الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب سجود السهو وغيره
1 -
عن عبد اللَّه بن بحينة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام فى الركعتين الأوليين ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم. أخرجه السبعة وهذا لفظ البخارى. وفى رواية لمسلم: يكبر فى كل سجدة وهو جالس وسجد الناس معه مكان ما نسى من الجلوس.
[المفردات]
السهو: هو النسيان يقال: سها فى الأمر إذا نسيه وغفل عنه وذهب قلبه إلى غيره.
وغيره: أى من سجود التلاوة والشكر وقد جاء فى بعض النسخ "وغيره من سجود التلاوة والشكر".
ولم يجلس: أى ولم يقعد للتشهد الأول فى وسط الصلاة.
قضى: أى أتم وفرغ ولم يبق الا التسليم.
كبر: أى للسجود وليست هذه تكبيرة إحرام بل هى من قبيل تكبير الانتقال والسجود.
وفى رواية لمسلم: أى من حديث عبد اللَّه بن بحينة.
مكان: أى بدل.
[البحث]
لا يفهم من قوله فى رواية السبعة "كبر وهو جالس وسجد سجدتين" أن المراد من التكبير هنا هو تكبير الإحرام وأن رواية مسلم "يكبر فى كل سجدة وهو جالس" هى التى أفادت تكبير الانتقال إذ أن التكبير فى رواية السبعة جاء مطقا وقد قيدته وبينت محله رواية مسلم. أما قوله فى الحديث "وسجد سجدتين قبل أن يسلم" فهو نص فى أن محل سجود السهو فى مثل هذه الحالة قبل السلام.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية سجود السهو لمن نسى التشهد الأول.
2 -
أن التشهد الأول ليس من أركان الصلاة.
3 -
لا تشرع تكبيرة الإحرام لسجود السهو.
4 -
مشروعية تكبير الانتقال مع كل سجدة من سجدتى السهو.
5 -
وجوب متابعة الإمام وإن لم يكن المأموم ناسيا.
6 -
أن سجود السهو سجدتان.
7 -
أنه لا تشهد بعد سجود السهو.
2 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: صلى النبى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشى ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة فى مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفى القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة ورجل
يدعوه النبى صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: يا رسول اللَّه أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه واللفظ للبخارى، وفى رواية لمسلم: صلاة العصر. ولأبى داود فقال: "أصدق ذو اليدين؟ " فأومئوا أى نعم، وهو فى الصحيحين ولكن بلفظ "فقالوا" وفى رواية: "ولم يسجد حتى يقنه اللَّه ذلك".
[المفردات]
إحدى صلاتى العشى: أى الظهر أو العصر فهما صلاتا العشى والعشى بفتح العين وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء هو ما بين زوال الشمس وغروبها.
فهابا: أى فسكتا إجلالا ولم يسألاه.
سرعان: بفتح السين والراء أو بفتح السين وسكون الراء أى المسرعون إلى الخروج من المسجد وحكى القاضى عياض عن الأصيلى أنه ضبطه بضم السين وإسكان الراء جمع سريع مثل كثبان جمع كثيب.
فقالوا: "أقصرت" بضم القاف وكسر الصاد على البناء للمفعول أى أن اللَّه قصرها؟ ويروى بفتح القاف وضم الصاد على البناء للفاعل أى أصارت قصيرة.
ذا اليدين: أى صاحب اليدين لانه كان فى يده طول وجزم ابن قتيبة أنه كان يعمل بيديه جميعا واسمه الخرباق
بكسر الخاء وسكون الراء.
لم أنس: أى فى اعتقادى.
لم تقصر: أى فى الواقع.
قد نسيت: أى ما دامت الصلاة لم تقصر فلا بد أنك قد نسيت. ومثل هذا السهو والنسيان يقع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يبين الحكم الشرعى إذا وقع مثله لغيره صلى الله عليه وسلم.
وفى رواية لمسلم: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه.
ولأبى داود: أى من حديث أبى هريرة أيضا.
فأومئوا: أى أشاروا.
بلفظ فقالوا: أى بدل فأومئوا.
وفى رواية له: أى لأبى داود من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه.
