الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجمعة
1 -
عن عبد اللَّه بن عمر وأبى هريرة رضى اللَّه عنهم أنهما سمعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن اللَّه على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. رواه مسلم.
[المفردات]
على أعواد منبره: أى على منبره الخشبى المصنوع من أعواد من خشب أثل الغابة وكان على ثلاث درج وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يخطب وهو مستند إِلى جذع نخلة ومن قبله كان يخطب على منبر من طين كما قيل.
ودعهم: أى تركهم.
الجمعات: جمع جمعة والمراد بها صلاة الجمعة وقد أضيف لها اليوم فقيل يوم الجمعة وكان هذا اليوم يسمى فى الجاهلية "العروبة".
أو ليختمن: أى ليطبعن وليغطين على قلوبهم فلا يدخلها خير فالختم الطبع والتغطية.
من الغافلين: أى اللاهين عن ذكر اللَّه الذين استحوذ الشيطان على نفوسهم.
[البحث]
الجمعة من أعظم نعم اللَّه التى هدى إليها أهل الاسلام بعد أن
خذل عنها من كان قبلهم فقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم -يعنى يوم الجمعة- فاختلفوا فيه، فهدانا اللَّه له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد. وقد بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض خصائصه فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا فى يوم الجمعة" وقد توعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة بأن يختم اللَّه على قلبه فينغلق على الشر ولا ينفتح للخير وهذا غاية فى الوعيد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية اتخاذ المنبر.
2 -
أن ترك الجمعة من الكبائر.
3 -
أن بعض المعاصى قد يجلب على الانسان شرا لا يحد.
2 -
وعن سلمة بن الأكوع رضى اللَّه عنه قال: كنا نصلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به. متفق عليه واللفظ للبخارى، وفى لفظ لمسلم "كنا نجمع معه إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ"
[المفردات]
ننصرف: أى إلى بيوتنا وأعمالنا.
يستظل به: أى يكفى لأن يستظل به المنصرفون من الجمعة لكونه أشبه بالعمودى وذلك بسبب صلاتهم الجمعة فى أول وقتها ومبادرتها قبل أن يستطيل الظل. وإنما يظهر ذلك فى أيام الصيف.
وفى لفظ لمسلم: أى من حديث سلمة بن الأكوع رضى اللَّه عنه.
نجمع معه: أى نصلى الجمعة جماعة معه.
إذا زالت الشمس: أى إذا انصرفت من كبد السماء.
نتتبع الفئ: أى نتطلب مواقع الظل.
[البحث]
قد ساق مسلم فى صحيحه عدة أحاديث تفيد سرعة المبادرة إلى صلاة الجمعة فى أول وقت زوال الشمس فروى من طريق حسن ابن عياش عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنا نصلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا قال حسن: فقلت لجعفر: فى أى ساعة تلك؟ قال: زوال الشمس.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تعجيل صلاة الجمعة فى أول وقتها.
2 -
كراهة تأخير صلاة الجمعة عن أول وقت الزوال.
3 -
عدم استحباب طول الخطبة.
4 -
أن الجماعة من شروط صحة الجمعة.
3 -
وعن سهل بن سعد رضى اللَّه عنهما قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة. متفق عليه واللفظ لمسلم وفى رواية: فى عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[المفردات]
سهل بن سعد: هو سهل بن سعد بن مالك الخزرجى الساعدى الأنصارى قيل كان اسمه حزنا فسماه النبى صلى الله عليه وسلم سهلا. وكان سنه خمس عشرة عند وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتوفى سنة إحدى وسبعين للهجرة وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
نقيل: من القيلولة وهى الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم.
نتغدى: أى نتناول طعام الغداء.
إلا بعد الجمعة: أى إلا بعد انصرافنا من صلاة الجمعة.
وفى رواية: أى لمسلم من حديث سهل رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قد روى البخارى من حديث سهل رضى اللَّه عنه قال: كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم تكون القائلة. وفى
لفظ للبخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه: كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل. وفى لفظ له عنه: "كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة" كما روى البخارى عن سهل رضى اللَّه عنه قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء فى مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله فى قِدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فيكون أصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. ثم ساقه البخارى من طريق آخر عن سهل وقال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب التبكير بصلاة الجمعة فى أول الزوال.
2 -
أنه لا يستحب الإبراد بصلاة الجمعة بخلاف صلاة الظهر عند اشتداد الحر.
4 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا. رواه مسلم.
[المفردات]
عير: العير هى الإبل التى تحمل الطعام أو التجارة.
انفتل الناس إليها: أى انصرفوا وانفضوا اليها.
لم يبق: أى فى المسجد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
أخرج البخارى فى صحيحه فى تفسير سورة الجمعة من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبى صلى الله عليه وسلم فثار الناس إلا اثنا عشر رجلا فأنزل اللَّه {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: بينما نحن نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقى مع النبى صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} وقد روى البخارى هذا الحديث فى كتاب الجمعة ورواه أيضا فى البيوع وزاد فيه "أقبلت من الشام" وليس فى هذا الحديث. أنهم لم يرجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويحضروا الصلاة. والقرآن صرح أنهم تركوه صلى الله عليه وسلم قائما يعنى فى الخطبة ولم يشر إلى مدة تركهم. والحرى بأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن هذا كان منهم نفرة لهذا الحدث بقدوم التجارة من الشام وأنهم عادوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعاتبهم اللَّه تعالى على ذلك تأديبا وتعليما ولذلك قرن التجارة باللهو. وهذا مشعر بأن الصبيان ومن لا تجب عليهم الجمعة كانوا قد أحدثوا أصواتا مثيرة عند قدوم هذه التجارة من الشام مما يحمل أباءهم على استجلاء الأمر مع ظنهم أن الأمر موسع لا سيما وأنه لم يكن قد سبق فيه أمر من اللَّه عز وجل أو من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإن حرص أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على طاعة اللَّه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديم أمر
آجلتهم على أمر عاجلتهم وبعدهم عن لهو الحياة الدنيا مما لا يتنازع فيه عاقلان ولا يتناطح فيه قرنان، فلم يصلنا العلم باللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم ودين الاسلام إلا من طريقهم فرضى اللَّه عنهم ورضوا عنه. وحشرنا بفضله معهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن المشروع فى الخطبة أن يخطب الإمام قائما.
