المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة العيدين - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٢

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب صلاة العيدين

‌باب صلاة العيدين

ص: 212

1 -

عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحى الناس. رواه الترمذى.

[المفردات]

العيدين: أى عيد الفطر وعيد الأضحى.

الفطر: أى عيد الفطر.

والأضحى: أى وعيد الأضحى.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه الترمذى فى أبواب الصوم تحت باب "ما جاء فى الفطر والأضحى متى يكون" ثم روى هذا الحديث من طريق محمد بن المنكدر عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحى الناس. قال أبو عيسى: سألت محمدا قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم. يقول فى حديثه: سمعت عائشة. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه، وكان الترمذى قد أخرج قبل هذا الحديث فى أبواب الصوم أيضا تحت باب ما جاء أن الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون، حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون. قال أبو عيسى: هذا

ص: 212

حديث غريب حسن وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس اهـ والمقصود دفع العنت عن المسلمين وأن المسلمين لو اجهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فلا شئ عليهم من وزر أو عيب وكذلك فى الحج إذا أخطئوا يوم عرفة فليس عليهم إعادة وحجهم ماض مقبول إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 213

2 -

وعن أبى عمير بن أنس رضى اللَّه عنهما عن عمومة له من الصحابة: أن ركبا جاؤا فشهدوا أنهم رؤا الهلال بالأمس فأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا الى مصلاهم. رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظ وإسناده صحيح.

[المفردات]

وعن أبى عمير: سماه الحاكم أبو أحمد: عبد اللَّه وهو ابن أنس بن مالك الأنصارى خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان أبو عمير أكبر أولاد أنس رضى اللَّه عنه قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: وصحح حديثه أبو بكر بن المنذر وغر واحد وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ابن عبد البر: مجهول لا يحتج به اهـ وقد عمر أبو عمير بعد أبيه زمنا طويلا وروى عن جماعة

ص: 213

من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أن ركبا: أى أن جماعة قدموا من خارج المدينة.

الهلال: أى هلال شوال.

فأمرهم.: أى أمر المسلمين الصائمين.

أن يفطروا: بناءا على أن هذا اليوم ليس من رمضان وأن رمضان قد انتهى بالأمس لرؤية هؤلاء الركب الهلال.

وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم: يعنى يذهبون إلى مصلى العيد فى صبيحة اليوم الثانى لصلاة العيد.

[البحث]

ذكر الحافظ بن حجر فى تلخيص الحبير أن هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وصححه ابن المنذر وابن السكن ورد على ابن عبد البر فى قوله عن أبى عمير هو مجهول فقال الحافظ: وقد عرفه من صحح له اهـ وهذا الحديث يبين أنه اذا لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته أنه يصلى فى اليوم الثانى فى وقت صلاة العيد وقد أخرج الدارقطنى هذا الحديث أيضا وقال عقيبه: هذا إسناد حسن. وجاء فى رواية لهذا الحديث عند الدارقطنى: عن عمومة له من الأنصار أنهم كانوا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من آخر الهار فجاء ركب. الحديث. وأشار الدارقطنى الى أن اسنادها حسن كذلك.

ص: 214

3 -

وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات. أخرجه البخارى وفى رواية

ص: 214

معلقة ووصلها أحمد: ويأكلهن أفرادا.

[المفردات]

لا يغدو: أى لا يخرج لصلاة العيد يوم الفطر.

يوم الفطر: أى يوم عيد الفطر.

وفى رواية معلقة: أى لم يسمعها البخارى من شيخه بل قال: وقال مرجى بن رجاء حدثنى عبيد اللَّه قال حدثنى أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم: ويأكلهن وترا.

ووصلها أحمد: أى روى أحمد هذه الرواية المعلقة عند البخارى متصلة السند عند أحمد.

ويأكلهن أفرادا: أى ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا.

[البحث]

هذا الحديث عنون له البخارى فى صحيحه فقال: "باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج" وروايته المعلقة رواها الإمام أحمد متصلة من طريق حرمى بن عمارة عن مرجى بن رجاء لكن بلفظ: ويأكلهن أفرادا بدل ويأكلهن وترا فى الرواية المعلقة عند البخارى. ومن هذا الوجه الذى أخرجه أحمد أخرجه كذلك البخارى فى تاريخه. قال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فى استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر.

2 -

استحباب أن يكون المأكول تمرا.

