الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة والإمامة
1 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. متفق عليه. ولهما عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه: بخمس وعشرين جزءا. وكذا للبخارى عن أبى سعيد رضى اللَّه عنه وقال: درجة.
[المفردات]
والإمامة: أى وأحكام الإمامة فى الصلاة أى ما يتعلق بالإمام والمأموم.
الفذ: أى الفرد.
ولهما: أى للشيخين البخارى ومسلم.
جزءا: أى درجة.
[البحث]
لفظ حديث أبى هريرة عند البخارى: تفصيل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا، ولفظه عند مسلم: صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده، بخمس وعشرين جزءا، أما لفظ حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه عند البخارى: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة وقد روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل فى الجماعة تضعف
على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسًا وعشرين ضعفا. كما روى مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تعدل خمسًا وعشرين من صلاة الفذ. وفى لفظ لمسلم عنه: صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده. وهذه الروايات تشعر أن المراد من الجزء والدرجة والضعف والصلاة التى وقعت تميزا فى هذه الأحاديث بمعنى واحد. وكلها جعلت الأفضلية خمسًا وعشرين درجة إلا حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما فقد جعلها سبعا وعشرين درجة، ولا منافاة بينهما فإن أقل فضل لصلاة الجماعة على صلاة الفذ هو خمس وعشرين درجة وقد تزيد إلى سبع وعشرين وإلى ما شاء اللَّه عز وجل بحسب كثرة الجماعة أو فضل المكان أو إتقان الصلاة أو غير ذلك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ.
2 -
صحة صلاة الفذ.
2 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: والذى نفسى بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلًا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم والذى نفسى بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. متفق عليه. واللفظ للبخارى.
[المفردات]
والذى نفسى بيده: أى واللَّه الذى حياتى بقبضته.
هممت: أى أردت وقصدت وعزمت وقيل الهم دون العزم بحطب فيحتطب: الحطب هو ما أعد من الشجر شبوبا وحطبه كاحتطبه بمعنى جمعه وكسره ليسهل اشتعال النار به.
ثم أخالف إلى رجال: قال الجوهرى: خالف إلى فلان أى أتاه إذا غاب عنه. والمعنى: أذهب إلى المتخلفين الغائبين عن الصلاة.
فأحرق: أى أبالغ فى تحريق بيوتهم.
عرقا: بفتح العين وسكون الراء وهو العظم عليه لحم عن الأصمعى أن العرق قطعة لحم.
مرماتين: تثنية مرماة بكسر الميم هى ما بين ظلفى الشاة من اللحم. وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمى وهو سهم دقيق غير محدد. والمعنى أنهم يحرصون على طعام أو لهو دون ما به الحصول على الدرجات العلى.
[البحث]
هذا الحديث عنون له البخارى بباب وجوب صلاة الجماعة وقال: وقال الحسن: إذا منعته أمه عن العشاء فى الجماعة شفقة لم يطعها وساق الحديث. قال الحافظ فى فتح البارى عن أثر الحسن: وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح فى كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزى بإسناد صحيح عن الحسن. فى رجل يصوم يعنى تطوعا
فتأمره أمه أن يفطر قال فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البر، قيل: فتنهاه أن يصلى العشاء فى جماعة قال: ليس ذلك لها هذه فريضة. ولا منافاة بين الاستدلال على وجوب الجماعة بهذا الحديث وبين الحديث المتقدم عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما. صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ. . الخ فإن حديث ابن عمر يدل على صحة صلاة الفذ وحديث أبى هريرة هذا يدل على إثم من تخلف عن الجماعة فتكون الجماعة واجبا غير شرط فى صحة الصلاة فتصح صلاة الفذ ويأثم إلا أن يكون تخلفه عن الجماعة لعذر مرض أو مطر أو برد أو خوف أو نحو ذلك؛ لأنه قد جاء فى رواية يزيد بن الأصم عن أبى هريرة عند أبى داود: ثم آتى قوم يصلون فى بيوتهم ليست بهم علة. قال أبو داود حدثنا النفيلي ثنا أبو المليح حدثنى يزيد بن يزيد حدثنى يزيد بن الأصم سمعت أبا هريرة يقول قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر فتيتى فيجمعوا حزما من حطب ثم آتى قوما يصلون فى بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم. قلت ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عنى أو غيرها قال: صمتا أذناى إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها. وفى سند هذا الحديث يزيد بن يزيد بن جابر الرقى قال الحافظ فى التقريب بعد ما ذكر يزيد بن يزيد بن جابر الأزدى الدمشقى ووصفه بأنه ثقة فقيه قال: يزيد بن يزيد بن جابر الرقى عن يزيد بن الأصم قيل هو الذى قبله وقيل آخر من أهل الرقة مجهول أهـ واللَّه أعلم وثبوت عذر التخلف لمرض أو مطر أو نحوه لا شك فيه عند أهل العلم لحديث الاذن بالصلاة فى الرحال فى الليلة المطيرة ونحوها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب صلاة الجماعة على الرجال.
2 -
أن الجماعة ليست شرطا فى صحة الصلاة.
3 -
الصلاة فى الجماعة سبب فى حصول الدرجات العلى.
4 -
لا يتخلف عنها لغير عذر إلا ضعيف النفس.
3 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. متفق عليه.
[المفردات]
وعنه: أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
أثقل: أشق وفيه إشارة، إلى أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين.
ولو يعلمون ما فيهما: أى من الخير والفضل والأجر العظيم.
ولو حبوا: أى يزحفون إذا منعهم مانع من المشى على أرجلهم كما يزحف الصغير.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى باب فضل صلاة العشاء فى الجماعة عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن
فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤم الناس ثم آخذ شعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد. قال الحافظ ابن حجر فى الفتح: وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعى إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم اهـ، ولقد أشار اللَّه عز وجل إلى أن جميع الصلوات ثقيلة على المنافقين حيث قال:{وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} وبين أنه لا يفرح بها ولا يحرص عليها إلا الخاشعون حيث قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ومعنى كبيرة أى ثقيلة. ولما كانت العشاء والفجر فى غير وضح النهار وهم لا يصلون إلا رياء فلا يشاهدهم من يراؤنهم من الناس غاليا فلا باعث يستخفهم لها ولذلك كله ثقلت عليهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الحث البليغ على صلاة العشاء والفجر فى الجماعة.
2 -
أنه لا يستثقل جماعة العشاء والفجر إلا المنافقون.
4 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول اللَّه إنه ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد فرخص له فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب. رواه مسلم.
[المفردات]
وعنه: أى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
رجل أعمى: بينته بعض الروايات أنه عبد اللَّه بن أم مكتوم
رضى اللَّه عنه الذى نوه القرآن بفضله فى قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} .
قائد يقودنى إلى المسجد: أى دال يدلنى ويأخذ بيدى ويأتى بى إلى المسجد.
فرخص له: أى فأذن له فى التخلف وأن يصلى فى بيته تسهيلا عليه وتيسيرا له.
فلما ولى: أى فلما ذهب.
دعاه: أى ناداه.
النداء بالصلاة: أى الآذان.
فأجب: أى فلا تتخلف.
[البحث]
لفظ رواية أبى هريرة عند مسلم: قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول اللَّه إنه ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلى فى بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم قال: فأجب. وقد كثرت الأخبار الصحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المفيدة للإذن بالتخلف عن الجماعة لأهل الأعذار التى من جملتها العمى والمرض وحضور الطعام ومدافعة الأخبثين والمطر والليلة الباردة فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر المنادى فينادى بالصلاة: ينادى: صلوا فى رحالكم فى الليلة الباردة وفى الليلة المطيرة فى السفر. كما روى مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال:
خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى سفر فمطرنا فقال: ليصل من شاء منكم فى رحله. كما روى البخارى ومسلم عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه فى يوم مطير قال: صلوا فى بيوتكم. كما روى البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضى حاجته منه وإن أقيمت الصلاة. كما روى مسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين" يعنى الريح أو البول والغائط. كما روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من طريق محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قوله وهو أعمى وأنه قال: يا رسول اللَّه: إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول اللَّه فى بيتى مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول للَّه صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلى؟ فأشار إلى مكان فى البيت فصلى فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفى لفظ للبخارى ومسلم من حديث محمود بن الربيع الأنصارى أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه إنى قد أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومى وإذا كانت الامطار سال الوادى الذى بينى وبينهم ولم أستطع أن آتى مسجدهم فأصلى لهم وددت أنك يا رسول اللَّه تأتى فتصلى فى مصلى فأتخذه مصلى قال: فقال رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وسلم سأفعل إن شاء اللَّه. قال عتبان: فغدا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق حين ارتفع النهار فاستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال: أين تحب أن أصلى من بيتك؟ قال: فأشرت إلى ناحية من البيت فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم. الحديث.
وقد رفع اللَّه تبارك وتعالى الحرج على الأعمى فقال {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} فى مكانين من كتاب اللَّه الكريم. ولا معارضة بين الحديث الذى نحن بسياق بحثه وحديث عتبان بن مالك لأن الأمر فى حق الأعمى بإجابة النداء يكون أمر إرشاد إلى الأفضل متى تيسر له حتى لا يتخذ الصلاة فى البيت قاعدة ولذلك أطلق له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرخصة أولًا. وأما ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أم مكتوم قال: قلت يا رسول اللَّه أنا ضرير شاسع الدار ولى قائد لا يلائمنى فهل تجد فى رخصة أن أصلى فى بيتى؟ قال أتسمع النداء؟ قال: نعم قال: ما أجد لك رخصة. فقد أشار الشوكانى فى نيل الأوطار إلى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد علم منه أنه يمشى بلا قائد لحذقه وذكائه كما هو مشاهد فى بعض العميان إذ يمشى بلا قائد لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى أو بتكرر المشى إليه استغنى عن القائد ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} وفى أمر الأعمى بحضور الجماعة مع عدم القائد ومع شكايته من كثرة السباع والهوام فى طريقه غاية الحرج اهـ. قلت: وفى التقييد بالإجابة على سماع النداء ما يشعر بأن الأمر يختلف باختلاف المؤذنين والسامعين فقد يسمع البعيد النداء ولا يسمعه القريب. ولا شك أن هذا الحديث مشعر بوجوب الجماعة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الحض على السعى إلى المساجد إذا سمع النداء.
2 -
أن العذر منه ما يقبل ومنه ما لا يقبل.
5 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر. رواه ابن ماجه والدارقطنى وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم لكن رجح بعضهم وقفه.
[المفردات]
النداء: أى الأذان.
فلم يأت: أى فلم يحضر إلى المسجد لصلاة الجماعة.
إلا من عذر: أى إلا إذا كان قد حبسه العذر يعنى من مطر أو مرض أو نحوه.
[البحث]
قال ابن ماجه: حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطى أنبأنا هشيم عن شعبة عن عدى بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر. قال الحافظ فى تلخيص الحبير: إسناده صحيح لكن قال الحاكم: لكن وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة ثم أخرج له شواهد منها عن أو موسى الأشعرى وهو من طريق أبى بكر بن عياش عن أبى حصين عن أبى بردة عنه بلفظ: من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ورواه البزار من طريق قيس بن الربيع عن أبى حصين أيضًا ورواه من طريق سماك عن أبى بردة عن أبيه موقوفًا وقال البيهقى: الموقوف أصح. ورواه العقيلى فى الضعفاء من حديث جابر وضعفه، ورواه ابن عدى من حديث أبى هريرة وضعفه اهـ. كما
ذكر الحافظ فى التلخيص أيضًا أن أبا داود والدارقطنى قد رويا من حديث أبى جناب الكلبى عن مغراء العبدى عن عدى بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر، قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل اللَّه الصلاة التى صلى. قال الحافظ: وأبو جناب ضعيف ومدلس وقد عنعن وقد رواه قاسم بن أصبغ فى مسنده موقوفًا ومرفوعا من حديث شعبة عن عدى بن ثابت به ولم يقل فى المرفوع، إلا من عذر. اهـ. وقد أخرج الطبرانى فى الكبير من حديث أبى موسى عنه صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يجب من غير ضرر ولا عذر فلا صلاة له. قال الهيثمى فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة وسفيان الثورى وضعفه جماعة.
6 -
وعن يزيد بن الأسود رضى اللَّه عنه أنه صلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما صلى رسول اللَّه إذا هو برجلين لم يصليا فدعا بهما فجى بهما ترعد فرائصهما. فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا فى رحالنا قال: إذا صليتما فى رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنه لكما نافلة. رواه أحمد واللفظ له والثلاثة وصححه الترمذى وابن حبان.
[المفردات]
يزيد بن الأسود: هو يزيد بن الأسود السوائى ويقال ابن أبى الأسود الخزاعى ويقال العامرى حليف قريش
معدود فى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال ابن سعد: إنه مدنى، وقال خليفة سكن الطائف. وقال ابن حبان: مكى وقال أبو عيسى الترمذى: حجازى. ذكر أنه شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجته وصلى معه الصبع فى مسجد الخيف.
لم يصليا: أى معه.
ترعد: أى تهتز وترتجف من الخوف.
فرائصهما: الفرائص جمع تكسير لفربصة والفريصة واحدة الفريص وهو أوداج العنق والفريص اسم جنس جمعى يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وبقر وبقرة، والفريصة اللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد أى ترجف من الخوف.
فى رحالنا: أى منازلنا جمع رحل ويطلق على المنزل وعلى غيره والمراد هنا المنزل.
نافلة: أى تطوعا.
