الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِسَالَة ابْن الربيب إِلَى ابْن حزم يعيب أهل الأندلس
قَالَ الْمقري وَقد رَأَيْت أَن أذكر رِسَالَة أبي مُحَمَّد بن حزم الْحَافِظ الَّتِي ذكر فِيهَا بعض فَضَائِل عُلَمَاء الأندلس لاشتمالها على مَا نَحن بصدده وَذَلِكَ أَنه كتب ابو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الربيب التَّمِيمِي القيرواني إِلَى أبي الْمُغيرَة عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن حزم يذكر تَقْصِير أهل الأندلس فِي تخليد أَخْبَار عُلَمَائهمْ ومآثر فضائلهم وسير مُلُوكهمْ مَا صورته كتبت يَا سَيِّدي واجل عددي كتب الله تَعَالَى لَك السَّعَادَة وأدام لَك الْعِزّ والسيادة سَائِلًا مسترشدا وباحثا مستخبرا وَذَلِكَ أَنِّي فَكرت فِي بِلَادكُمْ إِذْ كَانَت قرارة كل فضل ومنهل كل خير ونبل ومصدر كل طرفَة ومورد كل تحفة وَغَايَة آمال الراغبين وَنِهَايَة أماني الطالبين ان بارت تِجَارَة فإليها تجلب وان كسدت بضَاعَة فَفِيهَا تنفت مَعَ كَثْرَة علمائها ووفور أدبائها وجلالة مُلُوكهَا ومحبتهم فِي الْعلم وَأَهله يعظمون من عظمه علمه ويرفعون من رَفعه أدبه وَكَذَلِكَ سيرتهم فِي رجال الْحَرْب يقدمُونَ من قَدمته شجاعته وعظمت فِي الحروب نكايته فشجع الجبان وأقدم الهيبان وَنبهَ الخامل وَعلم الْجَاهِل ونطق العيي وَشعر البكي
واستنسر البغاث وتثعبن الحفاث فتنافس النَّاس فِي الْعُلُوم وَكثر الحذاق بِجَمِيعِ الْفُنُون ثمَّ هم مَعَ ذَلِك فِي غَايَة التَّقْصِير وَنِهَايَة التَّفْرِيط من أجل أَن عُلَمَاء الْأَمْصَار دونوا فَضَائِل أمصارهم وخلدوا فِي الْكتب مآثر بلدانهم وأخبار الْمُلُوك والأمراء وَالْكتاب والوزراء والقضاة وَالْعُلَمَاء فابقوا لَهُم ذكرا فِي الغابرين يَتَجَدَّد على مر اللَّيَالِي وَالْأَيَّام ولسان صدق فِي الآخرين يتَأَكَّد مَعَ تصرف الأعوام وعلماؤكم مَعَ استظهارهم على الْعُلُوم كل امرىء مِنْهُم قَائِم فِي ظله لَا يبرح وراتب على كَعبه لَا يتزحزح يخَاف ان صنف ان يعنف وان الف ان يُخَالف وَلَا يؤالف أَو تخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق لم يتعب أحد مِنْهُم نفسا فِي جمع فَضَائِل أهل بَلَده وَلم يسْتَعْمل خاطره فِي مفاخر ملوكه وَلَا بل قَلما بمناقب كِتَابه ووزرائه وَلَا سود قرطاسا بمحاسن قُضَاته وعلمائه على أَنه لَو اطلق مَا عقل الاغفال من لِسَانه وَبسط مَا قبض الاهمال من بَيَانه لوجد لِلْقَوْلِ مساغا وَلم تضق عَلَيْهِ المسالك وَلم تخرج بِهِ الْمذَاهب وَلَا اشتبهت عَلَيْهِ المصادر والموارد وَلَكِن هم أحدهم أَن يطْلب شأو من تقدمه من الْعلمَاء ليحوز قصبات السَّبق ويفوز بقدح ابْن مقبل وَيَأْخُذ بكظم دَغْفَل وَيصير شجا فِي حلق أبي العميثل فَإِذا أدْرك بغيته واخترمته منيته دفن مَعَه ادبه وَعلمه فَمَاتَ ذكره وَانْقطع خَبره وَمن قدمنَا ذكره من عُلَمَاء الْأَمْصَار احْتَالُوا لبَقَاء ذكرهم احتيال الأكياس فالفوا دواوين بَقِي لَهُم بهَا ذكر مُجَدد طول الْأَبَد
فَإِن قلت إِنَّه كَانَ مثل ذَلِك من عُلَمَائِنَا وألفلوا كتبا لَكِنَّهَا لم تصل الينا فَهَذِهِ دَعْوَى لم يصحبها تَحْقِيق لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنكُم غير رَوْحَة رَاكب أَو رحْلَة قَارب لَو نفث من بلدكم مصدور
لأسْمع من ببلدنا فِي الْقُبُور فضلا عَمَّن فِي الدّور والقصور وتلقوا قَوْله بِالْقبُولِ كَمَا تلقوا ديوَان أَحْمد بن عبد ربه الَّذِي سَمَّاهُ بِالْعقدِ على أَنه يلْحقهُ فِيهِ بعض اللوم لَا سِيمَا إِذْ لم يَجْعَل فَضَائِل بَلَده وَاسِطَة عقده ومناقب ملوكه يتيمه سلكه أَكثر الحز وأخطا الْمفصل واطال الهز لسيف غير مقصل وَقعد بِهِ مَا قعد بأصاحبه من ترك مَا يعنيهم واغفال مَا يهمهم
فأرشد أَخَاك ارشدك الله واهده هداك الله ان كَانَت عنْدك فِي ذَلِك الجليه وبيدك فصل الْقَضِيَّة وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته