الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً ومتنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار وأقوال السلف التي كانوا يواجهون بها الذين ابتلوا بالنيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت في غاية الإنكار على من وقع في ذلك وبيان الخسارة الكبيرة التي يكسبها من أراد الله فتنته بالوقوع والنيل من خير القرون.
1-
فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة، فقال لي يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة1 والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه، فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه، فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} 2، قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم قالها ثلاثاً: قال يوسف: فقلت لمحمد بن حاطب آلله لسمعت هذا من علي
1ـ هو صعصعة بن صوحان العبدي نزيل الكوفة تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة مات في خلافة معاوية. انظر ترجمته في التقريب 1/337، تهذيب التهذيب 4/422.
2ـ سورة الأحقاف آية/16.
رضي الله عنه، قال: آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه"1.
2-
وكان رضي الله عنه يعاقب بالجلد الموجع على الكلام الذي فيه إيماء أو إشارة إلى النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد ذكر ابن الأثير أن رجلين وقفا على باب الدار2 الذي نزلت فيه أم المؤمنين بالبصرة، فقال أحدهما: جزيت عنا أمناً عقوقاً.
وقال الآخر: يا أمي توبي فقد أخطأت ـ فبلغ ذلك علياً ـ فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما عجلان، وسعد ابنا عبد الله فضربها مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما"3.
3-
روى أبو داود بإسناده إلى رباح بن الحارث قال: كنت قاعداً عند فلان4 في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس بن علقمة، فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد: من يسب هذا الرجل؟ قال: يسب علياً، فقال: ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تنكر ولا تغير؟، أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ـ وإني لغني أن أقول عنه ما لم يقل فيسألني عنه غداً إذا لقيته ـ " أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"، وسكت عن العاشر، قالوا: من هو العاشر؟ فقال:
1ـ ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره 6/283.
2ـ هي دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة نزلت بها عائشة رضي الله عنها بعد انتهاء وقعة الجمل.
3ـ الكامل في التاريخ 3/257.
4ـ هو المغيرة بن شعبة كما في عون المعبود 12/402.
سعيد بن زيد ـ يعني نفسه ـ ثم قال: والله لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عمَّر عمر نوح"1.
زاد رزين2: ثم قال: "لا جرم لما انقطعت أعمارهم، أراد الله أن لا يقطع الأجر عنهم إلى يوم القيامة، والشقي من أبغضهم، والسيعد من أحبهم"3.
4-
وذكر ابن الأثير عن رزين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر"4.
5-
روى ابن بطة بإسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه قال: "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة ـ يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة"5.
1ـ سنن أبي داود 2/516.
2ـ هو رزين بن معاوية بن عمار العبدري، السرقسطي الأندلسي أبو الحسن إمام الحرمين نسبته إلى سرقسطة من بلاد الأندلس جاور بمكة زمناً طويلاً وتوفي بها، له تصانيف منها التجريد للصحاح الستة. انظر ترجمته في الرسالة المستطرفة ص/130-131، شذرات الذهب 4/106، الأعلام 3/46.
3ـ جامع الأصول 9/411.
4ـ جامع الأصول 9/408-409، مسند عائشة للسيوطي ص/164، وعزاه لابن عساكر وذكره شارح الطحاوية ص/530، وعزاه إلى مسلم وتعقبه الألباني بقوله: "هذا حديث غريب عندي وعزوه لمسلم أغرب فإني لم أقف عليه فيه بعد الاستعانة عليه بكل الوسائل الممكنة
…
ثم تيقنت عدم وجوده فيه بعد أن فرغت منذ بضعة سنين من اختصار صحيح مسلم. والأمر كما قال الشيخ الألباني وهو عدم وجوده في صحيح مسلم فإني بحثت عنه قبل أطلع على كلام الشيخ الألباني هذا.
5ـ ذكره شارح الطحاوية ص/530، وانظر الشرح والإبانة لابن بطة ص/119، فإنه أخرج الجزء الأول من قول ابن عباس هذا.
