الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقب سلمان الفارسى
3810 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَلْمَانُ الْفَارِسِىُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: جَىٌّ، وَكَانَ أَبِى دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّاىَ، حَتَّى حَبَسَنِى فِى بَيْتِهِ أَىْ مُلازِمَ النَّارِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِى الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ الَّذِى يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ: وَكَانَتْ لأَبِى ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ: فَشُغِلَ فِى بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِى: يَا بُنَىَّ، إِنِّى قَدْ شُغِلْتُ فِى بُنْيَانٍى هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِى، فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِى فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِى مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِى إِيَّاىَ فِى بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِى صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِى أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِى نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِى وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِى، وَقَدْ بَعَثَ فِى طَلَبِى وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَىْ بُنَىَّ أَيْنَ كُنْتَ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِى كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِى مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: أَىْ بُنَىَّ لَيْسَ فِى ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَلَاّ وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، قَالَ: فَخَافَنِى فَجَعَلَ فِى رِجْلَىَّ قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِى فِى بَيْتِهِ، قَالَ: وَبَعَثَتْ إِلَىَّ النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى
⦗ص: 32⦘
فَأَخْبِرُونِى بِهِمْ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، قَالَ: فَأَخْبَرُونِى بِهِمْ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِى بِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ أَخْبَرُونِى بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَىَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الأَسْقُفُّ فِى الْكَنِيسَةِ قَالَ: فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّى قَدْ رَغِبْتُ فِى هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِى كَنِيسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّى مَعَكَ، قَالَ: ادْخُلْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا، فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً لَا
يُصَلِّى الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَزْهَدُ فِى الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبُ فِى الآخِرَةِ، وَلا أَدْأَبُ لَيْلاً وَنَهَارًا مِنْهُ، قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّى كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِى بِى؟ وَمَا تَأْمُرُنِى؟ قَالَ: أَىْ بُنَىَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا، وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَاّ رَجُلاً بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِى أَنَّكَ عَلَى مثل أَمْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِى: أَقِمْ عِنْدِى، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا
حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِى إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِى بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنَ اللَّهِ، عز وجل، مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِى بِى؟ وَمَا تَأْمُرُنِى؟ قَالَ: أَىْ بُنَىَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلاً عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَاّ بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِى، وَمَا أَمَرَنِى بِهِ صَاحِبِى، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِى، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَته الْوَفَاةُ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا، كَانَ أَوْصَى بِى إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِى فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِى بِى؟ وَمَا تَأْمُرُنِى؟ قَالَ: أَىْ بُنَىَّ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِىَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَاّ رَجُلاً بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِى، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِى، فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِى بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ إِنِّى كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ، فَأَوْصَى بِى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِى فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِى بِى؟ وَمَا تَأْمُرُنِى؟ قَالَ: أَىْ بُنَىَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ [ما] أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِىٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ، فَافْعَلْ، قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِى نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِى إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِى هَذِهِ وَغُنَيْمَتِى هَذِهِ، قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا، وَحَمَلُونِى حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِى وَادِى الْقُرَى ظَلَمُونِى فَبَاعُونِى مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِى وَصَفَ لِى
صَاحِبِى وَلَمْ يَحِقْ [لِى] فِى نَفْسِى، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِى مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِى إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِى، فَأَقَمْتُ بِهَا وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ،
ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لَفِى رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِى أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِى جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِى قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ [بِقُبَاءَ] عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ [عَلَيْهِمْ] مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِى الْعُرَوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِى، قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِى فَلَكَمَنِى لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا شَىْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِى شَىْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ:[إِنَّهُ] قَدْ بَلَغَنِى أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَىْءٌ كَانَ عِنْدِى لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَلَمْ يَأْكُلْ، قَالَ: فَقُلْتُ فِى نَفْسِى: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّى رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ فِى نَفْسِى: هَاتَانِ اثْنَتَانِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِى وَصَفَ لِى صَاحِبِى، فَلَمَّا رَآنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّى أَسْتَثْبِتُ فِى شَىْءٍ وُصِفَ لِى، قَالَ: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ
أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِى، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَحَوَّلْ، فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِى كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ، فَكَاتَبْتُ صَاحِبِى عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا أَخَاكُمْ، فَأَعَانُونِى بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، يَعْنِى الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِى ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ، فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِى أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَىَّ، فَفَقَّرْتُ لَهَا، وَأَعَانَنِى أَصْحَابِى حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِى إِلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِىَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ، وَبَقِىَ عَلَىَّ الْمَالُ، فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِى، فَقَالَ: مَا فَعَلَ سَلْمَانُ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَىَّ؟ قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل سَيُؤَدِّى بِهَا عَنْكَ، قَالَ:
فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِى نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِى مَعَهُ مَشْهَدٌ.
3811 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قُلْتُ وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنِ الَّذِى عَلَىَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهَا فَأَوْفِهِم
⦗ص: 36⦘
ْ مِنْهَا، فَأَخَذْتُهَا فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ كُلَّهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.
3812 -
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى قُرَّةَ الْكِنْدِىِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ، قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَبْنَاءِ أَسَاوِرَةِ فَارِسَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِى أَرْضٌ وَتَخْفِضُنِى أُخْرَى حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَعْرَابِ، فَاسْتَعْبَدُونِى، فَبَاعُونِى حَتَّى اشْتَرَتْنِى امْرَأَةٌ، فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَقُلْتُ لَهَا: هَبِى لِى يَوْمًا؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ حَطَبًا فَبِعْتُهُ، فَصَنَعْتُ طَعَامًا، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ، قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِهِ، ثُمَّ مَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، فَقُلْتُ لِمَوْلَاتِى: هَبِى لِى يَوْمًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ حَطَبًا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَنَعْتُ طَعَامًا فَأَتَيْتُهُ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ فَوَضَعَ يَدَهُ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَقُمْتُ خَلْفَهُ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَحَدَّثْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ، وَقُلْتُ: أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِى أَنَّكَ نَبِىٌّ، فَقَالَ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخْبَرَنِى أَنَّكَ نَبِىٌّ أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ.
3813 -
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِى حُسَيْنٌ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: جَاءَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ:
⦗ص: 37⦘
صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ، قَالَ: ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَرَفَعَهَا، فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ فَقَالَ: هَدِيَّةٌ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: ابْسُطُوا، فَنَظَرَ إِلَى الْخَاتَمِ الَّذِى عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ، وَكَانَ لِلْيَهُوَدِ، فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلاً فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى يَطْعَمَ، قَالَ: فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّخْلَ إِلَاّ نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَحَمَلَتِ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا، وَلَمْ تَحْمِلِ النَّخْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالَ عُمَرُ: أَنَا غَرَسْتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ غَرَسَهَا، فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا.