الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِسَالَة أبي مُحَمَّد ابْن حزم فِي فَضَائِل الأندلس
فَكتب الْوَزير الْحَافِظ ابو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم عِنْد وُقُوفه على هَذِه الرسَالَة مَا نَصه
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وعَلى اصحابه الاكرمين وازواجه امهات الْمُؤمنِينَ وَذريته الفاضلين الطيبين
اما بعد يَا أخي يَا ابا بكر سَلام عَلَيْك سَلام أَخ مشوق طَالَتْ بَينه وَبَيْنك الأميال والفراسخ وَكَثُرت الْأَيَّام والليالي ثمَّ لقيك فِي حَال سفر ونقلة ووادك فِي خلال جَوْلَة ورحلة فَلم يقْض من محاورتك اربا وَلَا بلغ فِي مجاورتك مطلبا واني لما احتللت بك وجالت يَدي فِي مَكْنُون كتبك ومضمون دواوينك لمحت عَيْني فِي تضاعيفها درجا فتأملته فَإِذا فِيهِ خطاب لبَعض الْكتاب من مصاقبينا فِي الدَّار أهل افريقية ثمَّ مِمَّن ضمته حَاضِرَة قيروانهم إِلَى رجل اندلسي لم يُعينهُ باسمه وَلَا ذكره بنسبه يذكر لَهُ فِيهَا ان عُلَمَاء بلدنا بالأندلس وان كَانُوا على الذرْوَة الْعليا من التَّمَكُّن بافانين الْعُلُوم وَفِي الْغَايَة القصوى من التحكم على وُجُوه المعارف فان هممهم قد قصرت عَن تخليد مآثر بلدهم وَمَكَارِم مُلُوكهمْ ومحاسن
فقهائهم ومناقب قضاتهم ومفاخر كِتَابهمْ وفضائل عُلَمَائهمْ ثمَّ تعدى ذَلِك إِلَى أَن أخلى أَرْبَاب الْعُلُوم منا من أَن يكون لَهُم تاليف يحيى ذكرهم ويبقي علمهمْ بل قطع ان كل وَاحِد مِنْهُم قد مَاتَ فَدفن علمه مَعَه وحقق ظَنّه فِي ذَلِك وَاسْتدلَّ على صِحَّته عِنْد نَفسه بِأَن شَيْئا من هَذِه التآليف لَو كَانَ بَيْننَا مَوْجُودا لَكَانَ اليهم مَنْقُولًا وَعِنْدهم ظَاهرا لقرب المزار وَكَثْرَة السفار وترددهم اليهم وتكررهم علينا ثمَّ لما ضمنا الْمجْلس الحافل بأصناف الاداب والمشهد الآهل بانواع الْعُلُوم وَالْقصر الْمَعْمُور بانواع الْفَضَائِل والمنزل المحفوف بِكُل لَطِيفَة وسيعة من دَقِيق الْمعَانِي وجليل الْمَعَالِي قرارة الْمجد وَمحل السؤدد ومحط رحال الْخَائِفِينَ وملقى عَصا التسيار عِنْد الرئيس الاجل الشريف قديمه وحسبه الرفيع حَدِيثه ومكتسبه الَّذِي اجله عَن كل خطة يشركهُ فِيهَا من لَا توازي قومته نومته وَلَا ينَال حَضَره هويناه واربى بِهِ عَن كل مرتبَة يلْحقهُ فِيهَا من لَا يسو إِلَى المكارم سموهُ وَلَا يدنو من الْمَعَالِي دنوه وَلَا يَعْلُو فِي حميد الْخلال علوه بل اكْتفي من مدحه باسمه الْمَشْهُور واجتزي من الاطالة فِي تقريظه بمنتماه الْمَذْكُور فحسبي بذينك العلمين دَلِيلا على سَعْيه المشكور وفضله الْمَشْهُور أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم صَاحب البونت اطال الله بَقَاءَهُ وادام اعتلاءه وَلَا عطل الحامدين من تحليهم بحلاه وَلَا أخلى الْأَيَّام من تزينها بعلاه فرأيته اعزه الله تَعَالَى حَرِيصًا على ان يُجَاوب هَذَا الْمُخَاطب وراغبا فِي ان يبين لَهُ مَا لَعَلَّه قد رَاه فنسى أَو بعد عَنهُ فخفى فتناولت الْجَواب الْمَذْكُور بعد ان بَلغنِي ان ذَلِك الْمُخَاطب قد مَاتَ رحمنا الله تَعَالَى واياه فَلم يكن لقصده بِالْجَوَابِ معنى وَقد صَارَت الْمَقَابِر لَهُ مغنى فلسنا
بمسمعين من فِي الْقُبُور فصرفت عنان الْخطاب اليك إِذْ من قبلك صرت إِلَى الْكتاب المجاوب عَنهُ وَمن لَدُنْك وصلت الي الرسَالَة الْمُعَارضَة وَفِي وُصُول كتابي على هَذِه الْهَيْئَة حَيْثُمَا وصل كِفَايَة لمن غَابَ عَنهُ من أَخْبَار تآليف أهل بلدنا مثل مَا غَابَ عَن هَذَا الباحث الأول وَللَّه الامر من قبل وَمن بعد وان كنت فِي أخباري اياك بِمَا ارسمه فِي كتأبي هَذَا كمهد إِلَى البركان نَار الحباحب وباني صوى فِي مهيع الْقَصْد اللاحب فانك وان كنت الْمَقْصُود والمواجه فَإِنَّمَا المُرَاد من أهل تِلْكَ النَّاحِيَة من نأى عَنهُ علم مَا استجلبه السَّائِل الْمَاضِي وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه سبحأنه
فَأَما مآثر بلدنا فقد الف فِي ذَلِك أَحْمد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ التاريخي كتبا جمة مِنْهَا كتاب ضخم ذكر فِيهِ مسالك الأندلس ومراسيها وامهات مدنها واجنادها السِّتَّة وخواص كل بلد مِنْهَا وَمَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيره وَهُوَ كتاب مريح مليح وَأَنا اقول لَو لم يكن لاندلسنا الا مَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بشر بِهِ وَوصف اسلافنا الْمُجَاهدين فِيهِ بِصِفَات الْمُلُوك على الاسرة فِي الحَدِيث الَّذِي روينَاهُ من طَرِيق أبي حَمْزَة انس بن مَالك ان خَالَته ام حرَام بنت ملْحَان زوج أبي الْوَلِيد عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم اجمعين حدثته عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه أخْبرهَا بذلك لكفى شرفا بذلك يسر عاجله ويغبط آجله
فَإِن قَالَ قَائِل لَعَلَّه صلوَات الله تَعَالَى عَلَيْهِ انما عَنى بذلك الحَدِيث أهل صقليه واقريطش وَمَا الدَّلِيل على مَا ادعيته من أَنه صلى الله عليه وسلم عَنى الأندلس حتما وَمثل هَذَا من التَّأْوِيل لَا يتساهل
فِيهِ ذُو ورع دون برهَان وَاضح وَبَيَان لائح لَا يحْتَمل التَّوْجِيه وَلَا يقبل التجريح
فَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَنه صلى الله عليه وسلم قد أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم وَفضل الْخطاب وَأمر بِالْبَيَانِ لما أوحى اليه وَقد أخبر فِي ذَلِك الحَدِيث الْمُتَّصِل سَنَده بالعدول عَن الْعُدُول بطائفتين من امته يركبون ثبج الْبَحْر غزَاة وأحدة بعد وأحدة فسالته ام حرَام ان يَدْعُو ربه تَعَالَى ان يَجْعَلهَا مِنْهُم فَأَخْبرهَا صلى الله عليه وسلم وَخَبره الْحق بِأَنَّهَا من الْأَوَّلين وَهَذَا من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إخْبَاره بالشَّيْء قبل كَونه وَصَحَّ الْبُرْهَان على رسَالَته بذلك وَكَانَت من الْغُزَاة إِلَى قبرس وخرت عَن بغلتها هُنَاكَ فَتُوُفِّيَتْ رَحمهَا الله تَعَالَى وَهِي أول غزَاة ركب فِيهَا الْمُسلمُونَ الْبَحْر فَثَبت يَقِينا ان الْغُزَاة إِلَى قبرس هم الْأَولونَ الَّذين بشر بهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَت ام حرَام مِنْهُم كَمَا أخبر صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَلَا سَبِيل ان يظنّ بِهِ وَقد أُوتِيَ مَا أُوتِيَ من البلاغة وَالْبَيَان أَنه يذكر طائفتين قد سمى أَحدهمَا أولى الا والتالية لَهَا ثَانِيَة فَهَذَا من بَاب الاضافة وتركيب الْعدَد وَهَذَا مُقْتَضى طبيعة صناعَة الْمنطق إِذْ لَا تكون الأولى أولى الا لثانية وَلَا الثَّانِيَة ثَانِيَة الا لأولى فَلَا سَبِيل إِلَى ذكر ثَالِث الا بعد ثَان ضَرُورَة وَهُوَ صلى الله عليه وسلم انما ذكر طائفتين وَبشر بفئتين وسمى أحداهما الْأَوَّلين فَاقْتضى ذَلِك بِالْقضَاءِ الصدْق آخَرين وَالْآخر من الأول هُوَ الثَّانِي الَّذِي أخبر صلى الله عليه وسلم أَنه خير الْقُرُون بعد قرنه أولى الْقُرُون بِكُل فضل بِشَهَادَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ خير من كل قرن بعده ثمَّ ركب الْبَحْر بعد ذَلِك أَيَّام سُلَيْمَان بن عبد الْملك
إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَكَانَ الْأَمِير بهَا فِي تِلْكَ السفن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ وَأما صقلية فَأَنَّهَا فتحت صدر أَيَّام الاغالبة سنة 212 أَيَّام قاد اليها السفن غازيا اسد بن الْفُرَات القَاضِي صَاحب أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وبهامات وَأما اقريطش فَإِنَّهَا فتحت بعد الثَّلَاث والمائتين افتتحها ابو حَفْص عمر بن شُعَيْب الْمَعْرُوف بِابْن الغليظ من أهل قَرْيَة بطروج من عمل فحص البلوط المجأور لقرطبة من بِلَاد الأندلس وَكَانَ من فل الربضيين وتداولها بنوه بعده إِلَى ان كَانَ أخرهم عبد الْعَزِيز بن شُعَيْب الَّذِي غنمها فِي أَيَّام ارمانوس بن قسطنطين ملك الرّوم سنة 350 وَكَانَ أَكثر المفتتحين لَهَا أهل الأندلس
وَأما فِي قسم الأقاليم فَإِن قرطبة مسْقط رؤوسنا ومعق تمائمنا مَعَ سر من رأى فِي اقليم وَأحد فلنا من الْفَهم والذكاء مَا اقْتَضَاهُ اقليمنا وَإِن كَانَت الْأَنْوَار لَا تَأْتِينَا إِلَّا مغربة عَن مطالعها على الْجُزْء الْمَعْمُور وَذَلِكَ عِنْد الْمُحْسِنِينَ للْأَحْكَام الَّتِي تدل عَلَيْهَا الْكَوَاكِب نَاقص من قوى دلائلها فلهَا من ذَلِك على كل حَال حَظّ يفوق حَظّ أَكثر الْبِلَاد بارتفاع أحد النيرين بهَا تسعين دَرَجَة وَذَلِكَ من أَدِلَّة التَّمَكُّن فِي الْعُلُوم والنفاذ فِيهَا عِنْد من ذكرنَا وَقد صدق ذَلِك الْخَبَر وابانته التجربة فَكَانَ أَهلهَا من التَّمَكُّن فِي عُلُوم القراآت وَالرِّوَايَات وَحفظ كثير من الْفِقْه وَالْبَصَر بالنحو وَالشعر واللغة وَالْخَبَر والطب والحساب والنجوم بمَكَان رحب الفناء وَاسع العطن متنائي الاقطار فسيح المجال وَالَّذِي نعاه علينا الْكَاتِب الْمَذْكُور لَو كَانَ كَمَا ذكر لَكنا فِيهِ شُرَكَاء لأكْثر أُمَّهَات الحواضر وجلائل الْبِلَاد ومتسعات الْأَعْمَال فَهَذِهِ القيروان بلد الْمُخَاطب لنا مَا أذكر أَنِّي رَأَيْت فِي أَخْبَارهَا تأليفا غير المعرب عَن أَخْبَار الْمغرب وحاشى تآليف مُحَمَّد بن يُوسُف الْوراق فَإِنَّهُ ألف للمسنتصر رَحمَه شالله تَعَالَى فِي
