الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} .
نعم ثبت لدينا، ونقل نقلاً صحيحاً إلينا أنهم هم الذين شهدوا على أنفسهم وألقوها في مظالم قعر المهالك، ونظموا أرواحهم مع الكفار في تلك المسالك، وألحقوا من عند أنفسهم بأولئك، فقالوا إن كان كفراً الذي نفعل من الدعوات والاعتقادات بأهل القبور، في تلك الأزمنة الماضية والدهور، فنحن كفار ضلال، من غير ريب ولا إشكال، ولقد لهج بتلك الأحوال ذوو الأحلام منا والجهال، فهم الذين ألزموا أنفسهم بتلك المقالة، ووسموا أنفسهم بميسم الكفر والضلالة. اهـ.
اتهام خصوم الشيخ
إياه اثنتي عشرة تهمة وجوابه عنها
قال الشيخ في الرسالة التي كتبها إلى عبد الله بن سحيم ما نصه:
إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها ما هو البهتان الظاهر وهي قوله أني مبطل كتب المذاهب، (وقوله) : أني أقول إن الناس من ستمائة ليسوا على شيء، (وقوله) : أني أدعي الاجتهاد، (وقوله) : إني خارج عن التقليد، (وقوله) : أني أقول أن اختلاف العلماء نقمة، (وقوله) : أني أكفر من توسل بالصالحين، (وقوله) : أني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، (وقوله) : أني أقول لو أقدر على هدم حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، (وقوله) : أني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وأني أكفر من يحلف بغير الله، فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول:
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . ولكن قبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} ، وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة وعيسى وعزيرا في النار، فأنزل الله تعالى في ذلك:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} . الآية. اهـ.
تكذيب الشيخ اتهامه بتكفير كل من يخالفه:
وأيضاً قال في تلك الرسالة: وأضيف إليها مسألة سادسة وهي إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابهه وسميتهم طواغيت، وذلك أنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله عبادة أعظم من عبادة اللات والعزى بأضعاف، وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق لأن عبادة اللات والعزى يعبدونهما في الرخاء ويخلصون لله في الشدة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر. اهـ.
قال الشيخ حسين بن غنام في روضة الأفكار: وأما قوله ومن أعظمها أن من لم يوافقه في كل ما قال ويشهد أن ذلك1 يقطع بكفره، ومن وافقه وصدقه في كل ما قال، قال أنت موحد ولو كان فاسقاً محضاً أو مكاساً، وبهذا يظهر أنه يدعو إلى توحيد نفسه لا إلى توحيد الله، فمراده بذلك أن من وافق الشيخ على توحيد الله وتبرأ من عبادة الأوثان تاج وشمسان وإدريس وقريوه والمغربي وتبرأ من الشرك وأهله سماه موحداً، ومن لم يوافقه على توحيد الله وإخلاص العبادة له بجميع أنواعها واستمر على عبادة المخلوقين مع الله وسب دين الله الذي يدعو إليه هذا الشيخ يقطع بكفره، وهذا الخبيث وأشباهه لا يعرفون الشرك في العبادة ويظنون أن المشرك2 إذا جعل الإنسان مخلوقاً مع الله في التدبير والملك والإحياء والإماتة والنفع والضر.
وأما كونه يجعل المخلوقين وسائط بينه وبين الله يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وقصده بذلك التقرب إلى الله وطلب شفاعتهم، فهذا عند هؤلاء المشركين من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، ومن أنكر هذا كفروه وبدعوه وخرجوه ونسبوه إلى السفه والضلال. اهـ.
وأيضاً قال فيها: وأما قوله ومن وافقه في كل ما قال، قال أنت موحد ولو كان
1 كذا في الأصل فيراجع في روضة الأفكار.
2 لعله أصله الشرك بدون ميم.