[البحث]
جاء فى رواية أبى داود عن يزيد بن الأسود رضى اللَّه عنه أنه صلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب فلما صلى إذا رجلان لم يصليا فى ناحية المسجد فدعا بهما. . الخ الحديث. ولفظ الترمذى: شهدت مع النبى صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح فى مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين فى أخرى القوم لم يصليا معه فقال: علىَّ بهما" فجئ
بهما ترعد فرائصهما فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول اللَّه كنا قد صلينا فى رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة. ثم قال الترمذى وفى الباب عن محجن بن يزيد بن عامر قال أبو عيسى: حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق قالوا: إذا صلى الرجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلوات كلها فى الجماعة وإذا صلى الرجل المغرب وحده ثم أدرك الجماعة قالوا فإنه يصليها معهم ويشفع بركعة والتى صلى وحده هى المكتوبة عندهم اهـ. وقد أشار الحافظ فى تلخيص الحبير إلى أن هذا الحديث قد رواه كذلك الدارقطنى والحاكم وصححه ابن السكن كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر ابن يزيد بن الأسود عن أبيه وقال الشافعى فى القديم: إسناده مجهول. قال البيهقى لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى قلت: يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائى وغيره اهـ. والمعنى الذى دل عليه الحديث من أن من صلى وحده يعيد مع الجماعة إن أدركهم قد رواه مسلم فى صحيحه من حديث أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت فما تأمرنى؟ قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة. وفى لفظ لمسلم من حديث أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنه سيكون بعدى أمراء يميتون الصلاة، فصل الصلاة لوقتها فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من صلى وحده ثم أدرك الجماعة صلى معهم.
2 -
أن الصلاة التى صلاها مع الإمام تكون نافلة.
7 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبَّر فكبِّروا ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين. رواه أبو داود وهذا لفظه وأصله فى الصحيحين.
[المفردات]
جعل الإمام: أى نصب الإمام وشرعت إمامته.
ليؤتم به: أى ليقتدى به.
فإذا كبر فكبروا: أى تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الانتقال.
ولا تكبروا حتى يكبر: أى لا تسابقوه أو تقارنوه بالتكبير بل تابعوه إذا بدأ فابدءوا بعد بدئه.
ولا تركعوا حتى يركع: أى لا تسابقوه أو تقارنوه بالتكبير بل تابعوه إذا بدأ بالركوع فابدءوا بعده بالركوع وليس المراد لا تركعوا حتى ينتهى من ركوعه.
ولا تسجدوا حتى يسجد: أى لا تسابقوه أو تقارنوه بالسجود بل تابعوه وقد روى البخارى فى صحيحه من حديث البراء رضى اللَّه عنه: قال كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبى صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده.
أجمعين: بالنصب على الحال أى جلوسا مجتمعين أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال: أعنيكم أجمعين، أما رواية الرفع أجمعون، وهى فى جميع الطرق فى الصحيحين عدا رواية همام فقد اختلف الرواة فيها فرواها بعضهم عن همام بالنصب. ورواية الرفع على أنها تأكيد لضمير الفاعل فى قوله صلوا.
[البحث]
قد روى البخارى هذا الحديث فى صحيحه عن غيره واحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمن حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون. ورواه من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما
جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. ورواه من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد وإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون. قال أبو عبد اللَّه قال الحميدى: قوله إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا هو فى مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبى صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بالقعود وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم فى صحيحه هذا الحديث من طريق أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنما الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون. وفى لفظ: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد وإذا صلى
قائما فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ورواه من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشتكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالسا فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. ورواه من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: سقط النبى صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الايمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا فصلينا وراءه فعودا فلما قضى الصلاة قال: إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون. ورواه عن جابر رضى اللَّه عنه قال: اشتكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت الينا فرآنا قياما فأشار الينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال: أن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، أن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا" وقد رأيت ما أشار إليه البخارى رحمه الله عن شيخه الحميدى رحمه الله أن آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن صلى فى مرض موته قاعدا والناس خلفه قياما.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم مسابقة الإمام بالتكبير أو بالركوع أو السجود.
2 -
كراهية مقارنة الإمام بالتكبير أو بالركوع أو بالسجود.
3 -
وجوب متابعة الامام.
4 -
عدم جواز تقدم المأموم على الإمام.
5 -
أن المقتدى يكتفى بقوله: ربنا ولك الحمد أو اللهم ربنا لك الحمد بعد قول الإمام سمع اللَّه لمن حمده.
8 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى فى أصحابه تأخرا فقال: تقدموا فائتموا بى وليأتم بكم من بعدكم. رواه مسلم.
[المفردات]
تأخرا: أى تخلفا عن الصفوف الأولى والاكتفاء بالوقوف فى مؤخرة المسجد.
تقدموا: أى اقتربوا وائتوا الصف الأول فالذى يليه. . . الخ.
وليأتم بكم من بعدكم: أى وليستدل من بعدكم من أهل الصفوف على أفعال بأفعالكم وليس معناه أن يعتبر أهل الصفوف المتأخرة أهل الصفوف المتقدمة أئمة لهم بل الإمام للجميع واحد
[البحث]
جاء فى بعض روايات هذا الحديث عند مسلم بيان موضع تأخر هؤلاء الأصحاب رضى اللَّه عنهم هو أنه رآهم فى مؤخرة المسجد ففى رواية الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قوما فى مؤخر المسجد فذكر مثله. والرواية التى ساقها المصنف قد أخرجها مسلم من طريق أبى الأشهب عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى فى أصحابه تأخر فقال لهم تقدموا فأتموا بى وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه. وفى هذا إشعار بأن المقصود هو الحض على الصف الأول وإتمام الصفوف وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرآما حلقا فقال: مال أراكم عزين؟ ثم خرج علينا فقال: إلا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول اللَّه وكيف تصف الملائكة عند ربها قال: يتمون الصفوف الأولى ويتراصون فى الصف.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز الاكتفاء بمعرفة أفعال الإمام فى المساجد الكبرى يواسطة الصفوف المتقدمة أو المبلغ.
2 -
الحض على الصف الأول.
3 -
كراهة اختيار مؤخرة المسجد للصف فيه.
9 -
وعن زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه قال: احتجر
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجرة بخصفة فصلى فيها فتتبع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته. الحديث وفيه أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة. متفق عليه.
[المفردات]
احتجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجرة بخصفة: أى اتخذ لنفسه موضعا منفردا يصلى فيه محوطا بحصير يخلو بنفسه داخله. والخصفة واحدة الخصف وهو والحصير بمعنى واحد.
فتتبع إليه رجال: أى طلبه رجال واجتمعوا إليه ليصلوا معه.
الحديث: أى إلى آخر الحديث.
وفيه: أى وفى الحديث.
[البحث]
ساق مسلم فى هذا الحديث من طريق بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه بلفظ: احتجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى فيها قال: فتتبع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنهم قال: فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة فى بيوتكم فإن خير صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة. وفى لفظ له عن زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة فى المسجد من حصير فصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها ليالى حتى
اجتمع إليه ناس. فذكر نحوه وزاد فيه: ولو كتب عليكم ما قمتم به. أما لفظ البخارى من حديث بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة قال: حسبت أنه قال من حصير فى رمضان فصلى فيها ليالى فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال: قد عرفت الذى رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس فى بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز أن يتخذ الامام مكانا خاصا فى المسجد كالخلوة للصلاة فيه فى بعض الأوقات.