وفي رواية وكيع: "خير من عبادة أحدكم عمره"1.
6-
وروى أبو نعيم بإسناده أن يزيد بن هزاري أنه لقي سعيد بن جبير بأصبهان، فقال له: إن رأيت أن تفيدني مما عندك؟ فحبس دابته وقال: قال لي ابن عباس: احفظ عني ثلاثاً: إياك والنظر في النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة، وإياك والنظر في القدر، فإنه يدعو إلى الزندقة وإياك وشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكبك الله في النار على وجهك يوم القيامة"2.
7-
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي إلى عريب3 بن حميد قال: قام رجل فنال من عائشة رضي الله عنها، فقام عمار رضي الله عنه يتخطى الناس فقال: اجلس مقبوحاً4 منبوحاً5 أنت تقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة"6.
8-
وروى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: "يا أبا عبد الله أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم، قلت: أنى يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه"7.
9-
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: "قلت لأبي8: ما تقول في رجل سب أبا بكر؟،
1ـ ذكره أيضاً شارح الطحاوية ص/531.
2ـ أخبار أصبهان 1/324.
3ـ هو: عريب بن حميد أبو عمار الدهني كوفي ثقة من الثالثة. التقريب 3/20، التهذيب 7/191.
4ـ أي: مبعداً، النهاية في غريب الحديث والأثر 4/3.
5ـ أي: مشتوماً. النهاية في غريب الحديث 5/5.
6ـ كتاب النهي عن سب الصحابة وما فيه من الإثم والعقاب ص/21-22، وأورده ابن الأثير في النهاية 4/3.
7ـ مجمع الزوائد 9/130، وقال عقبه: "رواه الطبراني في الثلاثة وأبو يعلى ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.
8ـ هو عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم، صحابي صغير، وكان في عهد عمر رجلاً، وكان =
قال: يقتل، قلت: سب عمر؟، قال: يقتل"1.
هذه تسعة نماذج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها توضيح للطريقة التي كانوا يواجهون بها من أزاغ الله قلبه عن معرفة ما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتن بسبهم والنيل منهم، فقد كان إنكارهم عظيماً على من صدر منه ذلك، فلم يسكتوا عن المتقولين فيهم بل كانوا يردون عليهم إما بذكر فضائلهم ومالهم عند الله من المنزلة العظيمة التي لا يلحقهم فيها غيرهم مهما قدم من العمل، وإما أن يعاقبوا بجلدهم بالسياط، وقد حصل الأمران في موقف علي رضي الله عنه ممن نال من عثمان وعائشة رضي الله عنها، وبعض الصحابة كان يعتبر سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سباً للرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذلك عن أم سلمة، وبعضهم كان يفتي بقتل من سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وكل ذلك يدل على عظم الجرم الذي يقع فيه من امتلأ قلبه ببغضهم وخبث لسانه بالقول القبيح فيهم الذي لا يليق إلا بمن صدر منه وقد سلك التابعون بإحسان من أهل السنة والجماعة في مواجهة السابين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة الغلظة والشدة عليهم ولم يسكتوا عن أي تعريض بهم، بل اعتبروا الطعن في الصحابة والسب لهم مروقاً من الدين أعاذنا الله من ذلك.
10-
فقد روى أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر، ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من
= على خراسان لعلي "انظر ترجمته في الإصابة 2/381، تهذيب التهذيب 6/132-133، تقريب التهذيب 1/472.
1ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص/23.
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما"1.
11-
وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن الحسن بن علي أنه قال: "ما أرى رجلاً يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبداً"2.
12-
وقال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: "من شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقد ارتد عن دينه وأباح دمه"3.
13-
وقال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: "الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام"4.
14-
روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى الحسن بن الربيع قال: سمعت أبا الأحوص5 يقول: لو أن الروم أقبلت من موضعها يعني تقتل ما بين يديها وتقبل حتى تبلغ النخيلة ثم خرج رجل بسيفه فاستنقذ ما في أيديها وردها إلى موضعها ولقي الله وفي قلبه شيء على بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأينا أن ذلك ينفعه"6.
