الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فهذه أسئلة نتعلق بالحج والعمرة تقدم بها بعض الإخوة وهذا جوابها فيما يلي. . ونسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين إنه سمع قريب.
س 1 / ما هي الأنساك الثلاثة في الحج وما كيفية العمل بها وأيها أفضل؟
جـ 1 / قد بين أهل العلم رحمة الله عليهم أن الأنساك ثلاثة، وكل ذلك وارد في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النسك الأول: الإِحرام بالعمرة وحدها وذلك بأن يقول القاصد للعمرة: اللهم لبيك عمرة، أو: لبيك عمرة، أو: اللهم إِني أوجبت عمرة. والمشروع أن يكون هذا بعد تجرده من المخيط ولبسه إِزاره وردائه إِن كان رجلًا وبعد الاغتسال، فإِن الاغتسال مشروع والتطيب وأخذ ما يحتاج إِلى أخذه من قص شارب أو قلم ظفر أو نتف إِبط أو حلق عانة، هذا هو الأفضل، والمرأة ليس لها إحرام خاص من جهة الثياب بل تحرم فيما شاءت إِلا أن الأفضل لها أن تكون في ملابس ليست لافتة للنظر وليست جميلة، ملابس لا تفتن من رآها، هذا هو
الأفضل لها، وإن قال المحرم أو المحرمة عند الإحرام بعد قوله اللهم لبيك عمرة: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو: تقبلها مني، أو: أعِنّي على تمامها وكمالها، كل هذا لا بأس به.
وإن قال المحرم: فاٍن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أو نحو هذه العبارة ثم أصابه حادث يمنعه من إِتمامها فإِن له التحلل وليس عليه شيء بهذا الشرط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكت إِليه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها شاكية - أي أنها مريضة - قال: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» متفق على صحته. فلو أن المرأة جاءت للعمرة وقالت هذا الشرط ثم أصابها الحيض ولا تستطيع الجلوس حتى تطهر لأن رفقتها لا يوافقونها فإِن هذا عذر لتحللها، أو إذا أصاب المحرم مرض يمنعه من إكمال العمرة كذلك أو غير هذا من الحوادث التي تمنع المحرم من إِكمال عمرته.
وهكذا الحكم في الحج وهو النسك الثاني: أن يقول: اللهم لبيك حجًّا، أو: لبيك حجًّا، أو: اللهم قد أوجبت حجًّا، على أن بكون ذلك بعد انتهائه من الأشياء المشروعة. هذا هو الأفضل، أي بعد الغسل وبعد التطيب وبعد تجرده من المخيط كما تقدم.
والمقصود أن الحكم في الحج كالحكم في العمرة في هذا، السنة للمؤمن والمؤمنة أن يكون الإحرام بعد تعاطي ما شرع الله من غسل وطيب ونحو ذلك مما يحتاجه المؤمن والمؤمنة عند الإحرام، وإذا دعت الحاجة إِلى أن يقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، شُرع له ذلك كالعمرة. والواجب أن يكون ذلك في الميقات ليس له تجاوزه حتى يحرم، فإذا قدم من نجد أو من الطائف أو من جهة الشرق يكون إحرامه من ميقات الطائف من
السيل "وادي قرن"، وإذا أحرم قبل ذلك أجزأه لكنه ترك الأفضل، والسنة ألا يتقدم بالإحرام بل يؤخره حتى بأتي الميقات، لكن لو أحرم قبل ذلك أجزأه ذلك ولزمه ولكن لا ينبغي له ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات هذا هو السنة، فإذا وصل الميقات أحرم منه، وإن تطيب في بيته أو اغتسل في بيته وتعاطى ما شرع له من قص شارب ونحو ذلك وهو في بيته أو في الطريق كفى ذلك، إذا كان الوقت قريبا فيما بينه وبين الإحرام.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يستحب أن يصلي ركعتين أيضًا قبل أن يحرم، واحتجوا على ذلك بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال:«أتاني آت من ربي وقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» رواه البخاري، وكان هذا في وادي ذي الحليفة، ولأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعدما صلى الظهر
فدل ذلك على أن وقوع الإحرام بعد صلاة أفضل، وهذا قول جيد، ولكن ليس في صلاة الإحرام نص واضح وحديث صحيح في شرعيتها فمن فعلها فلا حرج، وإِذا توضأ الوضوء الشرعي وصلى ركعتين سنة الوضوء كفت للإحرام.
أما النسك الثالث: فهو الجمع بينهما أي يجمعٍ بين الحج والعمرة، يقول: اللهم لبيك عمرة وحجًّا، أو حجًّا وعمرة، أو يلبي بالعمرة في الميقات ثم في أثناء الطريق يدخل الحج ويلبي بالحج قبل أن يشرع في الطواف، وهذا يسمى قرانا وهو الجمع بين الحج والعمرة، وقد أحرم النبي صلى الله عليه وسلم قارنًا في حجة الوداع، لبى بالعمرة والحج جميعا عليه الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك أنس رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنهما وغيرهما وكان قد ساق الهدي، وهذا هو الأفضل لمن ساق الهدي.
أما من لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع بالعمرة إِلى الحج، وهذا هو الذي استقر عليه الأمر بعدما دخل النبي مكة عليه الصلاة والسلام وطاف وسعى، أمر أصحابه الذين قرنوا أو أفردوا الحج أن يجعلوها عمرة فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا فاستقر بذلك أن التمتع أفضل.
والقارن إِذا جعل إِحرامه عمرة وكذا المفرد صار متمتعا إِذا دخل بالإِفراد أو دخل بالقران وليس معه هدي شرع له أن يتحلل بالطواف والسعي والتقصير، ويكون بهذا متمتعًا كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره عليه الصلاة والسلام، قال:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولجعلتها عمرة» .
وإذا كان القادم بالعمرة لا يريد الحج سمي معتمرا فقط وقد يسمى متمتعا كما وقع ذلك في
كلام بعض الصحابة، ولكن في عرف الفقهاء يسمى معتمرًا إِذا كان لم يقصد الحج وإنما قدم في شوال أو في ذي القعدة يعتمر ويرجع إِلى بلاده أمَّا إن بقي في مكة بقصد الحج فهذا يسمى متمتعًا، وهكذا من جاء في رمضان أو غيره بقصد العمرة يسمى معتمرًا، والعمرة هي الزيارة للبيت العتيق وإنما يقال للحاج متمتعًا إذا قدم بعمرة يقصد البقاء بعدها للحج إن كان قدومه بعد رمضان في أشهر الحج ثم بقي حتى يحج فهذا يسمى متمتع كما تقدم، وهكذا من أحرم قارنًا وبقي للحج ولم يفسخ يسمى متمتعًا أيضًا ويدخل في قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] البقرة 196، فالقارن يسمى متمتعًا، هذا هو المعروف عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة
إِلى الحج، وهو أحرم قارنًا عليه الصلاة والسلام، ولكن في عرف الكثير من الفقهاء أن المتمتع هو الذي يحل من عمرته ثم يبقى حتى يحرم بالحج في اليوم الثامن مثلًا، فهذا يقال له متمتع في عرف الكثير من الفقهاء، فإن جمع بينهما ولم يتحلل سموه قارنًا، ولا مشاحة في الاصطلاح إِذا عرف المعنى والحكم.
فالمتمتع والقارن في الأحكام سواء فعلى كل منهما الهدي فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام في الحجٍ وسبعة إِذا رجع إلى أهله، وكل منهما يسمى متمتعا، لكن يتفاوتان في السعي فالمتمتع عند جمهور العلماء عليه سعيان، سعي مع طواف العمرة، وسعي مع طواف الحج، لأنه ثبت في حديث ابن عباس، أن الذين حلوا من العمرة وتمتعوا سعوا سعيين أحدهما مع طواف العمرة والثاني مع طواف الحج، وهذا هو قول جمهور أهل العلم.
أما القارن فليس عليه إِلا سعي واحد فإن قدمه مع طواف القدوم كفى، وإن أخره وسعى مع طواف الحج كفى، هذا هو المعتمد وهذا قول جمهور أهل العلم: أن المتمتع عليه سعيان والقارن ليس عليه إِلا سعي واحد، وهو مخير إِن شاء قدمه مع طواف القدوم وهو أفضل. كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فإنه طاف وسعى وطوافه يسمى طواف قدوم؛ لأنه قارن عليه الصلاة والسلام، وإن شاء أخره وطاف مع طواف الحج وهذا من توسعة الله على عباده ورحمته سبحانه وتعالى والحمد لله.
وهنا مسألة قد يسأل عنها وهي ما إِذا سافر المتمتع بعد العمرة هل يسقط عنه الدم؟ فيه خلاف بين أهل العلم، والمعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا يسقط الدم مطلقًا سواء سافر إلى أهله أو إِلى غير ذلك لعموم الأدلة، وذهب جماعة من
أهل العلم إِلى أنه إِن سافر مسافة قصر ثم رجع محرمًا بالحج صار مفردًا وسقط عنه الدم.
وذهب آخرون إِلى أنه لا يسقط الدم إِلا إِذا سافر إِلى أهله وهذا هو المروي عن عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله أنه إِن سافر إِلى أهله بعد العمرة ثم رجع بحج صار مفردًا وليس عليه دم، أما سفره لغير أهله كالسفر للمدينة مثلًا بين الحج والعمرة والسفر إِلى جدة والطائف فهذا لا يخرجه عن كونه متمتعًا وهذا هو الأقرب والأظهر من جهة الدليل أن هذه الأسفار التي بين الحج والعمرة لا تخرجه عن كونه متمتعًا بل هو متمتع، وعليه دم التمتع وإن سافر إِلى المدينة بعد العمرة أو إِلى الطائف أو إِلى جدة فهو متمتع، وإنما يكون مفردًا إِذا سافر إِلى أهله كما قال عمر وابنه ثم رجع محرمًا بالحج من الميقات فهذا هو الذي يسمى مفردًا لأنه قطع ما بين العمرة والحج بسفره إِلى أهله.