المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في ذكر من تحققنا حاله من الأعيان من البلاد الفضلاء بمخلاف جعفر وما والاه من بعض جهاته على الاختصار والاقتصار على ذوي الفضل والشهرة بذلك مع حذف ذكر من كان دونهم مما هو مذكور في الأصل - طبقات صلحاء اليمن = تاريخ البريهي

[عبد الوهاب البريهي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌القَوْل فِي ذكر من علمنَا حَاله من الْعلمَاء والفضلاء من أهل وصاب وريمة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل بلد حراز وملحان وبرع وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من الْبِلَاد الْفُضَلَاء بمخلاف جَعْفَر وَمَا وَالَاهُ من بعض جهاته على الِاخْتِصَار والاقتصار على ذَوي الْفضل والشهرة بذلك مَعَ حذف ذكر من كَانَ دونهم مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي الأَصْل

- ‌القَوْل فِي ذكر الْفُضَلَاء وَالْعُلَمَاء من أهل مَدِينَة إب

- ‌القَوْل فِي من تحققنا حَاله من الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء من أهل ذِي جبلة مِمَّن اشْتهر وَظهر فَضله وَعلمه وصلاحه فِي المئة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل جبل سورق وبلد العربيين وصهبان والجند ومعشار الدملوة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من أهل قَائِمَة بني حُبَيْش وَجبن والمقرانة ودمت وخبان والربيعين وَحجر وصهيب وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَدِينَة تعز وصبر وَذخر وَمَا والاها والوافدين إِلَيْهَا من الْعلمَاء المتوفين بهَا

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من المتوفين بِمَدِينَة زبيد وَمَا والاها

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل لحج وعدن وَمن توفّي هُنَاكَ مِمَّن وَفد إِلَيْهَا

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققت حَاله من الوافدين إِلَى الْيمن من الْعلمَاء والفضلاء من أقطار شَتَّى وَلم تكن وَفَاته فِيهِ

الفصل: ‌القول في ذكر من تحققنا حاله من الأعيان من البلاد الفضلاء بمخلاف جعفر وما والاه من بعض جهاته على الاختصار والاقتصار على ذوي الفضل والشهرة بذلك مع حذف ذكر من كان دونهم مما هو مذكور في الأصل

‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من الْبِلَاد الْفُضَلَاء بمخلاف جَعْفَر وَمَا وَالَاهُ من بعض جهاته على الِاخْتِصَار والاقتصار على ذَوي الْفضل والشهرة بذلك مَعَ حذف ذكر من كَانَ دونهم مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي الأَصْل

فنبدأ بالإمامين الجليلين من أهل زريبة النضاري بجبل بعدان

أَحدهمَا المقرىء الْأَجَل الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عمر بن مَنْصُور الأصبحي حُكيَ أَنه خرج من قريته الزريبة هُوَ وَأَخُوهُ الإِمَام رَضِي الدّين الْآتِي ذكره لطلب الْعلم فِي صغرهما فقصد الْفُقَهَاء من أهل الْحَرْف فِي نَاحيَة وصاب فَقَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الحبيشي الْمُقدم ذكره وعَلى ولديه النجيبين مُحَمَّد وَأحمد فأجازوا لَهما ثمَّ رجعا بلديهما فَأَما المقرىء عَليّ فَإِنَّهُ سكن بالنضارى فدرس وَأفْتى وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ علم الْقرَاءَات السَّبع واشتهر غَايَة الشُّهْرَة وَألقى الله لَهُ الْمحبَّة فِي الْقُلُوب فانقاد لَهُ جَمِيع أهل بعدان وولاة الْأَمر وَغَيرهم فعلت كَلمته وامتثل أمره وَلم يزل على الْحَال المرضي مُجْتَهدا بِالْعبَادَة ناشرا للْعلم إِلَى أَن توفّي فِي سنة تسعين وسبعمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَالله تَعَالَى أعلم مَتى كَانَ ذَلِك

ص: 47

وَأما الثَّانِي فَهُوَ الإِمَام الْعَالم الْوَلِيّ رَضِي الدّين أبي بكر بن عمر بن مَنْصُور الأصبحي الْمَشْهُور بالشنيني فقد تقدم من مشايخه عِنْد ذكر أَخِيه مَا يُغني عَن الْإِعَادَة وَقَرَأَ على الإِمَام الْعَلامَة أبي إِسْحَاق عَليّ بن أبي بكر بن شَدَّاد المقرىء وَأَجَازَ لَهُ ولولده النجيب مُحَمَّد ثمَّ إِنَّه لَازم الإِمَام جمال الدّين الريمي واجتهد بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ بِمَدِينَة زبيد وبمدينة تعز فَفتح عَلَيْهِ بِعلم الْفِقْه أَكثر مِمَّا فتح على أَخِيه وشارك بِغَيْرِهِ من سَائِر الْعُلُوم فسكن قَرْيَة المحفد الْمَكَان الَّذِي تَحت جبل عقدَة ووهبه الْمَشَايِخ بَنو نَاجِي أَرضًا جليلة نافعة وأحسنوا إِلَيْهِ غَايَة الْإِحْسَان فتصدر للتدريس وَالْفَتْوَى وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَلم يقبل مِنْهَا إِلَّا مَا تحقق حلّه ثمَّ انْتقل من المحفد إِلَى قَرْيَة شنين الْبَلدة الْمَعْرُوفَة بالسحول الَّتِي نسب إِلَيْهَا فَهُوَ مَشْهُور بالشنيني وَلَيْسَت أصل بلد أَبِيه وجده كَمَا تقدم فَلَمَّا سكن بهَا تَلقاهُ أهل الْبَلَد بالجلالة والاحترام فَعلم بِهِ شيخ بعدان وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو بكر بن معوضة فَنزل إِلَيْهِ إِلَى مَكَانَهُ وَأظْهر من الْفَرح بوصوله مَا هُوَ اللَّائِق بِحَالهِ وَزَاد فِي إكرامه ثمَّ نظر إِلَى الْبَيْت الَّذِي هُوَ يسكنهُ فَرَآهُ صَغِيرا غير لَائِق بِهِ فَبنى لَهُ دَارا وَاسِعَة الْأَركان على شكل الدَّار الَّتِي يسكنهَا رَضِي الدّين ذَلِك الشَّيْخ الْمَذْكُور فَلَمَّا فرغ من عِمَارَته حمل إِلَيْهِ كل مَا يحْتَاج وَملك الإِمَام رَضِي الدّين ذَلِك الدَّار وَمَا فِيهَا وَأطلق يَدَيْهِ فِي الْوَقْف

ص: 48

بِتِلْكَ الْجِهَات فصرفها الإِمَام رَضِي الدّين فِي مصارفها وواساه من مَاله الْحَلَال بِمَا كَفاهُ فَأَقَامَ الإِمَام رَضِي الدّين بشنين يدرس ويفتي ويجتهد فِي الْعِبَادَة فانتشر ذكره وقصدته طلبة الْعلم الشريف من وصاب وَمن بيضًا حصي وَمن حَضرمَوْت وَمن المخاليف جَمِيعهَا فَكَانَ يُقْرِئهُمْ من الْعُلُوم ويقريهم الطَّعَام وَفتحت لَهُ الدُّنْيَا فَكَانَ ملبسه مِنْهَا إِزَار ورداء فَلَا يتعمم وَلَا يتطيلس زهدا مِنْهُ وَإِذا رأى مُحْتَاجا واساه بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِذا دخل سوق المخادر فدأبه قضى حوائج الْمُسلمين يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ لمن يعرفهُ وَلمن لَا يعرفهُ وَكَانَ ذَا جاه عريض مَقْبُول الشَّفَاعَة عِنْد كَافَّة الْمَشَايِخ من الْقَبَائِل بجهاته واشتهرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته شَاهدهَا كثير من النَّاس رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَنَشَأ لَهُ أَوْلَاد أَرْبَعَة نجب مِنْهُم ولدان أَحدهمَا الْفَقِيه الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد فَكَانَ هُوَ الَّذِي جمع الْعلم وَالْعَمَل وَالصَّلَاح قَرَأَ على وَالِده بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَحصل بِخَطِّهِ من الْكتب مَا لم يقدر عَلَيْهِ أحد من أهل وقته من الشُّرُوح وَغَيرهَا ضَبطهَا أحسن ضبط وَكَانَ يكْتب الْمُصحف الْكَرِيم فيفرغه بِثَلَاثَة أَيَّام رَحل بِأَمْر وَالِده إِلَى مَدِينَة تعز للْقِرَاءَة على الإِمَام الريمي فلازمه وَكَانَ من أجل تلامذته وَلم يزل الْفَقِيه جمال الدّين يلتقط فَوَائِد الإِمَام الريمي مُجْتَهدا بِالْقِرَاءَةِ والتحصيل إِلَى أَن ورد عَلَيْهِ أَمر وَالِده بِرُجُوعِهِ إِلَى شنين وأعلمه أَن عَمه المقرىء شمس الدّين توفّي إِلَى رَحْمَة الله وَأمره بالانتقال إِلَى النضاري للتدريس وَالْفَتْوَى بمَكَان عَمه فَفعل بعد أَن ودع الإِمَام

ص: 49

الريمي واستجاز مِنْهُ فَأجَاز لَهُ أجازة عَامَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى عِنْد وَالِده إِلَى شنين فَكَانَت الْمسَائِل المشكلة ترد عَلَيْهِمَا فيحلان إشكالها ويوضحانها أتم أيضاح وَكَانَت لَهما قريحة فِي الشّعْر من ذَلِك أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا خمس الْبَيْتَيْنِ للْإِمَام السُّبْكِيّ فِي مدح النَّوَوِيّ وهما

(وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى

أُصَلِّي فِي جوانبه وآوي)

(عَسى أَنِّي أمس بَحر وَجْهي

مَكَانا مَسّه قدم النواوي)

فَقَالَ الْفَقِيه رَضِي الدّين مَا مِثَاله فِي الْبَيْت الأول

(إِذا مَا شِئْت تسعد يَا معنى

وَتسمع قَوْلنَا وَتَكون منا)

(فَدَعْنَا عَنْك من سعدى ولبنى

وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى)

إِلَخ الْبَيْت وَقَالَ وَلَده الْفَقِيه جمال الدّين

(رَأَيْت برقعة بَيْتَيْنِ شعرًا

)

(إِلَى السُّبْكِيّ تنْسب نَالَ أجرا

)

