المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌ هل يجوز المشاركة في الاحتفال بذكرى المعراج

- ‌ لا يجوز إقامة عيد ميلاد لأحد

- ‌ خلع النعال عند التحية

- ‌ الولائم التي تقدم إلى الأولياء

- ‌ حكم حمل الجنازة مع أناشيد البردة

- ‌بدع من تسمى بخادم الحجرة النبوية وأمثاله

- ‌الفتن

- ‌ما يفعل وقت الفتن

- ‌أشراط الساعة

- ‌ أوثق كتاب يتحدث عن أشراط الساعة وعن الملاحم

- ‌ المهدي

- ‌ الخبر في المهدي المنتظر ونزول عيسى عليه السلام

- ‌ خروج المهدي

- ‌ من المهدي

- ‌ المسيح الدجال

- ‌ فتنة الدجال

- ‌ يأجوج ومأجوج

- ‌الفرق بين الاسم والصفة

- ‌جواز التسمي بالاسم المشترك

- ‌ترجمة أسماء الله

- ‌صفة المجيء

- ‌صفة الهرولة

- ‌وصف الله بالعقل المدبر

- ‌صفة الاستواء

- ‌القرآن كلام الله

- ‌قول سبحان الذي عينه لا تنام

- ‌دفع شبهة الحلول

- ‌الأشاعرة

- ‌رمي ابن تيمية بالتجسيم

- ‌تأويل الصفات

- ‌ أفضل كتاب يبحث في التوحيد والعقائد الإسلامية

- ‌ عدد الأنبياء والرسل

- ‌أول الرسل

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌قبر إسماعيل عليه السلام

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌الخضر عليه السلام

- ‌ هل الخضر نبي

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌الإجابة عن شبه حول بعض الأنبياءومسائل في العقيدة

- ‌عموم الرسالة

- ‌دعوة الرسل إلى الله

- ‌ الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ما يتعلق بأهل الكتاب

- ‌من هم أهل الكتاب

- ‌معاملة الجيران من أهل الكتاب

- ‌الاستغفار للمشركين

- ‌قراءة الإنجيل

- ‌بدء الكافر بالسلام

- ‌تهنئة النصارى بأعيادهم

- ‌عذاب القبر

- ‌البعث يوم القيامة

- ‌محاسبة الناس يوم القيامة

- ‌دخول الجنة بفضل الله وليس بالعمل

- ‌الجزاء والثواب على العمل

- ‌وضع ذنوب المسلم على اليهودي والنصراني

- ‌مصير الملائكة يوم القيامة

- ‌موت العصاة من أهل النار

- ‌وزر الزنا على الزاني

- ‌مصير أهل الفترة

- ‌من غير في دين الله

- ‌أبناء الكفار

- ‌ مصير أبناء الكفار

- ‌ إبليس من الجن وليس من الملائكة

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌هل الإنسان مسير أم مخير

- ‌ الإنسان مخير ومسير

- ‌توفيق الله العبد للإيمان

- ‌تمني الموت

- ‌التسخط وعدم الرضا بالقدر

- ‌عدم الندم على ما فات

- ‌الانتحار

- ‌قول الإنسان: قابلت فلانا صدفة

الفصل: ‌ ‌عذاب القبر

‌عذاب القبر

ص: 439

فتوى رقم (1979) :

س: إني سمعت من علماء الإسلام أن الميت يصير حيا في القبر ويجيب على سؤال الملائكة ويعذب إذا بان منه الكفر وعدم الاستقامة في الإسلام في الحياة الدنيا، وإني كمسلم بمبادئ الإسلام لم أجد في القرآن الكريم برهانا صريحا يدل على سؤال صاحب القبر وعقابه ويقول تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1){ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (2){فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (3){وَادْخُلِي جَنَّتِي} (4) حسب فهمي الضعيف أن النفس ترجع إلى ربها بعد خروجها من الجسد، ولم أفهم أن النفس تكون مع جسدها في القبر منعمة. وأيضا يقول الله تعالى:{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (5) إلخ، وأفهم من هذه الآية أيضا أن الإماتة مرتان وقت النطفة ووقت خروج النفس من الجسد، كما أفهم أن الإحياء مرتان الحياة في بطن الأم ووقعت البعث، ولم أفهم من الآية إشارة تدل على سؤال القبر وعذابه، يقول تعالى:{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} (6) إلخ، وهذا يدل

(1) سورة الفجر الآية 27

(2)

سورة الفجر الآية 28

(3)

سورة الفجر الآية 29

(4)

سورة الفجر الآية 30

(5)

سورة غافر الآية 11

(6)

سورة يس الآية 52

ص: 440

على أن الكفار نائمون والنوم في القبر ينافي العقاب فيه. وبالنهاية أرجو يا صاحب الفضيلة أن أجد منكم جوابا شافيا لظمأي كما كانت إجاباتكم الدينية دائما؟

ج: أولا: أدلة الأحكام الشرعية كما تكون من القرآن تكون من السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا؛ لعموم أمره تعالى بأخذ ما جاءنا به من نصوص الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) ولأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إنما يشرع لنا بوحي من الله تعالى كما قال سبحانه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3){عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (4) الآيات، ولأن اتباعه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عموما دليل على الإيمان بالله ومحبته سبحانه ويترتب عليه محبة الله ومغفرته لمن اتبعه، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5) ولأمره تعالى بطاعته صلى الله عليه وسلم وحكمه بأن طاعته طاعة لله قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (6) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (7)

(1) سورة الحشر الآية 7

(2)

سورة النجم الآية 3

(3)

سورة النجم الآية 4

(4)

سورة النجم الآية 5

(5)

سورة آل عمران الآية 31

(6)

سورة آل عمران الآية 32

(7)

سورة النساء الآية 59

ص: 441

وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (1) إلى غير ذلك من آيات القرآن التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وأخذ ما ثبت عنه والعمل به، فالسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم حجة تثبت بها الأحكام عقيدة وعملا، كما أن القرآن حجة تثبت بها الأحكام صراحة واستنباطا على مقتضى قواعد اللغة العربية وطريقة العرب في فهمهم للغتهم.

ثانيا: عذاب الكافرين في قبورهم ممكن عقلا وقد دل القرآن على وقوعه، من ذلك قوله تعالى:{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} (2){النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (3) فهذا بيان واضح في إثبات العذاب في القبر بالنار؛ لأنه لا غدو ولا عشي يوم القيامة، ولقوله في ختام الآية:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (4) فإنما يدل على عذاب أدنى قبل قيام الساعة وهو عرضهم على النار، وما هو إلا عذاب القبر، وفرعون وآله ومن سواهم من الكافرين سواء في حكم الله وعدله في الجزاء، ومن ذلك أيضا قوله تعالى:{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} (5){يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (6){وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (7)

(1) سورة النساء الآية 80

(2)

سورة غافر الآية 45

(3)

سورة غافر الآية 46

(4)

سورة غافر الآية 46

(5)

سورة الطور الآية 45

(6)

سورة الطور الآية 46

(7)

سورة الطور الآية 47

ص: 442

فإنه يدل على تعذيب الكافرين عذابا أدنى قبل قيام الساعة وهو عام لما يصيبهم الله تعالى به في الدنيا وما يعذبهم به في قبورهم قبل أن يبعثوا منها إلى العذاب الأكبر، وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم:«كان يستعيذ في صلاته من عذاب القبر ويأمر أصحابه بذلك (1) » وثبت «أنه بعد أن صلى صلاة كسوف الشمس وخطب الناس أمرهم أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر (2) » ، واستعاذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات في بقيع الغرقد حينما كان يلحد لميت من أصحابه، ولو لم يكن عذاب القبر ثابتا لم يستعذ بالله منه ولا أمر أصحابه به. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (3) يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره، وأن المؤمن يوفق في الإجابة

(1) أحمد (2 / 237، 288، 298، 416، 423، 454، 467) ، ومسلم برقم (588) ، وأبو داود برقم (983) ، والنسائي في [المجتبى](3 / 58) ، وابن ماجه برقم (909) .

(2)

البخاري [فتح الباري] برقم (1049، 1055، 1272، 6366) ، ومسلم برقم (903) ، والبيهقي في [إثبات عذاب القبر](177، 178) .

(3)

سورة إبراهيم الآية 27

ص: 443

وينعم في قبره، وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره، وسيجيء ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قريبا ومن أدلة عذاب القبر أيضا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وغرز على كل قبر واحدة وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا (1) » وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت سؤال الميت في قبره وثبوت نعيمه فيه أو عذابه حسب عقيدته وعمله بما لا يدع مجالا للشك في ذلك، ولم يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم في ثبوت ذلك خلاف؛ ولذا قال بثبوته أهل السنة والجماعة، ومما ورد في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والحاكم وأبو عوانة الإسفراييني في صحيحيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وهو يلحد له، فقال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات، ثم

(1) أحمد (2 / 441) ، والبخاري [فتح الباري] برقم (1361، 1378) ، ومسلم برقم (292) ، والبيهقي في [إثبات عذاب القبر] برقم (117، 118، 119، 122، 123، 125، 127، 233) ، وابن أبي شيبة في [المصنف](1 / 112) .

ص: 444

قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال فيصعدون بها، فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله، فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول الله، فيقولان له ما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي

ص: 445

فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، وقال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول أنا عملك الصالح فيقول يا رب، أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الله عز وجل: اكتبوا

(1) أحمد (4 / 287، 288، 295، 297، 296) ، ومسلم برقم (2871) ، وأبو داود برقم (4753) ، والحاكم في [المستدرك](1 / 37) ، والطيالسي في [المسند] برقم (753) ، وابن أبي شيبة في [المصنف](3 / 374) ، والبيهقي في [إثبات عذاب القبر] برقم (1، 2، 20) ، وهناد بن السري وعبد بن حميد وابن مردويه كما في [الدر المنثور](3 / 453)، وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد] : رجال أحمد رجال الصحيح، وابن ماجه في [السنن] برقم (4269) .

ص: 446

كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: فتعاد، روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول هاه، هاه، لا أدري، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه، هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول أنا عملك الخبيث، فيقول رب، لا تقم الساعة (2) » اهـ (3) .

ثالثا ليس بمحال في المعقول أن تسأل الملائكة الأموات في قبورهم وأن يجيبهم الأموات أو يخذلوا جزاء وفاقا بما قدموا، وليس ببعيد

ص: 447

في عظيم قدرة الله تعالى وعجائب سننه الكونية أن ينعم المؤمنين في قبورهم ويعذب الكافرين فيها، فإن من أمعن النظر في الكون وضح له عموم مشيئة الله ونفاذها وشمول قدرته تعالى وكمالها وإحكام خلقه ودقة تدبيره وإبداعه لما صوره، وسهل عليه اعتقاد ما وردت به النصوص الصحيحة في سؤال المقبورين ونعيمهم أو عذابهم، وقد ثبت فيها أن الله تعالى يعيد الروح إلى من مات بعد دفنه إعادة تجعله حيا حياة برزخية وسطا بين حياته في دنياه وحياته بعد أن يبعثه الله يوم القيامة، وهذه الحياة الوسط بين الحياتين تؤهله لسماع السؤال والإجابة عنه إذا وفق، وتجعله يحس بالنعيم أو العذاب، وقد تقدمت الأحاديث في ذلك، ولله في تدبيره وخلقه شؤون لا تحيط بها العقول لقصورها، ولا تحيلها بل تحكم بإمكانها وإن كانت تحار في تعليلها وتعجز عن الوقوف على كنهها وحقيقتها وعن معرفة مداها وغاياتها، فعلى الإنسان إذا عجز عن شيء وخفي عليه أمره أن يتهم نفسه بالقصور ولا يتهم ربه في علمه وحكمته وقدرته وما ذكر في السؤال من الآيات لا يتنافى مع سؤال الميت في القبر ونعيمه أو عذابه، أما قوله تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1){ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (2){فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (3){وَادْخُلِي جَنَّتِي} (4) فإنه

(1) سورة الفجر الآية 27

(2)

سورة الفجر الآية 28

(3)

سورة الفجر الآية 29

(4)

سورة الفجر الآية 30

ص: 448

خطاب للنفس عند قيام الساعة لا عند خروجها من البدن في الدنيا، بدليل ما سبق من قوله تعالى في نفس السورة {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (1){وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (2){وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (3) الآيات، إلى قوله:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (4) وسؤال القبر ونعيمه أو عذابه إنما يكون بعد أن يدفن الميت وقبل أن يبعث يوم القيامة أما قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} (5) فإخبار من الله تعالى عن قول الكافرين وهم في النار يوم القيامة أنهم كانوا أمواتا قبل نفخ الروح فيهم وهم في الأرحام ثم كانوا أحياء بتقدير الله بنفخ الروح فيهم إلى انتهاء آجالهم في الدنيا، ثم صاروا أمواتا من حين انتهاء آجالهم إلى النفخ في الصور نفخة البعث بتقدير الله، كم أحياهم الله يوم البعث والنشور فجرى عليهم الموت مرتين، والحياة مرتين، وليس موتهم وهم في القبور يمانع من سؤالهم وجوابهم ولا من نعيمهم أو عذابهم؛ لأن الله يعيد إليهم أرواحهم نوع إعادة يتمكنون بها من سماع الأسئلة والإجابة عنها والإحساس بالنعيم أو العذاب كما تقدم تفصيله ودليله في حديث البراء، وليست هذه الحياة إحدى الحياتين

(1) سورة الفجر الآية 21

(2)

سورة الفجر الآية 22

(3)

سورة الفجر الآية 23

(4)

سورة الفجر الآية 27

(5)

سورة غافر الآية 11

ص: 449

المذكورتين في الآية، بل هي حياة خاصة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله، وأما قوله تعالى:{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} (1) فالمراد بمراقدهم مقابرهم التي كانوا فيها وهم أموات لا نيام، وموتهم لا يمنع من سماعهم سؤال الملائكة، ولا ينافي إحساسهم بالنعيم أو العذاب حسب عقائدهم وأعمالهم؛ لما تقدم في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وليس بلازم أن ينص على سؤال الميت في القبر ونعيمه أو عذابه في كل موضع، بل يكفي ذلك في بعض الآيات أو الأحاديث الصحيحة.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة يس الآية 52

ص: 450

السؤال الثاني من الفتوى رقم (9886) :

س2 إذا مات الإنسان ودخل القبر هل يرى النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يقال له ما تقوله في هذا الرجل والحال قد يموت في الوقت الواحد خلق كثير وإذا سأله ملكان هل يسألانه بلسانه أو بالعربية أو بالسريانية؟

ج2 إذا مات الإنسان ودفن جاءه ملكان وسألاه عن ربه

ص: 450

ونبيه ودينه بلغة يفهمها، فالمؤمن يسدد في الجواب دون الكافر، ولو تعدد الأموات واتحد الوقت ولا غرابة، فالملائكة لهم شأن غير شأن البشر، ولم يرد أن الميت يرى النبي صلى الله عليه وسلم في قبره فيما نعلم.

ونوصيك بمراجعة كتاب [العقيدة الواسطية] لشيخ الإسلام ابن تيمية، و [الأصول الثلاثة] لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في الموضوع وغيره زيادة في الفائدة.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 451

السؤال الثالث من الفتوى رقم (8864) :

س3 ما هو الشيء الذي دل عليه الكتاب والسنة في النجاة من عذاب القبر، فهل هناك أحاديث نبوية أو أدعية خاصة نقولها يوميا للنجاة من عذاب القبر وإنني قرأت حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم عن قراءة سورة الملك يوميا، فكم مرة تقرأ هذه السورة في اليوم، ومتى هو وقت القراءة ولكم الشكر؟

ج3 الشيء الذي دل عليه الكتاب والسنة في النجاة من عذاب القبر هو أداء ما أوجبه الله على العبد وترك ما حرمه عليه، والإكثار من التوبة والاستغفار وفضائل الأعمال، وكثرة الاستعاذة

ص: 451

بالله من عذاب القبر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في آخر الصلاة من أربع منها عذاب القبر ويأمر بذلك، أما قراءة سورة الملك للاستجارة بها من عذاب القبر فلا نعلم حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة آل عمران الآية 102

ص: 452

السؤال الثالث من الفتوى رقم (1333) :

س3: قال ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، قالوا يا رسول الله: لم فعلت، قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا (1) » . رواه البخاري فهل يصح لنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهل يجوز وضع ما شابه الجريدة من الأشياء الرطبة الخضراء قياسا على الجريدة، أو يجوز غرس شجرة على القبر لتكون دائمة الخضرة لهذا الغرض؟

(1) صحيح البخاري الوضوء (218) ، صحيح مسلم الطهارة (292) ، سنن الترمذي الطهارة (70) ، سنن النسائي الجنائز (2068) ، سنن أبو داود الطهارة (20) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (347) ، مسند أحمد بن حنبل (1/225) ، سنن الدارمي الطهارة (739) .

ص: 452

ج3: إن وضع النبي صلى الله عليه وسلم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبرهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما، وأن ذلك خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثا على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر، ولم يعرف فعل ذلك عن أحد من الصحابة وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وأحرصهم على نفع المسلمين، إلا ما روي عن بريدة الأسلمي: أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن منيع

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 453

صفحة فارغة

ص: 454

أهل البرزخ

ص: 455

السؤال السابع من الفتوى رقم (6522) :

س7: هل صح حديث أن أهل البرزخ يرى بعضهم بعضا أم لا، ويتحدث بعضهم مع البعض؟

ج7: لا نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة حديثا يعتمد عليه.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 456