المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه - عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي - جـ ٢

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الباب الثاني: أهل السنة والجماعة يثبتون إمامة الخلفاء الراشدين على حسب ترتيبهم في الفضل

- ‌الفصل الأول: خلافة الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: كيفية مبايعته رضي الله عنه بالخلافة

- ‌المبحث الثالث: ذكر النصوص التي فيها الإشارة إلى خلافته من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

- ‌المبحث الرابع: بيان الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: ذكر بعض شبه الشيعة الإمامية في أن الخليفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبيان بطلانها

- ‌الفصل الثاني: خلافة الفاروق رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: استخلاف الفاروق بعهد من أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: خلافة ذي النورين عثمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: كيفية تولية الخلافة

- ‌المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌الفصل الرابع: خلافة علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الأول: كيف تمت له البيعة بالخلافة

- ‌المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: ذكر الحرب التي دارت بينه وبين بعض الصحابة وموقف أهل السنة منها

- ‌المبحث الخامس: خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌الباب الثالث: سلامة قلوب وألسنة أهل السنة والجماعة للصحابة الكرام رضي الله عنهم

- ‌الفصل الأول: وجوب محبتهم والدعاء والاستغفار لهم والشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم

- ‌المبحث الأول: وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: الدعاء والاستغفار لهم

- ‌البحث الثالث: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم

- ‌الفصل الثاني: إثبات عدالتهم رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: معنى العدالة في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: تعديل الله ورسوله للصحابة

- ‌المبحث الثالث: الإجماع على عدالتهم رضي الله عنهم

- ‌الفصل الثالث: تحريم سبهم رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: تحريم سبهم بنص الكتاب العزيز

- ‌المبحث الثاني: دلالة السنة على تحريم سب الصحابة

- ‌المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة

- ‌المبحث الرابع: حكم ساب الصحابة وعقوبته

الفصل: ‌المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه

‌الجزء الثاني

‌الباب الثاني: أهل السنة والجماعة يثبتون إمامة الخلفاء الراشدين على حسب ترتيبهم في الفضل

‌الفصل الأول: خلافة الصديق رضي الله عنه

‌المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه

تمهيد:

قبل أن أشرع في ذكر اعتقاد أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الراشدين في الإمامة أسبق ذلك بهذا التمهيد المتضمن لبيان معنى الإمامة في اللغة والاصطلاح وبيان حكم الإمامة عند أهل السنة والجماعة.

أولاً: معناها في اللغة: قال الزجاج: "الإمام الذي يؤتم به ويفعل كفعله ويقصد ما قصده ومنه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 1 أي: فاقصدوا"2.

وجاء في الصحاح للجوهري: "والأمّ "بالفتح" القصد يقال: أمه وتأممه إذا قصده

والإمام: خشبة البناء التي يسوى عليها البناء والإمام: الصقع من الأرض والطريق قال تعالى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} 3 والإمام الذي يقتدى به"4.

وجاء في لسان العرب: "والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين إلى أن قال: "والجمع أئمة

وإمام كل شيء قيمه والمصلح له. والقرآن إمام المسلمين وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة والخليفة إمام الرعية وإمام الجند قائدهم

وأممت القوم في الصلاة إمامة وائتم به أي: اقتدي به وإمام الغلام في المكتب ما يتعلم كل يوم، والإمام الخيط الذي يمد على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساق البناء، والحادي إمام الإبل وإن كان وراءها لأنه الهادي لها ويقال: فلان إمام القوم معناه هو المتقدم لهم ويكون الإمام رئيساً كقولك إمام المسلمين5.

1ـ سورة النساء آية /43.

2ـ ذكره عنه ابن الجوزي في كتابه: "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" ص/126.

3ـ سورة الحجر آية/79.

4ـ الصحاح للجوهري 5/1864-1865.

5ـ لسان العرب 12/24، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص/459، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر "لابن الجوزي" ص/126، القاموس المحيط 4/78، تاج العروس 8/193.