(فخمسها أبي لتَكون ذكرى

)

(لمن يَدْعُو بدنيا ثمَّ أُخْرَى

)

فَقَالَ مخمسا للأجرناوي وَفِي دَار الحَدِيث إِلَخ وَتَمام ذَلِك فِي الأَصْل

وَحكى أَن الإِمَام رَضِي الدّين وَولده الْفَقِيه جمال الدّين سافرا إِلَى مَكَّة المشرفة

ص: 50

فحجا وزارا قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ رجعا إِلَى بلدهما فتذاكرا حجهما فَقَالَ الإِمَام رَضِي الدّين على البديهة شعرًا

(يَا لَيْت وَالله لنا كرة

نجدد الْعَهْد بِأم الْقرى)

فَقَالَ وَلَده الْفَقِيه جمال الدّين

(وَبعدهَا نثني إِلَى طيبَة

نجدد الْعَهْد بعالي الذرا)

(فنسأل الله تَعَالَى بِمَا

أنزل فِي الْكتب وَمن قد قرا)

فَقَالَ وَالِده

(يوفق الْكل لمرضاته

وَيغْتَفر للْكُلّ مَا قد جرى) فَقَالَ وَلَده

(وصل مَا هبت ريَاح الصِّبَا

على الْمُصْطَفى خير من قد يرى)

أَقَامَ الإِمَام رَضِي الدّين وَولده الْفَقِيه جمال الدّين وَبَاقِي أَوْلَاده فِي أهنى عَيْش وألذه مكانهم مأوى للصادر والوارد لطلب الْعلم ولطلب الدُّنْيَا إِلَى أَن اتّفق فِي بعض الْأَيَّام مَا رَأَيْته مسطورا بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي قَالَ أَخْبرنِي الإِمَام رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر الأصبحي وَولده عفيف الدّين أَن الْفَقِيه جمال الدّين ولد الإِمَام رَضِي الدّين الْمَذْكُور ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض فَأتيَا إِلَيْهِ يعودانه فَقَالَ لَهما إِنِّي خرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد صَلَاة الصُّبْح مَعَ جمَاعَة فِي الْمدرسَة بشنين فَلَمَّا وصلت بَاب الْمدرسَة الْأَوْسَط إِذْ أَنا بطائرين على الْبَاب أَحدهمَا ابيض شَدِيد الْبيَاض وَالثَّانِي أَخْضَر فَقَالَ لي أَحدهمَا السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله قَالَ فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ الطَّائِر لَا إِلَه إِلَّا الله فَقلت لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ سكت وَقَالَ الطَّائِر الثَّانِي السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ إِن الطَّائِر الْأَبْيَض نكس رَأسه إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ مشتغل

ص: 51

بِشَيْء والطائر الْأَخْضَر رفع رَأسه وَنظر إِلَيّ بعينين مليحتين فَمَا زَالَ ينظر إِلَيّ سَاعَة وَهُوَ يكَاد يتَكَلَّم أَو يضْحك ثمَّ بعد ذَلِك طارا جَمِيعًا إِلَى جِهَة الْقبْلَة

قَالَ فَبَقيت معجبا من أَمرهمَا ثمَّ تَوَضَّأت وَدخلت الْمَسْجِد فَأول مَا سَمِعت قَارِئًا يقْرَأ {كل نفس ذائقة الْمَوْت} قَالَ فأيقنت أَنِّي ميت من ذَلِك الْمَرَض فَقَالَ وَالِده يَا وَلَدي لَعَلَّ ذَلِك كَانَ فِي الْمَنَام فَقَالَ لَا وَالله وَمد بهَا صَوته بل رأيتهما فِي الْيَقَظَة بعيني هَاتين فَأخْبرت أَنه دَامَ عَلَيْهِ ذَلِك الْمَرَض أَيَّامًا ثمَّ توفّي صَلَاة الضُّحَى فِي الْيَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وسبعمئة وَدفن بمقبرتهم بقرية شنين

وَكَانَ يملك كتبا كَثِيرَة فأوقفها على من يقْرَأ بهَا بشنين وَجعل النّظر لوالده ثمَّ عَاشَ وَالِده بعده صَابِرًا محتسبا شاكرا لله تَعَالَى على قَضَائِهِ وَقدره إِلَى ان أوجب مَا أجْبرهُ على الْخُرُوج من شنين إِلَى مَدِينَة تعز فَتَلقاهُ السُّلْطَان الْأَشْرَف وَأحسن إِلَيْهِ وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب مَا يَلِيق بِحَالهِ ويكفيه هُوَ وَأَوْلَاده فَكَانَ يدرس ويفتي بِمَدِينَة تعز وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر

ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان الْأَشْرَف واستقام بِالْملكِ بعده وَلَده الْملك النَّاصِر فأبقى الْفُقَهَاء على مَا فعله مَعَ وَالِده وَكَانَ وَفد إِلَى الْيمن خطيب خطب بِجَامِع ذِي عدينة بتعز يُسمى الْحَمَوِيّ فَكَانَ يخْطب على البديهة ويتوسع فِي الْكَلَام ويتشدق بِهِ وَقد يطول لِسَانه بِذكر مَا لَا يَنْبَغِي وَلَا تبلغه أفهام الْعَوام من ذَلِك أَنه قَالَ فِي أثْنَاء خطْبَة خطبهَا فويل للْعُلَمَاء فويل للْعُلَمَاء وَكرر ذَلِك مرَارًا ثمَّ قَالَ الَّذين لَا يعْملُونَ بِمَا يعلمُونَ ثمَّ أَتَى بِخطْبَة أَولهَا الْحَمد لله النَّاصِر للْملك النَّاصِر يَبْتَغِي بذلك رضى السُّلْطَان النَّاصِر وارتفاع مرتبته عِنْده ثمَّ أَتَى بأَشْيَاء مِمَّا رأى الْفُقَهَاء الْإِنْكَار عَلَيْهِ بذلك فَلَمَّا رأى الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني ذَلِك وَقد طول ذَلِك الْخَطِيب الْخطْبَة لصَلَاة الْجُمُعَة تَطْوِيلًا مملا فَأتى إِلَى بَاب الْمِنْبَر فَقَالَ للخطيب اتَّقِ الله عَمَّا أَنْت بصدده واقصر الْخطْبَة ثمَّ جَاءَ الْخَطِيب إِلَى عِنْد الْفَقِيه رَضِي الدّين

ص: 52

للمناظرة فناظره الْفَقِيه رَضِي الدّين وَأقَام الْحجَّة عَلَيْهِ وَنَصره الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وأوجبوا على هَذَا الْخَطِيب التَّعْزِير

ثمَّ إِن بعض المتصوفة من أهل ذِي جبلة خطر بِبَالِهِ من غير أَن يتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ بِأَن الأولى للفقيه رَضِي الدّين أَن يرجع إِلَى بَلَده يسكن ويدرس وَيطْعم الطَّعَام فَألْقى الله ذَلِك فِي خاطر الْفَقِيه رَضِي الدّين فَخرج من فوره واكترى لأهل بَيته وانتقل قَاصِدا شنين فَلَمَّا وصلوا إِلَى رَأس الْجَبَل الَّذِي فَوق المحرس لحقهم ذَلِك الصُّوفِي الَّذِي خطر بِبَالِهِ مَا سبق الْكَلَام فِيهِ فَسلم على الْفَقِيه رَضِي الدّين فَرد عليه السلام وَقَالَ لَهُ قد فعلنَا على إشارتك يَا شيخ بالانتقال إِلَى بلدنا للتدريس وَالْفَتْوَى وإطعام الطَّعَام فَعجب الصُّوفِي على مَا أَلْقَاهُ الله فِي خاطر الْفَقِيه رَضِي الدّين مِمَّا لم يطلع عَلَيْهِ سوى الله تَعَالَى وَغير ذَلِك من كرامات الإِمَام رَضِي الدّين رحمه الله وَتُوفِّي سنة سبع وثمانمئة سنة انْتهى مَا وجدته مَنْقُولًا

فَلَمَّا توفّي خَلفه ولداه عبد الله وَعبد الرَّحْمَن

فَأَما عبد الله فقد قَرَأَ على وَالِده بعض الْعُلُوم وأثنوا عَلَيْهِ خيرا وَلم يشْتَهر بتدريس وَلَا فَتْوَى وَأما عبد الرَّحْمَن فَكَانَ ذَا جاه عريض وكرم مستفيض شملته دَعْوَة صَالِحَة من أَبِيه فَقَامَ بمنصبهم أتم قيام فِي إطْعَام الطَّعَام وَحفظ كتبهمْ وَقَضَاء حوائج النَّاس والتوسط بالإصلاح بَينهم وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق وَصَحب السُّلْطَان النَّاصِر وَأهل بَابه ونال مِنْهُم مَالا جزيلا وَاشْترى أَرضًا جليلة فَكَانَ يجْتَمع مِنْهَا من الطَّعَام قدر خَمْسَة عشر الْفَا بِالذَّهَب المتعامل بِهِ بِتِلْكَ الْبَلَد فينفقها فِي وُجُوه الْخَيْر

وَحدث لَهُ ولد نجيب اسْمه عبد الله نشا أحسن نشوء وسافر بِهِ وَالِده إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ عادا إِلَى بلدهما فَقَرَأَ هَذَا الْوَلَد على الْأَئِمَّة من أهل وقته بِمَدِينَة إب كَالْقَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله

ص: 53

الْكَاهِلِي وبمدينة تعز على الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَالْإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي فَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عَارِفًا بالفقه والنحو وَالْأُصُول والْحَدِيث فدرس وَأفْتى وَكَانَ دأبه هُوَ وَأَوْلَاده ودرسته يختمون ختمة بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي كل لَيْلَة وَقد يختمون ختمة بعد صَلَاة الصُّبْح فِي أَكثر الْأَوْقَات أَقَامَ الْفَقِيه عفيف الدّين بِمَدِينَة تعز بعد وَفَاة وَالِده بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ انْتقل بأولاده الى بَلَده فسكن بقرية شنين وَعمر مَا كَانَ متشعثا بمدرسة شنين وَعمر الأَرْض الَّتِي شراها وَالِده بَعْدَمَا صلبت وعانده بعض جِيرَانه فانتصر عَلَيْهِ وغلبه وَالْتزم قَاعِدَة الْعلمَاء بالمواظبة على التدريس وَالْفَتْوَى ورتب فِي الْمدرسَة عشْرين درسيا فَقَامَ بكفاياتهم صبحا وَعَشِيَّة وَأعَاد مَا كَانَ النَّاس يعتادون ببلدهم من إكرام الضَّيْف وأجازة الْوَافِد والتوسط لقَضَاء حوائج الْمُسلمين فَاجْتمع مَعَه من الْكتب النفيسة مَا لم يجْتَمع لغيره من أهل تِلْكَ الْبَلَد مَعَ كتب جده وَعَمه

