الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدَمٌ عَلَى عَدَمٍ، وَعَنْ شَيْخِهِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا أَرْوِي صَحِيحَ مُسْلِمٍ عَنِ الدِّمْيَاطِيِّ إِذْنًا عَامًّا مِنَ الْمُؤَيَّدِ الطُّوسِيِّ، كَذَلِكَ قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَمِلَ بِهِ، وَلَا سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ] .
[لَفْظُ الْإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا]
494 -
أَجَزْتُهُ ابْنُ فَارِسٍ قَدْ نَقَلَهْ
…
وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ قَدْ أَجَزْتُ لَهْ
495 -
وَإِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الْإِجَازَهْ
…
مِنْ عَالِمٍ بِهِ وَمَنْ أَجَازَهْ
496 -
طَالِبُ عِلْمٍ وَالْوَلِيدُ ذَا ذَكَرْ
…
عَنْ مَالِكٍ شَرْطًا وَعَنْ أَبِي عُمَرْ
497 -
أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ
…
إِلَّا لِمَاهِرٍ وَمَا لَا يُشْكِلُ
498 -
وَاللَّفْظُ إِنْ تُجِزْ بِكَتْبٍ أَحْسَنُ
…
أَوْ دُونَ لَفْظٍ فَانْوِ وَهْوَ أَدْوَنُ
(لَفْظُ الْإِجَازَةِ) أَيْ: كَيْفِيَّتُهُ (وَشَرْطُهَا) فِي الْمُجِيزِ وَالْمُجَازِ وَالنِّيَّةِ لِمَنْ كَتَبَ بِهَا، وَكَانَ الْأَنْسَبُ إِيرَادَهُ قَبْلَ أَنْوَاعِهَا مَعَ اشْتِقَاقِهَا وَضَابِطِهَا وَوَزْنِهَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُنَاكَ، فَأَمَّا لَفْظُهَا فَ (أَجَزْتُهُ) أَيِ: الطَّالِبَ، مَسْمُوعَاتِي أَوْ مَرْوِيَّاتِي، مَتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِدُونِ ذِكْرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ أَوْ نَحْوِهِ الَّذِي هُوَ الْمُجَازُ بِهِ حَقِيقَةً (ابْنُ فَارِسٍ) أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ اللُّغَوِيُّ صَاحِبُ (الْمُجْمَلِ) وَغَيْرُهُ، وَالْقَائِلُ:
اسْمَعْ مَقَالَةَ نَاصِحٍ
…
جَمَعَ النَّصِيحَةَ وَالْمَقَهْ
إِيَّاكَ فَاحْذَرْ أَنْ تَبِيتَ
…
مِنَ الثِّقَاتِ عَلَى ثِقَهْ
وَالْمُقْتَبِسُ مِنْهُ الْحَرِيرِيَّ فِي مَقَامَاتِهِ، وَضَعَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ فِي الْمَقَامَةِ
الطِّيبِيَّةِ (قَدْ نَقَلَهْ) أَيْ: تَعَدِّيَهُ بِنَفْسِهِ فِي جُزْءٍ لَهُ سَمَّاهُ: مَآخِذَ الْعِلْمِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الْإِجَازَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ جَوَازِ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَاهُ الْمَالُ مِنَ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ، يُقَالُ مِنْهُ: اسْتَجَزْتُ فُلَانًا فَأَجَازَنِي، إِذَا سَقَاكَ مَاءً لِأَرْضِكَ أَوْ مَاشِيَتِكَ، كَذَلِكَ طَالِبُ الْعِلْمِ يَسْأَلُ الْعَالِمَ أَنْ يُجِيزَهُ عِلْمَهُ ; أَيْ: يُجِيزُ إِلَيْهِ عِلْمَهُ، فَيُجِيزُهُ إِيَّاهُ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ:(وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ) يَعْنِي: لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، أَنْ يَقُولُ:(قَدْ أَجَزْتُ لَهْ) رِوَايَةَ مَسْمُوعَاتِي، يَعْنِي مَتَعَدِّيًا بِحَرْفِ الْجَرِّ وَبِدُونِ إِضْمَارٍ، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يَجْعَلُ الْإِجَازَةَ بِمَعْنَى التَّسْوِيغِ وَالْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ، قَالَ: وَمَنْ يَقُولُ: أَجَزْتُ لَهُ مَسْمُوعَاتٍ، فَعَلَى سَبِيلِ الْإِضْمَارِ لِلْمُضَافِ الَّذِي لَا يَخْفَى نَظِيرُهُ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الْأَوَّلِ الْإِضْمَارُ وَالْحَذْفُ دُونَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ، وَفِي الثَّالِثِ الْإِضْمَارُ فَقَطْ.
