المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول فيمن تحققنا حاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وما والى ذلك - طبقات صلحاء اليمن = تاريخ البريهي

[عبد الوهاب البريهي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌القَوْل فِي ذكر من علمنَا حَاله من الْعلمَاء والفضلاء من أهل وصاب وريمة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل بلد حراز وملحان وبرع وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من الْبِلَاد الْفُضَلَاء بمخلاف جَعْفَر وَمَا وَالَاهُ من بعض جهاته على الِاخْتِصَار والاقتصار على ذَوي الْفضل والشهرة بذلك مَعَ حذف ذكر من كَانَ دونهم مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي الأَصْل

- ‌القَوْل فِي ذكر الْفُضَلَاء وَالْعُلَمَاء من أهل مَدِينَة إب

- ‌القَوْل فِي من تحققنا حَاله من الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء من أهل ذِي جبلة مِمَّن اشْتهر وَظهر فَضله وَعلمه وصلاحه فِي المئة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل جبل سورق وبلد العربيين وصهبان والجند ومعشار الدملوة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من أهل قَائِمَة بني حُبَيْش وَجبن والمقرانة ودمت وخبان والربيعين وَحجر وصهيب وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَدِينَة تعز وصبر وَذخر وَمَا والاها والوافدين إِلَيْهَا من الْعلمَاء المتوفين بهَا

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وَمَا والى ذَلِك

- ‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من المتوفين بِمَدِينَة زبيد وَمَا والاها

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل لحج وعدن وَمن توفّي هُنَاكَ مِمَّن وَفد إِلَيْهَا

- ‌القَوْل فِي ذكر من تحققت حَاله من الوافدين إِلَى الْيمن من الْعلمَاء والفضلاء من أقطار شَتَّى وَلم تكن وَفَاته فِيهِ

الفصل: ‌القول فيمن تحققنا حاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وما والى ذلك

‌القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وَمَا والى ذَلِك

فَأَما سكان المخا فَمنهمْ الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي الشاذلي كَانَ من الْعلمَاء الْعباد والصلحاء الزهاد والسادة الأمجاد أَصله من الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة بِأَهْل القرشية سَافر إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ سَافر إِلَى الْقُدس الشريف فاجتهد بِالْعبَادَة وَالْقِرَاءَة وتهذيب نَفسه وصحبته للصالحين حَتَّى أنار قلبه وَلزِمَ طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَكَانَ مِمَّن جمع الْعلم وَالْعَمَل أما الْعلم فَإِنَّهُ كَا يحفظ من كتب الحَدِيث المصابيح للْإِمَام الْبَغَوِيّ وَغير ذَلِك وَمن كتب الْفِقْه الْوَسِيط للغزالي والمنهاج للنووي وَغير ذَلِك وَمن كتب النَّحْو التسهيل ومقدمة ابْن الْحَاجِب وَكتب الشَّيْخ أثير الدّين

ص: 264

أبي حَيَّان والتبديل والتعميل والتذكرة وَكَانَ لَا يفارقها سفرا وَلَا حضرا وَمن كتب الْقرَاءَات الشاطبية والعقيلة وَغير ذَلِك

وَأما الْعِبَادَة فَإِنَّهُ كَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام حَتَّى كَأَن الْقِيَامَة بَين يَدَيْهِ وَالنَّار نصب عَيْنَيْهِ أخْبرت أَنه لما اجْتهد بِالْعبَادَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَلزِمَ طَريقَة الشاذلية وَكَانَ شيخها حِينَئِذٍ الشَّيْخ نَاصِر الدّين الميلقاني وَكَانَ يُقَال لَهُ الطقب بوقته وَكَانَ تولى الْقَضَاء الْأَكْبَر بِمصْر ثمَّ عزل نَفسه واشتهر بِالْفَضْلِ غَايَة الشُّهْرَة فقصده الشَّيْخ شمس الدّين من بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا كَانَ بَينه وَبَين مصر مرحلتان تَلقاهُ بعض أَصْحَاب الشَّيْخ نَاصِر الدّين براحلة ركب عَلَيْهَا وزفه إِلَيْهِ بالترحيب والبشارة فِي الْخَيْر وَذَلِكَ على غير ميعاد فعد ذَلِك من كرامات الشَّيْخ الميلقاني فَدخل إِلَيْهِ مصر وَهُوَ يخْطب فَأمره أَن يقْرَأ الحَدِيث وَالْفِقْه على الإِمَام ابْن النَّحْوِيّ مُصَنف شرح

ص: 265

الْمِنْهَاج فَقَرَأَ وَأَجَازَ لَهُ وتأدب بآداب الشَّيْخ نَاصِر الدّين الميلقاني وَصَحب جمَاعَة من الشُّيُوخ كالشيخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمَشْهُور بزقاعة والشاب التائب وَغَيرهمَا وعقدوا الْأُخوة فِيمَا بَينهم وَأقَام بِمصْر نَحْو ثَلَاث سِنِين ثمَّ قَالَ لَهُ الشَّيْخ ابْن الميلقاني اذْهَبْ حَيْثُ ينشرح صدرك وودعه فسافر من مصر إِلَى الْحَبَشَة وَأقَام بهَا وَتزَوج بهَا أُخْت الشَّيْخ سعد الدّين سُلْطَان الْيمن بِالْحَبَشَةِ فَولدت لَهُ أَوْلَادًا هُنَالك ثمَّ سَار بهم فَرَكبُوا فِي الْبَحْر إِلَى المخاء فَلَمَّا وصل إِلَى هُنَالك وَافق وُصُوله خوف امْرَأَة من ذَوَات الْأَمْوَال ادعِي على وَلَدهَا بقتل فاستجارت وَوَلدهَا بالشيخ شمس الدّين الْقرشِي الْمَذْكُور وَسَأَلته أَن يشفع لَهَا إِلَى الْوَالِي بِالنّظرِ بِحَالِهَا وَعدم الْقَتْل لولدها وبمالها وهم بِبَلَد العقارب فشفع لَهَا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَطلب مِنْهُ بعض كبراء الْبَلَد الْإِقَامَة عِنْده فَأَقَامَ مكرما فَعلم أَخُو الْمَقْتُول بشفاعة الشَّيْخ شمس الدّين فهم أَن يفتك بالشيخ شمس الدّين ويضربه بِالسَّيْفِ فَالْتَفت إِلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين فَدَعَا عَلَيْهِ فصرع فَحَمَلُوهُ إِلَى بَيته فَمَكثَ أَيَّامًا أَو نَحوه وَمَات فَجَاءَت قبيلته إِلَى الشَّيْخ شمس الدّين وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَكَانَت هَذِه أول كَرَامَة ظَهرت لَهُ ثمَّ ظَهرت لَهُ بعد ذَلِك كرامات كَثِيرَة ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل مِنْهَا أَنه حدث على ولد السُّلْطَان النَّاصِر الْمُسَمّى مُحَمَّد جُنُون وَخَالف عَلَيْهِ أَخُوهُ حُسَيْن مَعَ الرُّتْبَة بحصن تعز فقبضوا حصن تعز عَلَيْهِ فَأرْسل السُّلْطَان رَسُولا إِلَى الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي يطْلب مِنْهُ الدُّعَاء بعافية وَلَده وَرُجُوع الْحصن وَإِن لم

