الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فإن قوله {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها، أقول ليس له حق شرعي أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره. فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يتمتع هذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلا أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده؟ إذا تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله. ولكن حساب الكافر على عمله يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساًبا يسرًا؛ يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) . أما الكافر - والعياذ بالله - فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويُخزى بها على رؤوس الأشهاد
…
الشيخ ابن عثيمين
* * *
فوائد ابتلاء المؤمن
س لماذا يثقل الله على المؤمنين الذين يكثرون العبادة بالأمراض والبلايا في حين أن العصاة يتمتعون بكل مطايب الدنيا؟
هذا السؤال يَرِد على وجهين أحدهما اعتراض والثاني استرشاد، فأما وقوعه على سبيل الاعتراض فإنه دليل على جهل السائل، فإنّ حكمة الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تبلغها عقولنا والله عز وجل يقول {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فهذه الروح التي هي بين جنبينا والتي هي مادة حياتنا نحن لا نعرفها وقد عجز النظار والفلاسفة والمتكلمون عن تحديدها وكيفيتها، فإذا كانت هذه الروح التي هي أقرب مخلوق إلينا لا نعلم منها إلا ما وُصف في الكتاب والسنة فما بالك بما وراء هذا؟ فالله عز وجل أحكم وأعظم وأجل وأقدر، فعلينا أن نسلم بقضائه تسليماً تاماً قضائه الكوني وقضائه القدري، لأننا عاجزون عن إدراك غايات حكمته سبحانه وتعالى، وعليه فالجواب عن هذا الوجه من السؤال أن نقول الله أعلم وأحكم وأقدر وأعظم. وأما الوجه الثاني وهو سؤال استرشاد فإننا نقول لهذا
السائل المؤمن يبتلى وابتلاء الله له بما يؤذيه له فائدتان عظيمتان الفائدة الأولى اختبار هذا الرجل في إيمانه. هل إيمانه صادق أو متزعزع، فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره، ويحتسب الأجر منه وحينئذ يهون عليه الأمر، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً. هذه فائدة. أما الفائدة الثانية فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من ابتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً وأتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب، أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء، قال الله تعالى {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} . فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب.
الشيخ ابن عثيمين
* * *