2 -
جواز الاقتداء بالرجل فى النافلة وإن لم ينو الجماعة.
3 -
أن صلاة النافلة فى البيت أفضل من صلاتها فى المسجد.
4 -
صلاة المكتوبة بجماعة فى البيت لا تعدل صلاتها فى المسجد.
10 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: صلى معاذ بأصحابه العشاء فطول عليهم فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تكون يا معاذ فتانا، إذا أممت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يخشى. متفق عليه واللفظ لمسلم.
[المفردات]
فطول عليهم: أى قرأ فى صلاته قراءة طويلة فطالت بها الصلاة
أتريد: أى أترغب.
فتانا: أى تريد أن توقع الناس لى الفتنة وتتسبب فى تفريق جماعتهم.
إذا أممت الناس: أى إذا صرت إماما لهم فى الصلاة.
[البحث]
لفظ الحديث عند مسلم من طريق جابر رضى اللَّه عنه أنه قال: صلى معاذ بن جبل الأنصارى لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصل فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره ما قال معاذ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أتريد أن تكون فتانا يا معاذ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى. أما لفظ البخارى من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يصلى فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذ فقال النبى يا معاذ أفتان أنت أو أفاتن -ثلاث مرات- فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى. فإنه يصلى وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
البعد عن أسباب فتنة الناس.
2 -
استحباب مراعاة الإمام لأحوال المأمومين.
3 -
استحباب التخفيف فى القراءة دون إضاعتها.
4 -
أن هذه السور التى ذكرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تعتبر أمثلة للتخفيف.
5 -
إذا صلى الانسان وحده أو مع شخص مخصوص يرغب الاطالة فلا بأس بذلك.
11 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها فى قصة صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض قالت: فجاء حتى جلس عن يسار أبى بكر فكان يصلى بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر. متفق عليه.
[المفردات]
وهو مريض: أى مرض الموت.
عن يسار أبى بكر: أى صار أبو بكر رضى اللَّه عنه عن يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكأنه تحول إلى موقف المأموم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى موقف الإمام.
يقتدى أبو بكر: أى يأتم أبو بكر رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قصة صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض أوردها البخارى فى باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ولفظها عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر يصلى بالناس: فقلت: إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس فلو
أمرت عمر فقال: مروا أبا بكر أن يصلى بالناس. فقلت لحفصة: قولى له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لم يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال: إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلى بالناس، فلما دخل فى الصلاة وجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان فى الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبو بكر فكان أبو بكر يصلى قائما وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى قاعدا، يقتدى أبو بكر بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر رضى اللَّه عنه. وظاهر هذا الحديث مشعر أن الإمام قد تحول مأموما وصار شبيها بالإمام يعرض له عارض يمنعه من تمام صلاته إماما فيستخلف، كما أن قولها رضى اللَّه عنها: والناس يقتدون بصلاة أبى بكر -أى يتابعونه لأنه هو الذى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهو شبيه بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تقدموا فأتموا بى وليأتم بكم من بعدكم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز اقتداء القائم بالقاعد.
2 -
جواز تحول الإمام إلى موقف المأموم إذا حدث له ما لا يتمكن معه من تمام صلاته إماما.
3 -
جواز الصلاة خلف إمام لا يسمع أكثر الصفوف صوته ويتابعونه تبعًا للأقرب منه.
12 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء. متفق عليه.
[المفردات]
أم أحدكم الناس: أى صار إماما لهم فى الصلاة.
فليخفف: أى فليقرأ من غير تطويل ولا يطل الركوع والسجود إطالة قد تدعو إلى الملل على أن يكون كل ذلك فى تمام من غير تضييع للأركان والمراد أن يكون على حد الاعتدال.
فيهم: أى فى الناس المأمومين.
والضعيف: أى المريض أو ناقص الخلقة.
ذا الحاجة: أى ذا الشغل.
[البحث]
هذا الحديث من أعظم قواعد السياسة الشرعية، وقد شددت الشريعة النكير على من يشق على من ولاه اللَّه أمرهم ويثقل عليهم، وهو من أهم أسباب التألف والتواد بين الإمام والمأمومين ولذلك كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لرسله: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا فى تطاوعوا ولا تختلفوا" وأن على الإمام أن يراعى أحوال المأمومين ولذلك روى البخارى ومسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبى فأتجوز فى صلاتى مما
أعلم من شدة وجد أمه من بكائه. وإذا كان بعض من فى المسجد يرغب التطويل والبعض الآخر فيهم ما وصف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الصغير والكبير وذى الحاجة فإنه ينبغى له أن يخفف لأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وليس معنى التخفيف أن يصل إلى حد عدم الطمأنينة فى قيامه وقراءته وركوعه وسجوده بل التخفيف أن يؤدى الصلاة دون تضييع شئ من واجباتها وأركانها. وقد روى البخارى ومسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها، وفى رواية لهما عنه رضى اللَّه عنه: ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبى صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان الإنسان يصلى وحده أو مع شخص أو أشخاص رغبوا جميعًا فى تطويل الصلاة فلا بأس فى ذلك ولا حرج.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب مراعاة الإمام لأحوال المأمومين.
2 -
أنه ينبغى على الأئمة عدم التطويل.
3 -
ينبغى على من ولاه اللَّه أمر قوم أن يرفق بهم.
4 -
لا بأس على من صلى وحده أن يطول ما شاء.
13 -
وعن عمرو بن سلمة رضى اللَّه عنه قال: قال أبى: جئتكم من عند النبى صلى الله عليه وسلم حقا قال: فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا. قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى فقدمونى وأنا ابن ست أو سبع سنين، رواه البخارى وأبو داود والنسائى.
[المفردات]
عمرو بن سلمة: هو عمرو بن سلمة بن قيس أو ابن نفيع أو ابن لأى الجرمى أبو بريد أو أبو يزيد قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: روى ابن مندة فى كتاب الصحابة حديثه من طريق صحيحة وهى رواية حجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة، عن أيوب عن عمرو بن سلمة قال: كنت فى الوفد الذين وفدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهذا تصريح بوفادته وقد روى أبو نعيم فى الصحابة أيضًا من طريق يقتضى ذلك وقال ابن حبان: له صحبة. اهـ وعداده فى البصرين.
أبى: هو سلمة بن قيس أو نويفع أو لأى الجرمى.
اكثركم قرآنا: أى أكثركم جمعا للقرآن وحفظا له يعنى يكون محفوظة من القرآن أكثر من غيره.
فقدمونى: أى فجعلونى إماما لهم.
[البحث]
حديث عمرو بن سلمة هذا أورده البخارى فى غزوة الفتح عن عمرو قال: كنا بما ممر الناس -وفى نسخة بما فى ممر الناس- وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله أوحى إليه، أوحى اللَّه بكذا. فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقر فى صدرى، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه
فإنه إن ظهر عليهم فهو نبى صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبى قومى بإسلامهم فلما قدم قال:
جئتكم واللَّه من عند النبى صلى الله عليه وسلم حقا، فقال: صلوا صلاة كذا فى حين كذا، وصلوا صلاة كذا فى حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا" فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى لما كنت أتلقى من الركبان فقدمونى بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علىَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عنى فقالت امرأة من الحى: ألا تغطون عنا است قارئكم فاشتروا فقطعوا لى قميصا فما فرحت بشئ فرحى بذلك القميص.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تقديم الأكثر قرآنا فى إمامة الصلاة.