فاسقاً أو مكاساً، فمراده بذلك أن من وافقه على إخلاص العبادة والدعوة لله وتاب وأناب إلى الله مما كان يفعله من الشرك بالله ودعوة الصالحين وغيرهم من الأحياء والأموات وعرف قول لا إله إلا الله وأنها نفي وإثبات، فشطرها الأول نفي الإلهية مطلقاً، والثاني إثباتها لله دون ما سواه من أهل السموات والأرض ومن الأحياء والأموات سماه موحداً، ولو كان فاسقاً أو مكاساً وهو صادق في ذلك، وذلك أن الإنسان إذا عرف التوحيد وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقا من قلبه والتزم مضمون هاتين الشهادتين، فهو عند الشيخ رحمه الله مؤمن موحد ولو كان فاسقاً أو مكاساً، وكذلك عند سائر العلماء من أهل السنة والجماعة، وذلك أن الإنسان إذا دخل في الإسلام وحكم بإسلامه لا يخرجه من الإسلام ما يفعله من الكبائر كالسرقة والزنا وشرب المسكر، وأخذ الأموال ظلماً وعدواناً، وإنما يخرجه من الإسلام إلى الكفر هو الشرك بالله وإنكار ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين بعد معرفته بذلك وإقامة الحجة عليه. اهـ.
اتخاذ الوسائط بين الله وعبادة كفر بشرطه:
وقال الشيخ في الرسالة التي كتبها إلى سليمان بن سحيم: وأما الثانية وهي أن الذي يجعل الوسائط هو الكافر، وأما المجعول فلا يكفر، فهذا كلام تلبيس وجهالة، ومن قال أن عيسى وعزيرا وعلي بن أبي طالب وزيد بن الخطاب وغيرهم من الصالحين يلحقهم نقص بجعل المشركين إياهم وسائط؟ حاشا وكلا:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
وأنا كفرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم بالأمور التي يفعلونها هم: (منها) : أنهم يجعلون آبائهم وأجدادهم وسائط، (ومنها) : أنهم يدعون الناس إلى الكفر، (ومنها) : أنهم يبغضون عند الناس دين محمد صلى الله عليه وسلم ويزعمون أهل العارض كفروا لما قالوا لا يعبد إلا الله، وغير ذلك من أنواع الكفر، وهذا أمر أوضح من الشمس لا يحتاج إلى تقرير، ولكن أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله
وتلبس على الجهال، الذين يكرهون دين الإسلام ويحبون الشرك ودين آبائهم، وإلا فهؤلاء الجهال لو مرادهم اتباع الحق عرفوا أن كلامك من أفسد ما يكون.
مسألة عدم تكفير المسلم بالذنب:
وأما المسألة الثالثة: وهي من أكبر تلبيسك الذي تلبس به على العوام أن أهل العلم قالوا لا يجوز تكفير المسلم بالذنب، وهذا حق، وليس هذا مما نحن فيه، وذلك أن الخوارج يكفرون من زنى وسرق أو سفك الدم، بل كل كبيرة إذا فعلها المسلم كفر.
وأما أهل السنة فمذهبهم أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك، لكنك رجل من أجهل الناس تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم لا يكفر، فإذا كانت تعتقد ذلك فما تقول في المنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون؟ قال الله تعالى فيهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} .
وما تقول في الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، أينما لقيتموهم فاقتلوهم" أتظنهم ليسوا من أهل القبلة؟
ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره فأضرم لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ناراً فأحرقهم بها، وأجمعت الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر تحرقيهم بالنار وقال: يقتلون بالسيف، أتظن أن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة؟ أم أنت تفهم الشرع وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفهمونه؟ أرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قاتلوا من منع الزكاة، فلما أرادوا التوبة قال أبو بكر: لا نقبل توبتكم حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
وقال الشيخ في الرسالة التي كبتها إلى عبد الرحمن بن عبد الله: منها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن انكحتهم غير صحيحة، ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟ اهـ.
وأيضاً قال الشيخ في جواب مسألة: وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهم لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. اهـ.
وقال الشيخ في الرسالة التي كتبها لأهل مكة بعد مناظرتهم: إذا عرف هذا فالذي نعتقده وندين الله به أن من دعا نبيناً أو لوياً أو غيرهما وسأل منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات أن هذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا أولياء وشفعاء، ويستجلبون بهم المنافع ويستدفعون بهم الضار بزعمهن، قال الله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
فمن جعل الأنبياء أو غيرهم كابن عباس أو المحجوب أو أبي طالب وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع بمعنى أن المخلوق يسألهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لكونهم أقرب إلى الملك، فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك حلال الدم والمال. اهـ.
