المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الإسناد من خصائص الأمة الإسلامية - عناية العلماء بالإسناد وعلم الجرح والتعديل - صالح الرفاعي

[صالح حامد الرفاعي]

الفصل: ‌المبحث الثاني: الإسناد من خصائص الأمة الإسلامية

‌المبحث الثاني: الإسناد من خصائص الأُمة الإسلامية

أكرم الله عز وجل الأُمَّة الإسلامية بخصائص كثيرة (1) ، فضلها بها على غيرها من الأمم، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وإسناده حسن (2) .

ومما خص الله عز وجل به هذه الأمة: الإسناد، نقل الثقة، عن الثقة حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. هذه الخَصيْصة انفردت بها هذه الأمة، وامتازت بها عن غيرها من الأمم. روى الخطيب البغدادي، عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه قال: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات

" (3) .

(1) انظر: (كتاب كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم والأُمة) لأبي الحسن مصطفى بن إسماعيل: (ص421-564) .

(2)

رواه الإمام أحمد في المسند: (33/219 رقم 20015)، والترمذي:(5/226 رقم 3001)، وابن ماجه:(2/1433 رقم 4288)، وحسنه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي (رقم 2399) وصحيح ابن ماجه:(رقم 3461) .

(3)

شرف أصحاب الحديث: (ص40)، وفتح المغيث للسخاوي:(3/331) .

ص: 7

وقد صرح بذلك أيضاً: أبو محمد أحمد بن علي بن حزم، وأبو بكر بن العربي وغيرهما (1) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله سُلَّماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأُمَّة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لِمَنْ أعظم الله عليه المِنَّة، أهل الإسلام والسُّنَّة، يُفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمُعْوَجِّ والقويم

" (2) .

ومما يوضح ذلك ما قام به العلَاّمة رحمت الله الهندي في كتابه الماتع: "إظهار الحق" حيث عقد فصلاً في بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد.

وقد استعرض جملة من كتبهم بدءاً بالتوراة ومروراً بالأناجيل المشهورة عندهم، في دراسة نقدية دقيقة تقع في (59) صفحة، ختمها بقوله: "فظهر مما ذكرت للناظر اللبيب أنه لا يوجد سند متصل عندهم لا لكتب العهد العتيق، ولا لكتب العهد الجديد

" (3) .

وقد أدرك المسلمون ولله الحمد – منذ الصدر الأول أهمية الإسناد، وقَدَّروا هذه النعمة حق قدرها فعملوا على العناية بالأسانيد، والتزام الرواية بها، وذم من يتساهل بها أو يفرِّط فيها، فعظم النفع بها، وأثمرت تلك العناية ثماراً يانعة، كما سيأتي في المباحث اللاحقة إن شاء الله.

(1) انظر: الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحل لأبي محمد بن حزم: (2/82-83)، وفهرس الفهارس والأثبات للكَتاني:(1/80) .

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (1/9)، وانظر أيضاً: منهاج السنة النبوية له: (7/37) .

(3)

انظر: إظهار الحق: (1/109-167) .

ص: 8