ص: 215

4 -

وعن ابن بريدة عن أبيه رضى اللَّه عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلى. رواه أحمد والترمذى وصححه ابن حبان.

[المفردات]

ابن بريدة: هو عبد اللَّه بن بريدة بن الحصيب الأسلمى أبو سهل المروزى تابعى ثقة وأبوه هو بريدة بن الحصيب أحد كبار الصحابة رضى اللَّه عنهم.

لا يخرج يوم الفطر: أى لصلاة العيد.

حتى يطعم: أى حتى يأكل.

ولا يطعم يوم الأضحى: أى ولا يأكل يوم عيد الأضحى.

حتى يصلى: أى صلاة العيد.

[البحث]

قال الحافظ فى تلخيص الحبير: رواه أحمد والترمذى وابن حبان وابن ماجه والدارقطنى والحاكم والبيهقى وصححه ابن القطان. وقد جاء فى رواية أحمد زيادة: فيأكل من أضحيته. وزاد البيهقى فى روايته: وكان إذا رجع أكل من كبد ضحيته. وإنما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر يوم الفطر لأنه أبرز مظاهره وأعجل فى امتثال طاعة اللَّه تعالى فى ذلك. وإنما كان يؤخر الأكل يوم الأضحى لأن أبرز مظاهر هذا اليوم هو نحر الأضاحى وذبحها والأكل منها ففيه إظهار أمارات الشكر للَّه تعالى.

ص: 216

5 -

وعن أم عطية رضى اللَّه عنها قالت: أمرنا أن نخرج العواتق

ص: 216

والحيض فى العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى. متفق عليه.

[المفردات]

أم عطية: هى نسيبة بنت كعب ويقال بنت الحارث الأنصارية روت عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضى اللَّه عنه ورواه عنها أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال ابن عبد البر: كانت تغزو مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تمرض المرضى وتداوى الجرحى. شهدت غسل ابنة النبى صلى الله عليه وسلم وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت ونسيبة بضم النون. وضبطها ابن ماكولا بفتح النون.

أمرنا: أى أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفى رواية للبخارى: أمرنا نبينا.

العواتق: جمع عاتق ويطلق على البنت فى أول بلوغها أو التى لم تتزوج أو التى بين الادراك والتعنيس.

الحيض: جمع حائض وهى التى عليها الحيض فعلا.

يشهدن: أى يحضرن.

الخير ودعوة المسلمين: يعنى ذكر اللَّه ومراسم الصلاة والوعظ والارشاد ويشتركن فى الدعاء والتكبير سرا.

ويعتزل الحيض المصلى: أى تجلس ذوات الحيض قريبا من المصلى ولا يصلين لأن الحائض ممنوعة من الصلاة

[البحث]

ساق البخارى رحمه الله حديث أم عطية هذا بروايات واختلفت

ص: 217

ألفاظ الرواة عنها ففى بعض رواياته: أمرنا نبينا. وفى بعضها: أمرنا. بالبناء للمجهول وفى بعض رواياته: أن تخرج العواتق وذوات الخدور. وفى بعضها: العواتق وذوات الخدور ويعتزلن الحيض المصلى. وجاء فى رواية للبخارى عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية بلفظ: لتخرج العواتق ذوات الخدور أو قال العواتق وذوات الخدور والحيض ويعتزل الحيض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين. قالت يعنى حفصة بنت سيرين: فقلت لها: الحيض؟ قالت: نعم. أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد كذا وتشهد كذا. وفى رواية للبخارى عن أم عطية رضى اللَّه عنها أمرنا أن نخرج فتخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاهم. أما مسلم رحمه الله فقد أخرج هذا الحديث أيضا بألفاظ: ففى لفظ عن أم عطية رضى اللَّه عنها قالت: أمرنا تعنى النبى صلى الله عليه وسلم أن نخرج فى العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين. وفى لفظ قالت: كنا نؤمر بالخروج فى العيدين، والمخبأة والبكر قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس. وفى لفظ قالت: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن فى الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول اللَّه إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب حضور النساء يوم العيد ويجلسن خلف الرجال.

2 -

تحضر الحائض ولكنها تجتنب المصلى.

ص: 218

3 -

استحباب نشر التعليم بين الرجال والنساء دون اختلاط.

ص: 219

6 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه.

[المفردات]

يصلون العيدين قبل الخطبة: أى يبدءون إذا وصلوا المصلى بصلاة العيد ثم يخطبون.