15-
وروى أيضاً: بإسناده إلى عبد الله بن مصعب7 قال: قال لي أمير المؤمنين ـ المهدي ـ ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
1ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص/12، وأورده الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 9/349، والسياق له.
2ـ النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب، ص/17.
3ـ الشرح والأبانة، لابن بطة ص/162.
4ـ المصدر السابق ص/162.
5ـ هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي ثقة متقن من السابعة مات سنة تسع وسبعين ومائة. التقريب 1/342.
6ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص/22.
7ـ هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو بكر القرشي الأسدي أمير من أهل العدل والورع والشعر والفصاحة، ولد بالمدينة سنة إحدى عشرة ومائة وتوفي بالرقة سنة أربعة وثمانين ومائة. ألزمه الرشيد بولاية المدينة وعمره سبعون سنة انظر ترجمته في تاريخ بغداد" 10/173-176، البداية والنهاية لابن كثير: 10/211، تهذيب التهذيب 10/162، الأعلام للزركلي 4/281-282.
فقلت: زنادقة يا أمير المؤمنين، قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك فكيف ذلك؟ قلت: إنما قوم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا أحداً من الأمة يتابعهم على ذلك فيه فشتموا أصحابه رضي الله عنهم يا أمير المؤمنين ما أقبح بالرجل أن يصحب صحابة السوء فكأنهم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم صحب صحابة السوء، فقال لي: ما أرى الأمر إلا كما قلت1.
16-
روى أبو عبيد الله بن بطه إلى أبي بكر بن عياش2 أنه قال: "لا أصلى على رافضي ولا حروري لأن الرافضي يجعل عمر كافراً، والحروري يجعل علياً كافراً"3.
17-
روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى يعقوب بن حميد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: حج هارون الرشيد أمير المؤمنين فدعاني فقال: يا سفيان إن أبا معاوية الضرير حدثني عن أبي جناب الكلبي عن أبي سليمان الهمداني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سيكون بعدي قوم لهم نبز يسمون الرافضة وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر، فإذا وجدتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون، فقلت: يا أمير المؤمنين اقتلهم بكتاب الله، فقال: يا سفيان وأين موضع ذلك من كتاب الله، فقلت: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . ..إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} 4، يا أمير المؤمنين، فمن غاظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر5.
1ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص/22-23، وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 10/175.
2ـ هو أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي المقريء مشهور بكنيبته والأصح أنها اسمه ثقة عابد إلا أنه لما كير ساء حفظه وكتابه صحيح، مات سنة أربع وتسعين ومائة. وقيل قبل ذلك. التقريب 2/399.
3ـ الشرح والإبانة لابن بطة ص/160.
4ـ سورة الفتح آية/29.
5ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب ص/24-25، وروى الطبراني عن ابن عباس قال: كنت =
18-
وقال أيضاً: من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى1.
19-
ذكر القرطبي عن عمر بن حبيب2 قال: حضرت مجلس هارون الرشيد فجرت مسألة تنازعها الحضور وعلت أصواتهم فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع بعضهم الحديث وزادت المرافعة والخصام، حتى قال قائلون منهم: "لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فنظر إلي الرشيد نظر مغضب وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل: صاحب البريد بالباب، فدخل فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي..حاسر عن ذراعيه بيده السيف، وبين يديه النطع3، فلما بصر بي قال لي: يا عمر ابن حبيب ما تلقاني أحد من الرد والدفع لي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء
= عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت لهم نبز يسمون الرافضة قاتلوهم فإنهم مشركون. قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن "مجمع الزوائد" 10/22.
1ـ ذكره عبد القادر الجيلاني في كتابه "الغنية لطالبي طريق الحق" 1/79.