2 -
جواز إمامة الصبى المميز إذا لم يوجد من البالغين من يحفظ من القرآن مثله.
14 -
وعن أبى مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سلما. وفى رواية: سنا ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه. رواه مسلم.
ولابن ماجه من حديث جابر رضى اللَّه عنه: ولا تؤمن امرأة رجلًا ولا أعرابى مهاجرا ولا فاجرا مؤمنا. وإسناده واه.
[المفردات]
وعن أبى مسعود: جميع النسخ التى طبعت من شرح سبل السلام بمختلف طبعاتها فيها: وعن ابن مسعود وهو وهم وخطأ.
أقرؤهم: أى أكثرهم جمعا للقرآن أو أكثرهم تجويدا للقرآن
فأعلمهم بالسنة: أى أفقهم فى الدين وأعلمهم بأحوال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
سلما: أى إسلاما.
وفى رواية: أى من حديث أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه.
سِنًا: أى الأكبر فى السن يقدم على من دونه فيه.
فى سلطانه: أى فى محل ولايته وحكمه أى إذا كان الوالى عالمًا بما تصح به الصلاة.
وعلى تكرمته: أى موضع أعد لاكرامه كوضع وسادة يتكئ عليها أو فرش خاص يجلس عليه.
وإسناده واه: أى إسناد حديث جابر عند ابن ماجه ضعيف ساقط لأنه من رواية عبد اللَّه بن محمد العدوى عن على بن زيد بن جدعان والأول متهم بوضع الحديث والثانى ضعيف.
[البحث]
لفظ حديث أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه عند مسلم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم
لكتاب اللَّه، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سلما، ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه ثم قال مسلم: قال الأشج فى روايته مكان سلما: سنا.
وفى لفظ لمسلم عن أبى مسعود رضى اللَّه عنه قوله: قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا تؤمن الرجل فى أهله ولا فى سلطانه ولا تجلس على تكرمته فى بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
ترتيب درجات الأئمة وتقديمهم على حسب هذه الدرجات.
2 -
الوالى أحق بالامامة فى ولايته ما دام يعلم ما تصح به الصلاة.
3 -
تقديم صاحب البيت على غيره للإمامة ما دام يعلم ما تصح به الصلاة.
4 -
كراهية جلوس الضيف فى المكان المخصص لصاحب البيت إلا أن يأذن له.
15 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينهما، وحاذوا بالأعناق. رواه أبو داود
والنسائى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
رصوا صفوفكم: أى تلاصقوا فى صفوفكم واجعلوها كأنها البنيان المرصوص لا خلل فيها.
وقاربوا بينها: أى لا تتركوا مسافات واسعة بين الصفين.
وحاذوا بالأعناق: أى اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون عنق كل واحد من المصلين فى الصف موازيا بالعنق الآخر ومساويا له.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبان عن قتادة عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذى نفسى بيده إنى لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف" أى كأنها الغنم السود الصغار من غنم الحجاز، وتسوية الصفوف والتراص بها وإقامتها من الأمور التى كان يحرص عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد روى البخارى فى صحيحه من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإنى أراكم من وراء ظهرى" وفى رواية للبخارى عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة" ورواه مسلم إلا أنه قال: من تمام الصلاة. كما روى مسلم من حديث بن أبى مسعود
الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. كما روى مسلم من حديث النعمان بن بشر رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسوى صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلًا باديا صدره من الصف فقال: عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم" كما روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: وأقيموا الصف فى الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تأكيد الحرص على تسوية الصفوف.
2 -
أن تسوية الصفوف من تمام الصلاة.
3 -
إقامة الصف من حسن الصلاة.
4 -
لا ينبغى ترك خلل فى الصف.
5 -
استحباب تقارب الصفوف.
16 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجل أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. رواه مسلم.
[المفردات]
خير صفوف الرجال: أى أفضل صفوف الرجال أجرا.
شرها: أى أقلها ثوابا وأجرا.
وخير صفوف النساء: أى أفضل صفوف النساء المصليات جماعة مع جماعة الرجال.
[البحث]
سبب خيرية الصف الأول من صفوف الرجال أن أهل الصف الأول مع حرصهم على التقدم للصلاة يكونون أعلم بحال الإمام وأكثر متابعة له، ولما كانت شريعة الإسلام تحرص على سلامة قلوب الرجال والنساء من أدران الشبهات ووساوس الشيطان، وأن مجاورة الرجال للنساء ومجاورة النساء للرجال قد يتخذها الشيطان وسيلة لبذر سمومه عمل الإسلام على سد هذه الذريعة التى قد تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه فحض النساء على ألا يحرصن على الصف الأول من صفوف النساء وحض الرجال على ألا يحرصوا على الصف الآخر من صفوف الرجال. وقد أشار النووى إلى أنه لو صلت النساء بجماعة لا يرون الرجال ولا يراهن الرجال فإنه حينئذ يكون خير الصفوف النساء أولها وشرها آخرها، على أنه قد وردت الأخبار الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحض على الصف الأول فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما فى النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه. وفى رواية للبخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ولو يعلمون ما فى الصف المقدم لاستهموا" وفى رواية لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون -أو يعلمون- ما فى الصف المقدم لكانت
قرعة: وقال ابن حرب: الصف الأول ما كانت إلا قرعة. كما أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يليه أولو الأحلام والنهى فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وإنما كان ذلك كذلك لأن الذين يصلون خلف الإمام مباشرة إذا كانوا من أهل الأحلام والنهى وذوى العقول الراجحة نقلوا إلى الناس علم إمامهم الذى يشاهدونه منه مع تذكيره لو نسى وبخلاف ما إذا كان الغالب على من حول الإمام الجهل فإنهم يحملون كلامه على غير محمله ويطيرونه كل مطير بلا حق ولا يذكرونه إذا نسى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الصف الأول خير صفوف الرجال.
2 -
وأن الصف الأول من صفوف النساء هو شرها.
3 -
حض الرجال على الابتعاد عن مخالطة أو الدنو من النساء الأجنبيات.
4 -
حض النساء على الابتعاد عن مخالطة أو الدنو من الرجال الأجانب.
5 -
تحذير أهل الخير من مكر الشيطان بهم.
6 -
اختلاط الرجال بالنساء مفسدة مهما كانت المقاصد.
17 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: صليت مع
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برأسى من ورائى فجعلنى عن يمينه" متفق عليه.
[المفردات]
ذات ليلة: يعنى فى إحدى الليالى التى بات فيها عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بيت خالته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضى اللَّه عنها وقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل.
فقمت: أى فصففت.
عن يساره: أى بجانبه من جهة يساره.
فأخذ برأسى: أى أمسك برأسى.
من ورائى: أى من مؤخر الرأس.