ص: 503

فالإمامة في اللغة ذات معان متقاربة كما في هذه التعاريف اللغوية وكلها فيها التوضيح إلى أن المراد بالإمام عند العرب هو الذي يتبع ويقتدى به وهو القيم على مصالح الناس وشئونهم وكذلك كان الأئمة الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم قاموا بمصالح الأمة على أتم وجه وأكمله فيلزم من ولي من أمر المسلمين أن يقتدي بالخلفاء الراشدين في أعمالهم الطيبة وسيرتهم الحسنة نحو الأمة ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الالتزام الكامل والتمسك التام بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده حيث قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ"1.

ثانيا: تعريف الإمامة في الاصطلاح:

لقد عرف العلماء الإمامة في الاصطلاح بتعريفات مختلفة من حيث اللفظ وعلى الرغم من اختلاف تعبيراتهم في تحديدها من حيث اللفظ إلا أنها تتحد في مدلولها من حيث المعنى ومن هذه التعريفات:

1-

قال الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم2 "3.

2-

وعرفها إمام الحرمين الجويني4 بقوله: "الإمامة رياسة تامة وزعامة

1ـ المسند 4/126-127، سنن أبي داود 2/506، سنن الترمذي 4/150، سنن ابن ماجة 1/15-16، سنن الدارمي 1/44-45 كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.

2ـ هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم من كبار المعتزلة "انظر ترجمته في" فرق وطبقات المعتزلة ص/65، سير أعلام النبلاء 9/402، طبقات المفسرين للداودي 1/274-275، لسان الميزان 3/427.

3ـ الأحكام السلطانية ص/5.

4ـ هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة انظر: ترجمته في وفيات الأعيان 3/167-170 تبين كذب المفتري ص/278-285، الأعلام للزركلي 4/306.

ص: 504

تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدنيا والدين"1.

3-

وعرفها ابن خلدون بقوله: "هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"2.

فهذه التعاريف فيها بيان حد الإمامة في الاصطلاح وهي مترادفة لفظاً متحدة من حيث المعنى بين فيها هؤلاء العلماء أن سياسة الإمام يجب أن تكون وفق الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بعيداً عن الحكم بالهوى والشهوة في كل حال ولا بد أن يكون حكمه بالشرع في كل الأمور الدينية والدنيوية حتى يصدق عليه أنه نائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالقيام بشرع الله الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة ولفظ الإمام، والخليفة، والأمير ألفاظ مترادفة وكلها جاءت في ألفاظ من الحديث النبوي الشريف مثل قول المصطفى عليه الصلاة والسلام:"الأئمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك" 3 وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" 4 وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني"5.

فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يروون هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاها عنهم التابعون كذلك دون أن يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام وأمير وقد سمى الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ولي الفاروق أرادوا أن يطلقوا

1ـ الأحكام السلطانية ص/5، انظر غياث الأمم في التياث الظلم ص/15.

2ـ المقدمة ص/191، انظر العقائد النسفية ص/179، المواقف ص/395، التعريفات ص/35.

3ـ المسند 3/183.

4ـ المصدر السابق 4/127.

5ـ صحيح مسلم 3/1466 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 505

عليه: "خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك من يأتي بعده فنظروا فإذا باللفظ يطول فاتفقوا على تسميته بأمير المؤمنين1 وكذلك سمى عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثاً: حكم الإمامة:

أجمع عامة المسلمين على وجوب نصب إمام للأمة يقيم لهم أحكام شرع الله ولم يخالف هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج والأصم والفوطي2 من المعتزلة.

قال أبو محمد بن حزم: "اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالو: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة"3.

فأهل السنة والجماعة مذهبهم أن نصب الإمام الأعظم واجب بنص الشرع الحنيف لتجتمع به كلمة المسلمين وتنفذ به أحكام الشريعة وهذا المذهب هو المذهب الحق المؤيد بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع فأما دلالة الكتاب على وجوبها فمن ذلك:

1-

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

1ـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/281.

2ـ هو هشام بن عمرو الفوطي شيباني من أهل البصرة وهو يعتبر من الطبقة السادسة من المعتزلة "انظر طبقات المعتزلة" ص/61، وانظر الفرق بين الفرق ص/159.

3ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/87، وانظر قول النجدات في عدم وجوب نصب الإمام "مقالات الإسلاميين" 1/205.

ص: 506

خَلِيفَةً} 1 الآية.

وجه دلالة الآية أن أهل العلم اعتبروها أصلاً في وجوب نصب الإمام ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع التنازع وينتصر لمظلومهم من ظالميهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة2 ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه قال: إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك، وأن الأمة متى أقاموا حجهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم وبذلوا الحق من أنفسهم، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها وأقاموا الحدود على من وجبت عليه أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماماً يتولى ذلك"3.

2-

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 4.

وفي هذه الآية أوجب الله تعالى على عباده المؤمنين طاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم والمراد بأولي الأمر هم الأمراء والولاة.

فقد أخرج ابن جرير الطبري بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال في قوله تعالى: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} : هم الأمراء5 وهو مروي عن ابن

1ـ سورة البقرة آية/ 30.

2ـ لعلها وتنفذ بها أحكام الشريعة.

3ـ الجامع لأحكام القرآن 1/264، وانظر أضواء البيان 1/49.

4ـ سورة النساء آية/ 59.

5ـ جامع البيان 5/147، شرح السنة للبغوي 10/50.

ص: 507

عباس وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل"1.

وقد ذكر العلامة ابن جرير عدة أقوال في المراد بقوله: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ثم رجح قول من قال: "هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة"2.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "الظاهر ـ والله أعلم ـ أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء"3.

فالآية دلت على أنه يجب على المسلمين أن ينصبوا لهم إماماً يرجعون إليه.

3-

قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} 4.

وهذه الآية فيها إرشاد وتعليم من الباري ـ جل وعلا ـ لعباده المؤمنين أنه لا بد من خليفة يقوم بالحكم بما أنزل الله بين عباده لتصلح به البلاد والعباد.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد"5.

والآيات الدالة على وجوب نصب الإمام كثيرة جداً فما من آية أنزلها الله على رسوله بتشريع حكم من الأحكام والتي لها علاقة بموضوع الإمامة وشئونها إنما هي تأكيد جازم على إيجاد الإمامة الشرعية في المجتمع المسلم لأن وجود ولي الأمر من

1ـ زاد المسير في علم التفسير 2/116.

2ـ جامع البيان 5/150.

3ـ تفسير القرآن العظيم 2/326.

4ـ سورة ص آية/26.

5ـ تفسير القرآن العظيم 5/119.

ص: 508

الضروريات التي حث الإسلام على وجودها في كل الأحيان إذ هناك أمور يتطلب تنفيذها وجود الإمامة العظمى.

وأما دلالة السنة على وجوب نصب الإمام الأعظم فقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة منها:

1-

روى الإمام أحمد وغيره عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب قلنا أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعيش منكم يرى بعدي اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ"1.

فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه سيكون من بعده خلفاء راشدون يخلفونه في أمته ويسيرون على نهجه في سياسة الأمة بالكتاب والسنة وحث الناس على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وفي هذا بيان أنه لا بد للناس من إمام يرجع إليه في إقامة الحدود وقطع التنازع والاختلاف ولذا تواتر أن الصفوة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين بايعوا الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يدفنوه صلى الله عليه وسلم، ولما أحس الصديق بدنوا أجله استخلف الفاروق رضي الله عنه ولما طعن الفاروق رضي الله عنه أبو لؤلؤة المجوسي جعل الأمر شورى في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يخلف الفاروق عثمان بن عفان رضي الله عنه ولما استشهد عثمان رضي الله عنه بايعوا أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهذه طريقتهم في الخلافة، فنجد أنهم حرصوا كل الحرص في تنصيب الإمام ولم يتهاونوا في ذلك وهذا مما يجب على المسلمين أن يقتدوا بهم فيه بأمر من أرسله الله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.

1ـ المسند 4/127، سنن أبي داود 2/506، سنن الترمذي 4/150، سنن ابن ماجة 1/15-16 =

ص: 509

2-

وروى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده:

إلى نافع مولى ابن عمر قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع1 حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له2 ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهية"3.

فقد بين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن البيعة فريضة في عنق كل مسلم للإمام الحق الذي تجتمع عليه كلمة المسلمين وما دامت البيعة واجبة على كل مسلم فإن هذا الواجب لا يتأتى أداؤه إلا بنصب الإمام الذي يرجع إليه في تنفيذ أحكام الشريعة وحسم التنازع والاختلاف الذي يحصل بين الناس فالحديث دلالته واضحة على وجوب نصب الإمام بالشرع لا بالعقل.

3-

وروى الشيخان في صحيحيهما عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بو إسرائيل تسوسهم 4 الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فت كثر" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم

= سنن الدارمي 1/44-45، واللفظ لأحمد رحمه الله.

1ـ هو عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي القرشي كان ممن خلع يزيد وخرج عليه وكان يوم الحرة قائد قريش، كما كان عبد الله بن حنظلة قائد الأنصار وإذ خرج أهل المدينة لقتال مسلم بن عقبة المري الذي بعثه يزيد لقتال أهل المدينة ولما ظفر أهل الشام بأهل المدينة لحق عبد الله بن مطيع بابن الزبير وبقي معه حتى حصر الحجاج ابن الزبير انظر ترجمته في الإصابة 3/65، تهذيب التهذيب 6/36.

2ـ لا حجة له: أي: لا حجة له في فعله ولا عدالة ينفعه.

3ـ صحيح مسلم 3/1478.

4ـ تسوسهم الأنبياء: أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه "شرح النووي على صحيح مسلم" 12/231، وانظر فتح الباري 6/497.

ص: 510

فإن الله سائلهم عما استرعاهم" 1 هذا الحديث فيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة وينصف المظلوم من الظالم2.

4-

روى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: "ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم.." الحديث3.

وعند أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"4.

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرشد أمته أنه إذا خرج ثلاثة في سفر فإن عليهم أن يختاروا أحدهم أميراً عليهم مع أن السفر يكون في مسافة محدودة ومدة وجيزة فما الشأن بالإمامة العظمى فإن وجوبها متحتم على الأمة من باب أولى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر هذين الحديثين: "فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولى أحدهم كان هذا تنبيهاً على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها ديناً يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة حتى قد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر" 5.

وأما دلالة الإجماع على وجوب نصب الإمام:

فقد أجمعت الأمة على أنه لا بد من نصب الإمام الأعظم للأمة ليرجع إليه

1ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/495، صحيح مسلم 3/1471-1472.

2ـ فتح الباري 6/497.

3ـ المسند 2/176-177، وانظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 8/106.

4ـ سنن أبي داود 2/34.

5ـ الحسبة في الإسلام ص/5 وانظر السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص/161 والحديث في المسند 3/22 من حديث أبي سعيد.

ص: 511

في شئون العباد وقد نقل الإجماع بعض أهل العلم.

فقد روى الماوردي: "وعقدها ـ أي الإمامة ـ لمن يقوم بها واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم"1 وقال البغوي رحمه الله: "واتفقت الأمة من أهل السنة والجماعة على أن الاستخلاف سنة وطاعة الخليفة واجبة إلا الخوارج المارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة"2.

وقال القرطبي رحمه الله تعالى: "وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ورووا لهم الخبر في ذلك فرجعوا وأطاعوا لقريش فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها ولقال قائل: إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة ولم يقل له أحد: هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين والحمد لله رب العالمين"3.

وقال النووي رحمه الله: "وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل"4 وقال عبد الرحمن أن خلدون: "نصب الإمام واجب وقد عرف وجوبه بالشرع بإجماع الصحابة والتابعين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر

1ـ الأحكام السلطانية ص/5.

2ـ شرح السنة للبغوي 10/84.

3ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/264-265، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 1/49-50.

4ـ شرح النووي على صحيح مسلم 12/205

ص: 512

إليه في أمورهم وكذلك في كل عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام"1.

ومما تقدم تبين أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه رضي الله عنهم من أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم رضي الله عنهم في التعيين لا تأثير له على الإجماع المذكور.

1ـ المقدمة ص/191، وانظر الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ص/7-8.

ص: 513

المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه

عقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل فالإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين فأهل الحق يعتقدون اعتقاداً جازماً لا مرية فيه ولا شك أن أولى الناس بالإمامة والأحق بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون"1.

قال أبو عمر: "قد روي عن مالك وطائفة نحو قول سفيان هذا وتأبى جماعة من أهل العلم أن تفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية لمكان صحبته"2.

وروى بإسناده إلى أبي نوبة قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس ومخلد بن الحسين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي" وروى أيضاً بإسناده إلى الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: أقول في الخلافة والتفضيل بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم"3 وروى البيهقي بإسناده إلى الربيع بن سليمان أنه قال: قال الشافعي في مسألة الحجة في تثبيت خبر الواحد: ولم تزل كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي ولم يكن لأحد من ولاته ترك إنفاذ

1ـ أي: متغلبون.

2ـ جامع بيان العلم وفضله 2/226-227.

3ـ المصدر السابق 2/227.

ص: 514

أمره ـ إلى أن قال ـ: وهكذا كانت كتب خلفائة من بعده وعمالهم وما أجمع المسلمون من كون الخليفة واحداً والقاضي واحداً والأمير واحداً والإمام واحداً فاستخلفوا أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر، ثم أمر عمر أهل الشورى ليختاروا واحداً، فاختار عبد الرحمن عثمان بن عفان"1 وروى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث الرازي قال: سألت أحمد بن حنبل ـ فقلت ـ: يا أبا عبد الله من تفضل؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء ـ فقلت ـ يا أبا عبد الله إنما أسألك عن التفضيل من تفضل قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء المهديون الراشدون ورد الباب في وجهي قال أبو علي: ثم قدمت الري فقلت لأبي زرعة وسألت أحمد وذكرت له القصة فقال: لا نبالي من خالفنا، نقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في الخلافة والتفضيل جميعاً هذا ديني الذي أدين الله به وأرجو أن يقبضني الله عليه.

وروى أيضاً: بإسناده إلى سلمة بن شبيب قال: قلت لأحمد بن حنبل: من تقدم؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في الخلافة"2.

وروى أبو الفرج بن الجوزي إلى أبي بكر المروذي قال: قال أحمد بن حنبل: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر ليصلي بالناس وقد كان في القوم من هو أقرأ منه وإنما أراد الخلافة"3.

وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم فجاءت طائفة من الكرخية فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وذكروا خلافة علي بن أبي طالب فزادوا وأطالوا فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم القول في علي والخلافة إن الخلافة لم تزين

1ـ مناقب الشافعي للبيهقي 1/435 وانظر الرسالة ص/419-420.

2ـ جامع بيان العلم وفضله 2/225-226.

3ـ مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص/160.

ص: 515

علياً بل علي زينها قال السياري ـ أحد رجال السند ـ: فحدثت بهذا بعض الشيعة فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض"1.

فهذه طائفة من أقوال بعض كبار أئمة أهل السنة وكلها تبين أنهم يثبتون إمامة الخلفاء الراشدين على حسب ترتيبهم في الفضل وأن أحق الناس بالإمامة بعد ـ النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق وعلى هذا الاعتقاد مشى من جاء بعدهم من أهل السنة ودونوا هذا الاعتقاد في كتبهم ودعوا الناس إلى اعتقاده فقد قال الطحاوي: "ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي رضي الله عنه"2.

وقال أبو عبد الله بن بطة رحمه الله تعالى في ذكر سياقه لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة: "ثم الإيمان والمعرفة بأن خير الخلق وأفضلهم

وأحقهم بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق

ثم من بعده على هذا الترتيب والصفة أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الفاروق ثم من بعدهما على هذا الترتيب والنعت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أبو عبد الله وأبو عمرو ذو النورين رضي الله عنه ثم علي هذا النعت والصفة من بعدهم أبو الحسن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه

فبحبهم وبمعرفة فضلهم قام الدين وتمت السنة وعدلت الحجة"3.