مسالك افريقية وممالكها ديوأنا ضخما وَفِي أَخْبَار مُلُوكهَا وحروبهم والقائمين عَلَيْهِم كتبا جمة وَكَذَلِكَ الف أيضافي أَخْبَار تيهرت ووهران وتونس وسجلماسة ونكور وَالْبَصْرَة وَغَيرهَا تآليف حسأنا وَمُحَمّد هَذَا أندلسي الأَصْل وَالْفرع آباؤه من وَادي الْحِجَارَة ومدفنه بقرطبة وهجرته إِلَيْهَا وَإِن كَانَت نشأته بالقيروان
ولابد من إِقَامَة الدَّلِيل على مَا أَشرت اليه هُنَا إِذْ مرادنا ان نأتي مِنْهُ بالمطلوب فِيمَا يستانف ان شَاءَ الله تَعَالَى وَذَلِكَ ان جَمِيع المؤرخين من ائمتنا السالفين والباقين درن محاشاة أحد بل قد تَيَقنا اجماعهم على ذَلِك متفقون على أَن ينسبوا الرجل إِلَى مَكَان هجرته الَّتِي اسْتَقر بهَا وَلم يرحل عَنْهَا رحيل ترك لسكناها إِلَى أَن مَاتَ فان ذكرُوا الْكُوفِيّين من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم صدرُوا بعلي وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وانما سكن عَليّ الْكُوفَة خَمْسَة أَعْوَام واشهرا وَقد بَقِي 58 عَاما وأشهرا بِمَكَّة وَالْمَدينَة شرفهما الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَيْضا أَكثر اعمار من ذكرنَا وان ذكرُوا الْبَصرِيين بدؤا بعمران بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَهِشَام بن عَامر وَأبي بكرَة وَهَؤُلَاء مواليدهم وَعَامة زمن أَكْثَرهم وَأكْثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف وجمهرة أعمارهم حلت هُنَالك وان ذكرُوا الشاميين نوهوا بِعبَادة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ وَمُعَاوِيَة والامر فِي هَؤُلَاءِ كالامر فِيمَن قبلهم وَكَذَلِكَ فِي المصريين عَمْرو بن الْعَاصِ وخارجة بن حذافة الْعَدوي وَفِي المكيين عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير وَالْحكم فِي هَؤُلَاءِ كَالْحكمِ فِيمَن قَصَصنَا فَمن هَاجر الينا من سَائِر الْبِلَاد فَنحْن احق بِهِ وَهُوَ منا بِحكم جَمِيع أولى الامر منا الَّذين أجماعهم فرض اتِّبَاعه وخلافه محرم اقترافه وَمن هَاجر منا إِلَى غَيرنَا فَلَا حَظّ لنا فِيهِ وَالْمَكَان
الَّذِي أختاره اِسْعَدْ بِهِ فَكَمَا لَا نَدع اسماعيل بن الْقَاسِم فَكَذَلِك لَا ننازع فِي مُحَمَّد بن هَانِيء سوأنا وَالْعدْل أولى مَا حرص عَلَيْهِ وَالنّصف افضل مَا دعِي اليه بعد التَّفْصِيل الَّذِي لَيْسَ هَذَا مَوْضُوعه وعَلى مَا ذكرنَا من الْإِنْصَاف تراضي الْكل
وَهَذِه بَغْدَاد حَاضِرَة الدُّنْيَا ومعدن كل فَضِيلَة والمحلة الَّتِي سبق أَهلهَا إِلَى حمل ألوية المعارف والتدقيق فِي تصريف الْعُلُوم ورقة الْأَخْلَاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاذ الخواطر وَهَذِه الْبَصْرَة وَهِي عين الْمَعْمُور فِي كل مَا ذكرنَا وَمَا اعْلَم فِي أَخْبَار بَغْدَاد تأليفا غير كتاب أَحْمد بن أبي طَاهِر وَأما سَائِر التواريخ الَّتِي الفها أَهلهَا فَلم يخصوا بلدتهم بهَا دون سَائِر الْبِلَاد وَلَا اعْلَم فِي أَخْبَار الْبَصْرَة غير كتاب عمر بن شبة وَكتاب لرجل من ولد الرّبيع بن زِيَاد الْمَنْسُوب إِلَى أبي سُفْيَان فِي خطط الْبَصْرَة وقطائعها وكتابين لِرجلَيْنِ من أَهلهَا يُسمى أَحدهمَا عبد الْقَادِر كريزي النّسَب فِي وصفهَا وذكرا أسواقها ومحالها وشوارعها وَلَا اعْلَم فِي أَخْبَار الْكُوفَة غير كتاب عمر بن شبة وَأما الْجبَال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسند وارمينية وإذربيجان وَتلك الممالك الْكَثِيرَة الضخمة فَلَا اعْلَم فِي شَيْء مِنْهَا تاليفا قصد بِهِ أخيار مُلُوك تِلْكَ النواحي وعلمائها وشعرائها واطبائها وَلَقَد تاقت النُّفُوس إِلَى ان يتَّصل بِنَا تاليف فِي أَخْبَار فُقَهَاء بَغْدَاد وَمَا علمناه علم على أَنهم الْعلية الرؤساء والاكابر العظماء وَلَو كَانَ فِي شَيْء من ذَلِك تأليف لَكَانَ الحكم فِي الاغلب ان يبلغنَا كَمَا بلغ سَائِر تآليفهم وكما بلغنَا كتاب حَمْزَة بن الْحسن الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَخْبَار اصبهان وَكتاب الْموصِلِي وَغَيره فِي أَخْبَار مصر وكما بلغنَا سَائِر تآليفهم فِي انحاء الْعُلُوم وَقد بلغنَا تاليف القَاضِي أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عبدون القيرواني فِي