ص: 266

يفعل وصل إِلَيْهِ السُّلْطَان لذَلِك فجوب للسُّلْطَان ودعا لَهُ فَعُوفِيَ وَلَده وَرجع الْحصن إِلَيْهِ فَأمر السُّلْطَان بِدفع أَرْبَعَة آلَاف مِثْقَال لَهُ فَامْتنعَ من قبضهَا ثمَّ أَمر السُّلْطَان أَن يَجْعَل لَهُ من النخيل ألف نَخْلَة وَمن الْأَرَاضِي شَيْء كثير فَامْتنعَ من ذَلِك أَيْضا

وَمِنْهَا أَنه كَانَ يفد إِلَيْهِ الضَّيْف وَلم يكن مَعَه فِي بعض الْأَوْقَات مَا يتجمل بِهِ إِلَيْهِم وَيَقُول لَهُ أهل بَيته مَا عندنَا شَيْء فَيَقُول انْظُرُوا فِي الانية الَّتِي يكون فِيهَا السّمن وَالْعَسَل فَإِنَّكُم تَجِدُونَ ذَلِك فِيهَا مَعَ علمهمْ أَنه لَيْسَ فِيهَا شَيْء فيذهبون فيجدون فِيهَا ذَلِك هَذَا بعض كراماته

وَأما تَحْقِيق حَاله فقد قَالَ تِلْمِيذه الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر الْقرشِي الْحَضْرَمِيّ لما سُئِلَ عَن حَالَة شَيْخه الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي مَا مِثَاله كَانَ يتَكَلَّم فِي أسرار الْحُرُوف والأسماء ومقامات الصديقين ومراتب المقربين وَرِجَال الْغَيْب والأبدال والأوتاد والأفراد والقطب وتنزيلات المدد ولطائف الْإِلْقَاء وأكابر الملقين وخصائص الْمُتَّقِينَ ومذهبه الفناء بِاللَّه والتثريب الْكُبْرَى والإيناس يُوسع على المريدين وَيحمل عَنْهُم التَّعَب وينفي المشاق ويتصرف بِحكم الله فِي الْقُلُوب والقوانين

قَالَ خدمته خمْسا وَعشْرين سنة مَا أَتَى عَليّ يَوْم إِلَّا وأسمع مِنْهُ كلَاما غير الأول من محَاسِن الشَّرِيعَة فِيمَا هُوَ مدد الوراثة المحمدية وَالْعلم اللدني الرباني وَغير ذَلِك مِمَّا قد طَال تعداده وذكرته فِي الأَصْل

وَكَانَ مُعظم الشُّيُوخ وَالْعُلَمَاء من أهل الْيمن فِي عصره يثنون عَلَيْهِ ويزورونه بِقصد التَّبَرُّك والمؤاخاة فِي الله تَعَالَى مِنْهُم الشريف الحسيب أَحْمد بن مُحَمَّد الرديني وَمِنْهُم الشريف يحيى بن أَحْمد الْمسَاوِي وَكَانَ يَأْتِيهِ إِلَى المخا لزيارته

ص: 267

وَقَالَ فِيهِ

(كل عين ترَاهُ فِي كل حِين

تِلْكَ عين من الْعَمى فِي أَمَان)

فَلَمَّا سمع هَذَا الْبَيْت ذيله عَلَيْهِ الشَّيْخ الْقرشِي ارتجالا وَقَالَ

(هَذِه الْعين تجتلى لمليح

آنسته على الْكَثِيب الْيَمَانِيّ)

وَكَانَ مِمَّن يعظمه الشَّيْخ الْعَارِف برهَان الدّين إِبْرَاهِيم صَاحب حيران وَكَذَلِكَ الشَّيْخ الإِمَام القطب الْوَارِث للأسرار كثير الْأَنْوَار إِبْرَاهِيم بن أَحْمد القديمي الحسني وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْمُحَقق أَبُو بكر بن مُحَمَّد المحجوب وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم القطب رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عِيسَى الزَّيْلَعِيّ وصل إِلَيْهِ إِلَى المخا للزيارة فَهَؤُلَاءِ أجل من اشْتهر بالصلاح من صلحاء تهَامَة وَقد شهد لَهُم المؤرخون بِالْولَايَةِ وَهُوَ معترفون بِفضل هَذَا الشَّيْخ شمس الدّين وهم من أهل عصره

وَمن شعره مَا كتبه إِلَى الشَّيْخ الصَّالح عماد الدّين يحيى بن أَحْمد الأهدل القصيدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَولهَا

(بِالْحَمْد مفتتحي أَمَام مقاصدي

وَبهَا اختتامي لانتظام فوائدي)

وَهِي طَوِيلَة قد أثبتها فِي الأَصْل

وَقد مدح الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي بغرر من القصائد من ذَلِك مَا قَالَه فِيهِ صَاحبه الشَّاب التائب وَعرض فِيهِ بمذهبهم فِي اتِّبَاع أبي الْحسن الشاذلي فَقَالَ من قصيدة أَولهَا

ص: 268

(سر الإِمَام الشاذلي أبي الْحسن

إِرْث سرى بمخا من حَيّ الْيمن)

وباقيها فِي الأَصْل وَمِمَّا قَالَ فِيهِ الشَّاب التائب

(عظم مخاء إِذا وصلت وقدسا

فترى بِهِ للشاذلية قدسا)

وباقيها فِي الأَصْل

ثمَّ كتب إِلَيْهِ صَاحبه الشَّيْخ الْوَلِيّ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمَشْهُور بِابْن زقاعة مَا مِثَاله

(عين حبي ولامه

ثمَّ يَاء تَمَامه)

(شاهدات بأنني

من قديم علامه)

(مغرم طول عمري

مَا تناهى غرامه)

(ساهر طاوي الحشا

ناحلات عِظَامه)

(فَهُوَ فِي النَّار برده

لَو أَتَاهُ سَلَامه)

(شام برقا يَمَانِيا

قَالَ هذاك شآمه)

(كلما هبت الصِّبَا

فاح طيبا خزامه)

(وَصله يَوْم عيدنا

لحرام صِيَامه)

(بمديح خدمته

مثل در نظامه)

(فَهُوَ للْعلم جَامع

وَهُوَ عِنْدِي إِمَامه)

فجوب الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي بِمَا مِثَاله

(همزَة ترقب الْألف

بسطة الْبَاء تأتلف

رَاء ريم برامه)

(زارني وَهُوَ منتصف

فهت بِالْهَاءِ هاتفا

هاك وصفيك ذَاك صف)

(دارت اليا بمية

مِيم مي بهَا عرف

مَاء مزن نُزُوله)

(بالمقامين فاغترف

خُذ سلافا معتقا

خندريسا بهَا ارتشف)

(عد إِلَى مَا ذكرته

يشْهد الرقم بالكتف

قَامَ تركيب شكله)

(من قديم لَدَيْهِ قف

فاستقامت هياكل

من قوى قامة الْألف)

(هَذِه دَار عزة

عز بِالْعينِ ملتحف

تشهد الْخلّ فِي حمى)

ص: 269

(رية الْخَال معتكف

أهيف الْقد أملد

للرياحين مقتطف)

(جَاءَنِي الزهر جملَة

يَأْتِي الزهر مؤتلف

وبمنظار عزة)

(أَنْعَمت نعم بِالْألف

)