فجعلنى عن يمينه: أى فصيرنى بجانبه من جهة يمينه.
[البحث]
هذا اللفظ الذى ساقه المصنف هنا هو لفظ البخارى وقد أورد مسلم فى صحيحه هذا الحديث بألفاظ منها: فقمت عن يساره فتناولنى من خلف ظهره فجعلنى عن يمينه -ومنها- ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدى من وراء ظهره يعدلنى كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن -ومنها- فجئت فقمت إلى جنبه فقمت عن يساره قال: فأخذنى فأقامنى عن يمينه -ومنها- ثم جئت فقمت عن يساره فأخلفنى فجعلنى عن يمينه" ومعنى أخلفنى أى أدارنى من خلفه -ومنها- فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدى
فجعلنى من شقه الأيمن -ومنها- فقمت عن يساره فأخذنى فجعلنى عن يمينه -ومنها- فقمت عن يساره فأخذ بيدى فأدارنى عن يمينه -ومنها- فقمت إلى جنبه فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسى وأخذ بأذنى اليمنى يفتلها" ويبدو أن هذا اللفظ الأخير إنما كان فى أثناء الصلاة عندما كان يحس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ابن عباس أصابه نعاس فكان يضع يده على رأسه ويفتل أذنه أى يدلكها ليذهب النوم عنه كما جاء فى بعض الروايات عند مسلم: فقمت الى جنبه الأيسر فأخذ بيده فجعلنى من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذنى. وكأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى أثناء تعديل موقف ابن عباس رضى اللَّه عنهما جمع بين أخذ رأسه من مؤخرها وأخذ يده حتى أقامه عن يمينه صلى الله عليه وسلم كأن يأخذ رأسه بيده اليسرى ليديره من وراء ظهره ثم إذا اقترب من الجهة اليمنى أخذ بيده ليقيمه بجنبه الأيمن.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز صحة الاقتداء فى التنفل وإن لم ينو الإمام الجماعة.
2 -
أنه إذا كان المأموم شخصا واحدا قام عن يمين الإمام.
3 -
أن موقف الإمام يكون عن يسار المأموم إذا كان المأموم واحدا.
4 -
أن مثل هذا العمل فى الصلاة لا يبطلها ولا كراهة فيه.
18 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا. متفق عليه واللفظ للبخارى.
[المفردات]
ويتيم: هذا اليتيم هو ضميرة بن أبى ضميرة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو جد حسين ابن عبد اللَّه ابن ضميرة. وأصل اليتم الانفراد ويطلق على من دون البلوغ من بنى آدم ممن فقد أباه وعلى ما لم يكتسب لنفسه من الحيوانات ممن فقد أمه.
أم سليم: هى الغميصاء أو الرميساء والدة أنس بن مالك رضى اللَّه عنهما واسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو أنيفة وهى بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية الجليلة رضى اللَّه عنها. وقد اشتهرت بكنيتها وتوفيت فى خلافة عثمان رضى اللَّه عنهما.
[البحث]
روى البخارى ومسلم فى صحيحهيما من طريق إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فأصلى لكم" قال أنس بن مالك فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى
لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف وقد ادعى بعض أهل العلم أن مليكة هذه هى أم سليم والدة أنس رضى اللَّه عنهما وأنها جدة الراوى عن أنس وهو إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، وأنس أخو عبد اللَّه والد إسحاق لأمه. فجعل هذا الحديث وحديث الباب واحدا والضمير فى جدته يعود إلى إسحاق، قال الحافظ فى فتح البارى: جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووى. وجزم ابن سعد وابن منده وابن الحصار بأنها جدة أنس والدة أم سليم وهو مقتضى كلام إمام الحرمين فى النهاية ومن تبعه وكلام عبد الغنى فى العمدة وهو ظاهر السياق ويؤيده ما رويناه فى فوائد العراقيين لأبى الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمى عن عبيد اللَّه ابن عمر عن إسحاق بن أبى طلحة عن أنس قال: أرسلتنى جدتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة. . الحديث اهـ، وقد ترجم ابن سعد فى الطبقات لأم سليم والدة أنس رضى اللَّه عنهما ثم قال: وأمها مليكة بنت مالك بن عدى وأشار الى أنها من مالك بن النجار. ولا مانع من تعدد قصة صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بيت خادمه أنس بن مالك رضى اللَّه عنه وأنه صلى مرة بأم سليم والدة أنس ومرة بمليكة جدة أنس رضى اللَّه عنهم ولا مانع أن يكون إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة حدث مالكا بقصة مليكة وحدث سفيان بن عيينة بقصة أم سليم فإن الحديث الذى فيه مليكة من رواية لمالك عن إسحاق والذى فيه أم سليم من رواية سفيان عن إسحاق واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من دون البلوغ يعتبر مع الرجل الواحد صفا.
2 -
وأن المرأة تقوم وحدها فتعتبر صفا.
3 -
لا تصف المرأة مع الرجال أو الصبيان.
19 -
وعن أبى بكرة رضى اللَّه عنه أنه انتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: زادك اللَّه حرصا ولا تعد" رواه البخارى. زاد أبو داود فيه: فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف.
[المفردات]
وهو راكع: أى ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راكع.
فركع قبل أن يصل إلى الصف: أى كبر للتحريمة وركع قبل أن يصل إلى الصف.
زادك اللَّه حرصا: أى منحك اللَّه من الحرص على الخير والرغبة فى الصلاة وعدم تضييعها وإدراك فضيلة الجماعة أكثر مما أنت عليه من الحرص.
زاد أبو داود فيه: أى فى حديث أبى بكرة رضى اللَّه عنه.
ولا تعد: بفتح التاء وضم العين قال الحافظ فى فتح البارى ولا تعد أى إلى ما صنعت من السعى الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشى إلى الصف.
[البحث]
لفظ أبى داود من طريق الحسن أن أبا بكرة جاء ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم الذى ركع دون الصف ثم مشى إلى
الصف فقال أبو بكرة: أنا. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: زادك اللَّه حرصا ولا تعد. وسند أبى داود هو نفس سند البخارى ما عدا شيخ شيخهما فهو عند البخارى همام وعند أبى داود حماد يعنى ابن سلمة وحماد بن سلمة من رجال مسلم وأخرج له البخارى فى التاريخ. والزيادة التى جاءت فى رواية أبى داود تفيد أنه عندما ركع كان بينه وبين الصف مسافة يوصف التحرك فيها للدخول إلى الصف بأنه مشى. وهذا النهى الوارد فى هذا الحديث يشعر بأنه صار من المنهى عنه أن يركع الانسان دون الصف ثم يدخل فى الصف. قال الحافظ فى فتح البارى: (تنبيه) قوله "ولا تعد" ضبطناه فى جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الاعادة ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة فى آخره عند الطبرانى "صل ما أدركت واقض ما سبقك" وروى الطحاوى بإسناد حسن عن أبى هريرة مرفوعا: إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف. اهـ وقد صحت الأخبار عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التى تحض من جاء إلى الصلاة أن يأتيها بسكينة ووقار وألا يهرول حتى ولو سمع الاقامة فما أدرك مع الإمام صلى وما فاته قضى كما سيجئ قريبا عند الكلام على الحديث رقم 21.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الحض على إدراك فضيلة الجماعة.
2 -
النهى عن الركوع قبل الصف.
3 -
استحباب موافقة الداخل للامام على أى حال وجده عليها.
20 -
وعن وابصة بن معبد الجهنى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة. رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وصححه ابن حبان. وله عن طلق رضى اللَّه عنه: لا صلاة لمنفرد خلف الصف. وزاد الطبرانى فى حديث وابصة رضى اللَّه عنه: ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلا.
[المفردات]
وابصة بن معبد: هو وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك بن الحارث الأسدى -أسد خزيمة- يقال له: أبو سالم أو أبو الشعثاء أو أبو سعيد. وفد على النبى صلى الله عليه وسلم سنة تسع ثم رجع إلى بلاد قومه. نزل الكوفة ثم تحول إلى الحيرة ومات بالرقة.
وحده: أى منفردا خلف الصف.
وله: أى ولابن حبان.
عن طلق: هو طلق بن على اليمامى الحنفى.
رزاد الطبرانى: فى الأوسط.
ألا دخلت معهم: أى صففت معهم فى صفهم إن وجدت سعة.
أو اجتررت رجلا: أى جذبت رجلا من الصف ليكون معك صفا إن لم تجد سعة فى صفهم.
[البحث]
حديث وابصة رضى اللَّه عنه عند أحمد وأبى داود والترمذى بإسناد وصفه الترمذى بأنه حسن ورواه أحمد من حديث على بن شيبان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له: استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الضف، وقال الأثرم عن أحمد: هو حديث حسن، أما لفظ الطبرانى من حديث وابصة فقد أشار الحافظ فى التلخيص أنه أخرجه كذلك البيهقى وأنه عندهما من رواية السرى بن اسماعيل وهو متروك وقد أشار الترمذى إلى اضطراب فى حديث وابصة حيث جاء مرة فى سنده عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن وابصة. ومرة عن عمرو بن مرة عن هلال ابن يساف عن زياد بن أبى الجعد عن وابصة. ومرة عن عمرو ابن مرة عن زياد بن أبى الجعد عن وابصة. وزياد بن أبى الجعد وصفه الحافظ فى التقريب بأنه مقبول. وقال ابن عبد البر: إنه مضطرب الاسناد ولا يثبته جماعة من أهل الحديث وقد تقدم فى حديث أبى بكرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له لما ركع دون الصف: ولا تعد. ولم يثبت فى حديث صحيح أن أحدا أكمل الصلاة خلف الصف منفردا فى عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
21 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة
والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. متفق عليه واللفظ للبخارى.
[المفردات]
وعليكم السكينة والوقار: قال النووى السكينة التأنى فى الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك والوقار خفض الصوت والإقبال على الطريق بغير التفات ونحو ذلك.
[البحث]
قد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما بن حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. وهذا لفظ البخارى وعنون البخارى فى كتاب الجمعة من صحيحه فقال: باب المشى إلى الجمعة وقول اللَّه جل ذكره {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ومن قال السعى: العمل والذهاب لقوله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} ثم ساق بسنده عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وإنما حضت الشريعة على المجئ إلى الصلاة بسكينة ووقار لان الانسان فى صلاة ما دام قد خرج إلى الصلاة فقد جاء فى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه: إذا كان أحدكم يعمد إلى الصلاة فهو فى صلاة" وما دام فى هذا الخير فليأت بالسكينة والوقار ولا يكبر تكبيرة الإحرام حتى يدخل فى الصف ويتابع
الإمام على الحال التى يكون عليها فإن أدركه راكعا وركع معه فقد أدرك الركعة. فقد نسب مجد الدين عبد السلام بن تيمية فى كتابه منتقى الأخبار إلى البخارى ومسلم أنهما أخرجا فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة. وقد جاء فى الحديث المتفق عليه. وما فاتكم فأتموا. وجاء فى رواية لمسلم عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلفظ: وصل ما أدركت واقض ما سبقك. ولا مغايرة بين القضاء والإتمام هنا فإن مثل هذه الالفاظ قد تتعاور ويقصد منها معنى واحد ومن ذلك قول كثير عزة الشاعر:
قضى كل ذى دين فوفى غريمه
…
وعزة ممطول معنى غريمها
فقد استعمل قضى بمعنى أدى ووفى. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهة الهرولة عند المجئ إلى الصلاة.
2 -
ينبغى الإتيان إلى الصلاة بسكينة ووقار.
3 -
ينبغى الدخول مع الإمام على الحال التى يكون عليها.
4 -
أن من أدرك الإمام وصلى معه بعض الصلاة اعتبر مصليا فى جماعة.
22 -
وعن أبى بن كعب رضى اللَّه عنه قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى اللَّه عز وجل. رواه أبو داود والنسائى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
أزكى: أى أنمى وأطيب وأعظم أجرا.
من صلاته وحده: أى منفردا.
أكثر: أى من اثنين وراء الإمام.
فهو أحب إلى اللَّه: أى من اثنين وكلما زاد العدد زادت المحبة.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه: حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن أبى إسحاق عن عبد اللَّه بن أبى بصير عن أبى بن كعب قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: أشاهد فلان؟ قالوا لا قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى اللَّه تعالى. أما النسائى فقال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة
عن أبى إسحاق أنه أخبرهم عن عبد اللَّه بن أبى بصير عن أبيه قال شعبة: وقال أبو إسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه، قال: سمعت أبى بن كعب يقول: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الصبح فقال: أشهد فلان الصلاة؟ قالوا: لا. قال: ففلان؟ قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا والصف الأول على مثل صف الملائكة ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه. وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحب إلى اللَّه عز وجل. فهذا الحديث عند أبى داود والنسائى من طريق شعبة عن أبى إسحاق عن عبد اللَّه بن أبى بصير هو العبدى الكوفى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: روى عن أبى بن كعب وعن أبيه عن أبى بن كعب وعنه أبو إسحاق السبيعى ولا يعرف له راو غيره ذكره ابن حبان فى الثقات. قلت: ذكر يحيى بن سعيد وغيره عن شعبة. قال قال أبو إسحاق سمعت يعنى الحديث المخرج له فى فضل صلاة الجماعة عن عبد اللَّه بن أبى بصير وعن أبيه عن أبى بن كعب، وكذا حكى ابن معين وعلى بن المدينى عن شعبة. وفى الحديث اختلاف على أبى إسحاق فرواه شعبة فى قول الجمهور عن أبى إسحاق عن عبد اللَّه بن أبى بصير عن أبيه عن أبى وتابعه زهير ابن معاوية وغير واحد منهم الثورى فى المشهور عنه عن أبى إسحاق ورواه ابن المبارك عن شعبة عنه عن عبد اللَّه عن أبى ليس فيه عن أبيه وكذا قال إسرائيل وغيره عن أبى إسحاق ورواه أبو الأحوص عن أبى إسحاق ورواه أبو إسحاق الفزارى عن الثورى
عن أبى إسحاق عن العيزار بن حريث عن أبى بصير وكذا رواه معمر الرقى عن حجاج عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عبد اللَّه بن أبى بصير قال الذهلى: والروايات فى محفوظة إلا حديث أبى الأحوص فإنى لا أدرى كيف هو؟ قلت تترجح الرواية الأولى للكثرة وأما عبد اللَّه بن أبى بصير فقد قال فيه العجلى كوفى تابعى ثقة أهـ على أن المعنى الذى يدل عليه هذا الحديث من أن الاثنين فما فوقهما جماعة قد بوب له البخارى فى صحيحه فقال: باب اثنان فما فوقهما جماعة وقد ساق البخارى فى الاستدلال على ذلك حديث مالك بن الحويرث رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما. وكذلك ما سبق من اقتداء ابن عباس برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى صلاة الليل وأما زيادة فضل الصلاة بزيادة عدد الجماعة فقد أشرت إلى ذلك عند الكلام على الحديث الأول من أحاديث باب صلاة الجماعة والإمامة.
23 -
وعن أم ورقة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
[المفردات]
أم ورقة: هى بنت عبد اللَّه بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية وقد تنسب إلى جد أبيها فيقال: أم ورقة بنت نوفل وهى صحابة ذكر أنها قتلت فى عهد عمر رضى اللَّه عنه على يد
غلامها وجاريتها.
تؤم أهل دارها: أى تكون إماما لأهل دارها فى الصلاة.
[البحث]
عنون أبو داود فى سننه لهذا الحديث بقوله: "باب إمامة النساء" ثم قال: حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا وكيع بن الجراح ثنا الوليد ابن عبد اللَّه بن جميع قال: حدثتنى جدتى وعبد الرحمن بن خلاد الأنصارى عن أم ورقة بنت نوفل أن النبى صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت: قلت له: يا رسول اللَّه ائذن لى فى الغزو معك أمرض مرضاكم لعل اللَّه أن يرزقنى شهادة قال: قرى فى ييتك فإن اللَّه تعالى يرزقك الشهادة قال: فكانت تسمى الشهيدة. قال كانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبى صلى الله عليه وسلم أن تتخذ فى دارها مؤذنا، فأذن لها قال: وكانت دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام فى الناس فقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما. فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة. . ثم قال أبو داود: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمى ثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث، بهذا الحديث والأول أثم قال: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يزورها فى بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها قال عبد الرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا، قال الحافظ فى تهذيب التهذيب فى ترجمة جميع جد الوليد بن عبد اللَّه الزهرى عن أم ورقة فى إمامتها النساء وعنه حفيده الوليد على اختلاف فيه.
قلت: هذه الترجمة من الأوهام التى لم ينبه عليها المزى بل تبع فيها صاحب الكمال وليست لجميع هذا رواية فى سنن أبى داود وإنما فيه: عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع حدثتنى جدتى عن أم ورقة وهكذا فى أكثر الطرق المروية فى كثير من المسانيد والأبواب. ووقع فى بعض طرق الطبرانى فى المعجم الكبير حدثنى جدي والظاهر أنه تصحيف للمخالفة وقد مشى الذهبى على هذا الوهم فقرأت بخطه فى كتاب الميزان: جميع لا يدرى من هو انتهى.
ثم قال الحافظ: وقد حسن الدارقطنى حديث أم ورقة فى كتاب السنن وأشار أبو حاتم فى العلل إلى جودته وأخرجه ابن خزيمة فى صحيحه اهـ. وقال فى ترجمة أم ورقة فى تهذيب التهذيب: روى حديثها الوليد عن جدته ليلى بنت مالك عن أبيها عن أم ورقة وقيل عن الوليد عن جده عن أم ورقة ليس بينهما أحد والوليد عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة وقيل عن عبد الرحمن بن خلاد عن أبيه عن أم ورقة قالت: استأذنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الغزو معه يوم بدر اهـ.
24 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى. رواه أحمد وأبو داود ونحوه لابن حبان عن عائشة رضى اللَّه عنها.
[المفردات]
استخلفه: أى استنابه.
يؤم الناس: أى يصلى إماما لهم.
وهو أعمى: أى وكان أعمى فاقد البصر.
[البحث]
حديث أنس هذا رواه أحمد وأبو داود بلفظ أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلى بهم وهو أعمى، وقد أخرجه ابن حبان عن عائشة بهذا اللفظ إلا أنه قال: يؤم الناس بدل يصلى بهم وقد ساق المصنف هذا الحديث للاستدلال على جواز إمامة الأعمى وقد تقدم عند الكلام على الحديث الرابع من أحاديث باب صلاة الجماعة والإمامة ما رواه البخارى ومسلم من طريق محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز أمامة الأعمى من غير كراهة.
2 -
جواز استخلاف الأعمى على الناس.
25 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلوا على من قال لا إله إلا اللَّه. وصلوا خلف من قال لا إله إلا اللَّه. رواه الدارقطنى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
صلوا على من قال. . الخ: أى صلوا عليه صلاة الجنازة.
صلوا خلف من قال: أى اقتدوا به إذا صلى إماما.
[البحث]
هذا الحديث رواه الدارقطنى من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عمر قال الحافظ فى تلخيص الحبير: وعثمان كذبه يحيى بن معين. ومن حديث نافع عنه وفيه خالد بن إسماعيل عن العمرى به وخالد متروك ثم قال: ومن طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وهو فى الطبرانى أيضا وله طريق أخرى من رواية عثمان بن عبد اللَّه العثمانى عن مالك عن نافع عن ابن عمر وعثمان رماه ابن عدى بالوضع اهـ. وقد روى أبو داود والدارقطنى واللفظ له: صلوا خلف كل بر وفاجر. قال العقيلى: ليس فى هذا المتن إسناد يثبت وكذا قال الدارقطنى.
26 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام. رواه الترمذى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
والإمام على حال: أى من أحوال الصلاة كالقيام أو الركوع أو الرفع منه أو السجود أو الجلسة بين السجدتين أو التشهد أو غيره.
فليصنع كما يصنع الإمام: أى فليقتد به على هذه الحال التى وجده عليها.
[البحث]
أخرج الترمذى هذا الحديث تحت عنوان: باب ما ذكر فى
الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع؟ قال: حدثنا هشام بن يونس الكوفى نا المحاربى عن الحجاج بن أرطأة عن أبى إسحاق عن هبيرة عن على وعن عمرو بن مرة عن ابن أبى ليلى عن معاذ بن جبل قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده إلا ما روى من هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام اهـ وقد رأيت فى السند المحاربى وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربى قال الحافظ فى التقريب لا بأس به وكان يدلس. وقد أخرج له الجماعة لكنه هنا قد عنعن. وفى السند الحجاج بن أرطأة قال الحافظ فى التقريب صدوق كثير الخطأ والتدليس وهو هنا قد عنعن، وفى السند أيضا هبيرة وهو ابن يريم الشيبانى أبو الحارث الكوفى لا بأس به وقد عيب بالتشيع كما أشار إلى ذلك الحافظ فى التقريب.
* * *