الشُّرُوط واعتراضه على الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ بلغنَا رد القَاضِي أَحْمد بن طَالب التَّمِيمِي على أبي حنيفَة وتشنيعه على الشَّافِعِي وَكتب ابْن عَبدُوس وَمُحَمّد بن سَحْنُون وَغير ذَلِك من خوامل تآليفهم دون مشهورها
وَأما جهتنا فَالْحكم فِي ذَلِك مَا جرى بِهِ الْمثل السائر ازهد النَّاس فِي عَالم اهله وقرأت فِي الانجيل ان عِيسَى عليه السلام قَالَ لَا يفقد النَّبِي حرمته الا فِي بَلَده وَقد تَيَقنا ذَلِك بِمَا لَقِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم من قُرَيْش وهم أوفر النَّاس احلاما واصحهم عقولا واشدهم تثبتا مَعَ مَا خصوا بِهِ من سكناهم افضل الْبِقَاع وتغذيتهم باكرم الْمِيَاه حَتَّى خص الله تَعَالَى الْأَوْس والخزرج بالفضيلة الَّتِي أبانهم بهَا عَن جَمِيع النَّاس وَالله يُؤْتِي فَضله من يَشَاء
وَلَا سِيمَا اندلسنا فَإِنَّهَا خصت من حسد أَهلهَا للْعَالم الظَّاهِر فيهم الماهر مِنْهُم واستقلالهم كثير مَا يَأْتِي بِهِ واستهجأنهم حَسَنَاته وتتبعهم سقطاته وعثراته وَأكْثر ذَلِك مُدَّة حَيَاته باضعاف مَا فِي سَائِر الْبِلَاد ان اجاد قَالُوا سَارِق مغير ومنتحل مُدع وان توَسط قَالُوا غث بَارِد وَضَعِيف سَاقِط وان باكر الْحِيَازَة لقصب السَّبق قَالُوا مَتى كَانَ هَذَا وَمَتى تعلم وَفِي أَي زمَان قَرَأَ ولأمه الهبل وَبعد ذَلِك ان ولجت بِهِ الأقدار أحد طَرِيقين اما شفوفا بَائِنا يعليه على نظرائه أَو سلوكا فِي غير السَّبِيل الَّتِي عهدوها فهنالك حمي الْوَطِيس على البائس وَصَارَ غَرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب اليه ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إِلَى عرضه وَرُبمَا نحل مَا لم يقل وطوق مالم يتقلد وَالْحق بِهِ مالم يفه بِهِ وَلَا اعتقده قلبه وبالحرى وَهُوَ السَّابِق المبرز ان لم يتَعَلَّق من السُّلْطَان بحظ ان يسلم من المتالف وينجو من الْمُخَالف فَإِن تعرض
لتأليف غمز ولمز وَتعرض وهمز واشتط عَلَيْهِ وَعظم يسير خطبه واستشنع هَين سقطه وَذَهَبت محاسنه وسترت فضائله وهتف وَنُودِيَ بِمَا اغفل فتنكسر لذَلِك همته وتكل نَفسه وتبرد حميته وَهَكَذَا عندنَا نصيب من ابْتَدَأَ يحوك شعرًا أَو يعْمل بِعَمَل رياسة فَإِنَّهُ لَا يفلت من هَذِه الحبائل وَلَا يتَخَلَّص من هَذِه النصب إِلَّا الناهض الْفَائِت والمطفف المستولي على الأمد
وعَلى ذَلِك فقد جمع مَا ظَنّه الظَّان غير مَجْمُوع والفت عندنَا تآليف فِي غَايَة الْحسن لنا خطر السَّبق فِي بَعْضهَا فَمِنْهَا كتاب الْهِدَايَة لعيسى بن دِينَار وَهِي ارْفَعْ كتب جمعت فِي مَعْنَاهَا على مَذْهَب مَالك وَابْن الْقَاسِم وأجمعها للمعاني الْفِقْهِيَّة على الْمَذْهَب فَمِنْهَا كتاب الصَّلَاة وَكتاب الْبيُوع وَكتاب الْجِدَار فِي الاقضية وَكتاب النِّكَاح وَالطَّلَاق وَمن الْكتب الْمَالِكِيَّة الَّتِي ألفت بالأندلس كتاب القصي مَالك بن عَليّ وَهُوَ رجل قرشي من بني فهر لَقِي اصحاب مَالك واصحاب اصحابه وَهُوَ كتاب حسن فِيهِ غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات وَمِنْهَا كتاب أبي اسحاق إِبْرَاهِيم بن مزين فِي تَفْسِير الْمُوَطَّأ والكتب المستقصية لمعاني الْمُوَطَّأ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابْن مزين أيضاوكتابه فِي رجال الْمُوَطَّأ وَمَا لمَالِك عَن كل وَأحد مِنْهُم من الْآثَار فِي موطئِهِ
وَفِي تَفْسِير الْقُرْآن كتاب أبي عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد فَهُوَ الْكتاب الَّذِي اقْطَعْ قطعا لَا اسْتثْنِي فِيهِ أَنه لم يؤلف فِي الْإِسْلَام تَفْسِير مثله وَلَا تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَلَا غَيره
وَمِنْهَا فِي الحَدِيث مُصَنفه الْكَبِير الَّذِي رتبه على اسماء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَروِيَ فِيهِ الف وثلثمائة صَاحب ونيف ثمَّ رتب حَدِيث كل صَاحب على اسماء الْفِقْه وابواب الْأَحْكَام فَهُوَ مُصَنف ومسند
وَمَا اعْلَم هَذِه الرُّتْبَة لأحد قبله مَعَ ثقته وَضَبطه وإتقانه واحتفاله فِي الحَدِيث وجودة شُيُوخه فَإِنَّهُ روى عَن مِائَتي رجل واربعة وَثَمَانِينَ رجلا لَيْسَ فيهم عشرَة ضعفاء وسائرهم اعلام مشاهير وَمِنْهَا مُصَنفه فِي فضل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن دونهم الَّذِي اربى فِيهِ على مُصَنف أبي بكر بن أبي شيبَة ومصنف عبد الرَّزَّاق بن همام ومصنف سعيد بن مَنْصُور وَغَيرهَا وانتظم علما عَظِيما لم يَقع فِي شَيْء من هَذِه فَصَارَت تآليف هَذَا الامام الْفَاضِل قَوَاعِد الْإِسْلَام لَا نَظِير لَهَا وَكَانَ متخيرا لَا يُقَلّد أحدا وَكَانَ ذَا خَاصَّة من أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَمِنْهَا فِي احكام الْقُرْآن كتاب ابْن أُميَّة الحجاري وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب بَصيرًا بالْكلَام على أختياره وَكتاب القَاضِي أبي الحكم مُنْذر ابْن سعيد وَكَانَ دأودي الْمَذْهَب قَوِيا على الِانْتِصَار لَهُ وَكِلَاهُمَا فِي احكام الْقُرْآن غَايَة ولمنذر مصنفات مِنْهَا كتاب الابانة عَن حقائق اصول الدّيانَة وَمِنْهَا فِي الحَدِيث مُصَنف أبي مُحَمَّد قَاسم بن اصبغ بن يُوسُف بن نَاصح ومصنف مُحَمَّد بن عبد الْملك بن ايمن وهما مصنفان رفيعان احتويا من صَحِيح الحَدِيث وغريبه على مَا لَيْسَ فِي كثير من المصنفات ولقاسم بن اصبغ هَذَا تآليف حسان جدا مِنْهَا احكام الْقُرْآن على ابواب كتاب اسماعيل وَكَلَامه وَمِنْهَا كتاب المجتبي على ابواب كتاب ابْن الْجَارُود الْمُنْتَقى وَهُوَ خير مِنْهُ وانقى حَدِيثا واعلى سندا وَأكْثر فَائِدَة وَمِنْهَا كتاب فِي فَضَائِل قُرَيْش وكنانة وَكتابه فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَكتاب غرائب حَدِيث مَالك بن انس مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ وَمِنْهَا كتاب التَّمْهِيد لصاحبنا أبي عمر يُوسُف بن عبد الْبر وَهُوَ الْآن بعد فِي الْحَيَاة لم يبلغ سنّ الشيخوخة وهوكتاب
لَا اعْلَم فِي الْكَلَام على فقه الحَدِيث مثله اصلا فَكيف احسن مِنْهُ وَمِنْهَا كتاب الاستذكار وَهُوَ أختصار التَّمْهِيد الْمَذْكُور ولصاحبنا أبي عمر بن عبد الْبر الْمَذْكُور كتب لَا مثيل لَهَا مِنْهَا كِتَابه الْمُسَمّى بالكافي فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك واصحابه خَمْسَة عشر كتابا اقْتصر فِيهِ على مَا بالمفتي الْحَاجة اليه وبوبه وقربه فَصَارَ مغنيا عَن التصنيفات الطوَال فِي مَعْنَاهُ وَمِنْهَا كِتَابه فِي الصَّحَابَة لَيْسَ لأحد من الْمُتَقَدِّمين مثله على كَثْرَة مَا صنفوا فِي ذَلِك وَمِنْهَا كتاب الِاكْتِفَاء فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَالْحجّة لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَمِنْهَا كتاب بهجة الْمجَالِس وانس الْمجَالِس مِمَّا يجْرِي فِي المذكرات من غرر الأبيات ونوادر الحكايات وَمِنْهَا كتاب جَامع بَيَان الْعلم وفضله وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَته
وَمِنْهَا كتاب شَيخنَا القَاضِي أبي الْوَلِيد عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الفرضي فِي الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي اسماء الرِّجَال وَلم يبلغ عبد الْغَنِيّ الْحَافِظ الْبَصْرِيّ فِي ذَلِك إِلَّا كتابين وَبلغ ابو الْوَلِيد رَحمَه الله تَعَالَى نَحْو الثَّلَاثِينَ لَا اعْلَم مثله فِي فنه الْبَتَّةَ وَمِنْهَا تَارِيخ أَحْمد بن سعيد مَا وضع فِي الرِّجَال أحد مثله إِلَّا مَا بلغنَا من تَارِيخ مُحَمَّد بن مُوسَى الْعقيلِيّ الْبَغْدَادِيّ وَلم أره وَأحمد بن سعيد هُوَ الْمُتَقَدّم فِي التاليف الْقَائِم فِي ذَلِك وَمِنْهَا كتب مُحَمَّد بن يحيى بن مفرج القَاضِي وَهِي كَثِيرَة مِنْهَا اسفار سَبْعَة جمع فِيهَا فقه الْحسن الْبَصْرِيّ وَكتب كَثِيرَة جمع فِيهَا فقه الزُّهْرِيّ
وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك شرح الحَدِيث لعامر بن خلف السَّرقسْطِي فَمَا شآه ابو عُبَيْدَة الا بتقدم الْعَصْر فَقَط
وَمِنْهَا فِي الْفِقْه الْوَاضِحَة والمالكيون لَا تمانع بَينهم فِي فَضلهَا
واستحسأنهم اياها وَمِنْهَا المستخرجة من الاسمعة وَهِي الْمَعْرُوفَة بالعتبية وَلها عِنْد أهل افريقية الْقدر العالي والطيران الحثيث وَالْكتاب الَّذِي جمعه ابو عمر أَحْمد بن عبد الْملك بن هِشَام الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن الكوى والقرشي ابو مَرْوَان المعيطي فِي جمع اقاويل مَالك كلهَا على نَحْو الْكتاب الباهر الَّذِي جمع فِيهِ القرضي ابو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحداد الْبَصْرِيّ اقاويل الشَّافِعِي كلهَا وَمِنْهَا كتاب الْمُنْتَخب الَّذِي الفه القَاضِي مُحَمَّد بن يحيى بن عمر بن لبَابَة وَمَا رَأَيْت لمالكي قطّ كتابا انبل مِنْهُ فِي جمع رِوَايَات الْمَذْهَب وَشرح مستغلقها وتفريع وجوهها وتآليف قَاسم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِصَاحِب الوثائق وَكلهَا حسن فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب نظارا جَارِيا فِي ميدان البغداديين
وَمِنْهَا فِي اللُّغَة الْكتاب البارع الَّذِي الفه اسماعيل بن الْقَاسِم يحتوي على لُغَة الْعَرَب وَكتابه فِي الْمَقْصُور والممدود والمهموز لم يؤلف مثله فِي بَابه وَكتاب الافعال لمُحَمد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الْمَعْرُوف بِابْن الْقُوطِيَّة بِزِيَادَات ابْن طريف مولي العبيديين فَلم يوضع فِي فنه مثله وَكتاب جمعه ابو غَالب تَمام بن غَالب الْمَعْرُوف بِابْن التياني فِي اللُّغَة لم يؤلف مثله أختصارا واكثارا وثقة نقل وَهُوَ اظن فِي الْحَيَاة بعد
وَهَهُنَا قصَّة لَا يَنْبَغِي ان تَخْلُو رسالتنا مِنْهَا وَهِي ان ابا الْوَلِيد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن القَاضِي حَدثنِي ان ابا الْجَيْش مُجَاهدًا صَاحب الجزائر ودانية وَجه إِلَى أبي غَالب أَيَّام غلبته على مرسية وابوغالب سَاكن بهَا الف دِينَار اندلسية على ان يزِيد فِي تَرْجَمَة الْكتاب الْمَذْكُور مِمَّا الفه تَمام بن غَالب لأبي الْجَيْش مُجَاهِد فَرد الدَّنَانِير وابى من ذَلِك وَلم يفتح فِي هَذَا بَابا الْبَتَّةَ وَقَالَ وَالله لَو بذل لي الدُّنْيَا على ذَلِك مَا فعلت وَلَا استجزت الْكَذِب لِأَنِّي لم اجمعه لَهُ خَاصَّة بل لكل طَالب فاعجب لهمة هَذَا الرئيس وعلوها
واعجب لنَفس هَذَا الْعَالم
وَمِنْهَا لكتاب أَحْمد بن ابان بن سيد فِي اللُّغَة الْمَعْرُوف بِكِتَاب الْعَالم نَحْو مائَة سفر على الاجناس فِي غَايَة الْإِيعَاب بَدَأَ بالفلك وَختم بالذرة وَكتاب النَّوَادِر لأبي عَليّ اسماعيل ببن الْقَاسِم وَهُوَ مبار لكتاب الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس الْمبرد ولعمري لَئِن كَانَ كتاب أبي الْعَبَّاس أَكثر نَحوا وخبرا فان كتاب أبي على لأكْثر لُغَة وشعرا وَكتاب الفصوص لصاعد بن الْحسن الربعِي وَهُوَ جَار فِي مضمار الكتأبين الْمَذْكُورين
وَمن الانحاء تَفْسِير الحوفي لكتاب الْكسَائي حسن فِي مَعْنَاهُ وَكتاب ابْن سيدة فِي ذَلِك المنبوذ بالعالم والمتعلم وَشرح لَهُ كتاب الْأَخْفَش
وَمِمَّا الف فِي الشّعْر كتاب عبَادَة بن مَاء السَّمَاء فِي أَخْبَار شعراء الأندلس كتاب حسن وَكتاب الحدائق لأبي عمر أَحْمد بن فرج عَارض بِهِ كتاب الزهرة لأبي بكر مُحَمَّد بن دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَّا ان ابا بكر انما ادخل مائَة بَاب فِي كل بَاب مائَة بَيت وابو عمر أورد مِائَتي بَاب فِي كل بَاب مائَة بَيت لَيْسَ مِنْهَا بَاب تكَرر اسْمه لأبي بكر وَلم يُورد فِيهِ لغير اندلسي شَيْئا واحسن الِاخْتِيَار مَا شَاءَ واجاد فَبلغ الْغَايَة واتى الْكتاب فَردا فِي مَعْنَاهُ وَمِنْهَا كتاب التشبيهات من اشعار أهل الأندلس جمعه ابو الْحسن على بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْكَاتِب وَهُوَ حَيّ بعد وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك شرح أبي الْقَاسِم ابراهيم بن مُحَمَّد بن الإفليلي لشعر المتنبي وَهُوَ حسن جدا
وَمن الْأَخْبَار تواريخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الرَّازِيّ فِي أَخْبَار مُلُوك الأندلس وَخدمَتهمْ وغزواتهم ونكباتهم وَذَلِكَ كثير جدا وَكتاب لَهُ فِي صفة قرطبة وخططها ومنازل الاعيان بهَا على نَحْو مَا بدا بِهِ ابْن أبي طَاهِر فِي أَخْبَار بَغْدَاد وَذكر منَازِل صحابة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بهَا وتواريخ مُتَفَرِّقَة رَأَيْت مِنْهَا أَخْبَار عمر بن حفصون الْقَائِم بَريَّة وَوَقَائعه وسيره وحروبه وتاريخ آخر فِي أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان الجليقي الْقَائِم بالحوف وَفِي أَخْبَار بني قيس والتجيبيين وَبني الطَّوِيل الثغر وَقد رَأَيْت من ذَلِك كتبا مصنفة فِي غَايَة الْحسن وَكتاب مجزأ فِي اجزاء كَثِيرَة فِي أَخْبَار رية وحصونها وحروبها وفقهائها وشعرائها تألبف اسحاق بن سَلمَة بن اسحاق اللَّيْثِيّ وَكتاب مُحَمَّد بن الْحَارِث الْخُشَنِي فِي أَخْبَار الْقُضَاة بقرطبة وَسَائِر بِلَاد الأندلس وَكتاب فِي أَخْبَار الْفُقَهَاء بهَا وَكتاب لِأَحْمَد بن مُحَمَّد بن مُوسَى فِي انساب مشاهير أهل الأندلس فِي خَمْسَة اسفار ضخمة من احسن كتاب فِي الانساب وأوسعها وَكتاب قَاسم بن اصبغ فِي الانساب فِي غية اللحسن والايعاب والإيجاز وَكتابه فِي فَضَائِل بني أُميَّة وَكَانَ من الثِّقَة وَالْجَلالَة بِحَيْثُ اشْتهر امْرَهْ وانتشر ذكره وَمِنْهَا كتب مؤلفة فِي اصحاب المعاقل والاجناد السِّتَّة بالأندلس وَمِنْهَا كتب كَثِيرَة جمعت فِيهَا أَخْبَار شعراء أهل الأندلس للمستنصر رَحمَه الله تَعَالَى رَأَيْت مِنْهَا أَخْبَار شعراء إلبيرة فِي نَحْو عشرَة اجزاء وَمِنْهَا كتاب الطوالع فِي انساب أهل الأندلس وَمِنْهَا كتاب التَّارِيخ الْكَبِير فِي أَخْبَار أهل الأندلس تاليف أبي مَرْوَان بن حَيَّان نَحْو عشرَة اسفار من اجل كتاب الف فِي هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ فِي الْحَيَاة بعد لم يتجأوز الاكتهال وَكتاب المآثر العامرية لحسين بن عَاصِم النَّحْوِيّ فِي طَبَقَات الْكتاب بالأندلس وَكتاب سكن بن سعيد فِي ذَلِك وَكتاب أَحْمد بن فرج فِي المنتزين والقائمين بالأندلس وأخبارهم وَكتاب
أَخْبَار اطباء الأندلس لِسُلَيْمَان بن جلجل
وَأما الطِّبّ فَكتب الْوَزير يحيى بن اسحاق وَهِي كتب حسان رفيعة وَكتب مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي استاذنا رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْكِتَابِيّ وَهِي كتب رفيعة حسان وَكتاب التصريف لأبي الْقَاسِم خلف بن عَبَّاس الزهرأوي وَقد أدركناه وشاهدناه وَلَئِن قُلْنَا أَنه لم يؤلف فِي الطِّبّ اجْمَعْ مِنْهُ وَلَا أحسن لِلْقَوْلِ وَالْعَمَل فِي الطبائع لنصدقن وَكتب ابْن الْهَيْثَم فِي الْخَواص والسموم والعقاقير من اجل الْكتب وانفعها
وَأما الفلسفة فَانِي رَأَيْت فِيهَا رسائل مَجْمُوعَة وعيونا مؤلفة لسَعِيد بن فتحون السَّرقسْطِي الْمَعْرُوف بالحمار دَالَّة على تمكنه من هَذِه الصِّنَاعَة وَأما رسائل استاذنا أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي فِي ذَلِك فمشهورة متدأولة وتامة الْحسن فائقة الْجَوْدَة عَظِيمَة الْمَنْفَعَة
وَأما الْعدَد والهندسة فَلم يقسم لنا فِي هَذَا الْعلم نَفاذ وَلَا تحققنا بِهِ فلسنا نثق فِي بِأَنْفُسِنَا فِي تَمْيِيز المحسن من المقصر فِي المؤلفين فِيهِ من أهل بلدنا إِلَّا اني سَمِعت من اثق بعقله وَدينه من أهل الْعلم مِمَّن اتّفق على رسوخه فِيهِ يَقُول أَنه لم يؤلف فِي الازياج مثل زيج مسلمة وزيج ابْن السَّمْح وهما من أهل بلدنا وَكَذَلِكَ كتاب المساحة المجهولة لِأَحْمَد بن نصر فَمَا تقدم إِلَى مثله فِي مَعْنَاهُ
وانما ذكرنَا التاليف الْمُسْتَحقَّة للذّكر وَالَّتِي تدخل تَحت الاقسام السَّبْعَة الَّتِي لَا يؤلف عَاقل عَالم الا فِي أَحدهَا وَهِي اما شَيْء يخترعه لم يسْبق اليه أَو شَيْء نَاقص يتمه أَو شَيْء مستغلق يشرحه أَو شَيْء طَوِيل يختصره دون ان يخل بِشَيْء من مَعَانِيه أَو شَيْء متفرق
يجمعه أَو شَيْء مختلط يرتبه أَو شَيْء أَخطَأ فِيهِ صَاحبه يصلحه
وَأما التاليف المقصرة عَن مَرَاتِب غَيرهَا فَلم نلتفت إِلَى ذكرهَا وَهِي عندنَا من تاليف أهل بلدنا اكطثر من ان نحيط بعلمها
