُ اللهُ إلَيْهِ قَبْلَ وَعْدِهِ الرَّجُلَ الَّذِي وَعَدَهُ بِانْتِظَارِهِ إيَّاهُ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى بِالشَّرِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ مِنْ وَعْدِهِ بِلِسَانِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا
كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارٌ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا الْخَلْقَانِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الرَّجُلُ أَعِدُهُ أَنْ أَنْتَظِرَهُ فَيُبْطِئَ عَلَيَّ إلَى مَتَى أَنْتَظِرُهُ؟ فَقَالَ: " إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَقْتُ صَلَاةٍ " فَكَانَ مَا رَوَيْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي وَعَدَ اللهُ تَعَالَى مُجْتَنِبِيهَا مِنْ عِبَادِهِ بِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِمْ سِوَاهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] . فَكَانَ مَا كَانَ مِنْهُ تَعَالَى نِهَايَةَ الْكَرَمِ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ مُجْتَنِبِي هَذِهِ الْكَبَائِرِ سَيِّئَاتِهِمْ سِوَاهَا، وَوَعَدَهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يُدْخِلَهُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا بِلَا عَمَلٍ كَانَ مِنْهُمْ يُوجِبُ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلَكِنْ لِحَقٍّ عَلَيْهِمْ وَكَرَامَتِهِ لَهُمْ جَلَّ وَتَعَالَى، ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى طَلَبِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ مَا هِيَ؟
888 -
فَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ، وَابْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَانَا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: " أَنْ تَجْعَلَ لِخَالِقِكَ نِدًّا وَقَدْ خَلَقَكَ " قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: " أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ " قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: " أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ
⦗ص: 344⦘
جَارِكَ " قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى آخِرِ الْآيَةِ
889 -
وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، وَوَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مِثْلَهُ
⦗ص: 345⦘
890 -
وَوَجَدْنَا يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ فَبَانَ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ أَكْبَرَهَا أَنْ يَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا ثُمَّ الَّذِي يَتْلُوهُ مِنْهَا: قَتْلُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، ثُمَّ الَّذِي يَتْلُوهُ مِنْهَا مُزَانَاتُهُ حَلِيلَةَ جَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْهَا ، وَفِيهِ أَنَّ بَعْضَهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي سُؤَالِ عَبْدِ اللهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُوجِبُ لَهُ جَوَابًا أَكْبَرَ مِمَّا أَجَابَهُ بِهِ عَنْ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ سُؤَالَهُ إيَّاهُ عَنْهُ
891 -
وَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ:" الْإِشْرَاكُ بِاللهِ " قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ "
⦗ص: 346⦘
قَالَ لَنَا أَبُو أُمَيَّةَ: فِي كِتَابِي فِي مَوْضِعٍ شَيْبَانُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ سُفْيَانُ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَانَ جَوَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَائِلَهُ فِي هَذَا عَنَ الْكَبَائِرِ مَا هِيَ؟ أَنَّهَا الْإِشْرَاكُ بِاللهِ كَجَوَابِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ الَّذِي يَتْلُوهُ مِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّ الَّذِي يَتْلُوهُ مِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ مِنْهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَمِينَ الْغَمُوسِ مِنْهَا وَمُزَانَاةَ الرَّجُلِ حَلِيلَةَ جَارِهِ فِي دَرَجَةٍ، تَتْلُوهَا حَتَّى لَا يُخَالِفَ وَاحِدٌ مِنْ حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو الْحَدِيثَ الْآخَرَ، وَيَكُونَ جَوَابُهُ الْأَوَّلُ مِنْ مُسَاءَلَةِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِمَا كَمَا أَجَابَهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سُؤَالَهُ إيَّاهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَجَدْنَا فِي تَأْوِيلِهِمَا مَا هُوَ أَوْلَى بِهِمَا مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَوَجَدْنَا جَائِزًا أَنْ يَكُونَ قَتْلُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، وَعُقُوقُهُ لِوَالِدَيْهِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ تَالِيَةٍ لِلشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى فَأَجَابَ ابْنَ مَسْعُودٍ بِأَحَدِهِمَا، وَأَجَابَ سَائِلَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو بِالْآخَرِ مِنْهُمَا، وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ الصَّحِيحِ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ؟ فَيَقُولُ: فُلَانٌ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ثُمَّ مَنْ؟ فَيَقُولُ: ثُمَّ فُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ، هُوَ كَذَلِكَ وَهُنَاكَ آخَرُ مِثْلُهُ قَدْ سَكَتَ عَنَ اسْمِهِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَلَامًا صَحِيحًا
⦗ص: 347⦘
فَمِثْلُ ذَلِكَ جَوَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ مَسْعُودٍ وَجَوَابُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، ثُمَّ كَانَ مَنْ فِي الْمَنْزِلَةِ الثَّالِثَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَمْرٍو كَمَنْ هُوَ فِي الْمَنْزِلَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِمَا
892 -
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا الْجَرِيرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنَ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " الْإِشْرَاكُ بِاللهِ عز وجل، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: " أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ "، أَوْ " وَشَهَادَةُ الزُّورِ " شَكَّ الْجَرِيرِيُّ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ فَكَانَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنَ الْكَبَائِرِ كَالَّذِي فِيهَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ
⦗ص: 348⦘
عليه السلام: " وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " مِمَّا قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ جُمِعَتْ بِالْوَاوِ وَالْمُرَادُ فِيهَا كَالْمُرَادِ فِي " ثُمَّ " فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ؟ فَيَقُولَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأَحَدُهُمَا فِي الشُّجَاعَةِ فَوْقَ الْآخَرِ مِنْهُمَا
893 -
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ أُنَيْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ:" إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكَ بِاللهِ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاللهِ يَمِينَ صَبْرٍ فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إلَّا كَانَتْ نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَالْكَلَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ
894 -
وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ " قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الشِّرْكُ بِاللهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ " وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا الرَّبِيعُ فِي حَدِيثِهِ مِنَ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهِ غَيْرَ هَذِهِ السِّتَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فَاعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ، هَلْ نَجِدُ فِيهِ الشَّيْءَ السَّابِعَ تَتِمَّةَ هَذِهِ السَّبْعَةِ؟
895 -
فَوَجَدْنَا رَوْحَ بْنَ الْفَرَجِ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَهْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْبَيْطَرِيِّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الرَّبِيعِ بِبَقِيَّةِ إسْنَادِهِ وَبِمَتْنِهِ، وَبِنُقْصَانِ الْوَاحِدِ مِنْ عَدَدِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهِ،
⦗ص: 350⦘
فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ نَقْصَ السَّابِعِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ سُقُوطُهُ كَانَ عَنِ الرَّبِيعِ، وَلَا عَنْ مَنْ حَدَّثَ بِهِ الرَّبِيعُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ تَغْلِيظِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَانْتَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَكِنَّهَا كَبَائِرُ كُلُّهَا فَمَوْضِعُ الشِّرْكِ مِنْهَا كَمَوْضِعِهِ الَّذِي فِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَالْأَشْيَاءُ الْأُخَرُ مِنْهَا لَهَا دَرَجٌ اللهُ أَعْلَمُ أَيُّ الدَّرَجِ هِيَ، وَهَلْ تَسْتَوِي أَوْ تَخْتَلِفُ؟
896 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بَحِيرٍ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ ابْنُ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رُهْمٍ السَّمْعِيُّ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ مَاتَ يَعْبُدُ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ " فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: " الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ "
⦗ص: 351⦘
فَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي أَحَادِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ سَوَاءٌ
897 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ:" أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ وَقَوْلُ الزُّورِ "
⦗ص: 352⦘
فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَالْكَلَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَيْضًا
898 -
وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَبُوهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:" أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ الْمُصَلُّونَ " وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ اللَّاتِي كُتِبْنَ عَلَيْهِ، وَصِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَحْتَسِبُ صَوْمَهُ وَيَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَمَنْ أَعْطَى زَكَاتَهُ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ الَّتِي نَهَى الله عَنْهَا " ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: " تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا "، ثُمَّ قَالَ:" لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ هَذِهِ الْكَبَائِرَ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ إلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي دَارٍ مَحْبُوبَةٍ مَصَارِيعُهَا مِنْ ذَهَبٍ "
⦗ص: 353⦘
فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمُ بَعْضِ التِّسْعَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ أَشْيَاءَ مِمَّا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَمْرٍو فَمَوْضِعُهَا مِنَ الْكَبَائِرِ مَوْضِعُهَا مِنْهَا فِي ذَيْنِكَ الْحَدِيثَيْنِ
899 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَفَهْدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ يُونُسَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَفَهْدٍ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ عليه السلام
⦗ص: 354⦘
يَقُولُ: " مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ ، قَالَ:" نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّ الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أُمَّهُ " مَوْضِعُ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مَوْضِعُ الْعُقُوقِ مِنْ حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَمْرٍو اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، فَهَذَا وَجْهُ مَا وَجَدْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَدَدِ الْكَبَائِرِ. وَقَدْ وَجَدْنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا مِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَاهُ رَأْيًا وَلَا اسْتِنْبَاطًا وَلَا اسْتِخْرَاجًا؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَاهُ إلَّا تَوْقِيفًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:" الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إلَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] " فَقُلْتُ لِمُسْلِمٍ: إنَّ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي
⦗ص: 355⦘
قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ
وَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] قَالَ: " مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إلَى هَذَا الْكَلَامِ " فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَا عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ زَادَ فِي عَدَدِ الْكَبَائِرِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إلَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِّيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ لَحِقَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا كَبَائِرَ
⦗ص: 356⦘
سِوَاهَا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ سِوَاهَا لَمْ يُطْلِعِ اللهُ عِبَادَهُ عَلَيْهَا؛ لِيَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا؛ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنَ السَّيِّئَاتِ كُلِّهَا خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُونَ فِيهِ مِنْهَا مِنْ تِلْكَ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ شَيْءٍ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُمْ مَا هُوَ حَتَّى يَجْتَنِبُوهُ فَلَا يَقَعُونَ فِيهِ؟، قِيلَ لَهُ: هَذَا عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ كَمِثْلِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ:" الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ الْوَاقِعُ فِيهَا كَالرَّاتِعِ إلَى جَانِبِ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ "، فَلَمْ يُبَيِّنْهَا اللهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ وَلَوْ شَاءَ لَأَبَانَهَا لَهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذَلِكَ؛ لِيَجْتَنِبُوا الشُّبُهَاتِ كُلَّهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ سَأَلُوا فِي أَيِّهَا مِنْهُ؟ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْ لَيَالِيهِ، وَقَالَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ:" لَوْ شَاءَ أَنْ يُطْلِعَكُمْ عَلَيْهَا لَأَطْلَعَكُمْ عَلَيْهَا " وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللهُ، وَكَانَ تَرْكُ إعْلَامِهِمْ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ لِيَعْمَلُوا فِيهَا كُلِّهَا عَمَلَ طَالِبِيهَا رَجَاءَ مُوَافَقَتِهَا، فَمِثْلُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ كَبَائِرُ مِنَ السَّيِّئَاتِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْآثَارِ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ تِبْيَانَهَا؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَرْكِهِمُ السَّيِّئَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