2 -
كراهية الانصراف إلى خارج المسجد بعد بدء الإمام فى الخطبة.
5 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته. رواه النسائى وابن ماجه والدارقطنى واللفظ له وإسناده صحيح لكن قوى أبو حاتم إرساله.
[المفردات]
وغيرها: أى من سائر الصلوات مع الإمام.
فليضف إليها: أى فليصل وليضم إليها.
أخرى: أى ركعة أخرى إن كانت الصلاة ثنائية أو ما بقى إن كانت الصلاة فوق ركعتين.
[البحث]
قال المصنف فى تلخيص الحبير: فى سند هذا الحديث عند النسائى
وابن ماجه والدارقطنى: إنه من حديث بقية حدثنى يونس بن يزيد عن الزهرى عن سالم عن أبيه رفعه: من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته. وفى لفظ: فقد أدرك الصلاة. قال ابن أبى داود والدارقطنى: تفرد به بقية عن يونس وقال ابن أبى حاتم فى العلل عن أبيه: هذا خطأ فى المتن والاسناد وإنما هو عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعا: من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها، وأما قوله من صلاة الجمعة فوهم، قلت إن سلم من وهم بقية ففيه تدليس التسوية لأنه عنعن لشيخه وله طريق أخرى أخرجها ابن حبان فى الضعفاء من حديث إبراهيم بن عطية الثقفى عن يحيى بن سعيد عن الزهرى به قال: وإبراهيم منكر الحديث جدا وكان هشيم يدلس عنه أخبارا لا أصل لها وهو حديث خطأ ورواه يعيش بن الجهم عن عبد اللَّه بن نمر عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أخرجه الدارقطنى وأخرجه أيضا من حديث عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز بن مسلم والطبرانى فى الأوسط من حديث إبراهيم بن سليمان الدباس عن عبد العزيز بن مسلم عن يحيى بن سعيد وادعى أن عبد العزيز تفرد به عن يحيى بن سعيد وأن إبراهيم تفرد به عن عبد العزيز ووهم فى الأمرين معا كما تراه وذكر الدارقطنى فى العلل الاختلاف فيه وصوب وقفه اهـ قلت وإذا كان هذا الحديث بهذه المثابة فكيف يصفه الحافظ فى البلوغ هنا بأن إسناده صحيح؟
6 -
وعن جابر بن سمرة رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن
أنبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب. أخرجه مسلم.
[المفردات]
أنبأك: أخبرك وحدثك.
[البحث]
قد روى البخارى ومسلم من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إن مما أخاف عليكم بعدى ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل أو يأتى الخير بالشر يا رسول اللَّه. . الخ الحديث، وقد فهم بعض الناس أن هذا دليل على الخطبة من جلوس وحاولوا تأويله بأنه كان فى غير خطبة الجمعة وليس الأمر كما فهموا فإن عبارة: جلس على المنبر قد تستعمل ويراد بها القيام على المنبر ولذلك روى البخارى ومسلم فى قصة صنع المنبر لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة من الأنصار: "مرى غلامك النجار أن يعمل لى أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس" وقد جاء فى بعض روايات حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه عند البخارى ومسلم: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال: إنما أخشى عليكم من بعدى ما يفتح من بركات الأرض. . الخ الحديث.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن هدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى خطبة الجمعة أن يخطب قائما.
2 -
وأن الجلوس بين الخطبتين هو شريعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
7 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم. ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللَّه وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. رواه مسلم. وفى رواية له: كانت خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد اللَّه ويثنى عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته. وفى رواية له: من يهد اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وللنسائى: وكل ضلالة فى النار.
[المفردات]
احمرت عيناه: أى تلالأت ولمعت وكأن نارا ونورا ينبعثان منهما.
علا صوته: أى ارتفع صوته.
واشتد غضبه: أى عندما كان يخوف من أمر عظيم يغضب اللَّه عز وجل
كأنه منذر جيش: أى يصير كمن رأى جيشا يريد أن يغزو قومه فيحذرهم منه.
يقول: صبحكم ومساكم أى كأن الجيش على وشك الاغارة على قومه صباحا ومساء.
خير الحديث: أى أفضل الكلام.
وخير الهدى هدى محمد: بفتح الهاء وسكون الدال فى الهدى وهدى:
أى أحسن الطرق طريق محمد صلى الله عليه وسلم.
شر الأمور محدثاتها: أى أقبح الشؤون ما أحدث فى دين اللَّه خلاف ما شرع اللَّه.
وكل بدعة ضلالة: أى وكل ما أحدث فى دين اللَّه مخالف لمنهج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فهو بعيد عن الصراط المستقيم.
على أثر ذلك: أى بعد افتتاح الخطة بحمد اللَّه والثناء عليه من يهد اللَّه فلا مضل له: أى من يوفقه اللَّه للعمل الصالح ويسدده لا يتمكن أحد من إضلاله وصرفه عن صراط اللَّه المستقيم.
ومن يضلل فلا هادي له: أى ومن يخذله اللَّه عز وجل ويصرفه عن طاعته فلا يتمكن أحد من هدايته الى الصراط المستقيم.
وفى رواية له: أى لمسلم من حديث جابر.
وللنسائى: أى من حديث جابر رضى اللَّه عنه.
كل ضلالة فى النار: أى كل ضلالة تسبب لصاحبها دخول النار يعنى إلا من تاب أو عفى اللَّه عنه.
[البحث]
قال النسائى: أخبرنا عتبة بن عبد اللَّه قال أنبأنا ابن المبارك قال: أنبأنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
يقول فى خطبته: يحمد اللَّه ويثنى عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلله فلا هادى له: إن أصدق الحديث كتاب اللَّه وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين. وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول: صبحكم مساكم ثم قال: من ترك مالا فلأهله ومن ترك دَينا أو ضياعا فإلىَّ أو علىَّ وأنا أولى بالمؤمنين. وسند هذا الحديث فيه عتبة بن عبد اللَّه اليحمدى أبو عبد اللَّه المروزى قال: الحافظ فى التقريب "صدوق".
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب اختيار العبارات الجامعة النافعة فى الخطبة.
2 -
من السنة أن يقول: أما بعد.
3 -
من السنة أن يبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه.
4 -
أن الخطب الحق هو من يتأثر بخطبته ويؤثر فى السامعين.
8 -
وعن عمار بن ياسر رضى اللَّه عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه. رواه مسلم.
[المفردات]
طول صلاة الرجل: أى تأديتها بسكينة وخشوع وعدم إساءتها بتضييع أركانها.
وقصر خطبته: أى عدم التطويل فى الخطة لأن
خير الكلام ما قل ودل والتطويل ممل.
مئنة من فقهه: بفتح الميم وهمزة مكسورة ونون مشددة أى علامة يعرف بها فقه الرجل. وكل شئ دل على شئ فهو مئنة له.
[البحث]
لفظ هذا الحديث فى صحيح مسلم من طريق أبى وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست؟ فقال إنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه. فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا. وإنما يكون طول الصلاة وقصر الخطبة علامة على فقه الرجل لأن الصلاة مقصودة بالذات والخطبة توطئة لها فالفقيه يصرف العناية إلى ما هو الأهم وليس المراد بإطالة الصلاة هنا التطويل الممل الذى يشق على الناس فإن النبى صلى الله عليه وسلم حذر منه وإنما المراد إطالة الصلاة بالنسبة إلى الخطبة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
على الخطسب أن يحرص على عدم إطالة الخطبة.
2 -
وأن طول الخطبة ليس دليلا على علم الخطيب وبلاغته بل هو دليل عدم فقهه.
3 -
ينبغى أن يكون وقت أداء الصلاة أطول من وقت الخطبة.
9 -
وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضى اللَّه عنهما
قالت: ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا عن لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس. رواه مسلم.
[المفردات]
أم هشام بنت حارثة: هى إحدى المبايعات لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكانت من الأنصار وهى صحابية مشهورة وإن لم يشتهر اسمها وصنيع مسلم فى صحيحه يدل على أنها أخت لعمرة بنت عبد الرحمن من أمها فإنه ساق الحديث عنها من طريق عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لعمرة وذكر الحديث ثم ساقه من طرق آخر عن عمرة عن أخت لعمرة بنت عبد الرحمن كانت أكبر منها بمثل الحديث السابق ثم ساقه من طريق عبد اللَّه بن محمد بن معن عن بنت لحارثة بن النعمان وذكر الحديث. ثم ساقه من طريق أخرى عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان وهذا يدل على أنها أخت عمرة بنت عبد الرحمن من أمها رضى اللَّه عنهما.
ما أخذت: أى ما حفظت.
ق والقرآن المجيد: أى سورة ق والقرآن المجيد.
إذا خطب الناس: أى فى خطبته صلى الله عليه وسلم للجمعة.
لفظ الحديث فى صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان تنورنا وتنور رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحد سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت ق والقرآن المجيد الا عن لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس. وقد ذكر أن سبب اختيار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثرة قراءة هذه السورة على المنبر يوم الجمعة لما اشتملت عليه من ذكر الموت والبعث والمواعظ الشديدة كما كان يحرص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على قراءة ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الانسان حين من الدهر فى صبح الجمعة لما اشتملت عليه السورتان كذلك من أحوال يوم القيامة وشئون البعث وقد علم أن القيامة تقوم فى يوم جمعة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب قراءة مثل هذه السورة فى خطبة الجمعة.
2 -
وأن تكرور بعض المواعظ من كتاب اللَّه شئ مستحسن.
10 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذى يقول له أنصت ليست له جمعة. رواه أحمد بإسناد لا بأس به وهو يفسر حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه فى الصحيحين مرفوعا: إذا قلت لصاحبك أنصت
يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت.
[المفردات]
كمثل الحمار يحمل أسفارا: فهو شبيه بالحمار الذى يحمل كتبا ولا يدرى ما فيها والأسفار جمع سفر وهو الكتاب.
له: أى للمتكلم.
أنصت: أى اسكت.
فقد لغوت: أى قلت اللغو وهو الباطل من الكلام قال الأخفش اللغو الكلام الذى لا أصل له من الباطل وشبهه وقال ابن عرفة: اللغو السقط من القول وقيل الميل عن الصواب وقيل الاثم، أفاده الحافظ فى الفتح.
[البحث]
قال الإمام أحمد فى مسنده: حدثنا ابن نمير عن مجالد عن الشعبى عن ابن عباس قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من تكلم يوم الجمعة وذكر الحديث. قال فى مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار والطبرانى فى الكبير وفيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائى فى رواية اهـ. وحديث أبى هريرة فى الصحيحين الذى أشار إليه المصنف واعتبره مفسرا لحديث ابن عباس عند أحمد قد عنون له البخارى فى صحيحه فقال: باب الانصات يوم الجمعة والإمام يخطب وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا وقال سلمان عن النبى صلى الله عليه وسلم: ينصت إذا تكلم
الإمام حدثنا يحيى بن بكر قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرنى سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" وقد نبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث على ترك الكلام مهما كان سببه والإمام يخطب لأنه إذا جعل قوله للمتكلم أنصت لغوا مع كونه آمرا بمعروف فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا. وقد نقل الحافظ فى الفتح عن النضر بن شميل أنه قال: معنى لغوت: خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك اهـ. وقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن من أسباب المغفرة لمن أتى الجمعة أنى كون قد استمع وأنصت فقد جاء فى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب الانصات للخطيب يوم الجمعة عندما يخطب.
2 -
جواز الكلام والإمام يخطب فى غير خطبة الجمعة إذا لم يشوش على الخطيب.
3 -
أن من تكلم قبل شروع الخطيب فى الخطبة لا يكون قد لغا.
11 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:
صليت؟ قال: لا. قم فصل ركعتين. متفق عليه.
[المفردات]
رجل: هو سليك بن هدبة وقيل ابن عمرو الغطفانى وهو بن غطفان من قيس عيلان من مضر وقد جاءت تسميته فى صحيح مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه.
فصل ركعتين: أى تحية المسجد.
[البحث]
قد روى البخارى هذا الحديث عن جابر بلفظ: جاء رجل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: صليت يا فلان؟ قال لا. قال: قم فاركع. وفى لفظ لمسلم من حديث جابر: قال: بينا النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أصليت يا فلان؟ قال: لا. قال: قم فاركع. وفى لفظ لمسلم من حديث جابر: قم فصل الركعتين. وفى لفظ لمسلم من حديث جابر أنه قال: جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلى فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أركعت ركعتين قال لا. قال: قم فاركعهما. وفى لفظ لمسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب صلاة ركعتين (تحية المسجد) لمن جاء والإمام يخطب.
2 -
أن صلاة الركعتين هاتين لا تدخل فى اللغو المحذور.
3 -
أن من أجاب الخطيب على سؤاله لا يوصف بأنه قد لغا.
12 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين. رواه مسلم وله عن النعمان بن بشير رضى اللَّه عنهما: كان يقرأ فى العيدين وفى الجمعة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
[المفردات]
سورة الجمعة: أى فى الركعة الأولى بعد الفاتحة.
والمنافقين: أى وسورة المنافقين فى الركعة الثانية بعد الفاتحة.
وله: أى ولمسلم.
فى العيدين: أى عيد الفطر وعيد الأضحى.
وفى الجمعة: أى وفى صلاة الجمعة.
الغاشية: القيامة.
[البحث]
لفظ حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما عند مسلم: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} وأن النبى
صلى اللَّه عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين. وتمام حديث النعمان بن بشير رضى اللَّه عنهما عند مسلم: قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة فى يوم واحد يقرأ بهما أيضا فى الصلاتين. وفى قراءة سورتى الجمعة والمنافقين فى صلاة الجمعة تذكير بآلاء اللَّه على هذه الأمة ومن أعظم هذه النعم بعث النبى صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات اللَّه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ولفت انتباه من حمل العلم إلى الانتفاع به وعدم إضاعته وأن الجمعة من أعظم النعم التى هدى اللَّه إليها هذه الأمة كما أنه يذكر من فى قلبه نفاق أن يسارع إلى التوبة منه وأن العزة للَّه ولرسوله وللمؤمنين إلى غير ذلك من النعم. كما أن فى قراءة سورة سبح اسم ربك الأعلى وسورة هل أتاك حديث الغاشية تذكيرا بالحقائق الثلاث التى تدور حولها السور المكية وهى تقرير التوحيد والرسالة والبعث وقد سبق أن أشرنا إلى أن القيامة تقوم فى يوم الجمعة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب قراءة سورة الجمعة فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة.
2 -
استحباب قراءة سورة المنافقين فى الركعة الثانية من صلاة الجمعة.
3 -
استحباب قراءة سورة سبح اسم ربك الأعلى فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة والعيدين.
4 -
استحباب قراءة سورة الغاشية فى الركعة الثانية من صلاة الجمعة والعيدين.
5 -
استحباب التخفيف على الجماعة.
13 -
وعن زيد بن أرقم رضى اللَّه عنه قال: صلى النبى صلى الله عليه وسلم العيد ثم رخص فى الجمعة فقال: من شاء أن يصلى فليصل. رواه الخمسة إلا الترمذى وصححه ابن خزيمة.
[المفردات]
العيد أى فى يوم الجمعة.
رخص فى الجمعة: أى فى صلاة الجمعة لمن صلى العيد يومها من شاء أن يصلى: أى من رغب أن يصلى الجمعة.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه "باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد" حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل ثنا عثمان بن المغيرة عن إياس ابن أبى رملة الشامى قال: شهدت معاوية بن أبى سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا فى يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص فى الجمعة فقال: من شاء أن يصلى فليصل. وعنون له ابن ماجه فقال: باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان فى يوم ثم قال: حدثنا نصر بن على الجهضمى ثنا أبو أحمد ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبى رملة الشامى قال: سمعت رجلا سأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عيدين فى يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف كان يصنع؟ قال صلى العيد ثم رخص فى الجمعة ثم قال: من شاء أن
يصل فليصل. وإياس بن أبى رملة الشامي مجهول كما قال الحافظ فى التقريب وقد روى أبو داود من حديث أبى هريرة، وابن ماجه من حديث ابن عباس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اجتمع عيدان فى يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء اللَّه. وهذا الحديث عندهما من رواية بقية قال حدثنا شعبة. لكن أبا داود بعد أن ساقه بصيغة التحديث عن شعبة قال: قال عمر -يعنى ابن حفص الوصابى أحد راوييه عن بقية- قال: عن شعبة فيكون فيه تدليس بقية إلا أن راويه عند ابن ماجه عن بقية هو محمد بن المصفى الحمصى وقد صرح بتحديث بقية عن شعبة وهو كذلك أحد الراويين عند أبى دود عن بقية وقد صرح بالتحديث كما علمت، لذلك قال فى الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وهذا مبنى على أن عيب بقية هو التدليس وحده وقد ذكر الحافظ فى تهذيب التهذيب عن ابن المبارك أنه قال: كان صدوقا ولكنه كان يكتب عمن أقبل وأدبر. ونقل الحافظ عن ابن عيينة أنه قال فيه: لا تسمعوا من بقية ما كان فى سنة واسمعوا منه ما كان فى ثواب وغيره. ثم ذكر عن الإمام أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وأبى زرعة وابن سعد والعجلى أنهم وثقوه إذا حدث عن الثقات أما إذا حدث عن غير الثقات فلا يقبل حديثه. وقد أخرج أبو داود من حديث محمد بن طريف البجلى ثنا أسباط عن الأعمش عن عطاء بن أبى رباح قال: صلى بنا ابن الزبير فى يوم عيد فى يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة. وسند هذا الأثر سند الصحيح وهو
مشعر بأن من لم يصل الجمعة إذا كانت يوم عيد مترخصا فإنه يصلى الظهر. وقد شذ بعض الناس فزعم أن الجمعة والظهر يسقطان عمن صلى العيد وهذا الأثر الصحيح يدل على بطلان مذهبهم وتأكيد شذوذهم، ومن شذوذهم استدلالهم بمثل هذا الأثر على صحة صلاة الجمعة للمنفرد فى بيته أو فى المسجد لقوله فيه: فصلينا وحدانا. وهو لم يذكر أنهم صلوا الجمعة وحدانا فهؤلاء يتعلقون بخيط العنكبوت ترويجا لباطلهم. قال الصنعانى فى سبل السلام: ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر فى منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر فى يوم الجمعة -يكون عيدا- على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر فى منزله بل فى قول عطاء إنهم صلوا وحدانا أى الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ولا يقال إن مراده صلوا الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعا اهـ.
14 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا. رواه مسلم.
[المفردات]
صلى أحدكم الجمعة: أى إذا فرغ المصلى من صلاة الجمعة.
فليصل بعدها: أى بعد صلاة الجمعة.
أربعا: أى أربع ركعات.
[البحث]
هذا الأمر "فليصل" ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب بدليل ما جاء فى إحدى روايات هذا الحديث عند مسلم من طريق أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وفى لفظ: من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا. ولأن الأصل أن الصلوات المفروضة خمس لا تبديل فيها. وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين. وبعد المغرب ركعتين فى بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين وفى لفظ لمسلم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد الجمعة ركعتين. وفى لفظ لمسلم عن عبد اللَّه يعنى ابن عمر أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين فى بيته ثم قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. وقد فهم بعض أهل العلم من ذلك أنه إذا صلى بعد الجمعة فى المسجد صلى أربع ركعات وإذا صلى فى بيته بعد الجمعة صلى ركعتين فحمل الأمر بالأربع على من صلى فى المسجد غير أن بعض روايات مسلم فى صحيحه تشعر بأن الأمر على السعة فى ذلك كله فقد جاء فى سياق مسلم لهذا الحديث أنه قال: وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد قالا: حدثنا عبد اللَّه بن إدريس عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا (زاد عمرو فى روايته قال ابن إدريس قال سهيل) فإن عجل بك شئ فصل ركعتين فى المسجد وركعتين إذا رجعت.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يسن لمن صلى الجمعة أن يصلى بعدها أربعا وإن شاء ركعتين.
2 -
أنه ليست للجمعة صلاة سنة قبلها.
15 -
وعن السائب بن يزيد رضى اللَّه عنه أن معاوية قال له: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم.
[المفردات]
السائب بن يزيد: هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: ويقال الأسدى أو الليثى أو الهذلى وقال الزهرى: هو من الأزد عداده فى كنانة وهو ابن أخت النمر لا يعرفون إلا بذلك. له ولأبيه صحبة اهـ وكان فى حجة الوداع ابن سبع سنوات. وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعثمان وأبيه يزيد وخاله العلاء بن الحضرمى وجماعة من الصحابة رضى اللَّه عنهم قال ابن عبد البر: كان عاملا لعمر على سوق المدينة وقد اختلف فى سنة وفاته فذكره البخارى فى فصل من مات ما بين
التسعين الى المائة وقال الواقدى توفى سنة احدى وتسعين وقال أبو نعيم توفى سنة اثنتين وثمانين وقيل سنة 88 وقال ابن أبى داود هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضى اللَّه عنهم.
فلا تصلها بصلاة: أى فلا تصل صلاة موصولة بصلاة الجمعة بل افصل بينهما بفاصل من ذكر أو غيره.
حتى تكلم: أى حتى تتكلم.
أن لا نوصل: أى بأن لا نوصل.
أو نخرج: أى ننصرف من المسجد.
[البحث]
روى مسلم هذا الحديث من طريق ابن جريم قال: أخبرنى عمر بن عطاء بن أبى الخوار أن نافع بن جبير أرسله الى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شئ رآه منه معاوية فى الصلاة فقال نعم صليت معه الجمعة فى المقصورة فلما سلم الإمام قمت فى مقامى فصليت، فلما دخل أرسل إلىَّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. فلفظ: أن لا نوصل صلاة بصلاة ليس فى مسلم وانما الذى فيه أن لا توصل صلاة. وعموم قوله صلى الله عليه وسلم أن لا توصل صلاة. يعم صلاة الجمعة وغيرها من الفرائض.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب فصل النافلة عن الفريضة بفاصل من ذكر أو خروج
من المسجد.
2 -
كراهية صلاة النافلة بعد السلام من الفريضة مباشرة دون فاصل.
16 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام. رواه مسلم.
[المفردات]
من اغتسل: أى أفاض الماء على جميع جسمه ولم يكتف بالوضوء للجمعة
أتى الجمعة: أى المسجد الذى تقام فيه الجمعة لصلاتها.
فصلى: أى تطوع بما تيسر له من النوافل.
ما قدر له: أى ما تيسر له.
أنصت: أى استمع وأصغى للخطب وسكت ولم يتكلم.
حتى يفرغ: أى حتى ينتهى.
يصلى معه: أى صلاة الجمعة.
وفضل: أى وزيادة.
[البحث]
تقدم فى باب الغسل وحكم الجنب الحديث السابع الذى أخرجه السبعة عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-
قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. وذكرت هناك ما رواه السبعة أيضا عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل. وأن ابن مندة قد عد من رواه عن نافع فبلغوا فوق ثلثمائة نفس، وعد من رواه من الصحابة غير ابن عمر فبلغوا أربعة وعشرين صحابيا وأن الحافظ جمع طرقه عن نافغ فبلغوا مائة وعشرين نفسا. أما ما جاء فى مسلم عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لنا. فقد قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: ليس فى هذا الحديث نفى الغسل وقد أوضحت مباحث هذا الحديث فيما سبق.
[ما يفيده الحديث]
1 -
غسل الجمعة واجب غير شرط على كل بالغ مدرك قبل أن يذهب لصلاة الجمعة.
2 -
وأن من تركه لغير محذر يأثم وتصح صلاته.
3 -
لا يشترط اقتران الغسل بالذهاب إلى المسجد للجمعة لقوله فى الحديث "ثم" فمن اغتسل من الفجر فله هذا الفضل.
17 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل اللَّه عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه. وأشار بيده يقللها. متفق عليه.
وفى رواية لمسلم: وهى ساعة خفيفة.
[المفردات]
وعنه: أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
ذكر يوم الجمعة: يعنى أشار إلى فضله.
ساعة: أى لحظة.
قائم يصلى: أى متلبس بالصلاة وقد يراد بالصلاة الدعاء. أى وهو يدعو اللَّه تعالى.
يقللها: أى يبين سرعة ذهابها ويزهد وقتها.
وفى رواية لمسلم: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
ساعة خفيفة: أى لحظة سريعة.
[البحث]
هذا الحديث يثبت أن فى يوم الجمعة ساعة يستجيب اللَّه تعالى فيها لمن دعاه ويبين هذا الحديث أن وقتها ليس بطويل بل هى ساعة خفيفة ولحظة سريعة. أما تحديد وقتها فيتحدث عنه الحديث الذى يلى هذا الحديث.
18 -
وعن أبى بردة عن أبيه رضى اللَّه عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: هى ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة. رواه مسلم ورجح الدارقطنى أنه من قول أبى بردة. وفى حديث عبد اللَّه بن سلام رضى اللَّه عنه عند ابن ماجه وجابر رضى اللَّه عنه عند أبى داود والنسائى: أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وقد اختلف فيها على أكثر من
أربعين قولا أمليتها فى شرح البخارى.
[المفردات]
أبو بردة: هو عامر أو الحارث وقيل اسمه كنيته وهو ابن أبى موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه سمع من أبيه ومن على وحذيفة وعبد اللَّه بن سلام والأغر المزنى وعائشة ومحمد بن سلمة وابن عمر وغيرهم. كان على قضاء الكوفة بعد شريح وكان كاتبه سعيد بن جبير. وقد ولد فى خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وقيل زمن عثمان رضى اللَّه عنه وتوفى سنة 103 هـ أو 104 هـ وقد نيف على ثمانين عاما وكان من الفقهاء.
عن أبيه: هو أبو موسى الأشعرى.
هى: أى ساعة استجابة الدعاء يوم الجمعة.
ما بين أن يجلس الإمام: أى من وقت جلوس الإمام على المنبر.
عبد اللَّه بن سلام: هو أبو يوسف عبد اللَّه بن سلام بن الحارث أحد بنى قينقاع من بنى إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام كان من أحبار بنى إسرائيل، وعندما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى وجهه قال فعرفت أنه ليس بوجه كذاب وسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ثلاث لا يعرفهن إلا نبى وهى أول أشراط
الساعة وأول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فأخبره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت وأول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وإن سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإن سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعته. فطلب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يسأل عنه اليهود لأنهم قوم بهت فلما سألهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: حبرنا وابن حبرنا وسيدنا وابن سيدنا فأعلن عبد اللَّه بن سلام أمامهم شهادة الحق أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال اليهود: هو سفيهنا وابن سفيهنا. فقال يا رسول اللَّه ألم أقل إن اليهود قوم بهت. وقد رأى رؤيا فسرها له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنه على الحق حتى يموت. . وقد شهد مع عمر رضى اللَّه عنه فتح بيت المقدس والجابية ومات بالمدينة المنورة سنة 43 هـ.
وجابر رضى اللَّه عنه: أى وفى حديث جابر رضى اللَّه عنه.
أنها: أى الساعة المذكورة.
وقد اختلف فيها: أى اختلف العلماء فى تحديد وقتها.
أكثر من أربعين قولا: ذكر المصنف فى فتح البارى أنها اثنان وأربعون قولا.
[البحث]
أعل قوم هذا الحديث. وتعليله مبنى على أنه من رواية مخرمة ابن بكير بن عبد اللَّه بن الأشج عن أبيه بدعوى أنه لم يسمع من أبيه. وسماع مخرمة من أبيه مختلف فيه وقد ذكر الحافظ فى تهذيب التهذيب عن الدولابى قال: حدثنا أحمد بن يعقوب حدثنا على بن المدينى سمعت معن بن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه اهـ وقال أبو حاتم سألت إسماعيل بن أبى أويس قلت: هذا الذى يقول مالك بن أنس حدثنى الثقة من هو؟ قال: مخرمة بن بكير بن الأشج وقال الميمونى عن أحمد أخذ مالك كتاب مخرمة فنظر فيه فكل شئ يقول فيه بلغنى عن سليمان بن يسار فهو من كتاب مخرمة يعنى عن أبيه عن سليمان. وما دام الأمر على ما عملت فإن قاعدة أهل العلم ترجح سماع مخرمة من أبيه لرواية مسلم عنه هذا الحديث لأنه إذا اختلف قول مسلم مع قول من دونه قدمنا قول مسلم. قال الحافظ فى فتح البارى: قال المحب الطبرى: أصح الأحاديث فيها حديث أبى موسى. كما ذكر الحافظ أن البيهقى روى من طريق أبى الفضل أحمد ابن سلمة النيسابورى أن مسلما قال: حديث أبى موسى أجود شئ فى هذا الباب وأصحه اهـ ثم قال: وقال النووى: هو الصحيح بل الصواب وجزم فى الروضة بأنه الصواب ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفى أحد الصحيحين اهـ وقد استدرك الدارقطنى هذا الحديث على مسلم فقال: لم
يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبى بردة قال: ورواه حماد عن أبى بردة من قوله ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه قال: والصواب أنه من قول أبى بردة وتابعه واصل الأحدب ومجالد روياه عن أبى بردة من قوله. وقال النعمان بن عبد السلام عن الثورى عن أبى إسحاق عن أبى بردة عن أبيه. موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه اهـ ولا شك أن إخراج مسلم له متصلا مرفوعا يرد كلام الدارقطنى فهو أعرف منه به. وفد قال النووى فى شرح مسلم دافعا استدراك الدارقطنى بأنه مبنى على قاعدة أنه إذا تعارض فى رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والارسال وهى قاعدة ضعيفة ممنوعة ثم قال: والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخارى ومسلم ومحققى المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة اهـ.
19 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: مضت السنة أن فى كل أربعين فصاعدا جمعة. رواه الدارقطنى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
مضت السنة: أى نفذت السنة وثبتت واستقرت.
فى كل أربعين: أى تنعقد الجمعة وتجب على أهل الحى إذا كانوا أربعين نفسا من المكلفين.
فصاعدا: أى فما فوق.
[البحث]
سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن
عن خصيف عن عطاء عن جابر وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله فى عبد العزيز بن عبد الرحمن: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة وقال النسائى: ليس بثقة وقال الدارقطنى: منكر الحديث وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج يه وقد أخرج البيهقى هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن كذلك وقال: هذا الحديث لا يحتج بمثله.
20 -
وعن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة. رواه البزار بإسناد لين.
[المفردات]
يستغفر للمؤمنين والمؤمنات: أى يقول اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات يعنى وهو يخطب يوم الجمعة.
بإسناد لين: أى من طريق ضعيف.
[البحث]
هذا الحديث عند البزار من طريق يوسف بن خالد السمتى -وليس البستى كما جاء فى سبل السلام تحريفا- وقد قال البزار لا نعلمه عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الاسناد اهـ ويوسف ابن خالد بن عمير السمتى أبو خالد البصرى مولى صخر بن سهل الليثى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: قال معاوية بن صالح عن ابن معين ضعيف. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن ابن معين: كذاب خبيث عدو اللَّه تعالى رجل سوء رأيته بالبصرة لا يحدث عن أحد فيه
خير. وقال الدورى عن ابن معين كذاب زنديق لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم الرازى: ذاهب الحديث ثم قال الحافظ: وقال الآجرى عن أبى داود: كذاب وقال النسائى: ليس بثقة ولا مأمون. وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث ضعيف الحديث اضرب على حديثه. وقال ابن حبان: كان يضع الأحاديث على الشيوخ ويقرؤها عليهم ثم يرويها عنهم لا تحل الرواية عنه اهـ. وأشار الحافظ إلى أنه قيل له السمتى بفتح السين وسكون الميم لهيئته وقد مات عام 189 هـ أو 190 هـ وهو ابن سبع وستين سنة.
21 -
وعن جابر بن سرة رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى الخطة يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس. رواه أبو داود وأصله فى مسلم.
[المفردات]
كان فى الخطبة: أى كان فى أثناء خطبة الجمعة.
ويذكر الناس: أى ويعظهم.
[البحث]
قال أبو داود حدثنا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبى شيبة المعنى عن أبى الأحوص ثنا سماك عن جابر بن سمرة قال: كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس، حدثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يقعد قعدة لا يتكلم وساق الحديث اهـ وكلا
السندين من الأسانيد الصحيحة. والأصل الذى أشار إليه المصنف كأنه فى مسلم هر من طريق أبى الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة ولفظه قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما: يقرأ القرآن ويذكر الناس. وقد توهم الصنعانى فى سبل السلام أن الأصل الذى أشار إليه المصنف بأنه فى صحيح مسلم هو ما تقدم من حديث أم هشام بنت حارثة أنها قالت: ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يستحب الاكثار من قراءة آيات من القرآن فى خطبة الجمعة.
2 -
ينبغى أن يكون قصد الخطيب تذكير الناس ووعظهم.
22 -
وعن طارق بن شهاب رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة إلا أربعة: مملوك وامرأة وصبى ومريض. رواه أبو داود وقال: لم يسمع طارق من النبى صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم من رواية طارق المذكور عن أبى موسى.
[المفردات]
طارق بن شهاب: هو طارق بن شهاب بن عبد شمس بن هلال بن سلمة بن عوف البجلى الأحمسى أبو عبد اللَّه الكوفى رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه وروى عنه مرسلا وعن الخلفاء
الأربعة وبلال وحذيفة وخالد بن الوليد والمقداد وابن مسعود وأبى موسى وكعب ابن عجرة وغيرهم، وقال ابن أبى حاتم عن أبيه ليست له صحبة. وقد نص أبو داود فى سننه بعد أن أخرج حديثه هذا قال: طارق ابن شهاب قد رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا اهـ وقد اختلف فى سنة وفاته فقيل عام 82 هـ أو 83 هـ أو 84 هـ رضى اللَّه عنه.
عن أبى موسى: هو أبو موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة إلا أربعة: عبد أو امرأة أو صبى أو مريض، أبو داود من حديث طارق بن شهاب عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواه الحاكم من حديث طارق هذا عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم وصححه غير واحد اهـ وقد انعقد إجماع المسلمين على أن المرأة لا تجب عليها الجمعة كما انعقد الاجماع على أن الصبى لا تجب عليه الجمعة كذلك.
23 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس على مسافر جمعة. رواه الطبرانى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
رواه الطبرانى: أى فى الأوسط.
بإسناد ضعيف: لأنه من رواية أبى بكر الحنفى عن عبد اللَّه بن نافع عن ابيه نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال الطبرانى عقيب إخراجه له: لم يرو هذا الحديث عن نافع إلا ابنه عبد اللَّه تفرد به أبو بكر الحنفى اهـ وأبو بكر الحنفى مجهول وعبد اللَّه بن نافع ضعيف.
[البحث]
لا خلاف عند أهل العلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد كان وقوفه بعرفة فى حجة الوداع يوم الجمعة، وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فى هذا اليوم ولم يصل الجمعة ولفظه: ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر" وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما أن رجلا من اليهود قال لعمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: إنكم تقرؤن آية فى كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا؟ قال: وأى آية؟ قال: قوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فقال عمر: واللَّه إنى لأعلم اليوم الذى نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والساعة التى نزلت فيها على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فى يوم جمعة" وقد جاء فى لفظ البخارى عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثورى عن قيس عن طارق بن شهاب رضى اللَّه عنه قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤن آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمر: إنى لأعلم حين أنزلت وأين أنزلت وأين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-
حيث أنزلت: يوم عرفة وأنا واللَّه بعرفة -قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا؟ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية. قال ابن كثير رحمه الله فى تفسير هذه الآية: وشك سفيان رحمه الله إن كان فى الرواية فهو تورع حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا؟ وإن كان شكا فى كون الوقوف فى حجة الوداع كان يوم جمعة فهذا ما إخاله يصدر عن الثورى رحمه الله فإن هذا أمر معلوم مقطوع به لم يختلف فيه أحد من أصحاب المغازى والسير ولا من الفقهاء وقد وردت فى ذلك أحاديث متواترة لا يشك فى صحتها اهـ
24 -
وعن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا. رواه الترمذى بإسناد ضعيف. وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة.
[المفردات]
إذا استوى على المنبر: أى إذا جلس على المنبر يعنى لخطبة الجمعة.
استقبلناه بوجوهنا: أى جعلنا وجوهنا جهة وجهه صلى الله عليه وسلم.
وله: أى ولحديث ابن مسعود رضى اللَّه عنه.
[البحث]
سبب ضعف حديث الترمذى عن عبد اللَّه بن مسعود هنا هو أنه
من رواية محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف وقد تفرد به وضعفه به الدارقطنى وابن عدى وغيرهما قال الحافظ فى التلخيص: ورواه ابن ماجه من حديث عدى بن ثابت عن أبيه وقال: أرجو أن يكون متصلا -كذا قال: ووالد عدى لا صحبة له إلا أن يراد بأبيه جده أبو أبيه فله صحبة على رأى بعض الحفاظ من المتأخرين اهـ.
25 -
وعن الحكم بن حزن رضى اللَّه عنه قال: شهدنا الجمعة مع النبى صلى الله عليه وسلم فقام متوكئا على عصا أو قوس. رواه أبو داود.
[المفردات]
الحكم بن حزن: هو الحكم بن حزن الكلفى بضم الكاف وفتح اللام نسبة إلى كلفة وهم بطن من تميم كما نقل الحافظ عن البخارى فى تهذيب التهذيب وقال الحازمى: الصحيح أنه منسوب إلى كلفة بن عوف بن نصر بن معاوية يعنى ابن بكر بن هوازن. ووهم الصنعانى فى سبل السلام فقال: وأبوه حزن بن أبى وهب المخزومى يعنى جد سعيد ابن المسيب رحمه الله وهذا خطأ. وقد أسلم الحكم ووفد على النبى صلى الله عليه وسلم وليس له إلا هذا الحديث عند أبى داود.
شهدنا: أى حضرنا.
متوكئا: أى معتمدا.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه: حدثنا سعيد بن منصور ثنا شهاب بن خراش حدثنى شعيب بن رزيق الطائفى قال فى جلىست إلى رجل له صحبة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم ابن حزن الكلفى فأنشأ يحدثنا قال: وفدت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول اللَّه زرناك فادع اللَّه لنا بضر فأمر بنا أو أمر لنا بشئ من التمر -والشأن إذ ذاك دون- فأقمنا بها أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقام متوكئا على عصا أو قوس فحمد اللَّه وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا. قال الحافظ فى تلخيص الحبير: إسناده حسن فيه شهاب ابن خرايق وقد اختلف فيه، والأكثر وثقوه وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة اهـ.