الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوْل فِي ذكر من علمنَا حَاله من الْعلمَاء والفضلاء من أهل وصاب وريمة وَمَا والى ذَلِك
فنبدأ بِذكر الْفُقَهَاء من أهل الْحَرْف فِي مخلاف جعر من وصاب الْأَعْلَى فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الحبيشي
كَانَ دوحة علم وذكاء أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء سقته الْفَضَائِل بشآبيبها وكسته المعارف جلابيبها
نَشأ يَتِيما فِي حجر أمه واشتغل فِي صباه بالشعر واللغة واشتهر بالفصاحة والبلاغة فَكَانَ ينشىء الشّعْر العجيب وَهُوَ صَغِير حدث السن ثمَّ اشْتغل بالفقه فَقَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن أسعد والفقيه تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الله بن صَالح اليحيويان وَفِي الحَدِيث على الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي وَالْإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الْخَيْر الشماخي بِالْمُعْجَمَةِ وَاسْتمرّ فِي الْمدرسَة المؤيدية مدرسا فِي مَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ تَركهَا
ورحل إِلَى بَلَده فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي ثمَّ تولى الْقَضَاء هُنَالك فَكَانَ رحمه الله إِمَامًا محققا للفنون كلهَا كالتفسير والْحَدِيث والنحو واللغة وَالْأُصُول وَالْفُرُوع وَسَائِر الْعُلُوم
وَكَانَ صواما قواما ورعا مُجْتَهدا ألف كتبا كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا كتاب بلغَة الأديب إِلَى معرفَة الْغَرِيب وَمِنْهَا كتاب الِاعْتِبَار لِذَوي الْأَبْصَار وَمِنْهَا كتاب الجدل بَين اللَّبن وَالْعَسَل وَمِنْهَا كتاب المعتقد لِذَوي الْأَلْبَاب وَالْمُعْتَمد فِي الْآدَاب نظما قدر ألف وأربعمئة بَيت تَقْرِيبًا وَمِنْهَا كتاب زهر الْبَسَاتِين فِي الدُّعَاء على عَدو الدّين وَمِنْهَا كتاب النّظم والتبيان نظم بِهِ كتاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَلم يكمله وَقيل أكمله وَله غير ذَلِك من الْخطب والآداب وَله مَنَاقِب وفضائل ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ شعر رائق
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة السبت الثَّامِن من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَانِينَ وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَدفن فِي التربة تَحت مَسْجِد قَرْيَة الْحَرْف واشتهر لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد نجباء عُلَمَاء فضلاء
مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة الإِمَام قدوة الصَّالِحين بوقته وبركتهم وصفوة العارفين وعمدتهم السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير الشهير جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخْبرت أَنه مِمَّن طابت لَهُ المحافد والمغارس وأنارت بمصابيح علمه الْمَسَاجِد والمدارس وَكَانَ عَالما عَاملا بِعِلْمِهِ صَالحا جَامعا لأنواع الْفَضَائِل كثير الذّكر وَالِاجْتِهَاد
أَخذ الْعُلُوم عَن عدَّة مَشَايِخ مِنْهُم وَالِده الْمُقدم الذّكر ثمَّ الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي
وَكَانَ رحمه الله ذَا معرفَة قَوِيَّة فِي الْقرَاءَات السَّبع وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه واللغة وَالْأَدب وَالْحكمَة وَله استدراكات وتنبيهات على الْمَوَاضِع المشكلات
وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا نشر طي التَّعْرِيف فِي فضل حَملَة الْعلم الشريف وَمِنْهَا كتاب الْبركَة فِي السَّعْي وَالْحَرَكَة وَمِنْهَا كتاب النورين فِي إصْلَاح الدَّاريْنِ وَمِنْهَا التَّذْكِير بِمَا إِلَيْهِ الْمصير وَكتاب فرحة الْقُلُوب وسلوة المكروب وَله غير ذَلِك من الرسائل
والمنظومات