ومدحه الْعلمَاء والفضلاء بغرر القصائد من ذَلِك مَا قَالَه الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد الشظبي بقصيدة أَولهَا

(لِيهن شنينا نورها وَابْن نورها

الْجواد عفيف الدّين وَابْن جوادها)

(طَويلا ممد الباع فِي رتب العلى

يسير عَلَيْهِ أَخذهَا بقيادها)

وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل

ووفد عَلَيْهِ الأديب عبد الله بن مُحَمَّد المزاح الشَّاعِر الْمَعْرُوف قَاصِدا طُلُوع

ص: 54

صنعاء وَلها طَرِيقَانِ عليا وسفلى فَدخل على الْفَقِيه عفيف الدّين وَهُوَ لابس جُبَّة خضراء من صوف مربع فَقَالَ ارتجالا

(جعلت طريقك السُّفْلى طريقي

وَقد كَانَت طريقي عَنْك أُخْرَى)

(لألبس جُبَّة لَا أشتريها

بِغَيْر الشّعْر وَهِي ترف خضرًا)

فَخلع الْفَقِيه الْجُبَّة وَأَعْطَاهَا الشَّاعِر فِي تِلْكَ السَّاعَة وللفقيه عفيف الدّين الشنيني صَاحب التَّرْجَمَة قريحة فِي الشّعْر مِنْهُ قَوْله فِي التوسل

(إلهي بِحَق الْهَاشِمِي مُحَمَّد

أقل عثرتي وامنن بعفوك سَيِّدي)

(على عَبدك الراجي لرحمتك الَّتِي

عممت بهَا من ضل أَو هُوَ مهتدي)

وَله غير ذَلِك من الشّعْر الْحسن اختصرت من ذكره توفّي رحمه الله بِسنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وقبر عِنْد جده الإِمَام رَضِي الدّين رحمهمَا الله ونفع بهما

وَمن أهل المخادر الْقرْيَة الْمَشْهُورَة قَرِيبا من قَرْيَة شنين القَاضِي الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْعَلِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم هُوَ من أهل بَيت فقه وَقد ذكر المؤرخون أَهله وأثنوا عَلَيْهِم وَكَانَ هَذَا القَاضِي عفيف الدّين إِمَامًا فَاضلا عَالما أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن الحبيشي وَعَن وَلَده جمال الدّين وَعَن الْفَقِيه قَاسم بن أبي بكر الهاملي وَعَن الإِمَام جمال الدّين الريمي وَعَن الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني وَأخذ الحَدِيث عَن الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بوطنه قَرْيَة المخادر وَحسنت سيرته وَكَانَ عُمْدَة بِتِلْكَ الْبَلَد

ص: 55

أَخْبرنِي وَلَده القَاضِي وجيه الدّين أَنه كَانَ لَا يُفْتِي فِي مسَائِل النّذر وَلَا فِي الدّور وَلَا يلقنه أحد وَكَانَ لَهُ قريحة فِي الشّعْر من ذَلِك أَبْيَات ضمنهَا الْكَلِمَات الَّتِي ابتلى الله بهَا إِبْرَاهِيم صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم فَقَالَ

(لقد ابتلى الله الْخَلِيل بِعشْرَة

هِيَ الْكَلِمَات اللائي فِي مُحكم الذّكر)

(فَكُن عَالما فِيهَا وَكن عَاملا بهَا

فها أَنا أرويها لَك الْآن فِي شعري)

(تمضمض واستنشق وقص لشارب

وداوم سواكا واحفظ الْفرق للشعر)

(ختان ونتف الْإِبِط حلق لعانة

وَلَا تنس الا ستنجا والقلم للظفر)

وَله تخميس لأبيات الْفرج وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل

وأخبرت أَنه كَانَت لَهُ الْعِبَادَة الْعَظِيمَة والكرامات الَّتِي تدل على فَضله توفّي رحمه الله شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة سنة

ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده القَاضِي الْعَالم وجيه الدّين فَتَوَلّى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ ودرس وَأفْتى ثمَّ انْتقل إِلَى الفراوي فدرس هُنَالك وَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِبَلَدِهِ مرَارًا ثمَّ نَقله السَّادة بَنو طَاهِر إِلَى مَدِينَة عدن واضافوا إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء هُنَالك والتدريس وَبَعض الْوَقْف وانتظم حَاله أَشد انتظام وَكَانَت لَهُ قريحة ينظم فِيهَا الشّعْر من ذَلِك قَوْله أبياتا فِي إِبَاحَة الحنا ذكرتها فِي الأَصْل وَلم يزل على الْحَال

ص: 56

المرضي إِلَى أَن توفّي بثغر عدن سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة سنة

وَمن أهل المرقب الْحَاج الْمُبَارك صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله بن مَسْعُود بن أسعد

كَانَ رجلا مُبَارَكًا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَكَانَ لَهُ وَالِدَة يكرمها وَتصلي مَعَه فِي الْمَسْجِد بِاللَّيْلِ وَظَهَرت لَهُ الكرامات واستجيب دعاؤه وَأَقْبل عَلَيْهِ النَّاس للزيارة وَكَانَ مكرما للضيف مَقْبُول الشَّفَاعَة مَشْهُورا بِالْحَال توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة

وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ وجيه الدّين لزم طَرِيق وَالِده فِي أدب الصُّوفِيَّة وملازمة التِّلَاوَة وَالذكر باذلا نَفسه للسعي بالإصلاح فِيمَا بَين الْقَبَائِل وَغَيرهم مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد

وَمن أهل المقروضة جمَاعَة من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد بن عبد الله تلميذ الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل الْمَذْكُور بتاريخ الجندي قَامُوا بِمنْصب جدهم يقرونَ الضَّيْف ويتوسطون لقَضَاء حوائج الْمُسلمين

واشتهر مِنْهُم فِي عصرنا الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد وَكَانَت لَهما عبَادَة وَتُوفِّي رَضِي الدّين بعد سنة عشْرين وثمانمئة سنة

وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين صنوه بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَهُوَ الَّذِي عمر مَسْجِد الْقبَّة الْمَعْرُوف بالمقروضة وَأَعْمر الْبُنيان الَّذِي على تربة جده

ص: 57

وَمِنْهُم عفيف الدّين عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد كَانَ مُجْتَهدا بِفعل الْخَيْر وَالْعِبَادَة وَتُوفِّي بِمَكَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة

وَمن أهل الصلولة الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن المسن كَانَت لَهُ الْعِبَادَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وتحكم على يَده جمَاعَة من الصُّوفِيَّة وربط أَمَاكِن كَثِيرَة فجللها أهل الْأَمر واحترموها وَبَقِي هَذَا الشَّيْخ مأوى للوافدين إِلَى أَن توفّي بهَا

وَمن كراماته مَا أخبر الثِّقَة أَن الشَّيْخ شهَاب أَحْمد صَاحب رِبَاط السناحي قَالَ لَهُ أُرِيد أَن يريني الْكَعْبَة المشرفة عيَانًا وَأَنا بمكاني هَذَا فَأَشَارَ إِلَى جِهَة الْكَعْبَة فكشف عَنْهَا فرآها الشَّيْخ شهَاب الدّين ثمَّ تحكم على يَده وَكَانَ الشَّيْخ جمال الدّين قد رزق مَالا جزيلا وَرثهُ من والدته وَهِي من قوم يسمون بني الْعِمَاد من أهل مَدِينَة تعز فَاشْترى بذلك المَال أَرضًا كَبِيرَة حوالي الصلولة وَفِي غير ذَلِك من الْأَمْكِنَة وَكَانَت والدته من العابدات توفيت برباط تبة وقبرت هُنَاكَ وَهِي تزار ويتبرك بهَا وَتُوفِّي وَلَدهَا بعْدهَا وَكَانَت وفاتهما أول المئة الثَّامِنَة رحمهمَا الله تَعَالَى

وَمن أهل ذِي قحم بجبل بعدان القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمذْحِجِي كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا صَالحا تولى الْقَضَاء ببعدان مُدَّة طَوِيلَة فَكَانَت سيرته فِي ولَايَته سيرة مرضية وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي رحمه الله آخر المئة الثَّامِنَة

ص: 58

وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل الصَّالح برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْحَكِيم قَرَأَ على الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي فِي الْفِقْه والْحَدِيث فأجازوا لَهُ ثمَّ تولى الْقَضَاء ببعدان فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة

وَمِنْهُم الْفَقِيه المقرىء تَقِيّ الدّين عمرَان بن أَحْمد بن عمرَان قَرَأَ بالقراءات وبالفقه على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس بمدرسة حقلة ثمَّ أضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء ببعدان وَكَانَ ورعا هُوَ وَالْقَاضِي الْمَذْكُور قبله ودام على الْقَضَاء مُدَّة ثمَّ امتحن بِمَرَض دَامَ بِهِ نَحْو سنتَيْن وَتُوفِّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة سبع وَعشْرين وثمانمئة وقبره بمقبرة حقلة

وَمن أهل بعدان الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هَارُون قد ذكر الجندي جده مَعَ أهل ذِي جبلة وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين على الْفُقَهَاء من بني البريهي فأجازوا لَهُ فَأفْتى ودرس وَكَانَ كثير السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَكَانَ مَعَه من الْكتب جملَة نافعة فتفرقت وبيعت بأبخس الْأَثْمَان

ص: 59

بمكانه الْمُسَمّى عارب بعزلة عروان وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة

وَمِنْهُم القَاضِي الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الْخضر هُوَ من بَيت الْعلم وَمن منصب الْقَضَاء وَقد ذكر القَاضِي صفي الدّين البريهي عَمه وَأَهله فِي كتاب الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد فَتَوَلّى هَذَا القَاضِي الْقَضَاء بِمَدِينَة إب أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ثمَّ تولى الْقَضَاء ببعدان ثمَّ انْفَصل عَنهُ ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وَسكن هُنَالك إِلَى أَن توفّي من مرض السل وَدفن بمقبرة حقلة وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة

وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الرَّحِيم بن مبارز بن مَنْصُور بن عَليّ بن عمر الشاوري قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِدي رحمهمَا الله وعَلى الْفُقَهَاء من أهل عصره من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب وَأَجَازَ لَهُ الْفَقِيه نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ فدرس وافتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء ببعدان وَكَانَ ورعا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَسكن بمطاية ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَتُوفِّي بهَا وَكَانَ قد جمع كتبا كَثِيرَة فأوقفها مَعَ أَرض لَهُ على أَوْلَاده وَشرط أَن من لم يصل فَلَا شَيْء لَهُ فِي الْوَقْف فَلَمَّا وصل إِلَى مَكَّة المكرمة وَوَقع نظره على الْبَيْت الْحَرَام لزمَه الرعب فَمَرض أَيَّامًا قَلِيلا ثمَّ توفّي هُنَالك سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة

وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن الْفضل الشهيلي أَخذ علم الْقرَاءَات

ص: 60

على جمَاعَة من المقرئين وأجازوا لَهُ ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة فحج ثمَّ زار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاجْتمعَ هُنَاكَ بِجَمَاعَة من شُيُوخ الْقرَاءَات السَّبع وبجماعة من شُيُوخ التصوف فَقَرَأَ عَلَيْهِم ونصبه الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بعد أَن ثَبت نَصبه عَن الشَّيْخ الْوَلِيّ الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن عبد الله اليافعي وَالشَّيْخ فَخر الدّين الْموصِلِي وَالشَّيْخ محيي الدّين عمر العرابي ثمَّ عَاد المقرىء جمال الدّين فَبَقيَ يقرىء بِالْقُرْآنِ ويجتهد بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة رحمه الله

وَمِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن زَكَرِيَّا كَانَ رجلا فَاضلا عَالما وَكَانَ هُوَ وأهاليه من رُؤَسَاء بعدان وسكنهم النضارى وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين أَنْجَب أَهله عصره من أَله فأنكحه الشَّيْخ أَبُو بكر بن معوضة السيري شيخ بعدان ابْنَته وَأَسْكَنَهُ دَاره فَقطع رَأس الشَّيْخ أَبُو بكر لَيْلًا فاتهم أهل بعدان الشَّيْخ جمال الدّين بذلك وَلم يكن قَتله إلإ غيرَة وَظَهَرت بَرَاءَة الشَّيْخ جمال الدّين عَن ذَلِك فسافر الشَّيْخ جمال الدّين إِلَى مَكَّة وجاور فِيهَا وَفِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَلزِمَ طَريقَة الصُّوفِيَّة وجد واجتهد بِالْعبَادَة فَمن شُيُوخه فِي ذَلِك الْوَلِيّ الصَّالح جَامع طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة عبد الله بن أسعد اليافعي وَالشَّيْخ محيي الدّين عمر العرابي وَغَيرهمَا وَلم يعد إِلَى الْيمن وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَوجدت كتابا بليغا مِنْهُ إِلَى إخْوَته يعلمهُمْ بِحَالهِ ويعظهم فِيهِ ويحذرهم من الاغترار بالدنيا قد ذكرته فِي التَّارِيخ الْكَبِير مَعَ دُعَاء حسن فَمن أحب ذَلِك فليراجعه مِنْهُ

وَكَانَت وَفَاته على رَأس المئة التَّاسِعَة كَمَا وجدته مُعَلّقا من خطّ بعض الْفُضَلَاء رحمهم الله أَجْمَعِينَ

ص: 61

وَفِي بعدان جمَاعَة من الْفُضَلَاء تقدّمت وفاتهم وَظَهَرت بركاتهم بعد مَوْتهمْ وَلَيْسَ لَهُم ذُرِّيَّة وَمِنْهُم من لَهُ ذُرِّيَّة

فَمن ذُريَّته موجودون وَقَامُوا بِمنْصب آبَائِهِم الْمَشَايِخ بَنو الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح سعيد بن عمر التهامي وَأهل ذِي حرارة

وَمن المتوفين بِغَيْر بعدان فِي مشرق المخلاف الْمَنْسُوب إِلَى جَعْفَر وقبلية جمَاعَة مِنْهُم المقرىء الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر المسلمي الْمَشْهُور باليريمي قَرَأَ بِمَدِينَة زبيد بالقراءات والْحَدِيث عل شيخ الْقُرَّاء والمحدثين عَليّ بن أبي بكر بن شَدَّاد وَقَرَأَ على غَيره بفن الْفِقْه ثمَّ انْتقل إِلَى حراز فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يقْرَأ على فقهائها ثمَّ طلع إِلَى صنعاء فَقَرَأَ على أَئِمَّة النَّحْو بهَا هُنَالك

وَأَخْبرنِي بعض فُقَهَاء الْعَصْر أَنه سمع الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن قحر وَهُوَ من تلامذته يَقُول الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد المسلمي أكبر شُيُوخ الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْيمن بوقته وَاسْتمرّ بعد رُجُوعه من صنعاء بِأَمْر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بن الإفضل بِأَسْبَاب مَدِينَة ذِي جبلة فَكَانَ يُقيم بهَا أَيَّامًا يدرس ويفتي وَيقف بيريم أَيَّامًا كَذَلِك وانتفعت بِهِ الطّلبَة وَكَانَ مَشْهُورا بالورع وَالْعِبَادَة معدودا من أهل الْفضل والإفادة وغلبت عَلَيْهِ الشُّهْرَة باسم المقرىء الْمُطلق وَتُوفِّي بقرية يريم سنة سبع وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه صارم الدّين دَاوُد بن مُحَمَّد صَاحب ذِي عنان كَانَ رجلا عابدا صَالحا قيل إِنَّه من أهل الخطوة كَمَا حكى الثِّقَة أَنه اتّفق جمع للْفُقَرَاء الصُّوفِيَّة بمَكَان

ص: 62

يُسمى أكمة النورة فِي أَسْفَل بلد بني سيف فانتظروا وُصُول الْفَقِيه صارم الدّين إِلَيْهِم فَجَاءَهُمْ وهم يصلونَ الْمغرب فَشهد جمَاعَة من أهل ذِي عنان أَنه حِين أَذَان الْمغرب تِلْكَ اللَّيْلَة بِذِي عنان وَأَنَّهُمْ انتظروه للصَّلَاة فَلم يجدوه فَبَان أَنه صلى الْمغرب بأكمة النورة وَكَانَ بَين المكانين مسير نصف يَوْم وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه صارم الدّين كثير الزِّيَارَة للصالحين وَالْحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن بلد بني سيف بمعشار حصن ريمان الْحَاج عَليّ بن صليعة حُكيَ أَنه كَانَ رجلا عابدا صَالحا يحب الخمول وَعدم الشُّهْرَة وَأَنه كَانَ إِذا صلى كشف لَهُ فَيرى الْكَعْبَة المشرفة وَأَن الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن سَالم الْآتِي ذكره بَين فُقَهَاء المشيرق زَارَهُ فَلَمَّا شهر بذلك انْتقل إِلَى بلد ريمة الَّذِي خلف وصاب ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فَتوفي بهَا سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى

وَمن بلد بني سيف الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر السيفي قَرَأَ بِمَدِينَة إب على الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي فأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَكَانَت عَلَيْهِ السكينَة واجتهد بِالْعبَادَة حَتَّى أجمع أهل قطره أَنه من الأخيار الصَّالِحين وَقصد للزيارة وَكَانَت الْقَبَائِل الَّتِي فِي جهاته يعتمدون أمره وَلَا يخالفون رَأْيه ويودعون أَمْوَالهم عِنْده وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

ص: 63

وَمن تِلْكَ النواحي الْفَقِيه الْعَالم النَّحْوِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن المسلمي كَانَ من الَّذين طافوا الْبلدَانِ شرقا وغربا وشاهدوا عجائبها وَاجْتمعَ بصلحائها وعلمائها وَكَانَ يحفظ مقامات الحريري فَلَمَّا أسن وَكبر قطن بِبَلَد بني مُسلم وَكَانَ ذَا مَال جزيل يخفيه فَعلم عَلَيْهِ فَأَخذه شيخ بَلَده عَلَيْهِ ظلما

أَخْبرنِي أَنه مِمَّا غصب عَلَيْهِ جَوْهَرَة ثمينة حصلت لَهُ فِي أَيَّام غربته من بلد الْعَجم وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة

وَمن نَاحيَة المشيرق شَرْقي حصن خدد من مخلاف جَعْفَر جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن رشيد كَانَ رجلا عابدا عَالما عَلَيْهِ عَلامَة الصَّالِحين دأبه الْخُشُوع والتواضع يُؤثر الخمول وَلَا يكَاد يرى ضَاحِكا وَلَا يفتر عَن ذكر الله والتلاوة يلبس الخشن وَلَا يكَاد يَأْكُل إِلَّا مَا تحقق حلّه كثير الصمت لَهُ مُشَاركَة بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ كثير التفكير قيل كَانَ يعرف الِاسْم الْأَعْظَم شاهدته وَطلبت مِنْهُ الدُّعَاء وَتُوفِّي بالفراوي وقبر هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى

وَمن المتوفين هُنَالك الشَّيْخ صارم الدّين دَاوُد بن صَالح المُصَنّف هُوَ اسْم علم لَهُ وَلَيْسَ هُوَ مصنفا وأصل بَلَده من مَدِينَة إب ثمَّ انْتقل ألى الفراوي خوفًا على نَفسه من شيخ بَلَده بِسَبَب مَا نسب إِلَيْهِ من مُوالَاة ولد أُخْته الْمُسَمّى مَحْمُود بن الشَّيْخ الْجلَال بن مُحَمَّد السيري فقد كَانَ الشَّيْخ الْجلَال الْمَذْكُور تزوج أُخْت الشَّيْخ صارم الدّين الْمَذْكُور وَحدث لَهُ مِنْهَا ولد هُوَ الْمَذْكُور فخاف الْمُسْتَقيم بِالْأَمر ببعدان من بعد الشَّيْخ الْجلَال من هَذَا الْوَلَد فَأسرهُ ثمَّ فكه الله تَعَالَى بعد ذَلِك بعد أُمُور ذكرتها فِي التَّارِيخ الْكَبِير

ص: 64

كَانَ هَذَا الْفَقِيه صارم الدّين مُسْرِفًا على نَفسه فِي ابْتِدَاء أمره ثمَّ تَابَ وَحسنت تَوْبَته ثمَّ حج على قدم التَّجْرِيد مَاشِيا إِلَى مَكَّة المشرفة وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وجاور فِي مَكَّة المشرفة سنتَيْن وَكَانَ يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ويحتطب على ظَهره ثمَّ يَبِيع الْحَطب فَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ من ثمنه وَيَأْكُل النّصْف وَصَحب الشُّيُوخ الصلحاء كالشيخ محيي الدّين عمر العرابي وتحكم على يَده وَلزِمَ طَريقَة التصوف وتأدب بآدابهم وعد من الزهاد والعباد ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده مَدِينَة إب لابسا للخشن كغراير الصُّوف وَالسَّلب فَكَانَ يحمل المَاء على ظَهره ويسقيه النَّاس فِي الْجَامِع والمدارس وَغَيرهَا ثمَّ هَاجر إِلَى الْحَبَشَة وَعبد الله تَعَالَى بِجَزِيرَة مَشْهُورَة هُنَالك يَأْكُل الْأَشْجَار وَيشْرب من مَاء فِيهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده ووقف بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة أَيْضا وَأقَام هُنَاكَ مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فتحكم على يَده جمَاعَة من أهل الْبَلَد فَكَانَ يسير بهم فِي اللَّيْل إِلَى الْمَوَاضِع الخالية فيمنعون أنفسهم النّوم ويقومون بِالصَّلَاةِ وَالذكر وَالدُّعَاء ثمَّ إِنَّه كَانَ يقْصد قُبُور الصَّالِحين فِي الْبلدَانِ الْبَعِيدَة والقريبة للزيارة واشتهر أمره وَأحسن النَّاس بِهِ الظَّن وأحبه مُعظم أهل الْبَلَد وَكَانَ قد يخرج بِاللَّيْلِ من الْمَسَاجِد إِلَى الْمَقَابِر وَغَيرهَا وَمَعَهُ جمَاعَة يجهرون بِالذكر فَاعْترضَ عَلَيْهِم الْفَقِيه عفيف الدّين الْكَاهِلِي بِعُذْر أَنهم ينبهون النيام ويفزعون الْأَطْفَال بأصواتهم الْعَالِيَة وَأفْتى بِعَدَمِ جَوَاز ذَلِك وَطلب من شيخ الْبَلَد الْوَالِي عَلَيْهَا وَهُوَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر السيري الْإِعَانَة على ذَلِك ومنعهم فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فامتنعوا

ص: 65

فَجهز الشَّيْخ صارم الدّين جمَاعَة من أَصْحَابه إِلَى الشَّيْخ عمر العرابي شَيْخه فِي التصوف فوصلوا إِلَيْهِ وَأَخْبرُوهُ بذلك وَأَقَامُوا عِنْده أَيَّامًا مكرمين ثمَّ أَمرهم بالقدوم مَعَه إِلَى شخص من الصَّالِحين قد سَمَّاهُ لي أنسيت اسْمه فوصلوا إِلَيْهِ وَأَقَامُوا بِالسَّمَاعِ الْمَعْهُود للصوفية عِنْد هَذَا الشَّخْص أَيَّامًا حَتَّى كاشفهم وَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى بلدكم فقد توفى الله الْفَقِيه عبد الله الْكَاهِلِي الْيَوْم هَذَا وخصوا صَاحبكُم الشَّيْخ صارم الدّين بِالسَّلَامِ ودوموا على مَا كُنْتُم عَلَيْهِ فَرَجَعُوا وأخبروا خبر هَذَا الشَّيْخ صارم الدّين بِمَا كَانَ من ذَلِك ووجدوا أَن موت الْفَقِيه عفيف الدّين فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ لَهُم فِيهِ ذَلِك الشَّخْص

وَكَانَ الشَّيْخ صارم الدّين صَاحب جاه كَبِير لَا مُخَالفَة لأَمره من أحد ودام على ذَلِك بِالذكر فِي الْمَكَان الَّذِي أعْمرهُ لَهُ الشَّيْخ الْجلَال وَهُوَ الرِّبَاط بمدرسة الشَّيْخ الْجلَال الْمَذْكُور إِلَى أَن انْتقل إِلَى الفراوي ووقف بهَا أَيَّامًا ثمَّ توفاه الله تَعَالَى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَله كرامات مِنْهَا مَا شاهدته وَمِنْهَا مَا أَخْبرنِي بِهِ الثِّقَة مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وَهُوَ الَّذِي أعمر الْبُنيان الَّذِي حول قبر الشَّيْخ حسام الدّين بِمَدِينَة إب حَيْثُ يقف الزائر فَوْقه وَتَحْته السائلة هُنَالك وَهُوَ الَّذِي أخرج المَاء قَرِيبا من قبر الشَّيْخ حسام الدّين بَينه وَبَين الطَّرِيق هُنَالك وَأَعْمر فِيهِ الْمصلى والحوض وَقد بنى بذلك مَسْجِدا بعد وَفَاته بناه غَيره وَهُوَ الَّذِي أعمر الْمعِين المنسوبة إِلَيْهِ فِي السايلة هُنَالك وَهِي مَعْرُوفَة وكل ذَلِك شَرْقي مَدِينَة إب

ص: 66

وَمن أهل الفراوي الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن هُوَ من قوم صوفية اشْتهر نسبهم إِلَى حُسَيْن بن أبي السُّعُود بن الْحُسَيْن بن مُسلم الْهَمدَانِي وَقد ذكره الجندي المؤرخ وَلَيْسوا من أَوْلَاد الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

أخْبرت أَن هَذَا الْفَقِيه كَانَ خيرا مُبَارَكًا كثير التَّهَجُّد وَالْعِبَادَة قَالَ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم وَهُوَ مِمَّن ظَهرت لَهُ الكرامات وَأخْبر بَعضهم أَنه رأى نورا يطلع فِي بَيته لَيْلًا فِي الْمَكَان الَّذِي كَانَ يتهجد فِيهِ توفّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه العابد الزَّاهِد الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم أما وَالِده الإِمَام صفي الدّين فقد كَانَ من الْعلمَاء والفضلاء وَلم أتحقق تَفْصِيل أَحْوَاله وأخبرت أَنه توفّي بِأول المئة الثَّامِنَة

وَأما وَلَده هَذَا وجيه الدّين فمولده بِشَهْر شَوَّال سنة سِتِّينَ وسبعمئة بقرية المخادر قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِده الإِمَام صفي الدّين وَمِنْهُم الإِمَام جمال الدّين الريمي وَمِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين الأصبحي وَله مَشَايِخ غَيرهم فِي فنون الْعلم من الْقرَاءَات السَّبع والْحَدِيث وَالتَّفْسِير واللغة وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَغير ذَلِك قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِده الإِمَام صفي الدّين وَمِنْهُم الإِمَام جمال الدّين الريمي وَمِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين الأصبحي وَله مَشَايِخ غَيرهم فِي فنون الْعلم من الْقرَاءَات السَّبع والْحَدِيث وَالتَّفْسِير واللغة وَالْفِقْه والأصولين وَغير ذَلِك قَرَأت إجَازَة مِنْهُ لبَعض الطّلبَة فَقَالَ مشايخي فِي فنون الْعلم نَحْو خمسين شَيخا وأخبرت أَنه تحكم على يَد الْوَلِيّ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن يحيى الشعراني وَأَنه حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار

ص: 67

قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَأَخْبرنِي من يعرفهُ أَنه كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بِعلم الْأَسْمَاء وَأَنه لما عَاد من مَكَّة المشرفة إِلَى بَلَده فسكن الْمَكَان الَّذِي يُسمى جبا وَهُوَ الْمَعْرُوف بمعشار حصن خدد فقصدته الطّلبَة للْعلم من كل مَكَان فَأفْتى ودرس وانتفع بِهِ أهل ذَلِك الْقطر وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا لوامع الْأَنْوَار وجوامع الْأَسْرَار فِي مُنَاجَاة الْعَزِيز الْغفار لقَضَاء الْحَوَائِج والأوطار وَمِنْهَا كتاب الشِّفَاء التَّام من الآلام والأسقام والأسماء الْعِظَام وَله غير ذَلِك وَكَانَ ورعا متقللا من الدُّنْيَا وَلَا يَأْكُل إِلَّا مَا تَيَقّن حلّه

وقصده النَّاس للتبرك بِهِ واعتقدوه حَتَّى قيل بِأَنَّهُ القطب وشهدوا على كَلَامه بِأَنَّهُ لَقِي الْخضر عليه السلام وبشره ببشارات كَثِيرَة وَأَنَّهُمْ رَأَوْا جماعات من الْجِنّ يقرؤون عَلَيْهِ وسمعوه يدرس فِي مَسْجِد وسمعوا اصواتا من جمَاعَة يراجعونه فِي مسَائِل ثمَّ دخلُوا ذَلِك الْمَسْجِد فَلم يرَوا أحدا وأخبروا بِشَيْء أعلمهم بِهِ أَنه سَيكون فَكَانَ على مُقْتَضى مَا أخبر بِهِ من ذَلِك أَنه خرج لَيْلًا إِلَى عِنْد جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم إِن الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق توفّي هَذِه السَّاعَة بِذِي جبلة فَمن أحب مِنْكُم أَن يتَقَدَّم لقبرانه فليذهب

وَكَانَ بَين الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ وَذي جبلة مسيرَة قدر نصف يَوْم

وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ الثِّقَة أَنه وجد وزغة فهم بقتلها فَنَهَاهُ الْفَقِيه وجيه الدّين وَقَالَ إِنَّهَا تنْتَظر زَوجهَا قَالَ فوصل رجل من مَكَان بعيد بِشَيْء من الحنا للفقيه وجيه الدّين فَوَضعه فِي ذَلِك الْمَكَان فَخرج من بَين ورق الحنا وزغة فَذَهَبت إِلَى تِلْكَ الوزغة الأولى فركبت عَلَيْهَا وغابتا