قلت الشَّيْخ إِبْرَاهِيم أودع أبياته حُرُوف اسْم الشَّيْخ عَليّ الْقرشِي وَالشَّيْخ الْقرشِي أودع أبياته اسْم الشخ إِبْرَاهِيم وَذَلِكَ ظَاهر

توفّي الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالمخا وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ رحمه الله ونفع بِهِ

وَقد ذكرت فِي الأَصْل جملَة من أشعار الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا حصل بَينه وَبَين صَاحبه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة من مطارحة وأشعار وَذكرت للشَّيْخ إِبْرَاهِيم فَضَائِل أَيْضا وقصائد كَثِيرَة فَمن أَرَادَ مطالعة ذَلِك فلينظره رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَجمع بَيْننَا وَبَينهمَا فِي دَار كرامته

وللشيخ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي أَوْلَاد نجباء أنجبهم الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الرؤوف كَانَ وَالِده يلقبه بِأبي المكارم وَكَانَ النَّاس تبجله يَوْمئِذٍ فِي حَيَاة وَالِده فَلَمَّا توفّي وَالِده قَامَ بِمَا قَامَ بِهِ وَالِده من إكرام الضَّيْف وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد وبذل مَا بِيَدِهِ الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَغَيرهم فَعلم النَّاس أَن تَسْمِيَة وَالِده لَهُ بِأبي المكارم كَرَامَة لَهُ حَتَّى كَانَ لَا يرد سَائِلًا وَقل أَن يمسك شَيْئا مِمَّا يَقع بِيَدِهِ بعد أَن فتحت لَهُ الدُّنْيَا وَملك مِنْهَا شَيْئا كثيرا أنفقهُ فِي طرق الْخَيْر وَقيل أَنه خرج من جَمِيع مَاله مَرَّات صَدَقَة لله تَعَالَى وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة كثير الصّيام وَالْقِيَام وَالذكر والتلاوة مَقْصُودا للمهمات وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي قريب سنة خمسين وثمانمئة وقبره عِنْد وَالِده رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الشَّيْخ الزين كَانَ يحذو حَذْو وَالِده وأخيه بِالْعبَادَة وأفعال الْخَيْر وَهُوَ وَأَخُوهُ أمهما بنت الشَّيْخ سعد الدّين الَّتِي تزَوجهَا والدهما بِالْحَبَشَةِ وَهَذَا الشَّيْخ الزين هُوَ الَّذِي استجارت بِهِ جِهَة شَقِيق أُخْت السُّلْطَان الظَّاهِر الغساني من ابْن أَخِيهَا

ص: 270

الْأَشْرَف بن الظَّاهِر لما أَمر بإغراقها فِي الْبَحْر فَقبل شَفَاعَته فِيهَا ثمَّ بعد رُجُوعهَا إِلَيْهِ اغتالها الْأَشْرَف وقتلها فَقيل إِنَّه دَعَا عَلَيْهِ الشَّيْخ الزين فَلم ينْتَفع بِنَفسِهِ بعد ذَلِك بل مَاتَ وتفرق أَوْلَاده وَأَهله وَذَلِكَ ببركة هَذَا الشَّيْخ

وَأما أهل موزع فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الزَّاهِد العابد جمال الدّين مُحَمَّد بن نورالدين الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا عَالما علمه كالعارض الهاطل المتحلي بتصانيفه جيد الزَّمَان العاطل مُسْتَقر المحاسن وَالْبَيَان ومستودع الإبداع وَالْإِحْسَان فَخر الْيمن وبهجة الزَّمن الصبور الْوَصْل للرحم الْخُشُوع لَهُ الباع الطَّوِيل فِي علم الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو والمعاني وَالْبَيَان واللغة أَخذ ذَلِك على مشائخ كَثِيرَة بعد انْقِطَاعه عَن بَلَده وَأَهله وخدمته للْعلم الشريف وتورعه عَن أَمْوَال النَّاس وَعَن قبض شَيْء من الْوَقْف الْمعد لأهل الْأَسْبَاب وَغير ذَلِك وَكَانَ مُدَّة قِرَاءَته بِمَدِينَة زبيد تصله نَفَقَة من بَلَده من شَيْء يعْتَقد حلّه فَانْقَطَعت عَلَيْهِ نَفَقَته أَيَّامًا فَأمر الإِمَام جمال الدّين الريمي نَائِبه أَن يصرف لَهُ من الطَّعَام فِي كل يَوْم شَيْئا معينا فَأعْطَاهُ ذَلِك فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع جَاءَ إِلَيْهِ النَّائِب بِنَفَقَتِهِ فَامْتنعَ من قبضهَا فَلَمَّا علم الإِمَام الريمي بذلك سَأَلَهُ عَن السَّبَب لامتناعه من قبض النَّفَقَة فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَلم يقبل عذره وألح عَلَيْهِ فِي تَبْيِين سَبَب الِامْتِنَاع فَقَالَ الإِمَام نور الدّين إِنَّه أظلم قلبِي من يَوْم قبضت النَّفَقَة من نائبك فَلَا حَاجَة لي بهَا

وَمن مشايخه غير الإِمَام الريمي جمَاعَة من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم فَلَمَّا انْتفع وأجازوا لَهُ بِجَمِيعِ فنون الْعلم درس وَأفْتى واشتهر ورزق الْقبُول عِنْد الْخَاصَّة والعامة وَسكن بَلْدَة موزع

ص: 271

وَلما ظَهرت كتب ابْن عَرَبِيّ وَكَانَ المتصدي لشرائها الشَّيْخ أَحْمد الرداد أنكر عَلَيْهِ الإِمَام ابْن نور الدّين وشنع على مطالعتها فَلَمَّا علم ابْن الرداد بذلك وَهُوَ مُتَوَلِّي الْقَضَاء الْأَكْبَر أحضرهُ من بَلَده إِلَى مَدِينَة زبيد وَذَلِكَ فِي الدولة الناصرية الغسانية فَلَمَّا وصل اجْتمع مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء والصوفية فِي مجْلِس حافل وَطلب ابْن الرداد مناظرته فَأَقَامَ الإِمَام مُحَمَّد بن نور الدّين حجَّته بِبُطْلَان كَلَام ابْن عَرَبِيّ فِي كتبه فهمت الصُّوفِيَّة بِالْفَتْكِ بِالْإِمَامِ نور الدّين فَقَامَ بنصرته الْأَمِير مُحَمَّد بن زِيَاد فخلصه مِنْهُم ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فصنف كتابا فِي الرَّد على ابْن عَرَبِيّ وَسَماهُ كتاب كشف الظلمَة عَن هَذِه الْأمة وصنف كتبا فِي غير ذَلِك مِنْهَا تيسير الْبَيَان فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَكتاب مصابيح الْمعَانِي فِي حُرُوف الْمعَانِي فِي النَّحْو وَكَانَ يستنبط الْفُرُوع الصَّحِيحَة والفوائد الغريبة مَا يقر لَهُ النَّاظر ويبتهج بِهِ الخاطر وَملك من الْكتب المسموعات كثيرا وضبطها أحسن ضبط وصححها وَكتب عَلَيْهَا فِي الْحَوَاشِي مَا جَوَابه تَحت كَلَام الْأَئِمَّة مِمَّا يبتهج بِهِ المحصلون وَكَانَ ذَا صَدَقَة وأفعال للخير كَثِيرَة يبْدَأ بأقاربه وجيرانه ثمَّ يعم كل مُحْتَاج علم بِهِ أَو وصل إِلَيْهِ وَلَا يدّخر فِي بَيته إِلَّا مَا يسد بِهِ خلته فِي وقتهم وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ بعمارة جَامع موزع وَلما عجز عَن تَمَامه أرْسلت إِلَيْهِ جِهَة فرحان زَوْجَة السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الإفضل بِمَال جزيل تمم بِهِ عمَارَة الْجَامِع وَاشْترى بِالَّذِي بَقِي مِنْهُ أَرضًا أوقفها على الْجَامِع وَظَهَرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته وَكَانَ مجاب الدعْوَة توفّي بعد سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه

ص: 272

ثمَّ خَلفه وَلَده شمس الدّين عَليّ فِي الْإِحْسَان إِلَى من قَصده واشتهر بِالْكَرمِ وَكَانَ ذَا مَال جزيل قضى مِنْهُ جَمِيع دين وَالِده مِمَّا لم يكن خَلفه لَهُ وَالِده وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد أَن جمعت هَذَا الْمَجْمُوع على طَريقَة مرضية طَالبا للْعلم الشريف

وَمِنْهُم الْفَقِيه جمال الدّين الحجاري بالراء الْمُهْملَة قَرَأَ بالعلوم على الإِمَام ابْن نور الدّين وَتزَوج ابْنَته الْحرَّة خَدِيجَة وَكَانَت ذَا فضل عَظِيم وَعبادَة وزهادة مِمَّا يعجز عَنهُ كثير من الرِّجَال وَتَوَلَّى الْفَقِيه جمال الدّين الحجاري الْقَضَاء بموزع وَكَانَ ورعا يصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَتُوفِّي قريب سنة عشْرين وثمانمئة

وَمِنْهُم وَلَده الطّيب قَرَأَ بالفقه على بعض فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واشتهر وعد من عُلَمَاء وقته وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْكتاب

وَمن أهل موزع الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن عبد الله الْخَطِيب فَهَذَا عبد الله الْخَطِيب هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ بَنو الْخَطِيب الْجَمِيع الَّذين بموزع وَغَيرهم وَقد ذكره الجندي وَقَالَ كَانَ خَطِيبًا بقرية أبين ومولده بهَا وَكَانَ ذَا عبَادَة وزهادة وَأما هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين فأجمع أهل بَلَده على صَلَاحه وَظُهُور الكرامات لَهُ مِنْهَا أَنه كَانَ لَهُ أَوْلَاد أكبرهم ولد يُسمى مُحَمَّد غَابَ عَنهُ إِلَى بَلْدَة بعيدَة فَوقف الْفَقِيه رَضِي الدّين بَين جمَاعَة يَخُوضُونَ فِي أَحَادِيث فانزعج من بَينهم الْفَقِيه رَضِي الدّين وَقَالَ وَلَدي مُحَمَّد وَلَدي مُحَمَّد وَجعل يُكَرر ذَلِك وَيُشِير بِيَدِهِ وَلم يبين لَهُم معنى كَلَامه فأرخوا ذَلِك فَظهر أَن وَلَده مُحَمَّد حِينَئِذٍ كَانَ فِي سفينة فغرقت السَّفِينَة فِي الْبَحْر بِمن فِيهَا فَتعلق الْفَقِيه جمال الدّين بِشَيْء وقذفته الأمواج حَتَّى

ص: 273

أخرجته إِلَى الْبر سالما ببركة أَبِيه فَكَانَ هَذَا الْوَلَد فَقِيها مقربا من الْعلمَاء العاملين درس وَأفْتى وسافر إِلَى أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة ثمَّ دخل مَدِينَة تعز فَتوفي فِيهَا بأوائل المئة التَّاسِعَة

وَله أَوْلَاد أحدهم عبد الله كَانَ فَقِيها مجودا درس وَأفْتى وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته هُوَ وَلَا جده

وَالثَّانِي اسْمه إِسْمَاعِيل اشْتهر بِالْعبَادَة وشارك بِشَيْء من علم الْفِقْه

وَالثَّالِث اسْمه إِبْرَاهِيم كَانَ أَكثر اجْتِهَادًا من إخْوَته بِالْعبَادَة والزهد والورع

وَالرَّابِع اسْمه أَبُو بكر وَهُوَ الْمجمع على جلالته وَهُوَ أَنْجَب إخْوَته وأعلمهم كَانَ عَالما عَاملا ورعا زاهدا معاصرا للْإِمَام ابْن نور الدّين الْمُقدم ذكره قَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى غَيره بالفقه والنحو والْحَدِيث واللغة وَالتَّفْسِير ودرس وَأفْتى وَتخرج بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم واشتهر بالورع وَالصَّلَاح وَلما توفّي الله تَعَالَى شَيْخه الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن نور الدّين ألقيت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فَبَقيَ وحيد عصره فِي بَلَده وَقد يخْتَلف إِلَى مَدِينَة زبيد فيستفيد ويفيد وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاة أحد من هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنِّي أخْبرت أَن الْجَمِيع توفوا بِهَذِهِ المئة التَّاسِعَة

وَمن بني الْخَطِيب الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْخَطِيب كَانَ مشاركا بِشَيْء من الْعُلُوم مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة ورعا زاهدا حكى الثِّقَة عَنهُ أَنه كَانَت لَهُ أَرض يملكهَا وَكَانَ يَليهَا أَرض هِيَ وقف وَكَانَ يملك أثوارا تحرث أرضه فَأرْسل أجيره بأثواره ليحرثن أرضه فَاحْتَاجَ الَّذِي بِيَدِهِ الأَرْض الْوَقْف إِلَى حرث شَيْء قَلِيل من أرضه فَقَالَ لأجير الْفَقِيه رَضِي الدّين احرث لي فحرث لَهُ بهَا فَعلم الْفَقِيه رَضِي الدّين فَأمر بِغسْل الأثوار والآلة الَّتِي حرث بهَا وألزم الْأَجِير أَن يغسل يَدَيْهِ حَتَّى لَا يخْتَلط شَيْء من غُبَار الأَرْض الْوَقْف بِملكه تورعا ثمَّ توفّي

ص: 274

وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ مَوْجُودا بعد الْعشْر من هَذِه المئة الثَّامِنَة

وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله الْخَطِيب قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته من أهل موزع وَغَيرهم مِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين بن جعمان فَانْتَفع وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع فحمدت سيرته ثمَّ انْفَصل عَنهُ واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ يقوم فِي كل لَيْلَة بِثلث ختمة من الْقُرْآن وبأكثر من ذَلِك وَكَانَ خاضعا خَاشِعًا إِذا قَامَ للصَّلَاة جمع قلبه وأحضر ذهنه وأزال عَن قلبه شواغل الدُّنْيَا فَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء من الْحَوَادِث وَلَا يفكر بِمَا يشغل قلبه من غير الصَّلَاة بل دأبه الْقيام بِجلَال الله سبحانه وتعالى توفّي بِمَكَّة المشرفة سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة

وَمن أهل موزع الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن هَارُون قَرَأَ على الْفَقِيه شهَاب الدّين الْمُقدم ذكره بموزع وبالسلامة على الْفَقِيه شرف الدّين حُسَيْن الْيَمَانِيّ وعَلى غَيرهمَا بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث وَغير ذَلِك فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ لَا يغتاب أحدا وَلَا يحضر مَجْلِسا يكون فِيهِ غيبَة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع فَسَار فيهم سيرة مرضية واجتهد بِالْعبَادَة وَالْقِيَام بِاللَّيْلِ للصَّلَاة ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن هَارُون قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْمُقدم ذكرهم بموزع وبغيرها وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ مُجْتَهدا بالصيام وَالْقِيَام وَالذكر والتلاوة وَجعل راتبه فِي كل يَوْم ثلث ختمة وبالليل مثل ذَلِك أَو قَرِيبا مِنْهُ ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة مَحْفُوظ بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْحَضْرَمِيّ أَخذ الْفِقْه عَن الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر الْخَطِيب الْمُقدم الذّكر وَعَن غَيره فأجازوا لَهُ

ص: 275

فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة وَله ذهن ثاقب وفطنة كَامِلَة واجتهاد عَظِيم بالبحث عَن الْمسَائِل الدقيقة وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام وَمن أَوْلِيَاء الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء الزاهدين وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي الْحَيَاة آخذ بِالزِّيَادَةِ من أَفعَال الْخَيْر

وَمِنْهُم الْمَشَايِخ الْفُضَلَاء الصلحاء بَنو سَلامَة وَقد ذكر الخزرجي بتاريخه الشَّيْخ رَضِي الدّين ابا بكر ابْن سَلامَة وَأثْنى عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَالصَّلَاح وَأَنه ظَهرت لَهُ الكرامات وأرخ وَفَاته وَلم يزدْ على ذَلِك

ثمَّ خَلفه من بعده وَلَده النجيب الشَّيْخ الصارم الْعَالم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد أخبر الثِّقَة عَنهُ أَنه كَانَ عَالما عَاملا جَامعا بَين طَريقَة الشَّرِيعَة والحقيقة وَغلب عَلَيْهِ علم الحَدِيث وَالتَّفْسِير والنحو واللغة لَهُ فِي ذَلِك الْيَد الطُّولى أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة من الْعلمَاء فِي بَلَده وَغَيرهَا وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم أخبر من يعرفهُ أَنه كَانَ أنصح الْأمة فِي وقته وَله مُصَنف سَمَّاهُ الرَّوْض الأغن فِي معرفَة الصَّالِحين بِأَرْض الْيمن دَامَ هَذَا الْفَقِيه على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن بني سَلامَة الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن أبي بكر بن سَلامَة كَانَ مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة وَحكي أَن راتبه فِي كل يَوْم قِرَاءَة ختمة شريفة وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي علم الْفِقْه والْحَدِيث وَمَعْرِفَة تَامَّة فِي علم الْفَرَائِض والجبر والمقابلة وَعلم التصوف وَكتب الزّهْد وَمن مشايخه الشَّيْخ الْعَفِيف بن المسن صَاحب ذبحان ورزق هَذَا الشَّيْخ عفيف الدّين مَالا كثيرا وَكَانَ لَهُ الجاه العريض عِنْد أهل الْأَمر مسموح على أرضه من اسْم الْخراج وَنظر على رِبَاط الشَّيْخ الْوَلِيّ أَحْمد بن علوان بقرية

ص: 276

يفرس فَقدم على الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم صَاحب الكدهية بِوَجْه شَرْعِي وقصده السُّلْطَان الْملك المسعود إِلَى موزع وَسَأَلَ مِنْهُ الدُّعَاء بِأَن يفتح الله عَلَيْهِ بِقَبض عدن الثغر الْمَشْهُور فَدَعَا لَهُ فاستجيب لَهُ وَقَبضهَا وَأحسن إِلَيْهِ أحسانا تَاما وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة وعمره خمس وَتسْعُونَ سنة

وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عبد الله كَانَ من الْفُضَلَاء الأخيار وَله اجْتِهَاد بِالْعبَادَة وانتقلت إِلَيْهِ رئاسة أهل هَذَا الْبَيْت إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَسبعين وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمن أهل الخوهة على سَاحل الْبَحْر الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن دعسين الْقرشِي أَخذ بالفقه عَن وَالِده وَعَن الإِمَام مُحَمَّد بن نور الدّين وَعَن غَيرهمَا وَلَيْسَ هَذَا شيخ الإِمَام الريمي وَإِن كَانَ اسْمه وَاسم أَبِيه كاسم ذَاك وَاسم أَبِيه فَذَاك قد ذكره الخزرجي بتاريخه وَهَذَا حدث بعده كَانَ إِمَامًا عَالما أَخذ الْفِقْه عَن الْأَئِمَّة بوقته فَأفْتى ودرس واشتهر حَتَّى قصد للمهمات وللإفادة وَأخذ عَنهُ الْفِقْه جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه يُوسُف بن مُحَمَّد السكْسكِي وَابْن أَخِيه الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر وَغَيرهمَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع ثمَّ عزل نَفسه عَنهُ فاجتهد بِالْعبَادَة

ص: 277

وَنشر الْعلم وَكَانَ من أكَابِر الصَّالِحين بوقته يظْهر فِي وَجهه نور الْعِبَادَة وَالصَّلَاح من قيام اللَّيْل وَكَثْرَة التِّلَاوَة لكتاب الله تَعَالَى وَرُبمَا ختم فِي يَوْمه وَلَيْلَته ختمتين ورتب مدرسا فِي الْمدرسَة الياقوتية بقرية حيس فِي آخر عمره فدرس وَسكن هُنَالك إِلَى أَن توفّي بِشَهْر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة وَحمل فِي آخر رَمق من قَرْيَة حيس إِلَى الخوهة وَمَات وَدفن بهَا وَهِي قَرْيَة على مرحلة من حيس رحمه الله ونفع بِهِ آمين

وَأما ابْن أَخِيه الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر الْآخِذ عَنهُ فَأخْبرت أَنه رجل مبارك قَامَ يمنصب أَهله وَكَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة ومشاركة بِشَيْء من الْعُلُوم وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

وَمن أهل هَذِه الْقرْيَة الْمَذْكُورَة الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشَّيْبَانِيّ كَانَ فَقِيها ورعا أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر بن أَحْمد بن دعسين الْمُقدم الذّكر وَأخذ بالنحو عَن الإِمَام جمال الدّين الْمَقْدِسِي واشتهر بِعلم النَّحْو وَكَانَ متواضعا لَا يَأْكُل إِلَّا من عمل يَده يشْتَغل القفاع من خوص الدوم ويحملها على ظَهره من الخوهة إِلَى حيس فيبيعها ويقتات من ثمنهَا وَكَانَ لَهُ فِي مقدم رَأسه غرَّة من الشّعْر فَرَأى بعض الأخيار النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَهُوَ يقبله فِي تِلْكَ الْغرَّة فجَاء إِلَيْهِ صَاحب الرُّؤْيَا وَقصد الْفَقِيه وَقَبله فِي الْموضع الَّذِي رأى فِي الْمَنَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقبله وبشره بالرؤيا وَكَانَ لَهُ غنيمات يرعاهن وَلَده على سَاحل الْبَحْر فَخرجت العبيد أَيَّام فتنتهم يُرِيدُونَ النهب من الخوهة وساحلها فَلَمَّا علم بهم خرج

