الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: علم الجرح والتعديل وأثره في حفظ السنة النبوية
المبحث الأول: تعريف علم الجرح والتعديل
…
المبحث الأول: تعريف علم الجرح والتعديل
أولاً: تعريف الجرح:
الجرح في اللغة: يدل على شيئين: الكسب، وشق الجلد.
فالأول قولهم: اجترح إذا عمل وكَسَبَ.
والثاني قولهم: جرحه بحديدة جَرْحاً (1) .
وفي الاصطلاح: وصف الراوي بما يقتضي رد روايته.
والرد إما أن يكون مطلقا كرواية الكذاب ومن ضُعف تضعيفاً شديداً، وإما أن يكون مقيداً بتفرد الراوي وعدم وجود المتابع أو الشاهد.
كرواية "صدوق سيئ الحفظ" أو المختلط بعد الاختلاط ونحوهما (2) .
والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: أن اكتساب الراوي ما ينافي العدالة مدعاة لأن يجرحه الناس ويهتكوا حرمته (3) .
ثانياً: تعريف التعديل:
التعديل: لغة من العَدْل، وهو ما قام في النفوس أنه مستقيم.
وتعديل الشيء: تقويمه، بحيث يكون مستقيماً (4) .
وفي الاصطلاح: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته (5) .
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس: (1/451) .
(2)
انظر: ضوابط الجرح والتعديل للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص10) .
(3)
انظر: المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل للدكتور فاروق حمادة: (ص19) .
(4)
انظر: لسان العرب لابن منظور: (11/430، 432) .
(5)
المختصر في علم رجال الأثر، لعبد الوهاب عبد اللطيف (ص 43)، وانظر: جامع الأصول لابن الأثير: (1/126) .
ثالثاً: تعريف علم الجرح والتعديل ومراتب ألفاظه:
هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ (1) .
والألفاظ المخصوصة هي: ألفاظ التعديل وألفاظ التجريح، وهي كثيرة، فمثال ألفاظ التعديل: ثقة، ثَبْتٌ، صدوق.
ومثال ألفاظ التجريح: ضعيف، متروك، كذاب.
وألفاظ التعديل منها ما يدل على المرتبة العليا في التثبت والضبط، ومنها ما يدلُّ على المرتبة الدنيا، وبينهما مراتب متفاوتة. وكذلك ألفاظ التجريح، منها ما يدل على أسوأ التجريح، ومنها ما يدل على أدناه، وبينهما مراتب متفاوتة أيضاً (2) .
وأول من ذكر هَذه المراتب أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) حيث قال في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل":
"وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى، فإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو متقن، ثبت، فهو ممن يُحتج بحديثه.
وإذا قيل له: إنه صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به، فهو ممن يُكتب حديثه ويُنظر فيه، وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل: شيخ، فهو بالمنزلة الثالثة، يُكتب حديثه ويُنظر فيه، إلا أنه دون الثانية.
(1) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة: (1/582) .
(2)
انظر: فتح المغيث للسخاوي: (2/108 -130) ، وشفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل لأبي الحسن مصطفى بن إسماعيل، وضوابط الجرح والتعديل للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف:(ص: 171-173) .
وإذا قيل: صالح الحديث، فإنه يكتب حديثه للاعتبار" (1) .
فهذه مراتب التعديل عند أبي حاتم رحمه الله، جعلها أربع مراتب، ثم ذكر مراتب التجريح، فجعلها أربع مراتب أيضاً، فقال رحمه الله:
"وإذا أجابوا في الرجل بليِّن الحديث، فهو ممن يُكتب حديثه ويُنظر فيه اعتباراً.
وإذا قالوا: ليس بقوي، فهو بمتزلة الأول في كتبة حديثه، إلا أنه دونه.
وإذا قالوا: ضعيف الحديث، فهو دون الثاني، لا يطرح حديثه، بل يُعتبر به.
وإذا قالوا: متروك الحديث، أو ذاهب الحديث، أو كذاب، فهو ساقط الحديث، لا يُكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة" (2) .
وأضاف أبو عمرو بن الصلاح (ت 643هـ) ، وشمس الدين الذهبي (ت748هـ) ، وزين الدين العراقي (ت806هـ) ألفاظاً أخرى.
وزاد الذهبي والعراقي مرتبة خامسة في مراتب التجريح (3) ، وتلاهم الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) فأضاف إضافات مهمة في الألفاظ والمراتب (4) .
ثم جاء شمس الدين السخاوي (ت902هـ) فاستفاد من هذه الجهود المتقدمة فقسم كلاً من ألفاظ التعديل وألفاظ التجريح إلى ست مراتب،
(1) الجرح والتعديل: (2/37) .
(2)
المصدر السابق.
(3)
انظر: علوم الحديث لابن الصلاح: (ص: 237-240)، والميزان للذهبي:(1/4)، وشرح التبصرة والتذكرة للعراقي:(2/2-12)، وضوابط الجرح والتعديل للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف:(ص: 171-173) .
(4)
انظر: تقريب التهديب: (ص: 74)، ونزهة النظر:(ص: 69-70) .