قال الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ديباجة رسالة اختصرت من الرسائل المؤلفة للشيخ1.
أما بعد فأنا معاشر غزو الموحدين لما من الله علينا وله الحمد بدخول مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت ثامن شهر المحرم الحرام سنة 1218 بعد أن طلب أشراف مكة
1 قوبل المنقول من تلك الرسالة هنا إلى قوله اعلم على (الهدية السنية) .
وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو سعود حماه الله الأمان، وقد كانوا تواطؤا مع أمراء الحجيج وأمير مكة على قتاله أو الإقامة في الحرم الشريف ليصدوه عن البيت، فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر، كل واحد يعد الإياب غنيمة، وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا شعارنا التلبية آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين، غير خائفين، من أحد المخلوقين، بل من مالك يوم الدين، ومن حين دخل الجند الحرم وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون، لم يعضدوا به شجرة، ولم ينفروا به صيداً، ولم يريقوا به دماً إلا دم الهدي أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع.
ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد وعرض الأمير عافاه الله تعالى على العلماء ما نطلب الناس ونقاتلهم عليه وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وحده، وعرفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين:
(أحدهما) : إخلاص التوحيد ومعرفة أنواع العبادة وأن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلى ذلك التوحيد وترك الإشراك قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة.
و (الثاني) : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يبق عندهم إلا اسمه، وانمحى أثره ورسمه، فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلاً، وبايعوا ذلك الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم وعفا عنهم كافة، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة، ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق ولا سيما العلماء ويقرر لهم حال اجتماعهم وحال انفرادهم لدينا أدلة ما نحن عليه. ويطلب منهم المناصحة والمذاكرة، وبينا لهم الحق، وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم بأنا قابلون ما وضحوا برهانه من كتاب أو سنة أو أثر عن السلف الصالح كالخلفاء الراشدين المأمورين باتباعهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وعن الأئمة الأربعة المجتهدين ومن تلقى العلم عنهم إلى آخر القرن الثالث، لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم
ثم الذين يلونهم"، وعرفناهم أنا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح، ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقموا علينا أمراً فألححنا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات إن بقي لديهم شبة، فذكر بعضهم شبهة أو شبهتين فرددناها بالدلائل القاطعة من الكتاب والسنة حتى أذعنوا ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب فيما قاتلنا الناس عليه أنه الحق الجلي الذي لا غبار عليه، وحلفوا لنا الأيمان المعقدة من دون استحلاف لهم على انشراح صدورهم وجزم ضمائرهم أنه لم يبق لديهم شك فيمن قال يا رسول الله أو يا ابن عباس أو يا عبد القادر أو غيرهم من المخلوقين طالباً بذلك دفع شر أو جلب خير من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المريض والنصر على العدو والحفظ من المكروه ونحو ذلك أنه مشرك الشرك الأكبر يهدر دمه ويبيح ماله وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هو الله تعالى، لكنه يقصد المخلوقين بالدعاء متشفعاً بهم ومتقرباً لهم لقضاء حاجته من الله بسرهم وبشفاعتهم له فيها أيام البرزخ، وأن ما وضع من البناء على قبور الصالحين صارت في هذه الأزمان أصناماً تقصد لطلب الحاجات ويتضرع عندها ويهتف بأهلها في الشدائد كما كانت تفعله الجاهلية الأولى.