وقال أبو الحسن الأشعري في صدد ذكره للأدلة على أن الصديق هو الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم: "فوجب أن يكون إماماً بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين"4.

1ـ المصدر السابق ص/162-163.

2ـ العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي ص/533-545.

3ـ كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة ص/257-261.

4ـ الإبانة عن أصول الديانة ص/67.

ص: 516

وقال ابن أبي زيد القيرواني: "وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين"1.

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: "ويجب أن يعلم: أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدم خلق الله أجمعين من الأنصار والمهاجرين بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر الصديق رضي الله عنه

"ثم من بعده على هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لاستخلافه إياه

وبعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه

وبعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه"2.

وقال أبو عثمان الصابوني مبيناً عقيدة أهل الأثر في ترتيب الخلافة: "ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه واتفاق الصحابة عليه بعده وإنجاز الله ـ سبحانه ـ بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه وعده ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى وإجماع الأصحاب كافة ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه، ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه عرفه ورآه كل منهم رضي الله عنه أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدون الذين نصر الله بهم الدين وقهر وقسر بمكانهم الملحدين وقوى بمكانهم الإسلام ورفع في أيامهم للحق الأعلام ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام"3.

وقال أبو عمر ابن عبد البر: "الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"4.

1ـ الرسالة مع شرحها الثمر الداني في تقريب المعاني ص/23.

2ـ الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص/64-66.

3ـ عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/128.

4ـ جامع بيان العلم وفضله 2/224.

ص: 517

وقال الإمام موفق الدين بن قدامة رحمه الله تعالى مبيناً أن الصديق رضي الله عنه أحق الناس بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم: "وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له، ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه. وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنوجذ" 1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر الخلاف في مسألة تقديم عثمان على علي في الأفضلية، ثم بين أن أمر أهل السنة استقر في هذه المسألة على تقديم عثمان على علي رضي الله عنهما فقال:"وإن كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر، ثم عثمان، ثم علي ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله"2.

وقال في موضع آخر: "اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ثم علي"3.

وقال الصديق حسن خان: "أحقهم بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلوات على جميع أصحابه وإجماع الصحابة على تقديمه ومتابعتة ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة"4.

1ـ لمعة الاعتقاد ص/27-28 والحديث رواه أحمد في مسنده 4/126 وابن ماجه في سننه 1/15-16.

2ـ العقيدة الواسطية مع شرحها لمحمد خليل هراس ص/146.

3ـ الوصية الكبرى ص/33.

4ـ قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ص/99.

ص: 518

وقال عمر بن علي بن سمرة الجعدي1 في صدد ذكره لترجمة الصديق رضي الله عنه: "ثم استخلف أفضل الصحابة وأولاهم بالخلافة معدن الوقار وشيخ الافتخار صحاب المصطفى بالغار سيد المهاجرين والأنصار الصديق أبو بكر التيمي

قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يصلي بالناس أيام مرضه وبذلك احتج عمر رضي الله عنه على الأنصار يوم السقيفة فقال: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا، وأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقادوا له وبايعوه"2.

فهذه طائفة من أقوال أئمة أعلام من أهل السنة والجماعة سقناها في هذا المبحث كلها توضح وتبين أن أهل السنة والجماعة يؤمنون ويعتقدون بأن أحق الناس بالخلافة بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وهذا ما يجب على المسلم أن يعتقده ويؤمن به ويموت عليه.

1ـ هو عمر بن علي بن الحسين أبو الخطاب الجعدي: مؤرخ يماني، من القضاة ولد بقرية أنامر "باليمن" سنة سبع وأربعين وخمسمائة وتوفي بعد ست وثمانين وخمسمائة انظر ترجمته في الأعلام للزركلي" 5/215-216، معجم المؤلفين 7/299-300.

2ـ طبقات فقهاء اليمن ص/34-35.

ص: 519