وَمن شعره مَا كتبه إِلَى وَلَده عبد الرَّحْمَن يحثه على طلب الْعلم الشريف القصيدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَولهَا قَوْله
(مَا لَذَّة الْخلق فِي الدُّنْيَا جَمِيعهم
…
وَلَا الْمُلُوك وَأهل اللَّهْو والطرب)
(كلذتي فِي طلاب الْعلم يَا وَلَدي
…
فالعلم معتمدي حَقًا ومكتسبي)
وَبَاقِي القصيدة مثبتة فِي الأَصْل فَمن أَرَادَ مطالعتها فلينظرها فِيهِ
توفّي هَذَا الإِمَام فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
ولد أَوْلَاد نجباء فضلاء عُلَمَاء أحدهم يُسمى عمر كَانَ رجلا فطنا ذكيا فصيحا لَهُ لِسَان يضْرب بِهِ أرنبة أَنفه كلسان الشَّافِعِي رضي الله عنه وَكَانَ مشاركا بِالْعلمِ
وَالثَّانِي أَحْمد تفقه بِأَبِيهِ وجده وَغَيرهمَا فَأفْتى ودرس وَكَانَ مسموع القَوْل مُطَاع الْكَلِمَة بِبَلَدِهِ وَهُوَ الَّذِي سعى بِإِخْرَاج المَاء الْجَارِي فِي الْحَرْف وَحدث لَهُ ولد سَمَّاهُ عمر كَانَ مُبَارَكًا مشاركا بِشَيْء من الْعلم
وَالثَّالِث من أَوْلَاد الْفَقِيه جمال الدّين اسْمه عبد الرَّحْمَن كَانَ فَقِيها مؤرخا صنف كتاب الِاعْتِبَار فِي التواريخ وَالْأَخْبَار خص بذلك مُلُوك الْيمن وفقهاء وصاب وصلحاءها ومشايخها وَلم يتَعَرَّض لباقي أهل الْيمن سوى من عرض ذكره عِنْد ذكر من ذكرهم بكتابه وَتُوفِّي بالعشر الأول من المئة التَّاسِعَة
وَأما ولد الإِمَام وجيه الدّين الثَّانِي فَهُوَ الْفَقِيه الْعَالم صفي الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر
أخْبرت أَنه كَانَ إِمَام الفصحاء وقدوة البلغاء يجتنى من رياض معارفه الْعُلُوم ويقتطف من أزهارها المنثور والمنظوم قَرَأَ فِي الْفِقْه على أَبِيه وأخيه الْمقدمِي الذّكر ثمَّ على جمَاعَة من عُلَمَاء وصاب وعَلى الإِمَام الْمُحدث برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي بتعز وعَلى غَيرهم وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة هُنَالك فأجازوا لَهُ
وَكَانَت لَهُ فطنة وقادة وطبيعة منقادة حُلْو الْكَلَام محببا إِلَى النَّاس مقرءا مُحدثا فَقِيها نحويا لغويا لبيبا مهيبا لطيفا ظريفا حَافِظًا لافظا محققا شَاعِرًا فصيحا جَامعا لجَمِيع فنون الْعلم اشْتهر بذلك مَعَ وجود أَبِيه وأخيه
وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الْإِرْشَاد فِي سباعيات الْأَعْدَاد وَهُوَ كتاب عَجِيب مُفِيد وَمِنْهَا كتاب رياضة النُّفُوس الزكية فِي فضل الْجُوع وَترك اللذائذ الشهية وَمِنْهَا كتاب تحفة الطالبين وَتَذْكِرَة السالكين وَمِنْهَا كتاب التَّعْرِيف فِي بَيَان أَحْكَام التَّأْلِيف وَمِنْهَا جُزْء مُخْتَصر فِي مدح الطول وذم الْقصر وَله غير ذَلِك من المصنفات وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم أَخْبرنِي الْفَقِيه الصَّالح إِبْرَاهِيم بن حسن بن سَالم من قَرْيَة المخادر أَنه رأى فِي النّوم قَائِلا يَقُول بلغ الْعلم السار بانتقال صفوة الأخيار ذِي السكينَة وَالْوَقار إِلَى منَازِل الْأَبْرَار فليهنه طيب الْجوَار فَحمل ذَلِك على موت هَذَا الْفَقِيه لِأَن هَذِه الرُّؤْيَا كَانَت وَقت أَن مَاتَ
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة
وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد اشْتهر مِنْهُم اثْنَان أَحدهمَا الْفَقِيه الْعَلامَة الرحالة عبد القدوس كَانَ فَقِيها مجودا قَرَأَ على بعض أَهله وعَلى غَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ الْأَكْبَر من أَوْلَاد أَبِيه
وَالثَّانِي هُوَ القَاضِي الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز وَكَانَ إِمَامًا عَاملا عَالما فَقِيها ذكيا ورث الْفَضَائِل من آبَائِهِ الأفاضل وفَاق أهل وقته بِحسن الْأَخْلَاق وَالشَّمَائِل تفقه على بعض أهل بَلَده ثمَّ ارتحل إِلَى شنين فِي بلد السحول فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر عمر الأصبحي الشنيني حَتَّى انْتفع فَأجَاز لَهُ فَعَاد إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأَحْيَا مآثر أَهله وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي بَلَده وَكَانَ مَقْصُودا للمهمات مكرما للضيف شَاعِرًا مُولَعا بِكَثْرَة التَّزْوِيج حكى بعض أَهله أَنه تزوج امْرَأَة سَحْمَاء فَقَالَ على صفة المزاح شعرًا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من ذَلِك قَوْله
(حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم
…
وأجريت أحكامي وَمَا جرت فِي حكمي)
وَهِي قدر اثْنَي عشر بَيْتا وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل فَلَمَّا وقفت الزَّوْجَة على هَذِه القصيدة واشتهرت بوصاب وتناقلتها الألسن سَاءَ ذَلِك السحماء زَوجته فَأرْسلت لجَماعَة من النِّسَاء فاجتمعن إِلَيْهَا ثمَّ دخلن على القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس كتبه الَّذِي يَخْلُو فِيهِ للتدريس والتأليف فَلَمَّا رآهن قَالَ لامْرَأَته مَا بالكن فَقَالَت أَتَيْنَا لنخاصمك على قصيدتك الَّتِي قلت فِيهَا حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم فَقَالَ الذَّنب هَين فَقُلْنَ مَا نتحول من مَكَاننَا حَتَّى تنَاقض هَذِه القصيدة فَكتب مَا مِثَاله مناقضا لقَوْله الأول
(أيا مادحا للبيض من غير مَا علم
…
وَيَا مُعْلنا للسحم بالسب والذم)
(أفق وانتبه وارجع إِلَى الْحق واتعظ
…
وَتب عَن قَبِيح القَوْل وَالْفُحْش والجرم)
وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرتها فِي الأَصْل تركت هُنَا ذكرهَا إيثارا للاختصار
فَلَمَّا فرغ من نظم ذَلِك أخذت النِّسَاء نسختها وشهرتها فتناقلتها الألسن من الرِّجَال وَالنِّسَاء بِتِلْكَ الْبَلَد
وَمن شعره مَا نبه بِهِ على أَن كل أحد يعود إِلَى أَصله فَقَالَ
(خُذ العوسج الْمَشْهُور بالشوك غارسا
…
لَهُ فِي فتيت الطين أَو كثب الْمسك)
(وأسقه ذوب الشهد أَو بقطارة
…
يكون جناه الشوك حَقًا بِلَا شكّ)
(كَذَاك يعود الطَّبْع وَالْأَصْل دَائِما
…
يَقِينا وتحقيقا إِلَى الطَّبْع والبتك)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر الْحسن
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بمنزله بالحرف سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة
وَنَشَأ لَهُ ولد نجيب هُوَ الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ فِي الْعلم على أَبِيه وعَلى غَيره فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَكَانَ عَالما صَالحا يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَيكرم الضَّيْف وَظَهَرت لَهُ كرامات أَقَامَ على الْحَال المرضي فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي مقتولا بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة فَعظم الْأَمر على أهل وصاب واحتالوا فِي معرفَة من قَتله حَتَّى فضحهم الله فَلَزِمَ وَالِي الْأَمر أحد قاتليه فَأقر بذلك وَقَالَ كُنَّا أَرْبَعَة عشر فَبعد أَن قَتَلْنَاهُ اجتهدنا بِأَن نطرح جثته إِلَى ضاحة هُنَالك لنخفي قَتله وحملناه لنطرحه فَلم نقدر نسقطه إِلَى الضاحة بل جلس كالحي ورزن حمله علينا فعجزنا عَن طَرحه
فَقتل الْوَالِي من قدر على إِمْسَاكه
من قاتليه وَمَات باقيهم بأقرب مُدَّة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَأما الثَّالِث من أَوْلَاد الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الْمُقدم ذكره فاسمه عبد الله تفقه على أَبِيه وَإِخْوَته فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ زاهدا عابدا وَامْتنع عَن قبُول التَّمْلِيك لما بذل أَهله أَن يعطوه من الأَرْض تورعا
