الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنًا: إقامة المسافر التي يقصر فيها الصلاة
، قال ابن المنذر رحمه الله:((وأجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم على أن لمن سافر سفرًا يقصر في مثله الصلاة وكان سفره في حج أو عمرة، أو غزو أن له أن يقصر مادام مسافرًا)) (1).
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين، قلت: كم أقام بمكة (2)؟ قال: عشرًا)) (3).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن من لم يُجمع
(1) الإجماع لابن المنذر، ص47.
(2)
السائل هو الراوي عن أنس: يحيى بن أبي إسحاق.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، برقم 1081، ومسلم كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 693.
إقامة مدة تزيد على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين)) (1).
أما إذا نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام؛ فإنه يتم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجة الوداع يوم الأحد من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم خرج إلى منى يوم الخميس، فقد قدم لصبح رابعة، فأقام اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتمَّ (2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبُّون بالحج فأمرهم أن يجعلوها
(1) المغني لابن قدامة، 3/ 153.
(2)
انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 147 - 148، والشرح الكبير المطبوع مع المقنع،
5/ 68، والإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، 5/ 168، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 390.
عمرة إلا من معه الهدي)) (1).
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: ((إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة، فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال غدًا أسافر، أو بعد غد أسافر، ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضعة عشر يومًا، يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة. والله أعلم)) (2).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، برقم 1085.
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية، 24/ 17، وسئل رحمه الله عن رجل يعلم أنه يقيم شهرين فهل يجوز له القصر؟ فأجاب:((الحمد لله هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب الإتمام، ومنهم من يوجب القصر، والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر فلا ينكر عليه، ومن أتم لا ينكر عليه، وكذلك تنازعوا في الأفضل، فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل، وأما من تبينت له السنة، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ولم يحد السفر بزمان أو بمكان، ولا حد الإقامة أيضًا بزمن محدود، لا ثلاثة، ولا أربعة، ولا اثنا عشر، ولا خمسة عشر، فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل، حتى كان مسروق قد ولَّوه ولاية لم يكن يختارها، فأقام سنين يقصر الصلاة، وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة، وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريبًا من عشرين يومًا يقصرون الصلاة، وأقاموا بمكة أكثر من عشرة أيام يفطرون في رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام، وإذا كان التحديد لا أصل له فمادام المسافر مسافرًا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورًا والله أعلم)). مجموع الفتاوى، 24/ 17 - 18، وانظر: مواضع أخرى في الفتاوى، 24/ 140، و24/ 137، وانظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص110، والشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 529 - 539، والاختيارات الجلية للسعدي، ص66.
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول عن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بمكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة (1): ((وقد أقام صلى الله عليه وسلم في مصالح الإسلام والمسلمين، وهذه الإقامة لم يكن مجمعاً عليها؛ لهذه الأغراض، فلما حصل المقصود ارتحل إلى المدينة، ومن المعلوم أن المهاجر لا يقيم في بلده أكثر من ثلاثة أيام، ولكنه أقام لهذه المصالح، فإذا أقام المسافر إقامة لم يُجمعها قصر)) (2). وسمعته يقول عن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة (3): ((وإقامته صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري، كتاب التقصير، باب ما جاء في التقصير ولم يقيم حتى يقصر، برقم 1080، وفي كتاب المغازي، برقم 4298، 4299.
(2)
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 459، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 562.
(3)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا أقام بأرض العدو يقصر، برقم 1235، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 336.
عشرين يومًا في تبوك ينظر فيما يتعلق بحرب الروم، هل يتقدم أم يرجع، ثم أذن الله له أن يرجع، واحتج بهذه القصة وقصة الفتح على أنه لا بأس بالقصر مدة الإقامة العارضة، ولو طالت، حتى قال أهل العلم: لو مكث سنين مادام لم يجمع إقامة؛ فإنه في سفر، وله أحكام السفر، وهذا هو الصواب، أما إذا أجمع إقامة فاختلف العلماء في مقدارها هل تقدر بعشرين يومًا، أو بتسعة عشر يومًا، أو بثلاثة أيام، أو أربعة أيام على أقوال: وأحسن ما قيل في ذلك: أربعة أيام؛ لأنها إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإذا أجمع الإقامة أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإن كانت أربعة فأقلّ قصر؛ لأنها إقامة معزوم عليها، وعليه الشافعي، وأحمد، ومالك، وبقول الشافعي وأحمد ومالك، تنتظم الأدلة، ويكون ذلك صيانة من تلاعب الناس، وهذا هو الأحوط، كما قال الجمهور: أربعة أيام؛ لأن ما زاد عنها غير مجمع عليه، وما نقص