المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ١

[صديق حسن خان]

الفصل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‌

(109)

(ود كثير من أهل الكتاب) أي تمنى كثير من اليهود، فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم وردهم عن الإسلام والتشكيك عليهم في دينهم (لو) مصدرية.

(لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) يحتمل أن يتعلق بقوله ود أي ودوا ذلك من عند أنفسهم ويحتمل أن يتعلق بقوله حسداً أي حسداً ناشئاً من عند أنفسهم وهو علة لقوله ود، والحسد تمني زوال نعمة الإنسان.

(من بعد ما تبين لهم الحق) يعني في التوراة أن قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودينه حق لا يشكون فيه فكفروا به بغياً وحسداً.

(فاعفوا واصفحوا) والعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح إزالة أثره من النفس، صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه وقد ضربت عنه صفحاً إذا أعرضت عنه، وقيل هما متقاربان، والعطف على هذا للتأكيد وحسنه تغاير اللفظين، وفيه الترغيب في ذلك والإرشاد إليه، وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال قاله أبو عبيدة (حتى يأتي الله بأمره) أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه وما قد قضى به في سابق علمه وهو قتل من قتل منهم وإجلاء من أجلى وضرب الجزية على من ضربت عليه، والسلام على من أسلم (إن الله على كل شيء قدير) فيه وعيد وتهديد لهم عظيم.

ص: 252

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)

ص: 253

(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير) حث من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم وينصرهم على المخالفين لهم (تجدوه عند الله) يعني ثوابه وأجره حتى التمرة واللقمة مثل أحد (إن الله بما تعملون بصير) لا يخفى عليه شيء من قليل الأعمال وكثيرها وفيه ترغيب في الطاعات وأعمال البر، وزجر عن المعاصي.

ص: 253

(وقالوا) أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى (لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) قال الفراء: يجوز أن يكون هوداً بمعنى يهودياً وأن يكون جمع هائد، والنصارى جمع نصران أو نصرى والمراد يهود المدينة ونصارى نجران وقدمت اليهود على النصارى لفظاً لتقدمهم زماناً، قيل في هذا الكلام حذف وأصله وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً هكذا قال كثير من المفسرين وسبقهم إلى ذلك بعض السلف، وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود والنصارى وقع منهم هذا القول وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم، ووجه القول بأن في الكلام حذفاً ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى، وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلاً عن دخول الجنة كما في هذا الموضع فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت (ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء).

(تلك أمانيهم) أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير حق،

ص: 253

والأماني جمع أمنية قد تقدم تفسيرها، والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدم لهم من الأماني التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم وقيل أن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة، والتقدير مثال تلك الأمنية أمانيهم على حذف المضاف ليطابق أمانيهم (1).

(قل هاتوا) يقال للمفرد المذكر هات وللمؤنث هاتي، وهو اسم فعل بمعنى احضر، وقيل اسم صوت بمعنى ها التي بمعنى احضر وقيل فعل أمر، وهذا هو الصحيح (برهانكم) أي حجتكم على دعواكم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهودياً أو نصرانياً دون غيرهم، والبرهان الدليل الذي يحصل عنده اليقين، قال ابن جرير: طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر، ويرد على من ينفيه، والبرهان مشتق من البره وهو القطع ومنه برهة من الزمان أي القطعة منه، وقيل نونه أصلية لثبوتها في برهن يبرهن برهنة، والبرهنة البيان ووزنه فعلل لا فعلن (إن كنتم صادقين) أي في تلك الأماني المجردة والدعاوى الباطلة، قال الرازي دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفياً وإثباتاً فلابد له من الدليل والبرهان، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد، انتهى.

(1) قال ابن عباس: اختصم يهود المدينة ونصارى نجران عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، ولا يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، وكفروا بالتوراة وموسى؛ فقال الله تعالى. (تلك أمانيهم).

ص: 254