ص: 278

الْفَقِيه يحفظ غنمه فَوَجَدَهُ العبيد فَقَتَلُوهُ وَذَلِكَ سنة سبع وَأَرْبَعين وثمانمئة فَحمل إِلَى الخوهة وقبر بهَا

وَرَآهُ بعض أَصْحَابه فِي الْمَنَام فَقَالَ يَا فَقِيه جمال الدّين أَنْت مت فَقَالَ نعم فَقَالَ كَيفَ وجدت الْمَوْت فَقَالَ لَهُ أعلمك أَن الْمَوْت خير من الْحَيَاة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن أهل موزع الأديب جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الجبرتي كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالنحو واللغة وبحور الشّعْر وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة وبديهة رائعة مدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم بغرر من القصائد مِنْهَا القصيدة الَّتِي جعلهَا على قافية قصيدة المزاح الَّتِي أَولهَا

(يَا أهل طيبَة أَيْن الْغَوْث والمدد

وَأَيْنَ غارتكم وَالْعد وَالْعدَد)

فَقَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مادحا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم من قصيدة كَبِيرَة ذكرتها فِي الأَصْل أَولهَا

(للظاعنات عَن الأوطان فِي كَبِدِي

منَازِل لم تحل عَنْهَا وَلم تحد)

وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا أَجَاد فِيهِ وَتُوفِّي بِصَنْعَاء رحمه الله ونفع بِهِ آمين

وَمن أهل الأوشج الْفَقِيه عبد الله بن أبي بكر المزاح الشَّاعِر الْمَشْهُور قَالَ فِيهِ بَعضهم إِنَّه أشعر شعراء الْيمن وَأشهر فصحاء الْيمن وَله قصَّة فِي ابْتِدَاء شعره ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ بعض أشعاره المستحسنة فِي التوسل وَغَيره وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة

وَمن أهل العارة الشَّيْخ الْفَقِيه شُجَاع الدّين سعيد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن

ص: 279

عمر بن مشمر كتب إِلَيّ صَاحِبي الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المغربي لما سَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ الشَّيْخ الْعَالم الإِمَام جَامع أشتات الْفَضَائِل لوذعي ألمعي أريحي ذكي حبر صمصامة عالي النّسَب شامخ الْبَنَّا وينسب إِلَى عك وَكَانَ لأسلافه الشل والحط لم يزل مجدهم يتوارثه الْأَعْيَان إِلَى الْآن على من حَولهمْ من الْعَرَب وإليهم الْأَمر وَالنَّهْي وَسَائِر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فِي بلدهم وَلَهُم الدولة على من حَولهمْ من الْعَرَب ولد الشَّيْخ سعيد الْمَذْكُور سنة إِحْدَى عشرَة وثمانمئة فَلَمَّا كبر كَانَ لَهُ من البراعة وسجية الطوية واللسن الفصيح وَالْقَوْل الصَّرِيح مَا يبتهج بِهِ النَّاظر ويفرح بِهِ الخاطر وَفِيه من الْوَفَاء والإنصاف وَشرف النَّفس وعلو الهمة مَا يسْتَوْجب بِهِ الْحبّ وَله الْمُشَاركَة العجيبة التَّامَّة فِي أَنْوَاع شَتَّى من الْعُلُوم وَلَا يفقد عِنْد كل فن من الْفُنُون لطيف الشَّمَائِل عذب المراسن متسع المحاسن وَإِذا دَعَا النّظم أَجَابَهُ وَله اشْتِغَال فِي علم العقائد وَالْفُرُوع وَلَا يَخْلُو من التَّصَرُّف بالحروف ويكتسب من الأوفاق وَهُوَ من التَّوَاضُع على جَانب عَظِيم لم يرض بالاشتهار بِشَيْء من المصنفات مَعَ كَمَاله وَإِذا قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ أَنا اقل وأحقر مسكني على سَاحل الْبَحْر وقوتي السّمك فَمن أَيْن أتأهل للتصنيف

قَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الشماع الْمُقدم ذكره وَلَوْلَا كَرَاهَة التَّطْوِيل لحكيت من حَاله ضعف ذَلِك وَله فِي المحاورة والحجج الدامغة مَا يعجز عِنْدهَا الْفضل بن الرّبيع قد ظَهرت لَهُ كرامات وفضائل وَأُمُور عَجِيبَة ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمُخْتَصر

ص: 280

وَأما الْفُضَلَاء من أهل هقرة والحلبوبي فقد ذكر الجندي جدهم الشَّيْخ أَبُو السرُور وَأَنه من عرب يُقَال لَهُم المحاولة وَأَنه كَانَ فَقِيها نحويا صوفيا وَأَنه صحب بعض الْأَوْلِيَاء مِمَّن يعرف الِاسْم الْأَعْظَم وَأَنه سكن هقرة وَأَنه فتح عَلَيْهِ بكرامات وَأَنه جمع بَين الطريقتين الشَّرِيعَة والحقيقة وَأَنه عمر مئة وَأَرْبَعين سنة وَأَن وَلَده عبد الله فتح عَلَيْهِ بكرامات مَا فتح بهَا على أَبِيه وَقد نَشأ للشَّيْخ عبد الله بن حسن بن أبي السرُور الَّذِي ذكره الخزرجي فِي تَارِيخه أَوْلَاد ظَهرت فيهم النجابة وسلوك طَرِيق أهلهم فِي الْعِبَادَة وَالسَّعْي بمصالح الْمُسلمين

وَالَّذِي اشْتهر مِنْهُم بعصرنا

الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن أبي السرُور وَهُوَ من جدد مَا دثر من أَحْوَالهم واجتهد بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف وَسَار سيرة السّلف الصَّالح بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين حَتَّى اشْتهر ذكره وَعلا قدره وانضمت أَحْوَال تِلْكَ الْبَلَد ببركته ولجأ إِلَيْهِ كل خَائِف فأمن وَذَلِكَ لجلالته واحترام مَكَانَهُ وَأجْمع أهل قطره على أَن من قصد مَكَانَهُ بِسوء عجلت عُقُوبَته وانتهكت حرمته وَقد شوهد من ذَلِك أُمُور كَثِيرَة تدل على ذَلِك وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وثمانمئة

وَله أخوة مجتهدون بِالْعبَادَة وَأَوْلَاد فيهم النجابة وهم القائمون بمنصبه بعد وَفَاته أنجبهم وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد صَاحب الرِّئَاسَة لأهل هَذَا الْبَيْت بوقته مكرم للضيف محسن إِلَى الْوَافِد مَقْصُود للمهمات

ص: 281

وَمن أهل السَّلامَة الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين الْجُنَيْد هُوَ أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد الصُّوفِي الشهير بالسراج وَقد ذكر الخزرجي المؤرخ جده مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر السراج بِمَا يُغني عَن الْإِعَادَة وَأما هَذَا فَقَرَأت من خطّ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط مَا مَعْنَاهُ أَنه كَانَ صَالحا عَاملا عَالما ثَبت عَلَيْهِ لقب عَمه الشَّيْخ الْوَلِيّ سراج الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد قَالَ وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور قَالَ حَدثنِي عمي سراج الدّين رحمه الله قَالَ حدثت أَن الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الْغَرِيب كَانَ فِي سفر فَحَضَرت الصَّلَاة فَتوجه إِلَى جِهَة الْقبْلَة هُوَ وَأحد مريديه فَقَالَ المريد الْقبْلَة مائلة عَن هَذِه الْجِهَة فَأنْكر الشَّيْخ وألح المريد باعتقاده فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ تحب أَن أريك الْكَعْبَة فِي هَذِه الْجِهَة الَّتِي أَنا مُتَوَجّه إِلَيْهَا فَقَالَ المريد نعم إِنِّي لأحب ذَلِك فقرع الشَّيْخ حجرا وَقَالَ للمريد انْظُر إِلَيْهَا فَرَأى الْكَعْبَة فِي الْجِهَة الْمَذْكُورَة ثمَّ حُكيَ عَن هَذَا الشَّيْخ ابْن الْغَرِيب فَضَائِل وكرامات ذكرت مِنْهَا بَعْضهَا وَترْجم لهَذَا الشَّيْخ الْجُنَيْد بِأَن قَالَ كَانَ من الأخيار الصَّالِحين والعباد الزاهدين وَأَنه كَانَ لَا يخالط أهل الْأَمر وَأَنه مَقْصُود للتبرك بِهِ وَأَنه توفّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رحمه الله

وَمِنْهُم الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم السراج كَانَ من الأخيار وَمن الْعلمَاء الْأَبْرَار وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة من ذَلِك مَا نظمه لبَعض كرامات الشَّيْخ عَليّ الْغَرِيب نفع الله بِهِ فِي قصيدة طَوِيلَة أَولهَا

(إِن زرت حجرَة عزة وحماها

وَنظرت بهجة حسنها وبهاها)

ص: 282

(فَانْزِل على الغربي من أرجائها

واحطط عَن الأظعان ثقل عراها)

(واستقبل الْمِحْرَاب واسجد خاضعا

شكرا وَقل سُبْحَانَ من أنشاها)

(بلد بهَا ترب يفوح بعنبر

يستعطر الأكوان من رياها)

(فَهِيَ السَّلامَة وَهُوَ ابْن غريبها

طُوبَى لمن قد زارها وَرَآهَا)

وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى

وَمِنْهُم ولدا الشَّيْخ الْجُنَيْد الْمُقدم الذّكر أَحدهمَا اسْمه السراج وَالثَّانِي اسْمه الشهَاب هما القائمان بتربة الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب وبمنصب أَبِيهِمَا وجديهما بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف وأخبرت أَن جدهما الشَّيْخ إِبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي اشتهرت لَهُ الكرامات وَهُوَ صَاحب المنصب بالسلامة وَأَن الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب كَانَ يتعبد بِالْمَسْجِدِ الْمَشْهُور بِمَسْجِد معَاذ بمعجبة وهما فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

وَمن تلامذة الشَّيْخ الْجُنَيْد الْحَاج جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الأصلع كَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة مَاشِيا على طَريقَة السّلف الصَّالح أخبر الثِّقَة أَنه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وجاب الْبِلَاد لزيارة الصَّالِحين حَتَّى دخل مصر فصحب فقيرين من أهل الْيمن لَا يعرفهما وهما يخدمان بعض التّرْك فسرقا عَلَيْهِ شَيْئا وهربا فَلَزِمَ التركي هَذَا الْحَاج مُحَمَّد الْمَذْكُور لصحبته لَهما وَقَالَ لَا أعرف مَالِي إِلَّا مِنْك وشدد عَلَيْهِ فاستغاث بِاللَّه ثمَّ بالشيخ عَليّ بن الْغَرِيب ثمَّ بشيخه الْجُنَيْد طول ليلته فتصور لَهُ الشَّيْخ الْجُنَيْد على صورته الَّتِي يعرفهَا وَقَالَ لَهُ أبشر فَإنَّك ستخرج من الْحَبْس بكرَة قَالَ الْحَاج مُحَمَّد فَلَمَّا طلع الْفجْر جَاءَ رَسُول التركي فَذهب إِلَيْهِ فقا لَهُ من شيخك قَالَ الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب فَقَالَ هَل لَك شيخ غَيره فَقَالَ نعم الشَّيْخ عَليّ الْجُنَيْد فَقَالَ قد حصل من الشَّيْخ عَليّ الْجُنَيْد إِشَارَة إِلَيّ بإطلاقك وَقد أطلقتك فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته

ص: 283

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ السراج الْحَنَفِيّ لَيْسَ هُوَ من بني السراج الصُّوفِيَّة الَّذين هم عِنْد ضريح الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عَليّ الْغَرِيب بل هُوَ من قوم آخَرين أهل بَيت علم قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن شرعان فِي الْعلم وَقَرَأَ على غَيره فأجازوا لَهُ وَكَانَ وَالِده رجلا حراثا بسط لَهُ فِي الرزق فأثرى وَكثر مَاله وَحكي عَنهُ أَفعَال حَسَنَة تدل على خَيره وَكَانَ يُعْطي وَلَده هَذَا عبد الله على كل سُورَة يحفظها من كتاب الله تَعَالَى ثَمَانِي أواقي فضَّة حَتَّى حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم جَمِيعه ثمَّ بعد ذَلِك قَرَأَ بِالْعلمِ الشريف على من تقدم ذكره واجتهد وانتفع وَكَانَ أوحد أهل زَمَانه فِي تَحْقِيق علم الْفِقْه وَالتَّفْسِير فدرس وَأفْتى وَأفَاد وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الطّلبَة وَكَانَت لَهُ براعة فِي التدريس حَمده عَلَيْهَا من عرفه وَتُوفِّي سنة ثَلَاث واربعين وثمانمئة وقبره بمقبرة السَّلامَة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه بدر الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد التمامي قَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ فدرس وَأفْتى وصنف فِي الْأُصُول واللغة والفرائض من ذَلِك شرح المتقنة وَهُوَ مُفِيد وَكَانَ سليم الْقلب تظهر عَلَيْهِ عَلامَة الصّلاح لاجتهاده بِالْعبَادَة حج سنة ثَمَان وَخمسين وثمانمئة وزار قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرجع قَافِلًا على طَرِيق الْبَحْر فَتوفي بِتِلْكَ السّنة فِيمَا بَين جدة وينبع فِي الْبَحْر فَأخْرج سالما مِنْهُ وَدفن فِي الْبر رحمه الله

وَمن المتوفين بحيس من الوافدين إِلَيْهَا الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات بن عبد الرَّحْمَن المطري الْأنْصَارِيّ الْمُؤَذّن بِالْحرم الشريف النَّبَوِيّ على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام نَشأ هَذَا الشَّيْخ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة حرسها الله تَعَالَى بِالْإِيمَان وَكَانَ عابدا زاهدا ناسكا ذَا معرفَة بِالْحَدِيثِ والنحو وَالْفِقْه واللغة وَله الْيَد الطُّولى فِي علم الْحَقِيقَة وتصدر للتدريس والإفادة فَمن فَوَائده جَوَاب الْمسَائِل فِي الرَّد على الزيدية وَهُوَ جَوَاب مَبْسُوط وَكَانَت لَهُ قريحة فِي الشّعْر جمع لَهُ

ص: 284

بعض تلامذته ديوانا حاكى فِي شعره شعر الشَّيْخ شرف الدّين بن الفارض وَصَحب الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن زقاعة وَالشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح أَحْمد الحرضي وَلما مرض الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الحرضي مرض الْمَوْت عظم الْأَمر على الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الحرضي هون عَلَيْك قَالَ إِنِّي سأفقدك وَلَا صَبر لي عَنْك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الحرضي سأجتمع بك بعد وفاتي أَي وَقت شِئْت إِذا قلت يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد يَا أَحْمد يَا أَحْمد ثَلَاث مَرَّات فَكَانَ إِذا اشتاق إِلَيْهِ قَالَ ذَلِك فيتصور لَهُ ويجتمع بِهِ

أَخْبرنِي بِهِ الثِّقَة عَن الشَّيْخ التقي بن معيبد وَقد كَانَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات وقف بزبيد وَصَحب الْفُضَلَاء بهَا كالفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن شرعان والفقيه سراج الدّين الجبرتي وَهُوَ من أهل التصوف فاستفاد كل مِنْهُمَا من الآخر ثمَّ انْتقل الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات إِلَى مَدِينَة حيس فَأَقَامَ بهَا وَظَهَرت لَهُ كرامات وَقصد للمهمات وَله قصَّة مَعَ الْوَزير شمس يُوسُف بن العزاف تدل على خَيره وبركته ذكرتها فِي الأَصْل وَله كَرَامَة أَيْضا حَكَاهَا عَنهُ الْوَزير الْمَذْكُور بعد مَوته وَذَلِكَ أَنه قَالَ ذهبت أَنا وَرجل معي لنزور الشَّيْخ أَحْمد بن أبي البركات فِي قَبره فِي النَّهَار قَالَ فوجدناه مُشَاهدَة على حَالَته الَّتِي نعرفه فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَاعد فَوق الْقَبْر يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى فَقَالَ كل منا لصَاحبه وَنحن بعيد مِنْهُ هَل وجدته ونظرته فَوق الْقَبْر فَقَالَ الثَّانِي نعم فَلَمَّا قدمنَا إِلَى الْقَبْر وَكَاد أَحَدنَا يصافحه انْفَتح الْقَبْر فَدخل الشَّيْخ إِلَيْهِ وَسَمعنَا صَوته يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى فِي الْقَبْر وَأخْبر أَيْضا أَنه رَآهُ مرّة ثَانِيَة فَوجدَ بعض الْقَبْر يَهْتَز وَبَاقِي الْقَبْر سَاكن والحصاء تَدور فَوْقه وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الجبني الْبَيْضَاوِيّ أصل بَلَده جبن فوصل مَدِينَة إب فَقَرَأَ بهَا على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي

ص: 285

بالفقه وَقَرَأَ على غَيره فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ثمَّ أَقَامَ بِمَدِينَة ذِي جبلة أَيَّامًا فَأحْسن القَاضِي عفيف الدّين عبد الله المعسل وَهُوَ مقدم الجبليين حِينَئِذٍ وأنزله مَعَه إِلَى تعز فَأدْخلهُ على السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وأكرمه وأضاف إِلَيْهِ من الْوَقْف شَيْئا وَأمره يُرْسل إِلَى أَبِيه وَإِخْوَته يصلوا إِلَيْهِ ويقفوا بِذِي جبلة وَجعل ولَايَة الْقَضَاء فِيهَا إِلَيْهِ فامتثلوا ذَلِك ثمَّ إِن القَاضِي عفيف الدّين المغسل أنكحه ابْنَته وَصَارَ من جملَة أَصْحَابه وَأهل بَيته وَكَانَ لَهُ نجابة وقريحة فِي الشّعْر مطاوعة ورزق الوجاهة عِنْد السُّلْطَان والأكابر وَنزل مَعَه إِلَى زبيد ثمَّ طلع مِنْهَا قَاصِدا الْوُصُول إِلَى وَالِده بِمَدِينَة تعز فاخترمته الْمنية بِمَدِينَة حيس وَتُوفِّي بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن البهلول الشهير بالسلاط أصل بلد أَهله لحج وخاله القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن وَفد هَذَا الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر إِلَى قَرْيَة حيس وَحدث لَهُ مرض نقص فِيهِ عقله فعد من المغفلين وَكَانَ يخبر بِشَيْء من المغيبات ويخبر بِمَا فِي ضمير الشَّخْص وَكَانَ كثير التِّلَاوَة وَالذكر وَإِذا وَقع بِيَدِهِ شَيْء فرقه على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين

وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة

وَأما الْفُقَهَاء من بني البَجلِيّ فأولهم القَاضِي شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد البَجلِيّ قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بحيس فحمدت سيرته وَتُوفِّي سنة

فَلَمَّا توفّي خَلفه وَلَده الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد قَرَأَ على الْفُقَهَاء من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

ص: 286

وَمن المتوفين قريب قَرْيَة حيس الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمصْرِيّ الْكَاتِب الحاسب وَفد وَالِده من مصر إِلَى الْيمن وَكَانَت لَهُ معرفَة بِعلم الْفلك ومشاركة بِعلم الْفَرَائِض وَمِمَّنْ سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بصنعة التَّقْوِيم والتسيير فِي علم الْفلك فرزق الْحَظ عِنْد مُلُوك الْيمن فرتبوا لَهُ الجامكية وَجعلُوا لَهُ الْأَسْبَاب ودام على ذَلِك مُدَّة إِلَى أَن توفّي

وَنَشَأ لَهُ هَذَا الْوَلَد وَهُوَ الشَّيْخ جمال الدّين الْمُقدم الذّكر فَأخذ عَن وَالِده علم الْفلك والحساب والفرائض والضوابط الْمُحْتَاج إِلَيْهَا لصنعة التَّقْوِيم فَكَانَ وحيد عصره فِيهِ وأضيف إِلَيْهِ بعض الْأَسْبَاب بزبيد ورزق الحظوة وجرب فِي إِصَابَة القَوْل فِيمَا يَقُوله من ذَلِك الْعلم وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ علمه الْفَقِيه عَليّ الجبيلي فَقَامَ بمنصبه عِنْد عَجزه وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة

ثمَّ خَلفه وَلَده الْفَقِيه بدر الدّين الْحسن فأتقن مَا تعلمه من علم وَالِده وَلم يكن لَهُ وجاهة عِنْد السُّلْطَان فِي زَمَانه وَهُوَ الظَّاهِر وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة

وَمن أهل الْجَوْز الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة من نواحي مَدِينَة حيس الشَّيْخ الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الحكاك كَانَ مِمَّن صحب الشَّيْخ الْكَبِير الشريف زين العابدين يُوسُف القليصي السَّاكِن بِمحل العقبانية قَرْيَة من أَعلَى وَادي زبيد وزوجه ابْنَته فتخلق بأخلاقه واشتغل بِعلم الْحَقَائِق وَفتح عَلَيْهِ بهَا فتحا عَظِيما وَكَانَ كَاتبا شَاعِرًا لطيفا ذَا خطّ فائق ونظم رائق لَهُ ديوَان شعر كَأَنَّهُ زهر أرق من نسيم الشمَال على أَدِيم الزلَال يضْحك الحزين ويحرك الرصين وَكَانَت وَفَاته فِي آخر المئة السَّابِعَة رحمه الله ونفع بِهِ آمين

ص: 287