الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة:
إحتج الفريق الأول بما يلي:
أولا: ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي صلاة الغائب حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي توفي فيه وقال: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه فصف الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلوا على النجاشي صلاة الغائب.
وقد سبق ذكر الأحاديث الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
ثانيا: احتجوا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على قبر الميت إذا فاتته الصلاة عليه والميت في القبر غائب فكذلك الحال إذا كان الميت غائباً في الأصل (1).
وقد استدلوا على إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر بأدلة كثيرة منها:
أ- عن إبن عباس رضي الله عنهما قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا) رواه البخاري (2).
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه أو عنها فقالوا: مات. قال أفلا آذنتموني؟ قال فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها
(1) المجموع 5/ 247 - 249.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح 3/ 448.
ثم قال: إن هذه القبور مملؤة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم) رواه البخاري (1).
ج- وعن إبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر) رواه الدارقطني والبيهقي (2).
وروى الترمذي بسنده عن الشعبي قال أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى قبرا منتبذا فصف أصحابه فصلى عليه فقيل له من اخبرك؟ فقال إبن عباس.
قال الترمذي: حديث ابن عباس حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الشافعي وإسحاق ورأى ابن المبارك الصلاة على القبر وقال أحمد واسحق يصلى على القبر إلى شهر. وقالا: أكثر ما سمعنا عن إبن المسيب أن النبي صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر (3).
د- وعنه أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد موته بثلاث. رواه الدارقطني والبيهقي (4).
هـ- وعن سعيد بن المسيب: ان أم سعد بن عبادة ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر) رواه الترمذي والبيهقي وقال وهو مرسل صحيح (5).
قال إبن القيم (وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى على قبر مرة بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتاً.
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 448.
(2)
سنن البيهقي 4/ 46
(3)
صحيح سنن الترمذي 1/ 304.
(4)
سنن البيهقي 4/ 46.
(5)
سنن البيهقي 4/ 48.
قال أحمد رحمه الله: من يشك في الصلاة على القبر؟ ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلى على القبر من ستة أوجه حسان.
فحدَّ الإمام أحمد الصلاة على القبر بشهر إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعده وحدَّه الشافعي رحمه الله بما إذا لم يبل الميت.
ومنع منها مالك وأبو حنيفة رحمهما الله إلا للولي إذا كان غائباً) (1).
وذكر صاحب عون المعبود ما قاله الإمام أحمد عن الأوجه التي وردت في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر. ثم قال (قال إبن عبد البر: بل من تسعة وجوه كلها حسان وساقها كلها بأسانيدها في تمهيده .. فالصلاة على قبر ذلك الميت لمن لم يصل عليه ثابت بالسنة المطهرة سواء صلى على ذلك الميت قبله أم لا. وهذا مذهب جماعة من الصحابة والتابعين)(2).
وذكر الشيخ الألباني كلام الامام أحمد ثم قال (صحيح متواتر ورد من حديث إبن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك ويزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت وعامر بن ربيعة وجابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة بن سهل)(3).
(1) زاد المعاد 1/ 512.
(2)
عون المعبود 9/ 2، انظر الأحاديث التسعة المشار اليها في الفتح الرباني 7/ 223 - 229.
(3)
إرواء الغليل 3/ 183.
وبعد عرض أدلة العلماء في إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر أذكر ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله (ورويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى قبر والميت في القبر غائب وإنما الصلاة د عاء للميت وهو إذا كان بيننا ملففا يصلى عليه فإنما ندعو له بالصلاة بوجه علمناه فكيف لا ندعوا له غائبا وفي القبر بذلك الوجه)(1).
واحتج الفريق الثاني (وهم الحنفية والمالكية) بما يلي:
اولا: قالوا إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (2) وسيأتي تفصيل هذه القضية عند مناقشة الآدلة.
ثانيا: قالوا إنه توفي خلق كثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم من أعزهم القراء ولم ينقل عنه أنه صلى عليهم مع حرصه على ذلك حتى قال: لا يموتن أحد منكم الا آذنتموني فإن صلاتي عليه رحمة" (3).
ثالثا: قالوا: إنه لم يصل صلاة الغائب بعد الرسول عليه الصلاة والسلام أحد وكذلك لم يصل المسلمون على رسول الله عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب (4).
رابعا: قالوا إن من شرط الصلاة على الجنازة حضورها بدليل ما لو كان الميت في البلد لم تجز الصلاة عليها مع غيبتها عنه (5).
(1) معرفة السنن والآثار 5/ 315.
(2)
حاشية ابن عابدين 2/ 209، شرح الخرشي 2/ 142 - 143، تفسير القرطبي 2/ 81 - 82.
(3)
حاشية ابن عابدين2/ 209 والحديث رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو صحيح على شرط مسلم قاله الشيخ الألباني. أحكام الجنائز ص89 وانظر سنن النسائي 4/ 85.
(4)
شرح الخرمشي 2/ 143.
(5)
المغني 2/ 382.
واحتج الفريق الثالث بما يلي:
1 -
احتجوا بما قاله أبو داود صاحب السنن في سننه (باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك) ثم ساق بإسناده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي لليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) (1).
قال الإمام الخطابي معلقاً على الحديث السابق (قلت النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته الا انه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه فلزم رسول الله ان يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه في الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه من كان ببلد آخر غائباً فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق ومانع عذر كانت السنة أن يصلي عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة. فإن صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة)(2).
ونقل إبن القيم عن شيخه شيخ الإسلام إبن تيمية قوله: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلى عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي
(1) عون المعبود 9/ 5 - 6.
(2)
معالم السنن 1/ 270.
لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات ولم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه وفعله وتركه سنة وهذا له موضع وهذا له موضع والله أعلم (1).
وقال ابن القيم (ولم يكن من هدية وسنته صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيَّبْ فلم يصل عليهم)(2).
2 -
واحتجوا بما ورد في إحدى روايات حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهي (إن أخاكم قد مات بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه) وسندها على شرط الشيخين كما قال الشيخ الألباني (3).
فهذه الرواية تدل على ان صلاة الغائب تكون مشروعة إذا كان الميت بأرض لم يصل عليه فيها.
3 -
وقالوا إن مما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب انه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا ذلك لتواتر النقل بذلك عنهم (4).
(1) زاد المعاد 1/ 520 - 521.
(2)
المصدر السابق 1/ 519.
(3)
احكام الجنائز ص93.
(4)
المصر السابق ص93.
واحتج الفريق الرابع: بما ورد في حادثة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي حيث ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه).
وورد في رواية أخرى (نعى لنا النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبش في اليوم الذي مات فيه (1). فأخذوا من ذلك أن صلاة الغائب تصح في اليوم الذي مات فيه الميت أو ما قرب منه.
وأما ابن حبان صاحب القول الخامس فعبر عن حجته بقوله (العلة في صلاة المصطفى على النجاشي وهو بأرضه ان النجاشي أرضه بحذاء القبلة وذاك أن بلد الحبشة إذا قام الإنسان بالمدينة كان وراء الكعبة والكعبة بينه وبين بلاد الحبشة فإذا مات الميت ودفن ثم علم المرء في بلد آخر بموته وكان بلد المدفون بين بلده والكعبة وراء الكعبة جاز له الصلاة عليه.
فأما من مات ودفن في بلد المصلي عليه الصلاة في بلده وكان بلد الميت وراءه فمستحيل حينئذ الصلاة عليه) (2).
هذه هي أهم الأدلة التي استدل بها أهل العلم في هذه المسألة مما وقفت عليه.
(1) تقدم تخريجهما.
(2)
صحيح إبن حبان 7/ 366 - 367.