[البحث]
ورد فى هذا الحديث "إحدى صلاتى العشى" أى الظهر أو العصر وفى رواية لمسلم "صلاة العصر" وقد جاء فى الحديث المتفق عليه من طريق محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشى إما الظهر وإما العصر فسلم فى ركعتين. . إلخ الحديث. وجاء فى رواية عن مسلم من طريق أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه "صلاة الظهر" وقد حاول بعض أهل العلم أن يجمع بين ذلك بتعدد القصة. وهو قول غير سديد بل نسى محمد بن سيرين أو أبو هريرة رضى اللَّه عنهما
عين هذه الصلاة فحدث بقوله: إحدى صلاتى العشى، وقد يغلب على ظنه أحيانا أنها العصر فيحدث أنها العصر وقد يغلب على ظنه حينا آخر أنها الظهر فيحدث أنها الظهر، وقد جاء فى لفظ للبخارى من طريق محمد بن سيرين أنه قال: وأكثر ظنى أنها العصر، كما جاء فى باب تشبيك الأصابع فى المسجد عند البخارى عن طريق محمد بن سيرين عن أبى هريرة بلفظ إحدى صلاتى العشى قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا. . . إلخ. وفى آخر هذا الحديث: فربما سألوه ثم سلم؟ فيقول نبئت أن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما قال ثم سلم. متفق عليه.
وقوله: وخرج سرعان الناس فقالوا. . إلخ يدل على أن هذه الحركات ومثل هذا الكلام الذى جرى فى هذه القصة لا يفسد الصلاة لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنى على الركعتين الأوليين ولو كان مثل هذا يفسدها لاستأنف الصلاة. وأما قوله فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد. . إلخ فانه يدل على أن سجدتى السهو بعد السلام، إلا أن هذا يعارض الحديث الأول من أحاديث هذا الباب وكلاهما فى الصحيحين وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحديث الأول كان السجود فيه عن نقص فكان قبل السلام وأن هذا الحديث كان السجود فيه عن زيادة فكان بعد السلام وسيأتى فى حديث أبى سعيد الخدري عند مسلم: إذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. . إلخ الحديث ففيه الأمر بالسجود قبل السلام كما سيأتى فى الحديث الخامس من هذا الباب قوله: وفى رواية للبخارى "فليتم ثم يسلم ثم يسجد" ففيه
السجود بعد السلام. وقد أخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين" وقد نقل الشافعى عن مطرف بن مازن عن معمر عن الزهرى قال: "سجد النبى صلى الله عليه وسلم قبل السلام وبعده وآخر الأمرين قبل السلام". قال الحافظ فى التخليص: قال البيهقى: هذا منقطع ومطرف ضعيف ولكن المشهور عن الزهرى من فتواه: سجد السهو قبل السلام. وقوله: ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول. . إلخ فيه زيادة بيان لتكبيرات الانتقال فى سجود السهو وأنه ليس له تكبير إحرام كما بينته فى شرح الحديث الأول من هذا الباب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الكلام فى الصلاة لمصلحة الصلاة لا يبطلها.
2 -
وأن مثل هذه الحركات التى حصلت لا تبطل الصلاة لمن فعلها وهو يظن أن الصلاة قد تمت.
3 -
يجوز السهو والنسيان فى مثل هذا الحال على رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى يبين الحكم الشرعى إذا وقع مثله لغيره صلى الله عليه وسلم.
4 -
أن من سجد للسهو بعد السلام لا ينكر عليه.
5 -
أنه لا تشهد بعد سجدتى السهو.
6 -
أن من تحول عن القبلة ساهيا لا تبطل صلاته.
3 -
وعن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. رواه
رواه أبو داود والترمذى وحسنه والحاكم وصححه.
[المفردات]
ثم تشهد: أى قرأ التشهد: التحيات للَّه. . إلخ.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود والترمذى وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما. وقال فيه الترمذى: حسن غريب وقال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد الحذاء غير هذا الحديث. وقد ضعف البيهقى وابن عبد البر رواية أشعث لأنها شاذة فإن أشعث خالف غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين فى حديث عمران أنه لم يذكر التشهد، وقد مضى فى بحث الحديث السابق ما رواه البخارى ومسلم عن ابن سيرين أنه نبئ عن عمران بن حصين أنه سلم ولم يذكر التشهد.
