الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج ليس بينهما تعارض، فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب، فإنه لا يغفر له ومأواه النار، كما قال الله سبحانه {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} وقال عز وجل {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة. أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} . فهي في حق التائبين، وهكذا قوله سبحانه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين.. والله وليُّ التوفيق.
الشيخ ابن باز
* * *
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
س ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم، ولمَ لم يكن القرآن كله مُحْكمًا حتى لا يتأوّل الناس منه إلا الحق؟
ج اعلم أن القرآن وصفه الله عز وجل بثلاثة أوصاف؛ فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله تعالى {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} . وفي قوله {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ} . ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} . وهذا عام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به، ومعنى كونه متشابهًا أن بعضه يشبه بعضًا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة، فلا نجد في القرآن أحكامًا متناقضة أو أخبارًا متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} . أما الوصف الثالث للقرآن، أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} . والمحكم هنا ما كان معناه بيّنًا ظاهرًا لأن الله تعالى قابله بقوله {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} . وتفسير الكلمة يعلم بذكر ما يقابلها، وهذه قاعدة من قواعد التفسير ينبغي للمفسر أن ينتبه لها، وهي أن الكلمة قد يظهر
معناها بما قوبلت به؛ وانظر إلى قوله تعالى {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . فإن كلمة ثُبات قد تبدو مشكلة للإنسان، ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها، فإن معنى قوله {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} . أي متفرقين فُرادى. {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . أي مجتمعين. هكذا قوله تعالى {مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} . نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحًا غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم، مثل قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} . وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى. ومنه آيات متشابهات، متشابهات يخفى معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، كما قال تعالى {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . على قراءة من قرأها بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان أحدهما الوقف على قوله {إِلَّا اللَّهُ} ، والثاني الوصل. ولكل قراءة وجه. وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكمًا بل جعل منه شيئًا متشابهاً؟ فالجواب عليه من وجهتين أولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام، كما ذكرنا في أول الجواب، وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة، فإننا إذا رددنا المتشابه إلى المحكم صار معناه واضحًا بينًا، وصار الجميع كله محكمًا. أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم، أوجده لحكمة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار، حيث إن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقًا إلى الفتنة، وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه وليكون بهذا ابتلاء وامتحانًا من الله سبحانه وتعالى له، وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن، يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية، فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحانًا للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته ، وانظر إلى ما ابتلي به الله أهل السبت حين حرّم عليهم الحيتان في يوم السبت، ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرَّعًا على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم، لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركًا في يوم الجمعة، لتقع فيه الحيتان، فيأخذونها يوم الأحد، فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة. وانظر كذلك إلى ما ابتلي الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