[البحث]

تكاثرت الروايات الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أنهم كانوا يخطبون للعيدين بعد الصلاة فمنها حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما هذا ومنها ما رواه البخارى ومسلم واللفظ لمسلم من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: شهدت صلاة الفطر مع النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب.

وفى لفظ لمسلم عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أشهد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لصلى قبل الخطبة قال ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة. الحديث كما روى البخارى ومسلم واللفظ لمسلم من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس فلما فرغ نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم نزل وأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ

ص: 219

على يد بلال. الحديث. كما روى البخارى من حديث البراء بن عازب قال: خرج النبى صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال: إن أول نسكنا فى يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنه شئ عجله لأهله ليس من النسك فى شئ. الحديث.

وفى لفظ للبخارى من حديث البراء رضى اللَّه عنه قال: خطبنا النبى صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال: من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك. الحديث. كما روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف. فقال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة فى أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلى فجبذبته بثوبه فجبذنى فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم واللَّه: فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم واللَّه خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وعدم انصراف أبى سعيد رضى اللَّه عنه يفيد أن البدء بصلاة العيد ليس شرطا فى صحة الصلاة. وقد ذكر الصنعانى فى سبل السلام أنه قد

ص: 220

نقل الاجماع على عدم وجوب الخطبة فى العيدين اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن تقديم صلاة العيد على خطبتها سنة مؤكدة متبعة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

2 -

وأن هذه الخطبة من السنن المؤكدة.

ص: 221

7 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. أخرجه السبعة.

[المفردات]

صلى يوم العيد ركعتين: يعنى صلاة العيد.

قبلهما: أى قبل ركعتى العيد.

ولا بعدهما: أى ولا بعد صلاة ركعتى العيد.

[البحث]

لفظ البخارى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين، تلقى المرأة خرصها وسخابها. والسخاب هو القلادة من عنبر أو قرنفل أو غره ولا يكون فيها خرز وقيل غير ذلك ولفظ هذا الحديث عند مسلم عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء. ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقى

ص: 221

خرصها وتلقى سخابها.

[ما يفيده الحديث]

1 -

كراهية التنفل فى المصلى قبل الصلاة العيد.

2 -

كراهية التنفل فى المصلى بعد صلاة العيد.

ص: 222

8 -

وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة. أخرجه أبو داود وأصله فى البخارى.

[المفردات]

وعنه: أى وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

[البحث]

أصل هذا الحديث فى البخارى من طريق ابن جريج قال: وأخبرنى عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير فى أول ما بويع له: إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر وإنما الخطبة بعد الصلاة. وأخبرنى عطاء عن ابن عباس وعن جابر بن عبد اللَّه قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. وروى مسلم من طريق عطاء عن جابر بن عبد اللَّه قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة. الحديث ثم روى مسلم عن عطاء قال أخبرنى جابر بن عبد اللَّه الأنصارى: أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شئ، لا نداء يومئذ ولا إقامة. كما روى مسلم من طريق ابن جريج قال أخبرنى عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها -قال: فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه وأرسل إليه مع ذلك أن الخطبة بعد الصلاة. . الحديث، كما روى

ص: 222

مسلم عن جابر بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة.

[ما يفيده الحديث]

1 -

كراهية الأذان والاقامة لصلاة العيد.

2 -

وأن من فعله يكون مبتدعا.

ص: 223

9 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يصلى قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

[المفردات]

شيئا: أى من النوافل.

رجع إلى منزله: أى بعد صلاة العيد.

[البحث]

قال ابن ماجه حدثنا محمد بن يحيى ثنا الهيثم بن جميل، عن عبيد اللَّه ابن عمرو الرقى ثنا عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يصلى قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. قال فى الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. ولا معارضة بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس المتقدم الذى أخرجه السبعة وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها. لأن الصلاة المنفية هى ما كانت فى مصلى العيد أما إذا رجع إلى منزله وأراد أن يتطوع فلا حرج عليه كما يفيده حديث أبى سعيد الخدرى هذا.

ص: 223

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز التطوع فى البيت بعد الرجوع من مصلى العيد.

2 -

أن كراهية الصلاة بعد العيد هى ما كانت بالمصلى.

ص: 224

10 -

وعنه رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم. متفق عليه.

[المفردات]

وعنه: أى وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه.

والناس عل صفوفهم: أى فى أماكنهم من المصلى التى كانوا عليها وقت الصلاة.

[البحث]

هذا الحديث المتفق عليه قد أفاد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى وهى فضاء بالمدينة ليصلى فيها العيدين. والثابت أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يصلى العيدين فى مسجده صلى الله عليه وسلم وأنه إن كان صلاها مرة فى المسجد فلعذر المطر إن صح الحديث وسيجئ أنه حديث ضعيف.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن صلاة العيد تكون بالمصلى.

2 -

وأن الخطبة تكون بعد الصلاة.

ص: 224

11 -

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم قال: قال نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم: التكبير فى الفطر سبع فى الأولى وخمس فى الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما. أخرجه أبو داود ونقل الترمذى عن البخارى تصحيحه.

[المفردات]

عمرو بن شعيب: هو أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما وعمرو صدوق وشعيب صدوق قال الحافظ فى التقريب عن شعيب: ثبت سماعه من جده اهـ.

فى الفطر: أى فى صلاة عيد الفطر.

والقراءة بعدهما كلتيهما: أى وقراءة الفاتحة والسورة فى كل ركعة من الركعتين تكون بعد التكبيرات.

[البحث]

هذا الحديث بهذا اللفظ ليس سنده عند أبى داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بل من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ثم رواه بغير هذا اللفظ من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وأهل العلم يفرقون بين هذين السندين لأن الخلاف المشهور فى حديث عمرو بن شعيب هو ما إذا قال: عن أبيه عن جده. أما إذا قال عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص فإن مثل هذا

ص: 225

السند حرى بالتصحيح وسبب الخلاف فيما إذا قال عن أبيه عن جده أن لعمرو ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمد وهو لم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم فيكون حديثه مرسلا والجد الثانى عبد اللَّه وقد صح سماع شعيب من جده عبد اللَّه بن عمرو فإذا بينه وكشفه فحديثه صحيح. وكان على المصنف رحمه الله أن يذكر هذا فى هذا المقام لأنه فى سنن أبى داود: عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص بهذا اللفظ. قال الحافظ فى التلخيص: صححه أحمد وعلى والبخارى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن التكبيرات فى العيد تكون سبعا فى الركعة الأولى وخمسا فى الركعة الثانية.

2 -

أن التكبيرات فى الركعتين تكون قبل القراءة فيهما.

ص: 226

12 -

وعن أبى واقد الليثى رضى اللَّه عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الأضحى والفطر بقَ. واقتربت. أخرجه مسلم.

[المفردات]

وعن أبى واقد الليثى: هو الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل عوف بن الحارث بن أسد بن جابر بن عويرة بن عبد مناة بن أشجع بن عامر بن ليث الليثى الكنانى قال البخارى وابن حبان: شهد بدرا وكذلك قال الباوردى فى كتاب الصحابة وقال ابن عبد البر: قيل إنه شهد بدرا. قيل توفى وهو ابن سبع وثمانين سنة رضى اللَّه عنه.

ص: 226

بقَ: أى بسورة ق والقرآن المجيد فى الركعة الأولى من العيدين.

واقتربت: وأى وبسورة اقتربت الساعة وانشق القمر فى الركعة الثانية من العيدين.

[البحث]

ثبت هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى العيدين بق واقتربت وتقدم ما رواه مسلم من حديث النعمان بن بشر رضى اللَّه عنهما: كان يقرأ فى العيدين وفى الجمعة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} مما يدل على أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يلتزم قراءة سورة معينة فى صلاة معينة دائما ولكنه ربما أكثر من قراءة بعض السور فى بعض الصلوات.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب قراءة هاتين السورتين فى ركعتى العيد.

2 -

أنه لا يلزم قراءة هاتين السورتين دائما.

ص: 227

13 -

وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق. أخرجه البخارى ولأبى داود عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما نحوه.

[المفردات]

خالف الطريق: أى رجع من المصلى من طريق غير الطريق الذى ذهب إلى المصلى منه.

ص: 227

نحوه: أى نحو حديث جابر عند البخارى.

[البحث]

حديث أبى داود أخرجه من طريق عبد اللَّه بن مسلمة عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد فى طريق ثم رجع فى طريق آخر. وقد عنون البخارى رحمه الله لحديث جابر فقال: باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد. . وعنون أبو داود لحديث ابن عمر فقال: باب الخروج إلى العيد فى طريق ويرجع فى طريق آخر. وسند أبى داود كما رأيت من أصح الأسانيد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء أسبابا لمخالفة الطريق منها السلام على أهل الطريقين وقضاء حاجات من يمر بهم من الناس من ذوى الحاجات ولتكثير شهادات البقاع لأهل الخير. وإبراز الشعائر فى مناطق كثيرة إلى غير ذلك من الحكم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

يستحب أن يرجع من صلى العيد من طريق آخر غير الطريق الذى ذهب إلى المصلى منه.

2 -

استحباب إظهار شعائر العيد.

ص: 228

14 -

وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم اللَّه بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر. أخرجه أبو داود والنسائى بإسناد صحيح.

ص: 228

[المفردات]

قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة: أى مهاجرا من مكة.

ولهم: أى ولأهل المدينة عند هجرته صلى الله عليه وسلم وقبل مجيئه إليهم.

يومان يلعبون فيهما: أى بالحراب وألوانها ويرفهون عن أنفسهم.

[البحث]

لفظ أبى داود عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما فى الجاهلية فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر. ولفظ النسائى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان لأهل الجاهلية يومان فى كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم اللَّه بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى. وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنهما قالت: دخل أبو بكر وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أبمزامير الشيطان فى بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ وذلك فى يوم عيد فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا. وقد ورد إطلاق اسم العيد على يوم الجمعة ويوم عرفة أيضا ولكن لم يرد ما يدل على استحباب

ص: 229

اللعب والترفيه فيهما بخلاف عيدى الفطر والأضحى. ولا ينبغى أن يطلق لفظ العيد فى الاسلام على غير هذه الأيام الأربعة مهما كانت الأسباب، كما لا ينبغى التوسع فى مسمى اللعب واللهو يوم العيد حتى يخرج إلى درجة الفحش والتبذل والانحلال الخلقى وتضييع فرائض اللَّه.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب إظهار السرور فى العيدين.

2 -

استحباب الترويح عن النفس يوم العيد بما ليس بمحظور.

3 -

كراهية مشاركة الكفار فى أعيادهم.

ص: 230

15 -

وعن على رضى اللَّه عنه قال: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا. رواه الترمذى وحسنه.

[المفردات]

من السنة: أى من هدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

إلى العيد: أى إلى صلاة العيد.

[البحث]

قال البخارى فى صحيحه: "باب المشى والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان ولا إقامة" ثم ساق أحاديث عن ابن عمر وجابر وابن عباس رضى اللَّه عنهم وليس فيها التعرض للركوب أو المشى. قال الحافظ فى فتح البارى: فى هذا الترجمة ثلاثة أحكام: صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال: ليس فيما ذكره من

ص: 230

الأحاديث ما يدل على مشى ولا ركوب، وأجاب الزين ابن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وأنه لا مزية لأحدهما على الآخر. ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد فى الندب إلى المشى ففى الترمذى عن على قال: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا، وفى ابن ماجه عن سعد القرظ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأتى العيد ماشيا وفيه عن أبى رافع نحوه وأسانيد الثلاثة ضعاف اهـ قال الصنعانى فى سبل السلام تعقيبا على قول المصنف هنا: رواه الترمذى وحسنه: ولم أجد فيه أنه حسنه ولا أظن أنه يحسن لأنه رواه من طريق الحارث الأعور وللمحدثين فيه مقال اهـ وما قاله الصنعائى صحيح يؤكده قول الحافظ الذى أشرت إليه فى هذا البحث: وأسانيد الثلاثة ضعاف.

ص: 231

16 -

عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنهم أصابهم مطر فى يوم العيد فصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فى المسجد. رواه أبو داود بإسناد لين.

[البحث]

تقدم فى بحث الحديث رقم 10 من هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى وأن الثابت أنه ما كان يصلى العيدين فى مسجده صلى الله عليه وسلم وأشرت هناك إلى هذا الحديث. وقد ذكر الحافظ فى التلخيص أنه أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وإسناده ضعيف اهـ. وسبب ضعفه أن أحد رواته مجهول فقد قال أبو داود فى سننه: حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد ح وثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد اللَّه بن يوسف ثنا الوليد بن

ص: 231

مسلم ثنا رجل من الفرويين وسماه الربيع فى حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبى فروة" قال الحافظ فى التقريب: عيسى ابن عبد الأعلى بن عبد اللَّه بن أبى فروة الأموى مولاهم مجهول اهـ.

ص: 232