وَحكى عَن كرامات أخر وعَلى الْجُمْلَة فقد كَانَ الإِمَام وجيه الدّين من الْأَئِمَّة الْعلمَاء العاملين الْمُحَقِّقين فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة مُسلما لَهُ وَكَانَ ثبتا فِي الْجَواب محققا فِي التدريس مكرما للضيف مَقْصُودا للمهمات مجللا مُحْتَرما جَامعا لطريقتي

ص: 68

الشَّرِيعَة والحقيقة وَعمر زَمنا طَويلا وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون رحمه الله ونفع بِهِ

وَقد كَانَ لَهُ أَوْلَاد تَوَفَّاهُم الله الأول يُسمى حسن ورث مَا خَلفه وَالِده من الْكتب وَمَا خلفته والدته من الأَرْض والبيوت وَفتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَاشْترى أَرضًا جليلة وجلل واحترم وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة وَقد كَانَ أجَاز لَهُ وَالِده بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ بعض كتب الْفِقْه ثمَّ قَرَأَ بعد وَفَاة أَبِيه على بعض فُقَهَاء عصره وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَة وَكَانَ فِي أمره انتظام على طَريقَة مرضية من إطْعَام الطَّعَام فطمع شيخ بَلَده وواليها فِي مَاله وهم بحبسه فأنذره بعض خَواص الْوَالِي وَهُوَ الْجلَال بن عبد الْبَاقِي الحبيشي فهرب هَذَا الْفَقِيه بدر الدّين إِلَى المخادر ثمَّ حدث فِيهَا الْخَوْف فانتقل إِلَى مَدِينَة تعز فَأكْرمه السَّادة بَنو طَاهِر وأضافوا إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمدرسَة المعتبية بِمَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ توفّي بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن الْقرْيَة الَّتِي تسمى صمع القَاضِي الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن أسحم كَانَ مشاركا بِعلم الْفِقْه قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَلِيم الْمُقدم الذّكر وَكَانَ كثير الذّكر لله تَعَالَى وَكثير الْعِبَادَة وَقد يُصَلِّي الصُّبْح بِوضُوء الْعشَاء وَظَهَرت لَهُ كرامات من ذَلِك أَنه أكرهه الْجلَال بن عبد الْبَاقِي الحبيشي على أَن يُزَوجهُ ابْنَته وَلم يسْتَطع خوفًا من فِرَاق وَطنه فَزَوجهُ وزفها إِلَيْهِ ودعا الله أَن لَا يتَّصل بهَا الزَّوْج الْمَذْكُور فوقفت فِي بَيته

ص: 69

مَعَه وَكلما هم بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا مَنعه مَانع فَردهَا إِلَى أَبِيهَا بكرا وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِتِلْكَ الْبَلَد ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وَحسنت سيرته وحمدت حركته ثمَّ توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن أهل معشار خدد الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن أَحْمد السَّنَد أَخْبرنِي الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن بن سَالم أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَ ذَا صِيَام وَقيام يُؤثر الخمول وَمِمَّا لَا يؤبه وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْل كُله وَيذكر الله تَعَالَى وَقد يقف ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَأْكُل شَيْئا وَقَالَ إِنَّه يطعم فِي فَمه مثل الشهد وَأَنه لما توفّي شوهد بِاللَّيْلِ فَوق قَبره نور فَلَمَّا قرب مِنْهُ الَّذين رَأَوْهُ زَالَ ذَلِك وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمن أهل الأريمة بمعشار حصن شبع المقرىء الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن سميح كَانَ مقرئا صَالحا ورعا زاهدا اشتهرت لَهُ كرامات وزاره الْعلمَاء والفضلاء رحمه الله توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة

وَمن الظفر بعزلة بردَان بمعشار حصن شبع القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْخطابِيّ اصله من بني خطاب أخوال الشَّيْخ النهاري كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا قَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم بالفقه ثمَّ بِمَدِينَة

ص: 70

تعز على جمَاعَة من الْفُقَهَاء وأجازوا لَهُ وَكَانَ يحفظ التَّنْبِيه ويداوم على مطالعته وتصويره واستنباط الْمسَائِل مِنْهُ فَسُمي التنبيهي وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمعشار حصن شبع فِي ايام السلطنة وَغَيرهَا فِي زمن الحبيشي وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة

وَمن أهل معشار شبع الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن غيلَان صَاحب الممشاي كَانَ رجلا فَاضلا عابدا حصلت لَهُ نفحة سَمَاوِيَّة وَظَهَرت لَهُ هُنَالك الكرامات فَبنى هَذَا الْمَكَان الْمُسَمّى الممشاي وتخلى فِيهِ لعبادة الله تَعَالَى فزاره النَّاس وسألوه الدُّعَاء توفّي سنة 818 سنة

وَمن أهل مروحة الرِّبَاط الْمَشْهُور بِتِلْكَ الْجِهَة الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين قَاسم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان وَأَخُوهُ الشَّيْخ دَاوُد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان كَانَا رجلَيْنِ عابدين صالحين اشتهرت لَهما الكرامات فجلل مكانهما واحترم لأجلهما

توفّي الشَّيْخ دَاوُد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَتُوفِّي أَخُوهُ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى

وَمن أهل البياحي بِبَلَد بني سيف الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن أَحْمد المنبهي كَانَ عابدا عَالما صَالحا حصل كتبا كَثِيرَة ودرس وَأفْتى إِلَى أَن كبر وَضعف فاشتغل بِالْعبَادَة وَترك التدريس وَفتح عَلَيْهِ بكرامات كَثِيرَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة

وَله ولد اسْمه عبد القيوم نَشأ أحسن نشوء وَقَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر السيفي وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

ص: 71

وَمن أهل نبع بِطرف قفر حاشد الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد البَجلِيّ ابْن عبد الله بن عَليّ الغوري هُوَ مِمَّن تحكم على يَد المقرىء جمال الدّين الساودي وَمِمَّنْ اشْتهر بِالْكَرمِ وَالْإِحْسَان إِلَى القاصد واشتهرت لَهُ الكرامات

وَمن أهل عدن بني شبيب الْفَقِيه الْعَالم عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشبيبي هُوَ من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الشبيبي الَّذِي شهرت لَهُ الكرامات وَذكره المؤرخون قَدِيما قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه عفيف الدّين بالفقه على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم حَتَّى انْتفع بفن الْفِقْه وَأَجَازَ لَهُ فدرس وَأفْتى وَأقَام بِبَلَدِهِ يعبد الله تَعَالَى وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقصد للزيارة وَتُوفِّي بعد سنة عشر وثمانمئة رحمه الله

وَمن أهل ذِي شعران الشَّيْخ الْأَجَل الصَّالح ذُو الكرامات والمكرمات عفيف الدّين عبد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان الشعراني كَانَ هَذَا الشَّيْخ عابدا زاهدا خَائفًا كَأَن الْقِيَامَة نصب عَيْنَيْهِ وَالنَّار بَين يَدَيْهِ دأبه تِلَاوَة الْقُرْآن وَذكر الله تَعَالَى لَيْلًا وَنَهَارًا أثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الرعياني وَشهد لَهُ بالفوز وَالصَّلَاح لما رَآهُ وَشَاهده من أَحْوَاله عيَانًا وَظَهَرت بركته واشتهرت واستجيب دعاؤه وَقصد للمهمات وَسَهل على يَدَيْهِ قَضَاء الْحَاجَات وانقاد أهل ذَلِك الْقطر لقَوْله وأذعنوا لحكمه لما رَأَوْا من كراماته وَقد ذكرت لَهُ من ذَلِك بَعْضهَا من الأَصْل وَلم يزل على الْحَال المرضي مجللا مُحْتَرما فِي أماكنه وربطه مكرما لكل من وَفد عَلَيْهِ

ص: 72

إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَخَلفه صنوه الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن سُلَيْمَان فِي منصبه فَكَانَ يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار وَلزِمَ الْخلْوَة وَالْعُزْلَة فِي مَسْجِد يغلق بَابه عَلَيْهِ وَترك لَهُ طَاقَة يدْخل مِنْهَا الطَّعَام إِلَيْهِ وَلَا يخرج إِلَّا بِاللَّيْلِ للخلاء ودام على ذَلِك أَيَّامًا وَتُوفِّي بعد وَفَاة أَخِيه بِسنة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى

ثمَّ قَامَ بمنصبهما الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان الشعراني فِي إكرام الزائر وَقَضَاء الْحَاجَات واشتهر بذلك إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى سنة سبع عشرَة وثمانمئة

وَمن أهل الرضابي الرِّبَاط الْمَشْهُور هُنَالك الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عبد الله قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الرعياني بِمَدِينَة إب فِي الْفِقْه وَقَرَأَ على غَيره ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَأفْتى ودرس وَكَانَت لَهُ عبَادَة واجتهاد بِأَفْعَال الْخَيْر واشتهرت لَهُ الكرامات ثمَّ توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى

ثمَّ خَلفه بمنصبه صنوه جمال الدّين مُحَمَّد كَانَ ذَا فضل وَعبادَة فاشتهر بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح واعتقده أهل قطره وَكَانَ مكرما للضيف ودام على ذَلِك حَتَّى توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة

ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده شمس الدّين قَامَ بِمنْصب أَبِيه وَعَمه وَالْتزم طريقهما بالإكرام للضيف وَله مُشَاركَة بالعلوم

ص: 73

وَلَهُم ربط بِتِلْكَ الْجِهَات يعظمها النَّاس ويحترمونها وَحكي أَنه عاندهم بعض من لَا خير فِيهِ من أهل الْأَمر فَعجل الله عُقُوبَته بِمَرَض توفّي مِنْهُ وَلم يزل مِنْهُم من هُوَ قَائِم بِأَفْعَال الْخَيْر حَال جمع هَذَا الْمَجْمُوع

وَمن المتوفين بالدنوة الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة تَحت حصن نعْمَان الشوافي المقرىء الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الريمي اصل بَلَده ريمة وصاب انْتقل مِنْهَا هَذَا الْفَقِيه لطلب الْعلم الشريف فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع على جمَاعَة أَجلهم الإِمَام ابْن شَدَّاد بِمَدِينَة زبيد وبالفقه على الإِمَام جمال الدّين الريمي فأجازوا لَهُ وَسكن بالرباط الْمَشْهُور بالذهوب فَأَقَامَ هُنَاكَ يُفْتِي ويدرس ثمَّ انْتقل إِلَى الدنوة بِأَمْر الشَّيْخ عَليّ بن الحسام فسكن بهَا ودرس وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ امتحن بذهاب بَصَره وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء قبل زَوَال بَصَره فَامْتنعَ من قبُوله مَعَ شدَّة فقره وَكَثْرَة عِيَاله وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وثمانمئة وقبر هُنَاكَ بمقبرة الدنوة

ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده يُسمى عبد الْوَهَّاب تولى الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات ودرس وافتى بعد أَن قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط الْأَكْبَر بتعز ثمَّ انْتقل إِلَى بلد بني حُبَيْش وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَرجع إِلَى الدنوة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَتُوفِّي بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة بعد أَن حج وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَفِي الْمقْبرَة الَّتِي بَين الأكمة والدنوة قبر الْفَقِيه الْأَجَل الصَّالح العابد جمال الدّين

ص: 74

مُحَمَّد بن عمر بن سعيد بن إِبْرَاهِيم الإبراهيمي الكولاني قَرَأَ فِي الْفِقْه والْحَدِيث النَّبَوِيّ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط الْأَكْبَر وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وعَلى غَيرهمَا وأجازوا لَهُ فاستدعاه الشَّيْخ عَليّ بن الحسام إِلَى الشوافي فَأحْسن إِلَيْهِ وأقامه بِالْمَدْرَسَةِ بالدنوة يدرس فِيهَا وَبَقِي يتَرَدَّد إِلَى الشَّيْخ عَليّ بن الحسام للشفاعة وَغَيرهَا للنَّاس وَكَانَ مُطَاع الْكَلِمَة مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة وَعَلِيهِ عَلامَة الْخَيْر وَالصَّلَاح توفّي من ألم الطَّاعُون بِسنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِمَّنْ اختصر الجندي ذكره الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْأَكْبَر بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْجُنَيْد وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط فَقَالَ كَانَ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْأَكْبَر عَالما عابدا زاهدا ورعا حسن السِّيرَة ولي قَضَاء الشوافي مُدَّة وَسكن قَرْيَة السهولة ثمَّ ولي الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز وَبَقِي بهَا مُدَّة ثمَّ ولي الْقَضَاء الْأَكْبَر من قبل الْمُجَاهِد وَحسنت سيرته وَكَانَ لَهُ فهم جيد وَحسن نظر وسياسة فِي الْأَحْكَام يعجز عَنْهَا غَيره ثمَّ توفّي بالسهولة سنة أَربع وَخمسين وسبعمئة انْتهى كَلَام ابْن الْخياط

قلت وأخبرت أَن مُدَّة ولَايَته للْقَضَاء الْأَكْبَر سنتَانِ جعل لَهُ السُّلْطَان فِيهَا جامكية فِي كل يَوْم خَمْسَة عشر دِينَارا فَلَمَّا عزل كتب إِلَى السُّلْطَان إِنِّي لم أَقبض الجامكية مُدَّة ولايتي فَخذهَا مِمَّن هِيَ فِي يَده فَلَا حَاجَة لي بهَا فَلَمَّا امْتنع من قبضهَا أَخذهَا السُّلْطَان وَرجع القَاضِي إِلَى بَلَده إِلَى السهولة فَدَعَا الله أَن يرزقه عبدا صَالحا فيسره الله تَعَالَى لَهُ فخدمه ذَلِك العَبْد ثمَّ أَسْتَأْذن العَبْد سَيّده فِي السّفر فَأذن

ص: 75

لَهُ وودعه ثمَّ سَار قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ العَبْد لسَيِّده أعتقني أعتقك الله من النَّار وَقد كَانَ سَيّده أعْتقهُ عِنْد وداعه وَلم يعلم بذلك العَبْد وَحكي عَن العَبْد أُمُور تدل على خَيره فَعلم بذلك استجابة الدُّعَاء الَّذِي دَعَا بِهِ القَاضِي عفيف الدّين الْمَذْكُور

ثمَّ إِنَّه نَشأ لهَذَا القَاضِي أَوْلَاد اجتهدوا بِطَلَب الْعلم ولزموا وَظِيفَة والدهم بالتدريس وَالْفَتْوَى

وَكَانَ أنجبهم عفيف الدّين عبد الله ولي الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات واشتهر بِحسن السِّيرَة وَتُوفِّي قريب آخر المئة الثَّامِنَة رحمه الله

وَآخرهمْ عبد الرَّحْمَن أخْبرت أَنه من الصَّالِحين وَأَنه امْتنع من ولَايَة الْقَضَاء وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي وَله ذُرِّيَّة اشتهروا بِالْعبَادَة مِنْهُم ولد وَلَده اسْمه عَليّ أخْبرت أَنه من الْعلمَاء الصَّالِحين وَأَنه امْتنع من ولَايَة الْقَضَاء واشتهرت لَهُ أَحْوَال حَسَنَة تدل على خَيره

وللفقيه عفيف الدّين أَوْلَاد نجباء أحدهم الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن عبد الله بن عبد الْأَكْبَر كَانَ من الْعلمَاء الصَّالِحين وَسكن مَدِينَة إب وَقد ذكره الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي بتاريخه الْمُسَمّى الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد

وَالثَّانِي الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن عبد الله بن عبد الْأَكْبَر قَرَأَ بالفقه على القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب ثمَّ انْتقل إِلَى السهولة فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي

وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه أَحْمد قد قَارب الِاحْتِلَام فَزَالَ عقله فَمَاتَ ذَلِك الْوَلَد فدفنه وَالِده عِنْد أَهله وَكَانَ يزوره فجَاء رجل ليزور الْقُبُور فَسمع الْفَقِيه شمس الدّين يتَكَلَّم وَولده يجِيبه من الْقَبْر فَعلم النَّاس بذلك فَلَمَّا علم الْفَقِيه شمس الدّين بِهَذَا

ص: 76

فَقَالَ هَذَا سر كَانَ بيني وَبَين الله تَعَالَى قد علمه النَّاس فَدَعَا الله تَعَالَى بِأَن يقبضهُ إِلَيْهِ فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من يَوْم دَعَا الله تَعَالَى بذلك وَذَلِكَ بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَكَانَ آخر لوحه الَّذِي كتبه بِيَدِهِ من الْقُرْآن {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} الاية

وَمِمَّنْ أغفل المؤرخون ذكره الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد الْخَولَانِيّ كَانَ من الأخيار الْمَشْهُورين بِالْعبَادَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَهُوَ الَّذِي ربط ذِي الضبر وَغَيره وحكوا عَنهُ اجْتِهَادًا عَظِيما فِي الْعِبَادَة وَتُوفِّي بأواخر المئة الثَّامِنَة واستقام وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين وحذا حذوه فِي إطْعَام الطَّعَام والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين فَحدث بَينه وَبَين شيخ الْبَلَد وَهُوَ الحسام الزَّاهِر وَحْشَة أدَّت إِلَى الشقاق فانتقل الشَّيْخ جمال الدّين إِلَى رِبَاط الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشبيبي وتحكم على يَده وَأخذ بِالْعبَادَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى رِبَاط ذِي الضبر فجلل واحترم وَأقَام بِهِ إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة

فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبه وَلَده الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله وَقد شهروا بِأَن يُقَال لَهُم بَنو عبيد فَكَانَ هَذَا الشَّيْخ مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد مَأْمُونا على الْأَمْوَال وَله قَضِيَّة اتّفقت فِي التَّوَسُّط مِنْهُ بَين شيخ بعدان وَهُوَ الْجلَال ابْن مُحَمَّد السيري وَشَيخ الشوافي وَهُوَ عَليّ بن الحسام الزَّاهِر فِي الصُّلْح بَينهمَا بعد حروب وقتال بَين الرّعية فِي البلدين ذكرتها فِي الأَصْل توفّي هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَلم يكن فِي عقبه من يسْتَحق الذّكر

ص: 77

وَمن المتوفين هُنَالك من الرِّبَاط الْمَذْكُور الْفَقِيه الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي عفيف الدّين عبد الصَّمد بن مُحَمَّد التباعي قَرَأَ بِعلم الْأَسْمَاء وراض نَفسه فَحدث عَلَيْهِ خلل فِي عقله فَصَارَ مولها وَكَانَ يتَكَلَّم ويخبر عَن الشَّيْء قبل أَن يكون من ذَلِك أَنه لما تَغَيَّرت أَحْوَال السلاطين من بني الرَّسُول فِي ولَايَة الْيمن قيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الْفَقِيه وجيه الدّين الْولَايَة لعَلي وَله أمد ينْتَظر فَلم يعرفوا معنى الْكَلَام حَتَّى استقام الشَّيْخ عَليّ بن طَاهِر بِملك الْيمن فعرفوا معنى كَلَام الْفَقِيه وجيه الدّين توفّي سنة خمسين وثمانمئة

وَأما صنوه فَهُوَ القَاضِي الْفَاضِل صفي الدّين أَحْمد بن عبد الصَّمد التباعي فَإِنَّهُ قَرَأَ على الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق بِذِي جبلة بالفقه وعَلى الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم الْمُقدم الذّكر وتزيا بزِي الصُّوفِيَّة مَعَ كَونه فَقِيها فولاه الشَّيْخ عَليّ بن الحسام الْقَضَاء بالشوافي وَسكن بقرية وقير إِلَى أَن توفّي بهَا سنة 849 رحمه الله

وَمن أهل هَذِه الْقرْيَة الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح شرف الدّين قَاسم بن أَحْمد الْبُحَيْرِي قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة فَكَانَ عَالما عابدا عَاملا زاهدا متواضعا أجمع أهل قطره على صَلَاحه وَظَهَرت لَهُ الكرامات وأضيف إِلَيْهِ الْوَقْف فِي قَرْيَة وقير وَغَيرهَا وَزَاد فِي الْمَسْجِد زِيَادَة مَعْرُوفَة وَأَعْمر مَا تشعث فِيهِ وجر إِلَيْهِ المَاء ثمَّ توفّي سنة 818 فَحَفَرُوا لَهُ فِي الْمقْبرَة بوقير قبرا فأجمع عوام الْبَلَد وَقَالُوا لَا يدْفن إِلَّا فِي الْمَسْجِد فَقيل لَهُم إِن ذَلِك لَا يجوز فَلم

