الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة، إنْ منَّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وعلم وخير، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لا ينقصنا شيء.
ثم نعود إلى السؤال وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟
فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين موكلين بهم يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوا. ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان وكمال حكمه تبارك وتعالى لهذا الكون. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين
* * *
حكم الشهادة لشخص معين بأنه شهيد وحكم من مات غريقًا وهو سكران
س لقد قرأت حديثاً لأبي هريرة الصحابي الجليل رضي الله عنه عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما تعدون الشهداء فيكم؟ " قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال " إن شهداء أمتي إذا لقليل "، قالوا فمن يا رسول الله؟ قال " من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات بالبطن فهو شهيد، والغريق شهيد " رواه مسلم. فهل من مات غريقاً وهو سكران تكتب له الشهادة علماً بأن الغريق يعد شهيداً حسبما نص الحديث نرجو من فضيلتكم الإفادة؟ ج قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه إلى أننا في عصرنا هذا أصبح اسم الشهيد رخيصاً عند كثير من الناس، حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً للشهادة، وهذا أمر محرم فلا يجوز لأحدٍ أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين أحدهما أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فارتج الجبل بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان "، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة بعينه شهدنا له بأنه شهيد تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له في ذلك. والقسم الثاني ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة على وجه العموم
كما في الحديث الذي أشار إليه السائل في إن من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد والغريق شهيد، إلى غير ذلك من الشهداء الذين ورد الحديث بالشهادة العامة. وهذا القسم لا يجوز أن نطبقه على شخص بعينه وإنما نقول من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد، ولا نخص بذلك رجلا بعينه، لأن الشهادة بالوصف غير الشهادة بالعين. وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا في صحيحه فقال باب لا يقال فلان شهيد، واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله أعلم بمن يجاهد في سبيله "، وقوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بمن يكلم في سبيله "، أي يجرح. وساق تحت هذا العنوان الحديث الطويل المشهور في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان شجاعاً مقداماً لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه. فامتدحه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق البخاري رحمه الله الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ". وهذا الاستدلال الذي استدل به البخاري رحمه الله على الترجمة استدلال واضح. لأن قوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بمن يجاهد في سبيله ". يدل على أن الظاهر قد يكون الباطن مخالفاً له والأحكام الأخروية تجرى على الباطن لا على الظاهر. وقصة الرجل التي ساقها البخاري رحمه الله تحت هذا العنوان ظاهرة جداً. فإن الصحابة رضي الله عنهم أثنوا على هذا الرجل بمقتضى ظاهر حاله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إنه من أهل النار، فاتبعه رجل من الصحابة رضي الله عنهم ولزمه فكان آخر عمل هذا الرجل أن قتل نفسه بسيفه. فنحن لا نحكم بالأحكام الأخروية على الناس بظاهر حالهم وإنما نأتي بالنصوص على عمومها والله أعلم هل تنطبق على هذا الرجل الذي اتصف بهذا الوصف، قيصدق عليه الحكم أولا. وقد ذكر صاحب الفتح " فتح الباري في شرح صحيح البخاري " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال (إنكم تقولون في مغازيكم أن فلانا شهيد ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد ألقته راحلته، ألا لا تقولوا ذلك، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد) . قاله في الفتح وهو حديث حسن وعلى هذا فنحن نشهد بالشهادة على صفة ما جاء بها النص، إن كان في شخص معين شهدنا بها للشخص الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كانت على سبيل العموم، شهدنا بها على سبيل العموم، ولا نطبقها على شخص