الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو يحصر القوة والقدرة لربه، ويتبرأ من حوله وقوته إلا فيما أقدره عليه ربه، وهذا هو المعنى العملي لقولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، والأذكار الشرعية يفسر بعضها بعضًا.
وفي رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -في دعاء الاستخارة في آخره- يقول في دعائه: (ولا حول ولا قوة إلا بالله).
والعبد إذا استحضر هذا المعنى أثناء دعائه؛ عاد عليه أثر ذلك؛ فيدعو ربه دعاء من علم أنه ليس له قوة؛ ولا قدرة؛ ولااستطاعة على شيء، وأرجع كل ذلك إلى ربه، فقد حقق معاني التوحيد لله؛ والتعظيم له؛ والافتقار إليه.
الفائدة الخامسة والأربعون
الملاحظ أنه في بداية الدعاء قدّم العلم على القدرة فقال: (أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك) لكنه في وسط الدعاء عكس الأمر؛ فقدم القدرة على العلم فقال: (إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم) وذلك:
لأنه قال: (أسألك من فضلك العظيم) وفضل الله لا يقدر عليه إلا الله؛ فلهذا قال بعدها: (فإنك تقدر ولا أقدر) فقدم القدرة لتعلقها بتحصيل الفضل.
أما في بداية الدعاء فقد قدم العلم على القدرة لأنه أسبق في الوجود، فطلب من ربه العليم أن يقدره على الأمر الذي يستخير فيه.
الفائدة السادسة والأربعون
في حديث الاستخارة حسن الاستهلال في الدعاء، فيقدم الداعي لربه بين يدي دعائه مقدمة يثني فيها على الله؛ ويعترف بتقصيره وجهله، ويُرجعُ الأمر كله لله، أو يذكر حاله
وما هو عليه من نقص وعجز ثم يأتي بطلبه، ولهذا يقول الداعي في دعاء الاستخارة:(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، ثم بعد تلك المقدمة: (اللهم إن كنت تعلم
…
).
وهذا أيضًا من فقه الدعاء، فكلما قدم الداعي بين يدي دعائه؛ مقدمة فيها الثناء على الله بما هو أهله، وافتقر فيها إلى مولاه، وأظهر فقره وحاجته، وبين ضعفه؛ وقدم قدرته كان هذا هو اللائق بالعبد بين يدي ربه.
ومن تأمل أدعية الكتاب والسنة تبين ظهور ذلك فيها، ومن ذلك:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16].
فقدموا بين يدي دعائهم اسم الربوبية المقتضي لكمال القيومية، وخصصوا أنفسهم وأكدوا حالهم وفقرهم بقولهم: إننا، ثم ذكروا إيمانهم بالله المقتضي للعبودية له، ثم طلبوا مغفرة ذنوبهم.
2 -
قوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53].
وكذلك الحال بالنسبة لهذه الآية الكريمة فقدموا لفظ الربوبية، وذكروا حالهم وإيمانهم بما أنزل الله، وبينوا اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم طلبوا أن يكتبهم الله من الشاهدين، فهل يُردُّ مثل هذا الدعاء؟!.
ومن السنة ما يلي:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)(1).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (761) ومسلم (484).