ص: 78

يرجِعوا عَن ذَلِك وَحضر قبرانه مُعظم أهل الْبَلَد وواليها الشَّيْخ عَليّ بن الحسام فساعدهم على قبرانه فِي الْمَسْجِد فقبر بِهِ فهم يفزعون إِلَى قَبره عِنْد الْمُهِمَّات فيرون نجح مقاصدهم

وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حَامِد قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء فأجازوا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالشوافي وَسَار فيهم سيرة حَسَنَة ورزق أَوْلَادًا كثيرين نَحْو أَرْبَعَة عشر ولدا توفوا قبله إِلَّا وَاحِدًا فَإِن الله متعهُ بِهِ فَصَبر عِنْد وَفَاة أَوْلَاده واحتسب وَهُوَ يُسمى إِبْرَاهِيم قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي واجتهد بذلك وَأَجَازَ لَهُ وزوجه ابْنَته وَظَهَرت لَهُ نجابة وَحسن حَال وناب لوالده بِولَايَة الْقَضَاء فِي بعض الشوافي وَتُوفِّي هُوَ ووالده بالفناء الْأَكْبَر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى

وَمن الْمُتَقَدّم وَفَاته وأغفله المؤرخون الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن بشر بن مطرف الْهَمدَانِي من هبرة وَهِي قَرْيَة بِالْبَلَدِ الْعليا

حُكيَ عَن هَذَا الشَّيْخ أَنه كَانَ من تلامذة الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل فانتسب إِلَيْهِ هُوَ وَذريته من بعده وَذَلِكَ من أجل تحكمه على يَده لانسب ولادَة فاضت على هَذَا الشَّيْخ بَرَكَات الشَّيْخ أبي الْغَيْث وَظَهَرت لَهُ الكرامات واشتهر بالصلاح وانقادت لَهُ الرؤساء فسكن الْمَكَان الْمُسَمّى المعاين والقرية الَّتِي فَوْقه الْمُسَمَّاة ابلان وهما بَين جبل بعدان وجبل الشوافي

ص: 79

ورزق مَالا كثيرا فشرى الْأَرَاضِي بِهَذَا الْمَكَان وبوادي حدبه أَعلَى عَنهُ الْبَلَد الْمَعْرُوفَة وَكَذَلِكَ بِبَلَد بني سرحه فأوقفها الْجَمِيع طعما للوافدين إِلَى رِبَاط المعاين وَجعل مِنْهُ شَيْئا للدرسة المقيمين برباطه وَجعل ذُريَّته فِيهَا كآحاد النَّاس فَكَانَت الضيوف تفد عَلَيْهِ فيكرمهم واجتهد بِالْعبَادَة وَالصِّيَام وَالْقِيَام وَقصد لكل مُهِمّ واشتهر بالصلاح

فَمن كراماته أَن بعض الزائرين فِي حَيَاته لما أشرف من ابلان على رِبَاط المعاين وجد نَاسا كثيرا هُنَالك فَقَالَ مَا هَذِه هَيْئَة التصوف بل هَيْئَة ملك فَلَمَّا وصل إِلَى عِنْد الشَّيْخ كاشفه وَقَالَ لَهُ استكثرت علينا مَا رَأَيْت أما تعلم أننا نَحن مُلُوك الدُّنْيَا وسادات الْآخِرَة أَو كَمَا قَالَ وَمِنْهَا غير ذَلِك فِي حَيَاته مِمَّا يطول ذكره وَقد ذكرتها فِي الأَصْل

وَأما كراماته بعد وَفَاته فَإِن الله جعل هَذَا الرِّبَاط حرما آمنا يأوي إِلَيْهِ كل خَائِف فَيَأْمَن وتوضع الْأَمْوَال الجليلة فَلَا يخَاف عَلَيْهَا من أحد وَلم تزل الْحَرْب فِيمَا بَين أهل بعدان والشوافي وَكَذَلِكَ بَينهم وَبَين الْمُلُوك فَلَا يقدر أحد على أَن يُغير شَيْئا على أهل هَذَا الرِّبَاط وعَلى الْجُمْلَة فكرامات هَذَا الشَّيْخ كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر وَهِي مَشْهُورَة فَلَا نطيل بذكرها

وَمن ذُرِّيَّة هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح صارم الدّين دَاوُد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن بشر كَانَ فَقِيها صوفيا عَالما عَاملا جمع بَين طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَاجْتمعَ لَهُ من الْكتب شَيْء كثير درس وَأفْتى وَأكْرم الضَّيْف وَأحسن إِلَى الْوَافِد وَقصد للمهمات ولازم التِّلَاوَة وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة يس لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى سمي صَاحب يس فغلب عَلَيْهِ واشتهر بِهَذَا الِاسْم وَكَانَ واعظا

ص: 80

مصقعا وَقد يخْطب بِمَدِينَة إب عِنْد غيبَة خطيبها واشتهر لَهُ كرامات وَأجْمع النَّاس أَن من قصد قَبره ودعا الله تَعَالَى وتوسل بِهَذَا الشَّيْخ بِقَضَاء حَاجته قَضَاهَا الله تَعَالَى

وَمِمَّنْ أغفل ذكره المؤرخون الشَّيْخ عفيف الدّين عمرَان بن عمر صَاحب السهلة الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بِبَلَد بني نهيك أَسْفَل الشوافي حُكيَ أَنه كَانَ معاصرا للشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين عمر بن سعيد صَاحب ذِي عقيب وَأَنه من تلامذته وَأَن شَيْخه يعرف الِاسْم الْأَعْظَم وَقيل إِنَّه من تلامذة الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل وَقيل غير ذَلِك

واشتهر هَذَا الشَّيْخ عمرَان بن عمر قبل وَفَاته وَبعد وَفَاته فَكَانَ فِي حَيَاته لَهُ الْمنزلَة الرفيعة عِنْد كَافَّة النَّاس فجلل واحترم وَمن لَجأ إِلَيْهِ أَمن ثمَّ بعد وَفَاته من قصد زِيَارَة قَبره وتوسل بِهِ فِي أَمر قضى الله حَاجته وَمن اعْتدى على مَكَانَهُ فِي الْقرْيَة الَّتِي هُوَ مقبور فِيهَا عجل الله عُقُوبَته فَمن ذَلِك مَا شوهد أَن رجلا من بعدان جمع عسكرا وَقصد رباطه واعتدى بِأخذ شَيْء مِنْهُ فَعجل الله عُقُوبَته وَقطعت يَده وَمَات من ألم الْقطع بذلك الْأُسْبُوع وَله غير ذَلِك من الكرامات

وَفِي شَرْقي قَرْيَة نعيمة رجل مقبور هُنَالك وعَلى الْموضع الْمَذْكُور أَشجَار من عرم وَغَيره فَسُمي هَذَا الرجل صَاحب العرمة وَهِي شَجَرَة ثَابِتَة على يَمِين النَّازِل من عقبَة إب إِلَى السحول لَهُ فضل عَظِيم وبرهان قَاطع فَمن زار هَذَا الشَّيْخ وتوسل

ص: 81

بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فِي حَاجَة قَضَاهَا الله تَعَالَى وَقد شوهد لَهُ كرامات كَثِيرَة

وَمن أهل رِبَاط الذهوب الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الصُّوفِي كَانَ تلميذ الشَّيْخ شُجَاع الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي وَقد ذكره الجندي بتاريخه هَذَا الْقُدسِي وَلم تكن لَهُ من الذُّرِّيَّة سوى بنت فَزَوجهَا على هَذَا الشَّيْخ عفيف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الصُّوفِي وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة فَلَمَّا توفى الله تَعَالَى هَذَا الشَّيْخ الصَّالح عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي قَامَ بِمنْصب هَذَا الشَّيْخ عِيسَى الْمُقدم الذّكر وَكَانَ عابدا زاهدا لَهُ كرامات مستفيضة وقصده النَّاس للرباط وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي

وَقد حدث لَهُ ولدان نجيبان من زَوجته بنت الشَّيْخ عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي أَحدهمَا الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ وَكَانَ صواما قواما عابدا زاهدا صَالحا ظَهرت لَهُ الكرامات من ذَلِك مَا حُكيَ وَصَحَّ أَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر السيري شيخ بعدان وواليها تزوج امْرَأَة وَلم يحدث لَهُ مِنْهَا حمل وَكَانَ يطْلب الْوَلَد فَطلب هَذَا الْوَالِي الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عِيسَى الصُّوفِي وَقَالَ لَهُ أحب مِنْك الدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يَرْزُقنِي أَوْلَادًا من هَذِه الزَّوْجَة وَقد أدخلهُ عَلَيْهَا وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِأَن تَدْنُو مِنْهُ بظهرها فَفعلت ذَلِك فَقَرَأَ شَيْئا ثمَّ نفخ على ظهرهَا أَربع مَرَّات ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ هَؤُلَاءِ أَرْبَعَة مَشَايِخ يَا شيخ فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَولدت أَرْبَعَة بطُون وهم تَاج الدّين وَعبد النَّبِي والجلال وَاللَّيْث فَكل هَؤُلَاءِ توَلّوا على الحكم ببعدان كل وَاحِد مِنْهُم وَحده توفّي هَذَا الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عِيسَى قريب آخر المئة الثَّامِنَة

وَأما الْوَلَد الثَّانِي فَهُوَ الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد أسْكنهُ وَالِده بقرية معيد

ص: 82

فاشتهر بِالْعبَادَة وَظَهَرت لَهُ كرامات وجلل الْمَكَان واحترم لأَجله وَجعله النَّاس رِبَاطًا مُحْتَرما وَمن قَصده بِسوء أهلكه الله تَعَالَى عَاشَ الشَّيْخ جمال الدّين قَائِما بوظيفة الصُّوفِيَّة وَمَعَهُ الْعَصَا الَّتِي جَاءَ بهَا الشَّيْخ عمر الْقُدسِي من الْقُدس فهم يتبركون بهَا

وَحكي أَنه حصل من سُلْطَان الْوَقْت تَغْيِير حَال على بعض أهل هَذَا الرِّبَاط فَتقدم الشَّيْخ جمال الدّين وَأَخُوهُ إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ فِي متنزه بثعبات فوصلا إِلَيْهِ وَرَأى السُّلْطَان بعض الكرامات مِنْهُمَا فجللهما واحترمهما فِي مكانهما من الرِّبَاط الْمَذْكُور وَقصر من عاندهما من الْوُلَاة

ص: 83