2ـ هو عمر بن حبيب بن محمد العدوي قاضي من رجال الحديث ولي قضاء البصرة، ثم الشرقية للمأمون العباسي، وكان صلباً في القضاء، حسن السياسة، هابه الناس وأمنوا ضياع حقوقهم في أيامه، توفي سنة سبع ومائتين. انظر ترجمته في أخبار القضاة لوكيع 2/142، تهذيب التهذيب 7/431-432، التقريب 2/52، الأعلام للزركلي 5/201.
3ـ النطع: بالكسر بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس، أو يفرش للأكل أو اللعب.
به إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله"1.
20-
روى أبو عبيد الله بن بطة بإسناده إلى هارون بن زياد، قال: سمعت الفريابي2 ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر، فقال: كافر، قال فنصلي عليه، قال: لا فسألته: كيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته"3.
21-
وقال بشر بن الحارث4: "من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين"5.
22-
وقال أبو بكر المروزي: سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، فقال:"ما أراه على الإسلام"6.
23-
وقال محمد بن بشار7: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لو كان من عصبتي ما ورثته"8.
24-
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى إسماعيل بن
1ـ الجامع لأحكام القرآن 16/298-299.
2ـ هو محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفرياني، ثقة فاضل مات سنة اثنتي عشرة ومئتين وروى له الجماعة. التقريب 2/221، تهذيب التهذيب 9/535-537.
3ـ الشرح والإبانة ص/160.
4ـ هو بشر بن الحارث المروزي أبو نصر الحافي الزاهد الجليل المشهور ثقة قدوة مات سنة سبع وعشرين ومائتين. التقريب 1/98.
5ـ الشرح والإبانة لابن بطة ص/162.
6ـ الشرح والإبانة ص/161.
7ـ هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار ثقة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. روى له الجماعة التقريب 2/147.
8ـ الشرح والإبانة ص/160.
القاسم، قال: قال لي عبد الله بن سليمان: يا إسماعيل ما تقول فيمن يسب أبا بكر وعمر، قلت: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، قال لي القتل؟، قلت: نعم، قال: وأنى لك هذا، قلت: بآية من كتاب الله تعالى، فقال: وآية من كتاب الله؟ قلت: نعم، قال: وأي هي من كتاب الله تعالى، قلت له: قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} 1، ولا فساد في الأرض أعظم من سب أبي بكر ومر عليهما السلام، قال لي: أحسنت يا إسماعيل"2.
وهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب الصحابة عموماً وفيها بيان الخسارة الواضحة التي تلحق من أقحم نفسه في هذا الجرم الكبير وأن من ابتلي بداء المبغضين لخيار الأمة وحمله ذلك على سبهم وتجريحهم إنما رام الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبطال الشريعة الإسلامية من أساسها لأن الصحابة إذا كانوا كذابين فجميع أحكام دين الإسلام باطلة، إذ الدين لم يصل إلينا إلا عن طريقهم فهم الذين تلقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم لم يأخذه إلا عنهم، ومن طعن فيهم، أو جرحهم ماذا يبقى له من الدين وكما دلت تلك الآثار عن أولئك الأسلاف على تحريم سب الصحابة دلت كذلك على أن من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فإنه لا يضرهم وإنما يضر نفسه، فهم رضي الله عنهم قدموا على ما قدموا، وقد قدموا الخير الكثير من الأعمال الجليلة والمآثر الحميدة في نصرة دين الإسلام والكلام فيهم بغير حق يكون ذلك زيادة في حسناتهم ورفعة لدرجاتهم، لأن المتكلم فيهم بغير حق إن كانت له حسنات فإنهم يأخذون يأخذون من حسناته ويضاف ذلك إلى حسناتهم ويزدادون بذلك رفعة عند الله تعالى، وإن لم يكن للمتكلم فيهم حسنات فلا تأثير لكلامه فيهم ولا مضرة عليهم، إذ الذي مدحه الله وأثنى عليه لا يضيره ذم الخلق وتنقصهم.
1ـ سورة المائدة آية/33.
2ـ كتاب النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص/25.