وكان من جملتهم مفتي الحنفية الشيخ عبد الملك القليعي وحسين المغربي مفتي المالكية وعقيل بن يحيى العلوي، فبعد ذلك أزلنا جميع البناء على القبور وغيرها حتى لم يبق في البقعة الطاهرة طاغوت يعبد، فالحمد لله على ذلك، ثم رفعت المكوس والرسوم وكسرت آلات التنباك ونودي بتحريمه، وأحرقت أماكن الحشاشين والمشهورين بالفجور، ونودي بالمواظبة على الصلاة في الجماعات، وعدم التفرق في ذلك بأن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد يكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة رضوان الله عليهم. واجتمعت الكلمة حينئذ وعبد الله وحده وحصلت الألفة، وسقطت الكلفة، وأمر عليهم واستتب الأمر من دون سفك دم ولا هتك عرض، ولا مشقة على أحد. والحمد لله رب العالمين.
ثم دفعت لهم الرسائل المؤلفة للشيخ محمد رحمه الله في التوحيد المتضمنة للبراهين
وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمة والأحاديث المتواترة مما يثلج الصدر.
واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام تنتشر في مجالسهم وتدرس في محافلهم ويبين لهم العلماء معانيها ليعرفوا التوحيد فيتمسكوا بعروته الوثيقة، ويتضح لهم الشرك فينفروا عنه وهم على بصيرة آمنين. اهـ.
ثم نقل تلك الرسالة وفيها: فإذا عرفت هذه فاعرف أن المشركين الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف شركاً من عباد1 مشركي زمننا، لأن أولئك كانوا يخلصون2 لله في الشدائد وهؤلاء يدعون مشايخهم في الشدة والرخاء، والله المستعان.
وكان فيمن حضر مع علماء مكة وشاهد غالب ما صار حسين بن محمد بن الحسين الأبريقي الحضرمي ثم الحياني، ولم يزل يتردد علينا ويجتمع بسعود وخاصته من أهل المعرفة ويسأل عن مسألة الشفاعة التي جرد السيف بسببها دون حياء ولا خجل لعدم سابقة جرم له، فأخبرناه بأن مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم والأعلم والأحكم خلافاً لمن قال طريقة الخلف أعلم. اهـ.
وأيضاً فيها: وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا، من دون مراجعة شرح، ولا نعول على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا النبي رمة في قبره، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل عليه:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} مع كون الآية مدنية، وأنا لا نعتمد أقوال العلماء، ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لأن فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، وأنا نكفر الناس على الإطلاق ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن
1 في الأصل عقلاء.
2 في نسخة يخضعون.
عليه، ومن فروع ذلك أنا لا نقبل بيعة أحد حتى نقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله، وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقط عنه جميع التبعات حتى الديون وأنا لا نرى حقاً لأهل البيت رضوان الله عليهم، وأنا نجبر على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح على مرافعة لدينا ولا وجه لذلك، فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً كان جوابنا عليه في كل مسألة من ذلك:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى: ومن شاهد حالنا ورأى مجلسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه علينا جماهير أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان لإخلاص التوحيد لله بالعبادة، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كالقتل للمسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر وتكرر ذلك منه لا يخرج بفعل ذلك عن دائرة الإسلام، ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا كان موحداً لله في جميع أنواع العبادة. اهـ.
وأيضاً فيها: إن قال قائل منفر عن قبول الحق والإذعان له: يلزم من تقريركم وقطعكم في أن من قال يا رسول الله أسألك الشفاعة أنه مشرك مهدر الدم أن يقال غالب الأمة لا سيما المتأخرين1 لتصريح علمائهم المعتبرين من أن ذلك مندوب، وشنوا الغارة على من خالف ذلك. قلت: لا يلزم ذلك لأن لازم المذهب ليس بمذهب كما هو مقرر، ومثل ذلك لا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بالجهة كما ورد الحديث بذلك، ونحن نقول فيمن مات:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا ووضحت له المحجة، ومات وعليه الحجة2 وأصر مستكبرا معانداً، كغالب من نقاتلهم: يصرون على ذلك الإشراك ويمتنعون من فعل الواجبات.
1 يظهر أنه سقط من هنا كلمة خبر المتبدأ، وأن الأصل: غالب الأمة ولا سيما المتأخرين من المشركين.
2 كذا في النسخة ولعل أصله: وقامت عليه الحجة.
ويتظاهرون بأفعال الكبائر المحرمات، وغير الغالب إنما نقاتلهم لمناصرته لمن هذا حاله ورضاه به وبتكثير سواد من ذكر والتغلب معه حينئذ حكمة في حد قتاله1، ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ والإجماع في ذلك قطعاً، ومن شن الغارة فقد غلط، ولا بدع أن يغلط فقد غلط من هو خير منه مثل عمر بن الخطاب، فلما نبأته2 امرأة رجع في مسألة المهر وفي غير ذلك يعرف ذلك من سيرته، بل غلط الصحابة وهم جمع ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم سار فهم نوره فقالوا: اجعل نا ذات أنواط، فردهم.
فإن قلت: هذا فيمن ذهل ولما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة، واطلع على كلام الأئمة القدوة، فاستمر مصراً على ذلك إلى أن مات؟
قلت: ولا مانع أن يعتذر لمن ذكر ولا نقول أنه كافر، أولا لما تقدم أنه مخطئ، وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه، فلم تتم عليه حجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على من ألف زمن المؤلفين المذكورين التواطؤ على وهي3 كلام أئمة السنة في ذلك رأسا، ومن اطلع عليه أعرض عنه قبل أن يتمكن في قلبه، ولم تزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك، وصولة الملوك ظاهرة4 لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إلا من شاء الله منهم.
هذا وقد روي عن معاوية وأصحابه منابذة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقته ومشاجرته في الحرب وهم في ذلك مخطئون إجماعاً، واستمروا على ذلك الخطأ حتى ماتوا ولم يشتهر عن أحد من السلف تكفير أحد منهم إجماعاً ولا تفسقه، بل
1 هكذا في النسخة، وهو كما ترى، ففيه تحريف في النقل يعسر تصحيحه بالرأي، وكتبه وما قبله محمد رشيد رضا.
2 في نسخة: نهته.
3 في نسخة: هجر.
4 في نسخة: قاهرة.
أثبتوا لهم أجر الاجتهاد وإن كانوا مخطئين كما ذلك مشهور عند أهل السنة، ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه وورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبالغ في نصح الأمة، يبذل نفسه في تدريس العلوم النافعة والتأليف فيها وإن كان مخطئاً في هذه المسألة أو غيرها، كابن حجر الهيثمي، فإنا نعلم كلامه في (الدر المنظم) ولا ننكر سعة علمه، ولهذا نعتني بكتبه كشرح الأربعين والزواجر وغيرهما ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين.
هذا ما نحن عليه مخاطبين به من له عقل أو علم وهو متصف بالإنصاف، خال من الميل إلى التعصب والاعتساف، ينظر إلى ما يقال لا إلى من قال، وأما من شأنه لزوم مألوفه وعادته سواء كان حقاً أو غير حق، مقلداً لمن قال تعالى فيهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} . وعادته وجبلته أن يعرف الحق بالرجال لا الرجال بالحق فلا نخاطبه وأمثاله إلا بالسيف حتى يستقيم أوده ويصلح معوجه، فجنود التوحيد منصورة، ورايتهم بالسعد منشورة:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} وأن حزب الله هم الغالبون: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} – {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} اهـ.
قال بعض أهل التحقيق1 في الرد على بعض معاصريه: وقد رأيت لبعض المعاصرين كتاباً يعارض به ما قرره شيخنا من أصول الدين، ويجادل بمنع تضليل عباد الأولياء والصالحين، ويناضل عن غلاة الرافضة والمشركين، الذين أنزلوا العباد بمنزلة الله رب العالمي، وأكثر التشبيه بأنهم من الأمة، وأنهم يقولون لا إله إلا الله، وأنهم يصلون ويصومون، ونسي في ذلك عهود الحمى وما قرره كافة الراسخين من العلما، وأجمع عليه الموافق والمخالف من الجمهور والدهما، ونص عليه الأكابر والخواص، من اشتراط العلم والعمل في الإتيان بكلمة الإخلاص، والحكم، بموجب
1 هو الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه (مصباح الظلام) في الرد على صاحب (كشف الغمة) عثمان بن منصور. اهـ. من حاشية خطية على الأصل.