وعليها استقر العمل، وهذه المراتب هي:
أولاً: مراتب ألفاظ التعديل:
المرتبة الأولى: ما أتى بصيغة أفعل، كأن يقال: أوثق الناس أو أثبت الناس، أو إليه المنتهى في التثبت، ويحتمل أن يلحق بها: لا أعرف له نظيراً في الدنيا.
المرتبة الثانية: فلان لا يسأل عن مثله، ونحو ذلك.
المرتبة الثالثة: ثقة ثبت، أو ثبت حجة، أو ثقة ثقة.
المرتبة الرابعة: ثقة، أو ثبت، كأنه مصحف، أو فلان متقن أو حجة، وكذا إذا قيل للعدل: حافظ، أو ضابط.
المرتبة الخامسة: ليس به بأس، أو لا بأس به، أو صدوق، أو مأمون، أو خيار.
المرتبة السادسة: محله الصدق، ورووا عنه، أو روى الناس عنه، أو يروى عنه، أو إلى الصدق ما هو (1) ، وكذا شيخ وسط، أو وسط، أو شيخ، ومقارب الحديث – بكسر الراء – ومقارب الحديث – بفتحها (2) -، وصالح الحديث، أو جيد الحديث، أو حسن الحديث، أو ما أقرب حديثه، أو صويلح، أو صدوق إن شاء الله، أو أرجو أن لا بأس به، أو يكتب حديثه، فَطِن كَيّس، ما علمت فيه جرحاً، ما أعلم به بأساً.
(1) يعني: أنه ليس ببعيد عن الصدق. قاله السخاوي: فتح المغيث (2/114) .
(2)
بكسر الراء معناه: حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، وبفتح الراء أي: حديثه يقاربه حديث غيره. ذكره السخاوي أيضاً.
ثانياً: مراتب ألفاظ التجريح:
المرتبة الأولى: أكذب الناس، أو إليه المنتهى في الوضع، أو هو ركن الكذب، ونحو ذلك.
المرتبة الثانية: كذاب، أو يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكذب، أو وضاع، أو دجال، أو وضع حديثاً.
المرتبة الثالثة: فلان يسرق الحديث، أو متهم بالكذب، أو بالوضع، أو ساقط، أو هالك، أو ذاهب الحديث، أو متروك، أو تركوه، أو مجمع على تركه، أو هو على يدي عدل (1) ، أو مودٍ - بالتخفيف -، أو فيه نظر أو سكتوا عنه عند البخاري، أو فلان لا يعتبر به، أو لا يعتبر بحديثه، أو ليس بالثقة، أو ليس بثقة، أو غير ثقة ولا مأمون.
المرتبة الرابعة: فلان رُدّ حديثه، أو ردوا حديثه، أو مردود الحديث، أو ضعيف جداً، أو واهٍ بمرة، أو تالف، أو طرحوا حديثه، أو ارمِ به، أو مطَّرح، أو مطّرح الحديث، أو لا يُكتب حديثه، أو لا تحل كتبة حديثه، أو لا تحل الرواية عنه، أو ليس بشيء، أو لا شيء، أو لا يساوي فلساً، أو لا يساوي شيئاً.
المرتبة الخامسة: فلان ضعيف، أو منكر الحديث، أو حديثه منكر، أو له ما يُنكَر، أو له مناكير، أو مضطرب الحديث، أو واهٍ، أو ضعَّفوه، أو لا يحتج به.
(1) كناية عن الهالك، وكذا قوله: مودٍ – بالتخفيف – أي: هالك، انظر: فتح المغيث للسخاوي (2/128-129) .
المرتبة السادسة: فلان فيه مقال، أو أدنى مقال، أو ضُعِّف، أو فيه ضعف، أو في حديثه ضعف، أو تُنْكِر وتَعْرِف، أو ليس بذاك، أو ليس بذاك القوي، أو ليس بالمتين، أو ليس بالقوي، أو ليس بحجة، أو ليس بعمدة، أو ليس بمأمون، أو ليس من إبل القباب (1) ، ونحوه ليس من جمال المحامل، أو ليس بالمرضي، أو ليس يحمدونه، أو ليس بالحافظ، أو غيره أوثق منه، أو في حديثه شيء، أو مجهول، أو فيه جهالة، أو لا أدري ما هو، أو للضعف ما هو، أو فيه خُلْف، أو طعنوا فيه، أو مطعون فيه، أو نزكوه (2) ، أو فلان سيئ الحفظ، أو ليّن، أو ليّن الحديث، أو فيه لين، أو تكلموا فيه، وكذا سكتوا عنه أو فيه نظر من غير البخاري.
والحكم في المراتب الأربع الأول من ألفاظ التجريح أنه لا يحتج بواحد من أهلها، ولا يستشهد به ولا يُعتبر به
…
وما عدا الأربع
…
يخرج حديثه للاعتبار، لإشعار هذه الصيغ بصلاحية المتصف بها لذلك وعدم منافاتها لها" (3) .
(1) قال الحافظ ابن حجر: "هذه العبارة يؤخذ منها أنه يُروى حديثه ولا يحتج بما ينفرد به، كما لا يخفى من الكناية المذكورة "، ذكره السخاوي في فتح المغيث:(2/124) .
(2)
أي طعنوا فيه. ذكره السخاوي.
(3)
فتح المغيث للسخاوي: (2/108- 125) .