الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه
إن خلافة الفاروق رضي الله عنه لم يختلف فيها اثنان فإنه لما عهد الصديق رضي الله عنه بالخلافة من بعده لعمر رضي الله عنه أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبول ذلك العهد ولم يعارض في ذلك منهم أحد بل أقروا بذلك وسمعوا له وأطاعوا وكذلك التابعون لهم بإحسان من أهل السنة والجماعة أجمعوا على صحة خلافة الفاروق رضي الله عنه واعتقدوا اعتقاداً جازماً أنه رضي الله عنه أحق الناس بالخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه.
وقد نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على خلافة عمر طائفة من أهل العلم الذين يعتمد عليهم في النقل.
فقد تقدم معنا قريباً ما رواه ابن سعد وغيره في صيغة عهد الصديق بالخلافة لعمر رضي الله عنه وفيه أن الصديق رضي الله عنه أمر عثمان أن يخرج بالكتاب "مختوماً ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا قال ابن سعد: علي القائل: وهو عمر فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا"1.
وروى ابن الأثير بإسناده إلى يسار المدني قال: لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال: يا أيها الناس إني قد عهدت عهداً أفترضون به؟ فقال الناس: قد رضينا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: لا نرضى إلا أن يكون
1ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/199، وانظر كتاب الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم ص/276 الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/425
عمر بن الخطاب"1.
فكان ما توقعوه لأنهم كانوا رضي الله عنهم يعلمون أنه لا أحد أفضل من عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر ولذلك أقروا جميعاً بعهد الصديق ورضوا به، ثم بايعوه. وروى ابن جرير بإسناده إلى أبي السفر سعيد بن محمد قال: أشرف أبو بكر على الناس من كنيفة2 وأسماء بنت عميس ممسكته وهو يقول: أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا: سمعنا وأطعنا"3.
وروى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت على عمر حين طعن. فقلت: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً فقال: أعد علي فأعدت عليه فقال: والله الذي لا إله غيره لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع"4.
وقال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى مبيناً الإجماع على خلافة الفاروق رضي الله عنه: لما علم الصديق رضي الله عنه من فضل عمر رضي الله عنه ونصيحته وقوته على ما يقلده وما كان يعينه عليه في أيامه من المعونة التامة لم يكن يسعه في ذات الله ونصيحته لعباد الله ـ تعالى ـ أن يعدل هذا الأمر عنه إلى غيره، ولما كان يعلم من أمر شأن الصحابة رضي الله عنهم أنهم يعرفون منه
1ـ أسد الغابة 4/169، وانظر تاريخ الأمم والملوك 3/428.
2ـ قال ابن الأثير: وفي حديث أبي بكر حين استخلف عمر أنه أشرف من كنيف فكلمهم أي: من سترة وكل ما ستر من بناء أو حظيرة فهو كنيف "النهاية في غريب الحديث" 4/205.
3ـ تاريخ الأمم والملوك 3/428.
4ـ الاعتقاد ص/188.
ما عرفه ولا يشكل عليهم شيء من أمره فوض إليه ذلك فرضي المسلمون له ذلك وسلموه، ولو خالطهم في أمره ارتياب أو شبهة لأنكروه ولم يتابعوه كاتباعهم أبا بكر رضي الله عنه فيما فرض الله عليه الاجتماع وأن إمامته وخلافته ثبتت على الوجه الذي ثبت للصديق، وإنما كان كالدليل لهم على الأفضل والأكمل فتبعوه على ذلك مستسلمين له راضين به"1.
وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى بعد ذكره خلافة الصديق باختيار الصحابة وإجماعهم عليه قال: "ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه واتفاق الصحابة عليه بعده وإنجاز الله ـ سبحانه ـ بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه وعده"2.
وقال النووي في معرض ذكره لإجماع الصحابة على تنفيذ عهد الصديق بالخلافة لعمر حيث قال: "أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر"3.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماماً لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم"4.
وقال شارح الطحاوية: "ونثبت الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه وذلك بتفويض أبي بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه"5.
وقال أبو حامد محمد المقدسي بعد ذكره لطائفة من الأدلة على ثبوت خلافة
1ـ كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص/274.
2ـ عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/129.
3ـ شرح النووي على صحيح مسلم 12/206.
4ـ منهاج السنة 1/142.
5ـ شرح الطحاوية ص/539.
أبي بكر: "وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه فطاعته فرض في استخلاف عمر رضي الله عنه بما ذكرناه، وبإجماع المسلمين عليها"1.
وقال الملا علي القاري ذاكراً للإجماع على فضل عمر وحقية خلافته فقال: "وقد أجمعوا على فضيلته وحقية خلافته"2.
ومن هذه النقول التي تقدم ذكرها تبين أن خلافة عمر رضي الله عنه تمت بإجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تلقوا عهد أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة لعمر بالقبول والتسليم ولم يعارض في ذلك أحد وكذا أجمعت الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة على ما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالفهم إلا من لا يعتد بخلافه ممن ابتلي ببغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشيعة الرافضة ومن جرى في ركابهم ممن فتن بهم فإن اعترض معترض على إجماع الصحابة المتقدم ذكره بما رواه ابن سعد وغيره من أن بعض الصحابة سمعوا بدخول عبد الرحمن بن عوف وعثمان على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا؟ وقد نرى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني أبا لله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من وراءك"3 والجواب عن هذا أن هذا الإنكار الصادر إن صح من هذا القائل ليس عن جهالة لتفضيل عمر بعد أبي بكر واستحقاقه للخلافة، وإنما كان خوفاً من خشونته وغلظته لا اتهاماً له في قوته وأمانته"4.
فالذي يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً لا مرية فيه أن أحق
1ـ الرد على الرافضة ص/283-284.
2ـ شرح الفقه الأكبر ص/98.
3ـ الطبقات الكبرى 3/199، الكامل في التاريخ 2/425، وانظر كتاب الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم ص/276.
4ـ انظر كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص/276.
خلق الله تعالى بالخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه وإجماع المسلمين كافة على صحة خلافته وحقيتها.