الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الردة على فاعل ذلك من سائر العبيد والأشخاص، وسمى كتابه (جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة) ومراده بالأمة هنا من عبد آل البيت، وغلا فيهم وعبد الصالحين ودعا واستغاث بهم، وجعلهم وسائط بينه وبين الله يدعوهم ويتوكل عليهم، هذا مراده، ولكنه أوقع عليهم لفظ الأمة ترويجاً على الأغمار والجهال، ولبساً للحق بالباطل، وهو يعلم ذلك، وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} فلكل مفتر نصيب حسب جرمه، وعلى قدر ذنبه، وقد رأيت على هذا الرجل من الذلة والمهانة مدة حياته ما هو ظاهر بين يعرفه من عرفه.
فصل في حالة أهل نجد وجيرانهم قبل دعوة الشيخ
…
قال المعترض: قد ابتلى الله أهل نجد بل جزيرة العرب بمن خرج عليهم ولم يتخرج على العلماء الأمناء، كما صح عندنا وثبت عن مشايخنا الأمجاد النقاد، وسعى بالتكفير للأمة خاصها وعامها، وقاتلها على ذلك جملة إلا من وافقه على قوله، لما وجد من يعينه على ذلك بجهله.
و (الجواب) أن يقال: إنه من المعلوم عند كل عاقل خبر الناس وعرف أحوالهم وسمع شيئاً من أخبارهم وتواريخهم أن أهل نجد وغيرهم ممن تبع دعوة الشيخ واستجاب لدعوته من سكان جزيرة العرب كانوا على غاية من الجهالة والضلالة، والفقر والعالة، لا يستريب في ذلك عاقل، ولا يجادل فيه عارف، كانوا من أمر دينهم في جاهلية، ويدعون الصالحين، ويعتقدون في الأشجار والأحجار والغيران1 يطوفون بقبور الأولياء ويرجون الخير والنصر من جهتها، وفيهم من كفر الاتحادية والحلولية وجهالة الصوفية ما يرون أنه من شعب الإيمان والطريقة المحمدية، وفيهم من إضاعة الصلوات ومنع الزكاة وشرب المسكرات ما هو معروف مشهور، فمحا الله بدعوته شعار الشرك ومشاهدة، وهدم به بيوت الكفر الشرك ومعابده، وكبت الطواغيت والملحدين، وألزم من ظهر عليه من البوادي وسكان القرى بما جاء به
1 الغيران جمع غار: اهـ. من الأصل.
محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى، وكفر من أنكر البعث واستراب فيه من أهل الجهالة والجفا، وأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات والمسكرات ونهى عن الابتداع في الدين، وأمر بمتابعة السلف الماضين، في الأصول والفروع من مسائل الدين، حتى ظهر دين الله واستعلن، واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنن، وقام الأمر قائم بالمعروف والنهي عن المنكر، وحدت الحدود الشرعية، وعزرت التعازير الدينية، وانتصب علم الجهاد، وقاتل لإعلاء كلمة الله أهل الشرك والفساد، حتى سارت دعوته وثبت نصحه لله ولكتابه ولرسوله ولعامة المسلمين ولأئمتهم، وجمع الله به القلوب بعد شتاتها، وتألفت بعد عداوتها، وصاروا بنعمة الله إخواناً فأعطاهم الله بذلك من النصر والعز والظهور، ما لا يعرف مثله لسكان تلك الفيافي والصخور، وفتح عليهم الاحساء والقطيف، وقهروا سائر العرب من عمان إلى عقبة مصر، ومن اليمن إلى العراق والشام، دانت لهم عربها، وأعطوا الزكاة فأصبحت نجد تضرب إليها أكباد الإبل في طلب الدين والدنيا، وتفتخر بما نالها من العز والنصر والإقبال والسنا، كما قال عالم صنعاء وشيخها:
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
…
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
…
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد سرني ما جاءني من طريقه
…
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
وقال عالم الأحساء وشيخها:
لقد رفع المولى به ربتة الهدى
…
بوقت به يعلو الضلال ويرفع
وجرت به نجد ذيول افتخارها
…
وحق لها بالألمعي ترفع
وهذا في أبيات لهما لا نطيل بذكرها، وقد شهد غيرهما مثل ذلك واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته، وقد قال الله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
وما أحسن ما قاله قتادة عن حال أول هذه الأمة أن المسلمين لما قالوا لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون وكبر عليهم، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها، ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير الراكب في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها..
وهذا المعترض1 عاش في ظل ذلك وتولى القضاء وصارت له الرياسة عند أهل محلته بانتسابه إلى هذا الدين، ودعواه محبة الشيخ، وأنه شرح بعض كتبه، ومع ذلك تجرد لمسبته ومعاداته، وجحد ما جاء به وقرره من الهدى ودين الحق قال الله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} .
وقال بعضهم:
وما ضر نور الشمس إن كان ناظراً
…
إليها عيون لم تزل دهرها عمياً
ولا ينكر ما قررناه إلا مكابر في الحسيات ومباهت في الضرويات، يرى أن عبادة الصالحين ودعاءهم والتوكل عليهم وجعلهم، وسائط بينهم وبين الله مما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، وأنه هو الإسلام، وأهله هم الأمة المحمدية، ومن أنكر عليهم وضللهم فهو خارج مارج، كما قال هذا الرجل وصاحبه ابن سند في منظومته التي انشدها لما استولت العساكر المصرية على بلاد الدرعية:
لقد فتحت للدين أعينه الرمد
ثم أخذ في سب المسلمين وتضليلهم والشماتة بهم، ومدح من عبد الصالحين ودعاهم مع الله وجعلهم أنداداً تعبد.
وقد أجابه الزكي الأديب الشيخ أحمد بن مشرف بمنظومة ذكر فيها حال العساكر المصرية وما اشتهر عنهم من اللواطة والشركيات والزنا وشرب المسكرات وإضاعة
1 هو عثمان بن منصور الذي تقدم ذكره في صفحة 414، وكتبه محمد رشيد رضا.