وَكَانَ متورعا عَن الْفَتْوَى وَإِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ هِيَ فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ بالصفحة الْفُلَانِيَّة وَالنَّص فِيهَا كَذَا وَكَذَا قَالَ ابْن أَخِيه صَاحب الِاعْتِبَار مَا مِثَاله صَحَّ عِنْدِي أَن عمي عبد لله لم ينظر إِلَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قطّ وَإِنَّمَا كَانَ يغض بَصَره إِذا سَار فِي طَرِيق وَقضى أَكثر أَيَّامه معتكفا فِي الْمَسْجِد اَوْ وَاقِفًا فِي بَيته وَأجْمع أهل بَلَده على صَلَاحه وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رحمه الله ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الحبيشي الْمُقدم الذّكر
كَانَ هَذَا القَاضِي فَقِيها قَرَأَ على جمَاعَة من أَهله وَمن غَيرهم وَلما قتل ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمُقدم الذّكر قَامَ مقَامه بالتدريس وَالْفَتْوَى وَولَايَة الْقَضَاء وَلم يزل على ذَلِك الى أَن توفاه الله تَعَالَى قريب سنة خمسين وثمانمئة
وَمن أهل وصاب الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين يُوسُف بن الميسر الشهابي نسبا قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أهل وقته ثمَّ وصل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وَصَحبه الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق فَقَرَأَ عَلَيْهِ بالفقه وَأَجَازَ لَهُ وَأخْبر عَنهُ بكرامات ثمَّ ارتحل من مَدِينَة ذِي جبلة إِلَى بَلَده فَتوفي بهَا وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْحَيَاة بِأول المئة التَّاسِعَة رحمه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن سَالم الوصابي قَرَأَ بِشَيْء من الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة على الْفُقَهَاء بوصاب فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وسلك طَريقَة التصوف واشتهر بِالْكَرمِ وإطعام الطَّعَام فِي بلد وصاب فانقاد لَهُ أهل الْبَلَد وَكَانَ ذَا جاه عريض واجتهد بِالْعبَادَة وَنسب إِلَيْهِ شَيْء من الكرامات وَلأَهل بَلَده فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة
وَأما المشهورون فِي عصرنا من أهل بَلْدَة ريمة
فَمنهمْ الْفَقِيه الْفَاضِل أَبُو بكر بن أَحْمد بن دروب
قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه على الْفَقِيه عمر بن المقرىء من بَلَده وَأخذ الحَدِيث عَن عُثْمَان الديابي من أهل وصاب وَتُوفِّي بِذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وسبعمئة رحمه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن دروب قَرَأَ على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وَكَانَ مُطَاع القَوْل مَقْصُودا للمهمات توفّي سنة عشْرين وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه عبد الرَّحِيم بن عبد الأول أخبر الثِّقَة أَنه من الْفُضَلَاء والعباد وَكَانَ كثير الذّكر وتلاوة كتاب الله تَعَالَى وَيخْتم بِالْيَوْمِ ثَلَاث ختمات لَا يفتر لِسَانه عَن التِّلَاوَة أَو ذكر الله تَعَالَى وَهُوَ مُعْتَمد قِرَاءَة الرَّاتِب الْمَعْرُوف للشَّيْخ عمر العرابي
أول النَّهَار وَآخره وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر مُطَاعًا رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن أهل وصاب المقرىء الْأَجَل الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد البعيثي
كَانَ رجلا عَالما عَاملا صَالحا لَهُ عبَادَة وزهد وَصِيَام وَقيام واجتهاد بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وأخلاق حَسَنَة وَطَرِيق مستحسنة يفعل الْخيرَات وَيطْعم الطَّعَام ويحيي اللَّيْل بِالْقيامِ
وَأخْبر الثِّقَة أَن وَالِده كَانَ من الصَّالِحين وَمن عباد الله الْمُجْتَهدين يَأْمر هُوَ وَولده بِالْمَعْرُوفِ ويمتثلون أَمرهمَا وينتهون عَمَّا نهيا عَنهُ واشتهر لَهما كرامات رحمهمَا الله ونفع بهما