وَأما علم الْكَلَام فان بِلَادنَا وان كَانَت لم تتجاذب فِيهَا الْخُصُوم وَلَا أختلفت فِيهَا النَّحْل فَقل لذَلِك تصرفهم فِي هَذَا الْبَاب فَهِيَ على كل حَال غير عرية عَنهُ وَقد كَانَ فيهم قوم يذهبون إِلَى الاعتزال نظار على اصوله وَلَهُم فِيهِ تاليف مِنْهُم خَلِيل بن اسحاق وَيحيى بن السمينة والحاجب مُوسَى بن حدير وَأَخُوهُ الْوَزير صَاحب الْمَظَالِم أَحْمد وَكَانَ داعيه إِلَى الاعتزال لَا يسْتَتر بذلك وَلنَا على مَذْهَبنَا الَّذِي تخيرناه من مَذَاهِب اصحاب الحَدِيث كتاب فِي هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ وان كَانَ صَغِير الجرم قَلِيل عدد الْوَرق يزِيد على الْمِائَتَيْنِ زِيَادَة يسيره فعظيم الْفَائِدَة لأَنا اسقطنا فِيهِ المشاغب كلهَا واضربنا عَن التَّطْوِيل جملَة واقتصرنا على الْبَرَاهِين المنتخبة من الْمُقدمَات الصِّحَاح الراجعة إِلَى شَهَادَة الْحس وبديهة الْعقل بِالصِّحَّةِ وَلنَا فِيمَا تحققنا بِهِ تآليف جمة مِنْهَا مَا قد تمّ وَمِنْهَا مَا شَارف التَّمام وَمِنْهَا مَا قد مضى مِنْهُ صدر ويعين الله تَعَالَى على بَاقِيه لم نقصد بِهِ قصد مباهاة فنذكرها وَلَا اردنا السمعة فنسميها وَالْمرَاد بهَا رَبنَا جلّ وَجهه وَهُوَ ولي العون فِيهَا والملي بالمجازاة عَلَيْهَا وَمَا كَانَ لله تَعَالَى فسيبدو وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
وَبَلَدنَا هَذَا على بعده من ينبوع الْعلم ونأية من محلّة الْعلمَاء فقد ذكرنَا من تآليف اهله مَا ان طلب مثلهَا بِفَارِس والاهواز وديار مُضر وديار ربيعَة واليمن وَالشَّام اعوز وجود ذَلِك على قرب الْمسَافَة فِي هَذِه الْبِلَاد من الْعرَاق الَّتِي هِيَ دَار هِجْرَة الْفَهم وَذَوِيهِ وَمُرَاد المعارف واربابها
وَنحن إِذا ذكرنَا ابا الأجرب جَعونَة بن الصمَّة الْكلابِي فِي الشّعْر لم نباه بِهِ إِلَّا جَرِيرًا والفرزدق لكَونه فِي عصرهما وَلَو انصف لاستشهد بِشعرِهِ فَهُوَ جَار على مَذْهَب الْأَوَائِل لَا على طَريقَة الْمُحدثين وَإِذا سمينا بَقِي بن مخلد لم نسابق بِهِ إِلَّا مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي وَسليمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي وَأحمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ وَإِذا ذكرنَا قَاسم بن مُحَمَّد لم نباه بِهِ الا الْقفال وَمُحَمّد بن عقيل الْفرْيَابِيّ وَهُوَ شريكهما فِي صُحْبَة الْمُزنِيّ أبي إِبْرَاهِيم والتتلمذ لَهُ وَإِذا نعتنا عبد الله بن قَاسم بن هِلَال وَمُنْذِر بن سعيد لم نجار بهما الا ابا الْحسن ابْن الْمُفلس والخلال والديباجي ورويم بن أَحْمد وَقد شاركهم عبد الله فِي أبي سُلَيْمَان وصحبته وَإِذا اشرنا إِلَى مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَعَمه مُحَمَّد بن عِيسَى وَفضل بن سَلمَة لم نناطح بهم الا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم وَمُحَمّد بن سَحْنُون وَمُحَمّد بن عَبدُوس وَإِذا صرحنا بِذكر مُحَمَّد بن يحيى الريَاحي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَاصِم لم يقصرا عَن اكابر اصحاب مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد
وَلَو لم يكن لنا من فحول الشُّعَرَاء الا أَحْمد بن مُحَمَّد بن دراج القسطلي لما تَأَخّر عَن شأو بشار وحبِيب والمتنبي فَكيف وَلنَا مَعَه جَعْفَر بن عُثْمَان الْحَاجِب وَأحمد بن عبد الْملك بن مَرْوَان واغلب بن شُعَيْب وَمُحَمّد بن شخيص وَأحمد بن فرج وَعبد الْملك بن سعيد الْمرَادِي وكل هَؤُلَاءِ فَحل يهاب جَانِبه وحصان مَمْسُوح الْغرَّة
وَلنَا من البلغاء أَحْمد بن عبد الْملك بن شَهِيد صديقنا وصاحبنا وَهُوَ حَيّ بعد لم يبلغ سنّ الاكتهال وَله من التَّصَرُّف فِي وُجُوه البلاغة وشعابها مِقْدَار يكَاد ينْطق فِيهِ بِلِسَان مركب من لساني عَمْرو وَسَهل وَمُحَمّد بن عبد الله بن مَسَرَّة فِي طَرِيقه الَّتِي سلك فِيهَا وان كُنَّا لَا
نرضى مذْهبه فِي جمَاعَة يكثر تعدادهم
وَقد انْتهى مَا اقْتَضَاهُ خطاب الْكَاتِب رَحمَه الله تَعَالَى من الْبَيَان وَلم نتزيد فِيمَا رغب فِيهِ إِلَّا مَا دعت الضَّرُورَة إِلَى ذكره لتَعَلُّقه بجوابه وَالْحَمْد لله الْمُوفق لعلمه وَالْهَادِي إِلَى الشَّرِيعَة المزلفة مِنْهُ والموصلة وَصلى الله على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَشرف وكرم انْتَهَت الرسَالَة
وَكتب الْحَافِظ ابْن حجر على هَامِش قَوْله فِيهَا انما سكن على الْكُوفَة خَمْسَة اعوام أشهرا مَا نَصه صَوَابه أَرْبَعَة أَعْوَام انْتهى
وَقَالَ ابْن سعيد بعد ذكره هَذِه الرسَالَة مَا صورته رَأَيْت ان إذيل مَا ذكره الْوَزير الْحَافِظ ابو مُحَمَّد بن حزم من مفاخر أهل الأندلس بِمَا حضرني وَالله ولي الْإِعَانَة