الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(81)
(بلى) إثبات لما بعد حرف النفي مختص به خبراً واستفهاماً أي بك تمسكم النار أبداً لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياماً معدودة (من كسب سيئة) المراد بها الجنس هنا ومثله قوله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها ومن يعمل سوءاً يجز به) ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار بل لا بد أن يكون سببه محيطاً به فقال (وأحاطت به خطيئته) أي أحدقت به من جميع جوانبه فلا تبقى له حسنة وسدت عليه مسالك النجاة، قيل هي الشرك قاله ابن عباس ومجاهد، وقيل هي الكبيرة، وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواتراً من خروج عُصاة الموحدين من النار، ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود، وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعليه إجماع المفسرين، وبهذا يبطل تشبث المعتزلة والخوارج، قال الحسن كل ما وعد الله عليه النار فهو الخطيئة استدل به على أن المعلق على شرطين لا ينجز بأحدهما (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) والخلود في النار هو للكفار والمشركين فيتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية بالكفر والشرك. (1)
(1) روى مسلم في صحيحه/193.
عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة.
ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة.
وفي رواية:
إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يخرج منها زحفاً فيقال له انطلق فادخل الجنة قال فيذهب فيدخل الجنة
…
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، فإن قلت لو دل الإيمان على العمل لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكراراً، قلت آمنوا يفيد الماضي وعملوا يفيد المستقبل، فكأنه قال آمنوا ثم داموا عليه آخراً، ويدخل فيه جميع الأعمال الصالحة (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) لا يخرجون منها ولا يموتون، وأتى بالفاء في الشق الأول دون الثاني إيذاناً بتسبب الخلود في النار على الشرك وعدم تسبب الخلود في الجنة عن الإيمان، بل هو بمحض فضل الله تعالى.
(وإذْ أخذنا) الخطاب مع بني إسرائيل وهم اليهود المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم بما وقع من أسلافهم توبيخاً لهم بسوء صنيع أسلافهم أي اذكروا إذ أخذنا ميثاقهم، وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والأول أولى لأن المقام مقام تذكيرهم، وهذا شروع في تعداد بعض آخر من قبائح أسلاف اليهود بما ينادي بعدم إيمان أخلافهم ليؤديهم التأمل في أحوالهم إلى قطع الطمع في إيمانهم (ميثاق بني إسرائيل) الذين كانوا في زمن موسى، وقد تقدم تفسير الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل، وقال مكي إن الميثاق الذي أخذه الله عليهم هنا هو ما أخذه عليهم في حياتهم على ألسن أنبيائهم وهو قوله (لا تعبدون إلا الله) خبر بمعنى النهي وهو أبلغ من صريح النهي لما فيه من الاعتناء بشأن المنهى عنه، وتأكد طلب امتثاله حتى كأنه امتثل وأخبر عنه، وعبادة الله إثبات توحيده
وتصديق رسله، والعمل بما أنزل الله في كتبه.
(وبالوالدين إحساناً) أي معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما وسائر ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق، ومنه البر بهما والرحمة لهما والنزول عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله ويوصل إليهما ما يحتاجان إليه، ولا يؤذيهما وإن كانا كافرين، وأن يدعوهما إلى الإيمان بالرفق واللين، وكذا إن كانا فاسقين يأمرهما بالمعروف من غير عنف، ولا يقول لهما أف.
(وذي القربى) أي القرابة عطف على الوالدين لأن حقها تابع لحقهما، والإحسان إليهم إنما هو بواسطة الوالدين، والقربى مصدر كالرجعى والعقبى وهم القرابة، والإحسان بهم صلتهم والقيام بما يحتاجون إليه بحسب الطاقة وبقدر ما تبلغ إليه القدرة.
(واليتامى) جمع يتيم، واليتيم في بني آدم من فقد أبوه، وفي سائر الحيوانات من فقدت أمه وأصله الانفراد يقال صبي يتيم أي منفرد من أبيه فإذا بلغ الحلم زال عنه اليتم، وتجب رعاية حقوق اليتيم لثلاثة أمور لصغره ويتمه ولخلوه عمن يقوم بمصلحته إذ لا يقدر هو أن ينتفع بنفسه ولا يقوم بحوائجه.
(والمساكين) جمع مسكين وهو من أسكنته الحاجة وذللته وهو أشد فقراً من الفقير عند أكثر أهل اللغة وكثير من أهل الفقه، وروي عن الشافعي أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، وقد ذكر أهل العلم لهذا البحث أدلة مستوفاة في مواطنها.
(وقولوا للناس حسناً) أي قولاً حسناً سماه حسناً مبالغة، وقريء حسناً بضمتين وهي لغة أهل الحجاز، وحسنى بغير تنوين على أنه مصدر كبشرى، والمراد به ما فيه تخلق وإرشاد، حكاه الأخفش، قال النحاس وهذا لا يجوز في العربية لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام نحو الفضلى والكبرى والحسنى، وهذا قول سيبويه، وقرأ زيد بن ثابت وابن مسعود حسناً قال
الأخفش هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل، والرشد والرشد، فهو صفة مشبهة لا مصدر، كما فهم من عبارة القاموس فسقط ما للكرخي هنا، والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه إنه حسن شرعاً كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر، وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد، وقيل الصدق، وقيل الأمر بالمعروف، وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق والنهي عن المنكر وقيل غير ذلك، قيل إن الخطاب للحاضرين من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا عدل عن الغيبة إلى الخطاب قاله ابن عباس، وقيل إن المخاطبين به هم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، وإنما عدل من الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات.
وتقدم تفسير قوله (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وهو خطاب لبني إسرائيل فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها قال ابن عطية وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ولا تنزل على ما لا يقبل.
والخطاب في قوله (وثم توليتم) قيل للحاضرين منهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم مثل سلفهم في ذلك، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب أي أعرضتم عن العهد، ومن فوائد الالتفات تطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد كما هو مقرر في محله، والإعراض والتولي بمعنى واحد وقيل التولي بالجسم والإعراض بالقلب (إلا قليلاً منكم) منصوب على الإستثناء وهو من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ ومن أسلم منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه (وأنتم معرضون) كإعراض آبائكم، أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لها المنزلة عنده بما التزموا به ثم أخبر عنهم أنهم ما وفوا بذلك.