(وَ) أَمَّا شَرْطُ صِحَّتِهَا فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (إِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الْإِجَازَةُ مِنْ عَالِمٍ بِهِ) أَيْ: بِالْمُجَازِ (وَمَنْ أَجَازَهْ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمُجَازَ لَهُ (طَالِبُ عِلْمٍ) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ ; إِذِ الْمَرْءُ وَلَوْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْعِلْمِ لَا يَزَالُ لِلَّهِ طَالِبًا، وَيُرْوَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( «كُلُّ عَالِمٍ غَرْثَانُ إِلَى عِلْمٍ» )) أَيْ: جَائِعٌ،
وَقَالَ أَيْضًا: (( «أَرْبَعٌ لَا يَشْبَعْنَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَذَكَرَ مِنْهَا: وَعَالِمٌ مِنْ عِلْمٍ» )) ، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] ; لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَوَسُّعٌ وَتَرْخِيصٌ يَتَأَهَّلُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لِمَسِيسِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَهَلِ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْعِلْمِ أَوْ خُصُوصُ الْمُجَازِ بِهِ كَمَا قُيِّدَ فِي الْمُجِيزِ، أَوِ الصِّنَاعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؟ الظَّاهِرُ الْأَخِيرُ (وَالْوَلِيدُ) بْنُ بَكْرٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَالِكِيُّ (ذَا ذَكَرْ) أَيْ: نَقَلَ فِي كِتَابِهِ (الْوِجَازَةِ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْإِجَازَةِ)(عَنْ) إِمَامِهِ (مَالِكٍ) ، هُوَ ابْنُ أَنَسٍ رحمه الله، [عِلْمَ الْمُجِيزِ وَالْمُجَازِ لَهُ الْمُشَارَ إِلَيْهِ](شَرْطًا) فِيهَا، وَعِبَارَتُهُ: وَلِمَالِكٍ شَرْطٌ فِي الْإِجَازَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ عَالِمًا بِمَا يُجِيزُ، ثِقَةً فِي دِينِهِ وَرِوَايَتِهِ، مَعْرُوفًا بِالْعِلْمِ، وَالْمُجَازُ بِهِ مُعَارِضًا بِالْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ، وَالْمُجَازُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ مُتَّسِمًا بِسِمَتِهِ، حَتَّى لَا يُوضَعُ الْعِلْمُ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْإِجَازَةَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَقُولُ: مَا أَسْلَفْتُهُ فِي أَوَّلِ أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ. وَفِي أَخْذِ الِاشْتِرَاطِ مِنْهَا نَظَرٌ، إِلَا أَنَّ أَوَّلَ قَوْلِهِ:" أَوْ مُتَّسِمَا بِسِمَتِهِ " بِمَنْ هُوَ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ فِي الْعِلْمِ، وَكَانَتِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ. (وَعَنِ) الْحَافِظِ (أَبِي عُمَرْ) ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَمَا فِي جَامِعِ الْعِلْمِ
لَهُ (أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا) أَيِ: الْإِجَازَةَ (لَا تُقْبَلُ إِلَّا لِمَاهِرٍ) بِالصِّنَاعَةِ، حَاذِقٍ فِيهَا، يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَنَاوَلُهَا (وَ) فِي (مَا لَا يُشْكِلُ) إِسْنَادُهُ ; لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا مُعَيَّنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُحَدِّثَ الْمُجَازُ لَهُ عَنِ الشَّيْخِ بِمَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، أَوْ يُنْقِصَ مِنْ إِسْنَادِهِ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ، وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا وَقَعُوا فِي هَذَا، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الْإِجَازَةَ لِهَذَا.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ، قَالَ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ إِذَا قَالَ لِلطَّالِبِ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا شِئْتَ مِنْ حَدِيثِي، لَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ أُصُولَهُ، أَوْ فُرُوعًا كُتِبَتْ مِنْهَا، وَيَنْظُرُ فِيهَا وَيُصَحِّحُهَا.
وَعَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ قَالَ: الِاسْتِجَازَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْعَمَلِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُجَازِ لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَالْفَهْمِ بِاللِّسَانِ، وَإِلَّا لَمْ يَحِلْ لَهُ الْأَخْذُ بِهَا، فَرُبَّمَا كَانَ فِي مَسْأَلَتِهِ فَصْلٌ أَوْ وَجْهٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُجِيزُ، وَلَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَكُنْ جَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرِّوَايَةِ خَاصَّةً، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالنَّقْلِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَلْفَاظِ مَا أُجِيزَ لَهُ ; لِيَسْلَمَ مِنَ التَّصْحِيفِ وَالتَّحْرِيفِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ عُلُوَّ الْإِسْنَادِ بِهَا فَفِي نَقْلِهِ بِهَا ضَعْفٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: أَصْلُ الْإِجَازَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَنْ أَجَازَهَا فَهِيَ قَاصِرَةٌ عِنْدَهُ عَنْ رُتْبَةِ السَّمَاعِ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ مِنْهُ السَّمَاعُ، وَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ وَجَوَّزَهَا مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ مِنْهُ السَّمَاعُ، فَأَقَلُّ مَرَاتِبَ الْمُجِيزِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ الْعِلْمَ الْإِجْمَالِيَّ مِنْ أَنَّهُ رَوَى شَيْئًا، وَأَنَّ مَعْنَى إِجَازَتِهِ لِغَيْرِهِ إِذْنُهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فِي رِوَايَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْإِجَازَةِ الْمَعْهُودَةِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، لَا الْعِلْمَ التَّفْصِيلِيَّ بِمَا رُوِيَ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْإِجَازَةِ، وَهَذَا الْعِلْمُ الْإِجْمَالِيُّ حَاصِلٌ فِيمَنْ رَأَيْنَاهُ مِنْ عَوَامِ الرُّوَاةِ، فَإِنِ انْحَطَّ رَاوٍ فِي الْفَهْمِ
عَنْ هَذِهِ الدَّرَجَةِ - وَلَا إِخَالُ أَحَدًا يَنْحَطُّ عَنْ إِدْرَاكِ هَذَا إِذَا عُرِفَ بِهِ - فَلَا أَحْسَبُهُ أَهْلًا لِأَنْ يُتَحَمَّلَ عَنْهُ بِإِجَازَةٍ وَلَا سَمَاعٍ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الْإِجَازَةِ هُوَ طَرِيقُ الْجُمْهُورِ.
قُلْتُ: وَمَا عَدَاهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُنَافٍ لِمَا جَوَّزَتِ الْإِجَازَةُ لَهُ مِنْ بَقَاءِ السِّلْسِلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سَابِعِ أَنْوَاعِهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّأَهُّلِ حِينَ التَّحَمُّلِ بِهَا كَالسَّمَاعِ، وَفِي أَوَّلِهَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْأَدَاءِ بِهَا بِدُونِ شُرُوطِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ: أَجَزْتُ لَهُ رِوَايَةَ كَذَا بِشَرْطِهِ، وَمِنْهُ ثُبُوتُ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُجِيزِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو مَرْوَانَ الطُّبُنِيُّ: إِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِغَيْرِ مُقَابَلَةِ نُسْخَةٍ بِأُصُولِ الشَّيْخِ، وَأَشَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِالصِّحَّةِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: تَصِحُّ بَعْدَ تَصْحِيحِ شَيْئَيْنِ: تَعْيِينِ رِوَايَاتِ الشَّيْخِ وَمَسْمُوعَاتِهِ وَتَحْقِيقِهَا، وَصِحَّةِ مُطَابَقَةِ كُتُبِ الرَّاوِي لَهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ. وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ كَمَا أَوْرَدَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ وَعِيَاضٌ فِي الْإِلْمَاعِ:
كِتَابِي إِلَيْكُمْ فَافْهَمُوهُ فَإِنَّهُ
…
رَسُولِي إِلَيْكُمْ وَالْكِتَابُ رَسُولُ
فَهَذَا سَمَاعِي مِنْ رِجَالٍ لَقِيتُهُمْ
…
لَهُمْ وَرَعٌ مَعَ فَهْمِهِمْ وَعُقُولُ
فَإِنْ شِئْتُمْ فَارْوُوهُ عَنِّي فَإِنَّمَا
…
تَقُولُونَ مَا قَدْ قُلْتُهُ وَأَقُولُ
أَلَّا فَاحْذَرُوا التَّصْحِيفَ فِيهِ فَرُبَّمَا
تَغَيَّرَ عَنْ تَصْحِيفِهِ فَيَحُولُ
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي أَبْيَاتٍ:
وَأَكْرَهُ فِيمَا قَدْ سَأَلْتُمْ غُرُورَكُمْ
…
وَلَسْتُ بِمَا عِنْدِي مِنَ الْعِلْمِ أَبْخَلُ
فَمَنْ يَرْوِهِ فَلْيَرْوِهِ بِصَوَابِهِ
…
كَمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ فَالصِّدْقُ أَجْمَلُ
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الشَّرْطُ كَوْنُهَا مِنْ مُعَيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ، أَوْ كَوْنُهَا غَيْرَ مَجْهُولَةٍ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَا أَحْسَنَ مَنْ كَتَبَ لِمَنْ عَلِمَ مِنْهُ التَّأَهُّلَ: أَجَزْتُ لَهُ الرِّوَايَةَ عَنِّي، وَهُوَ لِمَا أَعْلَمُ مِنْ إِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ غَنِيٌّ عَنْ تَقْيِيدِي ذَلِكَ بِشَرْطِهِ.
ثُمَّ الْإِجَازَةُ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ الْمُجِيزِ بَعْدَ السُّؤَالِ فِيهَا مِنَ الْمُجَازِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مُبْتَدِئًا بِهَا، وَتَارَةً تَكُونُ بِخَطِّهِ عَلَى اسْتِدْعَاءٍ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، أَوْ بِدُونِ اسْتِدْعَاءٍ (وَاللَّفْظُ) بِالْإِجَازَةِ (إِنْ تُجِزْ) أَيُّهَا الْمُحَدِّثُ (بِكَتْبٍ) أَيْ: بِأَنْ تَجْمَعَهُمَا (أَحْسَنُ) وَأَوْلَى مِنْ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا (أَوْ) بِكَتْبٍ (دُونَ لَفْظٍ فَانْوِ) الْإِجَازَةَ (وَهْوَ)، أَيْ: هَذَا الصَّنِيعُ (أَدْوَنُ) مِنَ الْإِجَازَةِ الْمَلْفُوظِ بِهَا فِي الْمَرْتَبَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ دَلِيلُ رِضَاهُ الْقَلْبِيِّ بِالْإِجَازَةِ، وَالْكِتَابَةَ دَلِيلُ الْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَى، وَالدَّالُّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَعْلَى، وَبِالثَّانِي يُوَجَّهُ صِحَّتُهَا بِالنِّيَّةِ فَقَطْ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ: وَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ تَصْحِيحٌ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْكِتَابَةِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَلْفِظْ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ إِخْبَارًا مِنْهُ بِذَلِكَ، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ: قَدْ تَقُومُ الْأَفْعَالُ مَقَامَ الْأَقْوَالِ كَمَا فِي نَقْلِ الْمِلْكِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْحِيحِ الْمُعَاطَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا فَقَضِيَّةٌ مَا هُنَا - وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ - عَدَمُ الصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ شَرْطُهَا النِّيَّةُ، وَلَا نِيَّةَ هُنَا فَبَطَلَتْ، وَكَأَنَّ