قال الحافظ فى الفتح: وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد فى حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة. قال الحافظ: ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد فى سجود السهو يثبت. وقد عنون البخارى رحمه الله فقال فى صحيحه: باب من لم يتشهد فى سجدتى السهو وسلم أنس والحسن. ولم يتشهدا. وقال قتادة لا يتشهد. ثم ساق رحمه الله حديث ذى اليدين المتقدم للدلالة
على ذلك ثم قال: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن سلمة ابن علقمة قال: قلت لمحمد (يعنى ابن سيرين) فى سجدتى السهو تشهد قال: ليس فى حديث أبى هريرة.
4 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدر كَم صلى ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن صلاته، وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان" رواه مسلم.
[المفردات]
إذا شك: أى تردد والشك ضد اليقين.
فلم يدر: أى فلم يعرف.
ثلاثا أم أربعا: أى أصلى ثلاثا أم صلى أربعا.
وليبن: أى وليتم.
ما استيقن: أى على ما يحصل له من اليقين.
شفعن: أى صيرت السجدتان هذه الصلاة الخماسية شفعا أى ستا فيكون بمزلة من أتم فرضه الرباعى وتطوع بركعتين بعدها.
صلى تماما: أى صلى بلا زيادة ولا نقص.
كانتا: أى السجدتان.
ترغيما للشيطان: أى إلصاقا لأنفه بالرغام. والرغام بضم الراء هو التراب وهو كناية عن إذلاله وإهانته
وتضييع قصده عليه.
[البحث]
هذا الحديث ظاهر الدلالة على أن من شك فى صلاته وتردد أصلى أربعا أم ثلاثا ولم يغلب على ظنه شئ يرجح أحد الطرفين على الاخر أنه يبنى على اليقين -واليقين فى هذه الحالة هو الأقل- فيأتى بركعة ثم يسجد للسهو أما إذا غلب على ظنه ما يرجح أحد الطرفين فإنه يجب عليه المصير إلى العمل بغلبة الظن ثم يسجد للسهو.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من شك أصلى أربعا أم ثلاثا بنى على اليقين وسجد للسهو.
2 -
أن مثل هذا الشك لا يفسد الصلاة.
3 -
أن سجود السهو عند حدوثه يكون ترغيما للشيطان.
4 -
أن الشك مطرح.
5 -
أن السجود قبل السلام.
6 -
محاربة الوسواس ودفع وسوسته.
5 -
وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما سلم قيل له يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أحدث فى الصلاة شئ؟ قال "وما ذاك" قالوا: صليت كذا وكذا. قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إنه لو حدث فى الصلاة شئ أنبأتكم به، ولكن أنما أنا بشر أنسى
كما تنسون، فإذا نسيت فذكرونى، وإذا شك أحدكم فى صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم يسجد سجدتين" متفق عليه. وفى رواية للبخارى: فليتم ثم يسلم ثم يسجد. ولمسلم: أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد سجدتى السهو بعد السلام والكلام. ولأحمد وأبى داود والنسائى من حديث عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه مرفوعا، من شك فى صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم" وصححه ابن خزيمة.
[ما يفيده الحديث]
أحدث فى الصلاة شئ: أى أطرأ أمر من اللَّه عز وجل يغير صفة الصلاة عما كنا نعهد.
وما ذاك: أى وما الشئ الذى ظننتموه قد طرأ عليها وتسبب فى هذا السؤال.
فثنى رجليه: أى جلس كهيئة الجالس للتشهد وأصل الثنى اللى.
أنبأتكم به: أخبرتكم به.
فذكرونى: أى بتسبيح أو تحميد أو نحوهما بالنسبة للرجال أما المرأة فإنها تصفق.
فليتحر الصواب: أى فليجتهد وليحاول وليقصد معرفة الصواب وليتم عليه.
عبد اللَّه بن جعفر: هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية لأمها. وقد ولد
عبد اللَّه بالحبشة حين كان أبواه مهاجرين بها وهو من صغار الصحابة كانت سنه نحو عشر سنين عند موت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مات سنة 80 من الهجرة.
[البحث]
جاء فى رواية البخارى فى أبواب السهو من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه تعيين هذه الصلاة بأنها الظهر وبأن الذى حدث فيها هو أنه صلى خمسا ولفظه: فقال "وما ذاك"؟ قال: صليت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلم. أما ما ذكره الحافظ رحمه الله بقوله: وفى رواية للبخارى فى "فليتم ثم يسلم ثم يسجد" ففيه تصرف فإن لفظ رواية البخارى فى باب التوجه نحو القبلة حيث كان من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وإذا شك أحدكم فى صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين.
أما قوله: ولمسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد سجدتى السهو بعد السلام والكلام، فقد أشار الحافظ فى الفتح إلى أن هذا اختصار لنفس هذا الحديث المتفق عليه فقال رحمه الله: تنبيه: روى الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا. ولفظه "أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد سجدتى السهو بعد السلام والكلام. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم.
أما حديث عبد اللَّه بن جعفر "من شك فى صلاته. . إلخ" الذى أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى ففى إسناده مصعب بن شيبة وقد وثقه ابن معين واحتج به مسلم فى صحيحه ووثقه العجلى
إلا أن النسائى قال فيه: منكر الحديث وقال أحمد بن حنبل: إنه روى أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم الرازى: لا يحمدونه وليس بالقوى وقال الدارقطنى: ليس بالقوى ولا بالحافظ، وقال الحافظ فى التقريب: مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان العبدرى المكى الحجبى لين الحديث من الخامسة. وأشار إلى أن مسلما رحمه الله قد أخرج له. وقال عنه فى تهذيب التهذيب: وقال ابن سعد: كان قليل الحديث وذكر عن ابن عدى أنهم تكلموا فى حفظه اهـ وعلى كل حال ففى رواية البخارى هنا غنية عنه وهى يفيد ما يفيده.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه ينبغى أن يكون سجود السهو بعد السلام فى مثل الحال التى ورد فيها هذا الحديث.
2 -
أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
6 -
وعن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم فقام فى الركعتين فاستتم قائما فليمض وليسجد سجدتين، فإن لم يستتم قائما فليجلس ولا سهو عليه. رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطنى واللفظ له بسند ضعيف.
[المفردات]
فاستتم قائما: أى فاستوى واعتدل.
فليمض: أى فليستمر فى قيامه للركعة الثالثة.
فليجلس: أى ليقعد للتشهد الأول.
لا سهو عليه: أى لا سجود للسهو عليه.
[البحث]
أشار الصنعانى فى سبل السلام الى أن سببب تضعيف هذا الحديث أن مداره فى جميع طرقه على جابر الجعفى وهو ضعيف. ثم قال: وقد قال أبو داود ليس فى كتابى عن جابر الجعفى غير هذا الحديث. وقال الشوكانى فى نيل الأوطار عند كلامه على حديث المغيرة هذا: ومداره على جابر الجعفى وهو ضعيف جدا ثم قال: وقد قال أبو داود: ولم أخرج عنه فى كتابى غير هذا. وقد سبقهما الحافظ ابن حجر فى تلخيص الحبير فقال فيه: ومداره على جابر الجعفى وهو ضعيف جدا وقد قال أبو داود: لم أخرج عنه فى كتابى غير هذا. قال الحافظ رحمه الله فى التقريب: جابر بن يزيد ابن الحارث الجعفى أبو عبد اللَّه الكوفى ضعيف رافضى. وأشار الحافظ فى تهذيب التهذيب إلى أنه اتهم بالكذب وأنه كان يؤمن بالرجعة وقال فى تهذيب التهذيب أيضا روى له أبو داود فى السهو فى الصلاة حديثا واحدا من حديث المغيرة بن شعبة وقال عقبه: ليس فى كتابى عن جابر الجعفى غيره انتهى.
هذا وقد أمعنت النظر فى سنن أبى داود عند إخراجه لهذا الحديث فلم أجد هذا القول لأبى داود فيه. وقد روى أبو داود فى سننه بعد هذا الحديث حديثا من طريق زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض فى الركعتين قلنا: سبحان اللَّه. قال سبحان اللَّه ومضى فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتى السهو فلما
انصرف قال رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت. قال المنذرى فى مختصر سنن أبى داود بعد إيراده: وفى إسناده المسعودى وهو ضعيف وكذلك أشار أبو داود إلى أنه رواه ابن أبى ليلى وهو ضعيف أيضا.
7 -
وعن عمر رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس على من خلف الامام سهو فإن سها الامام فعليه وعلى من خلفه. رواه البزار والبيهقى بسند ضعيف.
[المفردات]
سهو: أى سجود سهو إذا سها دون إمامه.
وعلى من خلفه: أى وعلى المأمومين أن يسجدوا للسهو تبعا لامامهم.
[البحث]
وقع فى بعض طبعات بلوغ المرام بعد هذا الحديث: رواه الترمذى والبيهقى فوضع الترمذى مكان البزار وقد وقع هذا الخطأ فى النسخة التى طبعها الحلبى بمصر وعلق عليها محمد بن عبد العزيز الخولى وكذلك فى النسخة التى طبعها وعلق عليها الشيخ حامد الفقى. علما بأن الترمذى لم يخرجه وعامة الأصول على أن الذى رواه هو البزار لا الترمذى. وقد رواه أيضا الدارقطنى وفى بعض طرق هذا الحديث زيادة "والامام كافيه" قال الشوكانى فى نيل الأوطار: وفى إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف
وفيه أبو الحسين المدائنى وهو مجهول، وفيه الحكم بن عبد اللَّه وهو أيضا ضعيف. وقال الحافظ فى التلخيص: وفى الباب عن ابن عباس رواه أبو أحمد بن عدى فى ترجمة عمر بن عمرو العسقلانى وهو متروك. وقال الصنعانى فى سبل السلام: الكل من الروايات فيها خارجة بن مصعب وهو ضعيف. وقول الصنعانى هذا خطأ فإن خارجة بن مصعب هذا لم ينفرد به بل رواه البيهقى من طريق سليمان بن بلال عن أبى الحسين عن الحكم بن عبد اللَّه عن سالم بن عبد اللَّه قال جاء جبير بن مطعم إلى ابن عمر قال: يا أبا عبد الرحمن كيف قال أمير المؤمنين عمر فى الامام يؤم القوم. وذكر الحديث ثم قال البيهقى وروى خارجة بن مصعب عن أبى الحسين عن سالم بن عبد اللَّه عن أبيه عن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم بمعناه. ثم قال البيهقى وأبو الحسين هذا مجهول والحكم بن عبد اللَّه ضعيف وبهذا يتبين أن خارجة بن مصعب ليس هو علة هذا الحديث وحده ولا أنه لم يرد إلا من طريقه بل له طريق أخرى فيها ما علمت.
8 -
وعن ثوبان رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف.
[البحث]
سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية إسماعيل بن عياش وقد اضطرب فى حديثه وكذلك فى سنده زهير بن سالم العنسى قال فيه الحافظ فى التقريب: صدوق فيه لين وكان يرسل. وروايته لهذا
الحديث بالعنعنة.
9 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: سجدنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} . رواه مسلم.
[المفردات]
سجدنا: أى سجود التلاوة.
فى إذا السماء انشقت: أى عند قراء ة السورة وقوله تعالى فيها {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} .
وفى اقرأ باسم ربك: أى عند قراءة السورة وقوله تعالى فيها {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} .
[البحث]
هذا الحديث من أحاديث سجود التلاوة الذى شملته ترجمة المصنف حيث قال: باب سجود السهو وغيره كما مر، وهذا الحديث يرد على من زعم أنه لا سجود على من قرأ آية السجود فى المفصل وحزب المفصل يبدأ من سورة ق وينتهى بآخر سورة الناس مستدلا بما رواه أبو داود وابن السكن من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما بلفظ: لم يسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة، ففى إسناد هذا الحديث أبو قدامة الحارث ابن عبيد الايادى قال الحافظ فى التقريب: صدوق يخطئ. وقال فى تهذيب التهذيب قال أحمد: مضطرب الحديث ونقل عن ابن معين أنه ضعفه. ونقل عن ابن حبان أنه قال: كان ممن كثر وهمه حتى
خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا. وقال الساجى فيه: صدوق عنده مناكير. وفى إسناد هذا الحديث أيضا مطر الوراق وقد وصفه الحافظ فى التقريب بأنه صدوق كثير الخطأ. وقال النووى: حديث ابن عباس ضعيف الاسناد لا يحتج به. وما دام سند حديث ابن عباس على هذه الحال فإنه لا يقوى على معارضة حديث أبى هريرة هذا الذى أخرجه مسلم علما بأن أبا هريرة رضى اللَّه عنه لم يسلم إلا فى السنة السابعة من الهجرة وهو ينص هنا على أنه سجد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى هاتين السورتين من المفصل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية سجود التلاوة لمن قرأ سورة الانشقاق ولمن قرأ سورة العلق.
2 -
مشروعية سجود التلاوة لمن سمع تلاوة إحدى هاتين السورتين.
3 -
الرد على من زعم أنه لا سجود للتلاوة فى المفصل.
10 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. رواه البخارى.
[المفردات]
ص: أى موضع السجدة من سورة ص.
من عزائم السجود: أى ليست من السجدات التى ورد الأمر
بها أو الحض عليها.
[البحث]
أخرج البخارى فى صحيحه فى تفسير سورة ص بسنده عن العوام قال سألت مجاهدا عن السجدة فى ص قال: سئل ابن عباس فقال: أولئك الذين هدى اللَّه فبهداهم اقتده، وكان ابن عباس يسجد فيها، ثم روى البخارى بسنده عن العوام قال: سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت فقال: أو ما تقرأ -ومن ذريته داود وسليمان- أولئك الذين هدى اللَّه فبهداهم اقتده. فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به فسجدها داود عليه السلام فسجدها الرسول صلى الله عليه وسلم. فيكون ابن عباس رضى اللَّه عنهما سجدها اقتداء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واستنباطا من الآية الكريمة.
وفى هذا الحديث دليل على أن بعض أفعال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكون عزائم وبعضها لا يكون عزائم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية سجود التلاوة فى سورة ص.
2 -
أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل بالتخصيص.
3 -
أن بعض أفعال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليست للوجوب.
11 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم. رواه البخارى.
[ما يفيده الحديث]
وعنه: أى وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
بالنجم: أى عندما انتهى من قراءة سورة النجم.
[البحث]
لفظ هذا الحديث فى صحيح البخارى فى أبواب سجود القرآن وفى تفسير سورة النجم من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس. ولا شك أن سجود النبى صلى الله عليه وسلم بمكة بالنجم وسجود المسلمين والمشركين معه قد رواه البخارى أيضا من حديث عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه عنه وقد كان ابن عباس عند هذه الواقعة صغيرا جدا فلعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثه بها أو سمعها ابن عباس من ابن مسعود أو غيره رضى اللَّه عنهم. ولفظ حديث ابن مسعود عند البخارى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقى أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفينى هذا، قال عبد اللَّه فلقد رأيته بعد قتل كافرا. وسجود المشركين مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان بسبب ما وقع فى قلوبهم من المهابة والخوف بعد ما سمعوا خواتيم سورة النجم وما فيها من تهديد شديد فى قوله:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى. . الخ} . أما ما زعمه بعض الاخباريين وبعض المفسرين من أن سبب سجود المشركين هو ما عرف بقصة الغرانيق فإنه فاسد كاسد عاطل باطل لم يثبت فيه
خبر صحيح ولا حسن عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكما أنه لا يصح نقلا فإنه كذلك لا يصح عقلا فلا يجرى على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثناء على آلهة المشركين بقصد أو بغير قصد ولا يتسلط الشيطان فيتقوله فى قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. على أن ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى جاء على سبيل الذم فى صلب السياق وبعد ذكرها مباشرة حيث قال: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} أى جائرة. {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ. . إلى آخر الآية} ثم يذكر بعد ذلك قوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} فهذه أدلة قمية على كذب قصة الغرانيق، فلا يحل لمسلم أن يعتقد أن مثلها يقع.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية السجود فى النجم وهى من المفصل.
2 -
أن الصحابى رضى اللَّه عنه إذا أسند شيئًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخبره صحيح صادق ولا يقال كيف تحمله.
12 -
وعن زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه قال: قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها. متفق عليه.
[البحث]
لا دليل فى هذا الحديث على أنه لا سجود للتلاوة فى سورة النجم أو فى المفصل كله لأن ترك السجود مرة بعد ثبوت فعله قبل ذلك قد يكون لبيان عدم الوجوب وما ليس بواجب يجوز تركه أحيانا،
وقد يكون الوقت وقت كراهة السجود لكونه عند غروب الشمس أو طلوعها فلا يسجد ليبتعد عن مشابهة الكفار، أو لكونه على غير وضوء أو لأن القارئ لم يسجد فلم يسجد المستمع. أو من باب أنه كان يترك عمل الشئ أحيانا وهو يحب عمله خشية أن يفرض كما روى البخارى عن عائشة رضى اللَّه عنها: إن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، قال الحافظ رحمه الله فى فتح البارى فى شرح هذا الحديث: وروى البزار والدارقطنى من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى سورة النجم وسجدنا معه. الحديث ورجاله ثقات، وروى ابن مردويه فى التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة، سجد فى خاتمة النجم فسأله فقال إنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسجد فيها أهـ وقد سبق أن بينت أن أبا هريرة انما أسلم عام سبع من الهجرة النبوية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن سجود التلاوة يجوز تركه.
2 -
وأنه ليس بواجب.
13 -
وعن خالد بن معدان رضى اللَّه عنه قال: فضلت سورة الحج بسجدتين. رواه أبو داود فى المراسيل ورواه أحمد والترمذى موصولا من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه وزاد: فمن لم يسجدهما فلا يقرأها. وسنده ضعيف.
[المفردات]
خالد بن معدان: هو خالد بن معدان بن أبى كريب الكلاعى أبو عبد اللَّه الشامى الحمصى روى عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهم ثوبان وابن عمر وابن عمرو ومعاوية بن أبى سفيان والمقدام بن معد يكرب وأبو أمامة وكان من العباد الثقات إلا أنه كان يرسل كثيرا وقد اختلف فى وفاته على أقوال كثيرة أشهرها أنه توفى سنة 103 هـ ثلاث مائة من الهجرة.
فى المراسيل: أى فى كتاب المراسيل لأبى داود رحمه الله.
[البحث]
سند أبى داود فى المراسيل قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أنبأنا ابن وهب أخبرنى معوية بن صالح عن عامر بن جشيب عن خالد بن معدان رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: وساق الحديث، فعلة هذا الحديث هى الارسال. وأما قول الحافظ فى البلوغ هنا ورواه أحمد والترمذى موصولا من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه فقد فاته أن يذكر أبا داود معهما فان أبا داود ذكره كذلك فى سننه، وفى أسانيده عندهم جميعا عبد اللَّه بن لهيعة وهو سبب ضعف هذا الحديث وقد قال الترمذى بعد إخراجه له: ليس بقوى.
14 -
وعن عمر رضى اللَّه عنه قال: يا أيها الناس إنا نمر
بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. رواه البخارى وفيه: أن اللَّه لم يفرض السجود إلا أن نشاء. وهو فى الموطأ
[المفردات]
إنا نمر بالسجود: أى بآيات السجود.
أصاب: أى نال أجرا.
إلا أن نشاء: أى لكن من أراد الأجر والثواب سجد.
[البحث]
لفظ هذا الحديث فى صحيح البخارى عن عمر رضى اللَّه عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، قال وزاد نافع عن ابن عمر فى لفظ: إن اللَّه لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. هذا وفى المنتقى بلفظ: يا أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود مكان إنا نمر بالسجود وهذا الحديث بعامة ألفاظه يقتضى أن سجود التلاوة ليس فرضا فلا يأثم من تركه لكن أفضلية السجود لا شك فيها فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار، هذا وقول عمر رضى اللَّه عنه على المنبر
هذا الكلام دون نكير يكون حجة. وأن إجماع الصحابة منعقد على ذلك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من سجد للتلاوة أجر ومن لم يسجد فلا إثم عليه.
2 -
جواز نزول الخطب عن المنبر وسجوده إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر.
15 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه. رواه أبو داود بسند فيه لين.
[المفردات]
لين: أى ضعف.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير بعد سياقه لهذا الحديث -والاشارة إلى أنه رواه أبو داود قال: وفيه العمرى عبد اللَّه المكبر وهو ضعيف وخرجه الحاكم من رواية العمرى أيضا لكن وقع عنده مصغرا وهو الثقة فقال: إنه على شرط الشيخين ثم قال الحافظ: وأصله فى الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر اهـ والواقع أن أبا داود رحمه الله أخرجه بسندين الأول بغير هذا اللفظ من طريق عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر والثانى وهو الذى ساق لفظه هنا من طريق عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر وسنده الثانى
فيه أيضا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازى، قال الحافظ فى التقريب: أحمد بن الفرات بن خالد الضبى أبو مسعود الرازى تكلم فيه بلا مستند اهـ، وأما الأصل الذى أشار إليه الحافظ بأنه فى الصحيحين فهو بنفس سند أبى داود الأول من رواية عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر ولفظه: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته. أما التكبير لسجود التلاوة فإنه جاء فى هذه الرواية التى فى سندها ما علمت من المقال.
16 -
وعن أبى بكرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا للَّه. رواه الخمسة إلا النسائى.
[المفردات]
أمر: أى شأن وخبر.
يسره: أى يدخل عليه السرور والبشر.
خر ساجدا: أى سقط على جبهته خاضعا للَّه تعالى.
[البحث]
هذا أول حديث من أحاديث سجود الشكر للَّه تعالى عند الأمور السارة العظيمة التى عناها المصنف بقوله: باب سجود السهو وغيره، وحديث أبى بكرة هذا من رواية بكار بن عبد العزيز بن أبى بكرة عن أبيه عن جده قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: قال الدورى عن ابن معين: ليس بشئ، وقال إسحاق بن منصور عنه: صالح. وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم ثم قال الحافظ: قلت: وقال البزار: ليس به بأس.
وقال مرة: ضعيف وذكره ابن حبان فى الثقات، وقال يعقوب بن سفيان فى باب من ورغب عن الرواية عنهم: ضعيف اهـ وسجود الشكر قد فعله كعب بن مالك لما بشر بتوبة اللَّه تعالى عليه على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما جاء فى الصحيحين فى حديث الثلاثة الذين خلفوا.
17 -
وعن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه قال: سجد النبى صلى الله عليه وسلم فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: إن جبريل أتانى فبشرنى فسجدت للَّه شكرا رواه أحمد وصححه الحاكم.
[المفردات]
شكرا: أى ثناء واعترافا بنعمة اللَّه.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فأطال فلما رفع قيل له فى ذلك فقال: أخبرنى جبريل أن من صلى علىَّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا فسجدت شكرا للَّه تعالى، البزار وابن أبى عاصم فى فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والعقيلى فى الضعفاء وأحمد بن حنبل فى مسنده من طرق والحاكم كلهم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال البيهقى: وفى الباب عن جابر وابن عمر وأنس وجرير وأبى جحيفة، وقال الشوكانى فى نيل الأوطار: وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح.
18 -
وعن البراء بن عازب رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم-
بعث عليا إلى اليمن فذكر الحديث قال فكتب على بإسلامهم فلما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا، رواه البيهقى وأصله فى البخارى.
[المفردات]
بعث عليا إلى اليمن: وذلك قبل حجة الوداع ولم يرجع رضى اللَّه عنه إلا فى حجة الوداع.
فذكر الحديث: أى فأكمل الحديث.
فلما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب: أى قرأه عليه بعض كتابه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
الذى فى البخارى من أصل هذا الحديث هو ما رواه عن البراء رضى اللَّه عنه قال: بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال: "مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل" فكنت فيمن عقب معه قال: فغنمت أواق ذوات عدد. أما حديث البيهقى فلفظه بتمامه قال: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ ثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن يحيى المزكى أنبأ أبو عبد اللَّه أحمد بن على الجوزجانى ثنا أبو عبيدة بن أبى السفر (ح وأخبرنا) أبو عمر الأديب أنبأ أبو بكر الاسماعيلى أخبرنى عبد اللَّه بن زيدان ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن خالد أبو جعفر القماط الكوفيان قالا: ثنا أبو عبيدة بن أبى السفر قال سمعت إبراهيم بن يوسف بن أبى إسحاق عن أبيه عن أبى إسحاق عن البراء رضى اللَّه عنه قال: بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبى
-صلى الله عليه وسلم بعث على بن أبى طالب وأمره أن يقفل خالدا ومن كان معه إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع على رضى اللَّه عنه فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا على رضى اللَّه عنه وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جيعا فكتب على رضى اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب خرا ساجدا ثم رفع رأسه فقال "السلام على همدان السلام على همدان" ثم قال البيهقى: أخرج البخارى صدر هذا الحديث عن أحمد بن عثمان عن شريح بن مسلمة عن إبراهيم بن يوسف فلم يسقه بتمامه وسجود الشكر فى تمام الحديث على شرطه اهـ. وقد قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: أورد البخارى هذا الحديث مختصرا وقد أورده الاسماعيلى من طريق أبى عبيدة بن أبى السفر سمعت إبراهيم بن يوسف وهو الذى أخرجه البخارى من طريقه فزاد فيه: قال البراء وساق الحديث كما ساقه البيهقى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية سجدة الشكر.
2 -
يجوز أن يقال قرأ الكتاب لمن قرئ عليه الكتاب.