الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه
إن أحق الناس بالخلافة بعد الثلاثة المتقدمين أعني أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بل ومعتقد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطبة وهذا هو ما يجب على المسلم اعتقاده والديانة لله به في شأن ترتيب الخلافة الراشدة، وقد ورد الإيماء إلى حقية خلافة علي رضي الله عنه في كثير من النصوص الشرعية منها:-
1-
قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} 1 الآية ووجه الاستدلال بها على حقية خلافة علي رضي الله عنه أنه أحد المستخلفين في الأرض الذين مكن الله لهم دينهم"2.
2-
قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ"3.
ووجه الدلالة في هذا الحديث على حقية خلافة علي رضي الله عنه أنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وحافظوا على
1ـ سورة النور آية/55.
2ـ انظر منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين لابن قدامة ص/74 "مخطوط" برقم 253 في مكتبة عارف حكمت بالمدينة.
3ـ رواه أحمد في المسند 4/126-127، سنن أبي داود 2/506، سنن ابن ماجه 1/16، سنن الترمذي 4/150، سنن الترمذي 1/45.
حدود الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وساروا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدل وإقامة الحق.
3-
روى أبو عبد الله الحاكم وغيره بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله فتخلف علي يخصفها فمشى قليلاً ثم قال: "إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله" فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال أبو بكر: أنا هو قال "لا" قال عمر: أنا هو قال "لا" ولكن خاصف النعل" ـ يعني علياً فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"1.
هذا الحديث فيه إيماء إلى ولايته حيث إنه رضي الله عنه قاتل في خلافة أهل التأويل الذين خرجوا عليه بالتأويل، ومنه أخذت أحكام قتال البغاة في أنه لا يتبع مدبرهم ولا يجاز على جريحهم ولا يغنم لهم مال ولا يسبى لهم ذرية وغير ذلك من أحكامهم وقاتل أيضاً الحرورية2 الذين تأولوا القرآن على غير تأويله وكفروا أهل الحق ومرقوا من الدين مروق السهم من الرمية.
4-
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق".
وفيه أيضاً: أنه قال: "تكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق".
وفي لفظ: قال: "تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق".
1ـ المستدرك 3/122-123 وقال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، والحديث رواه أحمد في المسند 3/31، 33، 82، تهذيب خصائص الإمام علي للنسائي ص/118-119، وأبو نعيم في الحلية 1/67.
2ـ إحدى فرق الخوارج وسيأتي التعريف بها في الباب الرابع.
وجاء أيضاً بلفظ: "يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق"1.
فقوله صلى الله عليه وسلم على حين فرقة ـ بضم الفاء ـ أي: في وقت افتراق الناس أي: افتراق يقع بين المسلمين وهو الافتراق الذي كان بين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما"2.
والمراد بالفرقة المارقة هم "أهل النهروان كانوا في عسكر علي رضي الله عنه في حرب صفين فلما اتفق علي ومعاوية على تحكيم الحكمين خرجوا وقالوا: إن علياً ومعاوية استبقا إلى الكفر كفرسي رهان فكفر معاوية بقتال علي ثم كفر علي بتحكيم الحكمين وكفروا طلحة والزبير فقتلتهم الطائفة الذين كانوا مع علي وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم أن الطائفة التي تقتلهم أقرب إلى الحق وهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأصحابه بالحق وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أخبر بما يكون فكان على ما قال وفيه دلالة على صحة خلافة علي رضي الله عنه وخطأ من خالفه"3.
5-
وروى البخاري بإسناده إلى خالد الحذاء عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: "كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول: ويح 4 عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
1ـ هذه الأحاديث في صحيح مسلم 2/745-746.
2ـ شرح النووي على صحيح مسلم 7/166.
3ـ منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين لابن قدامة ص/75-76 مخطوط، وانظر شرح النووي 7/166.
4ـ ويح: كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها يرثى له قال الأصمعي: الويل: قبوح، والويح: ترحم. غريب الحديث لابن الجوزي 2/486، الفائق في غريب الحديث 4/85، النهاية في غريب الحديث 5/235.
قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن"1.
6-
عند مسلم عن أبي سعيد أيضاً: قال أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: "بؤس 2 ابن سمية تقتلك فئة باغية"3.
هذان الحديثان دلا على حقية خلافة علي رضي الله عنه وأنه الإمام الحق بعد عثمان رضي الله عنه وأن الذين قاتلوه مجتهدون مخطئون "لا إثم عليهم ولا لوم فيما وقع بينهم من القتال".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عماراً الفئة الباغية" 4:"وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار وإن كان متأولا وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً، أو باغ بلا تأويل وهو أصح القولين لأصحابنا وهو الحكم بتخطئة من قاتل علياً وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين وكذلك أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدلاله بسيرة علي في قتال البغاة المتأولين قال: أيجعل طلحة والزبير معاً بغاة؟ رد عليه الإمام أحمد فقال: ويحك وأي شيء يسعه أن يضع في هذا المقام يعني: إن لم يقتد بسيرة علي في ذلك لم يكن معه سنة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة ـ إلى أن قال ـ ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنة في أنه ليس غير علي أولى بالحق منه"5.
1ـ صحيح البخاري 1/89.
2ـ قال ابن الأثير: ومنه حديث عمار رضي الله عنه "بؤس ابن سمية" كأنه ترحم له من الشدة التي يقع فيها" أهـ النهاية في غريب الحديث 1/89.
3ـ صحيح مسلم 4/2235.
4ـ المصدر السابق 4/2236.
5ـ مجموع الفتاوى 4/437-438
فلو قال قائل: إن قتل عمار كان بصفين "وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار، فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم"1.
قال الإمام النووي بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية":"قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك.. وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه: منها: أن عماراً يموت قتيلاً وأنه يقتله مسلمون وأنهم بغاة. وأن الصحابة: يقاتلون وأنهم يكونون فرقتين باغية وغيرها وكل هذا وقع مثل فلق الصبح صلى الله عليه وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"2.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق": "وفي هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عماراً الفئة الباغية" "دلالة واضحة على أن علياً ومن معه كانوا على الحق وأن من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم"3.
10-
وروى أبو داود بإسناده إلى سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء"4.
1ـ فتح الباري 1/542.
2ـ شرح النووي على صحيح مسلم 18/40-41.
3ـ فتح الباري 6/619.
4ـ سنن أبي داود 2/514-515.
وعند الترمذي بلفظ: "الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك"1.
وفي هذا الحديث إشارة إلى حقية خلافة علي رضي الله عنه حيث إن خلافته كانت آخر الثلاثين من مدة خلافة النبوة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وبموجب هذا قال أهل العلم.
قال أبو عمر: قال أحمد بن حنبل: حديث سفينة في الخلافة صحيح وإليه أذهب في الخلفاء2.
وقد وصف الإمام أحمد رحمه الله تعالى قول من يقول بأن علياً رضي الله عنه ليس من الخلفاء بأنه سيء ورديء.
قال عبد الله بن أحمد رحمه الله تعالى: قلت لأبي إن قوماً يقولون إنه ليس بخليفة قال: هذا قول سوء رديء فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون له يا أمير المؤمنين أفنكذبهم وقد حج وقطع ورجم فيكون هذا إلا خليفة3.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالة له في حديث سفينة: "وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أهل السنة كأبي داود. وغيره واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وثبته أحمد واستدل به على من توقف في خلافة علي من أجل افتراق الناس عليه حتى قال أحمد: "من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ونهى عن مناكحته"4.
وقال شارح الطحاوية: "ونثبت الخلافة بعد عثمان لعلي رضي الله عنهما
1ـ سنن الترمذي 3/341، والحديث في المسند 5/220-221.
2ـ جامع بيان العلم 2/225، وانظر كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ص/235.
3ـ كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص/235.
4ـ هذه الرسالة بالمكتبة الظاهرية بخطه في مسودته ق 81/2-84/2 كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 1/200.
لما قتل عثمان وبايع الناس علياً صار إماماً حقاً واجب الطاعة وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة كما دل عليه حديث سفينة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء"1.
فهذه النصوص المتقدم ذكرها كلها دالة على حقية خلافة علي رضي الله عنه وأنه رضي الله عنه أحق بالأمر وأولى بالحق من كل أحد بعد الثلاثة رضي الله عنهم جميعاً فيجب على كل مسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن علياً رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين.
1ـ شرح العقيدة الطحاوية ص/545، والحديث في سنن أبي داود 2/514-515.