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْخَولَانِيّ العتمي اشتهرت نسبته إِلَى البعيثي الْمُقدم الذّكر وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَإِنَّمَا أمه أُخْت المقرىء عفيف الدّين الْمُقدم الذّكر كَانَ هَذَا الشَّيْخ وجيه الدّين يحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ويشارك بِسَائِر الْعُلُوم ثمَّ سلك طَرِيق التصوف فاجتهد بِالْعبَادَة والورع والزهد وَالْكَرم فاشتهر غَايَة الشُّهْرَة بذلك وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة فانقاد لَهُ أهل وصاب أجمع وامتثلوا أمره واعتمدوا قَوْله وأطاعوه بِجَمِيعِ الْأُمُور فاتفق بوقته أُمُور مُنكرَة من جمَاعَة من الرافضة الَّتِي تسميها أهل الْيمن الإسماعيلية فَأمر الشَّيْخ وجيه الدّين بِجمع الشَّافِعِيَّة من أهل وصاب فَاجْتمع إِلَيْهِ خلق كثير فقصدوا الرافضة إِلَى بلدهم وأخرجوهم من حصونهم وَقبض أَمْوَالهم وسبا ذَرَارِيهمْ فَلَمَّا علم الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر
المقرىء أنكر عَلَيْهِم ذَلِك لإقدامهم على مَا فعلوا من غير إنذار وَلَا اسْتِتَابَة وَأَنْشَأَ رِسَالَة أرسل بهَا إِلَى الشَّيْخ وجيه الدّين وَإِلَى أهل وصاب وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل حَاصِل مَا فِيهَا أَنه إِذا صَحَّ مَا نسب إِلَى الرافضة وَجب إِنْذَارهم واستتابتهم فَإِن تَابُوا وَإِلَّا أجري عَلَيْهِم مَا يسْتَحقُّونَ من الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَة على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة
توفّي الْفَقِيه وجيه الدّين فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَالله أعلم
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن مطهر بن مُوسَى الْحِمْيَرِي الموسوي وصل هَذَا الْفَقِيه إِلَى مَدِينَة إب فجد واجتهد حَتَّى حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ حفظ منظومة الْحَاوِي وَبَعض كتب النَّحْو وَكَانَ يجْهر بتلاوته نَهَارا وليلا وَكَانَ لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا وَيَقُول عجبت لفقيه ينَام اللَّيْل وَأَعْطَاهُ الله تَعَالَى قُوَّة وصبرا على الدراسة والجهر بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وبالنحو على القَاضِي مُحَمَّد بن أبي بكر البريهي وبالفرائض على القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي ثمَّ طلع إِلَى مَدِينَة صنعاء فَقَرَأَ بالنحو عل الْأَئِمَّة هُنَالك وَحصل بِخَطِّهِ نَحْو عشْرين كتابا بالنحو وانتفع بِمَا قَرَأَ من الْعُلُوم فَأجَاز لَهُ الْفُقَهَاء فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة إب ثمَّ بالشماحي ثمَّ بحقله ثمَّ انْتقل إِلَى وصاب فَأَقَامَ يدرس ويفتي إِلَى أَن
توفّي رحمه الله وَأوصى بِأَن يُوقف كتبه بِمَدِينَة إب على نظر الْفُقَهَاء من بني البريهي
وَكَانَت وَفَاته بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَكَانَ من الْمُحدثين وَمِمَّنْ يرى بِنور الْعلم فاشتهر عَنهُ كرامات
وَله شعر حسن مِنْهُ قَوْله رضي الله عنه وأرضاه وَجعل الْجنَّة مَأْوَاه
(سَأَلتك بِاللَّه يَا سامع النداء
…
وَيَا من لَهُ النعماء والجود والجدا)
(بحقك يَا منان أصلح سريرتي
…
وحقق رجائي وَآت نَفسِي لَهَا الْهدى)
(وَكن لي وَكن لي معطيا وملاطفا
…
شفيقا رَفِيقًا واحم روحي من الردى)
(ولليسر يسرنَا وللرشد فاهدنا
…
وبالعفو سامحنا لَدَى فَاقَتِي غَدا)
وَمِنْهُم الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم البازل
قَرَأَ بالفقه على جمَاعَة من فُقَهَاء بَلَده ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة زبيد على الْأَئِمَّة من بني ناشر وَغَيرهم فأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وانتفع بِهِ جمَاعَة من أهل تِلْكَ الْبَلَد وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ فحسنت سيرته فيهم توفّي
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الرؤوف بن مُحَمَّد صَاحب الرَّوْضَة بمعشار حصن نعْمَان كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا يدرس ويفتي وَجعل لَهُ أَمَاكِن احترمها النَّاس إجلالا لَهُ وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين صَالح بن عَليّ بن أَحْمد الشلفي الْمَشْهُور بالحضار
قَرَأَ بالفقه على جمَاعَة من الْأَئِمَّة بتعز كَالْإِمَامِ جمال الدّين الريمي وَالْإِمَام جمال الدّين العوادي وَغَيرهمَا وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز
وَمن تلامذته المقرىء
الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر السحولي سمعته يثني عَلَيْهِ خيرا كثيرا وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة كثير الصّيام وَالْقِيَام وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَلَا يَأْكُل فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِلَّا أكله وَاحِدَة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن الْقَاسِم الضراسي ثمَّ ارتحل إِلَى بَلَده وصاب فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي إِلَى ان توفّي سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
أَخْبرنِي الْفَقِيه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي قَالَ أخبرهُ الْفَقِيه صَالح الْمَذْكُور قَالَ قحط أهل وصاب وَقل عَنْهُم الْمَطَر قَالَ فدعوت الله تَعَالَى وتوسلت إِلَيْهِ بِالْإِمَامِ النَّوَوِيّ وَكَانَ كِتَابه الْمِنْهَاج بيَدي فَجَعَلته ومصنفه شفيعي إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يسقينا الْغَيْث قَالَ فسقانا الله تَعَالَى الْغَيْث فِي ذَلِك الْيَوْم
وَمن الوافدين إِلَى وصاب الْأَسْفَل من أهل تهَامَة
الْفَقِيه عفيف الدّين نَاجِي بن مُحَمَّد الشَّرْقِي اليمامي رضي الله عنه كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقيه والنحو والحساب والمساحة والجبر
أَخْبرنِي أَنه انْتقل من بَلَده من جور سُلْطَان الْوَقْت إِلَى الضنجوج الرِّبَاط الْمَشْهُور ثمَّ إِلَى نواحي وصاب وامتحن بالفقر وَصَحب القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي فَكتب إِلَيْهِ شعرًا مِنْهُ مَا أَوله قَوْله
(أَلَيْسَ كل أولي فن أحيباب
…
وكل ذَوي ود أصيحاب)
فَأَجَابَهُ القَاضِي صفي الدّين بِجَوَاب بليغ تركت ذكره اختصارا
ثمَّ أَخْبرنِي أَنه وَفد عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل الْأَدَب فاستضافوه فعجز عَن قراهم فَكتب إِلَيْهِم قَوْله رضي الله عنه
(الْجُود طبعي غير لَا أملك مَا
…
يقري النزيل لَا وَلَا يروي الظما)
(فاعذر أخي أَن رَأَيْت بباحتي
…
محلا بهَا وادع أخي بِمَا وَمَا)
(والفقر شين للأنام كلهم
…
لَا سِيمَا يَا سَيِّدي للعلما)
وَلِهَذَا الْفَقِيه شعر حسن غير ذَلِك توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بعد سنة خمسين وثمانمئة سنة
وَمن الوافدين إِلَى وصاب من أهل مَدِينَة زبيد الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الفارقي شهر بالنهاري قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان النَّاشِرِيّ وبالفقه على الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري وعَلى القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ ورتبه إِمَامًا ومدرسا بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية الْبَريَّة الْخَارِجَة من مَدِينَة زبيد
ثمَّ لما اتّفق على أهل زبيد وَمَا والاها مَا اتّفق من العبيد والمعازبة والقرشيين بعد سنة خمسين وثمانمئة سنة انْتقل هَذَا الْفَقِيه إِلَى بلد نعْمَان وصاب فدرس وَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات
وَألف كتبا فِي الْفِقْه مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ الْكِفَايَة وَكتاب زواهر الْجَوَاهِر اخْتَصَرَهُ من جَوَاهِر الْقَمُولِيّ وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْمُخْتَصر